المنهاج القويم شرح المقدمة الحضرمية

ص -216-      كتاب: الزكاة
لا تجب الزكاة إلا على الحر المسلم غير الجنين وذلك في أنواع: الأول النعم، ففي كل خمس من الإبل إلى
عشرين شاة جذعة، أو جذع ضأن له سنة، أو ثنية معزٍ أو

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب: الزكاة
وهي لغة: التطهير والإصلاح والنماء والمدح، وشرعًا: اسم لما يخرج عن مال أو بدن على وجه مخصوص وهي أحد أركان الإسلام، ومن ثم يكفر جاحدها على الإطلاق أو في القدر المجمع عليه، ويقاتل الممتنع من أدائها وتؤخذ منه وإن لم يقاتل قهرًا.
"لا تجب الزكاة إلا على الحر" ولو مبعضًا ملك ببعضه الحر نصابًا بخلاف الرقيق لأنه لا يملك وإن ملكه سيده ولا زكاة على مكاتب لضعف ملكه ولا على سيده لأنه ليس مالكًا له "المسلم" ولو غير مكلف كالصبي والمجنون للخبر الصحيح فرضها على المسلمين والمراد بلزومها لغير المكلف أنها تلزم في ماله حتى يلزم الولي الذي يعتقد وجوبها في مال المولي إخراجها من ماله، أما الكافر فلا يلزمه إخراجها ولو بعد الإسلام، لكنه إذا مات على كفره طولب بها في الآخرة وعوقب عليها كسائر الواجبات، ويوقف الأمر في مال المرتد، فإن مات مرتدًا بان أن لا مال له من حينها وإلا أخرج الواجب في الردة وقبلها. "غير الجنين" فلا زكاة في المال الموقوف1 لأنه لا ثقة بوجوده فضلا عن حياته، ويشترط أيضًا كون المالك معينًا، فلا زكاة في ريع موقوف على نحو الفقراء والمساجد كما يأتي لعدم تعين المالك، بخلاف الموقوف على معين واحد أو جماعة، وتجب على من ذكر بالشروط الآتية وإن كان عليه ديون بقدر ما في يده أو أكثر. "وذلك" أي وجب الزكاة "في أنواع" خمسة أو ستة لأنها إما زكاة بدن وهي زكاة الفطر، وإما زكاة مال وهي إما متعلقة بالعين وهي زكاة النعم والمعشرات والنقدين والركاز2 والمعدن، وإما متعلقة بالقيمة وهي زكاة التجارة.
"الأول: النعم" وهي الإبل والبقر والغنم الإنسية فلا يجب في غيرها حتى المتولد منها ومن غيرها بخلاف المتولد بينها كالمتولد بين الإبل والبقر فالواجب فيه زكاة أخف أبويه، ولوجوبها شروط منها النصاب. "ففي كل خمس من الإبل إلى عشرين" منها "شاة" والمراد بها "جذعة أو جذع ضأن له سنة" أو أجذع قبل تمامها "أو ثنية معز أو ثني له سنتان" كاملتان وإنما أجزأ الذكر هنا لصدق اسم الشاة به في الخبر3 إذ تاؤها للوحدة لا للتأنيث، وشرط الشاة هنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي المال الواجب للجنين إرثًا من مورثه الذي مات قبل ولادته.
2 الركاز: أي المركوز، وهو المدفون؛ كما سيأتي في باب زكاة النقد.
3 وهو قوله: "وفي أربعين شاة شاة".

 

ص -217-      ثني له سنتان، وفي خمس وعشرين بنت مخاص لها سنة، أو ابن لبون له سنتان إن فقدها، وفي ست وثلاثين بنت لبون لها سنتان، وفي ست وأربعين حقة لها ثلاث، وفي إحدى وستين جذعة لها أربع، وفي ست وسبعين بنتا لبون، وفي إحدى وتسعين حقتان، وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون، وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، ثم في كل أربعون بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن فقد واجبة صعد إلى أعلى منه، وأخذ شاتين كالأضحية، أو عشرين درهمًا إسلامية، أو نزل إلى أسفل منه وأعطى بخيرته شاتين أو عشرين درهمًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أن تكون من غنم البلد أو مثلها أو أعلى منها قيمة وأن تكون صحيحة وإن كانت إبله مراضًا، وعلم من كلامه أنه يجب في العشر شاتان وفي الخمسة عشر ثلاث شياه وفي العشرين أربع. "وفي خمس وعشرين بنت مخاض" وهي ما "لها سنة" كاملة سميت بذلك لأن أمها آن لها أن تحمل مرة أخرى فتصير من المخاض أي الحوامل وتجزئ في أقل من خمس وعشرين وإن زادت قيمة الشياه عليها "أو ابن لبون" ولو خنثى وهو ما "له سنتان" وإنما يجزئ "إن فقدها" أي بنت المخاض بأن لم يملكها أو ملكها معيبة أو مغصوبة وعجز عن تخليصها أو مرهونة بمؤجل، ولا فرق بين أن تساوي قيمة ابن اللبون قيمة بنت المخاض أو لا، ولا يكلف تحصيلها بشراء أو غيره، ويجزئ ما فوق ابن اللبون كالحق بالأولى لا ابن المخاض لأنه لا جابر فيه بخلاف ابن اللبون وما فوقه لأن فضل السن يجبر فضل الأنوثة، ولو كانت عنده بنت مخاض كريمة لم يجز ابن اللبون لقدرته عليها ولا يكلفها إلا إن كانت إبله كلها كرامًا ولا يكلف عن الحوامل حاملا. "وفي ست وثلاثين" من الإبل "بنت لبون" هي التي تم "لها سنتان" سميت بذلك لأن أمها آن لها أن تضع ثانيًا وتصير ذات لبن "وفي ست وأربعين حقة" وهي التي تم "لها ثلاث" من السنين سميت بذلك لأنها استحقت الركوب أو طروق الفحل. "وفي إحدى وستين جذعة" بالذال المعجمة وهي التي تم "لها أربع" من السنين سميت بذلك لأنها أجذعت مقدم أسنانها أي أسقطته "وفي ست وسبعين بنتا لبون وفي إحدى وتسعين حقتان" وكذا في مائة وعشرين وبعض واحدة. "وفي مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون وفي مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون ثم في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة" والحاصل أن بنات اللبون الثلاث تجب في مائة وإحدى وعشرين وتستمر إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب، فيجب حينئذ في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة، ففي المائة والثلاثين ما ذكر، وفي مائة وأربعين بنت لبون وحقتان، وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق وهكذا، والأصل في جميع ما مر كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه الذي كتبه لأنس لما وجهه إلى البحرين على الزكاة1. "ومن فقد واجبه" كأن فقد بنت اللبون وعند ست وثلاثون فإن شاء حصلها وإن شاء "صعد إلى أعلى منه" بدرجة كالحقة "وأخذ" جبرانًا أعني "شاتين كالأضحية" يعني يجزئان

 

ص -218-      فصل: "في واجب البقر"
وفي ثلاثين من البقر تبيع له سنة أو تبيعة، وفي أربعين مسنة لها سنتان، وفي ستين تبيعان، ثم في كل ثلاثين تبيع، وفي كل أربعين مسنة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الأضحية بأن يكون لكل من الضائنتين سنة، أو لكل من الماعزتين سنتان وتجزئ ضائنة لها سنة وماعزة لها سنتان "أو عشرين درهمًا" نقرة1 خالصة "إسلامية" وهي المراد بالدراهم الشرعية حيث أطلقت، نعم إن لم يجدها أو غلبت المغشوشة أجزأ منها ما يكون فيه من النقرة قدر الواجب، ولا يجوز شاة وعشرة دراهم إلا إن كان الأخذ هو المالك ورضي بذلك والخيرة فيه للمعطي وهي الساعي. "أو نزل إلى أسفل منه" أي من الواجب بدرجة كبنت مخاض في المثال المذكور. "وأعطى بخيرته" جبرانًا أعني "شاتين أو عشرين درهمًا" وإنما كان المدار على خيرة المعطي من المالك أو الساعي لظاهر خبر أنس الذي في البخاري2 وغيره ومصرفه بيت المال فإن تعذر فمن مالهم3، وعلى الساعي العمل بالمصلحة لهم في دفعة وأخذه، ولا يجوز أن يصعد درجتين بجبرانهما مع إمكان درجة في تلك الجهة لعدم الحاجة إليهما، بخلاف ما إذا تعذرت الجهة القربى في جهة المخرجة فقط كأن لم يجد من وجبت عليه الحقة إلا بنت مخاض حيث أراد النزول، أو من لزمته بنت اللبون إلا جذعة أراد الصعود، وكذا يقال في حال الصعود بأكثر من درجتين، نعم له صعود درجتين مطلقًا إذا قنع بجبران واحد ولا يصعد له من بإبله عيب لأنه4 للتفاوت بين السليمتين وهو فوق التفاوت بين المعيبتين.
فصل: في واجب البقر
ولا شيء فيها حتى تبلغ الثلاثين "وفي ثلاثين من البقر تبيع" ذكر وهو ما "له سنة" كاملة سمي تبيعًا لأنه يتبع أمه "أو تبيعة" أنثى وهي بنت سنة كاملة أيضًا وهذا أحد المواضع التي يجزئ فيها الذكر لكن الأنثى أفضل. "وفي أربعين" منها "مسنة" وهي ما "لها سنتان" كاملتان سميت بذلك لتكامل أسنانها وذلك لما صح عن معاذ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك لما بعثه إلى اليمن5. "وفي ستين تبيعان ثم" يختلف الواجب بكل عشر فيجب "في كل ثلاثين تبيع وفي كل أربعين مسنة" ففي مائة وعشرين ثلاث مسنات أو أربعة أتبعة وقس على ذلك، وليس هنا ولا في زكاة الغنم صعود ولا نزول بجبران.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 النقرة: القطعة المذابة من الذهب أو الفضة "المعجم الوسيط: ص945".
2 وهو قوله في الحديث: "... ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين".
3 أي من مال المؤذين للزكاة.
4 أي الجبران.
5 وجاء في الحديث عن معاذ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما وجهه إلى اليمن أمره أن يأخذ من البقر من كل شيء ثلاثين تبيعًا أو تبيعة ومن كل أربعين مسنة" رواه أبو داود في الزكاة باب 5، والترمذي في الزكاة باب 15، والنسائي في الزكاة باب 8، وابن ماجه في الزكاة باب 12، ومالك في الزكاة حديث 24، وأحمد في المسند "5/ 230، 233، 240، 247".

 

ص -219-      فصل: "في زكاة الغنم"
وفي أربعين شاة شاة، إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان، وفي مائتين وواحدة ثلاث، وفي أربعمائة أربع، ثم في كل مائةٍ شاةٌ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في زكاة الغنم
ولا شيء حتى تبلغ أربعين "وفي أربعين شاة شاة" ويستمر ذلك "إلى مائة وإحدى وعشرين فشاتان" فيها وما دونها كمائة وعشرين وبعض شاة فيها شاة واحدة. "وفي مائتين وواحدة" من الشياه "ثلاث" منها "وفي أربعمائة أربع" منها "ثم في كل مائة" من الضأن "شاة" جذعة منه وهي ما لها سنة، ومن المعز شاة ثنية منه وهي ما لها سنتان للخبر الصحيح1 بجميع ما ذكر، ولا يجزئ نوع عن آخر إلا برعاية القيمة.

فصل: "في بعض ما يتعلق بما مر"
ولا يجوز أخذ المعيب من ذلك إلا إذا كانت نعمه معيبة كلها، وكذلك المراض، ولا يجوز أخذ الذكر إلا فيما تقدم وإلا إذا كانت كلها ذكورًا، ولا أخذ الصغير إلا إذا كانت صغارًا، ولو اشترك اثنان من أهل الزكاة في نصاب وجبت عليهما الزكاة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في بعض ما يتعلق بما مر
"ولا يجوز أخذ المعيب من ذلك" أي جميع ما مر وذلك للخبر الصحيح: "ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عور"2 أي عيب والمراد به هنا عيب المبيع لا الأضحية لأن الزكاة يدخلها التقويم عند التقسيط فلا يعتبر فيها إلا ما يخل بالمالية. "إلا إذا كانت نعمه معيبة كلها" فيؤخذ منها حينئذ معيب ولا يكلف صحيحًا لأن فيه إضرارًا به. "وكذلك المراض" فلا يجوز أخذ المريض إلا إذا كانت نعمه كلها مريضة فيؤخذ منها مريض، ولا يكلف صحيحًا لذلك، ويجب أن يكون ذلك المعيب أو المريض متوسطًا جمعًا بين الحقين "ولا يجوز أخذ الذكر إلا فيما تقدم" في قوله: ففي كل خمس... إلخ "وإلا إذا كانت كلها ذكورًا" فيخرج ذكرًا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الذي مر تخريجه في الحاشية صفحة 217.
2 رواه البخاري في الزكاة باب 39، وأبو داود في الزكاة باب 5، والنسائي في الزكاة باب 5 و10، وابن ماجه في الزكاة باب 13، والدارمي في الزكاة باب 4، ومالك في الزكاة حديث 23، وأحمد في المسند "1/ 12".

 

ص -220-      فصل: "في شروط زكاة الماشية"
وشروط وجوب زكاة الماشية مضيٌّ حولٍ كاملٍ متوالٍ في ملكه، إلا في النتاج فيتبع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منها تسهيلا عليه لبناء الزكاة على التخفيف، لكنه يؤخذ من ست وثلاثين ابن لبون أكثر قيمة من ابن لبون يؤخذ من خمس وعشرين بالقسط لئلا يسوي بين النصابين. "ولا" يجوز "أخذ الصغير إلا إذا كانت" جميعها "صغارًا" بأن كانت في سن لا فرض فيه ويتصور بأن تموت الأمهات وقد تم حولها والنتاج صغار أو ملك نصابًا من صغار المعز وتم لها حول، ولا بد أن يكون المأخوذ من ست وثلاثين بعيرًا فصيلا فوق المأخوذ من خمس وعشرين، ومن ستة وأربعين فوق المأخوذ من ست وثلاثين وعلى هذا القياس، وإنما يجزئ الصغير إن كان من الجنس، وإلا كخمسة أبعرة صغار أخرج عنها شاة فلا يجزئ إلا ما يجزئ في الكبار، ومحل أخذ المعيب وما بعده حيث لم يكن في نعمه كامل وإلا بأن كانت كلها كوامل أو تنوعت إلى سليم ومعيب أو صحيح ومريض، أو ذكور وإناث أو كبير وصغير، والكامل فيها قدر الواجب أو أكثر فيؤخذ الكامل ولا يجزئ غيره، لكن مع اعتبار التقسيط1 بقدر ما في ماشيته من كامل وناقص، ففي أربعين شاة نصفها صحاح وقيمة كل صحيحة ديناران، وكل مريضة دينار يؤخذ صحيحة بنصف القيمتين وهو دينار ونصف وهكذا لو كان بعضها سليمًا وبعضها مريضًا مثلا. "ولو اشترك اثنان" أو أكثر "من أهل الزكاة" حولا كاملا "في نصاب" زكوي أو أكثر بشراء أو إرث أو غيرهما وهو من جنس واحد "وجبت عليهما الزكاة" قياسًا على خلطة الجوار2 بل أولى بخلاف ما لو كان أحدهما ليس أهلا للزكاة كأن كان ذميًّا أو مكاتبًا أو جنينًا فإنه لا أثر لمشاركته، بل إن كان نصيب الأهل3 نصابًا زكاه زكاة الانفراد وإلا فلا شيء عليه لأن من ليس أهلا للوجوب لا يمكن أن يكون ماله سببًا لتغيير زكاة غيره، وبخلاف ما لو كان مالهما معًا دون نصاب أو نصابًا واشتركا فيه أقل من حول أو كان من جنسين كبقر بغنم بخلاف ضأن بمعز مثلا4، وتجب الزكاة أيضًا على مالكي نصاب أو أكثر وهما من أهل الزكاة إذا خلطاهما خلطة جوار حولا كاملا ولم يتميز في المشرب والمسرح والمرعى وغيرهما مما ذكر في المطولات.
فصل: في شروط زكاة الماشية
وبعضها شروط لزكاة غيرها أيضًا. "وشروط وجوب زكاة الماشية" النصاب وقد مر،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي توزيع المستحق حسب نوع النصاب.
2 أي اختلاط نعم الجارين بعضها مع بعض.
3 أي من هو أهل للوجوب كما سيأتي في السطر التالي.
4 لأن الضأن والمعز من جنس واحد.

 

ص -221-      الأمهات في الحول، وأن تكون سائمة في كلأ مباح، وأن يكون كل السوم من المالك فلا زكاة فيما سامت بنفسها، أو أسامها غير المالك، وأن لا تكون عاملة في حرث ونحوه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
و"مضي حول كامل متوال في ملكه" لخبر أبي داود: "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول"1 وعليه إجماع التابعين والفقهاء فمتى تخلل زوال الملك أثناءه بمعاوضة أو غيرها كأن بادل خمسًا من الإبل بخمس من نوعها أو باع النصاب أو وهبه ثم رده عليه ولو قبل القبض أو ورثه استأنف الحول لتجدد الملك ويكره وقيل يحرم، وعليه كثيرون أن يزيل ملكه عما تجب الزكاة في عينه بقصد رفع وجوب الزكاة لأنه فرار من القربة، ولا بد من مضي الحول كما ذكر في سائر النعم. "إلا في النتاج" بأن نتجت الماشية وهي نصاب في أثناء الحول وكان نتاجها يقتضي الزكاة من حيث العدد كأن نتج من مائة شاة وعشرين واحدة قبل تمام حولها بلحظة، ومن تسع وثلاثين بقرة واحدة كذلك، ومن خمس وثلاثين من الإبل واحدة كذلك. "فيتبع" النتاج المذكور "الأمهات في الحول" حتى يجب في المثل المذكور عند تمام حول الأصل شاتان في الأول ومسنة في الثاني وبنت لبون في الثالث، لأن المعنى في اشتراط الحول حصول النماء والنتاج نماء عظيم "وأن تكون" الماشية "سائمة" أي راعية "في كلأ مباح" كل الحول لما في الحديث الصحيح من التقييد بسائمة الغنم، وقيس بها سائمة الإبل والبقر واختصت السائمة بالزكاة لتوفر مؤنتها بالرعي في الكلأ المذكور، ومن ثم لو أمسيت في كلأ مملوك كانت معلوفة على الأوجه وإن قلت قيمته، بخلاف ما إذا لم يكن له قيمة فإنه كالكلأ المباح "وأن يكون كل السوم من المالك" بنفسه أو نائبه "فلا زكاة" في سائمة اعتلفت بنفسها أو علفها غاصبها أو مشتريها شراء فاسدًا القدر المؤثر أو ورثها ولم يعلم أنه ورثها إلا بعد الحول ولا "فيما" أي في معلوفة "سامت بنفسها أو أسامها غير المالك" كالغاصب أو المشتري شراء فاسدًا لعدم السوم من أصله ولعدم إسامة المالك أو نائبه، ولا في سائمة علفها المالك بنية قطع السوم لانتفاء الإسامة كل الحول أو اعتلفت بنفسها أو علفها المالك من غير نية قطع السوم قدرًا لولاه لأشرفت على الهلاك بأن كانت لا تعيش بدونه بلا ضرر بينٍ كثلاثة أيام فأكثر لانتفاء السوم مع كثرة المؤنة بخلاف ما دونها لقلة المؤنة فيه بالنسبة إلى نماء الماشية، ولا أثر لمجرد قصد العلف ولا للاعتلاف من مال حربي لا يضمن، والمتولد بين سائمة معلوفة كالأم فيضم إليها في الحول إن أسيمت وإلا فلا. "وأن لا تكون" السائمة "عاملة في حرث ونحوه" فالعاملة بالفعل لا بالقوة في ذلك ولو محرمًا لا زكاة فيها وإن أسيمت أو لم يؤخذ في مقابلة عملها أجرة للخبر الصحيح:
"ليس في البقر العوامل شيء"2 وقيس بها غيرها، وشرط تأثير استعمالها أن يستمر ثلاثة أيام وأكثر وإلا لم يؤثر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه من حديث عائشة رضي الله عنها: ابن ماجه في الزكاة باب 5 "حديث 1792" والدارقطني في سننه "2/ 90، 91".
2 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 116" والطبراني في الكبير "11/ 40" والدارقطني في سننه "2/ 103".

 

ص -222-      باب: زكاة النبات
لا تجب إلا في الأقوات، وهي من الثمار الرطب والعنب، ومن الحب الحنطة والشعير والأرز وسائر ما يقتات في حال الاختيار، ونصابُه خمسةُ أوسقٍ؛ كل وسقٍ:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باب: زكاة النبات
أي النابت.
"لا تجب" الزكاة الآتية "إلا في الأقوات" أي التي يقتات بها اختيارًا ولو نادرًا. "وهي من الثمار الرطب والعنب" دون غيرهما من سائر الثمار للخبر الصحيح: "فأما القثاء1 والبطيخ والرمان فعفو عفا عنه صلى الله عليه وسلم". "ومن الحب الحنطة والشعير والأرز" والذرة والدخن2 والعدس والبسلاء3 والحمص والباقلاء واللوبياء ويسمى الدجر4 والجلبان5 والماش6 وهو نوع منه. "وسائر ما يقتات" أي ما يقوم به بدن الإنسان غالبًا "في حال الاختيار" فتجب الزكاة في الجميع لورودها في بعضه وألحق به الباقي، ووجه اختصاص الوجوب بما ذكر دون غيره مما لا يقتات كالزعفران والورس والعسل والقرطم7 والترمس وحب الفجل والسمسم والبطيخ والكمثرى والرمان والزيتون وغيرها ومما يقتات لا في حال الاختيار كحب الغاسول8 وحب الحنظل والحلبة؛ لأن الاقتيات به ضروري للحياة فوجب فيه حق لأرباب الضرورات. "ونصابه" أي المقتات المذكور تمرًا أو حبًّا "خمسة أوسق" تحديدًا فلا زكاة في أقل منها إلا في مسألة الخلطة السابقة لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"9, وقوله: "ليس في تمر ولا حب صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق"10 "كل وسق ستون صاعًا" بالإجماع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 القثاء: نوع من البطيخ قريب من الخيار لكنه أطول. انظر المعجم الوسيط "ص715".
2 الدخن: نبات عشبي من النجيليات حبه صغير أملس كحب السمسم. "المعجم الوسيط: ص276".
3 البسلاء والبسلة والبازلاء: بقل زراعي حولي من القرنيات الفراشية. "المعجم الوسيط: ص57".
4 الدجر: بفتح الدال وضمها وكسرها وسكون الجيم. "المعجم الوسيط: ص271".
5 الجُلْبان والجُلُبان: عشب حولي من الفصيلة القرنية تؤكل بذوره. "المعجم الوسيط: ص128".
6 الماش: جنس نباتات من القرنيات الفراشية له حب أخضر مدور أصغر من الحمص يكون بالشام وبالهند. "المعجم الوسيط: ص891".
7 القرطم، نبات زراعي صبغي من الفصيلة المركبة يستعمل زهره تابلا وملونًا للطعام. "المعجم الوسيط: ص727".
8 الغاسول: عشب حولي ينبت في صحاري مصر. "المعجم الوسيط: ص652".
9 رواه البخاري في الزكاة باب 4 و32 و42 و56 والبيوع باب 83 والمساقاة باب 17، ومسلم في الزكاة حديث 1 و3 و4 و6 والبيوع حديث 71، ورواه أيضًا بقية الستة ومالك وأحمد.
10 رواه مسلم في الزكاة "حديث 4" ولفظه: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة".

 

ص -223-      ستون صاعًا، والصاع: أربعة أمداد، والمد: رطل وثلث بالبغدادي، ويعتبر ذلك بالكيل تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب، وإلا فرطبًا وعنبًا، ويعتبر الحب مصفى من التبن، ولا يكمل جنس بجنس، وتضم الأنواع بعضها إلى بعض، والعلس إلى الحنطة، ويخرج من كل بقسطه إن سهل وإلا أخرج من الوسط ولا يضم تمر عام إلى عام آخر، وكذلك الزرع، ويضم تمر العام وزرعه بعضه إلى بعض.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث بالبغدادي" فجملتها ألف وستمائة رطل بالبغدادي1، والأصح أنه مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم فيكون بالرطل المصري2 ألف رطل وأربعمائة رطل وثمانية وعشرين رطلا ونصف رطل ونصف أوقية وثلثها وسبعي درهم، وبالأردب المصري خمسة أرادب ونصف أردب وثلث أردب. "ويعتبر ذلك بالكيل" كما ذكره المصنف بالأوسق وذكرته بالأرادب والتقدير بالوزن إنما هو للاستظهار أو إذا وافق الكيل، فإن اختلفا فبلغ بالأرطال ما ذكره ولم يبلغ بالكيل خمسة أوسق لم تجب زكاته وفي عكسه عجب، واعتباره بما ذكر إنما يكون إذا كان "تمرًا أو زبيبًا إن تتمر أو تزبب وإلا" لا يتتمر ولا يتزبب بأن لم يأت منه تمر ولا زبيب جيدان في العادة أو كانت تطول مدة جفافه كسنة "فرطبًا وعنبًا" أي يؤخذ منه حال كونه رطبًا أو عنبًا؛ لأن ذلك وقت كماله فيكمل به نصاب ما يجف من ذلك "ويعتبر الحب" حال كونه "مصفى من" نحو "التبن" والقشر الذي لا يؤكل معه غالبًا وكل من الأرز والعلس3 يدخر في قشره ولا يؤكل معه فلا يدخل في الحساب فنصابه عشرة أوسق، نعم إن حصلت الأوسق الخمسة من دون عشرة أوسق كسبعة اعتبرت دون العشرة، وتدخل قشرة الباقلاء والحمص والشعير وغيرها في الحساب وإن أزيلت تنعمًا.
"ولا يكمل جنس بجنس" فلا يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب إجماعًا في التمر والزبيب وقياسًا في الحبوب. "وتضم الأنواع بعضها إلى بعض" ليكمل النصاب وإن اختلفت جودة ورداءة ولونًا وغيرها كبرني وصيحاني4 من التمر "و" يضم "العلس" وهو قوت صنعاء اليمن وكل حبتين منه في كمامة5 "إلى الحنطة" في إكمال النصاب؛ لأنه نوع منها بخلاف السلت6 لأنه يشبهها لونًا والشعير طبعًا فكان جنسًا مستقلا فلا يضم إلى أحدهما. "ويخرج من كل" من الأنواع "بقسطه إن سهل" إذ لا ضرر "وإلا" يسهل "أخرج من الوسط" رعاية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الرطل يختلف باختلاف البلاد. وأشهره الرطل المصري والرطل البغدادي.
2 الرطل المصري: اثنتا عشرة أوقية، والأوقية اثنا عشر درهمًا.
3 العلس: ضرب من البر تكون حبتان منه أو ثلاث في قشرة. "المعجم الوسيط: ص621".
4 البرني: نوع جيد من التمر مدور أحمر مشرب بصفرة. "المعجم الوسيط: ص52" والصيحاني: ضرب من التمر أسود صلب المضغة. "لسان العرب: 2/ 522".
5 الكمامة: الوعاء الذي يكون فيه الحب.
6 السلت: ضرب من الشعير ليس له قشر يشبه الحنطة. "المعجم الوسيط: ص441".

 

ص -224-      فصل: "في واجب ما ذكر وما يتبعه"
وواجب ما شَرِبَ بغير مؤونة العشرُ وما سُقِيَ بمؤونة كالنواضح نصفُ العشرِ، وما

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للجانبين فإن أخرج من الأعلى أو تكلف وأخرج من كل حصته جاز لأنه أتى بالواجب وزاد خيرًا في الأولى. "ولا يضم" في أكمل النصاب "تمر عام إلى" تمر عام آخر" وإن أطلع1 تمر العام الثاني قبل جداد2 الأول، ومثلها الشجر الذي يثمر مرتين في عام بأن أثمر نخل أو كرم ثم قطع ثم أطلع ثانيًا في عامه فلا يضم أحدهما إلى الآخر لأن كل حمل كثمرة عام. "وكذلك الزرع" فلا يضم زرع عام إلى زرع عام آخر. "ويضم" في إكمال "ثمر العام" بأن أطلعت أنواعه في عام واحد وإن لم تقطع في عام واحد "وزرعه" بأن حصدت أنواعه المتفاصلة بأن اختلف أوقات بذرها عادة في عام واحد وإن لم يقع الزرعان في سنة "بعضه إلى بعض" إذ الحصاد هو المقصود وعنده يستقر الوجوب، والمراد بالعام فيما ذكر اثنا عشر شهرًا عربية، ولا فرق بين اتفاق واجب المضمومين واختلافه كأن سقي أحدهما بمؤونة والآخر بدونها.
فصل: في واجب ما ذكر وما يتبعه
"وواجب ما شرب بغير مؤونة" كالمسقى بنحو مطر أو نهر أو عين أو قناة أو ساقية حفرت من النهر وإن احتاجت لمؤونة "العشر، و" واجب "ما سقي بمؤونة كالنواضح"3 والدواليب4 وكالماء الذي اشتراه أو اتهبه5 أو غصبه "نصف العشر" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر"6، وفي رواية: "الأنهار والغيم"7 أي المطر "وفيما سقي بالنضح نصف العشر"، وفي رواية: "بالسانية"8, والمعنى في ذلك كثرة المؤونة وخفتها، والعثري

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أطلع النخل وطلع: خرج طلعه. وطلع النخلة: غلاف يشبه الكوز ينفتح عن حب منضود فيه مادة إخصاب النخلة. "المعجم الوسيط: ص562".
2 الجداد "بالدال المهملة": أوان قطع ثمر النخل.
3 النواضح: جمع ناضح، وهي الدابة يستقى عليها. "المعجم الوسيط: ص928".
4 الدولاب: الآلة التي تديرها الدابة ليستقي عليها. "المعجم الوسيط: ص305".
5 اتهب: قبل الهبة. ويقال: اتهب الهبة. "المعجم الوسيط: ص1095".
6 روى البخاري في الزكاة باب 55 "حديث 1483" عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريًّا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر".
7 رواه بهذا اللفظ مسلم في الزكاة حديث 7، وأحمد في المسند "3/ 341" والبيهقي في السنن الكبرى "4/ 130".
8 رواه أحمد في المسند "3/ 341" بلفظ:
"فيما سقت السانية نصف العشر"، ورواه أيضًا "3/ 353" بلفظ: "فيما سقي بالسانية نصف العشر".

 

ص -225-      سُقِيَ بهما سواء أو أشكل ثلاثة أرباعه وإلا فبقسطه، ولا تجب إلا ببدو الصلاح في الثمر، واشتداد الحب في الزرع، ويسن خرص الثمر على مالكه، وشرط الخارص أن يكون ذكرًا مسلمًا حرًّا عدلًا عارفًا، ويضمن المالك الواجب في ذمته ويقبل ثم يتصرف في جميع الثمر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بفتح المثلثة ما سقي بالسيل الجاري إليه في حفر والسانية والنضح ما يسقى عليه من بعير ونحوه. "و" واجب "ما سقي بهما" أي المؤونة ودونها "سواء" بأن كان النصف بهذا والنصف بهذا "أو أشكل" مقدار ما سقي به منهما إن سقي بالمطر والنضح وجهل نفع كل منهما باعتبار المدة "ثلاثة أرباعه" أما في الأولى فعملا بواجبهما، ومن ثم لو كان ثلثاه بمطر وثلثه بدولاب وجب خمسة أسداس العشر وفي عكسه ثلثا العشر، وأما في الثانية فلئلا يلزم التحكم، فإن علم تفاوتهما بلا تعيين فقد علمنا نقص الواجب عن العشر وزيادته على نصفه فيؤخذ المتيقن ويوقف الباقي إلى البيان، ويصدق المالك فيما سقي به منهما فإن اتهمه الساعي حلفه ندبًا. "وإلا" بأن سقي بهما متفاوتًا وعلم "فبقسطه" أي كل منهما ويكون التقسيط على حسب النشوّ والنماء في الزرع والثمر باعتبار المدة وإن كان السقي بالآخر أكثر عددًا لا على عدد السقيات لأن النشوّ هو المقصود ورب سقية أنفع من سقيات، فلو كانت مدة إدراكه ثمانية أشهر واحتاج في ستة أشهر زمن الشتاء والربيع إلى سقيتين فسقي بالمطر وفي شهرين في زمن الصيف إلى ثلاث سقيات فسقي بالنضح وجب ثلاثة أرباع العشر لهما وربع نصفه للثلاث.
"ولا تجب" الزكاة "إلا ببدوّ الصلاح في" كل "الثمر" أو بعضه في ملكه بأن يظهر فيه مبادي النضج والحلاوة والتلوُّن "واشتداد الحب" كله أو بعضه في ملكه أيضًا "في الزرع" فحينئذ تجب الزكاة فيهما لأنهما قد صارا قوتين وقبلهما كانا من الخضروات1 والبسر2 وألحق البعض بالكل قياسًا على البيع.
"ويسنّ" للإمام أو نائبه "خرص3 الثمر" الشامل للرطب والعنب "على مالكه" بعد بدو الصلاح لما صح "أنه صلى الله عليه وسلم أمر بخرص العنب كما يخرص التمر"4 وحكمته الرفق بالمالك والمستحق، ولا خرص في الحب لاستتاره ولا في الثمر قبل بدو الصلاح لكثرة العاهات حينئذ، فلو فقد الحاكم جاز للمالك أن يحكم عدلين عارفين يخرصان عليه لينتقل الحق إلى الذمة ويتصرف في الثمرة كما يأتي "وشرط الخارص أن يكون ذكرًا مسلمًا حرًّا عدلا" لأن الخرص إخبار وولاية وانتفاء وصف مما ذكر يمنع قبول الخبر والولاية ويكفي خارص واحد،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الخضروات: جمع خضراء وهو خضر البقول.
2 البسر: تمر النخل قبل أن يرطب.
3 خرص الثمر: حزر ما عليه من الرطب تمرًا ومن العنب زبيبًا. "المعجم الوسيط: ص227".
4 رواه أبو داود في الزكاة باب 14 "حديث 1603" عن عتاب بن أسيد قال: "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرص العنب كما يخرص النخل، وتؤخذ زكاته زبيبًا كما تؤخذ زكاة النخل تمرًا".

 

ص -226-      باب: زكاة النقد
وزكاتُه ربع العشر ولو من معدن ونصاب عشرون مثقالا خالصة، والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا، ونصاب الفضة مائتا درهم إسلامي والدرهم سبعة عشر قيراطًا إلا خُمْسَ قيراطٍ وما زاد على ذلك فبحسابه، ولا شيء في المغشوش حتى يبلغ خالصه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولو اختلف خارصان وقف إلى البيان، ويشترط كون الخارص "عارفًا" بالخرص لأن الجاهل بالشيء ليس من أهل الاجتهاد فيه، ويجب أن يعم جميع الثمر والعنب ولا يترك للمالك شيئًا وأن ينظر جميع الشجر شجرة شجرة ويقدر ثمرتها وهو الأحوط أو ثمرة كل نوع رطبًا ثم يابسًا لأن الأرطاب تتفاوت، وإذا خرص وأراد نقل الحق إلى ذمة المالك لينفذ تصرفه في الجميع فلا بد أن يكون مأذونًا له من الإمام أو الساعي في التضمين. "و" أنه "يضمن المالك" القدر "الواجب" عليه من المخروص تضمينًا صريحًا "في ذمته" كأن يقول: ضمنتك نصيب المستحقين من الرطب بكذا تمرًا. "ويقبل" المالك ذلك التضمين صريحًا أيضًا فحينئذ ينتقل الحق إلى ذمته. "ثم يتصرف في جميع الثمر" بيعًا وأكلا وغيرهما لانقطاع تعلق المستحقين عن العين، فإن انتفى الخرص أو التضمين أو القبول لم ينفذ تصرفه إلا فيما عدا الواجب شائعًا.
باب: زكاة النقد
الذهب والفضة ولو غير مضروبين.
"وزكاته ربع العشر ولو" حصل "من معدن" وهو المكان الذي خلق الله فيه الجواهر لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"وفي الرقة" أي الفضة "ربع العشر"1, وخرج بهما سائر الجواهر وغيرها، والفرق أنهما معدان للنماء كالماشية السائمة بخلاف غيرهما. "ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصة" بوزن مكة تحديدًا، وإن لم يساو نصاب الفضة الآتي لرداءته لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في أقل من عشرين مثقالا شيء وفي عشرين نصف دينار"2, "والمثقال أربعة وعشرون قيراطًا" وهو اثنان وسبعون حبة من الشعير المعتدل الذي لم يقشر وقطع من طرفيه ما دق وطال ولم يختلف جاهلية ولا إسلامًا. "ونصاب الفضة مائتا درهم إسلامي والدرهم" الإسلامي "سبعة عشر قيراطًا إلا خُمْس قيراط" فيكون خمسين حبة وخُمْسي حبة فهو ستة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 من حديث كتاب أبي بكر إلى أنس حين بعثه مصدقًا، رواه البخاري في الزكاة باب 38 "حديث 1454", وأبو داود في الزكاة باب 5 "حديث 1567", والنسائي في الزكاة باب 5 و10، ومالك في الزكاة حديث 23، وأحمد في المسند "1/ 12، 121".
2 رواه البخاري في الزكاة باب 5 "حديث 1573" من حديث علي، ولفظه:
"... وليس عليك شيء -يعني من الذهب- حتى تكون لك عشرون دينارًا، فإذا كانت لك عشرون دينارًا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار".

 

ص -227-      نصابًا، ولا في الحلي إن لم يقصد كنزه، ويشترط الحول في النقد، وفي الركاز الخُمُسُ،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دوانق إذ الدانق ثمان حبات وخُمسا حبة ومتى زيد عليه ثلاث أسباعه كان مثقالا ومتى نقص من المثقال ثلاثة أعشاره كان درهمًا، فكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل، وكل عشرة مثاقيل أربعة عشر درهمًا وسبعان. "وما زاد" منهما "على ذلك" ولو بعض حبة "فبحسابه" إذ لا وقص1 في النقدين كالمعشرات لإمكان التجزي بلا ضرر بخلاف المواشي، وخرج بالعشرين والمائتين ما نقص عنهما ولو ببعض حبة ولو في بعض الموازين، وإن راج رواج التام فلا زكاة فيه للخبر السابق2، وصح أيضًا:
"ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة"3، ولا يكمل جنس بآخر ويكمل النوع بالنوع من الجنس الواحد وإن اختلفا جودة ورداءة، ويؤخذ من كل نوع بالقسط إن سهل وإلا فمن الوسط، ولا يجزئ رديء ومكسور عن جيد وصحيح بخلاف عكسه. "ولا شيء من المغشوش" من الذهب والفضة "حتى يبلغ خالصه نصابًا" فحينئذ يخرج خالصًا أو مغشوشًا خالصة قدر الزكاة ويكون متطوعًا بالغش، ولا يجوز إخراج المغشوش إذ لا يجوز له التبرع بمخالطه، ومحله إن نقصت قيمة السبك إن احتيج إليه عن قيمة الغش وإلا جاز إخراجه، ويصدق المالك في قدر خالص المغشوش ويحلف إن اتهم ندبًا، وتصح المعاملة بالمغشوش معينة وفي الذمة وإن لم يعلم عيارها، ولو ملك نصابًا في يده نصفه ونصفه الباقي مغصوب أو مؤجل زكى النصف الذي بيده حالا لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.
"ولا" شيء "في الحلي المباح" أي غير الحرام والمكروه؛ لأنه معد لاستعمال مباح كعوامل المواشي هذا "إن لم يقصد كنزه" سواء اتخذه بلا قصد أو بقصد أن يستعمله استعمالا مباحًا أو بقصد أن يؤجره أو يعيره لمن يحل له استعماله، وخرج بالمباح ما حرم لعينه كالأواني أو بالقصد كقصد الرجل أن يلبس أو يلبس رجلا حلي امرأة أو أن تلبس امرأة حلي رجل كسيف وعكسه أو بغير ذلك كتبر مغصوب صيغ حليًّا، وكحلي نساء بالغن في الإسراف فيه وما كره استعماله كضبة الإناء الكبيرة للحاجة أو الصغيرة للزينة وما اتخذ بنية كنزه فتجب الزكاة في ذلك كله، أما في المحرّم فبالإجماع، وأما في المكروه فبالقياس عليه، وأما في نية الكنز فلأنه صرفه بها عن الاستعمال فصار مستغنى عنه كالدراهم المضروبة، ولو ملكه بإرث

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الوقص "بالتحريك" واحد الأوقاص في الصدقة، وهو ما بين الفريضتين، نحو أن تبلغ الإبل خَمسًا ففيها شاة ولا شيء في الزيادة حتى تبلغ عَشرًا، فما بين الخَمس إلى العَشر وقص. وبعض العلماء يجعل الوقص في البقر خاصة. انظر المعجم الوسيط "ص1049، 1050".
2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
"ليس في أقل من عشرين مثقالا شيء...".
3 رواه البخاري في الزكاة باب 42 و56، ومسلم في الزكاة حديث 7، والنسائي في الزكاة باب 18, ومالك في الزكاة حديث 2، وأحمد في المسند "3/ 86".

 

ص -228-      ولا حول فيه ولا في المعدن، وشرط الركاز أن يكون نقدًا نصابًا من دفن الجاهلية في موات أو ملكٍ أحياهُ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثم مضت عليه أحوال ثم علم به لزمه زكاته، وكذا لو مضت عليه وهو متكسر ولم يقصد إصلاحه بأن قصد جعله تبرًا أو دراهم أو كنزه أو لم يقصد شيئًا أو أحوج انكساره إلى سبك وصوغ وإن قصدهما فتجب زكاته وينعقد حوله من حين انكساره؛ لأنه غير مستعمل ولا معد للاستعمال، أما إذا قصد عنه علمه بانكساره إصلاحه, وأمكن بالالتحام من غير سبك وصوغ أو مضي حول, ولم يقصد إصلاحه ثم قصده بعد ذلك فلا زكاة فيه مطلقًا في الأولى, وإن دارت عليه أحوال ولا بعد الحول الأول في الثانية لبقاء صورته، ولا أثر لتكسر لا يمنع الاستعمال فلا زكاة فيه وإن لم ينو إصلاحه.
"ويشترط الحول في" وجوب زكاة "النقد" للخبر السابق1 "وفي الركاز" أي المركوز وهو المدفون الآتي. "الخمس" للخبر الصحيح فيه2 بذلك؛ ولأنه لا مؤونة فيه بخلاف المعدن "ولا حول" يشترط فيه ولا "في المعدن" لأنه إنما يشترط لتحصيل النماء فيه, وكل منهما نماء في نفسه "وشرط الركاز أن يكون نقدًا" أي ذهبًا أو فضة مضروبًا أو غير مضروب، وأن يكون "نصابًا" وهو عشرون مثقالا في الذهب ومائتا درهم في الفضة, ويكفي بلوغه نصابًا ولو بضمه إلى مال آخر له، فإن كان دون نصاب من الذهب والفضة أو نصابًا من غيرهما لم يجب, فهي شيء لأنه مال يستفاد من الأرض فاختص بما تجب الزكاة فيه قدرًا ونوعًا كالمعدن، وأن يكون "من دفن الجاهلية" الذي قبل مبعثه صلى الله عليه وسلم وقد وجده أهل الزكاة "في موات" بدار الإسلام وإن لم يحيه ولا أقطعه أو بدار الحرب وإن كانوا يذبون عنه. "أو" في "ملك أحياه" من الموات سواء وجده بالحفر أو بإظهار السيل أو بانهيار الأرض أو بغير ذلك أو في قلاع عادية من دار الإسلام وقد عمرت في الجاهلية، ويشترط أن لا يعلم أن مالكه بلغته الدعوة وعائد وإلا فهو فيء. وخرج بما ذكر ما وجد بطريق نافذ أو مسجد وما دفنه مسلم أو ذمي أو معاهد بموات، أو وجد عليه ضرب الإسلام بأن كان عليه أو على ما معه قرآن أو اسم ملك من ملوك الإسلام فإنه لقطة إن لم يعرف مالكه، وكذا لو شك في أنه إسلامي أو جاهل كالتبر والأواني، أو ظهر وشك في أنه ظهر بسيل ونحوه أو لا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 المذكور في "فصل في شروط زكاة الماشية". راجع الحاشية 1 صفحة 221.
2 وهو قوله صلى الله عليه وسلم:
"... وفي الركاز الخمس". رواه البخاري في المساقاة باب 3، والزكاة باب 66، ومسلم في الحدود حديث 45 و46. وأبو داود في الإمارة باب 40، والديات باب 27، والترمذي في الأحكام باب 37. وابن ماجه في اللقطة باب 4، ورواه أيضًا مالك وأحمد.

 

ص -229-      فصل: "في زكاة التجارة"
وفي التجارة ربع العشر، وشروطها ستة:
الأول: العروض دون النقد.
الثاني: نية التجارة.
الثالث: اقتران النية بالتملك.
الرابع: أن يكون التملك بمعاوضة.
الخامس: أن لا يَنِضَّ ناقصًا بنقده في أثناء الحول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل: في زكاة التجارة
وهو تقليب المال بالمعاوضة لغرض الربح.
"وفي" مال "التجارة" الذي لا زكاة في عينه لولا التجارة كالخيل والرقيق والمتولد بين أحد النعم وغيره وغيرها من سائر العروض وما يتولد منها من نتاج وثمرة وغيرهما. "ربع العشر" اتفاقًا كما في النقدين لأنه يقوم بهما.
"وشروطها" أي التجارة حتى تجب الزكاة في مالها "ستة، الأول: العروض" التي لا تجب الزكاة في عينها لولا التجارة "دون النقد" لأن الزكاة تجب في عينه كما مر.
"الثاني: نية التجارة، الثالث: اقتران النية" المذكورة "بالتملك" أي بأول عقده لينضم قصده التجارة إلى فعلها، نعم لا يحتاج إلى تجديدها في كل تصرف.
"الرابع: أن يكون التملك بمعاوضة" محضة وهي التي تفسد بفساد العوض كالبيع والهبة بثواب والإجارة لنفسه أو ما استأجره أو غير محضة كالصداق وعوض الخلع وصلح الدم، بخلاف ما ملكه بغير معاوضة كالإرث والهبة بلا ثواب والصيد, وما اقترضه أو ملكه بإقالة, أو رد بعيب فلا زكاة فيه وإن اقترن به نية التجارة؛ لأنه لا يعد من أسبابها لانتفاء المعاوضة، ولو اشترى لها صبغًا ليصبغ به أو دباغًا ليدبغ به للناس صار مال تجارة فتلزمه زكاته بعد مضي حوله، وإن لم يبق عين نحو الصبغ عنده عامًا أو صابونًا أو ملحًا ليغسل أو يعجن به لهم لم يصر كذلك؛ لأنه يستهلك فلا يقع مسلمًا إليهم.
"الخامس: أن لا ينض" مال التجارة حال كونه "ناقصًا" عن النصاب بنقده الذي يقوم به في أثناء الحول فمتى نض1 "بنقده" ناقصًا عن النصاب "في أثناء الحول" كأن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 نض الشيء: حصل وتيسر، يقال: خذ ما نض لك من دينك. "المعجم الوسيط: ص929".

 

ص -230-      السادس: أن لا يقصد القنية في أثناء الحول. وواجبها ربع عشر القيمة، ويقوم بجنس رأس المال، أو بنقد البلد إن ملكه بعرض، ولا يشترط كونه نصابًا إلا في آخر الحول.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اشترى عرضًا بنصاب ذهب أم دونه ثم باعه أثناء الحول بتسعة عشر مثقالا انقطع حول التجارة لتحقق نقص النصاب حسابًا للتنضيض، بخلاف ما لو نض بنقد لا يقوم به كأن باعه في هذا المثال وخمسين درهمًا فضة أو نض بنقد يقوم به وهو نصاب أو أكثر فإنه لا ينقطع، كما لو باعه بعرض لاستوائهما في عدم التقويم بهما والمبادلة لا تقطع حول التجارة.
"السادس: أن لا يقصد القنية" بمال التجارة "في أثناء الحول" فمتى قصد بشيء معين من مالها ذلك ولو لاستعمال محرم انقطع حول التجارة فيحتاج إلى تجديد قصد مقارن للتصرف، بخلاف مجرد الاستعمال بلا نية قنية فإنه لا يؤثر، وإنما أثر مجرد نية القنية دون مجرد التجارة لأن القنية هي الإمساك للانتفاع وقد اقترنت نيتها به فأثرت بخلاف التجارة, فإنها تقليب المال كما مر ولم يوجد حتى تكون نيتها مقترنة به. "وواجبها ربع عشر القيمة" لا العروض لأنها متعلقة كما دل عليه قول عمر رضي الله تعالى عنه لمن يبيع الأدم: "قوّمه وأد زكاته", والمراد ربع عشر القيمة آخر الحول؛ لأنه وقت الوجوب كما يأتي، فلو أخر الإخراج بعد التمكين منه فنقصت ضمن ما نقص لتقصيره بخلافه قبله، وإن زادت ولو قبل التمكن أو بعد الإتلاف فلا شيء عليه.
"ويقوّم" مال التجارة حتى يؤخذ ربع عشر قيمته "بحبس رأس المال" الذي اشترى العرض به نصابًا كان أو بعضه وإن لم يملك باقيه ولو أبطله السلطان أو لم يكن هو الغالب أنه أصل ما بيده و أقرب إليه من نقد البلد, فإذا لم يبلغ به نصابًا فلا زكاة وإن بلغ بغيره، "أو" يقوّم "بنقد البلد" الغالب دراهم كان أو دنانير "إن ملكه بعرض" للقنية أو بنحو خلع أو نكاح أو بنقد ونسي أو جهل جنسه، فإذا حال عليه الحول بمحل فيه نقد قوّم بنقده جريًا على قاعدة التقويم كما في الإتلاف ونحوه أو بمحل لا نقد فيه اعتبر أقرب البلاد إليه، ولو ساوى نصابًا بغالب زكي، وإن لم يساوره بغيره أو ساواه بغير لم يزكَ، فإن غلب نقدان وتم بأحدهما نصابًا قوّم به أو بكل منهما تخير "ولا يشترط كونه" أي مال التجارة يبلغ "نصابًا إلا في آخر الحول" فمتى بلغه آخره وجبت زكاته وإلا فلا، سواء اشتراه بنصاب أو بدونه، وسواء باعه بعد التقويم بنصاب أو بدونه، لأن آخر الحول وقت الوجوب فقطع النظر عما سواه لاضطراب القيم.

 

ص -231-      فصل: "في زكاة الفطر"
وتجب زكاة الفطر بشروطٍ: إدراكُ غروب الشمس ليلة العيد، وأن يكون مسلمًا، وأن يكون ما يخرجُه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من عليه مؤونته ليلة العيد ويومه وعن دست ثوب يليق به، ومسكن وخادم يحتاج إليه، وتجب عمن في نفقته من المسلمين من

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فصل في زكاة الفطر:
والأصل فيها قبل الإجماع الأخبار الصحيحة الشهيرة1، والمشهور أنها وجبت كرمضان في السنة الثانية من الهجرة والخلاف فيها شاذ منكر فلا ينافي حكاية الإجماع المذكور.
"وتجب زكاة الفطر بشروط" منها "إدراك" وقت وجوبها بأن يكون حيًّا بالصفات الآتية عند "غروب الشمس ليلة العيد" بأن يدرك آخر جزء من رمضان وأول جزء من شوال لإضافتها إلى الفطر في الخبر، وأيضًا فالوجوب نشأ من الصوم والفطر منه فكان لكل منهما دخل فيه فأسند إليهما دون أحدهما لئلا يلزم التحكم، فلا تجب بما يحدث بعد الغروب من ولد ونكاح وإسلام وغنى وملك قنّ، ولا تسقط بما يحدث بعده من نحو موت ومزيل ملك كعتق وطلاق ولو بائنًا أو ارتداد وغنى قريب ولو قبل التمكن من الأداء لتقررها وقت الوجوب، نعم إن تلف المال قبل التمكن سقطت كما في زكاة المال. "و" منها "أن يكون" المخرِجُ "مسلمًا" فلا تجب على كافر أي في الدنيا كما مر أول الباب؛ لأنها طهرة وهو ليس من أهلها وهذا بالنسبة لنفسه، أما مسلم عليه مؤونته فيلزمه إخراجها عنه، ويجزئه إخراجها بلا نية هذا في الكافر الأصلي، أما المرتد فإن عاد إلى الإسلام وجبت فطرة نفسه أيضًا وإلا فلا، وأن يكون حرًّا أو مبعضًا، فلا تجب على رقيق ولو مكاتبًا لضعف ملكه وإنما لم تلزم سيده في الكتابة الصحيحة لأنه معه كالأجنبي، فعلم أنه لا يلزم الرقيق فطرة زوجته وإن لزمه نفقتها في كسبه بل إن كانت أمة فعلى سيدها أو حرة فسيأتي "و" منها "أن يكون" المخرج عن نفسه أو ممونه موسرًا بأن يكون "ما يخرجه فاضلا عن مؤونته ومؤونة من" تجب "عليه مؤونته ليلة العيد ويومه" لأن مؤونته ومؤونة ممونه في هذا الزمن ضرورية فاعتبر الفضل عنها، وإنما لم يعتبر زيادة على اليوم والليلة المذكورين لعدم ضبط ما وراءهما. "و" فاضلا "عن دست2 ثوب" له أو لممونه "يليق به" أي بكل منهما منصبًا ومروءة ومنه قميص وسراويل وعمامة ومكعب3 وما يحتاج إليه من زيادة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 70 "فرض صدقة الفطر" ومسلم في الزكاة حديث 12، ومالك في الزكاة حديث 52، عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان على الناس صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين".

 

ص -232-      زوجة وولد ووالد ومملوك، والواجب صاع سليم من العيب من غالب قوت البلد، وإن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للبرد والتجمل وغير ذلك مما يترك للمفلس؛ لأن ذلك يبقى للمدين والفطرة ليست بأشد من الدين. "و" عن "مسكن" له أو لممونه "و" عن "خادم" له أو لممونه "يحتاج" كل منهما "إليه" أي إلى ما ذكر من المسكن والخادم ويليقان بهما قياسًا على الكفارة, ولأنهما من الحوائج المهمة كالثوب فإن كانا نفيسين يمكن إبدالهما بلائقين ويخرج التفاوت لزمه ذلك وإن كانا مألوفين والحاجة للمسكن واضحة، وللعبد تعم الحاجة لأجل منصب من ذكر أو ضعفه لا لأجل عمله في ماشيته أو أرضه، بل يبيع في الفطرة العبد المحتاج إليه فيهما، والحاجة إلى ما ذكر تمنع تعلق الوجوب ابتداء، وأما إذا وجد فلا ترفعه، فإذا تعلقت الفطرة بالذمة صارت دينًا فيباع فيها نحو المسكن والخادم، وهل يعتبر الفضل عما عليه من الدين الذي لله أو للآدمي؟ فيه تناقض والمعتمد أن الدين يمنع الوجوب، فإذا لم يكن المخرج فاضلا عنه لم تلزمه فطرة. "و" كما تجب الفطرة عن نفسه كذلك "تجب" عليه "عمن في نفقته" وقت غروب الشمس ليلة العيد "من المسلمين" فلا تجب فطرة الكافر وإن وجبت نفقته لقوله في الخبر: "من المسلمين"1 ولأنها طهر للصائم من اللغو والرفث كما ورد2 والكافر ليس من أهلها ومحله في الكافر الأصلي، أما الرقيق المرتد فتجب فطرته إن عاد إلى الإسلام "من زوجه" ولو رجعية وبائن حامل ولو أمة لوجوب نفقتهما بخلاف البائن غير الحامل ولو لزمه إخدام زوجته، فإن أخدمها أمتها لزمه فطرتها أيضًا أو أجنبية فلا، وفي معناها من صحبتها لتخدمها بنفقتها بإذنه، ولا تجب فطرة ناشزة بخلاف التي حيل بينها وبين الزوج، ولا فطرة زوجة أب ومستولدته وإن وجبت نفقتهما لأنها لازمة للأب مع إعساره فيتحملها الولد بخلاف الفطرة، ولو أعسر الزود بأن كان قنًّا أو حرًّا ليس معه ما يفضل عما مر لم يلزم زوجته الحرة فطرتها وإن كانت غنية، لكن يسن لها إخراجها خروجًا من الخلاف، وإنما لزمت سيد أمة مزوجة بمعسر حر أو عبد لكمال تسليم الحرة نفسها بخلاف الأمة إذ لسيدها أن يسافر بها ويستخدمها.
"و" من "ولد" وإن سفل "ووالد" وإن علا لعجزهما بخلاف الولد الغني والوالد الغني أو القادر على الكسب إذ لا تجب نفقتهما حينئذ. "ومملوك" ومنه المكاتب كتابة فاسدة والمدبر والمعلق عتقه بصفة وأما الولد والمرهون والجاني والمؤجر والموصي بمنفعته والآبق وإن انقطع خبره والمغصوب فتجب فطرتهم في الحال كما تجب نفقتهم، ولأن الأصل فيمن انقطع خبره بقاء حياته، ولا تجب فطرة من وجبت نفقتها في باب المال أو على المسلمين وقن بيت المال

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 راجع الحاشية 1 من الصفحة السابقة.
2 روى أبو داود في الزكاة باب 18 "حديث 16109" وابن ماجة في الزكاة باب 21، عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات".

 

ص -233-      قدر على بعضه فقط أخرجه، ويجوز إخراجها في رمضان، ويسن قبل صلاة العيد، ويحرم تأخيرها عن يومه.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والمملوك للمسجد والموقوف عليه والموقوف ولو على معين وإن وجبت نفقتهم.
"والواجب، على كل رأس "صاع" وهو قدحان بالمصري إلا سبعي مد تقريبًا هذا فيما يكال، أما ما لا يكال أصلًا كالأقط1 الجبن فمعياره الوزن، فيعتبر فيه الصاع بالوزن لا بالكيل وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي، وأربعة أرطال ونصف وربع رطل وسبع أوقية بالمصري، وإنما يجزئ صاع "سليم من العيب" فلا يجزئ المعيب بنحو غش أو سوس أو قدم غير طعمه أو لونه أو ريحه ولا أقط فيه ملح يعيبه وإن لم يفسد جوهره، فإن لم يعبه وجب بلوغ خالصه صاعًا ولا يحسب الملح في الكيل ويجب كونه "من غالب قوت البلد" سواء المعشر كالحب والتمر والزبيب وغيره كالأقط واللبن والجبن بشرط أن يكون في كل منها زبدة لثبوت بعض المعشر والأقط في الأخبار وقيس بهما الباقي، أما المخيض والسمن واللحم والدقيق والسويق والأقوات التي لا زكاة فيها والأقط واللبن والجبن المنزوعة الزبد فلا يجزئ شيء منها وإن كان قوت البلد لأنه ليس في معنى ما نص عليه، والعبرة في ذلك بغالب قوت محل المؤدي عنه لا المؤدي لأنها وجبت عليه ابتداء ثم يتحملها المؤدي، فلا يجزئ من غير غالب قوت محل المؤدي عنه ولا من غالب قوت محل المؤدي أو قوته لتشوف النفوس إلى الغالب في ذلك المحل، ومن ثم وجب صرف الفطرة لفقراء بلد المؤدي عنه لا بلد المؤدي، فلو كان الرقيق أو الزوجة مثلا ببلد والسيد أو الزوج ببلد آخر صرفت من غالب قوت بلد الرقيق أو الزوجة على مستحقي بلديهما لا بلد السيد أو الزوج، ويختلف الغالب باختلاف النواحي والأزمان، والعبرة بغالب قوت البلد في غالب السنة لا بغالب وقت الوجوب، ويجزئ الأعلى في الاقتيات وإن كان أنقص في القيمة عن الأدنى فيه ولا عكس، فالتمر أعلى اقتياتًا من الزبيب والشعير أعلى منهما. "وإن قدر على بعضه" أي الصاع "فقط" أي دون باقيه "أخرجه" وجوبًا للخبر الصحيح:
"إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"2 ومحافظة على الواجب بقدر الإمكان وعند الضيق يجب أن يقدم نفسه ثم زوجته؛ لأن نفقتهما آكد ثم ولده الصغير ثم أباه وإن علا ولو من قبل الأم ثم أمه، وإنما قدمت الأم في النفقة لأنها للحاجة والأم أحوج، وأما الفطرة فللتطهير والشرف والأب أولى بهذا لأنه منسوب إليه ويشرف بشرفه.
"ويجوز" للمالك دون الولي تعجيل الزكاة في الفطرة بعد دخول رمضان فيجزئ "إخراجها" ولو "في" أول ليلة من "رمضان" لانعقاد السبب الأول إذ هي تجب بسببين رمضان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 الأقط: لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ، أو يطبخ به "المعجم الوسيط: ص22".
2 رواه البخاري في الاعتصام باب 6، ومسلم في الفضائل حديث 130 والحج حديث 412، والنسائي في الحج باب 1، وابن ماجه في المقدمة باب 1.

 

ص -234-      فصل: "في النية في الزكاة وفي تعجيلها"
وتجب النية فينوي: هذا زكاة مالي ونحو ذلك، ويجوز تعجيلها قبل الحول،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والفطرة منه فجاز تقديمها على أحدهما دون تقديمها عليهما كزكاة المال وسيأتي شرط إجزاء المعجل.
"ويسن" إخراج الفطرة نهارًا وكونه بعد فجر يوم الفطر و"قبل صلاة العيد" إن فعلت أول النهار كما هو الغالب وأولى للأمر به قبل الخروج في الصحيحين1، فإن أخرت الصلاة سن المبادرة بالأداء أول النهار توسعة على المستحقين وانتظار نحو القريب والجار أفضل في زكاة المال فيأتي مثله هنا ما لم يؤخرها عن يوم الفطر. "ويحرم تأخيرها عن يومه" بلا عذر كغيبة ماله أو المستحقين؛ لأن القصد إغناؤهم عن الطلب فيه لكونه يوم سرور ومن ثم ورد:
"أغنوهم عن طواف هذا اليوم"2 ويلزمه القضاء فورًا إن أخر بلا عذر.
فصل: في النية في الزكاة وفي تعجيلها
"وتجب النية" بالقلب ولا يشترط النطق بها ولا يجزئ وحده كما في الصلاة وغيرها "فينوي" المزكي "هذا زكاة مالي" ولو بدون الفرض؛ لأنها لا تكون إلا فرضًا بخلاف الصلاة والصدقة لكن الأفضل ذكر الفرضية معها. "ونحو ذلك" كهذا فرض صدقة مالي أو صدقة مالي المفروضة، وكذا فرض الصدقة أو الصدقة المفروضة على الأوجه، بخلاف صدقة المال فقط؛ لأنها قد تكون نافلة, وفرض المال؛ لأنه قد يكون كفارة ونذرًا، ويجوز تقديم النية على الدفع بشرط أن تقارن عزل الزكاة أو إعطاءها للوكيل أو بعده وقبل التفرقة كما تجزئ بعد العزل وقبل التفرقة وإن لم تقارن أحدهما، ويجوز تفويضها للوكيل إن كان من أهلها بأن يكون مسلمًا مكلفًا، أما نحو الصبي والكافر فيجوز توكيله في أدائها لكن بشرط أن يعين له المدفوع إليه، ويتعين نية الوكيل إن دفع من ماله بإذن المالك، وتجب نية الولي في زكاة الصبي والمجنون والسفيه وإلا ضمنها لتقصيره ولو دفعها المزكي للإمام بلا نية لم تجزئه نية الإمام، ومتى امتنع من دفعها أخذها الإمام أو نائبه منه قهرًا، ثم إن نوى الممتنع عند الأخذ منه أجزأه وإلا وجب على الآخذ النية فإن ترك أثم ولم يجزئ المالك.
"ويجوز" للمالك دون الولي كما مر "تعجيلها" أي الزكاة في الحول "قبل" آخر "الحول" وبعد انعقاده بأن يكمل النصاب في السائمة والنقدين دون عروض التجارة لما صح أنه صلى الله عليه وسلم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 عن ابن عمر: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة". رواه البخاري في الزكاة باب 70، ومسلم في الزكاة حديث 22 و23، والنسائي في الزكاة باب 33 و45، وأحمد في المسند "2/ 67، 151، 155، 157".
2 رواه البيهقي في السنن الكبرى "4/ 175" عن ابن عمر.

 

ص -235-      وشرط إجزاء المعجل أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول، وأن يكون القابض في آخر الحول مستحقًّا، وإذا لم يجزئه استرد إن علم القابض أنها زكاة معجلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرخض في التعجيل للعباس1 وهو مرسل2 لكن عضد بورود معناه في الصحيحين، وقول جمع من الصحابة رضي الله عنهم بخلاف ما لو عجل عن معلوفة سيسيمها, أو عن دون نصاب فإنه لا يجزئ مطلقًا، وإنما يجوز التعجيل لعام فقط، وفي الثمار بعد بدو الصلاح، وفي الزروع بعد اشتداد الحب، ولا يجوز قبل ذلك؛ لأنه لم يظهر ما يمكن معرفة مقداره تحقيقًا ولا ظنًّا.
"وشرط إجزاء المعجل" هنا وفيما مر في زكاة الفطر "أن يبقى المالك أهلا للوجوب إلى آخر الحول" في الحوالي ودخول شوال في الفطرة. "وأن يكون القابض في آخر الحول" أو عند دخول شوال "مستحقًّا" والمالك المعجل عنه باقيًا، فإن مات المالك أو القابض قبل ذلك أو ارتد القابض أو غاب أو استغنى بمال غير المعجل كزكاة أخرى ولو معجلة أخذها بعد الأولى، أو نقص النصاب أو زال عن ملكه وليس مال تجارة لم يجزئه المعجل لخروجه عن الأهلية عند الوجوب، ولا يضر عروض مانع في المستحق زال قبل الحول، وكذا لو لم يعلم استحقاقه أو حياته. "وإذا لم يجزئه" المعجل لفوات شرط مما ذكر أو لتلف النصاب الذي عجل عنه كله أو بعضه "استرد" من القابض "إن علم القابض" عند القبض أو بعده "أنها زكاة معجلة" ولو بقول المالك له: هذه زكاتي المعجلة كما لو عجل أجرة الدار ثم انهدمت في أثناء المدة، نعم لو قال: هذه زكاتي المعجلة فإن لم تقع زكاة فهي نافلة لم تسترد، ولو اختلف المالك والقابض في مثبت الاسترداد كعلم القابض بالتعجيل صدق القابض بيمينه؛ لأن الأصل عدم الاسترداد، وإذا رد المعجل لم يلزمه رد زيادته المنفصلة ولو حكمًا كاللبن في الضرع والصوف على الظهر، ولا أرش لنقص صفة حدث بيده قبل حدوث سبب الرجوع والقابض والمالك أهلان للزكاة لحدوثهما في ملك المستحق فلا يطالب بشيء منهما.
تتمة: إذا حال الحول على المال الزكوي وجبت الزكاة وإن لم يتمكن من الأداء فابتداء الحول الثاني من تمام الأول لا من التمكن، ويجب عند آخر الحول أداء الزكاة على الفور إذا تمكن بأن حضر المال والمستحق وخلا المالك من مهم ديني أو دنيوي، فإن أخر الأداء بعد التمكن ضمن قدر الزكاة وإن تلف المال وله انتظار قريب وإن بعد وجار وأحوج ما لم يكن هنا من يتضرر بالجوع أو العري فيحرم التأخير مطلقًا؛ لأن دفع ضرره فرض فلا يجوز تركه

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 روى أبو داود في الزكاة باب 22 "حديث 1624" عن علي: "أن العباس سأل النبي صلى الله عليه وسلم في تعجيل الصدقة قبل أن تحل فرخص له في ذلك".
2 قال أبو داود: روى هذا الحديث هشيم عن منصور بن زاذان عن الحكم عن الحسن بن مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 

ص -236-      فصل: "في قسمة الزكاة على مستحقيها"
ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية وهم الفقراء،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لفضيلة، ومع جواز التأخير لذلك يضمن ما تلف في مدة التأخير أيضًا، أما ما تلف قبل التمكن فلا يضمنه بل يقسط قسطه، وتتعلق الزكاة بالمال تعلق شركة، فالمستحق شريك للمالك بقدر الواجب إن كان من الجنس وإلا فبقدر قيمته فيمتنع عليه بيع القدر المذكور ورهنه، فإذا باع النصاب أو بعضه أو رهنه بعد تمام الحول صح إلا في قدر الزكاة. نعم مال التجارة يجوز بيعه ورهنه؛ لأنه متعلقهما القيمة لا العين، ومن له دين حل وقدر على استيفائه بأن كان على مليء حاضر باذل أو جاحد وعليه بينة أو يعلمه القاضي أو على غيره1 وقبضه لزمه إخراج زكاته حتى للأحوال الماضية لوجوبها فيه، كما تجب في الضال والمغصوب والمرهون والغائب وما اشتراه وتم حوله قبل القبض أو حبس عنه بأسر ونحوه لملك النصاب وحولان الحول, لكن لا يجب الإخراج من ذلك إلا عند عود المغصوب والضال وإمكان السير للغائب مع الوصول إليه فيخرجها حينئذ عن جميع الأحوال الماضية.
فصل: في قسمة الزكاة على مستحقيها
والأصل في ذلك قوله تعالى:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] الآية. "ويجب صرف الزكاة إلى الموجودين من الأصناف الثمانية"2, فإن وجدوا كلهم بمحل الزكاة وجب الصرف إليهم، ولا يجوز أن يحرم بعض الأصناف، فإن فقد بعضهم أو بعض آحاد الصنف ردت حصة من فقد الفاضل عن كفاية بعضهم على بقية الأصناف، ونصيب المفقود من آحاد الصنف على بقية ذلك الصنف، ولا ينقل شيء من ذلك إلى غيرهم لانحصار الاستحقاق فيهم، ومحله إذا نقص نصيبهم عن كفايتهم وإلا نقل إلى ذلك الصنف، أما لو عدمت الأصناف كلهم في البلد أو فضل عنهم شيء فإن الكل في الأولى والفاضل في الثابتة ينقل إلى جنس مستحقه بأقرب بلد إلى الزكاة، فعلم أنه لا يجوز للمالك ولا يجزئه نقل الزكاة مع وجود مستحقيها بموضع المال حال الوجوب عنه إلى غيره وإن قربت المسافة؛ لأن ذلك يوحش أصناف البلد بعد امتداد أطماعهم إليها.
"وهم: الفقراء" والفقير من ليس له زوج ولا أصل ولا فرع تكفيه نفقته ولا مال ولا كسب يقع موقعًا من كفايته مطعمًا وملبسًا ومسكنًا، كمن يحتاج إلى عشرة ولا يجد إلا ثلاثة، وإن كان صحيحًا يسأل الناس، أو كان له مسكن وثوب يتجمل به وعبد يخدمه وإن تعدد ما يحتاجه من ذلك، ولا أثر لقدرته على كسب حرام أو غيره لائق بمروءته، ومن ثم أفتى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي على غير مليء، أو غير جاحد، أو لا يعلمه القاضي.
2 المذكورين في الآية 60 من سورة التوبة.

 

ص -237-      والمساكين، والغارمون، وأبناء السبيل وهم المسافرون، أو المريدون للسفر المباح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغزالي بأن لأرباب البيوت الذين لم تجر عادتهم بالكسب أخذ الزكاة، ويعطى من غاب ماله بمسافة القصر، قال القفال1: بشرط أن لا يجد من يقرضه أو بأجل إلى حضوره أو حلوله لا من دينه قدر ماله إلا إن صرفه في الدين، وللمكفي بنفقة قريبه الأخذ من باقي السهام2 إن كان من أهلها حتى ممن تلزمه نفقته ولو لم تكتف الزوجة بنفقة زوجها أعطيت من سهم المساكين، ويسن لها أن تعطي زوجها المستحق من زكاتها.
"و" الصنف الثاني: "المساكين" والمسكين من له ما يسد مسدًّا من حاجته بملك أو كسب حلال لائق ولكنه لا يكفيه3 كمن يحتاج إلى عشرة وعنده ثمانية لا تكفيه الكفاية اللائقة بحاله من مطعم وملبس ومسكن وغيرها مما مر وإن ملك أكثر من نصاب، والعبرة في عدم كفايته وكفاية الفقير بالعمر الغالب بناء على الأصح أنهما يعطيان كفاية ذلك، ولا يمنع الفقر والمسكنة اشتغاله عن كسب يحسنه بحفظ القرآن أو بالفقه أو التفسير أو الحديث أو ما كان آلة لذلك, وكان يتأتى منه ذلك فيعطى ليتفرغ لتحصيله لعموم نفعه وتعديه4, وكونه فرض كفاية، ومن ثم لم يعط المشتغل بنوافل العبادات وملازمة الخلوات؛ لأن نفعه قاصر على نفسه، ولا يمنعهما أيضًا كتب المشتغل بما ذكر إن احتاجت للتكسب كالمؤدب والمدرس بأجرة أو القيام بفرض من نحو إفتاء وتدريس من غير أجرة؛ لأن ذلك من الحاجات المهمة، وكذلك كتب من يطبب نفسه أو غيره، وكتب الوعظ إن كان في البلد واعظ، بخلاف كتب التواريخ المشتملة على وقائع دون تراجم الرجال ونحوها، وكتب الشعر الخالي عن نحو الرقائق والمواعظ ومن له عقار ينقص دخله عن كفايته يعطى تمامها، ومن نذر صوم الدهر ولم يمكنه أن يكتسب مع الصوم كفاية جاز له الأخذ، وكذا من يكتسب كفايته لكنه يحتاج للنكاح فله أخذ ما ينكح به؛ لأنه من تمام كفايته.
"و" الصنف الثالث: الغارمون" أي المدينون وهم أنواع: الأول: من استدان لدفع فتنة بين متنازعين فيعطى ما استدانه لذلك وإن كان غنيًّا بنقد أو غيره لعموم نفعه. الثاني: من استدان لقرى ضيف أو عمارة مسجد وقنطرة وفك أسير ونحوها من المصالح العامة فيعطى ما استدانه وإن كان غنيًّا لكن بغير نقد، والثالث: من استدان لنفسه لطاعة أو مباح أو لمعصية وصرفه في

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 هو أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل القفال الشاشي الشافعي. فقيه، محدث، مفسر، أصولي، لغوي، شاعر، ولد في الشاش سنة 291هـ، وتوفي فيها سنة 365هـ. انظر معجم المؤلفين "3/ 498".
2 وهي الأصناف الستة الباقية بعد الفقراء والمساكين.
3 قيل: المسكين أسوأ حالا من الفقير، وقيل: المسكين أحسن حالا منه. انظر اللسان "13/ 214، 215". وفي اللسان أيضًا "13/ 216": "المسكين الصحيح المحتاج، وقال زيادة الله بن أحمد: الفقير: القاعد في بيته لا يسأل، والمسكين: الذي يسأل. وأصل المسكين في اللغة الخاضع، وأصل الفقير المحتاج".
4 أي تعدي نفع تحصيل العلم إلى غيره.

 

ص -238-      المحتاجون. والعاملون عليها، والمؤلفة وهم: ضعفاء النية في الإسلام، وشريف في قومه يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه. والغزاة الذكور المتطوعون، والمكاتبون كتابة صحيحة،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مباح أو لمباح وصرفه في معصية إن عرف قصد الإباحة أو لا لكن لا نصدقه فيه1 أو لمعصية وصرفه فيها لكنه تاب وغلب على الظن صدقه في توبته فيعطى في هذه الأحوال كلها قدر دينه إن حل وعجز عن وفائه، وثم إن لم يكن معه شيء أعطي الكل، وإلا فإن كان بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن ترك له مما معه ما يكفيه وأعطي ما يقضي به باقي دينه. والرابع: الضامن فيعطى إن أعسر وحل المضمون وكان ضامنًا لمعسر أو لموسر لا يرجع هو عليه كأن ضمنه بغير إذنه ومن قضى دينه بقرض استحق بخلاف من مات وإن لم يخلف وفاءه.
فرع: دفع زكاته لمديونه بشرط أن يردها له عن دينه لم يجز ولا يصح قضاء الدين بها، فإن نويا ذلك بلا شرط لم يضر، وكذا إن وعده المدين بلا شرط ولا يلزمه الوفاء بالوعد، ولو قال لمدينه: اقض ديني وأرده لك زكاة فأعطاه بريء من الدين ولا يلزم إعطاءه، ولو قال لمدينه: جعلت ديني عليك زكاة لم يجز بل لا بد من قبضه منه ثم دفعه له عن الزكاة إن شاء.
"و" الصنف الرابع: "أبناء السبيل" أي الطريق سموا بذلك لملازمتهم لها "وهم المسافرون أو المريدون للسفر المباح المحتاجون" بأن لم يكن معهم ما يكفيهم في سفرهم، فمن سافر كذلك ولو لنزهة أو كان غريبًا مجتازًا بمحل الزكاة أعطي وإن كان كسوبًا جميع كفاية سفره لا ما زاد بسبب السفر فقط ذهابًا, وإن لم يكن له مال أو ما يوصله إلى محل ماله وإيابًا إن قصد الرجوع ويعطى ما يحمله إن عجز عن المشي أو طال سفره وما يحمل عليه زاده ومتاعه إن عجز عن حملها بخلاف المسافر سفر معصية ما لم يتب أولا لمقصد صحيح كالهائم.
"و" الصنف الخامس: "العاملون عليها" ومنهم الساعي الذي يبعثه الإمام لأخذ الزكوات وبعثه واجب وشرطه فقه بما فوض إليه، ومنها أن يكون مسلمًا مكلفًا حرًّا عدلا بصيرًا ذكرًا؛ لأنه نوع ولاية والكاتب والقاسم والحاشر الذي يجمع أرباب الأموال والعريف الذي يعرف أرباب الاستحقاق والحاسب والحافظ والجندي والجابي ويزاد فيهما بقدر الحاجة وليس منهم الإمام والوالي والقاضي بل رزقهم في خمس الخمس، والذي يستحقه العامل أجرة مثل عمله فقط، فإن استؤجر بأكثر من ذلك بطلت الإجارة والزائد من سهمه على أجرته يرجع للأصناف.
"و" الصنف السادس: "المؤلفة" قلوبهم "وهم" أصناف: الأول: "ضعفاء النية في الإسلام" فيعطون ليقوى إسلامهم. "و" الثاني: شريف في قومه" مسلم "يتوقع بإعطائه إسلام نظرائه" والثالث: مسلم مقيم بثغر من ثغورنا ليكفينا شر من يليه من الكفار ومانعي الزكاة، والرابع، من يكفينا شر البغاة، والخامس، من يجبي الصدقات من قوم يتعذر إرسال ساع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي يجب عليه في ذلك بينة.

 

ص -239-      وأقل ذلك ثلاثة من كل صنف إلا إذا انحصروا ووفت الزكاة بحاجتهم، وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إليهم وإن لم يمنعوا، وشرط إعطاء المؤلف بأقسامه احتياجنا إليه لا كونه ذكرًا على المعتمد، ولا يعطى من الزكاة كافر لا لتأليف ولا لغيره، نعم يجوز أن يكون الكتاب والحمال والحفاظ ونحوهم كفارًا مستأجرين من سهم العامل؛ لأن ذلك أجرة لا زكاة.
"و" الصنف السابع: "الغزاة الذكور المتطوعون" بالجهاد بأن لم يكن لهم رزق في الفيء وهم المراد بسبيل الله في الآية1 فيعطى كل منهم وإن كان غنيًّا كفايته وكفاية ممونه إلى أن يرجع من نفقة وكسوة ذهابًا وإيابًا وإقامة في الثغر ونحوه إلى الفتح وإن طالت إقامته مع فرس إن كان يقاتل فارسًا، ومع ما يحمله في سفره إن عجز عن المشي أو طال السفر وما يحمل زاده ومتاعه إن لم يطق حملهما، أما المرتزق فلا يعطى من الزكاة مطلقًا فإن اضطررنا إليه أعانه أغنياؤنا من أموالهم لا من الزكاة.
"و" الصنف الثامن: "المكاتبون كتابة صحيحة" وهم المراد بالرقاب في الآية بخلاف فاسد الكتابة؛ لأنها غير لازمة من جهة السيد، وإنما يعطي صحيحها إن عجز عن الوفاء وإن كان كسوبًا فيعطى ولو بغير إذن سيده، أو يعطى سيده بإذنه قدر دينه الذي عجز عنه ولو قبل حلول النجوم2، ويرد ما أعطيه من الزكاة بزوائده المتصلة إن رق بأن عجز نفسه لعدم حصول العتق أو أعتقه سيده تبرعًا أو بإبرائه أو بأداء غيره عنه أو أدائه هو من مال آخر لعدم حصول المقصود به، ويصدق بلا يمين مدعي فقر أو مسكنه أو عجز عن كسب لا في تلف مال عرف وولد إلا بإخبار عدلين أو عدل أو اشتهار بين الناس، ومدعي ضعف نية لا بقية أصناف المؤلفة إلا بذلك ومدعي إرادة غزو، ويكفي تصديق سيد مكاتب ودائن غارم أو الإخبار أو الاشتهار المذكور، وشرط الآخذ من هذه الأصناف الإسلام والحرية، وأن لا يكون هاشميًّا ولا مطلبيًّا ولا مولى لهم وإن انقطع خمس الخمس عنهم، ولا يعطى أحد بوصفين في حالة واحدة بخلاف ما لو أخذ فقير غارم بالغرم فأعطاه غريمه فإنه يعطى بالفقر.
"وأقل" من يعطى من كل صنف من "ذلك" إذا فرق المالك بنفسه أو وكيله "ثلاثة من كل صنف" عملا بأقل الجمع في غير الأخيرين في الآية وبالقياس عليه فيهما، وتجب التسوية بين الأصناف وإن تفاوتت حاجاتهم لا بين آحاد الصنف فله أن يعطى الثمن كله لفقير إلا أقل متمول فيعطيه لفقيرين آخرين، فإن أعطى واحدًا الكل وثم غيره من ذلك الصنف غرم للآخرين أقل متمول من ماله. "إلا إذا انحصروا" في آحاد يسهل عادة ضبطهم ومعرفة عددهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 في قوله تعالى:
{... وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ} [التوبة: 60].
2 النجوم: جمع نجم، وهو الوقت المعين لأداء دين أو عمل، وما يؤدى في هذا الوقت، وهي هنا الأقساط المتوجبة للسيد على عبده.

 

ص -240-      فصل: "في صدقة التطوع"
والأفضل الإسرار بصدقة التطوع بخلاف الزكاة، والتصدق على القريب الأقرب، والزوج، ثم الأبعد ثم محارم الرضاع، ثم المصاهرة، ثم الولاء، ثم الجار، وعلى

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يزيدوا على ثلاثة من كل صنف أو زادوا عليها. "ووفت الزكاة بحاجتهم" فإنه يلزم المالك الاستيعاب، ولا يجوز له الاقتصار على ثلاث إذ لا مشقة في الاستيعاب حينئذ، وفيما إذا انحصر كل صنف أو بعض الأصناف في ثلاثة فأقل وقت الوجوب يستحقونها في الأولى، وما يخص المحصورين في الثانية من وقت الوجوب فلا يضرهم حدوث غنى أو غيبة أو موت لأحدهم بل حقهم باق بحاله فيدفع نصيب الميت لوارثه وإن كان هو المزكي، ولا يشاركهم قادم عليهم ولا غائب عنهم وقت الوجوب، فإن زادوا على ثلاثة لم يملكوا إلا بالقسمة إلا العامل فإنه يملك بالعمل. "وإلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدًا" إذا حصل به الغرض بل إذا استغنى عن الواحد بأن فرق المالك بنفسه سقط سهم العامل.
فصل: في صدقة التطوع
وهي سنة مؤكدة للأحاديث الكثيرة الشهيرة1، وقد تحرم كأن يعلم من آخذها أنه يصرفها في معصية، وقد تجب كأن وجد مضطرًا ومعه ما يطعمه فاضلًا عنه. "والأفضل الإسرار بصدقة التطوع" لأنه صلى الله عليه وسلم عد من السبعة الذين يستظلون بالعرش من أخفى صدقته حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه2، نعم إن أظهرها مقتدى به ليقتدى به ولم يقصد رياء ولا سمعة ولا تأذى به الآخذ كان الإظهار أفضل "بخلاف الزكاة" فإن إظهارها للإمام أفضل مطلقًا وكذا للمالك في الأموال الباطنة3. "و" الأفضل "التصدق على القريب" لأنه أولى من الأجنبي والأفضل تقديم "الأقرب" فالأقرب من المحارم وإن لزمته نفقتهم "والزوج" أو الزوجة فهما في درجة الأقرب "ثم" بعد الأقرب والزوجين الأفضل تقديم "الأبعد" من الأقارب ويقدم منهم الأقرب فالأقرب رحمًا. "ثم" بعد سائر الأقارب الأفضل تقديم "محارم الرضاع ثم المصاهرة ثم الولاء" من الجانبين ثم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 منها ما رواه البخاري في الزكاة باب 27 "حديث 1442" ومسلم في الزكاة حديث 57، وأحمد في المسند "2/ 306، 347" عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا".
2 لفظ الحديث: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلى ظله، الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل طلبته ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه". رواه البخاري في الأذان باب 36 والزكاة باب 16 والرقاق باب 247 والحدود باب 19 "الأحاديث 660 و1423 و6479 و6806" ومسلم في الزكاة حديث 91، والترمذي في الزهد باب 53، والنسائي في القضاة باب 2، ومالك في الشعر حديث 4، وأحمد في المسند "2/ 439".
3 الأموال الباطنة: هي النقد وعروض التجارة وزكاة الفطر. والظاهرة: المواشي والزروع والثمار والمعادن.

 

ص -241-      العدو، وأهل الخير المحتاجين، وفي الأزمنة الفاضلة كالجمعة، والأماكن الفاضلة، وعند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض، وفي الحج وبما يحبه وبطيب نفس وبشر، ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته، أو لدين لا يرجو له وفاء، ويستحب بما فضل عن حاجته إذا لم يشق عليه الصبر على الضيق، ويكره

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من جانب "ثم" الأفضل تقديم "الجار" فهو أولى حتى من القريب لكن بشرط أن تكون دار القريب بمحل لا يجوز نقل زكاة المتصدق إليه وإلا قدم على الجار الأجنبي وإن بعدت داره1. "و" الأفضل الصدقة "على العدو" القريب أو الأجنبي والأشد عداوة أولى لما فيه من التأليف وكسر النفس2. "و" على أهل "الخير المحتاجين" فهما أولى من غيرهما وإن اختص الغير بقرب أو نحوه. "و" الأفضل تحري الصدقة "في سائر "الأزمنة الفاضلة كالجمعة" ورمضان سيما عشره الأواخر وعشر ذي الحجة وأيام العيد. "والأماكن الفاضلة" كمكة والمدينة وليس المراد أن من أراد التصدق في المفضول يسن تأخيره إلى الفاضل بل إنه إذا كان في الفاضل تتأكد له الصدقة وكثرتها فيه اغتنامًا لعظيم ثوابه والأفضل تحريها. "و" الاستكثار منها "عند الأمور المهمة كالغزو والكسوف والمرض وفي الحج" والسفر لأنها أرجى لقضاء الحاجات وتفريج الكروب ومن ثم سنت عقب كل معصية. "و" الأفضل أن يتصدق "بما يحبه" لقوله تعالى:
{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّون} [آل عمران: 92]، وتكره الصدقة برديء وجد غيرها وبما فيه شبهة ولا يأنف من التصدق بالقليل، ويسن أن يتصدق بثوبه إذا لبس جديدًا غيره، وليس من التصدق بالرديء ومثله ما اعتيد من التصدق بالفلوس دون الفضة. "و" أن يكون تصدقه مقرونًا "بطيب نفس وبشر" لما فيه من تكثير الأجر وجبر القلب وبالبسملة وبإعطاء الفقير الصدقة من يده وبعدم الطمع في الدعاء منه فإن دعا له سن أن يرد عليه لئلا ينقص أجر الصدقة.
"ولا يحل التصدق بما يحتاج إليه لنفقته أو نفقة من عليه نفقته في يومه وليلته" لما صح من قوله صلى الله عليه وسلم:
"كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول"3 وإطعام الأنصاري قوت صبيانه لمن نزل به ضيافة لا صدقة والضيافة لتأكدها ووجوبها عند أحمد لا يشترط فيها الفضل عن العيال. "أو" بما يحتاج إليه "لدين لا يرجو له وفاء" لأن أداءه واجب لحق الآدمي فلا يجوز

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 أي دار القريب.
2 قال الله تعالى:
{وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34].
3 رواه بهذا اللفظ أحمد في المسند "2/ 194" والحاكم في المستدرك "1/ 415، 4/ 50" ورواه بلفظ "يقوت" بدل "يعول" أبو داود "حديث 1692" وأحمد "2/ 160، 164، 195" والبيهقي في السنن الكبرى "7/ 467، 9/ 25" والطبراني في الكبير "9/ 342". ورواه مسلم في الزكاة حديث 40 بلفظ: "كفى بالمرء إثمًا أن يحبس عمن يملك قوته" عن عبد الله بن عمرو.

 

ص -242-      أن يأخذ صدقته ممن أخذ منه ببيع أو غيره، ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب، والمن بالصدقة يحبطها، وتتأكد بالماء والمنيحة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تفويته أو تأخيره بسبب التطوع بالصدقة، ومحله إن لم يغلب على ظنه وفاؤه من جهة أخرى ظاهرة ولم يحصل بذلك تأخيره عن أدائه الواجب فورًا بمطالبة أو غيرها، ومحل ما ذكر في نفسه ما لم يصبر على الإضافة، ومن ثم قالوا يحرم إيثار عطشان آخر بالماء فإن صبر جاز، ومن ثم قالوا: يجوز للمضطر أن يؤثر على نفسه مضطرًا آخر مسلمًا. "ويستحب" التصدق "بما" أي بجميع ما "فضل عن حاجته" وحاجة ممونه يومه وليلته "إذا لم يشق عليه" ولا عليهم "الصبر على الضيق" وإلا كره، وعلى هذا التفصيل حملت الأخبار المختلفة الظاهر كخبر:
"خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى"1 وخبر تصدق أبي بكر رضي الله عنه بجميع ماله والتصدق ببعض الفاضل عن حاجته مسنون مطلقًا وحيث حرمت الصدقة بشيء لم يملكه الآخذ. "ويكره" للإنسان "أن يأخذ صدقته" أو نحوها من زكاة أو كفارة "ممن أخذ منه" شيئًا على سبيل الصدقة سواء الأخذ من المتصدق عليه "ببيع أو غيره" لأن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه كما في الحديث2، وخرج بقوله "يأخذ" المشعر بالاختيار ما لو ورثها فلا يكره له التصرف فيها، وبقوله "ممن أخذ منه" ما لو أخذها من غيره فإنه لا يكره، ولو بعث لفقير شيئًا لم يزل ملكه عنه فإن لم يوجد أو لم يقبل من التصدق سن أن يتصدق به على غيره ولا يعود فيه. "ويحرم السؤال على الغني بمال أو كسب" وكذا إظهار الفاقة وأن يسأل وعليه حملوا خبر الذي مات من أهل الصفة وترك دينارين فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيتان من نار"3، ويكره له التعرض لها بدون إظهار فاقة، أما أخذها بلا تعرض ولا إظهار فاقة فخلاف السنة. "والمن بالصدقة" حرام "يحبطها" أي يمنع ثوابها للآية4. "وتتأكد بالماء" لخبر: "أي الصدقة أفضل؟ قال: الماء"5 ومحله فيما يظهر إن كان الاحتياج إليه أكثر منه إلى الطعام وإلا فهو أفضل. "والمنيحة" وهي الشاة اللبون ونحوها بأن يعطيها لمحتاج يشرب لبنها ما دامت لبونًا ثم يردها إليه لما في ذلك من مزيد البر والإحسان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 رواه البخاري في النفقات باب 2، ومسلم في الزكاة حديث 95، وأبو داود في الزكاة باب 39، وغيرهم. ولفظ الحديث عند مسلم عن حكيم بن حزام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"أفضل الصدقة -أو خير الصدقة- عن ظهر غنى، واليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول".
2 حديث "العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" رواه النسائي في الزكاة باب 98، وأما ما جاء بلفظ:
"العائد في هبته..." فقد رواه البخاري في الهبة باب 30، ومسلم في الهبات حديث 5 و6؛ وغيرها.
3 رواه أحمد في المسند "1/ 137، 138" عن عبد الله بن مسعود.
4 وهي قوله تعالى في سورة البقرة الآية 264:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى}.
5 رواه أبو داود في الزكاة باب 41 "حديث 1681" عن سعد بن عبادة أنه قال: يا رسول الله إن أم سعد ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" قال: فحفر بئرًا وقال: هذه لأم سعد.