المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -57-         باب: التيمم
يتيمم المحدث والجنب لفقد الماء والبرد، والمرض، فإن تيقن فقد الماء تيمم بلا طلب، وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه فتش في منزله وعند رفقته، وتردد قدر حد الغوث، وقدره بعضهم بغلوة سهم، فإن لم يجد ماء تيمم، وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب -وهو ستة آلاف خطوة- فإن كان فوق حد القرب تيمم، والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء آخر الوقت، ولا يجب طلبه في حد الغوث وحد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب: التيمم
هو لغة: القصد، وشرعًا: إيصال التراب إلى الوجه واليدين بشرائط تأتي، وفرض سنة أربع أو ست، وهو من خصائصنا. "يتيمم المحدث والجنب" ومأمور بطهر مسنون من وضوء أو غسل "لفقد الماء والبرد والمرض" هذه أسبابه من حيث الجملة، وأما تفصيلها "فإن تيقن" المسافر أو غيره "فقد الماء تيمم بلا طلب" لأنه حينئذ عبق "وإن توهم الماء أو ظنه أو شك فيه" وجب عليه طلبه لكن لا يصح إلا بعد تيقن دخول الوقت، نعم يصح تقديم الأذان عليه وإنما يحصل إن "فتش" عليه بنفسه أو مأذونه الثقة ولو عبدًا أو امرأة وإن كان واحدًا عن جمع "وفي منزله وعند رفقته" المنسوبين إليه إن جوز بذلهم ولو بأن ينادي فيهم: من عنده ماء يجود به ولو بالثمن "وتردد" يمينًا وشمالًا وأمامًا وخلفًا "قدر حد الغوث" وجوبًا وهو ما يلحقه فيه غوث الرفقة مع ما هم عليه من التشاغل والتفاوض في الأقوال "وقدره بعضهم" كالرافعي1 "بغلوة سهم" أي غاية رميه ومراده تقريب ما مر، وليس المراد بذلك أنه يدور الحد المذكور لما فيه من عظيم الضرر والمشقة بل أن يصعد مرتفعًا بقربه، ثم ينظر حواليه إن كان بغير مستو وإلا نظر في الجهات الأربع قدر الحد المذكور، ويخص مواضع الخضرة والطير بمزيد نظر "فإن" تردد و"لم يجد ماء تيمم وإن تيقن وجود الماء وجب طلبه في حد القرب" وهو ما يقصده النازلون لنحو احتطاب واحتشاش، قال محمد بن يحيى2: ولعله يقرب من نصف فرسخ "وهو" نحو "ستة آلاف خطوة" إذ الفرسخ ثلاثة أميال والميل أربعة آلاف خطوة فنصفه ما ذكر "فإن كان" الماء "فوق حد القرب تيمم" ولم يجب قصده للمشقة "والأفضل تأخير الصلاة إن تيقن وصول الماء" يعني وجوده أو القدرة على القيام أو ساتر العورة أو الجماعة "آخر الوقت" أي قبل أن يبقى منه ما يسع تلك الصلاة بالوضوء ومقدماتها لفضيلة الصلاة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل الرافعي القزويني الشافعي، فقيه، أصولي، محدث، مفسر، مؤرخ، ولد سنة 555هـ، وتوفي سنة 632هـ "معجم المؤلفين: 2/ 210".
2 هو محمد بن يحيى بن منصور النيسابوري الشافعي. فقيه، ولد بطريثيث من خراسان سنة 476هـ، وتفقه على الغزالي وغيره، وقتل بنيسابور على يد الغز سنة 548هـ. من تصانيفه الكثيرة: المحيط في شرح الوسيط، والإنصاف في مسائل الخلاف، والأربعون هو عن أربعين صحابيًّا في أربعين بابًا "معجم المؤلفين: 3/ 771".

 

ص -58-         القرب إلا إذا أمن نفسًا ومالًا وانقطاعًا عن الرفقة، وخروج الوقت، فإن وجد ماء لا يكفيه وجب استعماله ثم يتيمم، ويجب شراؤه بثمن مثله إن لم يحتج إليه لدين مستغرق، أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالوضوء والقيام والسترة والجماعة عليها بضد ذلك، وسواء في الأولى منزله وغيره على الأوجه خلافًا للماوردي1، ولو كان إذا قدم التيمم صلى في جماعة، وإذا أخر صلى بالوضوء منفردًا فالتقديم أفضل، ولو صلى بالتيمم أوله وبالوضوء آخره فهو الأكمل، أما إذا لم يتيقن ذلك فالتقديم أفضل. "ولا يجب طلبه" أي الماء "في حد الغوث وحد القرب" السابقين "إلا إذا أمن نفسًا" محترمة وجميع أجزائها "ومالًا" له أو لغيره وإن قل ما لم يكن قدرًا يجب بذله في تحصيل الماء ثمنًا أو أجرة في مسألة التيقن فلا يعتبر الأمن عليه لأنه ذاهب على كل تقدير، ومثله الاختصاص وإن كثر بخلافه في غير صورة التيقن فإن يعتبر الأمن على المال والاختصاص مطلقًا. "و" أمن "انقطاعًا عن الرفقة" وإن لم يستوحش وفارق الجمعة بأنها لا بدل لها "و" أمن "خروج الوقت" فلو خاف فواته لو قصده من أوله أو من حين نزوله جاز له التيمم بخلاف ما لو وجده وخاف فوت الوقت لو توضأ أو غسل النجاسة به؛ لأنه غير فاقد، وبخلاف المقيم فإنه لا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء. "فإن وجد" المحدث أو الجنب "ماء" صالحًا للغسل "لا يكفيه" لطهره "وجب" عليه "استعماله" إذ الميسور لا يسقط بالمعسور وللخبر الصحيح:
"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"2، "ثم" بعد استعماله في بعض أعضاء الجنب أي بعض شاء وفي وجه المحدث وما يليه "يتيمم" عن الباقي، ولا يجوز له تقديم التيمم على استعماله لأنه معه ماء طاهرًا بيقين، أما ما لا يصلح إلا للمسح كثلج أو برد أو ماء لا يمكن أن يسيل لقلته لم يؤمر المحدث باستعماله في مسح الرأس لفقد الترتيب، ويجب أيضًا استعمال تراب ناقص، "ويجب" بعد دخول الوقت لا قبله "شراؤه" أي الماء ولو ناقضًا للطهارة واستئجار نحو دلو يحتاج إليه "بثمن" أو أجرة "مثله" في ذلك المكان والزمان، فلو طلب مالكه زيادة فلسٍ لم يجب لكنه أفضل، ومحل ذلك حيث لم ينته الأمر إلى شراء الماء لسد الرمق وإلا لم يجب لأن الشربة حينئذ قد تساوي دنانير، نعم إن بذل منه ذلك نسيئة بزيادة لائقة بمثل تلك النسيئة عرفًا وكان موسرًا بمال غائب إلى أجل يبلغه موضع ماله ولو غير وطنه لزمه القبول إذ لا ضرر عليه فيه وإنما يجب الشراء أو الاستئجار بعوض المثل "إن لم يحتج إليه لدين مستغرق" ولو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوردي. فقيه، أصولي، مفسر، أديب، ولد سنة 364هـ، وتوفي سنة 450هـ، من تصانيفه: الحاوي الكبير في فروع الفقه الشافعي، تفسير القرآن الكريم، أدب الدين والدنيا، الأحكام السلطانية، وغيرها "معجم المؤلفين: 2/ 499".
3 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1.

 

ص -59-         مئونة سفره، أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل، ويجب طلب هبة الماء واستعارة دلو دون اتهاب ثمنه، ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم ولو في المستقبل وجب التيمم، ولا يتيمم للمرض إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس أو منفعة عضو أو طول المرض أو حدوث شين قبيح في عضو ظاهر، ولا يتيمم للبرد إلا إذا لم تنفع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مؤجلا ومستغرق صفة كاشفة إذ من لازم الحجة للدين أو يكون مستغرقًا "أو مئونة سفره" المباح ذهابًا وإيابًا "أو نفقة حيوان محترم ولو في المستقبل" ممن تلزم نفقته وإن لم يكن معه ومن رقيقه وحيوان معه ولو لغيره إن عدم نفقته، والمراد بالنفقة المئونة لتشمل حتى الملبوس والأثاث الذي لا بد منه وأجرة التداوي والمركوب، وكذا المسكن والخدام المحتاج إليهما لأن هذه الأشياء لا بدل لها بخلاف الماء، وخرج بالمحترم وهو ما حرم قتله نحو المرتد والحربي والزاني المحصن وتارك الصلاة بشرطه والخنزير والكلب العقور لا الذي لا منفعة فيه ولا ضرر بل هو محترم. "ويجب طلب هبة الماء" وقرضه وقبولهما لغلبة المسامحة فيه فالمنة فيه حقيرة "واستعارة" نحو "دلو" ورشاء1 مما يتوقف عليه القدرة على الماء أي طلب عاريته وقبولها وإن زادت قيمته على ثمن مثل الماء إذ لا تعظم المنة فيها والأصل عدم تلف المستعار، ولو امتنع من سؤال ذلك أو قبوله لم يصح تيممه ما دام قادرًا عليه "دون اتهاب ثمنه" أي الماء أو أجرة اتهاب نحو الدلو أو اقتراضه لعظم المنة في ذلك ولو من نحو أب أو ابن وإن كان قابل المقترض موسرًا بمال غائب وسائر العورة كالدلو فيما ذكر ولو لم يجد إلا ما يكفيه للماء أو الستر قدمه وإن لم يستر سوى السوءتين لدوام نفعه، ومن ثم وجب على السيد أن يشتريه لمملوكه دون ماء طهارته في السفر "ولو كان معه ماء يحتاج إليه لعطش حيوان محترم" من نفسه أو غيره ولو من أهل قافلته وإن كبرت ولم تنسب إليه. "ولو" كان "في المستقبل" وإن ظن وجود الماء "وجب التيمم" وحرم الطهارة بالماء دفعًا للضرر الناجز2 أو المتوقع وضبطه كضبط المرض الآتي ولا يكلف الطهر به ثم شربه لأن النفس تعافه بخلاف دابته بل لو كان معه نجس وطاهر سقاها النجس وتطهر بالطاهر، ولا يجوز ادخار الماء لطبخ وبل كعك قدبر على أكله يابسًا على المنقول فيهما وكالاحتياج للماء لذلك الاحتياج لبيعه لطعم المحترم أو لنحو دين عليه أو لغسل نجاسة، ولو جد العاصي بسفره ماء فاحتاج إليه للعطش لم يجز له التيمم اتفاقًا, وكذلك لو كان به قروح وخاف من استعماله لأنه قادر على التوبة وواجد للماء، "ولا يتيمم للمرض" أي لأجله حاصلا كان أو متوقعًا "إلا إذا خاف من استعمال الماء على نفس" أو عضو "أو منفعة عضو" أن يتلف "أو" خاف "طول" مدة "المرض"

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرشاء: الحبل، أو حبل الدلو ونحوها.
2 أي المحقق.

 

ص -60-         تدفئة أعضائه، ولم يجد ما يسخن به الماء، وخاف على منفعة عضو أو حدوث الشين المذكور، وإن خاف من استعمال الماء في بعض بدنه غسل الصحيح، وتيمم عن الجريح في الوجه واليدين، فإن كان جنبًا قدم ما شاء، وإن كان محدثًا تيمم عن الجريح وقت غسل العليل، ثم إن كان عليه جبيرة نزعها وجوبًا، فإن خاف من نزعها غسل الصحيح ومسح عليها، وتيمم عما تحتها في الوجه واليدين، ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة على غير طهر، أو كانت في الوجه واليدين، ويقضي إذا تيمم للبرد أو تيمم لفقد الماء في الحضر، والمسافر العاصي بسفره.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن لم يزد أو زيادته وإن لم يبطئ "أو" خاف "حدوث شين1 قبيح" أي فاحش كتغير لون ونحول واستحشاف2 وثغرة3 تبقى ولحمة تزيد لإطلاق المرض في الآية وضرر نحو الشين المذكور وما قبله فوق ضرر الزيادة اليسيرة على ثمن مثل الماء وإنما يؤثر إن كان "في عضو ظاهر" وهو ما لا يعد كشفه هتكًا للمروءة بأن يبدو في المهنة غالبًا والباطن بخلافه، واحترز بفاحش عن اليسير ولو على عضو ظاهر كأثر جدري وسواد قليل، وعن الفاحش بعضو باطن فلا أثر لخوف ذلك إذ ليس فيهما كثير ضرر، ولا نظر لكون المتطهر قد يكون رقيقًا فتنقص قيمته بذلك نقصًا فاحشًا لأن ذلك متوهم غير متحقق، ويعتمد في خوف ما ذكر قول عدل رواية أو نفسه إن عرف، وكذا لو لم يعرف ولا أخبره من ذكر وخاف ما مر لكنه يعيد إذا برأ. "ولا يتيمم للبرد" أي لأجله "إلا إذا لم تنفع تدفئة أعضائه" للضرر "ولم يجد ما يسخن به الماء" من إناء وحطب ونار "وخاف على منفعة عضو" له "أو حدوث الشين المذكور" للضرر حينئذ، أما إذا نفعته التدفئة أو جد ما يسخن به أو لم يخف ما ذكر فإنه لا يتيمم إذ لا ضرر حينئذ. والحاصل أنه حيث خاف محذور البرد أو مرض حاصل أو متوقع جاز له التيمم وحيث فلا فلا.
"وإن خاف من استعمال الماء" لنحو جرح "في بعض بدنه غسل الصحيح" ثم يتلطف بوضع خرقة مبلولة بقرب العليل فإن تعذر أمسه ماء بلا إفاضة "وتيمم عن الجريح" تيممًا كاملا بأن يكون "في الوجه واليدين" وإن كان الجرح في غيرهما لئلا يخلو العضو عن طهارة، ويجب أن يمر التراب عليه إن كان بمحل التيمم ولا يجب مسحه بالماء وإن لم يضره لأن واجبه الغسل، فلو تعذر فلا فائدة في المسح عليه ولا ترتيب بين التيمم وغسل الصحيح لكن يجب أن يكون وقت غسل الصحيح. "فإن كان جنبًا" يعني محدثًا حدثًا أكبر "قدم ما شاء" منهما إذ لا ترتيب عليه. "وإن كان محدثًا" حدثًا أصغر "تيمم عن الجريح وقت غسل" العضو "العليل" ولم ينتقل عن كل عضو حتى يكمله غسلًا ومسحًا وتيممًا عملًا بقضية الترتيب، فإن كانت العلة بيده وجب تقديم التيمم والمسح على مسح الرأس وتأخيرهما عن غسل الوجه وله تقديمهما إلى غسل الصحيح وهو الأولى ليزيل الماء أثر التراب وتأخيرهما عنه وتوسيطه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي عيب.
2 الاستحشاف: اليبوسة والتقبض، يقال: استحشف الأنف: يبس غضروفه فعدم الحركة الطبيعية "المعجم الوسيط: ص176".
3 الثغرة: الثلمة.

 

ص -61-         فصل: "في شروط التيمم"
شروط التيمم عشرة: أن يكون بتراب، وأن يكون طاهرًا، وأن لا يكون مستعملا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينهما، إذ العضو الواحد لا ترتيب فيه أو بوجهه ويده فتيممان، فإن عمت أعضاءه الأربعة فتيمم واحد، فإن بقي من الرأس شيء وجب ثلاث تيممات، ولا فرق في التيمم وغسل الصحيح المذكورين بين أن يكون بالجرح جبيرة أو لا. "ثم إن كان عليه جبيرة" وهي ألوح تهيأ للكسر والانخلاع تجعل على محله والمراد بها هنا الساتر لتشمل نحو اللصوق وعصابة نحو الفصد "نزعها" وغسل ما تحتها من الصحيح "وجوبًا فإن خاف من نزعها" محذورًا مما مر "غسل الصحيح" حتى ما تحت أطرافها إن أمكن ويتلطف كما مر "ومسح عليها" جميعها بماء إلى أن تبرأ بدلًا عما تحتها من الصحيح لا بتراب لأنه ضعيف فلا يؤثر من فوق حائل والماء يؤثر من ورائه في نحو مسح الخف، ولو ترشح الساتر بنحو دم امتنع المسح عليه حتى يجعل عليه ساترًا آخر لا ينفذ إليه الرشح "وتيمم عما تحتها" من الجريح تيممًا كاملًا "في الوجه واليدين ويجب عليه القضاء إذا وضع الجبيرة" أي الساتر "على غير طهر" وتعذر نزعه لفوات شرط الستر من الوضع على طهر كالخف "أو كانت في الوجه واليدين" وإن وضعت على طهر لنقص البدل والمبدل "ويقضي" وجوبًا أيضًا "إذا تيمم" في الحضر أو السفر "للبرد" لندرة فقد ما يسخن به أو يتدثر به "أو" إذا "تيمم لفقد الماء" وقد ندر فقده في محل التيمم وإن غلب في محل الصلاة بخلاف ما إذا غلب فقده أو استوى الأمران مسافرًا كان أو مقيمًا، إذ العبرة بندرة الفقد وعدمها لا بالسفر والإقامة، فقول المصنف كغيره "في الحضر" جرى على الغالب من ندرة الفقد في السفر وعدمها في الحضر. "و" يقضي المتيمم "المسافر العاصي بسفره" كآبق وناشزة لأن إسقاط القضاء من المتيمم بسبب السفر الذي لا يندر فيه فقد الماء رخصة فلا تناط بسفر المعصية بخلاف العاصي بإقامته.
فصل: في شروط التيمم
"شروط التيمم" أي ما لا بد منه فيه "عشرة" بل أكثر. الأول: "أن يكون بتراب" على أي لون كان كالمدر1والسبخ2 وغيرهما حتى ما يداوى به وغبار رمل خشن لا ناعم ومشوي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المدر: الطين اللزج المتماسك.
2 السبخ: المكان يظهر فيه الملح وتسوخ فيه الأقدام "المعجم الوسيط: ص 413".

 

ص -62-         وأن لا يخالطه دقيق ونحوه وأن يقصده فلو سفته الريح فردده لم يكفه، وأن يمسح وجهه ويديه بضربتين، وأن يزيل النجاسة أولا، وأن يجتهد في القبلة قبله، وأن يقع بعد دخول الوقت، وأن يتيمم لكل فرض عيني.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بقي اسمه. "و" الثاني: "أن يكون طاهرًا" قال الله تعالى:
{صَعِيدًا طَيِّبًا}، قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره: ترابًا طاهرًا. "و" الثالث "أن لا يكون مستعملا" كالماء بل أولى وهو ما بقي بمحل التيمم أو تناثر بعد مسه العضو وإن لم يعرض عنه. "و" الرابع: "أن لا يخالطه دقيق ونحوه" وإن قل الخليط لأنه يمنع وصول التراب للعضو. "و" الخامس: "أن يقصده" أي التراب بأن ينقله إلى العضو الممسوح ولو بفعل غيره بإذنه أو يتمعك1 بوجهه أو يديه في الأرض لقوله تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، أي اقصدوه. "فلو" انتفى النقل كأن "سفته"2 أي التراب "الريح عليه" عند وقوفه فيها ولو بقصد ذلك على عضو تيممه "فردده" عليه ونوى "لم يكفه" ذلك لانتفاء القصد بانتفاء المحقق له لأنه لم يقصد التراب وإنما التراب أتاه. "و" السادس: "أن يمسح وجهه ويديه بضربتين" وإن أمكن بضربة بخرقة3 لخبر أبي داود والحاكم وإن كان فيهما مقال. "و" السابع: "أن يزيل النجاسة أولا" فلو تيمم قبل إزالتها لم يجز على المعتمد سواء نجاسة محل النحو وغيرها لأنه للإباحة ولا إباحة مع المانع فأشبه التيمم قبل الوقت بخلاف ما لو تيمم عاريًا وعنده سترة لأن ستر العورة أخف من إزالة الخبث ولهذا لا إعادة على العاري بخلاف ذي الخبث. "و" الثامن "أن يجتهد في القبلة قبله" فلو تيمم قبل الاجتهاد فيها لم يصح على الأوجه ويفارق ستر العورة بما مر، وإما صح طهر المستحاضة قبله مع أنه للإباحة لأنه أقوى إذ الماء يرفع الحدث أصالة بخلاف التراب. "و" التاسع: "أن يقع" التيمم للصلاة التي يريد فعلها "بعد دخول الوقت" الذي يصح فعلها فيه لأنه طهارة ضرورة ولا ضرورة قبله فيتيمم للنافلة المطلقة فيما عدا وقت الكراهة وللصلاة على الميت بعد طهره وللاستسقاء بعد تجمع الناس وللفائتة بعد تذكرها. "و" العاشر: "أن يتيمم لكل فرض عيني" لأن التيمم طهارة ضرورة فيقدر بقدرها، نعم يجوز تمكين الحليل مرارًا وجمعه مع فرض بتيمم واحد للمشقة وله فعل الجنائز وإن كثرت مع فرض عيني لشبهها بالنافلة في جواز الترك وتعينها بانفراد المكلف عارض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 تمعك: تمرغ في التراب وتقلب فيه.
2 سفته: ذرته أو حملته.
3 للحديث الذي رواه أبو داود في الطهارة باب 125 "حديث 336" عن جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه فقال: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا على النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بذلك فقال:
"قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العي السؤال؛ إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده".

 

ص -63-         والحديث بعدها إلا في خير أو حاجة.
وأفضل الأعمال الصلاة أول الوقت، ويحصل ذلك بأن يشتغل بأسباب الصلاة حين دخل الوقت، ويسن التأخير عن أول الوقت للإبراد بالظهر لا الجمعة في الحر

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكن خالف في السبكي وغيره. "و" يكره "الحديث" وسائر الصنائع "بعدها" أي بعد فعلها ولو مجموعة جمع تقديم على ما زعمه ابن العماد1 خشية الفوات أيضًا "إلا في خير" كمذاكرة علم شرعي أو آلة له وإيناس ضيف وملاطفة زوجة. "أو حاجة" كمراجعة حساب لأن ذلك خير أو عذر ناجز فلا يترك لمفسدة متوهمة، وقد ورد: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثنا عامة ليله عن بني إسرائيل"2. "وأفضل الأعمال" البدنية بعد الإسلام "الصلاة" ففرضها أفضل الفرائض ونفلها أفضل النوافل للأدلة الكثيرة في ذلك، وقيل الحج وقيل الطواف وقيل غير ذلك، وأفضل أحوال الصلاة المؤقتة من حيث الوقت مع عدم العذر أن توقع" أول الوقت" ولو عشاء لأن ذلك من المحافظة عليها المأمور بها في آية:
{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}، ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل؟ فقال: "الصلاة لأول وقتها"3، ومن أنه كان يصلي العشاء لسقوط القمر ليلة ثالثة4، ومن أن نساء المؤمنين كن ينقلبن بعد صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعرفهن أحد من الغلس5 فخبر: "أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر"6، وخبر: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يؤخر العشاء"7 معارضان بذلك. "ويحصل ذلك" الفضل الذي في مقابلة التعجيل "بأن يشتغل" أول الوقت "بأسباب الصلاة" كطهر وستر وأذان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي ثم القاهري الشافعي، ويعرف بابن العماد، ولد قبل 750هـ، وتوفي سنة 808هـ. من تصانيفه: عدة شروح على منهاج الطالبين في الفقه الشافعي. انظر معجم المؤلفين "1/ 214".
2 رواه الحاكم في المستدرك عن عمران بن الحصين.
3 رواه من حديث ابن مسعود البخاري في مواقيت الصلاة باب "حديث 527" ومسلم في الإيمان "حديث 137 و140" وأحمد "1/ 418، 442، 444".
4 رواه بلفظ: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها لسقوط القمر لثالثة" الترمذي في الصلاة باب 9، والنسائي في المواقيت باب 19، وأبو داود في الصلاة باب 7 "حديث 419" والدارمي في الصلاة باب 18، كلهم من حديث النعمان بن بشير.
5 رواه البخاري في المواقيت باب 27، والأذان باب 163 و165، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة حديث 232، وأبو داود في الصلاة باب 8، والنسائي في المواقت باب 25، والسهو باب 101، وابن ماجه في الصلاة باب 2، ومالك في الصلاة حديث 4، وأحمد في المسند "6/ 37، 179، 248، 259".
6 رواه الترمذي في الصلاة باب 3، والنسائي في المواقت باب 27، والدارمي في الصلاة باب 21، وأحمد في المسند "5/ 429".
7 رواه البخاري في المواقيت باب 13، ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 237".

فصل: "في أركان التيمم"
فروض التيمم خمسة:
الأول: النقل.
الثاني: نية الاستباحة، ويجب قرنها بالضرب واستدامتها إلى مسح وجهه فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل، أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض.
الثالث: مسح وجهه.
الرابع: مسح يديه إلى المرفقين.
الخامس: الترتيب بين المسحين.
وسننه: التسمية وتقديم اليمنى، ومسح أعلى وجهه، وتخفيف الغبار، والموالاة، وتفريق الأصابع عند الضرب ونزع الخاتم، ويجب نزعه في الضربة الثانية، ومن سننه إمرار اليد على العضو، ومسح العضد وعدم التكرار والاستقبال والشهادتان بعده، ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى الفرض وحده وأعاد بالماء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في أركان التيمم
"فروض التيمم" أي أركانه "خمسة: الأول النقل" للتراب إلى العضو كما مر بدليله "الثاني: نية الاستباحة" لم يتوقف على التيمم كمس المصحف وتمكين الحليل1 في حق نحو الحائض "ويجب قرنها بالضرب" يعني النقل أول الأركان "واستدامتها إلى مسح" شيء من "وجهه" فلو أحدث مع النقل أو بعده قبل المسح أو عزبت بينهما بطل النقل وعليه إعادته لأنه أول الأركان لكنه غير مقصود فاشترط استدامتها إلى المقصود. "فإن نوى بتيممه استباحة الفرض صلى الفرض والنفل" وإن لم يستبحه لأن استباحة الأعلى تبيح الأدنى ولا عكس "أو استباحة النفل أو الصلاة أو صلاة الجنازة لم يصل به الفرض" إذ هو أصل فلا يجعل تابعًا للنفل ولا لمطلق الصلاة إذ الأحوط بتنزيلها على النفل ولا لصلاة الجنازة لما مر أنها تشبه النفل أو استباحة ما عدا الصلاة كمس المصحف لم يستبحها فالمراتب ثلاث أعلاها الأولى ثم الثانية بأقسامها. "الثالث: مسح" ظاهر "وجهه" كما مر في الوضوء للآية2 إلا أنه هنا لا يجب إيصال التراب إلى باطن الشعر وإن خف ومما يغفل عنه المقبل من أنفه على شفته. "الرابع: مسح يديه إلى المرفقين" للآية كالوضوء. "الخامس: الترتيب بين المسحين" لا النقلتين بأن يقدم ولو جنبًا مسح الوجه ثم اليدين كالوضوء. "وسننه" أي التيمم "التسمية" أوله ولو لنحو جنب. "وتقديم اليمنى" على اليسرى "و" تقديم "مسح أعلى وجهه" على أسفله كالوضوء في جميع ذلك "وتخفيف الغبار" من كفه الماسحة إن كثر لئلا يتشوه خلقه "والموالاة" فيه بتقدير

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الحليل: الزوج.
2 الآية 6 من سورة المائدة:
{... وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ}.

 

ص -64-         فصل: "في الحيض والاستحاضة والنفاس"
وأقل الحيض يوم وليلة، وأكثره خمسة عشر يومًا بلياليها، وغالبه ست أو سبع،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراب ماء كالوضوء "وتفريق الأصابع عند الضرب" لأنه أبلغ في إثارة الغبار "ونزع الخاتم" في الضربة الأولى ليكون مسح الوجه بجميع اليد، "ويجب نزعه" أي الخاتم "في الضربة الثانية" عند المسح ليصل الغبار إلى محله ولا يكفي تحريكه لأنه لا يوصله إلى ما تحته بخلافه في الماء. "ومن سننه إمرار اليد على العضو" كالدلك في الوضوء، "ومسح العضو" كالوضوء أيضًا "وعدم التكرار" للمسح لأن المطلوب فيه تخفيف الغبار. "والاستقبال والشهادتان بعده" كالوضوء فيهما. "ومن لم يجد ماء ولا ترابًا صلى" وجوبًا "الفرض وحده" لحرمة الوقت وهي صلاة صحيحة فيبطلها ما يبطل غيرها بخلاف النفل إذ لا ضرورة إليه، "وأعاد بالماء" مطلقًا وبالتراب إن وجده بمحل يسقط به الفرض وإلا فلا فائدة في الإعادة به، ويجوز له فعل الجمعة بل يجب وإن وجب عليه قضاء الظهر.
فصل: في الحيض والاستحاضة والنفاس
الحيض لغة: السيلان. وشرعًا: دم جبلة1 يخرج من أقصى رحم المرأة في أوقات الصحة.
"وأقل" زمن "الحيض" تقطع الدم أو اتصل "يوم وليلة" أي قدرهما متصلًا وهو أربع وعشرون ساعة فما نقص عن ذلك فليس بحيض بخلاف ما بلغه عن الاتصال أو التفريق فإنه حيض وإن كان ماء أصفر أو كدرًا ليس على لون الدم لأنه أذى فشملته الآية2. "وأكثره" زمنًا "خمسة عشر يومًا بلياليها" وإن لم يتصل "وغالبه ست أو سبع" كل ذلك باستقراء الإمام الشافعي رضي الله عنه ومن وافقه إذ لا ضابط له لغة ولا شرعًا فرجع إلى المتعارف بالاستقراء، "ووقته" أي أقل سنة يتصور أن ترى الأنثى فيه حيضًا "بعد تسع سنين" قمرية ولو بالبلاد الباردة تقريبًا حتى إذا رأته قبل تمامها بدون ستة عشر يومًا كان حيضًا أو بأكثر كان دم فساد ولا آخر لسنه فما دامت حية فهو ممكن في حقها. "وأقل طهر" فاصل "بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها" بالاستقراء أيضًا، وخرج بالحيضتين الطهر بين حيض ونفاس فإنه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الجُبْلَة والجِبِلَّة: الخلقة والطبيعة "المعجم الوسيط، ص106".
2 وهي قوله تعالى في الآية 222 من سورة البقرة:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}.

 

ص -65-         ووقته بعد تسع سنين، وأقل الطهر بين الحيضتين خمسة عشر يومًا بلياليها، ويحرم ما يحرم بالجنابة، ومرور المسجد إن خافت تلويثه، والصوم، والطلاق فيه، والاستمتاع بما بين السرة والركبة، ويجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يكون دون ذلك، فلو رأت حامل الدم ثم طهرت يومًا مثلا ثم ولدت فالدم بعد الولادة نفاس وقبلها حيض، ولو رأت النفاس ستين ثم طهرت يومًا مثلا ثم رأت الدم حيضًا على المعتمد. "ويحرم به" أي الحيض "ما يحرم بالجنابة" مما مر وزيادة على ذلك منها الطهارة بنية التعبد إلا في نحو أغسال الحج. "و" منها "مرور المسجد إن خافت تلويثه" صيانة له ومثلها كل ذي جراحة نضاحة فإن أمنته كره لها لغلظ حدثها وبه فارق ما مر في الجنب. "و" منها "الصوم" إجماعًا. "و" منها "الطلاق فيه" وإن لم تبذل له في مقابلته مالا لتضررها بطول مدة التبرص إذ ما بقي منه لا يحسب من العدة، ومن ثم لو كانت حاملا وكانت عدتها تنقضي بالحمل بأن يكون لاحقًا بالمطلق ولو احتمالا لم يحرم "والاستمتاع بما بين السرة والركبة" سواء بالوطء ومع حائل وهو كبيرة يكفر مستحله وغيره1 لا مع حائل لقوله تعالى:
{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]، وصح أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل عما يحل من الحائض قال: "ما فوق الإزار"2، وخص بمفهومه عموم خبر مسلم: "اصنعوا كل شيء إلا النكاح"3، ولم يعكس عملا بالأحوط لخبر: "من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه"4، وشمل تعبيره بالاستمتاع تبعًا للروضة5 وغيرها النظر والمس بشهوة لا بغيرها، لكن عبر في التحقيق6 وغيره بالمباشرة الشاملة للمس ولو بلا شهوة دون النظر ولو بشهوة، والأوجه ما أفاده كلام المصنف وغيره من أن التحريم منوط بالتمتع، وبحث الإسنوي أن تمتعها بما بين سرته وركبته كعكسه فيحرم واعترضه كثيرون بما فيه نظر، والذي يتجه أن له أن يلمس يدها بذكره لأنها تمتع بما فوق السرة والركبة، بخلاف ما إذا لمسته هي لتمتعها بما بين سرته وركبته فيحرم على كل تمكين الآخر مما يحرم عليه، وخرج بما بين السرة والركبة ما عداه ومنه السرة والركبة ويستمر تحريم ذلك عليهما إلى أن ينقطع وتغتسل أو تتيمم بشرطه، نعم الصوم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي الوطء.
2 رواه أبو داود في الطهارة باب 82 "حديث رقم 212" من حديث حزام بن حكيم عن عمه، ورقم "213" من حديث معاذ بن جبل.
3 رواه مسلم في الحيض "حديث 16" وأبو داود في الطهارة باب 102 "حديث 258" من حديث أنس بن مالك.
4 ذكره بهذا اللفظ الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "4/ 159، 7/ 275".
5 هو كتاب "روضة الطالبين وعمدة المتقين" في الفروع للإمام النووي سنة 676هـ، وعليه مختصرات وشروح كثيرة، انظر كشف الظنون "ص929، 930".
6 للإمام النووي.

 

ص -66-         فصل: "في المستحاضة
والمستحاضة تغسل فرجها ثم تحشوه، إلا إذا أحرقها الدم، أو كانت صائمة، فإن لم يكفها تعصب بخرقة ثم تتوضأ، أو تتيمم في الوقت، وتبادر بالصلاة، وإن أخرت لغير مصلحة الصلاة استأنفت، وتجب الطهارة، وتجديد التعصيب لكل فرض، وسلس البول

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والطلاق يحلان بمجرد الانقطاع "ويجب عليها" أي الحائض "قضاء الصوم" بأمر جديد "دون الصلاة" إجماعًا فيهما للمشقة في قضائها لتكررها دون قضائه.
فصل: في المستحاضة
والاستحاضة دم علة يخرج من عرق فمه في أدنى الرحم, وقيل هو المتصلة بدم الحيض خاصة وغيره دم فساد والخلاف لفظي.
"والمستحاضة" يجب عليها أمور منها "تغسل فرجها" عما فيه من النجاسة "ثم تحشوه" بنحو قطنة "إلا إذا" تأذت به كأن "أحرقها الدم" فحينئذ لا يلزمها "أو كانت صائمة" فحينئذ يلزمها ترك الحشو والاقتصار على الشد نهارًا رعاية لمصلحة الصوم، وإنما روعيت مصلحة الصلاة فيمن ابتلع بعض خيط قبل الفجر وطرفه خارج لأن المحذور هنا لا ينتفي بالكلية فإن الحشو يتنجس وهي حاملته بخلافه ثم "فإن لم يكفها" الحشوة لكثرة الدم وكان يندفع أو يقل بالعصب ولم تتأذ به "تعصب" بعد الحشو "بخرقة" مشقوقة الطرفين بأن تدخلها بين فخذيها وتلصقها بأعلى الفرج إلصاقًا جيدًا ثم تخرج طرفًا لجهة البطن وطرفًا لجهة الظهر وتربطها بنحو خرطقة تشدها بوسطها. "ثم تتوضأ أو تتيمم" عقب ذلك، ومر في الوضوء أنه يجب الموالاة في جميع ذلك وإنما يجوز لها فعل ذلك "في الوقت" لا قبله كالتيمم "وتبادر" وجوبًا عقب الطهر "بالصلاة" تقليلًا للحدث. "فإن أخرت لغير مصلحة الصلاة" كالأكل "استأنفت" جميع ما ذكر وجوبًا، وإن لم تزل العصابة عن محلها ولا ظهر الدم من جانبها لتكرر حدثها مع استغنائها عن احتماله بالمبادرة، أما إذا أخرت لمصلحة الصلاة كإجابة المؤذن والاجتهاد في القبلة وستر العورة وانتظار الجمعة والجماعة وغير ذلك من سائر الكمالات المطلوبة منها لأجل الصلاة فإنه لا يضر مراعاة لمصلحة الصلاة. "وتجب الطهارة وتجديد التعصيب" وغيره مما مر على الوجه السابق وإن لم يزل عن محله نظير ما مر "لكل فرض" عيني أو انتقاض طهر أو تأخير الصلاة عنه كما مر أو خروج دم بتقصير في نحو شد لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم لها1

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هي فاطمة بنت أبي حبيش. والحديث رواه البخاري في الوضوء، باب غسل الدم "حديث رقم 228" عن عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا، إنما ذلك عرق وليس بحيض، فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلى ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت".

 

ص -67-         وسلس المذي والودي مثلها، وأقل النفاس لحظة، وأكثره ستون يومًا، وغالبه أربعون يومًا، ويحرم به ما يحرم بالحيض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بالوضوء لكل صلاة، ولها مع الفرض ما شاءت من النوافل "وسلس البول وسلس المذي والودي" ونحوها "مثلها" في جميع ما مر، نعم سلس المني يلزمه الغسل لكل فرض، ولو استمسك الحدث بالجلوس في الصلاة وجب بلا إعادة، ولا يجوز للسلس أن يعلق قارورة يقطر فيها بوله. "وأقل النفاس" وهو الدم الخارج بعد فراغ الرحم "لحظة" يعني لا حد لأقله بل ما وجد منه نفاس وإن قل "وأكثره ستون يومًا وغالبه أربعون يومًا" بالاستقراء، "ويحرم به ما يحرم بالحيض" مما مر قياسًا عليه.
تتمة: يجب على النساء أن يتعلمن ما يحتجن إليه من هذا الباب كغيره، فإن كان زوجها عالمًا لزمه تعليمها وإلا فلها الخروج ما لزمها تعلمه عينًا بل يجب ويحرم منعها إلا أن يسأل ويخبرها وهو ثقة وليس لها خروج إلى مجلس ذكر أو علم غير واجب عيني إلا برضاه.