المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الإجارة
مدخل
...
كتاب الإجارة
يجوز عقد الإجارة على المنافع المباحة والدليل عليه قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] وروى سعيد بن المسيب عن سعد رضي الله عنه قال: كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمرنا أن نكريها بذهب أو ورق وروى أبو أمامة التيمي قال: سألت ابن عمر فقلت: إنا قوم نكري في هذا الوجه وإن قوما يزعمون أن لا حج لنا فقال ابن عمر: ألستم تلبون وتطوفون بين الصفا والمروة إن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأل عما تسألونني فلم يرد عليه حتى نزل {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 198] فتلاها عليه وروى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره ولأن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان فلما جاز عقد البيع على الأعيان وجب أن يجوز عقد الإجارة على المنافع.
فصل: ولا تجوز على المنافع المحرمة لأنه يحرم فلا يجوز أخذ العوض عليه كالميتة والدم.
فصل: واختلف أصحابنا في استئجار الكلب المعلم فمنهم من قال: يجوز لأن فيه منفعة مباحة فجاز استئجاره كالفهد ومنهم من قال لا يجوز وهو الصحيح لأن اقتناءه لا يجوز إلا للحاجة وهو الصيد وحفظ الماشية وما لا يقوم غير الكلب فيه مقامه إلا بمؤن والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "من اقتنى كلباً إلا كلب صيد أو ماشية نقص من أجره كل يوم قيراطان" وما أبيح للحاجة لم يجز أخذ العوض عليه كالميتة ولأنه لا يضمن منفعته بالغصب فدل على أنه لا قيمة لها.
فصل: واختلفوا في استئجار الفحل للضراب فمنهم من قال: يجوز لأنه يجوز أن يستباح بالإعارة فجاز أن يستباح بالإجارة كسائر المنافع ومنهم من قال لا يجوز وهو الصحيح لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن عسب الفحل

(2/243)


ولأن المقصود منه هو الماء الذي يخلق منه وهو محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عليه كالميتة والدم.
فصل: واختلفوا في استئجار الدراهم والدنانير ليجمل بها الدكان واستئجار الأشجار لتجفيف الثياب والاستظلال فمنهم من قال يجوز لأنه منفعة مباحة فجاز الاستئجار لها كسائر المنافع ومنهم من قال: لا يجوز وهو الصحيح لأن الدراهم والدنانير لا تراد للجمال ولا الأشجار لتجفيف الثياب والاستظلال فكان بذل العوض فيه من السفه وأخذ العوض عنه من أكل المال بالباطل ولأنه لا يضمن منفعتها بالغصب فلم يضمن بالعقد.
فصل: واختلفوا في الكافر إذا استأجر مسلماً إجارة معينة فمنهم من قال فيه قولان لأنه عقد يتضمن حبس المسلم فصار كبيع العبد المسلم منه ومنهم من قال يصح قولاً واحداً لأن علياً كرم الله وجهه كان يستقي الماء لامرأة يهودية كل دلو بتمرة.
فصل: ولا يصح إلا من جائز التصرف في المال لأنه عقد يقصد به المال فلم يصح إلا من جائز التصرف في المال كالبيع.
فصل: وينعقد بلفظ الإجارة لأنه لفظ موضوع له وهل ينعقد بلفظ البيع؟ فيه وجهان: أحدهما ينعقد لأنه صنف من البيع لأنه تمليك يتقسط العوض فيه على المعوض كالبيع فانعقد بلفظه والثاني لا ينعقد لأنه يخالف البيع في الاسم والحكم فلم ينعقد بلفظه كالنكاح.
فصل: ويجوز على منفعة عين حاضرة مثل أن يستأجر ظهراً بعينه للركوب ويجوز على منفعة عين في الذمة مثل أن يستأجر في الذمة للركوب ويجوز على عمل معين مثل أن يكتري رجلاً ليخيط له ثوباً أو يبني له حائطاً ويجوز على عمل في الذمة مثل أن يكتري رجلاً ليحصل له خياطة ثوب أو بناء حائط لأنا بينا أن الإجارة بيع والبيع يصح في عين حاضرة وموصوفة في الذمة فكذلك الإجارة وفي استئجار عين لم يرها قولان: أحدهما لا يصح والثاني يصح ويثبت الخيار إذا رآها كما قلنا في البيع.
فصل: وتجوز على عين مفردة وعلى جزء مشاع لأنا بينا أنه بيع والبيع يصح في المفرد والمشاع وكذلك الإجارة.
فصل: ولا تجوز إلا على عين يمكن استيفاء المنفعة منها فإن استأجر أرضاً

(2/244)


للزراعة لم تصح حتى يكون لها ماء يؤمن انقطاعه كماء العين والمد بالبصرة والثلج والمطر في الجبل لأن المنفعة في الإجارة كالعين في البيع فإذا لم يجز بيع عين لا يقدر عليها لم تجز إجارة منفعة لا يقدر عليها فإن اكترى أرضاً على نهر إذا زاد سقي وإذا لم يزد لم يسقى كأرض مصر والفرات وما انحدر من دجلة نظرت فإن اكتراها بعد الزيادة صح العقد لأنه يمكن استيفاء المعقود عليه فهو كبيع الطير في القفص وإن كان قبل الزيادة لم يصح لأنه لم يعلم هل يقدر على المعقود عليه أو لا يقدر فلم يصح كبيع الطير في الهواء وإن اكترى أرضاً لا ماء لها ولم يذكر أن يكتريها للزراعة ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأن الأرض لا تكتري في العادة إلا للزراعة فصار كما لو شرط أنه يكتريها للزراعة والثاني إن كانت الأرض عالية لا يطمع في سقيها صح العقد أنه يعلم أنه لم يكترها للزراعة وإن كانت مستقلة يطمع في سقيها بسوق الماء إليها من موضع لم يصح لأنه اكتراها للزراعة مع تعذر الزراعة فإن اكترى أرضاً غرقت بالماء لزراعة ما لا يثبت في الماء كالحنطة والشعير نظرت فإن كان للماء مغيض إذا فتح انحسر الماء عن الأرض وقدر على الزراعة صح العقد لأنه يمكن زراعتها بفتح المغيض كما يمكن سكنى الدار بفتح الباب وإن لم يكن له مغيض ولا يعلم أن الماء ينحسر عنها لم يصح العقد لأنه لا يعلم هل يقدر على المعقود عليه أم لا يقدر فلم يصبح العقد كبيع ما في يد الغاصب فإن كان يعلم أن الماء ينحسر وتنشفه الريح ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه لا يمكن استيفاء المنفعة في الحال والثاني يصح وهو قول أبي إسحاق وهو الصحيح لأنه يعلم بالعادة إمكان الانتفاع به فإن اكترى أرضاً على ماء إذا زاد غرقت فاكتراها قبل الزيادة صح العقد لأن الغرق متوهم فلا يمنع صحة العقد.
فصل: وإن استأجر رجلاً ليعلمه بنفسه سورة وهو لا يحسنها ففيه وجهان: أحدهما يصح كما يصح أن يشتري سلعة بدراهم وهو لا يملكها ثم يحصلها ويسلم والثاني لا يصح لأنه عقد على منفعة معينة لا يقدر عليها فلم يصح كما لو أجر عبد غيره.
فصل: ولا تصح الإجارة إلا على منفعة معلومة القدر لأنا بينا أن الإجارة بيع

(2/245)


والبيع لا يصح إلا في معلوم القدر فكذلك الإجارة ويعلم مقدار المنفعة بتقدير العمل أو بتقدير المدة فإن كانت المنفعة معلومة القدر في نفسها كخياطة ثوب وبيع عبد والركوب إلى مكان قدرت بالعمل لأنها معلومة في نفسها فلا تقدر بغيرها وإن قدر بالعمل والمدة بأن استأجره يوماً ليخيط له قميصاً فالإجارة باطلة لأنه يؤدي إلى التعارض وذلك أنه قد يفرغ من الخياطة في بعض اليوم فإن طولب في بقية اليوم بالعمل أخل بشرط العمل وإن لم يطالب أخل بشرط المدة فإن كانت المنفعة مجهولة المقدار في نفسها كالسكنى والرضاع وسقي الأرض والتطيين والتجصيص قدر بالمدة لأن السكنى وما يشبع به الصبي من اللبن وما تروى به الرض من السقي يختلف ولا ينضبط ومقدار التطيين والتجصيص لا ينضبط لاختلافهما في الرقة والثخونة فقدر بالمدة واختلف أصحابنا في استئجار الظهر للحرث فمنهم من قال يجوز أن يقدر بالعمل بأن يستأجره ليحرث أرضاً بعينها ويجوز أن يقدر بالمدة بأن يستأجره ليحرث له شهراً ومنهم من قال لا يجوز تقديره بالمدة والأول أظهر لأنه يمكن تقديره بكل واحد منهم فجاز التقدير بكل واحد منهما.
فصل: وما عقد على مدة لا يجوز إلا على مدة معلومة الابتداء والانتهاء فإن قال أجرتك هذه الدار كل شهر بدينار فالإجارة باطلة وقال في الإملاء تصح في الشهر الأول وتيطل فيما زاد لأن الشهر الأول معلوم وما زاد مجهول فصح في المعلوم وبطل في المجهول كما لو قال أجرتك هذا الشهر بدينار وما زاد بحسابه والصحيح هو الأول لأنه عقد على الشهر وما زاد من الشهور وذلك مجهول فبطل ويخالف هذا إذا قال أجرتك هذا الشهر بدينار وما زاد بحسابه لأن هناك أفرد الشهر الأول بالعقد وههنا لم يفرد الشهر عما بعده بالعقد فبطل بالجميع فإن أجره سنة مطلقة حمل على سنة بالأهلة لأن السنة المعهودة بالشرع سنة الأهلة والدليل عليه قوله عز وجل {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فوجب أن يحمل العقد عليه فإن كان العقد في أول الهلال عد اثني عشر شهراً بالأهلة تاماً كان الشهر أو ناقصاً وإن كان في أثناء الشهر عد ما بقي من الشهر وعد بعده أحد عشر شهراً بالأهلة ثم كمل عدد الشهر الأول بالعدد ثلاثين يوماً لأنه تعذر إتمامه بالشهر الهلالي فتمم بالعدد فإن أجره سنة شمسية ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه على حساب أنسيء فيه الأيام والنسيء حرام والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} [التوبة: 37] والثاني أنه يصح لأنه وإن كان النسيء حراماً إلا أن المدة معلومة فجاز العقد كالنيروز والمهرجان وفي أكثر المدة التي يجوز عقد الإجارة عليه طريقان ذكرناهما في المساقاة.

(2/246)


فصل: ولا تصح الإجارة إلا على منفعة معلومة لأن الإجارة بيع والمنفعة فيها كالعين في البيع والبيع لا يصح إلا في المعلوم فكذلك الإجارة فإن كان المكترى داراً لم يصح العقد عليها حتى تعرف الدار لأن المنفعة تختلف باختلافها فوجب العلم بها ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين لأنها لا تضبط بالصفة فافتقر إلى التعيين كالعقار والجواهر في البيع وهل يفتقر إلى الرؤية؟ فيه قولان بناء على القولين في البيع ولا يفتقر إلى ذكر السكنى ولا إلى ذكر صفاتها لأن الدار لا تكترى إلا للسكنى وذلك معلوم بالعرف فاستغنى عن ذكرها كالبيع بثمن مطلق في موضع فيه نقد معروف وإن اكترى أرضاً لم يصح حتى تعرف الأرض لما ذكرناه في الدار ولا يصح حتى يذكر ما يكترى له من الزراعة والغراس والبناء لأن الأرض تكترى لهذه المنافع وتأثيرها في الأرض يختلف فوجب بيانها وإن قال أجرتك هذه الأرض لتزرعها ما شئت جاز لأنه جعل له زراعة أضر الأشياء فأي صنف زرع لم يستوف به أكثر من حقه وإن قال أجرتك لتزرع وأطلق ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأن الزروع مختلفة في التأثير في الأرض فوجب بينها والثاني يصح لأن التفاوت بين الزرعين يقل وإن قال أجرتك لتزرعها أو تغرسها لم يصح لأنه جعل له أحدهما ولم يعين فلم يصح كما قال بعتك أحد هذين العبدين وإن قال أجرتك لتزرعها وتغرسها ففيه وجهان: أحدهما لا يصح وهو قول المزني وأبي العباس وأبي إسحاق لأنه لم يبين المقدار من كل واحد منهما والثاني يصح وله أن يزرع النصف ويغرس النصف وهو ظاهر النص وهو قول أبي الطيب بن سلمة لأن الجمع يقتضي التسوية فوجب أن يكون نصفين.
فصل: وإن استأجر ظهراً للركوب لم يصح العقد حنى يعرف جنس المركوب لأن الغرض يختلف باختلافه ويعرف ذلك بالتعيين والوصف لأنه يضبط بالصفة فجاز أن يعقد عليه بالتعيين والوصف كما قلنا في البيع فإن كان في الجنس نوعان مختلفان في السير كالمهملج والقطوف من الخيل ففيه وجهان: أحدهما يفتقر إلى ذكره لأن سيرهما يختلف والثاني لا يختلف لأن التفاوت في جنس واحد يقل ولا يصح حتى يعرف الراكب ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين لأنه يختلف بثقله وخفته وحركته وسكونه ولا يضبط ذلك بالوصف فوجب تعيينه ولا يصح حتى يعرف ما يركب به من سرج وغيره لأنه يختلف ذلك على المركوب والراكب فإن كان عمارية أو محملاً ففيه ثلاثة أوجه: أحدها

(2/247)


أنه يجوز العقد عليه بالوصف لأنه يمكن وصفه فجاز العقد عليه بالصفة كالسرج والقتب والثاني إن كانت من المحامل البغدادية الخفاف جاز العقد عليه بالصفة لأنها لا تختلف وإن كانت من الخراسانية الثقال لم يجز إلا بالتعيين لأنها تختلف وتتفاوت والثالث وهو المذهب أنه لا يجوز إلا بالتعيين لأنها تختلف بالضيق والسعة والثقل والخفة وذلك لا يضبط بالصفة فوجب تعيينه واختلف أصحابنا في المعاليق كالقدر والسطيحة فمنهم من قال: لا يجوز حتى يعرف قولاً واحداً لأنها تختلف فوجب العلم بها ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما لا يجوز حتى يعرف لما ذكرناه والثاني يجوز وتحمل على ما جرت به العادة لأنه تابع غير مقصود فلم تؤثر الجهالة فيه كالغطاء في الإجارة والحمل في البيع وإن كان السير في طريق فيه منازل معروفة جاز العقد عليه مطلقاً لأنه معلوم بالعرف فجاز العقد عليه مطلقاً كالثمن في موضع فيه نقد متعارف فإن لم يكن فيه منازل معروفة لم يصح حتى يبين لأنه مختلف لا عرف فيه فوجب بيانه كالثمن في موضع لا نقد فيه.
فصل: فإن استأجر ظهراً لحمل متاع صح العقد من غير جنس الظهر لأنه لا غرض في معرفته ولا يصح حتى يعرف جنس المتاع إنه حديد أو قطن لأن ذلك يختلف على البهيمة ولا يصح حتى يعرف قدره لأنه يختلف فإن كان موزوناً ذكر وزنه وإن كان مكيلاً ذكر كيله فإن ذكر الوزن فهو أولى لأنه أخصر وأبعد من الغرر فإن عرف بالمشاهدة جاز كما يجوز بيع الصبرة بالمشاهدة وإن لم يعرف كيلها فإن شرط أن يحمل عليها ما شاء بطل العقد لأنه دخل في الشرط ما يقتل البهيمة وذلك لا يجوز فبطل به العقد فأما الظروف التي فيها متاع فإنه إن دخلت في وزن المتاع صح العقد لأن الغرر قد زال بالوزن وإن لم تدخل في وزن المتاع نظرت فإن كان ظروفاً معروفة كالغرائر الجبلية جاز العقد عليها من غير تعيين لأنها تتفاوت وإن كانت غير معروفة لم يجز حتى تعين لأنها تختلف ولا تضبط بالصفة فوجب تعيينه.
فصل: فإن استأجر ظهراً للسقي لم يصح العقد حتى يعرف الظهر لأنه لا يجوز إلا على مدة وذلك يختلف باختلاف الظهر فوجب العلم به على الأظهر ويجوز أن يعرف ذلك بالتعيين والصفة لأنه يضبط بالصفة فجاز أن يعقد عليه بالتعيين والصفة كما يجوز بيعه بالتعيين والصفة ولا يصح حتى يعرف الدولاب لأنه يختلف ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين لأنه لا يضبط بالصفة فوجب تعيينه.

(2/248)


فصل: وإن استأجر ظهراً للحرث لم يصح حتى يعرف الأرض لأنه يختلف ذلك بصلابة الأرض ورخاوتها فإن كان على جريان لم يفتقر إلى العلم بالظهر لأنه لا يختلف وإن كان على مدة وقلنا إنه يصح لم يجز حتى يعرف الظهر الذي يحرث به لأن العمل يختلف باختلافه ويعرف ذلك بالتعيين والصفة لما ذكرناه في السقي.
فصل: وإن استأجر ظهراً للدياس لم يصح حتى يعرف الجنس الذي يداس لأن العمل يختلف باختلافه فإن كان على زرع معين لم يفتقر إلى ذكر الحيوان الذي يداس به لأنه لا غرض في تعيينه فإن كان على مدة لم يصح حتى يعرف الحيوان الذي يداس به لأن العمل يختلف باختلافه.
فصل: وإن استأجر جارحة للصيد لم يصح حتى يعرف جنس الجارحة لأن الصيد يختلف باختلافه ويعرف ذلك بالتعيين والصفة لأنه يضبط بالصفة ولا يصح حتى يعرف ما يرسله عليه من الصيد لأن لكل صنف من الصيد تأثيراً في إتعاب الجارحة.
فصل: وإن استأجر رجلاً ليرعى له مدة لم يصح حتى يعرف جنس الحيوان لأن لكل جنس من الماشية تأثيراً في إتعاب الراعي ويجوز أن يعقد على جنس معين وعلى جنس في الذمة فإن عقد على موصوف لم يصح حتى يذكر العدد لأن العمل يختلف باختلافه ومن أصحابنا من قال يجوز مطلقاً ويحمل على ما جرت به العادة أن يرعاه الواحد من مائة أو أقل أو أكثر والأول أظهر لأن ذلك يختلف وليس فيه عرف واحد.
فصل: وإن استأجر امرأة للرضاع لم يصح العقد حتى يعرف الصبي الذي عقد على إرضاعه لأنه يختلف الرضاع باختلافه ولا يعرف ذلك إلا بالتعيين لأنه لا يضبط بالصفة ولا يصح حتى يذكر موضع الرضاع لأن الغرض يختلف باختلافه.
فصل: وإن استأجر رجلاً ليحفر له بئراً أو نهراً لم يصح العقد حتى يعرف الأرض لأن الحفر يختلف باختلافها ولا يصح حتى يذكر الطول والعرض والعمق لأن الغرض يختلف باختلافها وإن استأجر لبناء حائط لم يصح العقد حتى يذكر الطول والعرض وما يبنى به من الآجر واللبن والجص والطين لأن الأغراض تختلف باختلافها، وإن استأجره

(2/249)


لضرب اللبن لم يصح حتى يعرف موضع الماء والتراب ويذكر الطول والعرض والسمك والعدد وعلى هذا جميع الأعمال التي يستأجر عليها وإن كان فيما يختلف الغرض باختلافه ما لا يعرفه رجع فيه إلى أهل الخبرة ليعقد على شرطه كما إذا أراد أن يعقد النكاح ولم يعرف شروط العقد رجع إلى من يعرفه ليعقد بشروطه وإن عجز عن ذلك فوضه إلى من يعرفه ليعقد بشرطه كما يوكل الأعمى في البيع والشراء من يشاهد المبيع.
فصل: وإن استأجر رجلاً ليلقنه سورة من القرآن لم يصح حتى يعرف السورة لأن الغرض يختلف باختلافها وإن كان على تلاوة عشر آيات من القرآن لم يصح حتى يعينها لأن آيات القرآن تختلف فإن كان على عشر آيات من سورة معينة ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأن الأعشار تختلف والثاني يصح لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضت نفسها عليه فقال لها: "اجلسي بارك الله فيك أما نحن فلا حاجة لنا فيك ولكن تملكيننا أمرك" قالت نعم: فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه القوم فدعا رجلاً منهم فقال: "إني أريد أن أزوجك هذا إن رضيت" فقالت ما رضيت لي يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رضيت ثم قال للرجل: "هل عندك من شيء" قال لا والله يا رسول الله قال: "ما تحفظ من القرآن؟ " قال: سورة البقرة والتي تليها قال: "قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك" وهل يفتقر إلى تعيين الحرف؟ فيه وجهان: أحدهما لا يصح حتى يعين الحرف لأن الأغراض تختلف باختلاف الحرف والثاني لا يحتاج إلى تعيين الأحرف لأن ما بين الأحرف من الاختلاف قليل.
فصل: وإن استأجر للحج والعمرة لم يصح حتى يذكر أنه إفراد أو قران أو تمتع لأن الأغراض تختلف باختلافها فأما موضع الإحرام فقال في الأم لا يجوز حتى يعين وقال في الإملاء إذا استأجر أجيراً أحرم من الميقات ولم يشترط التعيين واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق المرزوي فيه قولان: أحدهما لا يجوز حتى يعين لأن الإحرام قد يكون من الميقات وقد يكون من دويرة أهله وقد يكون من غيرهما فإذا أطلق العقد على مجهول فلم يصح والثاني أنه يجوز من غير تعيين ويحمل على ميقات الشرع لأن الميقات معلوم بالشرع فانصرف الإطلاق إليه كنقد البلد في البيع ومن أصحابنا من قال إن كان الحج عن حي لم يجز حتى يعين لأنه يمكن الرجوع إلى معرفة غرضه وإن كان عن ميت جاز من غير تعيين لأنه لا يمكن الرجوع إلى معرفة غرضه وحمل القولين

(2/250)


على هذين الحالين ومنهم من قال: إن كان للبلد ميقاتان لم يجز حتى يبين لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب بيانه كالثمن في موضع فيه نقدان وإن لم يكن له إلا ميقات واحد جاز من غير تعيين كالثمن في موضع ليس فيه إلا نقد واحد وحمل القولين على هذين الحالين فإن ترك التعيين وقلنا إنه لا يصح فحج الأجير انعقد الحج للمستأجر لأنه فعله بإذنه مع فساد العقد فوقع له كما لو وكله وكالة فاسدة في بيع.
فصل: ولا تصح الإجارة إلا على أجرة معلومة لأنه عقد يقصد به العوض فلم يصح من غير ذكر العوض كالبيع ويجوز إجارة المنافع من جنسها ومن غير جنسها لأن المنافع في الإجارة كالأعيان في البيع ثم الأعيان يجوز بيع بعضها ببعض فكذلك المنافع.
فصل: ولا تجوز إلا بعوض معلوم لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استأجر أجيراً فليعلمه أجره1" ولأنه عقد معاوضة فلم يجز بعوض مجهول كالبيع وإن عقد بمال جزاف نظرت فإن كان العقد على منفعة في الذمة ففيه قولان لأن إجارة المنفعة في الذمة كالسلم وفي السلم على مال جزاف قولان فكذلك في الإجارة ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما يجوز والثاني لا يجوز لأنه عقد على منتظر وربما انفسخ فيحتاج إلى الرجوع إلى العوض فكان في عوضه جزافاً قولان كالسلم وإن كانت الإجارة على منفعة معينة جاز بأجرة حالة ومؤجلة لأن إجارة العين كبيع العين وبيع العين يصح بثمن حال ومؤجل فكذلك الإجارة فإن أطلق العقد وجبت الأجرة بالعقد ويجب تسليمها بتسليم العين لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف رشحه2" ولأن الإجارة كالبيع ثم في البيع يجب الثمن بنفس العقد ويجب تسليمه بتسليم العين فكذلك في الأجرة فإن استوفى المنفعة استقرت الأخيرة لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال ربكم عز وجل: ثلاث أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حراً فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره" ولأنه قبض المعقود عليه فاستقر عليه البدل كما لو قبض المبيع فإن سلم إليه العين التي وقع في العقد على منفعتها ومضت مدة يمكن فيها الاستيفاء استقر البدل لأن المعقود عليه تلف تحت يده فاستقر عليه البدل كالمبيع إذا تلف في يد المشتري فإن عرض العين على المستأجر ومضى زمان يمكن فيه الاستيفاء استقرت الأجرة لأن المنافع تلفت باختياره فاستقر عليه
__________
1 رواه النسائي في كتاب الأيمان باب 44. أحمد في مسنده "3/59،68".
2 رواه ابن ماجة في كتاب الرهون باب 4.

(2/251)


ضمانها كالمشتري إذا أتلف المبيع في يد البائع فإن كان هذا في إجارة فاسدة استقر عليه أجرة المثل لأن الإجارة كالبيع والمنفعة كالعين ثم البيع الفاسد كالصحيح في استقرار البدل فكذلك في الإجارة فإن كان العقد على منفعة في الذمة لم يجز بأجرة مؤجلة لأن إجارة ما في الذمة كالسلم ولا يجوز السلم بثمن مؤجل فكذلك الإجارة ولا يجوز حتى يقبض العوض في المجلس كما لا يجوز في السلم ومن أصحابنا من قال إن كان العقد بلفظ السلم وجب قبض العوض في المجلس لأنه سلم وإن كان بلفظ الإجارة لم يجب لأنه إجارة والأول أظهر لأن الحكم يتبع المعنى لا الإسم ومعناه معنى السلم فكان حكمه كحكمه ولا تستقر الأجرة في هذه الإجارة إلا باستيفاء المنفعة لأن المعقود عليه في الذمة فلا يستقر بدله من غير استيفاء كالمسلم فيه.
فصل: وما عقد من الإجارة على منفعة موصوفة في الذمة يجوز حالاً ومؤجلاً في الذمة كالسلم والسلم يجوز حالاً ومؤجلاً فكذلك الإجارة في الذمة وإن استأجر منفعة في الذمة وأطلق وجبت المنفعة حالة كما إذا أسلم في شيء وأطلق وجب حالاً فإن استأجر رجلاً للحج في الذمة لزمه الحج من سنته فإن أخره عن السنة نظرت فإن كانت الإجارة عن حي كان له أن يفسخ لأن حقه تأخر وله في الفسخ فائدة وهو أن يتصرف في الأجرة فإن كانت عن ميت لم يفسخ لأنه لا يمكن التصرف في الأجرة إذا فسخ العقد ولا بد من استئجار غيره في السنة الثانية فلم يكن للفسخ وجه وما عقد على منفعة معينة لا يجوز إلا حالاً فإن كان على مدة لم يجز إلا على مدة يتصل ابتداؤها بالعقد وإن كان على عمل معين لم يجز إلا في الوقت الذي يمكن الشروع في العمل لأن إجارة العين كبيع العين وبيع العين لا يجوز إلا على ما يمكن الشروع في قبضها فكذلك الإجارة فإن استأجر من يحج له لم يجز إلا في الوقت الذي يتمكن فيه من التوجه فإن كان في موضع قريب لم يجز قبل شهر الحج لأنه يتأخر استيفاء المعقود عليه عن حال العقد وإن كان في موضع بعيد لا يدرك الحج إلا أن يسير قبل أشهره لم يستأجر إلا في الوقت الذي يتوجه بعده لأنه وقت الشروع في الاستيفاء فإن قال أجرتك هذه الدار شهراً لم يصح لأنه ترك تعيين المعقود عليه في عقد شرط فيه التعيين فبطل كما لو قال بعتك عبداً فإن أجر داراً من رجل شهراً من وقت العقد ثم أجرها منه الشهر الذي بعده قبل انقضاء الشهر الأول ففيه وجهان: أحدهما لا يصح لأنه إجارة منفعة معينة على مدة متأخرة عن العقد فأشبه إذا أجرها من غيره والثاني أنه يصح وهو المنصوص لأنه ليس لغيره يد تحول بينه وبين ما استأجر ولأن أحد شهريه لا ينفصل عن الآخر فأشبه إذا جمع بينهما في العقد

(2/252)


فصل: فإن أكرى ظهراً من رجلين يتعاقبان عليه أو اكترى من رجل عقبة ليركب في بعض الطريق دون بعض جاز وقال المزني لا يجوز اكتراء العقبة إلا مضموناً لأنه يتأخر حق أحدهما عن العقد فلم يجز كما لو أكراه ظهراً في مدة تتأخر عن العقد والمذهب الأول لأنه استحقاق الاستيفاء مقارن للعقد وإنما يتأخر في القسمة وذلك لا يمنع صحة العقد كما لو باع من رجلين صبرة فإنه يصح وإن تأخر حق أحدهما عند القسمة فإن كان ذلك في طريق فيه عادة في الركوب والنزول جاز العقد عليه مطلقاً وحملا في الركوب والنزول على العادة لأنه معلوم بالعادة فحمل الإطلاق عليه كالنقد المعروف في البيع وإن لم يكن فيه عادة لم يصح حتى يبين مقدار ما يركب كل واحد منهما لأنه غير معلوم بالعادة فوجب بيانه كالثمن في موضع لا نقد فيه فإن اختلفا في البادئ في الركوب أقرع بينهما فمن خرجت عليه القرعة قدم لأنهما تساويا في الملك فقدم القرعة.
فصل: وما عقد من الإجارة على مدة لا يجوز فيه شرط الخيار لأن الخيار يمنع من التصرف فإن حسب ذلك على المكرى زدنا عليه المدة وإن حسب على المكترى نقصنا من المدة وهل يثبت فيه خيار المجلس؟ فيه وجهان: أحدهما لا يثبت لما ذكرناه من النقصان والزيادة في خيار الشرط والثاني يثبت لأنه قدر يسير ولكل واحد منهما إسقاطه وإن كان الإجارة على عمل معين ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يثبت فيه الخياران لأنه عقد على غرر فلا يضاف إليه غرر الخيار والثاني يثبت فيه الخياران لأن المنفعة المعينة كالعين المعينة في البيت ثم العين المعينة يثبت فيها الخياران فكذلك المنفعة والثالث يثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط لأنه عقد على منتظر فيثبت فيه خيار المجلس دون خيار الشرط كالسلم وإن كانت الإجارة على منفعة في الذمة ففيه وجهان: أحدهما لا يثبت فيه الخياران لأنه عقد على غرر فلا يضاف إليه غرر الخيار والثاني يثبت فيه خيار المجلس دون الشرط لأن الإجارة في الذمة كالسلم وفي السلم يثبت خيار المجلس دون خيار الشرط فكذلك في الإجارة.
فصل: وإذا تم العقد لزم ولم يملك واحد منهما أن ينفرد بفسخه من غير عيب لأن الإجارة كالبيع ثم البيع إذا تم لزم فكذلك الإجارة وبالله التوفيق.

(2/253)


باب ما يلزم المتكاريين وما يجوز لهما
يجب على المكري ما يحتاج إليه المكتري للتمكين من الانتفاع كمفتاح الدار وزمام

(2/253)


الجمل والبرة التي في أنفه والحزام والقتب والسرج واللجام للفرس لأن التمكين عليه ولا يحصل التمكين إلا بذلك فإن تلف شيء منه في يد المكتري لم يضمنه كما لا يضمن العين المستأجرة وعلى المكري بدله لأن التمكين مستحق عليه إلى أن يستوفى المستأجر المنفعة وما يحتاج إليه لكمال الانتفاع كالدلو والحبل والمحمل والغطاء فهو على المكتري لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع واختلف أصحابنا فيما يشد به أحد المحملين إلى الآخر فمنهم من قال هو على المكري لأنه من آلة التمكين فكان على المكري ومنهم من قال هو على المكتري لأنه بمنزلة تأليف المحمل وضم بعضه إلى بعض.
فصل: وعلى المكري إشالة المحمل وحطه وسوق الظهر وقوده لأن العادة أنه يتولاه المكري فحمل العقد عليه وعليه أن ينزل الراكب للطهارة وصلاة الفرض لأنه لا يمكن ذلك على الظهر ولا يجب ذلك للأكل وصلاة النفل لأنه يمكن فعله على الظهر وعليه أن يبرك الجمل للمرأة والمريض والشيخ الضعيف لأن ذلك من مقتضى التمكين من الانتفاع فكان عليه فأما أجرة الدليل فينظر فيه فإن كانت الإجارة على تحصيل الراكب فهو على المكري لأن ذلك من مؤن التحصيل وإن كانت الإجارة على ظهر بعينه فهو على المكتري لأن الذي يجب على المكري تسلم الظهر وقد فعل وعلى المكري تسليم الدار فارغة الحش لأنه من مقتضى التمكين فإن امتلأ في يد المكتري ففي كسحه وجهان: أحدهما أنه على المكري لأنه من مقتضى التمكين فكان عليه والثاني أنه على المكتري لأنه حصل بفعله فكان تنقيته عليه كتنظيف الدار من القماش وعلى المكري إصلاح ما تهدم من الدار وإبدال ما تكسر من الخشب لأن ذلك من مقتضى التمكين فكان عليه واختلف أصحابنا في المستأجرة على الرضاع هل يلزمها الحضانة وغسل الخرق فمنهم من قال يلزمها لأن الحضانة تابعة للرضاع فاستحقت بالعقد على الرضاع ومنهم من قال لا يلزمها لأنهما منفعتان مقصودتان تنفرد إحداهما عن الأخرى فلا تلزم بالعقد على إحداهما الأخرى وعليها أن تأكل وتشرب ما يدر به اللبن ويصلح به وللمستأجر أن يطالبها بذلك لأن من مقتضى التمكين من الرضاع وفي تركه إضرار بالصبي.

(2/254)


فصل: وعلى المكري علف الظهر وسقيه لأن ذلك من مقتضى التمكين فكان عليه فإن هرب الجمال وترك الجمال فللمستأجر أن يرفع الأمر إلى الحاكم ليحكم في مال الجمال بالعلف لأن ذلك مستحق عليه فجاز أن يتوصل بالحكم إليه فإن أنفق المستأجر ولم يستأذن الحاكم لم يرجع لأنه متطوع وإن رفع الأمر إلى الحاكم ولم يكن للجمال مال اقترض عليه فإن اقترض من المستأجر وقبضه منه ثم دفعه إليه لينفق جاز وإن لم يقبض منه ولكنه أذن له في الإنفاق عليها قرضاً على الجمال ففيه قولان: أحدهما لا يجوز لأنه إذا أنفق احتجنا أن يقبل قوله في استحقاق حق له على غيره والثاني يجوز لأنه موضع ضرورة لأنه لا بد للجمال من علف وليس ههنا من ينفق غيره فإن أذن له وأنفق ثم اختلفا في قدر ما أنفق فإن كان ما يدعيه زيادة على المعروف لم يلتفت إليه لأنه إن كان كاذباً فلا حق له وإن كان صادقاً فهو متطوع بالزيادة فلم تصح الدعوى وإن كان ما يدعيه هو المعروف فالقول قوله لأنه مؤتمن في الإنفاق فقبل قوله فيه فإن لم يكن حاكم فأنفق ولم يشهدلم يرجع لأنه متطوع وإن أشهد فهل يرجع فيه وجهان: أحدهما لا يرجع لأنه يثبت حقاً لنفسه على غيره من غير إذن ولا حاكم والثاني يرجع لأنه حق على غائب تعذر استيفاؤه منه فجاز أن يتوصل إليه بنفسه كما لو كان له على رجل دين لا يقدر على أخذه منه فإن لم يجد من يشهد أنفق وفي الرجوع وجهان: أحدهما لا يرجع لما ذكرناه فيه إذا أشهد والثاني يرجع لأن ترك الجمال مع العلم أنه لا بد لها من العلف إذن في الإنفاق.
فصل: واختلف أصحابنا في رد المستأجر بعد انقضاء الإجارة فمنهم من قال لا يلزمه قبل المطالبة لأنه أمانة فلا يلزمه ردها قبل الطلب كالوديعة ومنهم من قال يلزمه لأنه بعد انقضاء الإجارة غير مأذون له في إمساكها فلزمها الرد كالعارية المؤقتة بعد انقضاء وقتها فإن قلنا لا يلزمه الرد لم يلزمه مؤنة الرد كالوديعة وإن قلنا يلزمه لزمه مؤنة الرد كالعارية.
فصل: وللمستأجر أن يستوفي مثل المنفعة المعقود عليها بالمعروف، لأن إطلاق

(2/255)


العقد يقتضي المتعارف والمتعارف كالمشروط فإن استأجر داراً للسكنى جاز أن يطرح فيها المتاع لأن ذلك متعارف في السكنى ولا يجوز أن يربط فيها الدواب ولا يقصر فيها الثياب ولا يطرح في أصول حيطانها الرماد والتراب لأن ذلك غير متعارف في السكنى وهل يجوز أن يطرح فيها ما يسرع إليه الفساد؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأن الفأر ينقب الحيطان للوصول إلى ذلك والثاني يجوز وهو الأظهر لأن طرح ما يسرع إليه قميصاً للبس لم يجز أن ينام فيه بالليل ويجوز بالنهار لأن العرف أن يخلع لنوم الليل دون نوم النهار وإن استأجر ظهر للركوب ركب عليه لا مستلقياً ولا منكباً لأن ذلك هو المتعارف وإن كان في طريق العادة فيه السير في أحد الزمانين من ليل أو نهار لم يسر في الزمان الآخر لأن ذلك هو المعارف وإن اكترى ظهراً في طريق العادة فيه النزول للرواح ففيه وجهان: أحدهما يلزمه النزول لأن ذلك متعارف والمتعارف كالمشروط والثاني لا يلزمه لأنه عقد على الركوب في جميع الطريق فلا يلزمه تركه في بعضه فإن اكترى ظهراً إلى مكة لم يجز أن يحج عليه لأن ذلك زيادة على المعقود عليه وإن اكتراه للحج عليه فله أن يركبه إلى منى ثم إلى عرفة ثم إلى المزدلفة ثم إلى منى ثم إلى مكة وهل يجوز أن يركبه من مكة عائداً إلى منى للمبيت والرمي؟ فيه وجهان: أحدهما له ذلك لأنه من تمام الحج والثاني ليس له لأنه قد حل من الحج.
فصل: فإن اكترى ليحمل له أرطالاً من الزاد فهل له أن يبدل مال يأكله فيه قولان: أحدهما له أن يبدل وهو اختيار المزني كما أن له أن يبدل ما يشرب من الماء والثاني ليس له أن يبدله لأن العادة أن الزاد يشتري موضعاً واحداً بخلاف الماء قال أبو إسحاق: هذا إذا لم تختلف قيمة الزاد في المنازل فأما إذا كانت قيمته تختلف في المنازل جاز له أن يبدله قولاً واحداً لأنه له غرضاً أن لا يشتري موضعاً واحداً.

(2/256)


فصل: وإن اكترى ظهراً فله أن يضربه ويكبحه باللجام ويركضه بالرجل للاستصلاح لما روى جابر قال: سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشترى مني بعيراً وحملني عليه إلى المدينة وكان يسوقه وأنا راكبه وإنه ليضربه بالعصا ولا يتوصل إلى استيفاء المنفعة إلا بذلك فجاز له فعله.
فصل: وللمستأجر أن يستوفى مثل المنفعة المعقود عليها وما دونها في الضرر ولا يملك أن يستوفي ما فوقها في الضرر فإن اكترى ظهراً ليركبه في طريق فله أن يركبه في مثله وما دونه في الخشونة ولا يركبه فيما هو أخشن منه فإن استأجر أرضاً ليزرع فيها الحنطة فله أن يزرع مثلها وما دونها في الضرر ولا يزرع ما فوقها لأن في مثلها يستوفي قدر حقه وفيما دونها يستوفي بعض حقه وفيما فوقها يستوفي أكثر من حقه فإن اكترى ظهراً ليحمل عليه القطن لم يحمل عليه الحديد لأنه أضر على الظهر من القطن لاجتماعه وثقله فإن اكتراه للحديد لم يحمل عليه القطن لأنه أضر من الحديد لأنه يتجافى ويقع فيه الريح فيتعب الظهر فإن اكتراه ليركبه بسرج لم يجز أن يركبه عرياً لأن ركوبه عرياً أضر فإن اكتراه عرياً لم يركبه بسرج لأنه يحمل عليه أكثر مما عقد عليه فإن اكترى ظهراً ليركبه لم يجز أن يحمل عليه المتاع لأن الراكب يعين الظهر بحركته والمتاع لا يعينه فإن اكتراه لحمل المتاع لم يجز أن يركبه لأن الراكب أشد على الظهر لأنه يقعد في موضع واحد والمتاع يتفرق على جنبيه فإن اكترى قميصاً للبس لم يجز أن يتزر به لأن الإتزار أضر من اللبس لأنه يعتمد فيه على طاقين وفي اللبس يعتمد فيه على طاق واحد وهل له أن يرتدي به فيه وجهان: أحدهما يجوز لأنه أخف من اللبس والثاني لا يجوز لأنه استعمال غير معروف فلا يملكه كالاتزار.
فصل: وله أن يستوفي المنفعة بنفسه وبغيره فإن اكترى داراً ليسكنها فله أن يسكنها مثله ومن هو دونه في الضرر ولا يسكنها من هو أضر منه فإن اكترى ظهراً ليركبه فله أن يركبه مثله ومن هو أخف منه ولا يركبه من هو أثقل منه لما ذكرناه في الفصل قبله.
فصل: فإن استأجر عيناً لمنفعة وشرط عليه أن لا يستوفي مثلها أو دونها أو لا يستوفيها لمن هو مثله أو دونه ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أن الإجارة باطلة لأنه شرط فيها ما ينافي موجبها فبطلت والثاني أن الإجارة جائزة والشرط باطل لأنه شرط لا يؤثر في حق

(2/257)


المؤجر فألغي وبقي العقد على مقتضاه الثالث أن الإجارة جائزة والشرط لازم لأن المستأجر يملك المنافع من جهة المؤجر فلا يملك ما لم يرض به.
فصل: وللمستأجر أن يؤجر العين المستأجرة إذا قبضها لأن الإجارة كالبيع وبيع المبيع يجوز بعد القبض فكذلك إجارة المستأجر ويجوز من المؤجر وغيره كما يجوز بيع المبيع من البائع وغيره وهل يجوز قبل القبض فيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يجوز كما لا يجوز بيع المبيع قبل القبض والثاني يجوز لأن المعقود عليه هو المنافع والمنافع لا تصير مقبوضة بقبض العين فلم يؤثر فيها قبض العين والثالث أنه يجوز إجارتها من المؤجر لأنها في قبضته ولا يجوز من غيره لأنها ليست في قبضته ويجوز أن يؤجرها برأس المال وبأقل منه وبأكثر لأنا بينا أن الإجارة بيع وبيع المبيع يجوز برأس المال وبأقل منه وبأكثر منه فكذلك الإجارة.
فصل: وإن استأجر عيناً لمنفعة فاستوفى أكثر منها فإن كانت زيادة تتميز بأن اكترى ظهراً ليركبه إلى مكان فجاوز أو ليحمل عليه عشرة أقفزة فحمل عليه أحد عشر قفيزاً لزمه المسمى لما عقد عليه وأجرة المثل لما زاد لأنه استوفى المعقود عليه فاستقر عليه المسمى واستوفى زيادة فلزمه ضمان مثلها كما لو اشترى عشرة أقفزة فقبض أحد عشر قفيزاً فإن كانت الزيادة لا تتميز بأن اكترى أرضاً ليزرعها حنطة فزرعها دخناً فقد اختلف أصحابنا فيه فذهب المزني وأبو إسحاق إلى أن المسألة على قولين: أحدهما يلزمه أجرة المثل للجميع لأنه تعدى بالعدول عن المعقود عليه إلى غيره فلزمه ضمان المثل كما لو اكترى أرضاً للزراعة فزرع أرضاً أخرى والثاني يلزمه المسمى وأجرة المثل للزيادة لأنه استوفى ما استحقه وزيادة فأشبه إذا استأجر ظهراً إلى موضع فجاوزه وذهب القاضي أبو حامد المروروذي إلى أن المسألة على قول واحد وأن صاحب الأرض بالخيار بين أن يأخذ المسمى وأجرة المثل للزيادة وبين أن يأخذ أجره المثل للجميع لأنه أخذ شبهاً ممن استأجر ظهراً إلى مكان فجاوزه وشبهاً ممن اكترى أرضاً للزرع فزرع غيرها فخير بين الحكمين.
فصل: وإن أجره عينا ثم أراد أن يبدلها بغيرها لم يملك لأن المستحق معين فلم يملك إبداله بغيره كما لو باع عيناً فأراد أن يبدها بغيرها.
فصل: فإن استأجر أرضاً مدة للزراعة فأراد أن يزرع ما لا يستحصد في تلك المدة فقد ذكر بعض أصحابنا أنه لا يجوز وللمؤجر أن يمنعه من زراعته فإن بادر

(2/258)


المستأجر وزرع لم يجبر على قلعه قبل انقضاء المدة ويحتمل عندي أنه لا يجوز منعه من الزراعة لأنه يستحق الزراعة إلى أن ينقضي المدة فلا يجوز منعه قبل القضاء المدة ولأنه لا خلاف أنه إن سبق وزرع لم يجبر على نقله فلا يجوز منعه من زراعته.
فصل: وإن اكترى أرضاً مدة للزرع لم يخل إما أن يكون لزرع مطلق أو لزرع معين فإن كان لزرع مطلق فزرع وانقضت المدة ولم يستحصد الزرع نظرت فإن كان بتفريط منه بأن زرع صنفاً لا يستحصد في تلك المدة أو صنفاً يستحصد في المدة إلا أنه أخر زراعته فللمكري أن يأخذه بنقله لأنه لم يعقد إلا على المدة فلا يلزمه الزيادة عليها لتفريط المكتري فإن لم يستحصد لشدة البرد أو قلة المطر ففيه وجهان: أحدهما يجبر على نقله لأنه كان يمكنه أن يستظهر بالزيادة في مدة الإجارة فإذا لم يفعل لم يلزم المكري أن يستدرك له ما تركه والثاني لا يجبر وهو الصحيح لأنه تأخر من غير تفريط منه فإن قلنا مجبر على نقله وتراضيا على تركه بإجارة أو إعارة جاز لأن النقل لحق المكري وقد رضي بتركه وإن قلنا لا يجبر فعليه المسمى إلى القضاء المدة بحكم العقد وأجرة المثل لما زاد لأنه كما لا يجوز الإضرار بالمستأجر في نقل زرعه لا يجوز الإضرار بالمؤجر في تفويت منفعة أرضه فإن كان لزرع معين لا يستحصد في المدة وانقضت المدة والزرع قائم نظرت فإن شرط عليه القلع فالإجارة صحيحة لأنه عقد على مدة معلومة ويجبر على قلعه لأنه دخل على هذا الشرط فإن تراضيا على تركه بإجارة أو إعارة جاز لما ذكرناه وإن شرط التبقية بعد المدة فالإجارة باطلة لأنه شرط ينافي مقتضى العقد فأبطله فإن لم يزرع كان لصاحب الأرض أن يمنعه من الزراعة لأنها زراعة فالعقد باطل فإن بادر وزرع لم يجبر على القلع لأنه زرع مأذون فيه وعليه أجرة المثل لأنه استوفى منفعة الأرض بإجارة فاسدة فإن أطلق العقد ولم يشرط التبقية ولا القلع ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه يجبر على قلعه لأن العقد إلى مدة وقد انقضت فأجبر على قلعه كالزرع المطلق والثاني لا يجبر لأنه دخل معه على العمل بحال الزرع وأن العادة فيه الترك إلى الحصاد فلزمه الصبر عليه كما لو باع ثمرة بعد بدو الصلاح وقبل الإدراك ويخالف هذا إذا اكترى لزرع مطلق لأن هناك يمكنه أن يزرع ما يستحصد في المدة فإذا ترك كان ذلك بتفريط منه فأجبر على قلعه وههنا هو زرع معنى علم المكري أنه لا يستحصد في تلك المدة فإذا قلنا يجبر فتراضيا على تركه بإجارة أو إعارة جاز لما ذكرناه وإن قلنا لا يجبر لزمه المسمى للمدة وأجرة المثل للزيادة لأنه كما لا يجوز الإضرار بالمكتري في نقل زرعه لا يجوز الإضرار بالمكري في إبطال منفعة أرضه.

(2/259)


فصل: وإن اكترى أرضاً للغراس مدة لم يجز أن يغرس بعد انقضائها لأن العقد يقتضي الغرس في المدة فلم يملك بعدها فإن غرس في المدة وانقضت المدة نظرت فإن شرط عليه القلع بعد المدة أخذ بقلعه لما تقدم من شرطه ولا يبطل العقد بهذا الشرط لأن الذي يقتضيه العقد هو الغراس في المدة وشرط القلع بعد المدة لا يمنع ذلك وإنما يمنع من التبقية بعد المدة والتبقية بعد المدة من مقتضى الإذن لا من مقتضى العقد لم يبطل العقد بإسقاطها فإذا قلع لم يلزمها تسوية الأرض لأنه لما شرط القلع رضي بما يحصل به من الحفر فإن أطلق العقد ولم يشترط القلع ولا التبقية لم يلزمه القلع لأن تفريغ المستأجر على حسب العادة ولهذا لو اكترى داراً وترك فيها متاعاً وانقضت المدة لم يلزمه المستأجر على حسب العادة ولهذا لو اكترى داراً وترك فيها متاعاً وانقضت المدة لم يلزمه تفريغها إلا على حسب العادة في نقل مثله والعادة في الغراس التبقية إلى أن يجف ويستقلع فإن اختار المكتري القلع نظرت فإن كان ذلك قبل انقضاء المدة ففيه وجهان: أحدهما يلزمه تسوية الأرض لأنه قلع الغراس من أرض غيره بغير إذنه فلزمه تسوية الأرض والثاني لا يلزمه لأنه قلع الغراس من أرض غيره بغير إذنه فلزمه تسوية الأرض والثاني لا يلزمه لأنه قلع الغراس من أرض له عليه يد فإن كان ذلك بعد انقضاء المدة لزمه تسوية الأرض وجهاً واحداً لأنه قلع الغراس من أرض غيره بلا إذن ولا يد فإن اختار التبقية نظرت فإن أراد صاحب الأرض أن يدفع قيمة الغراس ويتملكه أجبر المكتري على ذلك لأنه يزول عنه الضرر بدفع القيمة فإن أراد أن يقلعه نظرت فإن كان قيمة الغراس لا تنقص بالقلع أجبر المكتري على القلع لأنه لا ضرر عليه في القلع فإن كانت قيمة الغراس تنقص بالقلع أجبر المكتري على القلع لأنه لا ضرر عليه في القلع فإن كانت قيمة الغراس تنقص بالقلع فإن ضمن له أرض نقص أجبر عليه لأنه لا ضرر عليه بالقلع مع دفع الأرش فإن أراد أن يقلع ولا يضمن أرش النقص لم يجبر المكتري قال المزني يجبر لأنه لا يجوز أن ينتفع بأرض غيره من غير رضاه وهذا خطأ لأن في قلع ذلك من غير ضمان الأرض إضراراً بالمكتري والضرر لا يزال بالضرر فإن اختار أن يقر الغراس في الأرض ويطالب المكتري بأجرة المثل أجبر المكتري لأنه كما لا يجوز الإضرار بالمكتري بالقلع من غير ضمان لا يجوز الإضرار بالمكري بإبطال منفعة الأرض عليه من غير أجرة فإن أراد المكتري أن يبيع الغراس من المكري جاز وإن أراد بيعه من غيره ففيه وجهان وقد بيناهما في كتاب العارية فإن اكترى بشرط التبقية بعد المدة جاز لأن إطلاق العقد يقتضي التبقية فلا يبطل بشرطها والحكم في القلع والتبقية على ما ذكرناه فيه إذا أطلق العقد.
فصل: فإن اكترى أرضاً بإجارة فاسدة وغرس كان حكمها في القلع والإقرار على ما بيناه في الإجارة الصحيحة لأن الفاسد كالصحيح فيما يقتضيه من القلع والإقرار فكان حكمهما واحداً وبالله التوفيق.

(2/260)


باب ما يوجب فسخ الإجارة
إذا وجد المستأجر بالعين المستأجرة عيباً جاز له أن يرد لأن الإجارة كالبيع، فإذا جاز رد المبيع بالعيب جاز رد المستأجر وله أن يرد بما يحدث في يده من العيب لأن المستاجر في يد المستأجر كالمبيع في يد البائع فإذا جاز رد المبيع بما يحدث من العيب في يد البائع جاز رد المستأجر بما يحدث من العيب في يد المستأجر.
فصل: والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كتعثر الظهر في المشي والعرج الذي يتأخر به عن القافلة وضعف البصر والجذام والبرص في المستأجر للخدمة وانهدام الحائط في الدار وانقطاع الماء في البئر والعين والتغير الذي يمتنع به الشرب أو الوضوء وغير ذلك من العيوب التي تنقص بها المنفعة فأما إذا اكترى ظهراً فوجده خشين المشي لم يرد لأن ذلك لا تنقص به المنفعة وإن اكترى ظهراً للحج عليه فعجز عن الخروج بالمرض أو ذهاب المال لم يجز له الرد وإن اكترى حماماً فتعذر عليه ما يوقده لم يجز له الرد لأن المعقود عليه باق وإنما تعذر الانتفاع لمعنى في غيره فلم يجز له الرد كما لو اشترى ظهراً ليحج عليه فعجز عن الحج لمرض أو ذهاب المال وإن اكترى أرضاً للزراعة فزرعها ثم هلك الزرع بزيادة المطر أو شدة برد أو دوام ثلج أو أكل جراد لم يجز له الرد لأن الجائحة حدثت على مال المستأجر دون منفعة الأرض فلم يجز له الرد وإن اكترى داراً فتشعثت فبادر المكري إلى إصلاحها لم يكن للمستأجر ردها لأنه لا يلحقه الضرر فإن لم يبادر ثبت له الفسخ لأنه يلحقه ضرر بنقصان المنفعة فإن رضي سكناها ولم يطالب بالإصلاح فهل يلزمه جميع الأجرة أم لا فيه وجهان: أحدهما لا يلزمه جميع الأجرة لأنه لم يستوف جميع ما استحقه من المنفعة فلم يلزمه جميع الأجرة كما لو اكترى داراً سنة فسكنها بعض السنة ثم غصبت والثاني يلزمه جميع الأجرة لأنه استوفى جميع المعقود عليه ناقصاً بالعيب فلزمه جميع البدل كما لو اشترى عبداً فتلفت يده في يد البائع ورضي به.
فصل: ومتى رد المستأجر العين بالعيب فإن كان العقد على عينها انفسخ العقد لأنه عقد على معين فانفسخ برده كبيع العين وإن كان العقد على موصوف في الذمة لم

(2/261)


ينفسخ العقد برد العين بل يطالب ببدله لأن العقد على ما في الذمة فإن رد العين رجع إلى ما في الذمة كما لو وجد بالمسلم فيه عيباً فرده.
فصل: وإن استأجر عبداً فمات في يده فإن كان العقد على موصوف في الذمة طالب ببدله كما ذكرناه في الرد بالعيب وإن كان العقد على عينه فإن لم يمض من المدة ماله أجرة انفسخ العقد وقال أبو ثور من أصحابنا لا ينفسخ بل يلزم المستأجر الأجرة لأنه هلك بعد التسليم فلم ينفسخ العقد كما لو هلك المبيع بعد التسليم فلم ينفسخ العقد والمذهب الأول لأن المعقود عليه هو المنافع وقد تلفت قبل قبضها فانفسخ العقد كالمبيع إذا هلك قبل القبض وإن مضى من المدة ماله أجرة انفسخ العقد فيما بقي بتلف المعقود عليه وفيما مضى طريقان: أحدهما لا ينفسخ فيه العقد قولاً واحداً والثاني أنه على قولين بناء على الطريقين في الهلاك الطارئ في بعض المبيع قبل القبض هل هو كالهلاك المقارن للعقد أم لا لأن المنافع في الإجارة كالمبيع قبل القبض وفي المبيع قبل القبض طريقان فكذلك الإجارة.
فصل: وإن اكترى داراً فانهدمت فقد قال في الإجارة ينفسخ العقد وقال في المزارعة إذا اكترى أرضاً للزراعة فانقطع ماؤها إن المكتري بالخيار بين أن يفسخ وبين أن لا يفسخ واختلف أصحابنا فيهما على طريقين فمنهم من نقل جواب كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى فخرجهما على قولين وهو الصحيح: أحدهما أن العقد ينفسخ فيهما لأن المنفعة المقصودة هي السكنى والزراعة وقد فاتت فانفسخ العقد كما لو اكترى عبداً للخدمة فمات والثاني لا ينفسخ لأن العين باقية يمكن الانتفاع بها وإنما نقصت منفعتها فثبت له الخيار كما لو حدث به عيب ومنهم من قال إذا انهدمت الدار انفسخ العقد وإن انقطع الماء من الأرض لم ينفسخ لأن الأرض باقية مع انقطاع الماء والدار غير باقية مع الانهدام.
فصل: وإن أكرى نفسه فهرب أو أكرى عيناً فهرب بها نظرت فإن كانت الإجارة على موصوف في الذمة استؤجر عليه من ماله كما لو أسلم إليه في شيء فهرب فإنه يبتاع عليه المسلم فيه وإن لم يكن الاستئجار عليه ثبت للمستأجر الخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر لأنه تأخر حقه فيثبت له الخيار كما لو أسلم في شيء فتعذر وإن كانت الإجارة على عين فهو بالخيار بين أن يفسخ وبين أن يصبر لأنه تأخر حقه فثبت له الخيار كما لو ابتاع عبداً فأبق قبل القبض فإن لم يفسخ نظرت فإن كانت الإجارة على مدة انفسخ العقد بمضي المدة يوماً بيوم لأن المنافع تتلف بمضي الزمان فانفسخ العقد بمضيه وإن كانت على عمل معين لم ينفسخ لأنه يمكن استيفاؤه إذا وجده.

(2/262)


فصل: وإن غصبت العين المستأجرة من يد المستأجر، فإن كان العقد على موصوف في الذمة طولب المؤجر بإقامة عين مقامها على ما ذكرناه في هرب المكري وإن كان على العين فللمستأجر أن يفسخ العقد لأنه تأخر حقه فثبت له الفسخ كما لو ابتاع عبداً فغضب فإن لم يفسخ فإن كانت الإجارة على عمل لم تنفسخ لأنه يمكن استيفاؤها إذا وجده وإن كانت على مدة فانقضت ففيه قولان: أحدهما ينفسخ العقد فيرجع المستأجر على المؤجر بالمسمى ويرجع المؤجر على الغاصب بأجرة المثل والثاني لا ينفسخ بل يخير المستأجر بين أن يفسخ ويرجع على المؤجر بالمسمى ثم يرجع المؤجر على الغاصب بأجرة المثل وبين أن يقر العقد ويرجع على الغاصب بأجرة المثل لأن المنافع تلفت في يد الغاصب فصار كالمبيع إذا أتلفه الأجنبي وفي المبيع قولان إذا أتلفه الأجنبي فكذلك ههنا.
فصل: وإن مات الصبي الذي عقد الإجارة على إرضاعه فالمنصوص أنه ينفسخ العقد لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لأنه لا يمكن إقامة غيره مقامه لاختلاف الصبيان في الرضاع فبطل ومن أصحابنا من خرج فيه قولاً آخر أنه لا ينفسخ لأن المنفعة باقية وإنما هلك المستوفي فلم ينفسخ العقد كما لو استأجر داراً فمات فعلى هذا إن تراضيا على إرضاع الصبي آخر جاز وإن تشاحا فسخ العقد لأنه تعذر إمضاء العقد ففسخ.
فصل: وإن استأجر رجلاً ليقلع له ضرساً فسكن الوجع أو ليكحل عينه فبرئت أو ليقتص له فعفا عن القصاص انفسخ العقد على المنصوص في المسألة قبلها لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فانفسخ كما لو تعذر بالموت ولا ينفسخ على قول من خرج القول الآخر.
فصل: وإن مات الأجير في الحج قبل الإحرام نظرت فإن كان العقد على حج في الذمة استؤجر من تركته من يحج فإن لم يمكن ثبت للمستأجر الخيار في فسخ العقد كما قلنا في السلم وإن كان حجه بنفسه انفسخ العقد لأنه تلف المعقود عليه قبل القبض فإن مات بعدما أتى بجميع الأركان وقبل المبيت والرمي سقط الفرض لأنه أتى بالأركان ويجب في تركته الدم لما بقي كما يجب ذلك في حج نفسه وإن مات بعد الإحرام وقبل أن يأتي بالأركان فهل يجوز أن يبني غيره على عمله؟ فيه قولان: أحدهما قال في القديم يجوز لأنه عمل تدخله النيابة فجاز البناء عليه كسائر الأعمال وقال في الجديد لا يجوز وهو الصحيح لأنه عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فلا تتأدى بنفسين كالصوم والصلاة فإن قلنا لا يجوز البناء كانت الإجارة على عمل الأجير بنفسه بطلت لأنه فات المعقود عليه

(2/263)


ويستأجر المستأجر من يستأنف الحج وإن كانت الإجارة على حج في الذمة لم تبطل لأن المعقود عليه لم يفت بموته فإن كان وقت الموقوف باقياً استؤجر من تركته من يحج وإن فات الموقوف فللمستأجر أن يفسخ لأنه تأخر حقه فثبت له الفسخ وإن قلنا يجوز البناء على فعل الأجير فإن كانت الإجارة على فعل الأجير بنفسه بطلت لأن حجه فات بموته فإن كان وقت الوقوف باقياً أقام المستأجر من يحرم بالحج ويبني على عمل الأجير وإن كان بعد فوات وقت الوقوف أقام من يحرم بالحج ويتم وقال أبو إسحاق لا يجوز للباقي أن يحرم بالحج لأن الإحرام بالحج في غير أشهر الحج لا ينعقد بل يحرم بالعمرة ويتم والصحيح هو الأول لأنه لا يجوز أن يطوف في العمرة ويقع على الحج وقوله إن الإحرام بالحج لا ينعقد في غير أشهر الحج لا يصح لأن هذا بناء على إحرام حصل في أشهر الحج وإن كانت الإجارة على حج في الذمة استؤجر من تركته الأجير من يبني على إحرامه على ما ذكرناه.
فصل: ومتى انفسخ العقد بالهلاك أو بالرد بالعيب أو بتعذر المنفعة بعد استيفاء بعض المنفعة قسم المسمى على ما استوفى وعلى ما بقي فما قابل المستوفي استقر وما قابل الباقي سقط كما يقسم الثمن على ما هلك من المبيع وعلى ما بقي فإذا كان ذلك مما يختلف رجع في تقويمه إلى أهل الخبرة وإن كان العقد على الحج فمات الأجير أو أحصر نظرت فإن كان بعد قطع المسافة وقبل الإحرام ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه لا يستحق شيئاً من الأجرة بناء على قوله في الأم أن الأجرة لا تقابل قطع المسافة وهو الصحيح لأن الأجرة في مقابلة الحج وابتداء الحج من الإحرام وما قبله من قطع المسافة تسبب إلى الحج وليس بحج فلم يستحق في مقابلته أجرة كما لو استأجر رجلاً ليخبز له فأحضر الآلة وأوقد النار ومات قبل أن يخبز والثاني وهو قول أبو سعيد الاصطخري وأبي بكر الصير في أنه يستحق من الأجرة بقدر ما قطع من المسافة بناء على قوله في الإملاء إن الأجرة تقابل قطع المسافة والعمل لأن الحج لا يتأدى إلا بهما فسقطت الأجرة عليهما وإن كان بعد الفراغ من الأركان وقبل الرمي والمبيت ففيه طريقان: أحدهما يلزمه أن يرد من الأجرة بقدر ما ترك قولاً واحداً لأنه ترك بعض ما استؤجر عليه فلزمه رد بدله كما لو استؤجر على بناء عشرة أذرع فبنى تسعة ومنهم من قال فيه قولان: أحدهما يلزمه لما ذكرناه والثاني لا يلزمه لأن ما دخل على الحج من النقص بترك الرمي والمبيت جبره بالدم فصار كما لو لم يتركه وإن كان بعد الإحرام وقبل أن يأتي بباقي الأركان ففيه وجهان: أحدهما لا يستحق شيئاً كما لو قال من رد عبدي

(2/264)


الآبق فله دينار فرده رجل إلى باب البلد ثم هرب والثاني أنه يستحق بقدر ما عمله وهو الصحيح لأنه عمل بعض ما استؤجر عليه فأشبه إذا استؤجر على بناء عشرة أذرع فبنى بعضها ثم مات فإن قلنا إنه يستحق بعض الأجرة فهل تسقط الأجرة على العمل والمسافة أو على العمل دون المسافة على ما ذكرناه في القولين.
فصل: وإن أجر عبداً ثم أعتقه صح العتق لأنه عقد على منفعة فلم يمنع العتق كما لو زوج أمته ثم أعتقها ولا تنفسخ الإجارة كما لا ينفسخ النكاح وهل يرجع العبد على مولاه بالأجرة؟ فيه قولان: قال في الجديد لا يرجع وهو الصحيح لأنها منفعة استحقت بالعقد قبل العتق فلم يرجع ببدلها بعد العتق كما لو زوج أمته ثم أعتقها وقال في القديم يرجع لأنه فوت بالإجارة ما ملكه من منفعته بالعتق فوجب عليه البدل فإن قلنا يرجع بالأجرة كانت نفقته على نفسه لأنه ملك بدل منفعته فكانت نفقته عليه كما لو أجر نفسه بعد العتق وإن قلنا لا يرجع بالأجرة ففي نفقته وجهان: أحدهما أنها على المولى لأنه كالباقي على ملكه بدليل أنه يملك بدل منفعته بحق الملك فكانت نفقته عليه والثاني أنها في بيت المال لأنه لا يمكن إيجابها على المولى لأنه زاد ملكه عنه ولا على العبد لأنه لا يقدر عليها في مدة الإجارة فكانت في بيت المال.
فصل: وإن أجر عيناً ثم باعها من غير المستأجر ففيه قولان: أحدهما أن البيع باطل لأن يد المستأجر تحول دون فلم يصح البيع كبيع المغصوب من غير الغاصب والمرهون من غير المرتهن والثاني يصح لأنه عقد على المنفعة فلم يمنع صحة البيع كما لو زوج أمته ثم باعها ولا تنفسخ الإجارة كما لا ينفسخ النكاح في بيع الأمة المزوجة وإن باعها من المستأجر صح البيع قولاً واحداً لأنه في يده لا حائل دونه فصح بيعها منه كما لو باع المغصوب من الغاصب والمرهون من المرتهن ولا تنفسخ الإجارة بل يستوفي المستأجر المنفعة بالإجارة لأن الملك لا ينافي الإجارة والدليل عليه أنه يجوز أن يستأجر ملكه من المستأجر فإذا طرأ عليها لم يمنع صحتها وإن تلفت المنافع قبل انقضاء المدة انفسخت الإجارة ورجع المشتري بالأجرة لما بقي على البائع.
فصل: فإن أجر عيناً من رجل ثم مات أحدهما لم يبطل العقد لأنه عقد لازم فلا يبطل بالموت مع سلامة العقود عليه كالبيع فإن أجر وقفاً عليه ثم مات ففيه وجهان: أحدهما لا يبطل لأنه أجر ما يملك إجارته فلم يبطل بموته كما لو أجر ملكه ثم مات فعلى هذا يرجع البطن الثاني في تركة المؤجر بأجرة المدة الباقية لأن المنافع في المدة الباقية حق له فاستحق أجرتها والثاني تبطل لأن المنافع بعد الموت حق لغيره فلا ينفذ

(2/265)


عقده عليها من غير إذن ولا ولاية ويخالف إذا أجر ملكه ثم مات فإن الوارث يملك من جهة الموروث فلا يملك ما خرج من ملكه بالإجارة والبطن الثاني يملك غلة الوقف من جهة الواقف فلم ينفذ عقد الأول عليه وإن أجر صبياً في حجره أو أجر ماله ثم بلغ ففيه وجهان: أحدهما لا يبطل العقد لأنه عقد لازم عقده بحق الولاية فلا يبطل بالبلوغ كما لو باع داره والثاني يبطل لأنه بان بالبلوغ أن تصرف الولي إلى هذا الوقت والصحيح عندي في المسائل كلها أن الإجارة لا تبطل وبالله التوفيق.

(2/266)


باب تضمين المستأجر والأجير
إذا تلفت العين المستأجرة في يد المستأجر من غير فعله لم يلزمه الضمان لأنه عين قبضها ليستوفي منها ما ملكه فلم يضمنها بالقبض كالمرأة في يد الزوج والنخلة التي اشترى ثمرتها وإن تلفت بفعله نظرت فإن كان بغير عدوان كضرب الدابة وكبحها باللجام للاستصلاح لم يضمن لأنه هلك من فعل مستحق فلم يضمنه كما هلك تحت الحمل وإن تلفت بعدوان كالضرب من غير حاجة لزمه الضمان لأنه جناية على مال الغير فلزمه ضمانه.
فصل: وإن اكترى ظهراً إلى مكان فجاوز به المكان فهلك نظرت فإن لم يكن معه صاحبه لزمه قيمته أكثر ما كانت من حين جاوز به المكان إلى أن تلف لأنه ضمنه باليد من حين جاوز فصار كالغاصب وإن كان صاحبه معه نظرت فإن هلك بعد نزوله وتسليمه إلى صاحبه لم يضمن لأنه ضمنه باليد فبرئ بالرد كالمغصوب إذا رده إلى مالكه وإن تلف في حال السير والركوب ضمن لأنه هلك في حال العدوان وفي قدر الضمان قولان: أحدهما نصف قيمته لأنه تلف من مضمون وغير مضمون فكان الضمان بينهما نصفين كما لو مات في جراحته وجراحة مالكه والثاني أنه تقسط القيمة على المسافتين فما قابل مسافة الإجارة سقط وما قابل الزيادة يجب لأنه يمكن تقسيطه على قدرهما فقسط بناء على القولين في الجلاد إذا ضرب رجلاً في القذف إحدى وثمانين فمات وإن تعادل اثنان ظهراً استأجراه وارتدف معهما الثالث من غير إذن فتلف الظهر ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه يجب على المرتدف نصف القيمة لأنه هلك من مضمون وغير مضمون والثاني يجب عليه الثلث لأن الرجال لا يوزنون فقسط الضمان على عددهم والثالث أنه يقسط على أوزانهم فيجب على المرتدف ما يخصه بالوزن لأنه يمكنه تقسيطه بالوزن فقسط عليه.
فصل: وإن استأجر عيناً واستوفى المنفعة وحبسها حتى تلفت فإن كان حبسها العذر لم يلزمه الضمان لأنه أمانة في يده فلم يضمن بالحبس لعذر كالوديعة وإن كان

(2/266)


لغير عذر فإن قلنا لا يجب الرد قبل الطلب لم يضمن كالوديعة قبل الطلب وإن قلنا يجب ردها ضمن الوديعة بعد الطلب.
فصل: وإن تلفت العين التي استؤجر على العمل فيها نظرت فإن كان التلف بتفريط بأن استأجره ليخبز له فأسرف يجوز الوقود أو ألزقه بل وقته أو تركه في النار حتى احترق ضمنه لأنه هلك بعدوان فلزمه الضمان وإن استؤجر على تأديب غلام فضربه فمات فضمنه لأنه يمكن تأديبه بغير الضرب فإذا عدل إلى الضرب كان ذلك تفريطاً منه فلزمه الضمان وإن كان التلف بغير تفريط نظرت فإن كان العمل في ملك المستأجر بأن دعاه إلى داره ليعمل له أو كان العمل في دكان الأجير والمستأجر حاضر أو اكتراه ليحمل له شيئاً وهو معه لم يضمن لأن يد صاحبه عليه فلم يضمن من غير جناية وإن كان العمل في يد الأجير من غير حضور المستأجر نظرت فإن كان الأجير مشركاً وهو الذي يعمل له ولغيره كالقصار الذي يقصر لكل أحد والملاح الذي يحمل لكل أحد ففيه قولان: أحدهما يجب عليه الضمان لما روى الشعبي عن أنس رضي الله عنه قال: استحملني رجل بضاعة فضاعت من بين متاعي فضمنها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن خلاس بن عمرو أن علياً رضي الله عنه كان يضمن الأجير وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي كرم الله وجهه أنه كان يضمن الصباغ والصواغ وقال لا يصلح الناس إلا ذلك ولأنه قبض العين لمنفعته من غير استحقاق فضمنها كالمستعين والثاني لا ضمان عليه وهو قول المزني وهو الصحيح قال الربيع: كان الشافعي رحمه الله يذهب إلى أنه لا ضمان على الأجير ولكنه لا يفتى به لفساد الناس والدليل عليه أنه قبض العين لمنفعته ومنفعة المالك فلم يضمنه كالمضارب وإن كان الأجير منفرداً وهو الذي يعمل له ولا يعمل لغيره فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال: هو كالأجير المشترك وهو المنصوص فإن الشافعي رحمه الله قال: والأجراء كلهم سواء فيكون على قولين لأنه منفرد باليد فأشبه الأجير المشترك ومنهم من قال لا يجب عليه الضمان قولاً واحداً لأنه منفرد بالعمل فأشبه إذا كان عمله في دار المستأجر فإن قلنا إنه أمين فتعدى فيه ثم تلف ضمنه بقيمته أكثر ما كانت من حين تعدي إلى أن تلف لأنه ضمن بالتعدي فصار كالغاصب وإن قلنا إنه ضامن لزمه قيمته أكثر ما كانت من حين القبض إلى حين التلف كالغاصب ومن أصحابنا من قال يلزمه قيمته وقت التلف كالمستعير وليس بشيء.
فصل: وإن عمل الأجير بعض العمل أو جميعه ثم تلف نظرت؛ فإن كان العمل في

(2/267)


ملك صاحبه أو بحضرته وجبت له الأجرة لأنه تحت يده فكل ما عمل شيئاً صار مسلماً له وإن كان في يد الأجير فإن قلنا إنه أمين لم يستحق الأجرة لأنه لم يسم العمل وإن قلنا إنه ضامن استحق الأجرة لأنه يقوم عليه معمولاً فيصير بالتضمين مسلماً للعمل فاستحق الأجرة.
فصل: وإن دفع ثوباً إلى خياط وقال إن كان يكفيني لقميص فاقطعه فقطعه ولم يكفه لزمه الضمان لأنه أذن له بشرط فقطع من غير وجود الشرط فضمنه وإن قال أيكفيني للقميص فقال نعم فقال: إقطعه فقطعه فلم يكفه لم يضمن لأنه قطعه بإذن مطلق.
فصل: واختلف أصحابنا فيما يأخذ الحمامي هل هو ثمن الماء أو أجرة الدخول والسطل وحفظ الثياب فمنهم من قال هو ثمن الماء وهو متطوع بحفظ الثياب ومعير للسطل فعلى هذا لا يضمن الثياب إذا أتلفت وله عوض السطل إذا تلف ومنهم من قال هو أجرة الدخول والسطل وحفظ الثياب فعلى هذا لا يضمن الداخل السطل إذا هلك لأنه مستأجر وهل يضمن الحمامي الثياب؟ فيه قولان لأنه أجير مشترك.
فصل: وإن استأجر رجلاً للحج فتطيب في إحرامه أو لبس وجبت الفدية على الأجير لأنه جناية لم يتناولها الإذن فوجب ضمانها كما لو استأجر ليشتري له ثوباً فاشتراه ثم خرقه وإن أفسد الحج صار الإحرام عن نفسه لأن الفاسد غير مأذون فيه فانعقد له كما ولو وكله في شراء عبد فاشترى أمة فإن كان العقد على حجه في هذه السنة انفسخ لأنه فات المعقود عليه وإن كان على حج في الذمة ثبت له الخيار لأنه تأخر حقه فإن استأجر للحج من ميقات فأحرم من ميقات آخر لم يلزمه شيء لأن المواقيت المنصوص عليها متساوية في الحكم وإن كان بعضها أبعد من بعض فإذا ترك بعضها إلى بعض لم يحصل نقص يقتضي الجبران وإن أحرم دون الميقات لزمه دم لأنه ترك الإحرام من موضع يلزمه الإحرام منه فلزمه دم كما لو ترك ذلك في حجه لنفسه فإن استأجر ليحرم من دويرة أهله فأحرم دونه لزمه دم لأنه وجب عليه ذلك بعقد الإجارة فصار كما لو لزمه لحجه لنفسه بالشرع أو بالنذر فتركه وهل يلزمه أن يرد الأجرة بقسطه قال في القديم يهرق دماً وحجة تام وقال في الأم يلزمه أن يرد من الأجرة بقدر ما ترك فمن أصحابنا من قال يلزمه قولاً واحداً والذي قاله في القديم ليس فيه نص أنه لا يجب ومنهم من قال فيه قولان وهو الصحيح: أحدهما لا يلزمه لأن النص الذي لحق الإحرام جبره بالدم فصار كما لو لم يترك والثاني أنه يلزمه لأنه ترك بعض ما استؤجر عليه فلزمه

(2/268)


رد بدله كما لو استأجره لبناء عشرة أذرع فبنى تسعة فعلى هذا يرد ما بين حجه من الميقات وبين حجه من الموضع الذي أحرم منه فإن استأجره ليحرم بالحج من الميقات فأحرم من الميقات بعمرة عن نفسه ثم أحرم بالحج عن المستأجر من مكة لزمه الدم لترك الميقات وهل يرد من الأجرة بقدر ما ترك على ما ذكرناه من الطرفين فإن قلنا يلزمه ففيه قولان: قال في الأم يرد بقدر ما بين حجه من الميقات وحجه من مكة لأن الحج من الإحرام وما قبله ليس من الحج وقال في الإملاء يلزمه أن يرد ما بين حجه من بلده وبين حجه من مكة لأنه جعل الأجرة في مقابلة السفر والعمل وجعل سفره لنفسه ويخالف المسألة قبلها لأن هناك سافر للمستاجر وإنما ترك الميقات وإن استأجره للحج فحج عنه وترك الرمي أو الميت لزمه الدم كما يلزمه لحجه وهل يرد من الأجرة بقسطه على ما ذكرناه فيمن ترك الإحرام من الميقات.

(2/269)


باب اختلاف المتكاريين
إذا اختلف المتكاريان في مقدار المنفعة أو قدر الأجرة ولم تكن بينة فتحالفا لأنه عقد معاوضة فأشبه البيع وإذا تحالفا كان الحكم في فسخ الإجارة كالحكم في البيع لأن الإجارة كالبيع فكان حكمها في الفسخ كالحكم في البيع فإن اختلفا في التعدي في العين المستأجرة فادعاه المؤجر وأنكره المستأجر فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العدوان والبراءة من الضمان فإن اختلفا في الرد فادعاه المستأجر وأنكره المؤجر فالقول قول المؤجر إنه لم يرد عليه لأن المستأجر قبض العين لمنفعته فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير وإن اختلف الأجير المشترك والمستأجر في رد العين فادعى الأجير أنه ردها وأنكر المستأجر فإن قلنا إن الأجير يضمن العين بالقبض لم يقبل قوله في الرد لأنه ضامن فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير والغاصب وإن قلنا إنه لا يضمن العين بالقبض فهل يقبل قوله في الرد؟ فيه وجهان كالوكيل بجعل وقد مضى توجيههما في الوكالة وإن هلكت العين فادعى الأجير أنها هلكت بعد العمل وأنه يستحق الأجرة وأنكر المستأجر فالقول قول المستأجر لأن الأصل عدم العمل وعدم البدل.
فصل: وإن دفع ثوباً إلى خياط فقطعه قباء ثم اختلفا فقال رب الثوب أمرتك أن تقطعه قميصاً فتعديت بقطعه قباء فعليك ضمان النقص وقال الخياط بل أمرتني أن أقطعه قباء فعليك الأجرة فقد حكى الشافعي رحمه الله في اختلاف العراقيين قول ابن أبي ليلى إن القول قول الخياط وقول أبي حنيفة رحمة الله عليه إن القول قول رب الثوب ثم قال

(2/269)


وهذا أشبه وكلاهما مدخول وقال في كتاب الأجير والمستأجر إذا دفع إليه ثوباً ليصبغه أحمر فصبغه أخضر فقال أمرتك أن تصبغه أحمر فقال الصباغ بل أمرتني أن أصبغه أخضر إنهما يتحالفان واختلف أصحابنا فيه على ثلاث طرق فمنهم من قال فيه ثلاثة أقوال: أحدها إن القول قول الخياط لأنه مأذون له في القطع فكان القول قوله في صفته والثاني أن القول قول رب الثوب كما لو اختلفا في أصل الإذن والثالث أنهما يتحالفان وهو الصحيح لأن كل واحد منهما مدع ومدعى عليه لأن صاحب الثوب يدعي الأرض والخياط ينكره والخياط يدعي الأجرة وصاحب الثوب ينكره فتحالفا كالمتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن ومن أصحابنا من قال المسألة على القولين المذكورين في اختلاف العراقيين وهو قول أبي العباس وأبي إسحاق وأبي علي بن أبي هريرة والقاضي أبي حامد ومن أصحابنا من قال هي على قول واحد أنهما يتحالفان وهو قول أبي حامد الإسفرايني لأن الشافعي رحمه الله ذكر القولين الأولين ثم قال: وكلاهما مدخول فإن قلنا إن القول قول الخياط فحلف لم يلزمه أرش النقص لأنه ثبت بيمينه أنه مأذون فيه وهل يستحق الأجرة؟ فيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه لايستحق الأجر لأن قوله قبل في سقوط الغرم لأنه منكر فأما في الأجرة فإنه مدع لم يقبل قوله والثاني وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن له الأجرة لأنا قبلنا قوله في الإذن فعلى هذا هل يجب المسمى أو أجرة المثل؟ فيه وجهان: أحدهما يجب المسمى لأنا قبلنا قوله أنه أذن له فوجب ما اقتضاه والثاني أنه يجب له أجرة المثل لأنا إذا قبلنا قوله لم نأمن أن يدعي ألفاً وأجرة مثله درهم وإن قلنا أن القول قول صاحب الثوب فحلف لم تجب الأجرة لأنه فعل ما لم يؤذن فيه ويلزمه أرش القطع لأنه قطع ما لم يكن له قطعه وفي قدر الأرش قولان: أحدهما يلزمه ما بين قيمته مقطوعاً وصحيحاً لأنا حكمنا أنه لم يؤذن له في القطع فلزمه أرش القطع والثاني يلزمه ما بين قيمته مقطوعاً قميصاً وبين قيمته مقطوعاً قباء لأنه قد أذن له في القطع وإنما حصلت المخالفة في الزيادة فلزمه أرش الزيادة فإن لم يكن بينهما تفاوت لم يلزمه شيء وإذا قلنا إنهما يتحالفان فتحالفا لم تجب الأجرة لأن التحالف يوجب رفع العقد والخياطة من غير عقد لا توجب الأجرة وهل يجب أرش القطع؟ ففيه قولان: أحدهما يجب لأن كل واحد منهما حلف على ما ادعاه ونفى ما ادعى عليه فبرئا كالمتبايعين والثاني أنه يجب أرش النقص لأنا حكمنا بارتفاع العقد بالتحالف

(2/270)


فإذا ارتفع العقد حصل القطع من غير عقد فلزمه أرشه ومتى قلنا إنه يستحق الأجرة لم يرجع بالخيوط لأنه أخذ بدلها فإن قلنا لا يستحق الأجرة فله أن يأخذ خيوطه لأنه عين ماله فكان له أن يأخذه.
فصل: إذا استأجر صانعاً على عمل من خياطة أو صباغة فعمل فهل له أن يحبس العين على الأجرة فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأنه لم يرهن العين عنده فلم يجز له احتباسها كما لو استأجره ليحمل له متاعاً فحمله ثم أراد أن يحبس المتاع على الأجرة والثاني يجوز لأن عمله ملكه فجاز له حبسه على العوض كالمبيع في يد البائع.
فصل: وإن دفع ثوباً إلى رجل فخاطه ولم يذكر له أجرة فقد اختلف أصحابنا فيه على أربعة أوجه: أحدها أنه تلزمه الأجرة وهو قول المزني رحمه الله لأنه استهلك عمله فلزمه أجرته والثاني أنه إن قال له خطه لزمه وإن بدأ الرجل فقال أعطني لأخيطه لم تلزمه وهو قول أبي إسحاق لأنه إذا أمره فقد ألزمه بالأمر والعمل لا يلزم من غير أجرة فلزمته وإذا لم يأمره لم يوجد ما يوجب الأجرة فلم تلزم والثالث أنه إذا كان الصانع معروفاً بأخذ الأجرة على الخياطة لزمه وإذا لم يكن معروفاً بذلك لم يلزمه وهو قول أبي العباس لأنه إذا كان معروفاً بأخذ الأجرة صار العرف في حق الشرط وإن لم يكن معروفاً لم يوجد ما يقتضي الأجرة من جهة الشرط ولا من جهة العرف والرابع وهو المذهب أنه لا يلزمه بحال لأنه بذل مال من غير عوض فلم يجب له العوض كما لو بذل طعامه لمن أكله وإن نزل رجل في سفينة ملاح بغير إذنه فحمله فيها إلى بلد لزمه الأجرة لأنه استهلك منفعة موضعه من السفينة من غير إذن فلزمه أجرتها وإن نزل فيها عن إذنه ولم يذكر الأجرة فعلى ما ذكرناه من الوجوه الأربعة في الخياطة وبالله التوفيق.

(2/271)


باب الجعالة
يجوز عقد الجعالة وهو أن يبذل الجعل لمن عمل له عملاً من رد ضالة ورد آبق وبناء حائط وخياطة ثوب وكل ما يستأجر عليه من الأعمال والدليل عليه قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] وروى أبو سعيد الخدري أن ناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوا حياً من أحياء العرب فلم يقروهم فبينما هم كذلك إذ لدغ سيد أولئك فقالوا: هل فيكم راق؟ فقالوا: لم تقرونا فلا نفعل أو تجعلوا لنا جعلاً؟

(2/271)


فجعلوا لهم قطيع شاء فجعل يقرأ بأم القرآن ويجمع بزاقه ويتفل فبرأ الرجل فأتوهم بالشاء فقالوا: لا نأخذها حتى نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فضحك وقال: "ما أدراك أنها رقية خذوها واضربوا لي فيها بسهم1" ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك من رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه فجاز الإجارة والمضاربة.
فصل: ويجوز أن يعقد لعامل معين للآية ولأنه قد يكون له عمل ولا يعرف من يعمله فجاز من غير تعيين وروى المزني في المختصر عن الشافعي رحمه الله في المنثور أنه قال: إذا قال أول من يحج عني فله مائة فحج عنه رجل أنه يستحق المائة وقال المزني ينبغي أن يستحق أجرة المثل لأنه إجارة فلم تصح من غير تعيين وهذا خطأ لأن ذلك جعالة وقد بينا أن الجعالة لا تجوز من غير تعيين العامل.
فصل: وتجوز على عمل مجهول للآية ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك فجاز مع الجهالة كالمضاربة ولا تجوز إلا بعوض معلوم لأنه عقد معاوضة فلا تجوز بعوض مجهول كالنكاح فإن شرط له جعلاً مجهولاً استحق أجرة المثل لأن كل عقد وجب المسمى في صحيحه وجب المثل في فاسده كالبيع والنكاح.
فصل: ولا يستحق العامل الجعل إلا بإذن صاحب المال فأما إذا عمل له عملاً من غير إذنه بأن وجد له آبقاً فجاء به أو ضالة فردها إليه لم يستحق الجعل لأنه بذل منفعته من غير عوض فلم يستحق العوض فإن عمل بإذنه ولم يشرط له الجعل فعلى الأوجه الأربعة التي ذكرناها في الإجارة فإن أذن له وشرط له الجعل فعمل استحق الجعل لأنه استهلك منفعته بعوض فاستحق العوض كالأجير فإن نادى فقال: من رد عبدي فله دينار فرده من لم يسمع النداء لم يستحق الجعل لأنه متطوع بالرد من غير بدل فإن أبق عبد لرجل فنادى غيره أن من رد عبد فلان فله دينار فرده رجل وجب الدينار على المنادي لأنه ضمن العوض فلزمه فإن قال في النداء قال فلان من رد عبدي فله دينار فرده رجل لم يلزم المنادي لأنه لم يضمن وإنما حكى قول غيره.
فصل: ولا يستحق العامل الجعل إلا بالفراغ من العمل فإن شرط له جعلاً على رد الآبق فرده إلى باب الدار ففر منه أو مات قبل أن يسلمه لم يستحق شيئاً من الجعل لأن المقصود هو الرد والجعل في مقابلته ولم يوجد منه شيء وإن قال من رد عبدي الآبق من البصرة فله دينار وهو ببغداد فرده رجل من واسط استحق نصف الدينار لأنه رده من
__________
1 رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب 9.مسلم في كتاب السلام حديث 65،66. أبو داود في كتاب البيوع باب 37. الترمذي في كتاب الطب باب 20. أحمد في مسنده "3/2، 10".

(2/272)


نصف الطريق وإن رده من أبعد من البصرة لم يستحق أكثر من الدينار لأنه لو لم يضمن له لما زاد شيئاً وإن أبق له عبدان فقال: من ردهما فله دينار فرد رجل أحدهما استحق نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل وإن قال من رد عبدي فله دينار فاشترك في رده اثنان اشتركا في الدينار لأنهما اشتركا في العمل فاشتركا في الجعل وإن قال لرجل إن رددت عبدي فلك دينار وقال الآخر إن رددته فلك ديناران فاشتركا في الرد استحق كل واحد منهما نصف ما جعل له وإن جعل لأحدهما ديناراً وللآخر ثوباً مجهولاً فرداه استحق صاحب الدينار نصف دينار وصاحب الثوب نصف أجرة المثل لأن الدينار جعل صحيح فاستحق نصفه والثوب جعل باطل فاستحق نصف أجرة المثل وإن قال لرجل إن رددت عبدي فلك دينار فشاركه غيره في رده فإن قال شاركته معاونة له كان الدينار للعامل لأن العمل كله له فكان الجعل كله له وإن قال شاركته لأشاركه في الجعل كان للعامل نصف الجعل لأنه عمل نصف العمل ولا شيء للشريك لأنه لم يشرط له شيئاً.
فصل: ويجوز لكل واحد منهما فسخ العقد لأنه عقد على عمل مجهول بعوض فجاز لكل واحد منهما فسخه كالمضاربة فإن فسخ العامل لم يستحق شيئاً لأن الجعل يستحق بالفراغ من العمل وقد تركه فسقط حقه وإن فسخ رب المال فإن كان قبل العمل لم يلزمه شيء لأنه فسخ قبل أن يستهلك منفعة العمل فلم يلزمه شيء كما لو فسخ المضاربة قبل العمل وإن كان بعد ما شرع في العمل لزمه أجرة المثل لما عمل لأنه استهلك منفعته بشرط العوض فلزمه أجرته كما لو فسخ المضاربة بعد الشروع في العمل.
فصل: وتجوز الزيادة والنقصان في الجعل قبل العمل فإن قال من رد عبدي فله دينار ثم قال من رده فله عشرة فرده رجل استحق عشرة وإن قال من رد عبدي فله عشرة ثم قال من رده فله دينار استحق الدينار لأنه مال بذل في مقابلة عمل في عقد جائز فجاز الزيادة والنقصان فيه قبل العمل كالربح في المضاربة.
فصل: وإن اختلف العامل ورب المال فقال العامل شرطت لي الجعل وأنكر رب المال فالقول قول رب المال لأن الأصل عدم الشرط وعدم الضمان وإن اختلفا في عين العبد فقال السيد شرطت الجعل في رد غيره وقال العامل بل شرطت الجعل في رده فالقول قول المالك لأن العامل يدعي عليه شرط الجعل في عقد الأصل عدمه فكان القول فيه قوله وإن اختلفا في قدر الجعل تحالفا كما قلنا في البيع فإذا تحالفا رجع إلى أجرة المثل كما رجع في البيع بعد هلاك السلعة إلى قيمة العين وإن اختلف العامل والعبد فقال العامل أنا رددته وقال العبد جئت بنفسي وصدقه المولى فالقول قول المولى مع يمينه لأن الأصل عدم الرد وعدم وجوب الجعل وبالله التوفيق.

(2/273)