المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب الوليمة والنثر

الطعام الذى يدعى إليه الناس ستة: الوليمة للعرس، والخرس للولادة، والاعذار للختان، والوكيرة للبناء، والنقيعة لقدوم المسافر، والمأدبة لغير سبب ويستحب ما سوى الوليمة لما فيها من إظهار نعم الله والشكر عليها، واكتساب الاجر والمحبة، ولا تجب، لان الايجاب بالشرع ولم يرد الشرع بإيجابه.
وأما وليمة العرس فقد اختلف أصحابنا فيها فمنهم من قال: هي واجبة وهو المنصوص
لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (تزوج عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: أولم ولو بشاة) ومنهم من قال: هي مستحبة لانه طعام لحادث سرور، فلم تجب كسائر الولائم، ويكره النثر لان التقاطه دناءة وسخف، ولانه يأخذه قوم دون قوم ويأخده من غيره أحب.
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَوَاهُ أحمد والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الاربعة والدارقطني ونصه (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ما هذا؟ قال: تزوجت إمرأة على وزن نواة من ذهب قال: بارك الله لك أولم ولو بشاة) ولم يقل أبو داود (بارك الله لك) وقد روى أحمد والشيخان من حديث أنس قال (ما أولم النبي صلى الله عليه وسلم على شئ من نسائه ما أولم على زينب.
أولم بشاة) وَعَنْ أَنَسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفية بتمر وسويق) اخرجه اصحاب السنن إلا النسائي، واخرجه ابن حبان، واخرج البخاري مرسلا عن صفية بنت شيبة (أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير) وعن أنس في قصة صفية أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (جَعَلَ وليمتها التمر والاقط والسمن) أخرجه الشيخان، وفى رواية عندهما ومسند أحمد (أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى بصفيه فيدعون المسلمين إلى وليمته ما كان فيها خبز

(16/392)


ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالانطاع فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن، فقال المسلمون: إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه؟ فقالوا: إن حجبها فهى إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهى مما ملكت يمينه، فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب.
أما اللغات: فإن الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع، لان الزوجين يجتمعان
هكذا قال الازهرى، وقال ابن الاعرابي: اصلها تمام الشئ واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الاعراس بلا تقييد وفى غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى المصنف وابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب، وبه جزم الجوهرى وابن الاثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة، قال ابن رسلان: وقول أهل اللغة أقوى، لانهم أهل اللسان، وهم أعرف بموضوعات اللغة وأعرف بلسان العرب والخرس وزان قفل طعام يصنع للولادة، والعذر والاعذار لغة فيه يقال عذرت الغلام والجارية من باب ضرب أي ختنته وقد يكون الاعذار خاص بالطعام في الختان وعذرة الجارية بكارتها، والوكيرة مأخوذة من وكر الطائر وهو عشه ووكر الطائر يكر من باب وعد اتخذ وكرا، ووكر صنع الوكيرة والنقيعة طعام يتخذ للقادم من السفر، وقد أطلقت النقيعة على ما يصنع عند الاملاك وهو التزويج.
وقال ابن بطال: النقيعة مأخوذة من النقع وهو النحر يقال نقع الجزور إذا نحرها، ونقع حبيبه شقه قال المرار: نقعن جيوبهن على حيا
* وأعددن المراثى والعويلا وفى خبر تزويج خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم قال أبو خديجة وقد ذبحوا بقرة عند ذلك، ما هذه النقيعه، وقد جمع الشاعر هذه الاطعمه المذكورة حيث قال.
كل الطعام تشتهى ربيعه
* الخرس والاعذار والنقيعه وقال آخر: إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم
* ضرب القدار نقيعة القدام والقدار الجزار والطعام الذى يتخذ يوم سابع الولادة يسمى العقيقة،

(16/393)


ويسمى الطعام الذى يتخذ لسبب ومن غير سبب مأدبة بضم الدال، وبفتحها
التأديب، وفى الاثر الجوع مأدبة الله في أرضة، إذا ثبت هذا فقد أخذ بالوجوب المالكيه نقله القرطبى عن مذهبه ثم قال، ومشهور المذهب أنها مندوبه، وروى ابن التين الوجوب عن مذهب أحمد لكن الذى في المغنى أنها سنه، وكذلك حكى الوجوب الرويانى في البحر عن أحد قولى الشافعي وحكاه ابن حزم عن أهل الظاهر، وقال سليم الرازي إنه نص الام.
وحكى المصنف الوجوب عن نص الام، وحكاه في فتح الباري عن بعض الشافعية، وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب، وقد قال ابن بطال لا أعلم أحدا أو جبها وليس هذا صحيحا، وكذا قال ابن قدامه، ومن جملة أدلة من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشى بن حرب مرفوعا (الوليمة حق وسنه فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى) وأخرج أحمد من حديث بريدة قال (لما خطب على فاطمة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنه لا بد للعروس من وليمه) قال الحافظ وسنده لا بأس به، وفى صحيح مسلم (شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق) قال في الفتح، وقد اختلف السلف في وقتها هل هو عند العقد أو عقبه، أو عند الدخول أو عقبه، وسيأتى بيان ذلك.
وحكى الشيخ أبو حامد في التعليق في الوليمة قولين وأكثر أصحابنا حكاهما وجهين، أحدهما واجبه لحديث (أولم ولو بشاة) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أولم على صفيه بسويق وتمر.
ولانه لما كانت الاجابة إليه واجبه كان فعلها واجبا.
والثانى أنها تستحب ولا تجب لقوله صلى الله عليه وسلم (ليس في المال حق سوى الزكاة) ولانه طعام عند حادث سرور فلم يكن واجبا كسائر الاطعمه وأما فعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، وأما ما ذكره من الاجابة فيبطل بالسلام فانه لا يجب، وإجابته واجبه، وقد حكى الصيمري وجها ثالثا أن الوليمة فرض على الكفايه، فإذا فعلها واحد أو اثنان في الناحية والقبيلة
وشاع في الناس وظهر سقط الفرض عن الباقين، وظاهر النص هو الاول، واقل المستحب في الوليمة للمتمكن شاة لحديث (أولم ولو بشاة) فان نقص عن ذلك جاز لوليمة صفيه والسويق والتمر أقل من شاه في العادة.

(16/394)


وأما كراهة النثر فقد عقد في منتقى الاخبار له بابا دعاه (باب حجة من كره النثار والانتهاب منه) وساق حديث زيد بن خالد أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ينهى عن النهبة والخلسة، رواه أحمد وأحاديث في معناه عن عبد الله بن يزيد الانصاري وأنس بن مالك وعمران بن الحصين وحاصل ذلك أن النهى عن النهبى يقتضى النهى عن انتهاب النثار، وقد أورد الجوينى والغزالي والقاضى حسين حديثا عَنْ جَابِرٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حضر في إملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال: ما لكم لا تأخذون، فقالوا: إنك نهيت عن النهبى فقال: إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه) ولو صح هذا الحديث لكان مخصصا لعموم النهى ولكنه لم يصح عند المحدثين حتى قال الحافظ ابن حجر: إنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضى حسين، وإنما هم من الفقهاء الذين لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء.
قلت: قد روى هذا الحديث البيهقى من معاذ بإسناد ضعيف منقطع، ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح، قال ابن عدى هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلى من طريقه ثم قال: لا يثبت في الباب شئ وأورده ابن الجوزى في الموضوعات، ورواه أيضا من حديث أنس وفى إسناده خالد بن إسماعيل.
قال ابن عدى: يضع الحديث، وقال غيره: كذاب، وقد روى ابن أبى شيبه في مصنفه عن الحسن والشعبى أنهما لا يريان به بأسا، وأخرج كراهيته عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمه، قال في البحر: والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره وهو مباح، إذ مانثره إلا إباحة له، وانما يكره لمنافاته المروءة والوقار.
وقد قال الشافعي في نثر السكر واللوز والجوز لو ترك كان أحب إلى لانه يؤخذ بحبسه ونهبه، ولا يتبين لى أنه حرام.
وجملة ذلك أن نثر السكر واللوز

(16/395)


والجوز والزبيب والدراهم والدنانير وغير ذلك يكره، وروى أن أبا مسعود الانصاري رضى الله عنه كان إذا نثر للصبيان يمنع صبيانه عن التقاطه، وبه قال عطاء وعكرمة وابن سيرين وابن أبى ليلى.
وقال أبو حنيفة والحسن البصري وأبو عبيد وابن المنذر، لا يكره، وقال القاضى أبو القاسم الصيمري: يكره التقاطه، وأما النثر نفسه فمستحب، وقد جرت العادة للسلف به، وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا زوج عليا رضى الله عنه فاطمة عليها السلام نثر عليهما، والاول هو المشهور، والدليل عليه أن النثار يؤخذ نهبة ويزاحم عليه، وربما أخذه من يكرهه صاحبه، وفى ذلك دناءة وسقوط مروءة، وما ذكره الصيمري غير صحيح لانه لا فائدة في نثاره إذا كان يكره التقاطه، فإن خالف ونثر فالتقط رجل فهل للذى نثره أن يسترجعه، فيه وجهان حكاهما الداركى.

(أحدهما)
أن يسترجعه لانه لم يوجد منه لفظ يملك به.

(والثانى)
ليس له أن يسترجعه وهو اختيار المسعودي لانه نثر للتملك بحكم العادة.
قال المسعودي لو وقع في حجر رجل كان أحق به، فلو التقطه آخر
من حجره أو قام فسقط من حجره فهل يملكه الملتقط، الصحيح أنه لا يملكه، قال الشيخ أبو حامد، وحكى أن أعرابيا تزوج فنثر على رأسه زبيبا فأنشا يقول: ولما رأيت السكر العام قد غلا
* وأيقنت أنى لا محالة ناكح نثرت على رأسي الزبيب لصحبتي
* وقلت: كلوا كل الحلاوة صالح قال أبو العباس بن سريج: ولا يكره للمسافرين أن يخلطوا زادهم فيأكلوا، وإن أكل بعضهم أكثر من بعض بخلاف النثار يؤخذ بقتال وازدحام بخلاف الزاد، قال القاضى أبو الطيب الكتب التى يكتبها الناس بعضهم إلى بعض، قال أصحابنا لا يملكها المحمولة إليهم ولكن لهم الانتفاع بها بحكم العادة، لان العادة جرت بإباحة ذلك والله أعلم.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ومن دعى إلى وليمة وجب عليه الاجابة لما روى ابن عمر (رض)

(16/396)


إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة فليأتها) ومن أصحابنا من قال هي فرض على الكفاية، لان القصد إظهارها، وذلك يحصل بحضور البعض، وإن دعى مسلم إلى وليمة ذمى ففيه وجهان
(أحدهما)
تجب الاجابة للخبر
(والثانى)
لا تجب، لان الاجابة للتواصل، واختلاف الدين يمنع التواصل وإن كانت الوليمة ثلاثة أيام أجاب في اليوم الاول والثانى وتكره الاجابة في اليوم الثالث، لما روى أن سعيد بن المسيب رحمه الله دعى مرتين فأجاب ثم دعى الثالثة فحصب الرسول.
وعن الحسن رحمه الله أنه قال (الدعوة أول يوم حسن، والثانى حسن، والثالث رياء وسمعة) وإن دعاه إثنان ولم يمكنه الجمع بينهما أجاب أسبقهما لحق السبق، فإن استويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فإن استويا في الرحم أجاب
أقربهما دارا لانه من أبواب البر فكان التقديم فيه على ما ذكرناه كصدقة التطوع فان استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر فقدم بالقرعة.
(الشرح) حديث ابن عمر أخرجه أحمد والبخاري ومسلم وَلَفْظُهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها، وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرس وغير العرس ويأتيها وهو صائم) وفى رواية (إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها) ورواه أبو داود وزاد (فان كان مفطرا فليطعم، وان كان صائما فليدع) وفى رواية (من دعى فلم يجب فقد عصى الله ورسوله، ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا وخرج مغيرا) رواه أبو داود.
وفى رواية عند أحمد ومسلم وأبى داود (إذا دعا أحدكم أخاه فليجب) وفى لفظ (من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب) وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب) رواهما مسلم وأبو داود.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (إذا دعى أحدكم فليجب، فان كان صائما فليصل وان كان مفطرا فليطعم) رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وفى لفظ (إذا دعى أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل إنى صائم) رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الا النسائي.
وقد أخرج مسلم من حديث

(16/397)


أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ.
قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم (شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله) أما الاحكام فهل تجب الاجابة على من دعى إلى وليمة عرس؟ فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجب عليه الاجابة وبه قال مالك وأحمد، لان الشافعي قال (ولو أن رجلا أتى رجلا وقال: إن فلانا اتخذ دعوة وأمرني أن أدعو من شئت،
وقد شئت أن أدعوك لا يلزمه أن يجيب
(والثانى)
وهو المذهب أنه يلزمه أن يجيب لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (من دعى إلى وليمة ولم يجب فقد عصى أبا القاسم) قال العمرانى وما احتج القائل به من كلام الشافعي رحمه الله فلا حجة فيه، لان صاحب الطعام لم يدعه.
إذا ثبت أن الاجابة واجبة فهل تجب على كل من دعى أو هي فرض على الكفاية؟ فيه وجهان
(أحدهما)
أنها فرض على الكفاية، فإذا أجابه بعض الناس سقط الفرض عن الباقين، لان القصد أن يعلم ذلك ويظهر وذلك يحصل بإجابة البعض
(والثانى)
يجب على كل من دعى لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم.
وكذلك عموم سائر الاخبار وأما إذا ادعى إلى وليمة غير العرص فذكر ابن الصباغ أن الاجابة لا تجب عليه قولا واحدا، لان وليمة العرس أكد.
ولهذا اختلف في وجوبها فوجبت الاجابة إليها وغيرها لا تجب بالاجماع فلم تجب الاجابة إليها.
وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ أنها كوليمة العرس في الاجابة إليها وهو الاظهر لحديث (من دعى فلم يجب فقد عصى أبا القاسم) وهذا نقل أصحابنا البغداديين.
وقال المسعودي إذا دعى لقوى لم تجب الاجابة، وان دعى إلى حفل بأن فتح الباب لكل من يدخل فلا يلزمه، وان خصه بالدعوة مع أهل حرفته فيلزمه، ولو لم يجب فهل يعصى؟ فيه وجهان.
(فرع)
إذا دعى إلى وليمة كتابي وقلنا تجب عليه الاجابة إلى وليمة المسلم فهل تجب عليه الاجابة إلى وليمة الكتابى فيه وجهان
(أحدهما)
تجب عليه الاجابة لعموم الاخبار
(والثانى)
لا تجب عليه الاجابة لان النفس تعاف

(16/398)


من أكل طعامهم، ولانهم يستحلون الربا، ولان الاجابة إنما جعلت لتنأكد الاخوة والموالاة، وهذا لا يوجد في أهل الذمة
(فرع)
إذا جاءه الداعي فقال: أمرنى فلان أن أدعوك فأجب لزمه الاجابة وإن قال أمرنى فلان أن أدعو من شئت أو من لقيت فاحضر لم تلزمه الاجابة.
قال الشافعي رحمه الله: بل أستحب له أن يحضر إلا من عذر، والاعذار التى يسقط معها فرض الاجابة أن يكون مريضا أو قيما بمريض أو بميت، وبإطفاء حريق أو يخاف ضياع ماله أو له في طريقه من يؤذيه، لان هذه الاسباب أعذار في حضور الجماعة وفى صلاة الجمعة، ففى هذا أولى.
(فرع)
وان كانت الوليمة ثلاثة أيام فدعى في اليوم الاول وجب عليه الاجابة، وإن كان دعا في اليوم الثاني لم تجب عليه الاجابة ولكن يستحب له أن يجيب، وان دعى في اليوم الثالث لم يستحب له أن يجيب بل يكره له لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الوليمة في اليوم الاول حق، وفى الثاني معروف، وفى اليوم الثالث رياء وسمعه، رواه أحمد وأبو داود عن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفى عن رجل من ثقيف يقال: ان له معروفا وأثنى عليه، ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبى هريرة.
وروى أن سعيد بن المسيب دعى مرتين فأجاب ودعى في اليوم الثالث فحصب الرسو ل.
(فرع)
إذا دعاه اثنان إلى وليمتين فان سبق أحدهما قدم إجابته، وان لم يسبق أحدهما أجاب أقربهما إليه دارا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذا اجتمع داعيان فأجب أقربهما اليك بابا، فان أقربهما بابا أقربهما جوارا، فان سبق أحدهما فأجب الذى سبق) هكذا ذكر المحاملى وابن الصباغ.
وذكر الشيخ أبو إسحاق أنهما إذا تساويا في السبق أجاب أقربهما رحما، فان استويا في الرحم أجاب أقربهما دارا، وإذا ثبت الخبر فأقربهما دارا أولى، لانه لم يفرق بين أن يكون أقربهما رحما أو أبعد، فإن استويا في ذلك أقرع بينهما لانه لا مزية لاحدهما على الآخر قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان دعى إلى موضع فيه دف أجاب، لان الدف يجوز في الوليمة

(16/399)


لما روى محمد حاطب قَالَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (فصل ما بين الحلال والحرام الدف) فان دعى إلى موضع فيه منكر من زمر أو خمر فان قدر على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة ولازالة المنكر، وان لم يقدر على إزالته لم يحضر لما رُوِيَ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى أن يجلس على مائدة تدار فيها الخمر) وروى نافع قال (كنت أسير مع عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فسمع زمارة راع فوضع أصبعيه في أذنيه، ثم عدل عن الطريق، فلم يزل يقول يا نافع أتسمع؟ حتى قلت لا فأخرج أصبعيه عن أذنيه ثم رجع إلى الطريق ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع) وان حضر في موضع فيه تماثيل فان كانت كالشجر جلس، وان كانت على صورة حيوان فان كانت على بساط يداس أو مخدة يتكأ عليها جلس.
وان كانت على حائط أو ستر معلق لم يجلس، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ.
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أتانى جبريل صلى الله عليه وسلم فقال أتيتك البارحة فلم يمنعنى أن أكون دخلت الا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمره برأس التماثيل، التى كانت في باب البيت يقطع فتصير كهيئة الشجرة، ومرة بالستر فليقطع منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك) ولان ما كان كالشجر فهو كالكتابة والنقوش، وما كان على صورة الحيوان على حائط أو ستر فهو كالصنم، وما يوطأ فليس كالصنم لانه غير معظم.
(الشرح) حديث محمد بن حاطب رواه أصحاب السنن الا أبا داود وقد حسنه الترمذي.
قال ومحمد قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ صغير، وأخرجه الحاكم.
وأما حديث النهى عن الجلوس على مائدة الخمر فقد أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح) وأخرجه النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه، ومن ثم فقد أعله أبو داود والنسائي وأبو حاتم بذلك.
ولكن أحمد والترمذي والحاكم رووا عن جابر مرفوعا (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ

(16/400)


بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر) وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبى سليم عن طاوس عن جابر.
وقال الحافظ بن حجر إسناده جيد.
وأخرج نحوه البزار من حديث أبى سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين.
وأخرج أحمد في مسنده عن عُمَرَ قَالَ (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار.
ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه عن جابر وقال: حسن غريب.
أما حديث أبى هريرة فقد أخرجه أحمدو وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي بلفظ (أتانى جبريل فقال: إنى كنت أتيتك الليلة فلم يمنعنى أن أدخل البيت الذى أنت فيه إلا أنه كان فيه تمثال رجل وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب فمر برأس التمثال الذى في باب البيت يقطع يصير كهيئة الشجرة، وأمر بالستر يقطع فيجعل وسادتين منتبذتين توطآن، وأمر بالكلب يخرج ففعل رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا الكلب جرو، وكان للحسن والحسين تحت نضد لهم) ويوافق هذا الحديث ما أخرجه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبى طلحة الانصاري قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تدخل
الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل) وزاد أبو داود والنسائي عن على مرفوعا ((ولا جنب) .
أما اللغات: فالدف لعله من دف الطائر يدف، وبابه ضرب حرك جناحيه الطيرانه، أي ضرب دفيه وهما جنباه، فالدف بضم الدال وفتحها الذى يلعب به والجمع دفوف والدف عند العرب على شكل غربال خلا أنه بغير ثقوب وقطره إلى أربعة أشبار.
والزمارة هي آلة الزمر، وزمر زمرا من باب ضرب وزميرا أيضا، ويزمر بالضم لغة حكاها أبو زيد، ورجل زمار، قالوا ولا يقال زامر.
وامرأة زامرة ولا يقال زمارة، والزمارة بالكسر هو صوت النعام، وقد زمر النعام يزمر، والقرام ككتاب، الستر الرقيق، وبعضهم يزيد: وفيه رقم ونقوش والتمثال تفعال من المماثلة وهى المشابهة كالصور المشبهة بالحيوان وغيرها.

(16/401)


أما الاحكام فإنه يجوز ضرب الدف في العرس لحديث: فصل ما بين الحلال والحرام الدف.
وأقل ما يفيده هذا الحديث هو الندب، ويؤيد ذلك ما في حديث المازنى عمرو بن يحيى عن جده أبى الحسن (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يكره نكاح السر حتى يضرب بدف ويقال: أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم) رواه ابن ماجه.
قال في الفتح: في رواية شريك: فقال: فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغنى.
قلت ماذا، قال تقول: أتيناكم أتيناكم
* فحيانا وحياكم ولولا الذهب الاحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السمراء ما سمنت عذاريكم فإذا دعى إلى وليمة فيها دف أجاب، وان دعى إلى وليمة فيها منكر من خمر
أو مزامير فضلا عن الراقصات والمغنيات وما أشبه ذلك، فان علم بذلك قبل الحضور، فان كان قادرا على إزالته لزمه أن يحضر لوجوب الاجابة وإزالة المنكر، وان كان غير قادر على إزالته لم يلزمه الاجابة ولم يستحب له الحضور.
بل ترك الحضور أولى، فان حضر ولم يشارك في المنكر لم يأثم، وان لم يعلم به حتى حضر فوجده، فان قدر على إزالته وجب عليه الازالة، لانه أمر بمعروف ونهى عن منكر.
وإن لم يقدر على إزالته فالاولى له أن ينصرف لحديث النهى عن أن يجلس على مائدة تدار عليها الخمر.
فان لم ينصرف فان قصد إلى سماع المنكر أثم بذلك وان لم يقصد إلى استماعه بل سمعه من غير قصد لم يأثم بذلك لخبر نافع وابن عمر حتى قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صنع: فموضع الدليل أن ابن عمر لم ينكر على نافع سماعه.
ولان رجلا لو كان له جار في داره منكر ولا يقدر على ازالته فإنه لا يلزمه التحول من داره لاجل المنكر.

(16/402)


فإن دعى إلى موضع فيه تصاوير فإن كان صور ما لا روح فيها كالشمس والقمر والاشجار جلس سواء كانت معلقة أو مبسوطة، لان ذلك يجرى مجرى النقوش، وإن كان صور حيوان فإن كان على بساط أو مخاد توطأ أو يتكأ عليها فلا بأس أن يحضر، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى سترا معلقا في بيت عائشة أم المؤمنين عليه صور حيوان فقال صلى الله عليه وسلم: اقطعيه مخادا، ولانه يبتذل ويهان، وإن كان على ستور معلقة فقد قال عامة أصحابنا: لا يجوز له الدخول إليها لما روى على قال: أحدثت طعاما فدعوت النبي صلى الله عليه وسلم فلما أتى الباب رجع ولم يدخل، وقال: لا أدخل بيتا فيه صور، فإن الملائكه
لا تدخل بيتا فيه صور، وقيل إن أصل عبادة الاوثان كانت الصور.
قال في البيان: وذلك أن آدم صلوات الله عليه لما مات جعل في تابوت فكان بنوه يعظمونه: ثم افترقوا فحصل قوم منهم في ذروة جبل وقوم منهم في أسفله وحصل التابوت مع أهل الذروة فلم يقدر من في أسفله على الصعود إليهم فاشتد عليهم ذلك فصوروا مثاله من حجارة وعظموه، فلما طال الزمان ونشا من بعدهم رأوا آباءهم يعظمون تلك الصور فظنوا أنهم كانوا يعبدونها من دون الله فعبدوها وإذا كان هذا هو السبب وجب أن يكون محرما.
وقال ابن الصباغ هذا عندي لا يكون أكثر من المنكر مثل الخمر والملاهي وقد جوزوا له الدخول إلى الموضع التى هي فيه، سواء قدر على إزالتها أو لم يقدر وما رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلا يدل على التحريم، بل يدل على الكراهة، وما روى عن الملائكه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان، لان الاصنام كانت تعظم فيه والتماثيل، وأما الزمان الذى لا يعتقد فيه شئ من ذلك فلا يجرى مجراه.
اه وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْأُمِّ: فإن كانت المنازل مسترة فلا بأس أن يدخلها، ليس فيه شئ أكرهه سوى السرف، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه قال لا نستر الجدر، ولان في ذلك سرفا فكره لمن فعله دون من يدخل إليه.

(16/403)


قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
ومن حضر الطعام فإن كان مفطرا ففيه وجهان
(أحدهما)
يلزمه أن يأكل، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما
فليصل)
(والثانى)
لا يجب لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك) وان دعى وهو صائم لم تسقط عنه الاجابة للخبر، ولان القصد التكثير والتبرك بحضوره، وذلك يحصل مع الصوم، فإن كان الصوم فرضا لم يفطر لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليصل) وان كان تطوعا فالمستحب أن يفطر، لانه يدخل السرور على من دعاه، وان لم يفطر جاز لانه قربة فلم يلزمه تركها، والمستحب لمن فرغ من الطعام أن يدعو لصاحب الطعام.
لما روى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال (أفطر رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ سعد ابن معاذ رضى الله عنه، فقال: أفطر عندكم الصائمون، وصلت عليكم الملائكه وأكل طعامكم الابرار) .
(الشرح) حديث أبى هريرة رواه أحمد ومسلم وأبو داود بلفظ (إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائما فليصل، وان كان مفطرا فليطعم) وقد مضى وحديث جابر أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه (وهو صائم) أما حديث افطار الرسول الله صلى الله عليه وسلم عند سعد بن معاذ فقد رواه ابن ماجه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، وروينا في سنن أبى داود وغيره عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم جاء إلى سعد بن عبادة رضى الله عنه بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الابرار، وصلت عليكم الملائكه.
قال النووي في الاذكار: قلت: فهما قضيتان جرتا لسعد بن عباده وسعد ابن معاذ، وروينا في سنن أبى داود عن رجل عن جابر قال صنع أبو الهيثم بن

(16/404)


التيهان للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
فلما فرغوا قال أثيبوا أخاكم، قالوا: يا رسول الله وما إثابته قال: إن الرجل إذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك إثابته.
أما اللغات فقوله: فليصل.
قال ابن بطال: أي فليدع، والصلاة هنا الدعاء لارباب الطعام بالمغفرة والبركة، وقوله: وصلت عليه الملائكة أي استغفرت لكم والصلاة من الله الرحمة ومن الملائكه الاستغفار ومن الناس الدعاء.
أما الاحكام: فإذا حضر المدعو إلى طعام فلا يخلو إما أن يكون صائما أو مفطرا فإن كان صائما نظرت، فإن كان الصوم فرضنا فإنه يجب عليه الاجابة ولا يجب عليه الاكل، لقوله صلى الله عليه وسلم (فليجب فإن كان مفطرا فليأكل، وإن كان صائما فليدع) أو (فليصل) والصلاة الدعاء وليقل: إنى صائم لما روى أن ابن عمر دعى إلى طعام وهو صائم فلما حضر مد يده فلما مد الناس أيديهم قال: بسم الله كلوا إنى صائم، وإن كان صوم تطوع استحب أن يفطر لانه مخير فهى بين الاكل والاتمام، وفى الافطار إدخال المسرة على صاحب الوليمة فإن لم يفطر جاز لقوله صلى الله عليه وسلم (وان كان صائما فليدع) ولم يفرق، وان كان المدعو مفطرا فهل يلزمه الاكل؟ فيه وجهان.

(أحدهما)
يلزمه أن يأكل لما روى أبو هريرة مرفوعا (فإذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليأكل، وان كان صائما فليصل)) ولان الاجابة المقصود منها الاكل فكان واجبا.

(والثانى)
لا يجب عليه الاكل لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (إذَا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فان شاء فليأكل، وان شاء ترك) ولانه لو كان واجبا لوجب عليه ترك التطوع لانه ليس بواجب، ولان التكثر والتبرك يحصل بحضوره وقد حضر.
(فرع في أداب الطعام) روى عَنْ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
قال (بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده) يريد بذلك غسل اليد وروت عائشة أم المؤمنين عليها السَّلَامُ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إذا حضر الاكل

(16/405)


إلى أحدكم فليذكر اسم الله، فان نسى أن يذكر اسم الله في أوله فليقل: بسم الله في أوله وآخره، وروى أبو جحيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: إذا أكل أحدكم فلا يأكل من أعلا القصعة، وإنما يأكل من أسفلها، فان البركة تنزل في أعلاها، وروى ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لا يأكل أحدكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فان الشيطان يفعل ذلك وروى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عاب طعاما قط إن اشتهاه أكله وان كرهه تركه.
وَرَوَى أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ ليرضى على العبد أن يأكل الاكلة أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها.
ويستحب أن يدعو لصاحب الطعام لما روى ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفطر عند سعد بن معاذ فقال: أفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وأكل طعامكم الابرار.
والله تعالى الموفق للصواب وهو حسبنا ونعم الوكيل.