المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الرهن
مدخل
...
كتاب الرهن
ويجوز الرهن على الدين في السفر لقوله عز وجل: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِباً فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283] ويجوز في الحضر لما روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعاً عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيراً لأهله.
فصل: ولا يصح الرهن إلا من جائز التصرف في المال لأنه عقد على المال فلم يصح إلا من جائز التصرف في المال كالبيع.
فصل: ويجوز أخذ الرهن على دين السلم وعوض القرض للآية والخبر ويجوز على الثمن والأجرة والصداق وعوض الخلع ومال الصلح وأرش الجناية وغرامة المتلف لأنه دين لازم فجاز أخذ الرهن عليه كدين السلم وبدل القرض ولا يجوز أخذه على دين الكتابة لأن الرهن إنما جعل ليحفظ عوض ما زال عنه ملكه من مال ومنفعة وعضو والمعوض في الكتابة هو الرقبة وهي باقية على ملكه لا يزول ملكه عنها إلا بالأداء فلا حاجة به إلى الرهن ولأن الرهن إنما يعقد لتوثيق الدين حتى لا يبطل والمكاتب يملك أن يبطل الدين بالفسخ إذا شاء فلا يصح توثيقه فأما مال الجعالة قبل العمل ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز أخذ الرهن به لأنه مال شرط في عقد لا يلزم فلا يجوز أخذ الرهن به كمال الكتابة والثاني يجوز لأنه دين يؤول إلى اللزوم فجاز أخذ الرهن به كالثمن في مدة الخيار وأما مال السبق والرمي ففيه قولان: أحدهما أنه كالإجارة فيجوز أخذ الرهن به والثاني أنه كالجعالة فيكون على الوجهين وأما العمل في الإجارة فإنه إن كانت الإجارة على عمل الأجير فلا يجوز أخذ الرهن به لأن القصد بالرهن استيفاء الحق منه عند التعذر وعمله لا يمكن استيفاؤه من غيره وإن كانت الإجارة على عمل في الذمة جاز أخذ الرهن به لأنه يمكن استيفاؤه من الرهن بأن يباع ويستأجر بثمنه من يعمل.
فصل: ويجوز عقد الرهن بعد ثبوت الدين وهو أن يرهن بالثمن بعد البيع ويعوض القرض بعد القرض ويجوز عقده مع العقد على الدين وهو أن يشترط الرهن في عقد البيع وعقد القرض لأن الحاجة تدعو إلى شرطه بعد ثبوته وحال ثبوته فأما شرطه قبل العقد فلا يصح لأن الرهن تابع للدين فلا يجوز شرط قبله.
فصل: ولا يجوز أخذ الرهن على الأعيان كالمغصوب والمسروق والعارية

(2/86)


والمأخوذ على وجه اليوم لأنه إن رهن على قيمتها إذا تلفت لم يصح لأن رهن على دين قبل ثبوته وإن رهن على عينها لم يصح لأنه لا يمكن استيفاء العين من الرهن.
فصل: ولا يلزم الرهن من جهة المرتهن لأن العقد لحظه لاحظ فيه للراهن فجاز له فسخه إذا شاء فأما من جهة الراهن فلا يلزم إلا بقبض والدليل عليه قوله عز وجل: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} فوصف الرهن بالقبض فدل على أنه لا يلزم إلا به ولأنه عقد إرفاق يفتقد إلى القبول والقبض فلم يلزم من غير قبض كالهبة فإن كان المرهون في يد الراهن لم يجز للمرتهن قبضه إلا بإذن الراهن لأن للراهن أن يفسخه قبل القبض فلا يملك المرتهن إسقاط حقه من غير إذنه فإن كان في يد المرتهن فقد قال في الرهن إنه لا يصير مقبوضاً بحكم الرهن إلا بإذن الراهن وقال في الإقرار والمواهب إذا وهب له عيناً في يده صارت مقبوضة من غير إذن فمن أصحابنا من نقل جوابه في الرهن إلى الهبة وجوابه في الهبة إلى الرهن فجعلها على قولين: أحدهما لا يفتقر واحد منهما إلى الإذن في القبض لأنه لما لم يفتقر إلى نقل مستأنف لم يفتقر إلى إذن مستأنف والثاني أنه يفتقر وهو الصحيح لأنه عقد افتقر لزومه إلى القبض فافتقر القبض إلى الإذن كما لو لم تكن العين في يده وقولهم إنه لا يحتاج إلى نقل مستأنف لا يصح لأن النقل يراد ليصير في يده وذلك موجود والإذن يراد لتمييز قبض الهبة والرهن عن قبض الوديعة والغصب وذلك لا يحصل إلا بإذن ومن أصحابنا من حمل المسألتين على ظاهرهما فقال في الهبة لا يفتقر إلى الإذن وفي الرهن يفتقر لأن الهبة عقد يزيل الملك فلم يفتقر إلى الإذن لقوته والرهن لا يزيل الملك فافتقر إلى الإذن فضعفه والصحيح هو الطريق الأول لأن هذا الفرق يبطل به إذا لم تكن العين في يده فإنه يفتقر إلى الإذن في الرهن والهبة مع ضعف أحدهما وقوة الآخر فإن عقد على عين رهناً وإجارة وأذن له في القبض عن الرهن والإجارة صار مقبوضاً عنهما فإن أذن له في القبض عن الإجارة دون الرهن لم يصر مقبوضاً عن الرهن لأنه لم يأذن له في قبض الرهن فإن أذن له في القبض عن الرهن دون الإجارة صار مقبوضاً عنهما لأنه أذن له في قبض الرهن وقبض الإجارة لا يفتقر إلى الإذن لأنه مستحق عليه.
فصل: وإن أذن له في قبض ما عنده لم يصر مقبوضاً حتى يمضي زمان يتأتى فيه القبض وقال في حرملة لا يحتاج إلى ذلك كما لا يحتاج إلى نقل والمذهب الأول لأن القبض إنما يحصل بالاستيفاء أو التمكين من الاستيفاء ولهذا لو استأجر داراً لم يحصل له القبض في منافها إلا بالاستيفاء أو بمضي زمان يتأتى فيه الاستيفاء فكذلك ههنا فعلى

(2/87)


هذا إن كان المرهون حاضراً فبأن يمضي زمان أن ينقله أمكنه ذلك وإن كان غائباً فبأن يمضي هو أو وكيله ويشاهده ثم يمضي من الزمان ما يتمكن فيه من القبض وقال أبو إسحاق إن كان مما ينتقل كالحيوان لم يصر مقبوضاً إلا بأن يمضي إليه لأنه يجوز أن يكون قد انتقل من المكان الذي كان فيه فلا يمكنه أن يقدر الزمان الذي يمكن المضي فيه إليه من موضع الإذن إلى موضع القبض فأما ما لا ينتقل فإنه لا يحتاج إلى المضي إليه بل يكفي أن يمضي زمان لو أراد أن يمضي ويقبض أمكنه ومن أصحابنا من قال إن أخبره ثقة أنه باق على صفته ومضى زمان يتأتى فيه القبض صار مقبوضاً كما لو رآه وكيله ومضى زمان يتأتى فيه القبض والمنصوص هو الأول وما قال أبو إسحاق لا يصح لأنه كما يجوز أن ينتقل الحيوان من مكان إلى مكان فلا يتحقق زمان إلامكان في غير الحيوان ويجوز أن يكون قد أخذ أو هلك وما قال القائل الآخر من خبر الثقة لا يصح لأنه يجوز أن يكون بعد رؤية الثقة حدث عليه حادث فلا يتحقق إمكان القبض ويخالف الوكيل فإنه قائم مقامه فقام حضوره مقام حضوره والثقة بخلافه.
فصل: وإن أذن له في القبض ثم رجع لم يجز أن يقبض لأن الإذن قد زال فعاد كما لو لم يأذن له وإن أذن له أو أغمي عليه لم يجز أن يقبضه لأنه خرج عن أن يكون من أهل الإذن ويكون الإذن في القبض إلى من ينظر في ماله فإن رهن شيئاً ثم تصرف فيه قبل أن يقبضه نظرت فإن باعه أو جعله مهراً في نكاح أو أجرة في إجارة أو وهبة وأقبضه أو رهنه وأقبضه أو كان عبداً فكاتبه أو أعتقه انفسخ الرهن لأن هذه التصرفات تمنع الرهن فانفسخ بها الرهن فإن دبره فالمنصوص في الأم أنه رجوع وقال الربيع فيه قول آخر أنه لايكون رجوعاً وهذا من تخريجه ووجهه أنه يمكن الرجوع في التدبير فإذا دبره أمكنه أن يرجع فيه فيقبضه في الرهن ويبيعه في الدين والصحيح هو الأول لأن المقصود بالتدبير هو العتق وذاك ينافي الرهن فجعل رجوعاً كالبيع والكتابة فإن رهن ولم يقبض أو وهب ولم يقبض كان ذلك رجوعاً عن المنصوص لأن المقصود منه ينافي الرهن وعلى تخريج الربيع لا يكون رجوعاً لأنه يمكنه الرجوع فيه وإن كان المرهون جارية فزوجها لم يكن ذلك رجوعاً لأن التزويج لا يمنع الرهن فلا يكون رجوعاً في الرهن وإن كان داراً فأجرها نظرت فإن كانت الإجارة إلى مدة تنقضي قبل محل الدين لم يكن رجوعاً لأنها لا تمنع البيع عند المحل فلم ينفسخ بها كالتزويج وإن كانت إلى مدة يحل الدين قبل انقضائها فإن قلنا إن المستأجر يجوز بيعه لم يكن رجوعاً لأنه لا يمنع البيع عند المحل وإن قلنا لا يجوز بيعه كان رجوعاً لأنه تصرف ينافي مقتضى الرهن فجعل رجوعا كالبيع.

(2/88)


فصل: وإن مات أحد المتراهنين فقد قال في الرهن: إذا مات المرتهن لم ينفسخ وقال في التفليس: إذا مات الراهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن فمن أصحابنا من جعل ما قال في التفليس قولاً آخر أن الرهن ينفسخ بموت الراهن ونقل جوابه فيه إلى المرتهن وجوابه في المرتهن إليه وجعلهما على قولين: أحدهما ينفسخ بموتهما لأنه عقد لا يلزم بحال فانفسخ بموت العاقد كالوكالة والشركة والثاني لا ينفسخ لأنه عقد يؤول إلى اللزوم فلم ينفسخ بالموت كالبيع في مدة الخيار ومنهم من قال يبطل بموت الراهن ولا يبطل بموت المرتهن لأن بموت الراهن يحل الدين ويتعلق بالتركة فلا حاجة إلى بقاء الرهن وبموت المرتهن لا يحل الدين فالحاجة باقية إلى بقاء الرهن ومنهم من قال لا يبطل بموت واحد منهما قولاً واحداً لأنه لم إذا لم يبطل بموت المرتهن على ما نص عليه والعقد غير لازم في حقه بحال فلأن لا يبطل بموت الراهن والعقد لازم له بعد القبض أولى وما قال في التفليس لاحجة فيه لأنه لم يرد أن الرهن ينفسخ وأنما أراد أنه إذا مات الراهن لم يكن للمرتهن قبض الرهن من غير إذن الورثة.
فصل: إذا امتنع الراهن من تسليم الرهن أو انفسخ العقد قبل القبض نظرت فإن كان الرهن غبر مشروط في العقد على البيع بقي الدين بغير رهن وإن كان الرهن مشروطاً في البيع ثبت للبائع الخيار بين أن يمضي البيع من غير رهن أو يفسخه لأنه دخل في البيع بشرط أن يكون له بالثمن وثيقة ولم تسلم له فثبت له الخيار بين الفسخ والإمضاء.
فصل: إذا أقبض الراهن الرهن لزم العقد من جهته ولا يملك فسخه لأنه عقد وثيقة فإذا تم لم يجز فسخه من غير رضا من له الحق كالضمان ولأنا لو جوزنا له الفسخ من غير رضا المرتهن بطلت الوثيقة وسقط فائدة الرهن.
فصل: ولا ينفك من الرهن شيء حتى يبرأ الراهن من جميع الدين لأنه وثيقة محضة فكان وثيقة بالدين وبكل جزء منه كالشهادة والضمان، فإن رهن اثنان عند رجل

(2/89)


عيناً بينهما بدين له عليهما فبرئ أحدهم أو رهن رجل عند اثنين عيناً بدين عليه لهما فبرئ من دين أحدهما إنفك نصف العين من الرهن لأن الصفقة إذا حصل في أحد شطريها عاقدان فهما عقدان فلا يقف الفكاك في أحدهما على الفكاك في الآخر كما لو فرق بين العقدين وإن أراد الراهنان في المسألة الأولى أن يقتسما أو الرهن في المسألة الثانية أن يقاسم المرتهن الذي لم يبرأ من دينه نظرت فإن كان مما لا ينقص قيمته بالقسمة كالحبوب جاز ذلك من غير رضا المرتهن وإن كان مما ينقص قيمته ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز من غير رضا المرتهن لأنه يدخل عليه بالقسمة فلم يجز من غير رضاه والثاني يجوز لأن المرهون عنده نصف العين فلا يملك الاعتراض على المالك فيما لاحق له فيه.
فصل: وإذا قبض المرتهن الرهن ثم وجد به عيباً كان قبل القبض نظرت فإن كان في رهن عقد بعد عقد البيع لم يثبت له الخيار في فسخ البيع وإن كان في رهن شرط في البيع فهو بالخيار بين أن يفسخ البيع وبين أن يمضيه لأنه دخل في البيع بشرط أن يسلم له الرهن فإذا لم يسلم له ثبت له الخيار فإن لم يعلم بالعيب حتى هلك الرهن عنده أو حدث به عيب عنده لم يملك الفسخ لأنه لا يمكنه رد العين على الصفة التي أخذ فسقط حقه من الفسخ كما قلنا في المبيع إذا هلك عند المشتري أو حدث به عيب عنده ولا يثبت له الأرش لأن الأرش بدل عن الجزء الفائت ولو فات الرهن بالهلاك لم يجب بدله فإذا فات بعضه لم يجب بدله والله أعلم.

(2/90)


باب ما يجوز رهنه وما لا يجوز
ما لا يجوز بيعه كالوقف وأم الولد والكلب والخنزير لا يجوز رهنه لأن المقصود من الرهن أن يباع ويستوفى الحق منه وهذا لا يوجد فيما لا يجوز بيعه فلم يصح رهنه.
فصل: وما يسرع إليه الفساد من الأطعمة والفواكه الرطبة التي لا يمكن استصلاحها يجوز رهنه بالدين الحال والمؤجل الذي يحل قبل فساده لأنه يمكن بيعه واستيفاء الحق من ثمنه فأما ما رهنه بدين مؤجل إلى وقت يفسد قبل محله فإنه ينظر فيه فإن شرط أن يبيعه إذا خاف عليه الفساد جاز رهنه وإن أطلق ففيه قولان: أحدهما لا يصح وهو الصحيح لأنه لا يمكن بيعه بالدين في محله فلم يجز رهنه كأم الولد والثاني يصح وإذا خيف عليه أجبر على بيعه ويجعل ثمنه رهناً لأن مطلق العقد يحمل على المتعارف ويصير كالمشروط والمتعارف فيما يفسد أن يباع قبل فساده فيصير كما لو شرط ذلك ولو شرط ذلك جاز رهنه فكذلك إذا أطلق فإن رهن ثمرة يسرع إليها الفساد مع الشجر ففيه طريقان:

(2/90)


من أصحابنا من قال فيه قولان كما لو أفرده بالعقد ومنهم من قال يصح قولاً واحداً لأنه تابع للشجر فإذا هلكت الثمرة بقيت الشجرة.
فصل: وإن علق عتق عبد على صفة توجد قبل محل الدين لم يجز رهنه لأنه ل ايمكن بيعه في الدين وقال أبو علي الطبري رحمه الله إذا قلنا يجوز رهن ما يسرع إليه الفساد جاز رهنه وإن علق عتقه على صفة يجوز أن توجد قبل محل الدين ويجوز أن لا توجد ففيه قولان: أحدهما يصح لأن الأصل بقاء العقد وإمكان البيع ووقوع العتق قبل محل الدين مشكوك فيه فلا يمنع صحة الرهن كجواز الموت في الحيوان المرهون والثاني لا يصح لأنه قد توجد الصفة قبل محل الدين فلا يمكن بيعه وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة الرهن.
فصل: واختلف أصحابنا في المدبر فمنهم من قال لا يجوز رهنه قولاً واحداً لأنه قد يموت المولى فجأة فيعتق فلا يمكن بيعه وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة الرهن ومنهم من قال يجوز قولاً واحداً لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعبد القن ومنهم من قال فيه قولان بناء على القولين في أن التدبير وصية أو عتق بصفة فإن قلنا إنه وصية جاز رهنه لأنه يجوز الرجوع فيه بالقول فجعل الرهن رجوعاً إن قلنا إنه عتق بصفة لم يجز رهنه لأنه لا يجوز الرجوع فيه بالقول وإنما يجوز الرجوع فيه بتصرف يزيل الملك والرهن لا يزيل الملك قال أبو إسحاق إذا قلنا إنه يصح رهنه فحل الحق وقضى سقط حكم الرهن وبقي العبد على تدبيره وإن لم يقض قيل له أترجع في الدبير فإن اختار الرجوع بيع العبد في الرهن وإن لم يختر كان له مال غيره قضي منه الدين ويبقى العبد على التدبير وإن لم يكن له مال غيره ففيه وجهان: أحدهما أنه يحكم بفساد الرهن لأنا إنما صححنا الرهن لأنا قلنا لعله يقضي الدين من غيره أو يرجع في التدبير فإذا لم يفعل حكمنا بفساد الرهن والثاني أنه يباع في الدين وهو الصحيح لأنا حكمنا بصحة الرهن ومن حكم الرهن أنه يباع في الدين وما سوى ذلك من الأموال كالعقار والحيوان وسائر ما يباع يجوز رهنه لأنه يحصل به مقصود الرهن وما جاز رهنه جاز رهن البعض منه مشاعاً لأن المشاع كالمقسوم في جواز البيع فكان كالمقسوم في جواز الرهن فإن كان بين رجلين دار فرهن أحدهما نصيبه من بيت بغير إذن شريكه ففيه وجهان: أحدهما يصح كما يصح بيعه والثاني لا يصح لأن فيه إضراراً بالشريك بأن يقتسما فيقع هذا البيت في حصته فيكون بعضه رهناً.

(2/91)


فصل: ولا يجوز رهن مال الغير بغير إذنه لأنه لا يقدر على تسليمه ولا على بيعه في الدين فلم يجز رهنه كالطير الطائر والعبد الآبق فإن كان في يده مال لمن يرثه وهو يظن أنه حي فباعه أو رهنه ثم بان أنه قد مات قبل العقد فالمنصوص أن العقد باطل لأنه عقد وهو لاعب فلم يصح ومن أصحابنا من قال: يصح لأنه صادف ملكه فأشبه إذا عقد وهو يعلم أنه ميت.
فصل: وإن رهن مبيعاً لم يقبضه نظرت فإن رهنه قبل أن ينقد ثمنه لم يصح الرهن لأنه محبوس بالثمن فلا يملك رهنه كالمرهون فإن رهنه بعد نقد الثمن ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه عقد يفتقر إلى القبض فلم يصح في المبيع قبل القبض كالبيع والثاني يصح وهو المذهب لأن الرهن لا يقتضي الضمان فجاز فيما لم يدخل في ضمانه بخلاف البيع.
فصل: وفي رهن الدين وجهان: أحدهما يجوز لأنه يجوز بيعه فجاز رهنه كالعين والثاني لا يجوز لأنه لا يدري هل يعطيه أم لا وذلك غرر من غير حاجة فمنع صحة العقد.
فصل: ولا يجوز رهن المرهون من غير إذن المرتهن لأن ما استحق بعقد لازم لا يجوز أن يعقد عليه مثله من غير إذن من له الحق كبيع ما باعه وإجارة ما أجره وهل يجوز رهنه بدين آخر عند المرتهن فيه قولان: قال في القديم يجوز وهو اختيار المزني لأنه إذا جاز أن يكون مرهوناً بألف ثم يصير مرهوناً بخمسمائة جاز أن يكون مرهوناً بخمسمائة ثم يصير مرهوناً بألف وقال في الجديد لا يجوز لأنه رهن مستحق بدين فلا يجوز رهنه بغيره كما لو رهنه عند غير المرتهن فإن جنى العبد المرهون ففداه المرتهن وشرط على الرهن أن يكون رهناً بالدين والأرش ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو على القولين ومنهم من قال: يصح ذلك قولاً واحداً والفرق بين الأرش وبين سائر الديون أن الأرش متعلق بالرقبة فإذا رهنه به فقد علق بالرقبة ما كان متعلقاً بها وغيره لم يكن متعلقاً بالرقبة فلم يجز رهنه به ولأن في الرهن بالأرش مصلحة للراهن في حفظ ماله وللمرتهن في حفظ وثيقته وليس في رهنه بدين آخر مصلحة ويجوز للمصلحة ما لا يجوز لغيرها والدليل عليه أنه يجوز أن يفتدي للعبد بقيمته في الجناية ليبقى عليه وإن كان لا يجوز أن يشتري ماله بماله.
فصل: وفي رهن العبد الجاني قولان واختلف أصحابنا في موضع القولين على ثلاث طرق: فمنهم من قال القولان في العمد فأما في جناية الخطأ فلا يجوز قولاً واحداً

(2/92)


ومنهم من قال القولان في جناية الخطأ فأما في جناية العمد فيجوز قولاً واحداً ومنهم من قال القولان في الجميع وقد بينا وجوههما في البيع.
فصل: ولا يجوز رهن ما لا يقدر على تسليمه كالعبد الآبق والطير الطائر لأنه لا يمكن تسليمه ولا بيعه في الدين فلم يصح رهنه.
فصل: وما لا يجوز بيعه من المجهول لا يجوز رهنه لأن الصفات مقصودة في الرهن للوفاء بالدين كما أنها مقصودة في البيع للوفاء بلا ثمن فإذا لم يجز بيع المجهول وجب أن لا يجوز رهن المجهول.
فصل: وفي رهن الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع قولان: أحدهما لا يصح لأنه عقد لا يصح فيما لا يقدر على تسليمه فلم يجز في الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع كالبيع والثاني أنه يصح لأنه إن كان بدين حال فمقتضاه أن تؤخذ لتباع فيأمن أن تهلك بالعاهة وإن كان بدين مؤجل فتلفت الثمرة لم يسقط دينه وإنما تبطل وثيقته والغرر في بطلان الوثيقة مع بقاء الدين قليل فجاز بخلاف البيع فإن العادة فيه أن يترك إلى أوان الجذاذ فلا يأمن أن يهلك بعاهة فيذهب الثمن ولا يحصل المبيع فيعظم الضرر فلم يجز من غير شرط القطع.
فصل: وإن كان له أصول تحمل في السنة مرة بعد أخرى كالتين والقثاء فرهن الحمل الظاهر فإن كان بدين يستحق فيه بيع الرهن قبل أن يحدث الحمل الثاني ويختلط به جاز لأنه يأمن الغرر بالاختلاط وإن كان بدين لا يستحق البيع فيه إلا بعد حدوث الحمل الثاني واختلاطه به نظرت فإن شرط أنه إذا خيف الاختلاط قطعه جاز لأنه منع الغرر بشرط القطع وإن لم يشترط القطع ففيه قولان: أحدهما أن العقد باطل لأنه يختلط بالمرهون غيره فلا يمكن إمضاء العقد على مقتضاه والثاني أنه صحيح لأنه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك ثمرته للمرتهن أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه ويأخذ ما زاد فإذا أمكن إمضاء العقد لم يحكم ببطلانه.
فصل: ويجوز أن يرهن الجارية دون ولدها لأن الرهن لا يزيل الملك فلا يؤدي إلى التفريق بينهما فإن حل الدين ولم يقبضه بيعت الأم والولد ويقسم الثمن عليهما فما قابل الأم تعلق به حق المرتهن في قضاء دينه وما قابل الولد يكون للراهن لا يتعلق به حق المرتهن.
فصل: وفي جواز رهن المصحف وكتب الأحاديث والعبد المسلم عند الكافر طريقان: قال أبو إسحاق والقاضي أبو حامد: فيه قولان كالبيع أحدهما يبطل والثاني

(2/93)


يصح ويجبر على تركه في يد مسلم وقال أبو علي الطبري في الإفصاح يصبح الرهن قولاً واحداً ويجبر على تركه في يد مسلم ويفارق البيع بأن البيع ينتقل فيه إلى الكافر وفي الرهن المرهون باق على ملك المسلم.
فصل: فإن شرط في الرهن شرطاً ينافي مقتضاه مثل أن يقول رهنتك على أن لا أسلمه أو على أن لا يباع في الدين أو على أن منفعته لك أو على أن ولده لك فالشرط باطل لقوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل ولو كان مائة شرط1" وهل يبطل الرهن ينظر فيه فإن كان الشرط نقصاناً في حق المرتهن كالشرطين الأولين فالعقد باطل لأنه يمنع المقصود فأبطله وإن كان زيادة في حق المرتهن كالشرطين الآخرين ففيه قولان: أحدهما يبطل الرهن وهو الصحيح لأنه شرط فاسد قارن العقد فأبطله كما لو شرط نقصاناً في حق المرتهن والثاني أنه لا يبطل لأنه شرط جميع أحكامه وزاد فبطلت الزيادة وبقي العقد بأحكامه فإذا قلنا إن الرهن يبطل فإن كان الرهن مشروطاً في بيع فهل يبطل فيه قولان: أحدهما أنه لا يبطل لأنه يجوز شرطه بعد البيع وما جاز شرطه بعد تمام العقد لم يبطل العقد بفساده كالصداق في النكاح والثاني أنه يبطل وهو الصحيح لأن الرهن يترك لأجله جزء من الثمن فإذا بطل الرهن وجب أن يضم إلى الثمن الجزء الذي ترك لأجله وذلك مجهول والمجهول إذا أضيف إلى معلوم صار الجميع مجهولاً فيصير الثمن مجهولاً والجهل بالثمن يفسد البيع.
فصل: ويجوز أن يجعل الرهن في يد المرتهن ويجوز أن يجعل في يد عدل لأن الحق لهما فجاز ما اتفقا عليه من ذلك فإن كان المرهون أمة لم توضع إلا عند امرأة وعنده محرم لها أو عند من له زوجة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخلون أحدكم بامرأة ليست له بمحرم فإن ثالثهما الشيطان2" فإن جعل الرهن على يد عدل ثم أراد أحدهما أن ينقله إلى غيره لم يكن له ذلك لأنه حصل عند العدل برضاهما فلا يجوز لأحدهما أن ينفرد بنقله فإن اتفقا على النقل إلى غيره جاز لأن الحق لهما وقد رضيا فإن مات العدل أو اختل فاختلف الراهن والمرتهن فيمن يكون عنده أو مات المرتهن أو اختل والرهن عنده فاختلف الراهن ومن ينظر في مال المرتهن فيمن يكون الرهن عنده رفع الأمر إلى الحاكم فيجعله عند
__________
1 رواه البخاري في كتاب الشروط باب17، 10. النسائي في كتاب الطلاق باب 31. أحمد في مسنده "6/183".
2 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 111، 112. مسلم في كتاب الحج حديث 424. الترمذي في كتاب الرضاع باب 16. أحمد في مسنده "1/222".

(2/94)


عدل فإن جعلا الرهن على يد عدلين فأراد أحد العدلين لأن يجعل الجميع في يد الآخر ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأن ما جعل إلى اثنين لم يجز أن ينفرد به أحدهما كالوصية والثاني يجوز لأن في اجتماع الاثنين على حفظه مشقة فعلى هذا اتفقا على أن يكون في يد أحدهما جاز وإن تشاحا نظرت فإن كان مما لا ينقسم جعل في حرز لهما وإن كان مما ينقسم جاز أن يقتسما فيكون عند كل واحد منهما نصفه فإن اقتسما ثم سلم أحدهما حصته إلى الآخر ففيه وجهان: أحدهما يجوز لأنه لو سلم إليه قبل القسمة جاز فكذلك بعد القسمة والثاني لا يجوز لأنهما لما اقتسما صار كل واحد منهما منفرداً بحصته فلا يجوز أن يسلم ذلك إلى غيره كما لو جعل في يد كل واحد منهما نصفه والله أعلم.

(2/95)


باب ما يدخل في الرهن وما لا يدخل وما يملكه الراهن وما لا يملكه
ما يحدث في عين الرهن من النماء المتميز كالشجر والثمر واللبن والولد والصوف والشعر لا يدخل في الرهن لما روى روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن الرهن من راهنه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه1" والنماء من الغنم فوجب أن يكون له وعن ابن عمر وأبي هريرة مرفوعاً الرهن مجلوب ومركوب ومعلوم أنه لم يرد أنه مجلوب مركوب للمرتهن فدل على أنه أراد به مجلوب ومركوب للراهن
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب الرهون باب 3. الموطأ في كتاب الأقضية حديث 13.

(2/95)


ولأنه عقد لا يزيل الملك فلم يسر إلى النماء المتميز كالإجارة فإن رهن نخلاً على أن ما يتميز داخل في الرهن أو ماشية على أن تنتج داخل في الرهن فالمنصوص في الأم أن الشرط باطل وقال في الأمالي القديمة لو قال قائل إن الثمرة والنتاج يكون رهناً كان مذهباً ووجهه أنه تابع للأصل فجاز أن يتبعه كأساس الدار والمذهب الأول وهذا مرجوع عنه لأنه رهن مجهول ومعدوم فلم يصح بخلاف أساس الدار فإنه موجود ولكنه شق رؤيته فعفى عن الجهل به وأما النماء الموجود في حال العقد ينظر فيه فإن كان شجراً فقد قال في الرهن لا يدخل فيه وقال في البيع يدخل واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق وقد بيناها في البيوع وإن كان ثمراً نظرت فإن كان ظاهراً كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار لم يدخل في الرهن لأنه إذا لم يدخل ذلك في البيع وهو يزيل الملك فلأن لا يدخل في الرهن وهو لا يزيل الملك أولى وإن كن ثمراً غير ظاهر كالطلع الذي لم يؤبر وما أشبهه من الثمار ففيه من أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما يدخل فيه قياساً على البيع والثاني لا يدخل فيه وهو الصحيح لأنه لما لم يدخل فيه ما يحدث بعد العقد لم يدخل الموجود حال العقد ومنهم من قال لا يدخل فيه قولاً واحداً ويخالف البيع فإن في البيع ما يحدث بعد العقد ملك للمشتري والحادث بعد العقد لا حق للمرتهن فيه ولأن البيع يزيل الملك فيدخل فيه النماء والرهن لا يزيل الملك فلم يدخل فيه واختلف أصحابنا في ورق التوت والآس وأغصان الخلاف فمنهم من قال: هو كالورق والأغصان من سائر الأشجار فيدخل في الرهن ومنهم من قال: إنها كالثمار من سائر الأشجار فيكون حكمها حكم الثمار وإن كان النماء صوفاً أو لبناً فالمنصوص أنه لا يدخل في العقد وقال الربيع في الصوف قول آخر إنه يدخل فمن أصحابنا من قال فيه قولان ومنهم من قال لا يدخل قولاً واحداً وما قاله الربيع من تخريجه.
فصل: ويملك الراهن التصرف في منافع الرهن على وجه لا ضرر فيه على المرتهن كخدمة العبد وسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الأرض لقوله صلى الله عليه وسلم: "الرهن مجلوب ومركوب" ولأنه لم يدخل في العقد ولا يضر بالمعقود له فبقي على ملكه وتصرفه كخدمة الأمة المزوجة ووطء الأمة المستأجرة وله أن يستوفي ذلك بالإجارة والإعارة وهل له أن يستوفي ذلك بنفسه؟ قال في الأم: له ذلك وقال في الرهن الصغير: لا يجوز فمن أصحابنا من قال: فيه قولان: أحدهما لا يجوز لأنه لا يأمن أن يجحد فيبطل حق المرتهن والثاني يجوز وهو الصحيح لأن كل منفعة جاز أن يستوفيها بغيره جاز أن

(2/96)


يستوفيها بنفسه كمنفعة غير المرهون ودليل القول الأول يبطل به إذا أكراه من غيره فإنه لا يؤمن أن يجحد ثم يجوز ومنهم من قال إن كان الراهن ثقة جاز لأنه يؤمن أن يجحد وإن كان غير ثقة لم يجز لأنه لا يؤمن أن يجحد وحمل القولين على هذين الحالين.
فصل: وأما ما فيه ضرر بالمرتهن فإنه لا يملك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار1" فإن كان المرهون مما ينقل فأراد أن ينتفع به في السفر أو يكريه ممن يسافر به لم يجز لأن أمن السفر لا يوثق به فلا يؤمن أن يؤخذ فيد فيدخل على المرتهن الضرر وإن كان ثواباً لم يملك لبسه لأنه ينقص قيمته وإن كان أمة لم يملك تزويجها لأنه ينقص قيمتها وهل يجوز وطؤها ينظر فإن كانت مما تحبل لم يجز وطؤها لأنه لا يؤمن أن تحبل فتنقص قيمتها وتبطل الوثيقة باستيلادها وإن كانت مما لا تحبل لصغر أو لكبر ففيه وجهان: قال أبو إسحاق: يجوز وطؤها لأنا قد أمنا الضرر بالإحبال وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يجوز لأن السن الذي لا تحبل فيه لا يتميز عن السن الذي تحبل فيه مع اختلاف الطباع فمنع من الجميع كما قلنا في شرب الخمر لما لم يتميز ما يسكر مما لا يسكر مع اختلاف الطباع في السكر حرم الجميع فإذا منعنا من الوطء منعنا من الاستخدام لأنه لا يؤمن أن يطأها وإذا لم يمنع من الوطء جاز الاستخدام فإن كان أرضاً فأراد أن يغرس فيها أو يبني لم يجز لأنه يراد للبقاء وينقص به قيمة الأرض عند القضاء فإذا خالف وغرس أو بنى والدين مؤجل لم يقلع في الحال لأنه يجوز أن يقضي الدين من غير الأرض وربما لم تنقص قيمة الأرض مع الغراس والبناء عن الدين فلا يجوز الإضرار بالراهن في الحال لضرر متوهم في ثاني الحال فإن حل الدين ولم يقض وعجزت قيمة الأرض مع الغراس والبناء على قدر الدين قلع فإن أراد أن يزرع ما يضر بالأرض لم يجز وإن لم يضر بالأرض نظرت فإن كان مما يحصد قبل محل الدين جاز وإن كان لا يحصد إلا بعد محل الدين ففيه قولان: أحدهما لا يجوز لأنه ينقص قيمة الأرض فيستضر به المرتهن والثاني يجوز لأنه ربما قضاه الدين من غير الأرض وربما وفت قيمة الأرض مع الزرع بالدين فلا يمنع منه في الحال وإن أراد أن يؤجر إلى مدة يحل الدين قبل انقضائها لم يجز له لأنه ينقص قيمة الأرض وقال أبو علي الطبري رحمه الله: فيها قولان كزراعة ما لا يحصد قبل محل الدين وإن كان فحلاً وأراد أن ينزيه
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 17. الموطأ في كتاب الأفضية حديث 31. أحمد في مسنده "5/327".

(2/97)


على الإناث جاز لأنه انتفاع لا ضرر فيه على المرتهن فلم يمنع منه كالركوب فإن كان أنثى أراد أن ينزي عليها الفحل نظرت فإن كانت تلد قبل محل الدين جاز لأنه لا ضرر على المرتهن وإن كان الدين يحل قبل ولادتها وقبل ظهور الحمل بها جاز لأنه يمكن بيعها وإن كان يحل بعد ظهور الحمل فإن قلنا إن الحمل لا حكم له جاز لأنه يباع معها وإن قلنا له حكم لم يجز لأنه خارج من الرهن فلا يمكن بيعه مع الأم ولا يمكن بيع الأم دونه فلم يجز.
فصل: ويملك الراهن التصرف في عين الرهن بما لا ضرر فيه على المرتهن كودج الدابة وتبزيغها وفصد العبد وحجامته لأنه إصلاح مال من غير إضرار بالمرتهن وإن أراد أن يختن العبد فإن كان كبيراً لم يجز لأنه يخاف منه عليه وإن كان صغيراً نظرت فإن كان في وقت يندمل الجرح فيه قبل حلول الدين جاز وإن كان في وقت يحل الدين قبل اندماله جرحه لم يجز لأنه ينقص ثمنه وإن كانت به أكلة يخاف من تركها ولا يخاف من قطعها جاز أن يقطع وإن كان يخاف من تركها ويخاف من قطعها لم يجز قطعها لأنه جرح يخاف عليه منه فلم يجز كما لو أراد أن يجرحه من غير أكلة وإن كانت ماشية فأراد أن يخرج منها في طلب الكلأ فإن كان الموضع مخصباً لم يجز له ذلك لأنه يغرر به من غير حاجة وإن كان الموضع مجدباً جاز له لأنه موضع ضرورة وإن اختلفا في موضع النجعة فاختار الراهن جهة واختار المرتهن أخرى قدم اختيار الراهن لأنه يملك العين والمنفعة وليس للمرتهن إلا حق الوثيقة فكان تقديم اختياره أولى وإن كان الرهن عبداً فأراد تدبيره جاز لأنه يمكن بيعه في الدين فإن دبره وحل الدين فإن كان له مال غيره لم يكلف بيع المدبر وإن لم يكن له مال غيره بيع منه بقدر الدين وبقي الباقي على التدبير وإن استغرق الدين جميعه بيع الجميع.

(2/98)


فصل: ولا يملك التصرف في العين بما فيه ضرر على المرتهن لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا إضرار1" فإن باعه أو وهبه أو جعله مهرا في نكاح أو أجرة في إجارة أو كان عبداً فكاتبه لم يصح لأنه تصرف لا يسري إلى ملك الغير يبطل به حق المرتهن من الوثيقة فلم يصح من الراهن بنفسه كالفسخ وإن أعتقه ففيه ثلاثة أقوال: أحدها يصح لأنه عقد لا يزيل الملك فلم يمنع صحة العتق كالإجارة والثاني أنه لا يصح لأنه قول يبطل الوثيقة من عين الرهن فلم يصح من الراهن بنفسه كالبيع والثالث وهو الصحيح أنه إن كان موسراً صح وإن كان معسراً لم يصح لأنه عتق في ملكه يبطل به حق غيره فاختلف فيه الموسر والمعسر كالعتق في العبد المشترك بينه وبين غيره فإن قلنا إن العتق يصح فإن كان موسراً أخذت منه القيمة وجعلت رهناً مكانه لأنه أتلف رقه فلزمه ضمانه كما لو قتله وتعتق قيمته وقت الإعتاق لأنه حال الإتلاف ويعتق بنفس اللفظ ومن أصحابنا من قال في وقت العتق ثلاثة أقوال: أحدها بنفس اللفظ والثاني بدفع القيمة والثالث موقوف فإن دفع القيمة حكمنا أنه عتق من حين الإعتاق وإن لم يدفع حكمنا أنه لم يعتق في حال الإعتاق كما قلنا فيمن أعتق شركاً له في عبد أنه يسري وفي وقت السراية ثلاثة أقوال وهذا خطأ لأنه لو كان كالعتق في العبد المشترك لوجب أن لا يصح العتق من المعسر كما لا يسري العتق بإعتاق المعسر في العبد المشترك وإن كان معسراً وجبت عليه القيمة في ذمته فإن أيسر قبل محل الدين طولب بها لتكون رهناً مكانه وإن أيسر في محل الدين طولب بقضاء الدين وإن قلنا إن الحق لا يصح ففكه أو بيع في الدين ثم ملكه لم يعتق عليه ومن أصحابنا من قال يعتق لأنه إنما لم يعتق في الحال الحق المرتهن وقد زال حق المرتهن فنفذ العتق كما لو أحبلها ثم فكها أو بيعت ثم ملكها والمذهب الأول لأنه عتق لم ينفذ في الحال فلم ينفذ بعد ذلك كما لو أعتق المحجور عليه عبده ثم فك عنه
__________
1 المصدر السابق.

(2/99)


الحجر ويخالف الإحبال فإنه فعل وحكم الفعل أقوى من حكم القول ولهذا لو أحبل المجنون جاريته نفذ إحباله وثبت له حق الحرية ولو أعتقها لم يصح وإن قلنا إنه يصح العتق إن كان موسراً ولا يصح إذا كان معسراً فقد بينا حكم الموسر والمعسر وإن كان المرهون جارية فأحبلها فهل ينفذ إحباله أم لا على الأقوال الثلاثة وقد بينا وجوهها في العتق فإن قلنا إنه ينفذ فالحكم فيه كالحكم في العتق وإن قلنا إنه لا ينفذ إحباله صارت أم الولد في حق الراهن لأنه علقت بحر في ملكه وإنما لم ينفذ لحق المرتهن فإن حل الدين وهي حامل لم يجز بيعها لأنها حامل بحر وإن ماتت من الولادة لزمه قيمتها لأنها هلكت بسبب من جهته وفي القيمة التي تجب ثلاثة أوجه: أحدها تجب قيمتها وقت الوطء لأنه وقت سبب التلف فاعتبرت القيمة فيه كما لو جرحها وبقيت ضنيئة إلى أن ماتت والثاني تجب قيمتها أكثر مما كانت من حين الوطء إلى حين التلف كما قلنا فيمن غصب جارية وأقامت في يده ثم ماتت والثالث أنه تجب قيمتها وقت الموت لأن التلف حصل بالموت والمذهب الأول وما قال الثاني لا يصح لأن الغصب موجود من حين الأخذ إلى حين التلف والوطء غير موجود من حين الوطء إلى حين التلف وما قال الثالث يبطل به إذا جرحها ثم ماتت فإن التلف حصل بالموت ثم تجب القيمة وقت الجراحة وإن ولدت نظرت فإن نقصت بالولادة وجب عليه أرش ما نقص وإن حل الدين ولم يقضمه فإن أمكن أن يقضي الدين بثمن بعضها بيع منها بقدر ما يقضي به الدين إن فكها من المرهن أو بيعت وعادت إليه ببيع أو غيره صارت أم ولد له وقال المزني لا تصير كما لا تعتق إذا أعتقها ثم فكها أو ملكها وقد بينا الفرق بين الإعتاق والإحبال فأغنى عن الإعادة.
فصل: وإن وقف المرهون ففيه وجهان: أحدهما أنه كالعتق لأنه حق الله تعالى لا يصح إسقاطه بعد ثبوته فصار كالعتق والثاني أنه لا يصح لأنه تصرف لا يسري إلى ملك الغير فلا يصح البيع كالبيع والهبة.
فصل: وما منع منه الراهن لحق المرتهن كالوطء والتزويج وغيرهما إذا أذن فيه جاز له فعله لأن المنع لحقه فزال بإذنه وما يبطل لحقه كالبيع والعتق وغيرهما إذا فعله بإذنه صح لأن بطلانه لحقه فصح بإذنه فإن أذن البيع أو العتق ثم رجع قبل أن يبيع أو قبل أن يعتق لم يجز البيع والعتق لأنه بالرجوع سقط الإذن فصار كما لو لم يأذن فإن لم يعلم بالرجوع فباع أو أعتق ففيه وجهان: أحدهما أنه يسقط ويصير كما إذا باع أو أعتق بغير الإذن والثاني أنه لا يسقط الإذن بناء على القولين في الوكيل إذا عزله الموكل ولم يعلم حتى تصرف.

(2/100)


فصل: وإن أذن له في العتق فأعتق أو في الهبة فوهب وأقبض بطل الرهن لأنه تصرف ينافي مقتضى الوثيقة فعله بإذنه فبطلت به الوثيقة فإن أذن له في البيع لم يخل إما أن يكون في دين حال أو في دين مؤجل فإن كان في دين حال تعلق حق المرتهن بالثمن ووجب قضاء الدين منه لأن مقتضى الرهن بيعه واستيفاء الحق منه وإن كان في دين مؤجل نظرت فإنكان الإذن مطلقاً فباع بطل الرهن وسقط حقه من الوثيقة لأنه تصرف في عين الرهن لا يستحق المرتهن فعله بإذنه فبطل به الرهن كما لو أعتقه بإذنه وإن أذن له في البيع بشرط أن يكون الثمن رهناً ففيه قولان: قال في الإملاء يصح ووجهه أنه لو أذن له في بيعه بعد المحل بشرط أن يكون ثمنه رهناً إلى أن يوفيه جاز وقال في الأم: لا يصح لأن ما يباع به من الثمن مجهول ورهن المجهول لا يصح فإذا بطل الشرط بطل البيع لأنه إنما أذن في البيع بهذا الشرط ولم يثبت الشرط فلم يصح البيع وإن أذن له في البيع بشرط أن يعجل الدين فباع لم يصح البيع وقال المزني يبطل الشرط ويصح العقد لأنه شرط فاسد سبق البيع فلم يمنع صحته كما لو قال لرجل بع هذه السلعة ولك عشر ثمنها وهذا خطأ لأنه إنما أذن له بشرط أن يعجل الدين لم يسلم له فإذا لم يسلم له الشرط بطل الإذن فيصير البيع بغير إذن ويخالف مسألة الوكيل فإن هناك لم يجعل العوض في مقابلة الإذن وإنما جعله في مقابلة البيع وههنا جعل تعجيل الدين في مقابلة الإذن فإذا بطل التعجيل بطل الإذن والبيع بغير إذن المرتهن باطل وحكي عن أبي إسحاق أنه قال: في هذه المسألة قول آخر أنه يصح البيع ويكون ثمنه رهناً كما لو أذن له في البيع بشرط أن يكون ثمنه رهناً.
فصل: وما يحتاج إليه الرهن من نفقة وكسوة وعلف وغيرها فهو على الراهن لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهوناً وعلى الذي يركب ويشرب نفقته1" والذي يركب ويشرب هو الراهن فوجب أن تكون النفقة عليه ولأن الرقبة والمنفعة على ملكه فكانت النفقة عليه وإن احتاج إلى شرب دواء أو فتح عرق فامتنع لم يجبر عليه لأن الشفاء بيد الله تعالى وقد يجيء من غير فصد ولا دواء ويخالف النفقة فإنه لا يبقى دونها فلزمه القيام بها.
فصل: وإن جنى العبد المرهون لم يخل إما أن يجني على الأجنبي أو على المولى
__________
1 رواه البخاري في كتاب الرهن باب 4. أبو داود في كتاب البيوع باب 76. الترمذي في كتاب البيوع باب 31. ابن ماجة في كتاب الرهون باب 2. أحمد في مسنده "2/472".

(2/101)


أو على مملوك للمولى فإن كانت الجناية على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته ويقدم على حق المرتهن لأن حق المجني عليه يقدم على حق المالك فلأن يقدم على حق المرتهن أولى ولأن حق المجني عليه يختص بالعين فلو قدمنا حق المرتهن عليه أسقطنا حقه وحق المرتهن يتعلق بالعين والذمة فإذا قدمنا حق المجني عليه لم يسقط حقه فوجب تقديم حق المجني عليه فإن سقط حق المجني عليه بالعفو أو الفداء بقي حق المرتهن لأن حق المجني عليه لم يبطل الرهن وإنما قدم عليه حق المجني عليه لقوته فإذا سقط حق المجني عليه بقي المرتهن وإن لم يسقط حق المجني عليه نظرت فإن كان قصاصاً في النفس اقتص له وبطل الرهن وإن كان في الطرف اقتص له وبقي الرهن في الباقي وإن كان مالاً وأمكن أن يوفي ببيع بعضه بيع منه ما يقضي به حقه وإن لم يمكن إلا ببيع جميعه بيع فإن فضل عن حق المجني عليه شيء من ثمنه تعلق به حق المرتهن وإن كانت الجناية على المولى نظرت فإن كان فيما دون النفس اقتص منه إن كان عمداً وإن كان خطأً أو عمداً فعفى عنه على مال لم يثبت له المال وقال أبو العباس: فيه قول آخر أنه يثبت له المال ويستفيد به بيعه وبطل حق المرتهن من الرهن ووجهه أنه من ثبت له القصاص في العمد ثبت له المال في الخطأ كالأجنبي والصحيح هو الأول لأن المولى لا يثبت له المال على عبده ولهذا لو أتلف له مالاً لم يستحق عليه بدله ووجه الأول يبطل بغير المرهون فإنه يجب له القصاص في العمد ولا يجب له المال في الخطأ وإن كانت الجناية على النفس وإن كانت عمداً ثبت للوارث القصاص فإن اقتص بطل الرهن وإن كانت خطأ أو عمدا وعفى على مال ففيه قولان: أحدهما لا يثبت له المال لأن الوارث قائم مقام المولى والمولى لا يثبت له في رقبة العبد مال فلا يثبت لمن يقوم مقامه والثاني أنه يثبت له لأنه يأخذ المال عن جناية حصلت وهو في غير ملكه فصار كمن جنى على من يملكه المولى وإن كانت الجناية على مملوك للمولى فإن كانت على مملوك غير مرهون فإن كانت الجناية عمداً فللمولى أن يقتص منه وإن كانت خطأ أو عمداً وعفا على مال لم يجز لأن المولى لا يستحق على عبده مالاً وإن كانت الجناية على مملوك مرهون عند مرتهن آخر فإن كانت الجناية عمداً فللمولى أن يقتص منه فإن اقتص بطل الرهن وإن كانت خطأ أو عمدا وعفا على مال ثبت المال لحق المرتهن الذي عنده المجني عليه لأنه لو قتله المولى لزمه ضمانه فإذا قتله عبده تعلق بالضمان برقبته فإن كانت قيمته أكثر من قيمة المقتول وأمكن أن يقضي أرش الجناية ببيع بضعه منه ما يقضي به أرش الجناية ويكون الباقي رهناً فإن لم يمكن إلا ببيع

(2/102)


جميعه وبيع ما فضل من ثمنه يكون رهناً فإن كانت قيمته مثل قيمة المقتول أو أقل منه ففيه وجهان: أحدهما أن ينقل القاتل إلى مرتهن المقتول ليكون رهناً مكانه لأنه لا فائدة في بيعه والثاني أنه يباع لأنه ربما رغب فيه من يشتريه بأكثر من قيمته فيحصل عند كل واحد من المرتهنين وثيقة بدينه وإن كانت الجناية على مرهون عند المرتهن الذي عنده القاتل فإن كانت عمداً فاقتص منه بطل الرهن وإن كانت خطأ أو عمدا وعفى عنه على مال نظرت فإن اتفق الدينان في المقدار والحلول والتأجيل واتفقت قيمة العبدين ترك على حاله لأنه لا فائدة في بيعه وإن كان الدين الذي رهن به المقتول حالاً والدين الذي رهن به القاتل مؤجلاً بيع لأن في بيعه فائدة وهو أن يقضي الدين الحال فإن اختلف الدينان واتفقت القيمتان نظرت فإن كان الدين الذي ارتهن به القاتل أكثر لم يبع لأنه مرهون بقدر فإذا بيع صار مرهوناً ببعضه وإن كان الدين الذي ارتهن به القاتل أقل نقل فإن في نقله فائدة وهو أن يصير مرهوناً بأكثر من الدين الذي هو مرهون به وهل يباع وينقل ثمنه أو ينقل بنفسه فيه وجهان وقد مضى توجيههما وإن اتفق الدينان بأن كان كل واحد منهما مائة واختلف القيمتان نظر فيه فإن كانت قيمة المقتول أكثر لم يبع لأنه إذا ترك كان رهناً بمائة وإذا بيع كان ثمنه رهناً بمائة فلا يكون في بيعه فائدة وإن كانت قيمة القاتل أكثر بيع منه بقدر قيمة المقتول ويكون رهناً بالحق الذي كان المقتول رهناً به وباقيه على ما كان.
فصل: فإن جنى العبد المرهون بإذن المولى نظرت فإن كان بالغاً عاقلاً فحكمه ما لو جنى بغير إذنه في القصاص والأرش على ما بيناه ولا يلحق السيد بالإذن أو الإثم فإنه يأثم لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أعان على قتل مسلم ولو بشرط كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله" فإن كان غير بالغ نظرت فإن كان مميزاً يعرف أن طاعة المولى لا تجوز في القتل كان كالبالغ في جميع ما ذكرناه إلا في القصاص فإن القصاص لا يجب على الصبي وإن كان صغيراً لا يميز أو أعجمياً لا يعرف أن طاعة المولى لا تجوز في القتل لم تتعلق الجناية برقبته بل يتعلق حكم الجناية بالمولى فإن كان موسراً أخذ منه الأرش وإن كان معسراً فقد قال الشافعي رحمه الله: يباع العبد في أرش الجناية فمن أصحابنا من حمله على ظاهره وقال يباع لأنه قد باشر الجناية فبيع فيها ومنهم من قال لا يباع لأن القاتل في الحقيقة هو المولى وإنما هو آلة كالسيف وغيره وحمل قول الشافعي رحمه الله على أنه أراد إذا ثبت بالبينة أنه قتله فقال المولى أنا أمرته

(2/103)


فقال يؤخذ منه الأرش إن كان موسراً بحكم إقراره وإن كان معسراً بيع العبد بظاهر البينة والله أعلم.
فصل: وإن جنى على العبد المرهون فالخصم في الجناية هو الراهن لأنه هو المالك للعبد ولما يجب من بدله ادعى على رجل أنه جنى عليه فأنكره ولم تكن بينة فالقول قول المدعي عليه مع يمينه فإن نكل عن اليمين ردت اليمين على الراهن فإن نكل فهل ترد اليمين على المرتهن فيه قولان بناء على القولين في المفلس إذا ردت عليه اليمين فنكل فهل ترد على الغريم فيه قولان: أحدهما لا ترد لأنه غير مدع والثاني ترد لأنه ثبت له حق فيما يثبت باليمين فهو كالمالك فإن أقر المدعي عليه أو قامت البينة عليه أو نكل وحلف الراهن أو المرتهن على أحد القولين فإن كانت الجناية موجبة للقود فالراهن بالخيار بين أن يقتص وبين أن يعفو فإن اقتص بطل الرهن وإن قال لا أقتص ولاأعفو ففيه وجهان: قال أبو علي بن أبي هريرة: للمرتهن إجباره على اختيار القصاص أو أخذ المال لأن له حقاً في بدله فجاز له إجباره على تعيينه وقال أبو القاسم الداركي: إن قلنا إن الواجب بقتل العمد هو القود لم يملك إجباره لأنه إذا ملك إسقاط القصاص فلأن يملك تأخيره أولى وإن قلنا أن الواجب أحد الأمرين أجبر على التعيين لأن له حقاً هو القصاص وللمرتهن حقاً هو المال فلزمه التعيين وإن عفى على مال أو كانت الجناية خطأ وجب الأرش وتعلق حق المرتهن به لأن الأرش بدل عن المرهون فتعلق حق المرتهن به وإن أسقط المرتهن حقه من الوثيقة سقط لأنه لو كان الرهن باقياً فأسقط حقه منه سقط فكذلك إذا أسقط من بدله فإن أبرأ المرتهن الجاني من الأرش لم يصح إبراؤه لأنه لا يملكه فلا ينفذ إبراؤه فيه كما لو كان الراهن باقياً فوهبه وهل يبطل بهذا الإبراء حقه من الوثيقة فيه وجهان: أحدهما يبطل لأن إبراءه تضمن إبطال حقه من الوثيقة فإذا سقط الإبراء بقي ما تضمنه من إبطال الوثيقة والثاني لا يبطل لأن الذي أبطله هو الإبراء والإبراء لم يصح فلم يبطل ما نضمنه فإن أبرأه الراهن من الأرش لم يصح إبراؤه لأنه يبطل حق المرتهن من الوثيقة من غير رضاه فلم يصح كما لوكان الرهن باقياً فأراد أن يهبه فإن أبرأه ثم قضى دين المرتهن أو أبرأه المرتهن منه فهل ينفذ إبراء الراهن للجاني من الأرش فيه وجهان: أحدهما ينفذ لأن المنع منه لحق المرتهن وقد زال حق المرتهن فينفذ إبراء الراهن والثاني أنه لا ينفذ لأنا حكمنا ببطلانه فلا يجوز أن يحكم بصحته بعد الحكم ببطلانه كما لو وهب مال غيره ثم ملكه وإن أراد أن يصالحه عن الأرش على حيوان أو غيره من غير رضا المرتهن لم يجز لأن حق المرتهن يتعلق بالقيمة فلا يجوز إسقاطه إلى بدل من غير رضاه كما لو كان الراهن باقياً فأراد أن يبيعه من غير رضاه فإن

(2/104)


رضي المرتهن بالصلح فصالح على حيوان تعلق به حق المرتهن وسلم إلى من كان عنده الرهن ليكون رهناً مكانه فإن كان مما له منفعة انفرد الراهن بمنفعته وإن كان له نماء انفرد بنمائه كما كان ينفرد بمنفعة أصل الرهن ونمائه فإن كان المرهون جارية فجنى عليها فأسقطت جنيناً ميتاً وجب عليه عشر قيمة الأم ويكون خارجاً من الرهن لأنه بدل عن الولد والولد خارج من الرهن فكان بدله خارجاً منه وإن كانت بهيمة فألقت جنيناً ميتاً وجب عليه ما نقص من قيمة الأم ويكون رهناً لأنه بدل عن جزء من المرهون فإن ألقته حياً ثم مات ففيه قولان: أحدهما يجب عليه قيمة الولد حياً لأنه يمكن تقويمه فيكون للراهن فإن عفى عنه صح عفوه والثاني يجب عليه أكثر الأمرين من قيمته حياً أو ما نقص من قيمة الأم فإن كان قيمته حياً أكثر وجب ذلك للراهن وصح عفوه عنه وإن كان ما نقص من قيمة الأم أكثر كان رهناً.
فصل: وإن جنى على العبد المرهون ولم يعرف الجاني فأقر رجل أنه هو الجاني فإن صدقه الراهن دون المرتهن كان الأرش له ولا حق للمرتهن فيه وإن صدقه المرتهن دون الراهن كان الأرش رهناً عنده فإن لم يقضه الراهن الدين استوفى من المرتهن حقه من الأرش فإن قضاه الدين أو أبرأه منه المرتهن رد الأرش إلى المقر.
فصل: فإن كان المرهون عصيراً صار في يد المرتهن خمراً زال ملك الراهن عنه وبطل الرهن لأنه صار محرماً لا يجوز التصرف فيه فزال الملك وبطل الرهن كالحيوان إذا مات فإن تخللت عاد الملك فيه لأنه عاد مباحاً يجوز التصرف فيه فعاد الملك فيه كجلد الميتة إذا دبغ ويعود رهناً لأنه عاد إلى الملك السابق وقد كان في الملك السابق رهناً فعاد رهناً فإن كان المرهون حيواناً فمات وأخذ الراهن جلده ودبغه فهل يعود الرهن؟ فيه وجهان: قال أبوعلي ابن خيران: يعود كما لو رهنه عصيراً فصار خمراً ثم صار خلاً وقال أبو إسحاق: لا يعود الرهن لأنه عاد الملك فيه بمعالجة وأمر أحدثه فلم يعد رهناً بخلاف الخمر فإنها صارت خلاً بغير معنى من جهته.
فصل: وإن تلف الرهن في يد المرتهن من غير تفريط تلف من ضمان الراهن ولا يسقط من دينه شيء لما روى سعيد بن المسيب رضي الله عنه قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يغلق الرهن ممن رهنه ولأنه وثيقة بدين ليس يعوض منه فلم يسقط الدين بهلاكه كالضامن فإن عصب عيناً ورهنها بدين ولم يعلم المرتهن وهلكت عنده من غير تفريط فهل يجوز للمالك أن يغرمه؟ فيه وجهان: أحدهما لا يغرمه لأنه دخل على الأمانة والثاني له أن يغرمه لأنه أخذه من يد ضامنة فإن قلنا إنه يغرمه فغرمه فهل يرجع بما غرم

(2/105)


على الراهن فيه وجهان: أحدهما يرجع لأنه غره والثاني لا يرجع لأنه حصل التلف في يده فاستقر الضمان عليه فإن بدأ وغرم الراهن فإن قلنا إن المرتهن إذا غرم رجع على الراهن لم يرجع الراهن على المرتهن بما غرمه وإن قلنا إن المرتهن إذا غرم لا يرجع على الراهن رجع عليه الراهن بما غرمه فإن رهن عند رجل عيناً وقال رهنتك هذا إلى شهر فإن لم أعطك مالك فهو لك بالدين فالرهن باطل لأنه وقته والبيع باطل لأنه علقه على شرط فإن ملك العين قبل الشهر لم يضمن لأنه مقبوض بحكم الرهن فلم يضمنه كالمقبوض عن رهن صحيح وإن هلك بعد الشهر ضمنه لأنه مقبوض بحكم البيع فضمنه كالمقبوض عن بيع صحيح.

(2/106)


باب اختلاف المتراهنين
إذا اختلف المتراهنان فقال الراهن ما رهنتك وقال المرتهن رهنتني فالقول قول الراهن مع يمينه لأن الأصل عدم العقد.
فصل: وإذا اختلفا في عين الرهن فقال الراهن فقال رهنتك العبد وقال المرتهن بل رهنتني الثوب فالقول قول الراهن إنه لم يرهن الثوب فإذا حلف خرج الثوب عن أن يكون رهناً بيمينه وخرج العبد عن أن يكون رهناً برد المرتهن.
فصل: وإذا اختلفا في قدر الرهن فقال الراهن رهنتك هذا العبد وقال بل رهنتني هذين العبدين فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الرهن إلا فيما أقر به ولأن كل من كان القول قوله إذا اختلفا في أصله كان القول قوله إذا اختلفا في قدره كالزوج في الطلاق فإن رهنه أرضاً وأقبضه ووجد فيه نخيل يجوز أن يكون حدث بعد الرهن ويجوز أن يكون قبله فقال الراهن حدث بعد الرهن فهو خارج من الرهن وقال المرتهن بل كان قبل الرهن ورهنتنيه مع الأرض فالقول قول الراهن قال المزني: القول قول المرتهن لأنه في يده وهذا خطأ لما ذكرناه في العبدين وقوله إنه في يده لا يصح لأن اليد إنما يقدم بها في الملك دون العقد ولهذا لو اختلفا في أصل العقد كان القول قول الراهن وإن كانت العين في يد المرتهن فإن رهن حمل شجرة تحمل حملين وحدث حمل آخر وقلنا إنه يصح العقد فاختلفا في مقدار الحمل الأول فالقول قول الراهن وقال المزني: القول قول المرتهن لأنه في يده وهذا لا يصح لأن الأصل أنه لم يدخل في العقد إلا ما أقر به وأما اليد فقد بينا أنه لا يرجح بها في العقد.
فصل: وإن اختلفا في قدر الدين فقال الراهن رهنتك هذا العبد بألف وقال المرتهن بل رهنتنيه بألفين فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الألف فإن قال رهنته

(2/106)


بألف وزادني ألفاً آخر على أن يكون رهناً بالألفين وقال المرتهن بل رهنتني بالألفين وقلنا لا تجوز الزيادة في الدين في رهن واحد ففيه وجهان: أحدهما أن القول قول الراهن لأنهما لو اختلفا في أصل العقد كان القول قوله فكذلك إذا اختلفا في صفته والثاني أن القول قول المرتهن لأنهما اتفقا على صحة الرهن والدين والراهن يدعي أن ذلك كان في عقد آخر والأصل عدمه فكان القول قول المرتهن فإن بعث عبده مع رجل ليرهنه عند رجل بمال ففعل ثم اختلف الراهن والمرتهن فقال الراهن أذنت له في الرهن بعشرة وقال المرتهن بل بعشرين نظرت فإن صدق الرسول الراهن حلف الرسول أنه ما رهن إلا بعشرة ولا يمين على الراهن لأنه لم يعقد وإن صدق الرسول المرتهن فالقول قول الراهن مع يمينه فإذا حلف بقي الرهن على عشرة وعلى الرسول عشرة لأنه أقر بقبضها.
فصل: قال في الأم: إذا كان في يد رجل عبد لآخر فقال رهنتنيه بألف وقال السيد بل بعتكه بألف حلف السيد أنه ما رهنه بألف لأن الأصل عدم الرهن ويحلف الذي في يده العبد أنه ما اشتراه لأن الأصل عدم الشراء ويأخذ السيد عبده فإن قال السيد رهنتكه بألف قبضتها منك قرضاً وقال الذي في يده العبد بل بعتنيه بألف قبضتها مني ثمناً حلف كل واحد منهما على نفي ما ادعى عليه لأن الأصل عدم العقد وعلى السيد الألف لأنه مقر بوجوبها فإن قال الذي في يده العبد بعتنيه بألف وقال السيد بل رهنتكه بألف حلف السيد أنه ما باعه فإذا حلف خرج العبد من يده لأن البيع قد زال والسيد معترف بأنه رهن والمرتهن ينكر ومتى أنكر المرتهن الرهن زال الرهن.
فصل: وإن اتفقا على رهن عين ثم وجدت العين في يد المرتهن فقال الراهن قبضته بغير إذني وقال المرتهن بل قبضته بإذنك فالقول قول الراهن لأن الأصل عدم الإذن ولأنهما لو اختلفا في أصل العقد والعين في يد المرتهن كان القول قول الراهن فكذلك إذا اختلفا في الإذن فإن اتفقا على الإذن فقال الراهن رجعت في الإذن قبل القبض وقال المرتهن لم ترجع حتى قبضت فالقول قول المرتهن لأن الأصل بقاء الإذن وإن اتفقا على الإذن واختلفا في القبض فقال الراهن لم تقبضه وقال المرتهن بل قبضت فإن كانت العين في يد الراهن فالقول قوله لأن الأصل عدم القبض وإن كان في يد المرتهن فالقول قوله لأنه أذن في قبضه والعين في يده فالظاهر أنه قبضه بحق فكان القول قوله وإن قال رهنته وأقبضته ثم رجع وقال ما كنت أقبضته حلفوه أنه قبض فالمنصوص أنه يحلف وقال أبو إسحاق إن قال وكيلي أقبضه وبان لي أنه لم يكن أقبضه حلف وعليه تأول النص وإن قال أنا أقبضته ثم رجع لم يحلف لأن إقراره المتقدم

(2/107)


يكذبه وقال أبو علي ابن خيران وعامة أصحابنا: إنه يحلف لأنه يمكن صدقه بأن يكون قد وعده بالقبض فأقر به ولم يكن قبض.
فصل: وإن رهن عصيراً وأقبضه ثم وجده خمراً في يد المرتهن فقال أقبضتنيه وهو خمر فلي الخيار في فسخ البيع وقال الراهن بل أقبضتكه وهو عصير فصار في يدك خمراً فلا خيار لك ففيه قولان: أحدهما أن القول قول المرتهن وهو اختيار المزني لأن الراهن يدعي قبضاً صحيحاً والأصل عدمه والثاني أن القول قول الراهن وهو الصحيح لأنهما اتفقا على العقد والقبض واختلفا في صفة يجوز حدوثها فكان القول من ينفي الصفة كما لو اختلف البائع والمشتري في عيب بعد القبض وإن اختلفا في العقد فقال المرتهن رهنتنيه وهو خمر وقال الراهن بل رهنتكهه وهو عصير فصار عندك خمراً فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أكثرهم هي على قولين وقال أبو علي ابن أبي هريرة القول قول المرتهن قولاً واحداً لأنه ينكر العقد والأصل عدمه فإن رهن عبداً فأقبضه في محمل أو ملفوفاً في ثوب ووجد ميتاً فقال المرتهن أقبضتنيه وهو ميت فلي الخيار فسخ البيع وقال الراهن أقبضتكه حياً ثم مات عندك فلا خيار لك ففيه طريقان: أحدهما وهو الصحيح أنه على القولين كالعصير والثاني وهو قول أبي علي الطبري أن القول قول المرتهن لأن هذا اختلاف في أصل القبض لأن الميت لا يصح قبضه لأنه لا يقبض إلا ظاهراً بخلاف العصير فإنه يقبض في الظرف والظاهر منه الصحة.
فصل: وإن كان لرجل عبد وعليه ألفان لرجلين لكل واحد منهما ألف فادعى كل واحد منهما أنه رهن العبد عنده بدينه والعبد في يد الراهن أو في يد العادل نظرت فإن كذبهما فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الرهن وإن صدقهما وادعى الجهل بالسابق منهما فالقول قوله مع يمينه فإذا حلف فسخ الرهن الرهن على المنصوص لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فبطل كما لو زوج امرأة وليان من رجلين وجهل السابق منهما ومن أصحابنا من قال: يجعل بينهما نصفين لأنه يجوز أن يكون مرهوناً عندهما بخلاف الزوجة وإن صدق أحدهما وكذب الآخر أو صدقهما وعين السابق منهما فالرهن للمصدق وهل يحلف؟ فيه قولان: أحدهما يحلف والثاني لا يحلف بناء على القولين فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو فهل يغرم عمرو شيئاً أم لا فيه وجهان: فإن قلنا لا يغرم لم يحلف لأنه إن نكل لم يغرم فلا فائدة في عرض اليمين وإن قلنا يغرم حلف لأنه ربما نكل فيغرم الثاني قيمته فإن قلنا لا يحلف فلا كلام وإن قلنا يحلف نظرت فإن حلف انصرف الآخر وإن نكل عرضت اليمين على الثاني فإن نكل انصرف وإن حلف

(2/108)


بنينا على القول في يمين المدعي مع نكول المدعي عليه فإن قلنا إنها كالبينة نزع العبد وسلم إلى الثاني وإن قلنا إنه كالإقرار ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه ينفسخ لأنه أقر لهما وجهل السابق منهما والثاني يجعل بينهما لأنهما استويا ويجوز أن يكون مرهوناً عندهما فجعل بينهما والثالث يقر الرهن في يد المصدق ويغرم للآخر قيمته ليكون رهناً عنده لأنه جعل كأنه أقر بأنه حال بينه وبين الرهن فلزمه ضمانه وإن كان العبد في يد أحد المرتهنين نظرت فإن كان في يد المقر له أقر في يده لأنه اجتمع له اليد والإقرار وهل يحلف للثاني على القولين فإن كان في يد الذي لم يقر له فقد حصل لأحدهما اليد وللآخر الإقرار وفيه قولان: أحدهما يقدم الإقرار لأنه يخبر عن أمر باطن والثاني يقدم اليد وهو قول المزني لأن الظاهر معه والأول أظهر لأن اليد إنما تدل على الملك لا على العقد وإن كان في يدهما فللمقر له الإقرار واليد على النصف الآخر له الإقرار وللآخر يد وفيه قولان: أحدهما يقدم الإقرار فيصير الجميع رهناً عند المقر له والثاني يقدم اليد فيكون الرهن بينهما نصفين.
فصل: وإن رهن عبداً وأقبضه ثم أقر أنه جنى قبل الرهن على رجل وصدقه المقر لن وأنكر المرتهن ففيه قولان: أحدهما أن القول قول المرتهن وهو اختيار المزني لأنه عقد إذا تم منع البيع فمنع الإقرار كالبيع والثاني أن القول قول الراهن لأنه أقر في ملكه بما لا يجر نفعاً إلى نفسه فقبل إقراره كما لو لم يكن مرهوناً ويخالف هذا إذا باعه لأنه هناك زال ملكه عن العبد فلم يقبل إقراره عليه وهذا باق على ملكه فقبل إقراره عليه فإن قلنا إن القول قول الراهن فهل يحلف؟ فيه قولان: أحدهما لا يحلف لأن اليمين إنما يعرض ليخاف فيرجع إن كان كاذباً والراهن لو رجع لم يقبل رجوعه فلا معنى لعرض اليمين ولأنه أقر في ملكه لغيره فلم يحلف عليه كالمريض إذا أقر بدين والثاني يحلف لأنه يحتمل أن يمون كاذباً بأن واطأ المقر له ليسقط بالإقرار حق المرتهن فحلف فإذا ثبت أنه رهنه وهو جان ففي رهن الجاني قولان: أحدهما أنه باطل والثاني أنه صحيح وقد بينا ذلك في أول الرهن فإن قلنا إنه باطل وجب بيعه في أرش الجناية فإن استغرق الأرش قيمته بيع الجميع وإن لم يستغرق بيع منه بقدر الأرش
وفي الباقي وجهان: أحدهما أنه مرهون لأنه إنما حكم ببطلانه لحق المجني عليه وقد زال والثاني أنه لا يكون مرهوناً لأنا حكمنا ببطلان الرهن من أصله فلا يصير مرهوناً من غير عقد وإن قلنا إنه صحيح فإن استغرق الأرش قيمته بيع الجميع وإن لم يستغرق بيع منه بقدر الأرش

(2/109)


ويكون الباقي مرهوناً فإن اختار السيد أن يفديه على هذا القول فبكم يفديه؟ فيه قولان: أحدهما يفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية والثاني يفديه بأرش الجناية بالغاً أو يسلم المبيع فإن قلنا إن القول قول المرتهن لم يقبل قوله من غير يمين لأنه لو رجع قبل رجوعه فحلف فإذا ثبت أنه غير جان فهل يغرم الراهن أرش الجناية ففيه قولان بناء على فيمن أقر بدار لزيد ثم أقر بها لعمرو: أحدهما يغرم لأنه منع بالرهن حق المجني عليه والثاني لا يغرم لأنه إن كان كاذباً فلا حق عليه وإن كان صادقاً وجب تسليم العبد فإن قلنا إنه لا يغرم فرجع إليه تعلق بالأرش برقبته كما لو أقر على رجل أنه أعتق عبده ثم ملك العبد فإنه يعتق عليه وإن قلنا يغرم فبكم يغرم؟ فيه طريقان: من أصحابنا من قال فيه قولان كالقسم قبله ومنهم من قال يغرم أقل الأمرين قولاً واحداً لأن القول الثاني إنما يجيء في الموضع الذي يمكن بيعه فيمتنع وههنا لا يمكن بيعه فصار كجناية أم الولد وإن نكل المرتهن عن اليمين فعلى من ترد اليمين؟ فيه طريقان: أحدهما ترد على الراهن وإن نكل فهل ترد على المجني عليه فيه قولان كما قلنا في غرماء الميت ومن ومن أصحابنا من قال ترد اليمين على المجني عليه أولا ًفإن نكل فهل ترد على الراهن على قولين لأنه المجني عليه يثبت الحق لنفسه وغرماء الميت يثبتون الحق للميت.
فصل: وإن أعتق الراهن العبد ثم اختلفا فقال الراهن أعتقته بإذنك وأنكر المرتهن الإذن فالقول قوله لأن الأصل عدم الإذن فإن نكل عن اليمين حلف الراهن وإن نكل الراهن فهل ترد على العبد؟ فيه طريقان: أحدهما أنه على قولين بناء على رد اليمين على غرماء الميت قال في الجديد: لا ترد لأنه غير المتراهنين فلا ترد عليه اليمين وقال في القديم: ترد لأنه يثبت لنفسه حقاً باليمين ومن أصحابنا من قال ترد اليمين على العبد قولاً واحداً لأن العبد يثبت باليمين حقاً لنفسه وهو العتق خلاف غرماء الميت.
فصل: وإن كان المرهون جارية فادعى الراهن أنه وطئها بإذن المرتهن فأتت بولد لمدة الحمل وصدقه المرتهن ثبت نسب الولد وصارت الجارية أم ولد وإن اختلفا في الإذن أو في الولد أو في مدة الحمل فأنكر المرتهن شيئاً من ذلك فالقول قوله لأن الأصل في هذه الأشياء العدم.
فصل: فإن كان عليه ألف برهن وألف بغير رهن فدفع إليه ألفاً ثم اختلفا نظرت فإن اختلفا في اللفظ فادعى المرتهن أنه قال هي عن الألف التي لا رهن بها وقال الراهن بل قلت هي عن الألف التي بها رهن فالقول قول الراهن لأنه منه ينتقل إلى المرتهن

(2/110)


فكان القول قوله في صفة النقل وإن اختلفا في النية فقال الراهن نويت أنها عن الألف التي بها الرهن وقال المرتهن بل نزيت أنها عن الألف التي لا رهن بها فالقول قول الراهن لما ذكرناه في اللفظ ولأنه أعرف بنيته وإن دفع إليه الألف من غير لفظ ولا نية ففيه وجهان: قال أبو إسحاق: يصرفه إلى ما شاء منهما كما لو طلق إحدى المرأتين وقال أبو علي بن أبي هريرة يجعل بينهما نصفين لأنهما استويا في الوجوب فصرف القضاء إليهما.
فصل: وإن أبرأ المرتهن الراهن عن الألف ثم اختلفا نظرت فإن اختلفا في اللفظ فادعى الراهن أنه قال أبرأتك عن الألف التي بها رهن وقال المرتهن بل قلت أبرأتك من الألف التي لا رهن بها فالقول قول المرتهن لأنه هو الذي يبرئ فكان القول في صفة الإبراء قوله فإن اختلفا في النية فقال الراهن نويت الإبراء عن الألف التي بها الرهن وقال المرتهن نويت الإبراء عن الألف التي لا رهن بها فالقول قول المرتهن لما ذكرناه في اللفظ ولأنه أعرف بنيته فإن أطلق صرفه إلى ما شاء منهما في قول أبي إسحاق وجعل بينهما في قول أبي علي بن أبي هريرة.
فصل: وإن ادعى المرتهن هلاك الرهن فالقول قوله مع يمينه لأنه أمين فكان القول قوله في الهلاك كالمودع وإن ادعى الرد لم يقبل قوله لأنه قبض العين لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر.
فصل: وإن كان الرهن على يد عدل قد وكل في بيعه فاختلفا في النقد الذي يبيع به باعه بنقد البلد فإن كان في البلد نقدان متساويان باع بما هو أنفع للراهن لأنه ينفع الراهن ولا يضر المرتهن فوجب به البيع فإن كانا في النفع واحداً فإن كان أحدهما من جنس الدين باع به لأنه أقرب إلى المقصود وهو قضاء الدين فإن لم يكن واحد منهما من جنس الدين باع بأيهما شاء لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ثم يصرف الثمن في جنس الدين.

(2/111)


باب التفليس
إذا كان على رجل دين فإن كان مؤجلاً لم يجز مطالبته لأنا لو جوزنا مطالبته سقطت فائدة التأجيل فإن أراد سفراً قبل محل الدين لم يكن للغريم منعه ومن أصحابنا من قال إن كان السفر مخوفاً كان له منعه لأنه لا يأمن أن يموت فيضيع دينه والصحيح

(2/111)


هو الأول لأنه لا حق له عليه قبل محل الدين وجواز أن يموت لا يمنع من التصرف في نفسه قبل المحل كما يجوز في الحضر أن يهرب ثم لا يملك حبسه لجواز الهرب وإن قال أقم لي كفيلاً بالمال لم يلزمه لأنه لم يحن عليه الدين فلم يملك المطالبة بالكفيل كما لو لم يرد السفر وإن كان الدين حالاً نظرت فإن كان معسراً لم يجز مطالبته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] ولا يملك ملازمته لأن كل دين لا يملك المطالبة به لم يملك الملازمة عليه كالدين المؤجل فإن كان يحسن صنعة فطلب الغريم أن يؤجر نفسه ليكسب ما يعطيه لم يجبر على ذلك لأنه إجبار على التكسب فلم يجز الإجبار على التجارة وإن كان موسراً جازت مطالبته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فدل على أنه إذا لم يكن ذا عسرة لم يجب إنظاره فإن لم يقضه ألزمه الحاكم فإن امتنع فإن كان له مال ظاهر باعه عليه لما روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ألا إن الأسيفع أسيفع جهينة رضي من دينه أن يقال سبق الحاج فإدان معرضاً فأصبح وقدرين به فمن له دين فليحضر فإنا بايعو ماله وقاسموه بين غرمائه وإن كان له مال كتمه حبسه وعزره حتى يظهره فإن ادعى الإعسار نظرت فإن لم يعرف له قبل ذلك مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم المال فإن عرف له مال لم

(2/112)


يقبل قوله لأنه معسر إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال فإن قال غريمي يعلم أني معسر أو أن مالي هلك فحلفوه حلف لأن ما يدعيه محتمل فإن أراد أن يقيم البينة على هلاك المال قبل فيه شهادة عدلين فإن أراد أن يقيم البينة على الإعسار لم يقبل إلا بشهادة عدلين من أهل الخبرة والمعرفة بحاله لأن الهلاك يدركه كل أحد والإعسار لا يعلمه إلا من يخبر باطنه فإن أقام البينة على الإعسار وادعى الغريم أن له مالاً باطناً فطلب اليمين عليه ففيه قولان: أحدهما لا يحلف لأنه أقام البينة على ما ادعاه فلا يحلف كما لو ادعى ملكاً وأقام عليه البينة والثاني يحلف لأن المال الباطن يجوز خفاؤه على الشاهدين فجاز عرض اليمين فيه عند الطلب كما لو أقام عليه البينة بالدين وادعى أنه أبرأه منه وإن وجد في يده مال فادعى أنه لغيره نظرت فإن كذبه المقر له بيع في الدين لأن الظاهر أنه له وإن صدقه سلم إليه فإن قال الغريم أحلفوه لي أنه صادق في إقراره ففيه وجهان: أحدهما يحلف لأنه يحتمل أن يكون كاذباً في إقراره والثاني لا يحلف وهو الصحيح لأن اليمين تعرض ليخاف فيرجع عن الإقرار ولو رجع عن الإقرار لم يقبل رجوعه فلا معنى لعرض اليمين.
فصل: وإن ركبته الديون ورفعه الغرماء إلى الحاكم وسألوه أن يحجر عليه نظر الحاكم في ماله فإن كان له مال يفي الديون لم يحجر عليه لأنه لا حاجة به إلى الحجر بل يأمره بقضاء الدين على ما بيناه فإن كان ماله لا يفي بالديون حجر عليه وباع ماله عليه لما روى عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: كان معاذ بن جبل من أفضل شباب قومه ولم يكن يمسك شيئاً فلم يزل يدان حتى أغرق ماله في الدين فكلم النبي صلى الله عليه وسلم غرماءه فلو ترك أحد من أجل أحد لتركوا معاذا من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم فباع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله حتى قام معاذ بغير شيئ وروى كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع عليه ماله وإن كان ماله بالديون إلا أنه ظهرت عليه أمارة التفليس بأن زاد خرجه على دخله ففيه وجهان: أحدهما لا يحجر عليه لأنه مليء بالدين فلا يحجر عليه كما لو لم يظهر فيه أمارة الفلس والثاني يحجر عليه لأنه إذا لم يحجر عليه أتى الخرج على ماله فذهب ودخل على الغرماء.
__________
"1"رواه ابن ماجة في كتاب الديات باب 1.

(2/113)


فصل: والمستحب أن يشهد على الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة فإذا حجر عليه تعلقت ديون الغرماء بماله ومنع من التصرف فيه فإن اقترض أو اشترى في ذمته شيئاً صح لأنه لا ضرر على الغرماء فيما يثبت في ذمته ومن باع أو أقرضه بعد الحجر لم يشارك الغرماء في ماله لأنه إذا علم بالحجر فقد دخل على بصيرة وإن ديون الغرماء متعلقة بماله وإن لم يعلم فقد فرط حين دخل في معاملته على غير بصيرة فلزمه الصبر إلى أن يفك عنه الحجر فإن تصرف في المال بالبيع والهبة والعتق ففيه قولان: أحدهما أنه صحيح موقوف لأنه حجر ثبت لحق الغرماء فلم يمنع من صحة التصرف في المال كالحجر على المريض والثاني لا يصح وهو الصحيح لأنه حجر ثبت بالحاكم فمنع من التصرف في المال كالحجر على السفيه ويخالف حجر المريض لأن الورثة لا تتعلق حقوقهم بماله إلا بعد الموت وههنا حقوق الغرماء تعلقت بماله في الحال فلم يصح تصرفه فيه كالمرهون فإن قلنا يصح تصرفه وقف فإن وفى ماله بالدين نفذ تصرفه وإن لم يف فسخ لأنا جوزنا تصرفه رجاء أن تزيد قيمة المال أو يفتح عليه بما يقضي به الدين فإذا عجز فسخ كما نقول في هبة المريض قال أصحابنا وعلى هذا ينقض من تصرفه الأضعف فالأضعف فأضعفها الهبة لأنه لا عوض فيه ثم البيع لأنه يلتقه الفسخ ثم العتق لأنه أقوى التصرفات ويحتمل عندي أنه يفسخ الآخر فالآخر كما قلنا في تبرعات المريض إذا عجز عنها الثلث.
فصل: قال الشافعي رحمه الله: ولو باع بشرط الخيار ثم أفلس فله إجازة البيع ورده فمن أصحابنا من حمل هذا على ظاهره وقال له أن يفعل ما يشاء لأن الحجر إنما يؤثر في عقد مستأنف وهذا عقد سبق الحجر فلم يؤثر الحجر وقال أبو إسحاق: إن كان الحظ في الرد لم يجز وإن كان في الإجازة لم يرد لأن الحجر يقتضي طلب الحظ فإن طرأ في بيع الخيار أوجب طلب الحظ كما لو باع بشرط الخيار ثم جن فإن الولي لا يفعل إلا ما فيه الحظ من الرد والإجازة ومن أصحابنا من قال إن قلنا إن المبيع انتقل بنفس العقد لم يجب الرد وإن كان الحظ في الرد لأن الملك قد انتقل فلا يكلف رده وحمل قول الشافعي رحمه الله على هذا القول وإن قلنا إن المبيع لم ينتقل أو موقوف لزمه الرد إن كان الحظ في الرد لأن المبيع على ملكه فلا يفعل إلا ما فيه الحظ.
فصل: وإن وهب هبة تقتضي الثواب وقلنا إن الثواب مقدر بما يرضي به الواهب ثم أفلس فله أن يرضىي بما شاء لأنا لو ألزمناه أن يطلب الفضل لألزمناه أن يكتسب والمفلس لا يكلف الاكتساب.
فصل: وإن أقر بدين لزمه قبل الحجر لزم الإقرار في حقه وهل يلزم في حق

(2/114)


الغرماء فيه قولان: أحدهما لا يلزم لأنه متهم لأنه ربما واطأ المقر له ليأخذ ما أقر به ويرد عليه والثاني أنه يلزمه وهو الصحيح لأنه يستند ثبوته إلى ما قبل الحجر فلزم في حق الغرماء كما لو ثبت بالبينة وإن ادعى عليه رجل مالاً وأنكر ولم يحلف وحلف المدعي فإن قلنا إن يمين المدعي مع نكول المدعي عليه كالبينة شارك الغرماء في المال وإن قلنا كالإقرار فعلى القولين في الإقرار وإن أقر لرجل بعين لزمه الإقرار في حقه وهل يلزم في حق الغرماء؟ فيه قولان: أحدهما لا يلزم والثاني يلزم وتسلم العين إلى المقر له ووجه القولين ما ذكرناه في الإقرار بالدين.
فصل: وإن جنى على رجل جناية توجب المال وجب قضاء الأرش من المال لأنه حق لزمه بغير رضى من له الحق فوجب قضاؤه من المال وإن جنى عليه جناية توجب لمال تعلق حق الغرماء بالأرش كما يتعلق بسائر أمواله.
فصل: وإن ادعى على رجل مالاً وله شاهد فإن حلف استحق وتعلق به حق الغرماء وإن لم يحلف فهل تحلف الغرماء أم لا؟ قال في التفليس لا يحلفون وقال في غرماء الميت إذا لم يحلف الوارث مع الشاهد ففيه قولان: أحدهما يحلفون والثاني لا يحلفون فمن أصحابنا من نقل أحد القولين من غرماء الميت إلى غرماء المفلس فجعل فيهما قولين: أحدهما يحلفون لأن المال إذا ثبت استحقوه والثاني لا يحلفون لأنهم يحلفون لإثبات المال لغيرهم وذلك لا يجوز ومن أصحابنا من قال لا تحلف غرماء المفلس ومن غرماء الميت قولان لأن الميت لم يمتنع من اليمين فحلف غرماؤه والمفلس امتنع من اليمين فلم تحلف غرماؤه ولأن غرماء الميت أيسوا من يمين الميت فحلفوا وغرماء المفلس لم ييأسوا من يمين المفلس فلم يحلفوا وإن حجر عليه وعليه دين مؤجل فهل يحل؟ فيه قولان: أحدهما يحل لأن الدين تعلق بالمال فحل الدين المؤجل كما لو مات والثاني لا يحل وهو الصحيح لأنه يملك التصرف في الذمة فلم يحل عليه الدين كما لو لم يحجر عليه.
فصل: وإن لم يكن له كسب ترك ما يحتاج إليه للنفقة إلى أن يفك الحجر عنه ويرجع إلى الكسب لقوله صلى الله عليه وسلم: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول1" فقدم حق نفسه على حق العيال وهو دين فدل على أنه يقدم على كل دين ويكون الطعام على ما جرت به عادته ويترك له ما يحتاج إليه من الكسوة من غير إسراف ولا إجحاف لأن الحاجة إلى الكسوة
__________
1 رواه الدارمي في كتاب الزكاة باب 21. مسلم في كتاب الزكاة حديث 95، 97. أبو داود في كتاب الزكاة باب 39، 40.

(2/115)


كالحاجة إلى القوت فإن كان له من تلزمه نفقته من زوجة أو قريب ترك لهم ما يحتاجون إليه من النفقة والكسوة بالمعروف لأنهم يجرون مجراه في النفقة والكسوة ولا تترك له دار ولا خادم لأنه يمكنه أن يكترى داراً يسكنها وخادماً يخدمه وإن كان له كسب جعلت نفقته في كسبه لأنه لا فائدة في إخراج ماله في نفقته وهو يكتسب ما ينفق.
فصل: وإذا أراد الحاكم بيع ماله فالمستحب أن يحضره لأنه أعرف بثمن ماله فإن لم يكن من يتطوع بالنداء استؤجر من ينادي عليه من سهم المصالح لأن ذلك من المصالح فهو كأجرة الكيال والوزان في الأسواق فإن لم يكن سهم المصالح اكترى من مال المفلس لأنه يحتاج إليه لإيفاء ما عليه فكان عليه ويقدم على سائر الديون لأن في ذلك مصلحة له ويباع كل شيء في سوقه لأن أهل السوق أعرف بقيمة المتاع ومن يطلب السلعة في السوق أكثر ويبدأ بما يسرع إليه الفساد لأنه إذا أخر ذلك هلك وفي ذلك إضرار وقد قال صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا إضرار" ثم في بالحيوان لأنه يحتاج إلى علف ويخاف عليه التلف ويتأنى بالعقار لأنه إذا تأنى به كثر من يطلبه ولا يتأنى به أكثر من ثلاثة أيام لأن فيما زاد إضراراً بالغرماء في تأخير حقهم فإن كان في المال رهن أو عبد تعلق الأرض برقبته بيع في حق المرتهن والمجني عليه لأن حقهما يختص بالعين فقدم وإن بيع له متاع وقبض ثمنه فهلك الثمن واستحق المبيع رجع المشتري بالعهدة في مال المفلس وهل يقدم على سائر الغرماء روى المزني أنه يقدم وروى الربيع أنه أسوة الغرماء فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما يقدم لأن في تقدمه المصلحة فإنه متى لم يقدم تجنب الناس شراء ماله خوفاً من الاستحقاق فإذا قدم رغبوا في شراء ماله والثاني إنه أسوة الغرماء لأن هذا دين تعلق بذمته بغير رضى من له الحق فضرب به مع الغرماء كأرش الجناية ومنهم من قال إن لم يفك الحجر عنه قدم لأن فيه مصلحة له وإن فك الحجر عنه كسائر الغرماء وحمل رواية الربيع على هذا.
فصل: وإن كان في الغرماء من باع منه شيئاً قبل الإفلاس ولم يأخذ من ثمنه شيئاً ووجد عين ماله على صفته ولم يتعلق به حق غيره فهو بالخيار بين أن يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ البيع ويرجع في عين ماله لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع سلعة ثم أفلس صاحبها فوجدها بعينها فهو أحق بها من الغرماء1" وهل يفتقر الفسخ إلى إذن الحاكم فيه وجهان: قال أبو إسحاق لا يفسخ إلا
__________
1 رواه أبو داود في كتاب البيوع باب 74. ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 26.

(2/116)


بإذن الحاكم لأنه مختلف فيه فلم يصح بغير الحاكم كفسخ النكاح بالإعسار والنفقة وقال أبو القاسم الداركي لا يفتقر إلى الحاكم لأنه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد فإن حكم حاكم بالمنع من الفسخ فقد قال أبو سعيد الإصطخري ينقص حكمه لأنه حكم مخالف لنص السنة ويحتمل أن لا ينقض لأنه مختلف فيه فلم ينقض وهل يكون الفسخ على الفور أو على التراخي؟ فيه وجهان: أحدهما أنه على التراخي لأنه خيار لا يسقط إلى بدل فكان على التراخي كخيار الرجوع في الهبة والثاني أنه على الفور لأنه خيار ثبت لنقص في العوض فكان على الفور كخيار الرد بالعيب وهل يصح الفسخ بالوطء في الجارية؟ فيه وجهان: أحدهما يصح كما يصح الفسخ في الوطء في خيار الشرط والثاني أنه لا يصح لأنه ملك مستقر فلا يجوز رفعه بالوطء وإن قال الغرماء نحن نعطيك الثمن ولا نفسخ لم يسقط حقه من الفسخ لأنه ثبت له حق الفسخ فلم يسقط ببدل العوض كالمشتري إذا وجد بالسلعة عيباً وبذل له البائع الأرش.
فصل: وإن كان قد باعه بعد الإفلاس ففيه وجهان: أحدهما أن له أن يفسخ لأنه باعه قبل وقت الفسخ فلم يسقط حقه من الفسخ كما لو تزوجت امرأة بفقير ثم أعسر بالنفقة والثاني أنه ليس له أن يفسخ لأنه باعه مع العلم بخراب ذمته فسقط خياره كما لو اشترى سلعة مع العلم بعيبها.
فصل: وإن وجد المبيع وقد قبض من الثمن بعضه رجع بحصة ما بقي من الثمن لأنه إذا رجع بالجميع إذا لم يقبض جميع الثمن رجع في بعضه إذا لم يقبض بعض الثمن وإن كان المبيع عبدين متساويي القيمة وباعهما بمائة وقبض من الثمن خمسين ثم مات أحد العبدين وأفلس المشتري فالمنصوص في التفليس إنه يأخذ الباقي بما بقي من الثمن ونص في الصداق إذا أصدقها عبدين فتلف أحدهما ثم طلقها قبل الدخول على قولين: أحدهما أنه يأخذ الموجود بنصف الصداق مثل قوله في التفليس والثاني أنه نصف الموجود ونصف قيمة التالف فمن أصحابنا من نقل هذا القول إلى البيع وقال فيه قولان: أحدهما أنه يأخذ نصف الموجود ويضرب مع الغرماء بنصف ثمن التالف وهو اختيار المزني رحمه الله لأن البائع قبض الخمسين من ثمنه وما قبض من ثمنه لا يرجع به والثاني أنه يأخذ الموجود بما بقي لأن ما أخذه جميعه لدفع الضرر إذا كان باقياً أخذ الباقي إذا هلك بعضه كالشقص في الشفعة ومن أصحابنا من قال: يأخذ البائع الموجود بما بقي من الثمن قولاً واحداً وفي الصداق قولان والفرق بينهما أن البائع إذا رجع

(2/117)


بنصف الموجود ونصف بدل التالف لم يصل إلى كمال حقه لأن غريمه مفلس والزوج إذا رجع بنصف الموجود ونصف قيمة التالف وصل إلى جميع حقه لأن الزوجة موسرة فلم يجز له الرجوع بجميع الموجود بنصف المهر.
فصل: وإن وجد البائع عين ماله وهو رهن لم يرجع به لأن حق المرتهن سابق لحقه فلم يملك إسقاطه بحقه فإن أمكن أن يقضي حق المرتهن ببيع بعضه بيع منه بقدر حقه ويرجع البائع بالباقي لأن المنع كان لحق المرتهن وقد زال.
فصل: وإن كان المبيع شقصاً تثبت فيه الشفعة ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أن الشفيع أحق لأن حقه سابق فإنه يثبت بالعقد وحق البائع ثبت بالحجر فقدم حق الشفيع والثاني أن البائع أحق لأنه إذا أخذ الشفيع الشقص زال الضرر عنه وحده وإذا أخذه البائع زال الضرر عنهما لأن البائع يرجع إلى عين ماله والشفيع يتخلص من ضرر المشتري فيزول الضرر عنهما والثالث أنه يدفع الشقص إلى الشفيع ويؤخذ منه ثمنه ويدفع إلى البائع لأن في ذلك جمعاً بين الحقين وإذا أمكن الجمع بين الحقين لم يجز إسقاط أحدهما.
فصل: وإن كان المبيع صيداً والبائع محرم لم يرجع فيه لأنه تمليك فلم يجز مع الإحرام كشراء الصيد.
فصل: وإن وجد عين ماله ودينه مؤجل وقلنا إن الدين المؤجل لا يحل وديون الغرماء حالة فالمنصوص أن يباع المبيع في الديون الحالة لأنها حقوق حالة فقدمت على الدين المؤجل ومن أصحابنا من قال لا يباع بل يوقف إلى أن يحل فيختار البائع الفسخ أو الترك وإليه أشار في الإملاء لأن بالحجر تتعلق الديون بماله فصار المبيع كالمرهون في حقه بدين مؤجل فلا يباع في الديون الحالة.
فصل: وإن وجد المبيع وقد باعه المشتري ورجع إليه ففيه وجهان: أحدهما له أن يرجع فيه لأنه وجد رأس ماله خالياً من حق غيره فأشبه إذا لم يبعه والثاني لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه.
فصل: وإن وجد المبيع ناقصاً نظرت فإن كان نقصان جزء ينقسم عليه الثمن كعبدين تلف أحدهما أو نخلة مثمرة تلفت ثمرتها فالبائع بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ البيع فيما بقي بحصته من الثمن ويضرب مع الغرماء بثمن ما تلف لأن البائع يستحق المبيع في يد المفلس بالثمن كما يستحق المشتري المبيع في يد البائع بالثمن ثم المشتري إذا وجد أحد العينين في يد البائع والآخر هالكاً كان بالخيار بين أن يترك الباقي ويطالب بجميع الثمن وبين أن يأخذ الموجود بثمنه ويطالب بثمن التالف

(2/118)


فكذلك البائع وإن كان المبيع نخلاً مع ثمرة مؤبرة فهلكت الثمرة قوم النخل مع الثمرة ثم يقوم بلا ثمرة ويرجع بما بينهما من الثمن وتعتبر القيمة أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض فإن كانت قيمته وقت العقد أقل قوم وقت العقد لأن الزيادة حدثت في ملك المشتري فلا تقوم عليه وإن كان في وقت القبض أقل قوم في وقت القبض لأن ما نقص لم يقبضه المشتري فلم يضمنه فإن كان نقصان جزء لا ينقسم عليه الثمن كذهاب يد وتأليف دار نظرت فإن لم يجب لها أرش بأن أتلفها المشتري أو ذهبت بآفة سماوية فالبائع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن وبين أن يتركه ويضرب بالثمن مع الغرماء كما تقول فيمن اشترى عبداً فذهبت يده أو داراً فذهب تأليفها في يد البائع فإن المشتري بالخيار بين أن يأخذه بالثمن وبين أن يتركه ويرجع بالثمن فإن وجب لها أرض بأن أتلفها أجنبي فالبائع بالخيار بين أن يترك ويضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يأخذ ويضرب بما نقص من الثمن لأن الأرش في مقابلة جزء كان البائع يستحقه فاستحق ما يقابله كما نقول فيمن اشترى عبداً فقطع الأجنبي يده أنه بالخيار بين أن يتركه ويرجع بالثمن وبين أن يأخذه ويطالب الجاني بالأرش غير أن المشتري يرجع على الجاني بقيمة اليد لأنها تلفت في ملكه فوجب له البدل والبائع يرجع بحصة اليد من الثمن لأنها تلفت في ملك المفلس فوجب الأرش له فيرجع البائع عليه بالحصة من الثمن لأن المبيع مضمون إلى المفلس بالثمن فإن كان المبيع نخلاً عليه طلع غير مؤبر فهلكت الثمرة ثم أفلس بالثمن فرجع البائع في النخل ففيه وجهان: أحدهما يأخذها بجميع الثمن لأن الثمرة تابعة للأصل في البيع فلم يقابلها قسط من الثمن والثاني يأخذها بقسطها من الثمن ويضرب بحصة الثمرة مع الغرماء لأن الثمرة يجوز إفرادها بالبيع فصارت مع النخل بمنزلة العينين.
فصل: وإن وجد المبيع زائداً نظرت فإن كانت زيادة غير متميزة كالسمن والكبر واختار البائع الفسخ رجع في المبيع مع الزيادة لأنها زيادة لا تتميز فتبعت الأصل في الرد كما قلنا في الرد بالعيب وإن كان المبيع حباً فصار زرعاً أو زرعاً فصار حباً أو بيضاً فصار فرخاً ففيه وجهان: أحدهما لا يرجع به لأن الفرخ غير البيض والزرع غير الحب والثاني يرجع - وهو المنصوص - لأن الفرخ والزرع عين المبيع وإنما تغيرت صفته فهو كالودي إذا صار نخلاً والجدي إذا صار شاة وإن كانت الزيادة متميزة نظرت فإن كانت ظاهرة كالطلع المؤبر وما أشبهه من الثمار رجع فيه دون الزيادة لأنه نماء طاهر متميز حدث في ملك المشتري فلم يتبع الأصل في الرد كما قلنا في الرد بالعيب، فإن اتفق المفلس

(2/119)


والغرماء على قطعها قطع وإن اتفقوا على تركها إلى الجداد ترك لأنه ملك أحدهما وحق الآخر وإن دعا أحدهما إلى قطعها والآخر إلى تركها وجب القطع لأن من دعا إلى القطع تعجل حقه فلا يؤخر بغير رضاه وإن كانت الزيادة غير ظاهرة كطلع غير مؤبر وما أشبهه من الثمار ففيه قولان: روى الربيع أنه يرجع في النخل دون الطلع لأن الثمرة ليست عين ماله فلم يرجع بها وروى المزني أنه يرجع لأنه يتبع الأصل في البيع فتبعه في الفسخ كالثمن والكبر فإذا قلنا بهذا فأفلس وهو غير مؤبر فلم يرجع حتى أبر لم يرجع في الثمرة لأنها أبرت وهي في ملك المفلس فإن اختلف البائع والمفلس فقال البائع رجعت فيه قبل التأبير فالثمرة لي وقال المفلس رجعت بعد التأبير فالثمرة لي فالقول قول المفلس لأن الأصل بقاء الثمرة على ملكه فإن لم يحلف المفلس فهل يحلف الغرماء؟ فيه قولان وقد مضى دليلهما فإن كذبوه فحلف واستحق وأراد أن يفرقه على الغرماء ففيه وجهان: أحدهما أنه لا يلزمهم قبوله لأنهم أقروا أنه أخذ بغير حق والثاني يلزمهم قبوله أو الإبراء من الدين وعليه نص في المكاتب إذا حمل إلى المولى نجماً فقال المولى هو حرام أنه يلزمه أن يأخذه أو يبرئه منه فإن صدقه بعضهم وكذبه البعض فقد قال الشافعي رحمه الله: يفرق ذلك فيمن صدقه دون من كذبه فمن أصحابنا من قال لا يجوز أن يفرقه إلا على من صدقه لأنه لا حاجة به إلى دفع ذلك إلى من يكذبه وقال أبو إسحاق إذا اختار المفلس أن يفرق على الجميع جاز كما يجوز إذا كذبوه وحمل قول الشافعي رحمه الله إذا اختار أن يفرق فيمن صدقه وإن قال البائع رجعت قبل التأبير فالثمرة لي فصدقه المفلس وكذبه الغرماء ففيه قولان: أحدهما يقبل قول المفلس لأنه غير متهم والثاني لا يقبل لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يقبل إقراره فيه فإذا قلنا بهذا فهل يحلف الغرماء؟ فيه طريقان: فمن أصحابنا من قال هي على القولين كما قلنا في القسم قبله ومنهم من قال يحلفون قولاً واحداً لأن اليمين ههنا توجهت عليهم ابتداء وفي القسم قبله توجهت اليمين على المفلس فلما نكل نقلت إليهم.
فصل: وإن كان المبيع جارية فحبلت في ملك المشتري نظرت فإذا أفلس بعد الوضع رجع في الجارية دون الولد كما قلنا في الرد بالعيب ولا يجوز التفرق بين الأم والولد فإما أن يرد البائع قيمة الولد فيأخذه مع الأم أو تباع الأم والولد فيأخذ البائع ثمن الأم ويأخذ المفلس ثمن الولد ومن أصحابنا من قال إما أن يزن قيمة الولد فيأخذه مع الأم وإما أن يسقط حقه من الرجوع والمذهب الأول لأنه وجد عين ماله خالياً عن حق غيره فثبت له الرجوع وإن أفلس قبل الوضع فإن قلنا لا حكم للحمل رجع فيهما لأنه

(2/120)


كالسمن وإن قلنا إن الحمل له حكم رجع في الأم دون الحمل لأنه كالحمل المنفصل فإن باعها وهي حبلى ثم أفلس المشتري نظرت فإن أفلس قبل الوضع رجع فيهما وإن أفلس بعد الوضع فإن قلنا للحمل حكم رجع فيهما لأنهما كعينين باعهما وإن قلنا لا حكم للحمل رجع في الأم دون الحمل لأنه نماء تميز في ملك المشتري فلم يرجع فيه البائع ولا يفرق بين الأم والولد على ما ذكرناه.
فصل: وإن كان المبيع طعاماً فطحنه المشتري أو ثوباً فقصره ثم أفلس نظرت فإن لم تزد قيمته بذلك واختار البائع الرجوع رجع فيه ولا يكون المشتري شؤيكاً له بقدر عمله لأن عمله قد استهلك ولم يظهر له أثر وإن زادت قيمته بأن كانت عشر قيمته فصارت قيمته خمسة عشر ففيه قولان: أحدهما أن البائع يرجع فيه ولا يكون المشتري شريكاً له بقدر ما عمل فيه وهو قول المزني لأنه لم يضف إلى المبيع عيناً وإنما فرق بالطحن أجزاء مجتمعة وفي القصارة أظهر بياضاً كان كامناً في الثوب فلم يصر شريكاً للبائع في العين كما لو كان المبيع جوزاً فكسره ولأنه زيادة لا تتميز فلم يتعلق بها حق المفلس كما لو كان المبيع غلاماً فعلمه أو حيواناً فسمنه والثاني أن المشتري يكون شريكاً للبائع بقدر ما زاد بالعمل ويكون حكم العمل حكم العين وهو الصحيح لأنها زيادة حصلت بفعله فصار شريكاً كما لو كان المبيع ثوباً فصبغه ولأن القصار يملك حبس العين لقبض الأجرة كما يملك البائع حبس المبيع لقبض الثمن فدل على أن العمل كالعين بخلاف كسر الجوز وتعلين الغلام وتسمين الحيوان فإن الأجير على هذه الأشياء لا يملك حبس العين لقبض الأجرة فعلى هذا يباع الثوب فيصرف ثلث الثمن إلى الغرماء والثلثان إلى البائع وإن كان قد استأجر المشتري من قصر الثوب وطحن الطعام ولم يدفع إليه الأجرة دفع الأجرة إلى الأجير من ثمن الثوب لأن الزيادة حصلت بفعله فقضى حقه من بدله.
فصل: وإن اشترى من رجل ثوباً بعشرة ومن آخر صبغاً بخمسة فصبغ به الثوب ثم أفلس نظرت فإن لم تزد ولم تنقص بأن صار قيمة الثوب خمسة عشر فقد وجد كل واحد من البائعين عين ماله فإن اختار الرجوع صار الثوب بينهما لصاحب الثوب الثلثان ولصاحب الصبغ الثلث وإن نقص فصار قيمة الثوب اثني عشر فقد وجد بائع الثوب عين ماله ووجد بائع الصبغ بعض ماله لأن النقص دخل عليه بهلاك بعضه فإن اختار الرجوع كان لبائع الثوب عشرة ولبائع الصبغ درهمان ويضرب بما هلك من ماله وهو ثلاثة مع الغرماء وإن زاد فصار يساوي الثوب عشرين درهماً بنينا على القولين في أن

(2/121)


زيادة القيمة بالعمل كالعين أم لا فإن قلنا أنها ليست كالعين حصلت الزيادة في مالهما فيسقط بينهما على الثلث والثلثين لصاحب الثوب الثلثان ولصاحب الصبغ الثلث وإن قلنا إنها كالعين كانت الزيادة للمفلس فيكون شريكاً للبائعين بالربع.
فصل: وإن كان المبيع أرضاً فبناها أو غرسها فإذا أنفق المفلس والغرماء على قلع البناء والغراس ثبت للبائع الرجوع في الأرض لأنه وجد عين ماله خالياً عن حق غيره فجاز له الرجوع فإن رجع فيها ثم قلعوا البناء والغراس لزم المفلس تسوية الأرض وأرش نقص إن حدث بها من القلع لأنه نقص حصل لتخليص ماله ويقدم ذلك على سائر الديون لأنه يجب لإصلاح ماله فقدم ذلك كعلف البهائم وأجرة النقال وإن امتنعوا من القلع لم يجبروا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق1" وهذا غرس وبناء بحق فقال البائع أنا أعطي قيمة الغراس والبناء وآخذه مع الأرض أو قلع وأضمن أرش النقص ثبت له الرجوع لأنه يرجع في عين ماله من غير إضرار وإن امتنع المفلس والغرماء من القلع وامتنع البائع من بذل العوض وأرش النقص فقد روى المزني فيه قولين: أحدهما أنه يرجع والثاني أنه لا يرجع فمن أصحابنا من قال إن كانت قيمة الغراس والبناء أقل من قيمة الأرض فله أن يرجع لأن الغراس والبناء تابع فلم يمنع الرجوع وإن كانت قيمة الغراس والبناء أكثر من قيمة الأرض لم يرجع لأن الأرض صارت كالتبع للغراس والبناء وحمل القولين على هذين الحالين وذهب المزني وأبو العباس وأبو إسحاق إلى أنها على قولين: أحدهما يرجع لأنه وجد عين ماله مشغولاً بملك المفلس فثبت له الرجوع كما لو كان المبيع ثوباً فصبغه المفلس بصبغ من عنده والثاني لا يرجع لأنه إذا رجع في الأرض بقي الغراس والبناء من غير طريق ومن غير شرب فيدخل الضرر على المفلس والضرر لا يزال بالضرر فإن قلنا إنه يرجع وامتنع البائع عن بذل العوض وأرش النقص وامتنع المفلس والغرماء من القلع فهل يجبر البائع على البيع؟ فيه قولان: أحدهما يجبر لأن الحاجة تدعوا إلى البيع لقضاء الدين فوجب أن يباع كما يباع الصبغ مع الثوب وإن لم يكن الصبغ له ويباع ولد المرهونة مع الرهن وإن لم يدخل في الرهن والثاني لا يجبر لأنه لايمكن إفراد كل واحد منهما بالبيع ولا يجبر على بيعها مع الغراس والبناء.
فصل: وإن كان المبيع أرضاً فزرعها المشتري ثم أفلس واختار البائع الرجوع في
__________
1 رواه البخاري في كتاب الحرث باب 15. أبو داود في كتاب الإمارة باب 37. الترمذي في كتاب الأحكام باب 38. الموطأ في كتاب الأقضية حديث 26. أحمد في مسنده "5/327".

(2/122)


الأرض جاز له لأنه وجد عين ماله مشغولاً بما ينقل فجاز له الرجوع فيه كما لو كان المبيع داراً وفيها متاع للمشتري فإن رجع في الأرض نظرت في الزرع فإن استحصد وجب نقله وإن لم يستحصد جاز تركه إلى أوان الحصاد من غير أجرة لأن زرعه في ملكه فإذا زال الملك جاز ترك الزرع إلى أوان الحصاد من غير أجرة كما لو زرع أرضه ثم باع الأرض.
فصل: وإن كان المبيع من ذوات الأمثال كالحبوب والأدهان فخلطه بجنسه نظرت فإن خلطه بمثله كان للبائع أن يرجع لأن عين ماله موجود من جهة الحكم ويملك أخذه بالقسمة فإن رجع واتفقا على القسمة قسم ودفع إليه مثل مكيلته فإن طلب البائع البيع فهل يجبر المفلس فيه وجهان: أحدهما لا يجبر لأنه تمكن القسمة فلا يجبر على البيع كالمال بين الشريكين والثاني يجبر لأنه إذا بيع وصل البائع إلى بدل ماله بعينه وإذا قسم لم يصل إلى جميع ماله ولا إلى بدله وإن خلطه بأردأ منه فله أن يرجع لأن عين ماله موجودة من طريق الحكم فملك أخذه بالقسمة وكيف يرجع فيه وجهان: قال أبو إسحاق يباع الزيتان ويقسم ثمنه بينهما على قدر قيمتهما لأنه إن أخذ مثل زيته بالكيل كان ذلك أنقص من حقه وإن أخذ أكثر من زيته كان ربا فوجب البيع والثاني وهو المنصوص أنه يأخذ مثل زيته بالكيل لأنه وجد عين ماله ناقصاً فرجع فيه مع النقص كما لو كان عين ماله ثوباً فحدث به عيب عند المشتري فإن خلطه بأجود منه ففيه قولان: أحدهما يرجع وهو قول المزني لأنه وجد عين ماله مختلطاً بما لايتميز عنه فأشبه إذا خلطه بمثله أو كان ثوباً فصبغه والثاني أنه لا يرجع لأن عين ماله غير موجود حقيقة لأنه اختلط بما لا يمكن تمييزه منه حقيقة ولاحكماً لأنه لا يمكن المطالبة بمثل مكيلته منه ويخالف إذا خلطه بمثله لأنه تمكن المطالبة بمثل مكيلته ويخالف الثوب إذا صبغه لأن الثوب موجود وإنما تغير لونه فإن قلنا إنه يرجع فكيف يرجع فيه قولان: أحدهما يباع الزيتان ويقسم ثمنه بينهما على قدر قيمتهما لأنه لا يمكن أن يأخذ مثل زيته بالكيل لأنه يأخذ أكثر من حقه ولا يمكن أن يأخذ أقل من زيته بالكيل لأنه ربا فوجب البيع والثاني يرجع من الزيت بقيمة مكيلته فيكون قد أخذ بعض حقه وترك بعضه باختياره.
فصل: وإن أسلم إلى رجل في شيء وأفلس المسلم إليه وحجر عليه فإن كان رأس المال باقياً فله أن يفسخ العقد ويرجع إلى عين ماله لأنه وجد عين ماله خالياً من حق غيره فرجع إليه كالمبيع وإن كان رأس المال تالفاً ضرب مع الغرماء بقدر المسلم فيه فإن لم يكن في ماله الجنس المسلم فيه اشترى ودفع إليه لأن أخذ العوض عن المسلم فيه

(2/123)


لا يجوز وقال أبو إسحاق: إذا أفلس المسلم إليه فللمسلم أن يفسخ العقد ويضرب مع الغرماء برأس المال لأنه يتعذر تسليم المسلم فيه فثبت الفسخ كما لو أسلم في الرطب فانقطع والمذهب أنه لا يثبت الفسخ لأنه غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ بالإفلاس كما لو باعه عيناً فأفلس المشتري بالثمن والعين تالفة ويخالف إذا أسلم وانقطع الرطب لأن الفسخ هناك لتعذر المعقود عليه قبل التسليم وههنا الفسخ بالإفلاس والفسخ بالإفلاس إنما يكون لمن وجد عين ماله وهذا غير واجد لعين ماله فلم يملك الفسخ.
فصل: وإن أكرى أرضاً فأفلس المكتري بالأجرة فإن كان قبل استيفاء شيء من المنافع فله أن يفسخ لأن المنافع في الإجارة كالأعيان المبيعة في البيع ثم إذا أفلس المشتري والعين باقية ثبت له الفسخ فكذلك إذا أفلس المكتري والمنافع باقية وجب أن يثبت له الفسخ وإن أفلس وقد استوفى بعض المنافع وبقي البعض ضرب مع الغرماء بحصة ما مضى وفسخ فيما بقي كما لو ابتاع عبدين وتلف عنده أحدهما ثم أفلس فإنه يضرب بثمن ما تلف مع الغرماء ويفسخ البيع فيما بقي فإن فسخ وفي الأرض زرع لم يستحصد نظرت فإن اتفق الغرماء والمفلس على تبقيته بأجرة إلى وقت الحصاد لزم المكري قبوله لأن زرع بحق وقد بذل له الأجرة لما بقي فلزمه قبوله وإن لم يبذل له الأجرة جاز له المطالبة بقطعه لأن التبقية إلى الحصاد لدفع الضرر عن المفلس والغرماء والضرر لا يزال بالضرر وفي تبقيته من غير عوض إضرار بالمكري وإن دعا بعضهم إلى القطع وبعضهم إلى التبقية نظرت فإن كان الزرع لا قيمة له في الحال كالطعام في أول ما يخرج من الأرض لم يقطع لأنه إذا قطع لم يكن له قيمة وإذا ترك صار له قيمة فقدم قول من دعا إلى الترك وإن كان له قيمة كالقصيل الذي يقطع ففيه وجهان: أحدهما يقدم قول من دعا إلى القطع لأن من دعا إلى القطع تعجل حقه فلم يؤخر والثاني وهو قول أبي إسحاق أنه يفعل ما هو أحظ والأول أظهر.
فصل: إذا قسم مال المفلس بين الغرماء ففي حجره وجهان: أحدهما يزول الحجر لأن المعنى الذي لأجله حجر عليه حفظ المال على الغرماء وقد زال ذلك فزال الحجر كالمجنون إذا أفاق والثاني لا يزول إلا بالحاكم لأنه حجر ثبت بالحاكم فلم يزل إلا بالحاكم كالحجر على المبذر.
فصل: ومن مات وعليه ديون تعلقت الديون بماله كما تتعلق بالحجر في حياته فإن كان عليه دين مؤجل حل الدين بالموت لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات الرجل وله دين إلى أجل وعليه دين إلى أجل فالذي عليه حال

(2/124)


والذي له إلى أجله" ولأن الأجل جعل رفقاً بمن عليه الدين والرفق بعد الموت أن يقضي دينه وتبرأ ذمته والدليل عليه ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "نفس المؤمن مرتهنة في قبره بدينه إلى أن يقضى عنه".
فصل: فإن تصرف الوارث في التركة قبل مضي الدين ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه مال تعلق به دين فلا يصح التصرف فيه من غير رضى من له الحق كالمرهون والثاني يصح لأنه حق تعلق بالمال من غير رضى المالك فلم يمنع التصرف كمال المريض وإن قلنا إنه يصح فإن قضى الوارث الدين نفذ تصرفه وإن لم يقضي فسخنا وإن باع عبداً ومات وتصرف الوارث في التركة ثم وجد المشتري بالعبد عيباً فرده أو وقع في بئر كان حفرها بهيمة في تصرف الورثة وجهان: أحدهما أنه يصح لأنهم تصرفوا في ملك لهم لا يتعلق به حق أحد والثاني يبطل لأنا تبينا أنهم تصرفوا والدين متعلق بالتركة فإن كان في غرماء الميت من باع شيئاً ووجد عين ماله فإن لم تف التركة بالدين فهو بالخيار بين أن يضرب مع الغرماء بالثمن وبين أن يفسخ ويرجع في عين ماله لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في رجل أفلس هذا الذي قضى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم "أيما رجل مات أو أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه1" فإن كانت التركة تفي بالدين ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي سعيد الإصطخري رحمه الله أن له أن يرجع في عين ماله لحديث أبي هريرة والثاني لا يجوز أن يرجع في عين ماله وهو المذهب لأن المال يفي بالدين فلم يجز الرجوع في المبيع كالحي المليء وحديث أبي هريرة قد روى فيه أبو بكر النيسابوري وإن خالف وفاء فهو أسوة الغرماء.
فصل: إذا قسم مال المفلس أو مال الميت بين الغرماء ثم ظهر غريم آخر رجع على الغرماء وشاركهم فيما أخذوه على قدر دينه لأنا إنما قسمنا بينهم بحكم الظاهر إنه لا غريم له غيرهم فإذا بان بخلاف ذلك وجب نقض القسمة كالحاكم إذا حكم بحكم ثم وجد النص بخلافه وإن أكرى رجل داره سنة وقبض الأجرة وتصرف فيها ثم أفلس وقسم ماله بين الغرماء ثم انهدمت الدار في أثناء المدة فإن المكتري يرجع على المفلس بأجرة ما بقي وهل يشارك الغرماء فيما اقتسموا به أم لا؟ ففيه وجهان: أحدهما لا يشاركهم لأنه دين وجب بعد القسمة فلم يشارك به الغرماء فيما اقتسموا كما لو استقرض مالا ًبعد القسمة والثاني يشاركهم لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 26.

(2/125)


كما لو انهدمت الدار قبل القسمة ويخالف القرض لأنه دينه لا يستند ثبوته إلى ما قبل الحجر وهذا استند إلى ما قبل الحجر ولأن المقرض لا يشارك الغرماء في المال قبل القسمة والمكتري يشاركهم في المال قبل القسمة فشاركهم بعد القسمة.

(2/126)


باب الحجر
إذا ملك الصبي أو المجنون مالاً حجر عليه في ماله والدليل عليه قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فدل على أنه لا يسلم إليه مال قبل البلوغ والرشد.
فصل: وينظر في ماله الأب ثم الجد لأنها ولاية على حق الصغير فقدم الأب والجد فيهما على غيرهما كولاية النكاح فإن لم يكن أب ولا جد نظر فيه الوصي لأنه نائب عن الأب والجد فقدم على غيره وإن لم يكن وصي نظر السلطان لأن الولاية من جهة القرابة قد سقطت فثبتت للسلطان كولاية النكاح وقال أبو سعيد الإصطخري: فإن لم يكن أب ولا جد نظرت الأم لأنها أحد الأبوين فثبت لها الولاية في المال كالأب والمذهب إنه لا ولاية لها لأنها ثبتت بالشرع فلم تثبت للأم كولاية النكاح.
فصل: ولا يتصرف الناظر في ماله إلا على النظر والاحتياط ولا يتصرف إلا فيما فيه حظ واغتباط فأما ما لا حظ فيه كالعتق والهبة والمحاباة فلا يملكه لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 165] ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا إضرار"

(2/126)


وفي هذه التصرفات إضرار بالصبي فوجب أن لا يملكه ويجوز أن يتجر في ماله لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من ولى يتيماً وله مال فليتجر له بماله ولا يتركه حتى تأكله الصدقة1".
فصل: ويبتاع له العقار لأنه يبقى وينتفع بغلته ولا يبتاع إلا من مأمون لأنه إذا لم يكن مأموناً لم يأمن أن يبيع مالاً يملكه ولا يبتاعه في موضع أشرف على الخراب أو يخاف عليه الهلاك لأن في ذلك تغريراً بالمال ويبنى له العقار ويبنيه بالآجر والطين ولا يبنيه باللبن والجص لأن الآجر يبقى واللبن يهلك والجص يجحف به والطين لا ثمن له والجص يتناثر ويذهب ثمنه والطين لا يتناثر وإن تناثر فلا ثمن له ولأن الآجر لا يتخلص من الجص إذا أراد نقضه ويتلف عليه ويتخلص من الطين فلا يتلف عليه ولا يبيع له العقار إلا في موضعين: أحدهما أن تدعو إليه الضرورة بأن يفتقر إلى النفقة وليس له مال غيره ولم يجد من يقرضه والثاني أن يكون له في بيعه غبطة وهو أن يطلب منه بأكثر من ثمنه فيباع له ويشتري ببعض الثمن مثله لأن البيع في هذين الحالين فيه حظ وفيما سواهما لا حظ فيه فلم يجز وإن باع العقار وسأل الحاكم أن يسجل له نظر فإن باعه الأب أو الجد سجل له لأنهما لا يتهمان في حق الولد وإن كان غيرهما لم يسجل حتى يقيم بينة على الضرورة أو الغبطة لأنه تلحقه للتهمة فلم يسجل له من غير بينة فإن بلغ الصبي وادعى أنه باع من غير ضرورة ولا غبطة فإن كان الولي أباً أو جداً فالقول قوله وإن كان غيرهما لم يقبل إلا ببينة لما ذكرناه من الفرق فإن بيع في شركته شقص فإن كان الحظ في أخذه بالشفعة لمن يترك وإن كان الحظ في الترك لم يأخذ لأن بينا أن تصرفه على النظر والاحتياط فلا يفعل إلا ما يقتضي النظر والاحتياط. فإن ترك الشفعة
__________
1 رواه الموطأ في كتاب الزكاة حديث 12.

(2/127)


والحظ في تركها ثم بلغ الصبي وأراد أن يأخذ فالمنصوص أنه لا يملك ذلك لأن ما فعل الولي مما فيه نظر لا يملك الصبي نقضه كما لو أخذوا الحظ في الأخذ فبلغ وأراد أن يرد من أصحابنا من قال: له أن يأخذ لأنه يملك بعد البلوغ التصرف فيما فيه حظ وفيما لا حظ فيه وقد بلغ فجاز أن يأخذ وإن لم يكن فيه حظ وهذا خطأ لأن له أن يتصرف فيما لا حظ فيه إذا كان باقياً وهذا قد سقط بعفو الولي فسقط فيه اختياره فإن بلغ وادعى أنه ترك الشفعة من غير غبطة فالحكم فيه كالحكم في بيع العقار وقد بيناه.
فصل: ولا يبيع ما له بنسيئة من غير غبطة فإن كانت السلعة تساوي مائة نقداً ومائة وعشرين نسيئة فباعها بمائة نسيئة فالبيع باطل لأنه باع بدون الثمن وإن باعها بمائة وعشرين نسيئة من غير رهن لم يصح البيع لأنه غرر بالمال فإن باع بمائة نقداً وعشرين مؤجلاً وأخذ بالعشرين رهناً جاز لأنه لو باعها بمائة نقداً جاز فلأن يجوز وقد زاده عشرين أولى وإن باعها بمائة وعشرين نسيئة وأخذ به رهناً ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأنه أخرج ماله من غير عوض والثاني يجوز وهو ظاهر النص وقول أبي إسحاق لأنه باع بربح واستوثق بالرهن فجاز.
فصل: ولا يكاتب عبده ولو كان بأضعاف القيمة لأنه يأخذ العوض من كسبه وهو مال له فيصير كالعتق من غير عوض.
فصل: ولا يسافر بماله من غير ضرورة لأن فيه تغريراً بالمال ويروى "إن المسافر وماله على قلت" أي على هلاك وفيه قول الشاعر:
بغاث الطير أكثرها فراخاً ... وأم الباز مقلاة نزور
فصل: فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك في الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به لأن السفر ههنا أحوط.
فصل: ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز فإن خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفراً وخاف عليه جاز له الإيداع والإقراض فإن قدر على الإيداع دون الإقراض أودع ولا يودع إلا ثقة وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ولا يقرضه إلا ثقة ملياً لأن غير الثقة يجحد وغير الملى لا يمكن أخذ البدل منه فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ وإن رأى ترك الرهن لم يأخذ وإن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعة غير

(2/128)


مضمونة فكان القرض أحوط فإن ترك الإقراض وأودع ففيه وجهان: أحدهما يجوز لأنه يجوز كل واحد منهما فإذا قدر عليهما تخير بينهما والثاني لا يجوز لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: 96] والاقراض ههنا أحسن فلم يجز تركه ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن في ذلك مصلحة له فجاز.
فصل: وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا إقتار لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً} [الفرقان: 67] وإن رأى أن يخلط ماله بماله في النفقة جاز لقوله تعالى: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ} [البقرة: 220] فإن بلغ الصبي واختلفا في النفقة فإن كان الولي الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان: أحدهما يقبل لأن في إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله والثاني لا يقبل قوله كما لا يقبل في دعوى الضرر والغبطة في بيع العقار.
فصل: وإن أراد أن يبيع ماله بماله فإن كان أباً أو جداً جاز ذلك لأنهما لا يتهمان في ذلك لكمال شفقتهما وإن كان غيرهما لم يجز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يشتري الوصي من مال اليتيم" ولأنه متهم في طلب الحظ له في بيع ماله من نفسه فلم يجعل ذلك إليه.
فصل: وإن أراد أن يأكل من ماله نظرت فإن كان غنياً لم يجز لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء: 6] وإن كان فقيراً جاز أن يأكل لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6] وهل يضمن البدل فيه قولان: أحدهما لا يضمن لأنه أجير له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذي يأكله الإمام من أموال المسلمين

(2/129)


والثاني أنه يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره.
فصل: ولا يفك الحجر عن الصبي حتى يبلغ ويؤنس منه الرشد لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] فأما البلوغ فإنه يحصل بخمسة أشياء: ثلاثة يشترك فيها الرجل والمرأة وهي الإنزال والسن والإنبات واثنان تختص بهما المرأة وهما الحيض والحبل فأما الإنزال فهو إنزال المني فمتى أنزل صار بالغاً والدليل عليه قوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] فأمرهم بالاستئذان بعد الاحتلام فدل على أنه بلوغ وروى عطية القرظي قال: عرضنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن قريظة فمن كان محتلماً أو نبتت عانته قتل فلو لم يكن بالغاً لما قتل وأما السن فهو أن يستكمل خمس عشرة سنة والدليل عليه ما روى ابن عمر رضي الله عنه قال: عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة فرآني بلغت فأجازني وأما الإنبات فهو الشعر الخشن الذي ينبت على العانة وهو بلوغ في حق الكافر والدليل عليه ما روى عطية القرظي قال: كنت فيمن حكم فيهم سعد بن معاذ رضي الله عنه فشكوا في أمن الذرية أنا أم من المقاتلة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "انظروا فإن كان قد أنبت وإلا فلا تقتلوه" فنظروا فإذا عانتي لم تنبت فجعلوني في الذرية ولم أقتل وهل هو بلوغ في نفسه أو دلالة على البلوغ؟ فيه قولان: أحدهما أنه بلوغ فعلى هذا هو بلوغ في حق المسلم لأن ما كان بلوغاً في حق الكافر كان بلوغاً في حق المسلم كالاحتلام والسن والثاني أنه دلالة على البلوغ فعلى هذا هل يكون دلالة في حق المسلم وفيه وجهان: أحدهما أنه دلالة لما روى محمد بن يحيى بن حبان أن غلاماً من الأنصار شبب بامرأة في شعره فرفع إلى عمر رضي الله عنه فلم يجده أنبت فقال: لو أنبت الشعر لحددتك والثاني أنه ليس بدلالة في حق المسلم وهو ظاهر النص لأن المسلمين يمكن الرجوع إلى أخبارهم فلم يجعل ذلك دلالة في حقهم والكفار لا يمكن

(2/130)


الرجوع إلى أخبارهم فجعل ذلك دلالة في حقهم ولأن الكافر لا يستفيد بالبلوغ إلا وجوب الحرية ووجوب القتل فلا يتهم في مداواة العانة بما ينبت الشعر والمسلم يستفتد بالبلوغ التصرف والكمال بالأحكام فلا يؤمن أن يداوي العانة بما ينبت الشعر فلم يجعل ذلك دلالة في حقه فأما الحيض فهو بلوغ لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما "إن المرأة إذا بلغت المحيض لا يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا" وأشار إلى الوجه والكف فعلق وجوب الستر بالمحيض وذلك تكليف فدل على أنه بلوغ يتعلق به التكليف وأما الحبل فهو دليل على البلوغ فإذا حبلت حكمنا بأنها بالغ لأن الحبل لا يكون إلا بإنزال الماء فدل على البلوغ فإذا كانت المرأة لها زوج فولدت حكمنا بأنها بالغ من قبل الوضع بستة أشهر لأن ذلك أقل مدة الوضع وإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحق الزوج حكمنا بأنها بالغ من قبل الطلاق وإن كانت خنثى فخرج المني من ذكره أو الدم من فرجه لم يحكم بالبلوغ لجواز أن يكون ذلك من العضو الزائد فإن خرج المني من الذكر والدم من الفرج فقد بلغ لأنه إذا كان رجلاً فقد أمنى وإن كان امرأة فقد حاضت.
فصل: فأما إيناس الرشد فهو إصلاح الدين والمال فإصلاح الدين أن لا يرتكب من المعاصي ما يسقط به العدالة وإصلاح المال أن يكون حافظاً لماله غير مبذر ويختبره الولي اختبار مثله من تجارة إن كان تاجراً أو تناء إن كان تانئاً أو إصلاح أمر البيت إن كان امرأة واختلف أصحابنا في وقت الاختبار فمنهم من قال لا يختبر في التجارة إلا بعد البلوغ لأن قبل البلوغ لا يصح تصرفه فلا يصح اختباره ومنهم من قال يختبر قبل البلوغ لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء: 6] فأمر باختبار اليتامى وهم الصغار فعلى هذا كيف يختبر؟ فيه وجهان: أحدهما أنه يسلم إليه المال فإذا ساوم وقرر الثمن عقد الولي لأن عقد الصبي لا يصح والثاني أنه يتركه حتى يعقد لأن هذا موضع ضرورة.

(2/131)


فصل: وإن بلغ مبذراً استديم الحجر عليه لأن الحجر عليه إنما يثبت للحاجة إليه لحفظ المال والحاجة قائمة مع التبذير فوجب أن يكون الحجر باقياً وإن بلغ مصلحاً للمال فاسقاً في الدين استديم الحجر عليه لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] والفاسق لم يؤنس منه الرشد ولأن حفظه للمال لا يوثق به مع الفسق لأنه لا يؤمن أن يدعوه الفسق إلى التبذير فلم يفك الحجر عنه ولهذا لم تقبل شهادته وإن كان معروفاً بالصدق لأنا لا نأمن أن يدعوه الفسق إلى الكذب وينظر في ماله من كان ينظر في حال الصغر وهو الأب والجد والوصي والحاكم لأنه حجر ثبت من غير قضاء فكان النظر إلى من ذكرنا كالحجر على الصبي والمجنون.
فصل: وإن بلغ مصلحاً للدين والمال فك عنه الحجر لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 6] وهل يفتقر فك الحجر إلى الحاكم فيه وجهان: أحدهما لا يفتقر إلى الحاكم لأنه حجر ثبت من غير حكم فزال من غير حكم كالحجر على المجنون والثاني أنه يفتقر إلى الحاكم لأنه يحتاج إلى نظر واختبار فافتقر إلى الحاكم كفك الحجر عن السفيه.
فصل: وإن فك عنه الحجر ثم صار مبذراً حجر عليه لما روي أن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه ابتاع أرضاً سبخة بستين ألفاً فقال عثمان: ما يسرني أن تكون لي بنعلي معاً فبلغ ذلك علياً كرم الله وجهه وعزم أن يسأل عثمان أن يحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير وذكر أن علياً يريد أن يسأل عثمان رضي الله عنهما أن يحجر عليه فقال الزبير أنا شريكك فجاء علي إلى عثمان رضي الله عنهما وسأله أن يحجر عليه فقال كيف أحجر على من شريكه الزبير فدل على جواز الحجر لأن كل معنى اقتضى الحجر إذا قارن البلوغ اقتضى الحجر إذا طرأ بعد البلوغ كالجنون فإن فك عنه الحجر ثم صار فاسقاً ففيه وجهان: قال أبو العباس: يعاد عليه الحجر لأنه معنى يقتضي الحجر عند البلوغ فاقتضى الحجر بعده كالتبذير وقال أبو إسحاق: لا يعاد عليه الحجر لأن الحجر للفسق لخوف التبذير وتبذير الفاسق ليس بيقين فلا يزال به ما تيقنا من حفظه للمال ولا يعاد عليه الحجر بالتبذير إلا بالحاكم لأن علياً كرم الله وجهه أتى عثمان رضي الله عنه وسأله أن يحجر على عبد الله بن جعفر ولأن العلم بالتبذير يحتاج إلى

(2/132)


نظر، فإن الغبن قد يكون تبذيراً وقد يكون غير تبذير ولأن الحجر للتبذير مختلف فيه فلا يجوز إلا بالحاكم فإذا حجر عليه لم ينظر في ماله إلا الحاكم لأنه حجر ثبت بالحاكم فصار هو الناظر كالحجر في المفلس ويستحب أن يشهد على الحجر ليعلم الناس بحاله وأن من عامله ضيع ماله فإن أقرضه رجل مالاً أو باع منه متاعاً لم يملكه لأنه محجور عليه لعدم الرشد فلم يملك بالبيع والقرض كالصبي والمجنون فإن كانت العين باقية ردت وإن كانت تالفة لم يجب ضمانها لأن المالك إن علم بحاله فقد دخل على بصيرة وأن ماله ضائع وإن لم يعلم فقد فرط حين ترك الاستظهار ودخل في معاملته على غير معرفة وإن غصب مالاً وأتلفه وجب عليه ضمانه لأن حجر العبد والصبي آكد من حجره ثم حجر العبد والصبي لا يمنع من وجوب ضمان المتلف فلأن لا يمنع حجر المبذر أولى فإن أودعه مالاً فأتلفه ففيه وجهان: أحدهما أنه لا يجب ضمانه لأنه فرط في التسليم إليه والثاني يجب ضمانه لأنه لم يرض بالإتلاف فإن أقر بمال لم يقبل إقراره لأنه حجر عليه لحظه فلا يصح إقراره بالمال كالصبي ولأنا لو قلنا يصح إقراره وصل بالإقرار إلى إبطال معنى الحجر وما لا يلزمه بالإقرار والابتياع لا يلزمه إذا فك عنه الحجر لأنا أسقطنا حكم الإقرار والابتياع لحفظ المال فلو قلنا إنه يلزمه إذا فك عنه الحجر لم يؤثر الحجر في حفظ المال وإن طلق امرأته صح الطلاق لأن الحجر لحفظ المال والطلاق لا يضيع المال بل يتوفر المال عليه وإن خالع جاز لأنه إذا صح الطلاق بغير مال فلأن يصح بالمال أولى ولا يجوز للمرأة أن تدفع إليه المال فإن دفعته لم يصح القبض ولم تبرأ المرأة منه فإن تلف كان ذلك من ضمانها وإن تزوج من غير إذن الولي فالنكاح باطل لأنه يجب به المال فإذا صححنا من غير إذن الولي تزوج من غير حاجة فيؤدي إلى إتلاف المال فإن تزوج بإذنه صح لأن الولي لا يأذن إلا في موضع الحاجة فلا يؤدي إلى إتلاف ماله فإن باع ففيه وجهان: أحدهما يصح لأنه عقد معاوضة فملكه بالإذن كالنكاح والثاني لا يصح لأن القصد منه المال وهو محجور عليه في المال فإن حلف انعقدت يمينه فإذا حنث كفر بالصوم لأنه مكلف ممنوع من التصرف بالمال فصحت يمينه وكفر بالصوم كالعبد وإن أحرم بالحج صح إحرامه لأنه من أهل العبادات فإن كان فرضاً لم يمنع من إتمامه ويجب الإنفاق عليه إلى أن يفرغ منه لأنه مال يحتاج إليه لأداء الفرض فوجب وإن كان تطوعاً فإن كان ما يحتاج إليه في الحج لا يزيد على نفقته لزمه إتمامه وإن كان يزيد على نفقته فإن كان له كسب إذا أضيف إلى النفقة أمكنه الحج لزمه إتمامه وإن لم يكن حلله الولي من الإحرام ويصير كالمحصر

(2/133)


ويتحلل بالصوم دون الهدي لأنه محجور عليه في المال فتحلل بالصوم دون الهدي كالعبد وإن أقر بنسب ثبت النسب لأنه حق ليس بمال فقبل إقراره به كالحد وينفق على الولد من بيت المال لأن المقر محجور عليه في المال فلا ينفق عليه من المال كالعبد وإن وجب له القصاص فله أن يقتص ويعفو لأن القصد منه التشفي ودرك الغيظ فإن عفا على مال وجب المال وإن عفا مطلقاً أو عفا على غير مال فإن قلنا إن القتل يوجب أحد الأمرين من القصاص أو الدية وجبت الدية ولم يصح عفوه عنها وإن قلنا إنه لا يوجب غير القصاص سقط ولم يجب المال.

(2/134)