المجموع شرح المهذب ط دار الفكر

قال المصنف رحمه الله تعالى:

باب المتعة

إذا طلقت المرأة لم يخل إما أن يكون قبل الدخول أو بعده فإن كان قبل الدخول نظرت، فإن لم يفرض لها مهر وجب لها المتعة لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة، ومتعوهن) ولانه
لحقها بالنكاح ابتذال، وقلت الرغبة فيها بالطلاق، فوجب لها المتعة، وإن فرض لها المهر لم تجب لها المتعة، لانه لما أوجب بالايه لمن لم يفرض لها دل على أنه لا يجب لمن فرض لها، ولانه حصل لها في مقابلة الابتذال نصف المسمى، فقام ذلك مقام المتعة.
وإن كان بعد الدخول ففيه قولان، قال في القديم: لا تجب لها المتعة، لانها مطلقة من نكاح لم يخل من عوض، فلم تجب لها المتعة كالمسمى لها قبل الدخول.
وقال في الجديد: تجب لقوله تعالى (فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا) وكان ذلك في نساء دخل بهن، ولان ما حصل من المهر لها بدل عن الوطئ، وبقى الابتذال بغير بدل، فوجب لها المتعة كالمفوضة قبل الدخول، وإن وقعت الفرقة بغير الطلاق نظرت فإن كانت بالموت لم تجب لها المتعة لان النكاح قد تم بالموت وبلغ منتهاه فلم تجب لها متعة.
وإن كانت بسبب من جهة أجنبي كالرضاع فحكمه حكم الطلاق في الاقسام الثلاثة، لانها بمنزلة الطلاق في تنصيف المهر فكانت كالطلاق في المتعة.
وإن كانت بسبب من جهة الزوج كالاسلام والردة واللعان فحكمه حكمم الطلاق في الاقسام الثلاثه، لانها فرقة حصلت من جهته فأشبهت الطلاق، وإن كانت بسبب من جهة الزوجة كالاسلام والردة والرضاع والفسخ بالاعسار والعيب بالزوجين جميعا لم تجب لها المتعة، لان المتعة وجبت لها لما يلحقها من الابتذال بالعقد وقلة الرغبة فيها بالطلاق، وقد حصل ذلك بسبب من جهتها فلم تجب.
وإن كانت بسبب منهما نظرت فإن كانت بخلع أو جعل الطلاق إليها فطلقت

(16/387)


كان حكمها حكم المطلقة في الاقسام الثلاثة، لان المغلب فيها جهة الزوج، لانه يمكنه أن يخالعها مع غيرها ويجعل الطلاق إلى غيرها فجعل كالمنفرد به.
وان
كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج فقد قال في موضع لا متعة لها، وقال في موضع لها المتعة، فمن أصحابنا من قال هي على قولين.

(أحدهما)
لا متعة لها لان المغلب جهة السيد، لانه يمكنه أن يبيعها من غيره فكان حكمه في سقوط المتعة حكم الزوج في الخلع في وجوب المتعة، ولانه يملك بيعها من غير الزوج فصار اختياره للزوج اختيارا للفرقه.

(والثانى)
أن لها المتعة لانه لا مزية لاحدهما على الآخر في العقد، فسقط حكمها كما لو وقعت الفرقه من جهة أجنبي.
وقال أبو إسحاق: ان كان مولاها طلب البيع لم تجب لانه هو الذى اختار الفرقه.
وإن كان الزوج طلب وجبت، لانه هو الذى اختار الفرقه، وحمل القولين على هذين الحالين.
(الشرح) المناع في اللغة كل ما ينتفع به كالطعام والثياب وأثاث البيت، وأصل المتاع ما يتبلغ به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقبل ادا أعطيته، والجمع أمتعة، ومتعة الطلاق من ذلك، ومتعت المطلقة بكذا إذا أعطيتها إياه لانها تنتفع به وتتمتع به.
قال الشافعي رضى الله عنه: لا متعة للمطلقات الا لواحدة، وهى التى تزوجها وسمى لها مهرا.
أو تزوجها مفوضة وفرض لها المهر ثم طلقها قبل الدخول فلا متعة لها.
وجملة ذلك أن المطلقات ثلاث.
مطلقه لها المتعة قولا واحدا.
ومطلقه لا متعة لها قولا واحدا.
ومطلقه هل لها متعه.
على قولين.
فأما التى لها المتعة قولا واحدا فهى التى تزوجها مفوضه ولم يفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الفرض والمسيس لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) ولانه قد لحقها بالعقد والطلاق قبل الدخول ابتذال فكان لها المتعة بدلا عن الابتذال.
وأما التى لا متعة لها قولا واحدا فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد

(16/388)


أو تزوجها مفوضه وفرض لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول، لان الله تعالى علق وجوب المتعة بشرطين.
وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض والمسيس، وههنا أحد الشرطين غير موجود، وقد جعلنا لها المتعة لكيلا يعرى العقد من بدل.
وههنا قد جعل لها نصف المهر.
وأما المطلقة التى في المتعة لها قولان، فهى التى تزوجها وسمى لها مهرا في العقد ودخل بها أو تزوجها مفوضة وفرض لها مهرا ودخل بها أو لم يفرض لها مهرا أو دخل بها، ففى هذه الثلاث قولان.
قال في القديم: لا متعة لها.
وبه قال أبو حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد لقوله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة ومتعوهن) فعلق المتعة بشرطين، وهو أن يكون الطلاق قبل الفرض وقبل المسيس، ولم يوجد الشرطان ههنا.
وقوله تعالى (إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها، فمتعوهن) فجعل لهن المتعة قبل المسيس وقد وجد المسيس ههنا، ولانها مطلقة لم يخل نكاحها عن بدل فلم يكن لها المتعة، كما لو سمى لها مهرا ثم طلقها قبل الدخول.
وقال في الجديد: لها المتعة، وبه قال عمر وعلى والحسن بن على وابن عمر ولا مخالف لهم في الصحابة.
قال المحاملى وهو الاصح لقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) فجعل الله تعالى المتعة لكل مطلقة، إلا ما خصه الدليل، ولقوله تعالى (يا أيها النبي قل لازواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن) وهذا في نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتى دخل بهن وقد كان سمى لهن المهر بدليل حديث
عائشة رضى الله عنها: كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم اثنى عشر أوقيه ونشا ولان المتعة إنما جعلت لما لحقها من الابتذال بالعقد والطلاق، والمهر في مقابلة الوطئ، والابتذال موجود فكان لها المتعة.
إذا ثبت هذا فإن المتعة واجبة عندنا، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(16/389)


وقال مالك رضى عنه: هي مستحبه غير واجبه.
دليلنا قوله تعالى (ومتعوهن) وهذا أمر، والامر يقتضى الوجوب.
وقوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين) و (حقا) يدل على الوجوب.
(مسألة أخرى) كل موضع قلنا تجب المتعة لا فرق بين أن يكون الزوجان حرين أو مملوكين، أو أحدهما حرا والآخر مملوكا.
وخالف الاوزاعي فجعلهما لحرين دليلنا قوله تعالى (وللمطلقات متاع بالمعروف) الآية.
وهذا عام لا تفرقة فيه.
(فرع)
إذا وقعت الفرقه بغير طلاق في الموضع الذى تجب فيه المتعة نظرت فإن كان بالموت لم تجب المتعة، لان النكاح قد بلغ منتهاه ولم يلحقها بذلك ابتذال وان وقعت بغير الموت نظرت، فإن كان بسبب من جهة أجنبي فهى كالطلاق لانها كالطلاق في تنصيف المهر قبل الدخول فكذلك في المتعة، وان كان من جهة الزوج كالاسلام قبل الدخول والردة واللعان فحكمه حكم الطلاق.
قال القاضى أبو الطيب وكذلك إذا أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه واختار أربعا منهن وجب للباقى المتعة.
وإن كانت الفرقه من جهتها كالاسلام والردة وإرضاعه أو الفسخ للاعسار بالمهر والنفقه أو فسخ أحدهما النكاح لعيب فلا متعة لها، لان الفرقة جاءت من جهتها ولهذا إذا وقع ذلك قبل الدخول سقط جميع المهر.
وان كان بسبب منهما، فان كان بالخلع، فهو
كالطلاق، هذا نقل البغداديين.
وقال المسعودي (لا متعة لها) وإن كان رده منهما في حالة واحدة ففيه وجهان مضى بيانهما في الصداق.
(فرع)
روى المزني أن الشافعي رحمه الله قال (وأما امرأة العنين فلو شاءت أقامت معه ولها المتعة عندي) قال المزني هذا غلط عندي، وقياس قوله لا متعه لان الفرقة من قبلها.
قال أصحابنا (اعتراض المزني صحيح، إلا أنه أخطأ في النقل) وقد ذكرها الشافعي في الام، وقال ليس لها المتعة، لانها لو شاءت أقامت معه، وإنما أسقط المزني (ليس)

(16/390)


قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
والمستحب أن تكون المتعة خادما أو مقنعة أو ثلاثين درهما، لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال (يستحب أن يمتعها بخادم) ، فإن لم يفعل فبثياب.
وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه قال (يمتعها بثلاثين درهما) وروى عنه قال (يمتعها بجارية) وفى الوجوب وجهان
(أحدهما)
ما يقع عليه اسم المال
(والثانى)
وهو المذهب أنه يقدرها الحاكم لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المفتر قدره) وهل يعتبر بالزوج أو بالزوجة، فيه وجهان
(أحدهما)
يعتبر بحال الزوج للآيه
(والثانى)
يعتبر بحالها لانه بدل عن المهر فاعتبر بها.
(الشرح) قال الشافعي رضى الله عنه (ولا وقت فيها وأستحسن تقدير ثلاثين درهما.
وجملة ذلك أن الكلام في القدر المستحب في المتعة وفى القدر الواجب.
فأما المستحب فقد قال في القديم (يمتعها بقدر ثلاثين درهما) وقال في المختصر
استحسن قدر ثلاثين درهما، وقال في بعض كتبه أستحسن أن يمتعها خادما، فإن لم يكن فمقنعة فان لم يكن فثلاثين درهما.
قال بعض أصحابنا أراد المقنعه التى قيمتها أكثر من ثلاثين درهما وأقل المستحب في المتعة ثلاثون درهما لما روى عن ابن عمر أنه قال يمتعها بثلاثين درهما، وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عباس قال متعة الطلاق اعلاها الخادم ودون ذلك الورق ودون ذلك الكسوة) وأما القدر الذى هو واجب ففيه وجهان: من أصحابنا من قال ما يقع عليه الاسم كما يجرى ذلك في الصداق، والثانى وهو المذهب أنه لا يجرى ما يقع عليه الاسم بل ذلك إلى الحاكم وتقديره باجتهاده لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فلو كان الواجب ما يقع عليه الاسم لما خالف بينهما ويخالف الصداق فان ذلك يثبت بتراضيهما، وهل الاعتبار بحال الزوج أو حال الزوجة؟ فيه وجهان
(أحدهما)
الاعتبار بحال الزوجه، لان المتعة بدل عن المهر بدليل أنه لو كان هناك مهر لم تجب لها متعة والمهر معتبر بحالها فكذلك المتعة
(والثانى)
الاعتبار بحال الزوج لقوله تعالى (ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره) فاعتبر فيه حاله دون حالها.
هذا مذهبنا والله أعلم بالصواب.

(16/391)