المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -202-      باب: الجنائز
يستحب ذكر الموت بقلبه والإكثار منه والاستعداد له بالتوبة، والمريض أولى، ويسن عيادة المريض المسلم حتى الأرمد، والعدو والجار والكافر إن كان جارًا أو قريبًا غبًا ويخفف، ويدعو له بالعافية إن احتمل حياته، وإلا فيرغبه في توبة ووصية، ويحسن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب: الجنائز
جمع جنازة بالفتح وبه1 وبالكسر للميت في النعش فإن لم يكن عليه الميت فهو سرير ونعش من جنزه إذا ستره به2.
"يستحب" لكل أحد "ذكر الموت بقلبه" ولسانه "والإكثار منه" أي من ذكره بأن يجعله نصب عينيه لأنه أزجر عن المعصية وأدعى إلى الطاعة ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكره، وعلله بأنه "ما ذكر في كثير" أي من أمر الدنيا والأمر فيها "إلا قلله، ولا في قليل" أي من الأعمال "إلا كثره"3. "و" يستحب "الاستعداد له بالتوبة" أي تجديدها والاعتناء بشأنها، ومحله إن لم يعلم أن عليه مقتضيًا لها وإلا وجبت فورًا بالإجماع "والمريض أولى" بذلك لأنه إلى الموت أقرب. "ويسن عيادة المريض المسلم حتى الأرمد" للاتباع ولو في أول يوم من مرضه وخبر: "إنما يعاد بعد ثلاثة"4 موضوع "والعدو" ومن لا يعرفه "والجار والكافر" أي الذمي والمعاهد والمستأمن "إن كان جارًا أو قريبًا" أو نحوهما كخادم ومن يرجى إسلامه فإن انتفى ذلك جازت عيادته بلا كراهة، ويكره عيادة تشق على المريض، ولا تندب عيادة ذي بدعة منكرة وأهل الفجور والمكس5 إذا لم يكن قرابة ولا نحو جوار ولا رجا توبته لأنا مأمورون بمهاجرتهم، ويندب أن تكون العيادة "غبًا" أي يومًا بعد يوم مثلا فلا يواصلها كل يوم إلا أن يكون مغلوبًا، نعم نحو القريب والصديق ممن يستأنس به المريض أو يتبرك به أو يشق عليه عدم رؤيته كل يوم يسن لهم المواصلة ما لم ينهوا أو يعلموا كراهته لذلك "ويخفف" المكث عنده بل تكره إطالته ما لم يفهم منه الرغبة فيها. "ويدعو له بالعافية إن احتمل حياته" أي طمع فيها ولو على بعد، وأن يكون دعاؤه: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي بالفتح.
2 انظر لسان العرب "5/ 324" مادة "جنز".
3 رواه النسائي في الجنائز باب 3.
4 حديث: "لا يعاد المريض إلا بعد ثلاث" أو "ثلاثة" ذكره الزبيدي في إتحاف السادة المتقين "6/ 299"، والهيثمي في مجمع الزوائد "2/ 295" والمتقي الهندي في كنز العمال "25188" والفتني في تذكرة الموضوعات "210" والألباني في السلسلة الضعيفة "146" والعجلوني في كشف الخفا "2/ 526" والشوكاني في الفوائد المجموعة "264" وابن عراق في تنزيه الشريعة "2/ 253" والسيوطي في اللآلئ المصنوعة "2/ 216".
5 المكس: الضريبة يأخذها المكاس من يدخل البلد من التجار.

 

ص -203-      المريض ظنه بالله، ويكره الشكوى وتمني الموت بلا فتنة في الدين، وإكراهه على تناول الدواء، وإذا حضره الموت ألقي على شقه الأيمن، فإن تعذر فالأيسر، وإلا فعلى قفاه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يشفيك سبع مرات ويطيب نفسه بمرضه بأن يذكر له من الأخبار والآثار ما تطمئن به نفسه. "وإلا" يطمع في حياته "فيرغبه في توبة ووصية" ويذكر له أحوال الصالحين في ذلك ويزيد في وعظه ويطلب الدعاء منه ويوصي أهله وخادمه بالرفق به واحتماله والصبر لندب ذلك لهم، ويأمره بأن يتعهد نفسه بأن يلازم الطيب والتزين كالجمعة وبقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت فإن المريض يسن له جميع ذلك، ويوصي أهله بالصبر عليه وترك النوح ونحوه وتحسين خلقه واجتناب المنازعة في أمور الدنيا واسترضاء من له به علقة وإن خفت.
"ويحسن المريض ظنه بالله" لا سيما إن حضرته أمارات الموت لخبر مسلم:
"لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله"1 أي يظن أن يرحمه ويعفو عنه أما الصحيح فالأولى أن يستوي خوفه ورجاؤه ما لم يغلب عليه القنوط فالرجاء أولى أو أمن المكر فالخوف أولى، ويسن للمريض الصبر على المرض وترك التضجر منه. "ويكره" له "الشكوى" وعبر غيره بكثرة الشكوى ومحله ما لم يكن على جهة التبرم بالقضاء وعدم الرضى به وإلا حرمت كما هو ظاهر، بل ربما يخشى من ذلك الكفر، ولو سأله نحو صديق أو طبيب عن حاله فأخبره بما هو فيه من الشدة لا على صورة الجزع فلا بأس، والأنين خلاف الأولى بل يشتغل بالتسبيح ونحوه. "و" يكره "تمني الموت" لضر نزل به كما في الروضة وغيرها للنهي عنه2 "بلا" خوف "فتنة في الدين" فإن كان ولا بد متمنيًا فليقل: "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وأمتني ما كان الموت خيرًا لي" للخبر الصحيح بذلك3، أما تمنيه عند خشية الفتنة فلا يكره، وكذا عند عدم الضرر، والفرق أن التمني مع الضر يشعر بعدم الرضى بالقضاء بخلافه بدونه. "و" يكره "إكراهه" أي المريض "على تناول الدواء" والطعام لحديث: "لا تكرهوا مرضاكم على الطعام فإن الله يطعمهم ويسقيهم"4

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها "حديث 81 و82" من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
2 روى البخاري في الدعوات باب 30 "حديث 6351" عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لا يتمنين أحد منكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي". ورواه أيضًا أبو داود في الجنائز باب 9، والترمذي في الجنائز باب3، وابن ماجه في الزهد باب31، والنسائي في الجنائز باب 1، وأحمد في المسند "3/ 101، 104، 195، 208، 247، 281".
3 راجع الحاشية السابقة.
4 رواه الترمذي في جامعه "حديث 2040", والحاكم في المستدرك "1/ 350، 4/ 410" والطبراني في الكبير "17/ 293" وابن ماجه في سننه "حديث 3444" وأحمد في المسند "1/ 364".

 

ص -204-      ووجهه وأخمصاه للقبلة، ويرفع رأسه بشيء ويلقن لا إله إلا الله ولا يلح عليه، ولا يقال له قال. والأفضل تلقين غير الوارث، فإذا مات غمض عيناه، وشد لحياه بعصابة عريضة، ولينت مفاصله ولو بدهن إن احتيج إليه، وتنزع ثياب موته، ويستر بثوب خفيف، ويوضع على بطنه شيء ثقيل، ويستقبل به القبلة، ويتولى جميع ذلك أرفق محارمه به ويدعى له، ويبادر ببراءة ذمته، وإنفاذ وصيته، ويستحب الإعلام بموته للصلاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لكنه ضعيف1، ولذلك كان المعتمد أن ذلك خلاف السنة لا مكروه "وإذا حضر الموت" أي أماراته2 "ألقي على شقه الأيمن" وجعل وجهه إلى القبلة كالوضع في اللحد "فإن تعذر فالأيسر" لأنه أبلغ في الاستقبال من إلقائه على قفاه "وإلا" يتيسر إلقاؤه على الأيسر "فعلى قفاه" يلقى "و" يجعل "وجهه وأخمصاه" وهما بطون رجليه "للقبلة"؛ لأن ذلك هو الممكن "ويرفع رأسه" قليلا "بشيء" ليستقبل بوجهه "ويلقن" ندبًا "لا إله إلا الله" للأمر به في خبر مسلم3 ولا يسن زيادة محمد رسول الله لأنه لم يرد مع أن هذا مسلم ومن ثم يلقن الكافر الشهادتين ويؤمر بهما للاتباع "ولا يلح عليه" أي على المسلم "ولا يقال له قل" لئلا يتأذى بذلك بل يذكر الشهادتين بين يديه ليتذكرهما أو يقال ذكر الله مبارك فلنذكر الله جميعًا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. "والأفضل تلقين غير الوارث" والعدو والحاسد إن كان ثم غيره وإلا لقنه، فإذا قالها لم يعد عليه حتى يتكلم فإذا تكلم ولو بغير كلام الدنيا أعيدت عليه للخبر الصحيح:
"من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة"4 "فإذا مات غمض" ندبًا "عيناه وشد لحياه بعصابة عريضة" يربطها فوق رأسه حفظًا لفمه من الهوام5 وقبح منظره "ولينت" عقب مفارقة روحه بدنه "مفاصله" فترد أصابعه إلى بطن كفه وساعده إلى عضده وساقه إلى فخذه وفخذه إلى بطنه ثم يمدها تسهيلا لغسله وتكفينه فإن في البدن حينئذ حرارة فإن لينت لانت وإلا لم يمكن تليينها بعد، نعم إن أمكن تليينها "ولو بدهن إن احتيج إليه" فلا بأس "وتنزع" عنه "ثياب موته" المحيطة التي مات فيها بحيث لا يرى شيء من بدنه لئلا يسرع فساده "ويستر" جميع بدنه "بثوب خفيف" يجعل أحد طرفين تحت رأسه والآخر تحت رجليه اتباعًا لما فعل به صلى الله عليه وسلم. "ويوضع على بطنه شيء ثقيل" من حديد كسيف ومرآة ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 قال البوصيري في زوائد ابن ماجه في إسناد الحديث: إسناده حسن؛ لأن بكر بن يونس بن بكير مختلف فيه، وباقي رجال الإسناد ثقات.
2 أماراته: علاماته.
3 حديث:
"لقنوا موتاكم" وفي لفظ: "هلكاكم لا إله إلا الله". رواه مسلم في الجنائز "حديث 1 و2" وأبو داود في الجنائز باب 16، والترمذي في الجنائز باب 7، والنسائي في الجنائز باب 4، وابن ماجه في الجنائز باب 3، وأحمد في المسند "3/ 3".
4 رواه أبو داود في الجنائز باب 16 "حديث 3116" من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، ورواه أيضًا أحمد في المسند "5/ 233، 247" والحاكم في المستدرك "1/ 351، 500".
5 الهوام: جمع الهامة، وهي الدابة، وكل ذي سم يقتل سمه "المعجم الوسيط: ص995".

 

ص -205-      فصل: "في بيان غسل الميت وما يتعلق به"
غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فروض كفاية وأقل الغسل تعميم بدنه بعد إزالة النجاسة، ويسن في قميص، في خلوة تحت سقف على لوح، ويغض الغاسل ومن معه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
طين رطب ثم ما تيسر لئلا ينتفخ، وينبغي صون المصحف عنه احترامًا له وألحق به كتب العلم المحترمة. "ويستقبل به القبلة" كالمحتضر فيما مر، ولا ينافي ذلك وضع شيء على بطنه لأنه يوضع عليها طولا ويشد بنحو خرقة، ويندب جعله على نحو سرير من غير فرش لئلا يتغير بنداوة الأرض أو يحمي عليه الفرش فيغيره "ويتولى جميع ذلك" أي إلقاءه على الشق الأيمن وما ذكر بعده "أرفق محارمه به" اتحد معه ذكورة أو أنوثة. "ويدعي له" عند فعل ما ذكر به وفي غير ذلك لاحتياجه إلى الدعاء حينئذ. "ويبادر ببراءة ذمته" بقضاء دينه "وتنفيذ وصيته" حالا إن تيسر وإلا سأل وليه غرماءه أن يحللوه ويحتالوا به عليه، فإن فعلوا برئ في الحال على خلاف القاعدة للحاجة والمصلحة، وتجب المبادرة على الوارث والوصي عند الطلب والتمكن من التركة. "ويستحب الإعلام بموته" لا للرياء والسمعة بذكر الأوصاف الغير اللائقة به بل "للصلاة" ليكثر المصلون عليه للاتباع.
فصل: في بيان غسل الميت وما يتعلق به
"غسله" إن كان مسلمًا غير شهيد وإن غرق. "وتكفينه" ولو كافرًا. "والصلاة عليه" إن كان مسلمًا غير شهيد. "ودفنه" وحمله ولو كافرًا. "فروض كفاية" للإجماع، والمخاطب بذلك كل من علم بموته أو قصر في العلم به سواء أقاربه وغيرهم، فإن فعله أحد منها ولو غير مكلف لا من الملائكة أو الجن سقط الحرج عن الباقين وإلا أثم الجميع "وأقل الغسل تعميم بدنه" بالماء ولو من كافر أو بلا نية لأن القصد منه النظافة، ويندب أن لا يفيض الماء على بدنه إلا "بعد إزالة النجاسة" فإن صبه فأزالها بلا تغير في مرة واحدة أجزأت عن غسل الخبث والموت كما تكفي في الحي عن الحدث والخبث. "ويسن" أن يغسل "في قميص" لأنه أستر له وأن يكون القميص خلقًا1 أو سخيفًا2 حتى لا يمنع الماء إليه، ثم إن اتسع أدخل يده في كمه وإلا فتح دخاريصه3، فإن تعذر غسله ستر ما بين سرته وركبته مع جزء منهما، وأن يغسل "في خلوة" بأن لا يدخل عليه غير الغاسل ومعينه لأنه قد يكون ببدنه ما يخفيه،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ثوب خلق: يقال: خلق الثوب والجلد وغيرهما: بلى.
2 أي رقيقًا ضعيفًا.
3 الدخاريص، جمع دخرص، وهو ما يوصل به بدن الثوب أو الدرع ليتسع "المعجم الوسيط: ص274".

 

ص -206-      بصره إلا لحاجة، ومسح بطنه بقوة ليخرج ما فيه بعد إجلاسه مائلا مع فوح مجمرة بالطيب وكثرة صب وغسل سوأتيه والنجاسة بخرقة، ثم أخذ أخرى ليسوكه بها، ويخرج ما في أنفه؛ ثم وضأه ثم غسل رأسه ثم لحيته بالسدر، ثم غسل ما أقبل منه الأيمن ثم الأيسر، ثم ما أدبر الأيمن ثم الأيسر بالسدر ثم أزاله، ثم صب الماء البارد الخالص مع قليل كافور

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وللولي الدخول وإن لم يغسل ولم يعن والأفضل كما في الأم أن يكون "تحت سقف" لأنه أستر وأن يرفع "على" نحو "لوح" أو سرير مهيأ لذلك لئلا يصيبه الرشاش ويستقبل به القبلة ويرفع منه ما يلي الرأس لينحدر الماء عنه. "ويغض الغاسل ومن معه بصره" وجوبًا عما بين السرة والركبة وجزء منهما إلا أن يكون زوجًا أو زوجة ولا شهوة وندبًا فيما عدا ذلك فنظره بلا شهوة خلاف الأولى "إلا لحاجة" إلى النظر كمعرفة المغسول من غيره، واللمس كالنظر فيما ذكر "و" يسن "مسح بطنه" بيده اليسرى "بقوة ليخرج ما فيه" لئلا يخرج منه شيء بعد غسله أو تكفينه ويكون ذلك "بعد إجلاسه" عند وضعه على المغتسل برفق "مائلًا" إلى ورائه قليلا، ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى ويضع يده اليمنى على كتفه وإبهامه في نقرة قفاه ثم يمسح بطنه كما ذكروا، ويكون ذلك "مع فوح مجمرة بالطيب وكثرة صب" من المعين لتخفى الرائحة بل يسن التبخير عنده من حين الموت لاحتمال ظهور شيء منه فتغلبه رائحة البخور "و" بعد ذلك "غسل سوأتيه" أي قبله ودبره "والنجاسة" التي حولهما كما يستنجي الحي "بخرقة" يلفها على يده اليسرى لئلا يمس العورة ويلفها ندبًا لغسل نجاسة سائر البدن كما اقتضاه كلامه، ويغسل قذره أيضًا لكن إنما يفعل هذا بالخرقة الثانية لا بالأولى خلافًا لما اقتضاه كلامه. "ثم أخذ" خرقة "أخرى" ولفها على يده اليسرى "ليسوكه بها" بسبابته مبلولة بالماء ولا يفتح أسنانه لئلا يسبق الماء إلى الجوف فيسرع فساده ثم ينظف بخنصرها مبلولة أنفه "ويخرج" بها "ما في أنفه" من أذى "ثم وضأه" ثلاثًا ثلاثًا كالحي بمضمضة واستنشاق يميل فيهما رأسه لئلا يسبق الماء إلى باطنه ولا يكفي عنهما ما مر لأنه كالسواك، ويتبع بعود لين ما تحت أظفاره وظاهر أذنيه وصماخيه1، "ثم" بعد ذلك "غسل رأسه ثم لحيته بالسدر2" ولا يعكس لئلا ينزل الماء من رأسه إلى لحيته فيحتاج إلى غسلها ويسرحهما بمشط برفق. "ثم غسل ما أقبل منه" بأن يغسل شقه "الأيمن" مما يلي وجهه من عنقه إلى قدمه "ثم الأيسر" كذلك. "ثم" يحوله إلى شقة الأيسر فيغسل منه "ما أدبر" بأن يغسل شقه "الأيمن" مما يلي القفا من كتفه إلى قدمه. "ثم" يحوله للأيمن فيغسل "الأيسر" كذلك ولا يعيد غسل رأسه ووجهه لحصول الغرض بغسلهما أولا بل يبدأ بصفحة عنقه فما تحتها، ويحرم كبه على وجهه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الصماخ: قناة الأذان التي تفضي إلى طبلته.
2 السدر: شجر النبق.

 

ص -207-      من قرنه إلى قدمه ثلاثًا ثم ينشفه بثوب بعد إعادة تليينه، ويكره أخذ شعره وظفره، والأولى بغسل الرجل الرجال، وبالمرأة النساء، وحيث تعذر غسله أو لم يحضر إلا أجنبي أو أجنبية يمم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
احترامًا له، وإنما كره للحي ذلك لأن الحق1 له، وهذه الغسلة بكيفيتها المذكورة يندب أن تكون "بالسدر" أو الخطمي2 ونحوهما.
"ثم" إذا فرغ من غسل جميع بدنه بالماء ونحو السدر على الكيفية المذكورة "أزاله" أي السدر أو نحوه بصب الماء الخالص من رأسه إلى قدمه. "ثم" إن لم تحصل النظافة بنحو السدر في الكيفية الأولى على خلاف الغالب جعله في كل غسلة من غسلات التنظيف، فإذا حصل النقاء "صب" وجوبًا "الماء" الخالص، ويسن حينئذ ثانية وثالثة بالماء الخالص كغسل الحي، ويسن أن يتحرى الماء "البارد" لأنه يشد البدن والمسخن يرخيه، نعم إن احتيج إليه لنحو وسخ وبرد كان المسخن أولى، ولا يبالغ في تسخينه لأنه يسرع الفساد والماء الملح أولى من العذب، ولا ينبغي أن يغسل بماء زمزم للخلاف في نجاسة الميت، وينبغي أن يبعد إناء الماء عما يقذره من الرشاش وغيره ما أمكن، ويجب أن يتحرى في إزالة نحو السدر الماء "الخالص" عما يسلبه الطهورية لما مر أول الكتاب، نعم يسن أن يكون كل غسلة من الثلاث التي بالماء الخالص في غسل غير المحرم "مع قليل كافور" وهو في الأخيرة آكد لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم به3 فيها4، ويكره تركه لأنه يقوي البدن ويدفع الهوام، وخرج باليسير الكثير بحيث يفحش التغير به فإنه يسلب طهورية الماء إن لم يكن صلبًا، وعلم مما تقرر أن نحو السدر ما دام الماء يتغير به يمنع الحسبان عن الغسل الواجب والمندوب فيغسل "من قرنه إلى قدمه" بعد الغسلة المزيلة له "ثلاثًا" بالماء الخالص متوالية كما قدمته وهو الأولى أو متفرقة بأن يستعمل الماء الخالص بعد تمام كل غسلة من غسلات التنظيف ويكون كل مرة من التنظيف، واستعمال الماء الخالص بعد غسله "ثم" بعد فراغه من غسله "ينشفه بثوب" مع المبالغة في ذلك لئلا تبتل أكفانه فيسرع فساده وبه فارق ندب ترك التنشيف في طهر الحي، ويسن أن يكون تنشيفه "بعد إعادة تليينه" أي تليين مفاصله عقب الفراغ من غسله ليبقى لينها. "ويكره أخذ شعره" أي الميت غير المحرم "وظفره" وإن كان مما يزال للفطرة واعتاد إزالته حيًا لأن أجزاء الميت محترمة فلا تنتهك بذلك ومن ثم لا يختن الأقلف، نعم لو لبد شعره بنحو صمغ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي حق الاحترام.
2 الخطمي: نبات من الفصيلة الخبازية كثير النفع، يدق ورقه يابسًا ويجعل غسلا للرأس فينقيه "المعجم الوسيط: ص245".
3 أي بالكافور.
4 روى البخاري في الجنائز باب 13 "حديث 1258", ومسلم في الجنائز "حديث 36" وغيرهما عن أم عطية قال: توفيت إحدى بنات النبي صلى الله عليه وسلم فخرج فقال:
"اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور فإذا فرغتن فآذنني" فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوه فقال: "أشعرنها إياه".

 

ص -208-      فصل: "في الكفن"
وأقل الكفن ثوب ساتر للعورة، ويسن للرجل ثلاث لفائف وللمرأة خمسة: إزار ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يصل الماء إلى أصوله إلا بها وجبت إزالته، أما المحرم إذا مات قبل تحلله الأول فيجب أن يبقى أثر إحرامه فلا يجوز أن يفعل به شيء مما يحرم على المحرم بخلاف المعتدة عن وفاة لأن تحريم نحو الطيب عليها إنما كان للتفجع وقد زال بالموت. "والأولى بغسل الرجل الرجال" فيقدمون حتى على الزوجة وأولاهم به أولاهم بالصلاة عليه، نعم الأفقه هنا أولى من الأسن، والأولى بعد الرجال الأقارب الرجال الأجانب ثم الزوجة وإن نكحت غيره ثم النساء المحارم.
"و" الأولى "بالمرأة" أن يغسلها "النساء" لكن الأولى منهن ذات المحرمية وهي من لو فرضت ذكرًا حرم تناكحهما، وتقدم نحو العمة على نحو الخالة فإن لم تكن ذات محرمية قدمت القربى فالقربى ثم ذات الولاء ثم محارم الرضاع ثم محارم المصاهرة ثم الأجنبيات، والحائض كغيرها إذ لا كراهة في تغسيلها ثم بعد النساء الزوج وإن نكح أختها أو أربعًا سواها، ويندب أن يتقي المس بخرقة يلفها على يديه ثم رجال المحارم بترتيبهم الآتي في الصلاة، وشرط المقدم الحرية والاتحاد في الدين وعدم القتل المانع للإرث، وعدم العداوة والصبا والفسق، ويغسل السيد أمته ولو مكاتبة وأم ولد حيث لم تكن مزوجة ولا معتدة أو مستبرأة1 ولا مشتركة2 ولا مبعضة3 وإلا امتنع عليه تغسيلها، وليس لأمة تغسيل سيدها لانتقال ملكه عنها، ولكن من الرجال والنساء تغسيل صغير وصغيرة لم يبلغا حد الشهوة، وتغسيل الخنثى الذي لا محرم له للحاجة ولضعف الشهوة بالموت وبه فارق حرمة نظر الفريقين له وهو حي. "وحيث تعذر غسله" بأن أدى إلى تهريه يمم وجوبًا بخلاف ما إذا أدى إلى إسراع فساده بعد الدفن فإنه يغسل. "أو لم يحضر" في المرأة "إلا" رجل "أجنبي أو" في الرجل إلا امرأة "أجنبية يمم" وجوبًا أيضًا لحرمة النظر حينئذ إلى شيء من بدن الميت.
فصل: في الكفن
"وأقل الكفن" الواجب "ثوب" لحصول الستر به، فلا يكفي ما يصف البشرة مع وجود غيره لا في الرجل ولا في المرأة، ويجب كونه مما يباح له لبسه في الحياة كالحرير للمرأة وغير المكلف بخلافه للبالغ، ولا يكتفي بالطين هنا عند وجود غيره ولو حشيشًا لما فيه من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الاستبراء: أن يشتري الرجل جارية فلا يطؤها حتى تحيض عنده حيضة ثم تطهر؛ ومعناه: طلب براءتها من الحمل "لسان العرب: 1/ 33".
2 بين سيدين.
3 بعضها قن وبعضها حر.

 

ص -209-      قميص ثم خمار ثم لفافتان والبياض والمغسول والقطن أفضل، ويبخر بعود، والأفضل أن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإزراء بالميت، ولا يجوز التكفين في متنجس بما لا يعفى عنه عند وجود طاهر غير حرير ونحوه، أما الطاهر الحرير ونحوه فيقدم عليه المتنجس، ولو تعذر الثوب وجب الحشيش ثم الطين ويكفي بالنسبة لحق الله تعالى ثوب "ساتر للعورة" فقط وهو في الذكر ما بين السرة والركبة، وفي المرأة ولو أمة والخنثى غير الوجه والكفين، أما بالنسبة لحق الميت فيجب ثوب يعم به جميع البدن لا رأس المحرم ووجه المحرمة تكريمًا له وسترًا لما يعرض من التغير، فالحاصل أن من خلف مالا وسترت عورته ولم يوص بترك الزائد سقط الحرج عن الأمة ويقي حرج ترك الزائد على الورثة، بخلاف ما إذا انتفى ذلك، ومن ثم جاز للميت منع الزائد بأن يوصي بستر عورته فقط لأنه حقه، وليس له الإيصاء بترك التكفين من أصله لأنه حق الله تعالى، ولغريم استغرق دينه التركة منع الزائد على الأقل وإن رضي به الورثة لأنه أحوج إلى براءة ذمته من التجمل، ومن ثم لم يكن للوارث المنع من ثلاث لفائف لأن المنفعة تعود له لا للميت وله المنع من الزائد على ثلاثة ولو في المرأة.
"ويسن للرجل ثلاث لفائف" يستر كل منها جميع البدن لما صح أنه صلى الله عليه وسلم كفن فيها1، وكالرجل غيره إذا كفن في ثلاثة فالأفضل أن تكون لفائف. "و" يسن "للمرأة" والخنثى "خمسة: إزار" يشد عليها وهو ما يستر العورة "ثم" بعد شد الإزار يندب "قميص" يجعل فوقه "ثم" بعد لبس القميص يندب "خمار" يغطي به الرأس "ثم" بعد ذلك يندب "لفافتان" تلف فيهما للاتباع2 في الأنثى وقيس بها الخنثى احتياطًا للستر. "والبياض" أفضل من غيره لما صح من الأمر به3، "والمغسول" أفضل من الجديد لأن مآله للبلى، والمراد بإحسان الكفن في خبر مسلم4 بياضه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى البخاري في الجنائز "حديث 1264 و1272 و1273 و1387" ومسلم في الجنائز "حديث 45" والنسائي في الجنائز باب 39، وابن ماجه في الجنائز باب 11، ومالك في الجنائز حديث 5 و6 و7، وأحمد في المسند "6/ 40، 93، 118، 132، 165، 231" عن عائشة قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية من كرسف ليس فيهن قميص ولا عمامة".
2 روى أبو داود في الجنائز باب 32 "حديث 3157" عن ليلى بنت قانف الثقفية قال: "كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها، فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقاء ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة، ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر" قالت: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبًا ثوبًا".
3 روى أبو داود في الطب باب 14 "حديث 3878" عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم" ورواه أيضًا في اللباس باب 13، ورواه الترمذي في الجنائز باب 18 والأدب باب 46، والنسائي في الجنائز باب 38، وأحمد في المسند "1/ 247، 274، 328، 355، 363".
4 خبر مسلم هو ما رواه في الجنائز عن جابر رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه" ورواه أيضًا الترمذي في الجنائز باب 19، والنسائي في الجنائز باب 37، وابن ماجه في الجنائز باب12، وأبو داود في الجنائز باب 30.

 

ص -210-      يحمل الجنازة خمسة، والمشي قدامها بقربها، والإسراع بها، ويكره اللغط فيها، واتباعها بنار واتباع النساء.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونظافته وسبوغه1 وكثافته لا ارتفاعه إذ تكره المبالغة فيه للنهي عنه2، نعم إن كان الوارث محجورًا عليه أو غائبًا حرمت المغالاة فيه من التركة. "و" الثوب "القطن أفضل" من غيره كما قاله البغوي لأن كفنه صلى الله عليه وسلم كان كذلك3. "ويبخر" ندبًا الكفن لغير المحرم، ويندب أن يبخر ثلاثًا وأن يكون التبخير "بعود" وأن يكون العود غير مطيب بالمسك ثم بعد تبخيره تبسط أحسن اللفائف وأوسعها ويذر عليه حنوط ويبسط فوقه الثاني ويذر عليه الحنوط ثم الثالث كذلك لئلا يسرع بلاها من بلل يصيبها، ثم يوضع الميت على الثالث برفق مستلقيًا على قفاه، ثم يلصق بجميع منافذه مواضع السجود منه قطن حليج4 مع كافور وحنوط دفعًا للهوام عن ذلك5 ويدس القطن بين أليتيه ويكره إدخاله باطنه إلا لعله يخالف خروج شيء بسببها، ثم يلف عليه الثوب الذي يليه فيضم منه شقه الأيسر على شقه الأيمن ثم الأيمن على الأيسر ثم يلف الثاني كذلك ثم الثالث كذلك ثم تربط الأكفان ثم تحل في القبر، والتكفين يجب على من كان عليه نفقته حيًا كزوجته غير الناشزة والصغيرة وخادمتها وإن كانت موسرة رجعية أو بائنًا حاملًا، نعم يجب على الأب تجهيز ولده الكبير، وعلى السيد تجهيز مكاتبه وإن لم يلزمهما نفقتهما حيين، وليس على الولد تجهيز زوجة أبيه وإن لزمه نفقتها حية وإنما يجب عليه تكفين الغير بثوب يعم فقط، نعم تحرم الزيادة عليه إن كفن من بيت المال أو مما وقف للتكفين.
واعلم أن حمل الجنازة من وظيفة الرجال ولا دناءة فيه، ويحرم بهيئة مزرية كحمله في غرارة6 أو قفة أو بهيئة يخشى سقوطه منها، والحمل بين العمودين أفضل من التربيع7 إن أريد الاقتصار على أحدهما، وكيفية الأول8 أن يحمله ثلاثة يضع أحدهم الخشبتين المقدمتين على عاتقيه ويأخذ اثنان بالمؤخرتين. "والأفضل أن يحمل الجنازة" عند عجز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 سبغ الشيء سبوغًا، تم، وطال، واتسع.
2 روى أبو داود في الجنائز باب 31 عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعًا".
3 روى الإمام أحمد في المسند "6/ 304" من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض كرسف، يعني قطنًا.
4 أي محلوج؛ فعيل بمعنى مفعول.
5 أي منافذه ومواضع السجود منه.
6 الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه، وهو أكبر من الجوالق "المعجم الوسيط: ص648".
7 ستأتي كيفية التربيع بعد خمسة أسطر.
8 أي الحمل بين العمودين.

 

ص -211-      .................................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المتقدم عن حمل المقدمتين كما ذكر "خمسة" بأن يعينه اثنان فيضع كل واحد منهما واحدة من المقدمتين على عاتقه والثلاثة الباقون على الكيفية السابقة فحاملوها بلا عجز ثلاثة وبه خمسة فإن عجزوا فسبعة أو تسعة أو أكثر أوتار بحسب الحاجة، والتربيع أن يحمله أربعة كل واحد بعمود فإن عجزوا فستة أو ثمانية أو أكثر أشفاعًا بحسب الحاجة، ويكره الاقتصار على واحد أو اثنين إلا في الطفل، والجمع بين الكيفيتين بأن يحمل تارة بالهيئة الأولى وتارة بالهيئة الثانية أفضل من الاقتصار على إحداهما. "و" يندب لكل مشيع قادر "المشي" للاتباع1 ويكره لغير المعذور بنحو مرض ركوبه في ذهابه معها دون رجوعه، ويندب حتى للراكب المشي "قدامها" وكونه "بقربها" بحيث يراها إن التفت للاتباع "و" يندب "الإسراع بها" بين المشي المعتاد والخبب2 إن لم يضره لما صح من الأمر به3 ولو خيف عليه تغير زيد في الإسراع ويندب ستر المرأة بشيء كالخيمة، ويتأكد تشييع الجنازة للرجال، ويندب مكثهم إلى أن يدفن. "ويكره اللغط فيها" بالتحدث في أمور الدنيا بل السنة الفكر في الموت وما بعده. ويكره القيام لمن مرت به ولم يرد الذهاب معها والأمر به4 منسوخ5. "و" يكره "اتباعها بنار" ولو في مجمرة وأن يحمي عند القبر. "و" يكره "اتباع النساء" للجنازة إن لم يتضمن حرامًا وإلا حرم، وعليه يحمل ما ورد مما يدل على التحريم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الجنائز باب 45 "حديث 3179" عن ابن عمر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنائز" ورواه أيضًا الترمذي في الجنائز باب 26، والنسائي في الجنائز باب 56، وابن ماجه في الجنائز باب 16، ومالك في الجنائز حديث 8، وأحمد في المسند "2/ 8، 122".
2 الخبب: العدو.
3 عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أسرعوا بالجنازة؛ فإن تك صالحة فخير تقدمونها، وإن تك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم". رواه البخاري في الجنائز باب 51 "حديث 1315" وهذا لفظه. ومسلم في الجنائز حديث 50 و51، وأبو داود في الجنائز باب 46، والنسائي في الجنائز باب 44، وابن ماجه في الجنائز باب 15، ومالك في الجنائز حديث 58، وأحمد في المسند "2/ 240، 280، 488".
4 الأمر بالقيام للجنازة رواه البخاري في الجنائز باب 47 "حديث 1308" ومسلم في الجنائز حديث 73، عن عامر بن ربيعة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"إذا رأى أحدكم جنازة فإن لم يكن ماشيًا معها فليقم حتى يخلفها أو تخلفه أو توضع من قبل أن تخلفه" ولفظ مسلم: "... حتى تخلفكم أو توضع". ورواه أيضًا البخاري في الجنائز باب 48 "حديث 1310" ومسلم  في الجنائز حديث 76، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يعقد حتى توضع". ورواه البخاري في الجنائز باب 49 "حديث 1311" ومسلم في الجنائز حديث 78، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: مر بنا جنازة، فقام لها النبي صلى الله عليه وسلم وقمنا، فقلنا: يا رسول الله إنها جنازة يهودي، قال: "إذا رأيتم الجنازة فقوموا".
5 نسخ الأمر بالقيام للجنازة رواه مسلم في الجنائز حديث 82 عن علي بن أبي طالب قال: "قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد". وبلفظ آخر "حديث 84": "رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقمنا، وقعد فقعدنا" يعني في الجنازة.

 

ص -212-      فصل: "في أركان الصلاة على الميت وما يتعلق بها"
أركان صلاة الميت سبعة: الأول: النية كغيرها.
الثاني: أربع تكبيرات.
الثالث: قراءة الفاتحة.
الرابع: القيام للقادر.
الخامس: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثانية.
السادس: الدعاء للميت بعد الثالثة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في أركان الصلاة على الميت وما يتعلق بها
"أركان صلاة الميت سبعة. الأول: النية كغيرها" فيجب فيها ما يجب في نية سائر الفروض، فمن ذلك النية بالتكبيرة الأولى والتعرض للفرضية وإن لم يقل فرض كفاية، وعلى المأموم نية الاقتداء أو نحوه، ولا يجب تعيين الميت ولا معرفته بل الواجب أدنى تمييز كقصد من صلى عليه الإمام.
"الثاني" من الأركان: "أربع تكبيرات" منها تكبيرة الإحرام للاتباع1 ولا يضر الزيادة عليها سواء الخمس وما فوقها.
"الثالث: قراءة الفاتحة" لعموم خبر: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"2 ولا تتعين في الأولى كما أفهمه كلام المصنف بل تجزئ في الثانية أو غيرها على تناقض فيه.
"الرابع: القيام للقادر" عليه بخلاف العاجز عنه فيقعد ثم يضطجع ثم يستلقي كما في سائر الصلوات المفروضة.
"الخامس: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد" التكبيرة "الثانية" لفعل السلف والخلف.
"السادس: الدعاء للميت" بخصوصه ولو طفلا فيما يظهر كـ:"اللهم اغفر له" أو "اللهم ارحمه" أو نحو ذلك "بعد" التكبيرة "الثالثة" لفعل من ذكر ولما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء"3.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى مسلم في الجنائز "حديث 68" وأبو داود في الجنائز باب 54 "حديث 3196" عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر بعدما دفن فكبر عليه أربعًا".
2 رواه مسلم في الصلاة حديث 34 من حديث عبادة بن الصامت. ورواه أيضًا أبو داود "حديث 822" والترمذي "حديث 247 و311" وأحمد في المسند "5/ 314" والبيهقي في السنن الكبرى "2/ 38, 61, 164، 375" وابن ماجه في إقامة الصلاة والسنة فيها باب 11، والدارقطني في سننه "1/ 321، 322".
3 رواه من حديث أبي هريرة أبو داود في الجنائز باب 56 "حديث 3199" وابن ماجه "حديث رقم 1497" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 40".

 

ص -213-      السابع: السلام.
ويسن رفع يديه في التكبيرات، والإسرار والتعوذ دون الاستفتاح ويشترط فيها شروط الصلاة، ويصلي على الغائب والمدفون من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت إلا على النبي صلى الله عليه وسلم، وأولى الناس بالصلاة عليه عصباته، ثم ذوو الأرحام. ولا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"السابع السلام" كغيرها في جميع ما مر في صفة الصلاة، ويجب أن يكون بعد الرابعة ولا يجب فيها ذكر لكن يسن تطويل الدعاء فيها. "ويسن رفع يديه" حذو منكبيه "في" كل من "التكبيرات" ووضع يديه بين كل تكبيرتين تحت صدره "والإسرار" للقراءة ولو ليلا لما صح عن أبي أمامة رضي الله عنه أن ذلك من السنة1 "والتعوذ" للفاتحة لأنه من سننها ولا تطويل فيه "دون الاستفتاح" والسورة وإن صلى على غائب؛ لأن مبناها على التخفيف ما أمكن. "ويشترط فيها شروط الصلاة" لأنها صلاة، ويشترط أيضًا تقدم غسل الميت أو تيممه بشرطه لا تكفينه لكن تكره الصلاة عليه قبل التكفين "ويصلي" جوازًا من يأتي "على الغائب" من عمارة البلد أو سورها. "و" على "المدفون" في البلد لما صح أنه صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي بالمدينة يوم موته بالحبشة فخرج بهم إلى المصلى وصف بهم وكبر أربع تكبيرات وذلك في رجب سنة تسع، وأنه صلى على القبر. وإنما يصلي على من ذكر "من كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت" أي وقته لأن غيره متنفل وهذه لا يتنفل بها فتمتنع على الكافر والحائض وقت الموت وعلى من بلغ أو أفاق بعده وقبل الغسل "إلا النبي صلى الله عليه وسلم" فلا تجوز الصلاة على قبره كسائر قبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام للعنه صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى لاتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد2 ولأنا لم نكن أهلًا للفرض وقت موتهم. "وأولى الناس بالصلاة عليه" أي الميت "عصباته" لأنهم أقرب وأشفق فيكون دعاؤهم أقرب للإجابة، ويقدم منهم الأقرب كالأب ثم أبيه وإن علا لأن الأصول أشفق ثم الابن ثم ابنه وإن سفل ثم الأخ الشقيق ثم لأب ثم ابن الأخ الشقيق ثم ابن الأخ لأب ثم عم ثم ابن العم كذلك وهكذا، ولو اجتمع ابنا عم أحدهما أخ لأم قدم لترجحه بقرابة الأم وإن لم يكن لها دخل هنا. "ثم ذوو الأرحام" الأقرب فالأقرب فيقدم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه النسائي في قيام الليل باب 23.
2 حديث:
"قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" وفي لفظ: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد", روي من حديث ابن عباس وأبي هريرة وعائشة رضي الله عنهم، فرواه البخاري في صحيحه "الأحاديث 435 و436 و437 و1390 و3453 و3454 و4441 و4443 و4444 و5815 و5816", ومسلم في المساجد ومواضع الصلاة "حديث 19 و23" وأبو داود في الجنائز باب 72، والنسائي في المساجد باب 13 والجنائز باب 106، والدارمي في الصلاة باب 120، ومالك في المدينة حديث 17، وأحمد في عدة مواضع من مسنده.

 

ص -214-      يغسل الشهيد، ولا يصلى عليه وهو من مات في قتال الكفار بسببه، ولا على السقط إلا إذا ظهرت أمارات الحياة كالاختلاج، ويغسل إن بلغ أربعة أشهر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو الأم ثم بنو البنات على ما في الذخائر1 ثم الأخ للأم ثم الخال ثم العم للأم، ولا حق هنا للوالي ولا لإمام المسجد وكذا لا حق للزوج أو السيد إن وجد أحد من الأقارب وإلا قدم على الأجانب، ولا لامرأة مع ذكر وإلا قدمت بترتيب الذكر السابق، ولا لقاتل وعدو ونحو صبي، ولو استوى اثنان في درجة قدم العدل الأسن في الإسلام على أفقه منه بخلاف ما مر في سائر الصلوات لأن الغرض هنا الدعاء ودعا الأسن أقرب إلى الإجابة، ويقدم العدل الحر الأبعد على القن الأقرب والأفقه والأسن لأنه أليق بالإمامة لأنها ولاية فإن استووا في جميع ما ذكر وغيره كنظافة الثوب والبدن وتشاحوا2 قدم واحد بقرعة، ولو أوصى الميت بالصلاة لغير المقدم وإن كان صالحا لغا3 لأنها حق القريب كالإرث.
"ولا يغسل الشهيد" ولو حائضًا مثلا "ولا يصلى عليه" أي يحرم غسله والصلاة عليه لما صح: "أنه صلى الله عليه وسلم أمر في قتلى أحد بدفنهم بثيابهم ولو يغسلهم ولم يصل عليهم"4 وحكمة ذلك إبقاء أثر الشهادة عليهم والتعظيم لهم باستغنائهم عن دعاء غيرهم. "وهو" أي الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلى عليه "من مات في قتال الكفار" أو كافر واحد ولم يبق فيه حياة مستقرة "بسببه" ولو برمح5 دابة لنا أو لهم أو سلاحه أو سلاح مسلم آخر خطأ أو تردى بوهدة6 أو جبل أو جُهِلَ ما مات به وإن لم يكن به أثر دم لأن الظاهر أن موته بسبب القتال، بخلاف ما لو مات بغير سببه أو جرح فيه ومات به وبقي بعد انقضائه حياة مستقرة فإنه ليس له حكم السبب فيما ذكر وإن قطع بموته بعد، كمن مات فجأة فيه أو بمرض أو قتله أهل البغي أو اغتاله مسلم مطلقًا أو كافر في غير قتال، ويجب أن يزال عنه نجس غير دم وإن حصل بسبب الشهادة ودم حصل بغير سببها وإن أدت إزالة ذلك إلى إزالة دمها لأنه ليس من أثر العبادة، ويندب أن ينزع عنه آلة الحرب ونحوها، وأن يكفن في ثيابه الملطخة بالدم. "ولا" يصلى "على السقط" أي تحرم الصلاة عليه "إلا إذا ظهرت أمارات الحياة" بصياح أو غيره "كالاختلاج" بعد انفصاله فيجب حينئذ غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه لتيقن حياته أو ظهور أماراتها، وصح:
"إذا استهل الصبي ورث وصلي عليه"7. "ويغسل" ويكفن ويدفن وجوبًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع الحاشية 1 صفحة 73.
2 تشاحوا: تخاصموا.
3 لغا: بطل.
4 رواه بنحو هذا اللفظ من حديث ابن عباس: أبو داود في الجنائز باب 27 "حديث 3134" وفي الجهاد باب 38، وابن ماجه في الجنائز باب 28، ومالك في الجهاد حديث 38.
5 رمحت الدابة فلانًا: رفسته.
6 الوهدة: الأرض المنخفضة.
7 رواه بهذا اللفظ البيهقي في السنن الكبرى "4/ 8". ورواه بدون لفظ "ورث" ابن ماجه في سننه "حديث 2750" والحاكم في المستدرك "4/ 348".

 

ص -215-      فصل: "في الدفن"
وأقل الدفن حفرة تكتم رائحته وتحرسه من السباع، وأكمله قامة وبسطة وذلك أربعة أذرع ونصف، ويحرم نبشه قبل بلاء إلا لضرورة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"إن بلغ أربعة أشهر" أي مائة وعشرين يومًا حد نفخ الروح فيه ولم تظهر فيه أمارة حياة، ولا تجوز الصلاة عليه لأن نحو الغسل أوسع بابًا منها إذ الذمي يفعل به ما ذكر إلا الصلاة، أما إذا لم يبلغ الأربعة فلا يجب فيه شيء من ذلك لكن يندب أو يوارى بخرقة وأن يدفن.
فصل: في الدفن
ويجب تقديم الصلاة عليه. "وأقل الدفن حفرة تكتم رائحته وتحرسه من السباع" لأن حكمة الدفن صونه عن انتهاك جسمه وانتشار رائحته المستلزم للتأذي بها واستقذار جيفته، فاشترطت حفرة تمنعهما، ومن ثم لم تكف الفساقي1 وإن منعت الوحش لأنها لا تكتم الريح، وخرج بالحفرة ما لو وضع على وجه الأرض وبني عليه ما يمنعهما2 فإنه لا يكفي إلا إن تعذر الحفر كما لو مات بسفينة والساحل بعيد أو به مانع فيجب غسله وتكفينه والصلاة عليه، ثم يجعل بين لوحين ثم يلقى في البحر، ويجوز أن يثقل لينزل إلى القرار. "وأكمله" قبر واسع لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم بذلك3 وضابط ارتفاعه الأكمل "قامة وبسطة" أي قدرهما من معتدل الخلقة "وذلك أربعة أذرع ونصف" بذراع اليد وهي نحو ثلاثة أذرع ونصف بالذراع المعتدل المعهود. "ويحرم نبشه" أي القبر "قبل بلاء" الميت لإدخال ميت آخر أو لغير ذلك احترامًا لصاحبه "إلا لضرورة" كأن دفن بلا طهارة أو لغير القبلة أو في ثوب مغصوب أو أرض مغصوبة أو سقط في القبر متمول4 فيجب النبش لحصول الستر المقصود من الكفن وحرمة الحرير لحق الله تعالى، ولو ابتلع مال غيره وجب النبش وشق جوفه إن طلب المالك، وكذا يجب شق جوف من ماتت وفيه5 جنين وجبت حياته، وينبش أيضًا إن لحقه بعد الدفن نحو نداوة أو سيل أو دفن كافر بالحرم أو احتيج لمشاهدته للتعليق على صفة فيه أو لكون القائف6 يلحقه بأحد المتنازعين فيه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الفساقي: جمع فسقية، وهي حوض من الرخام ونحوه مستدير غالبًا تمج الماء فيه نافورة ويكون في القصور والحدائق والميادين "المعجم الوسيط: ص689".
2 أي ما يمنع انتشار رائحته وعدو السباع عليه.
3 روى أبو داود في الجنائز باب 67 "حديث 3215" وأحمد في المسند "4/ 20" عن هشام بن عامر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"احفروا وأوسعوا واجعلوا الرجلين والثلاثة في القبر". ورواه بلفظ: "احفروا وأوسعوا وأعمقوا" البيهقي في السنن الكبرى "3/ 412، 4/ 234".
4 أي ما له قيمة مالية.
5 أي جوفها.
6 القائف: من يحسن معرفة الأثر وتتبعه.