المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب المكاتب
مدخل
...
كتاب المكاتب
الكتابة جائزة لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33] ولا تجوز الكتابة إلا من جائز التصرف في المال لأنه عقد على المال فلم يجز إلا من جائز التصرف في المال كالبيع ولا يجوز أن يكاتب عبداً أجيراً لأن الكتابة تقتضي التمكين من التصرف والإجارة تمنع من ذلك ولا يجوز أن يكاتب عبداً مرهوناً لأن الرهن يقتضي البيع والكتابة تمنع البيع وتجوز كتابة المدبر وأم الولد لأنه عتق بصفة يجوز أن تتقدم على الموت فجاز في المدبر وأم الولد كالعتق المعلق على دخول الدار فإن كاتب مدبراً صار مكاتباً ومدبراً وقد بينا حكمه في المدبر وإن كاتب أم ولد صارت مكاتبة وأم ولد فإن أدت المال قبل موت السيد عتقت بالكتابة وإن مات السيد قبل الأداء عتقت بالاستيلاد وبطلت الكتابة.
فصل: وتجوز كتابة بعض العبد إذا كان باقيه حراً لأنه كتابة على جميع ما فيه من الرق فأشبه كناية العبد في جميعه وإن كان عبد بين اثنين فكاتبه أحدهما في نصيبه بغير إذن شريكه لم يصح لأنه لا يعطى من الصدقات ولا يمكنه الشريك من الاكتساب بالأسفار وإن كاتبه بإذن شريكه ففيه قولان: أحدهما لا يصح لما ذكرناه من نقصان كسبه والثاني يصح لأن المنع لحق الشريك فزال بالأذن وإن كان لرجل عبد فكاتبه في بعضه فالمنصوص أنه لا يصح واختلف أصحابنا فيه فذهب أكثرهم إلى أنه لا يصح قولاً واحداً كما لا يصح أن يبعض العتق فيه ومنهم من قال إذا قلنا إنه يصح أن يكاتب نصيبه في العبد المشترك بإذن لشريك صح ههنا لأن اتفاقهما على كتابة البعض كاتفاق الشريكين فإن وصى رجل بكتابة عبد وعجز الثلث عن جميعه فالمنصوص أنه يكاتب القدر الذي يحتمله الثلث فمن أصحابنا من جعل في الجميع قولين ومنهم من قال يصح في الوصية وقد فرق بينه وبين العبد المشترك بأن الكتابة في العبد المشترك غير مستحقة في جميعه والكتابة في الوصية استحقت في جميعه فإذا تعذرت في البعض لم تسقط في الباقي.
فصل: وإن طلب العبد الكتابة نظرت فإن كان له كسب وأمانة استحب أن يكاتب لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} وقد فسر الخير بالكسب والأمانة ولأن المقصود بالكتابة العتق على مال وبالكسب والأمانة يتوصل إليه ولا يجب ذلك لأنه عتق فلا يجب بطلب العبد كالعتق في غير

(2/381)


الكتابة وإن لم يكن له كسب ولا أمانة أو له كسب بلا أمانة لم تستحب لأنه لا يحصل المقصود بكتابته ولا تكره لأنه سبب للعتق من غير إضرار فلم تكره وإن كان له أمانة بلا كسب ففيه وجهان: أحدهما أنه لا تستحب لأنه مع عدم الكسب يتعذر الأداء فلا يحصل المقصود والثاني تستحب لأن الأمين يعان ويعطى من الصدقات وإن طلب السيد الكتابة فكره العبد لم يجبر عليه لأنه عتق على مال فلا يجبر العبد عليه كالعتق على مال في غير الكتابة.
فصل: ولا يجوز إلا بعوض مؤجل لأنه إذا كاتبه على عوض حال لم يقدر على أدائه فينفسخ العقد ويبطل المقصود ولا يجوز على أقل من نجمين لما روي عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه أنه غضب على عبد له وقال لأعاقبنك ولأكاتبنك على نجمين فدل على أنه لا يجوز على أقل من ذلك وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: الكتابة على نجمين والإيتاء من الثاني ولا يجوز إلا على نجمين معلومين وأن يكون ما يؤدى في كل نجم معلوماً لأنه عوض منجم في عقد فوجب العلم بمقدار النجم ومقدار ما يؤديه فيه كالسلم إلى أجلين.
فصل: ولا يجوز إلا على عوض وعلوم الصفة لأنه عوض في الذمة فوجب العلم بصفته كالمسلم فيه.
فصل: وتجوز الكتابة على المنافع لأنه يجوز أن تثبت في الذمة بالعقد فجاز الكتابة عليها كالمال فإن كاتبه على عملين في الذمة في نجمين جاز كما يجوز على مالين في نجمين وإن كاتبه على خدمة شهرين لم يجز لأن ذلك نجم واحد وإن كاتبه على خدمة شهر ثم خدمة شهر بعده لم يجز لأن العقد في الشهر الثاني على منفعة معينة في زمان مستقبل فلم يجز كما لو استأجره للخدمة في شهر مستقبل وإن كاتبه على دينار وخدمة شهر بعده لم يجز لأنه لا يقدر على تسليم الدينار في الحال وإن كاتبه على خدمة شهر ودينار في نجم بعده جاز لأنه يقدر على تسليم الخدمة فهو مع الدينار كالمالين في نجمين وإن كاتبه على خدمة شهر ودينار بعد انقضاء الشهر فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق: لا يجوز لأنه إذا لم يفصل بينهما صارا نجماً واحداً ومنهم من قال: يجوز لأنه يستحق الدينار في غير الوقت الذي يستحق فيه الخدمة وإنما يتصل استيفاؤهما فعلى هذا لو كاتبه على خدمة شهر ودينار في نصف الشهر جاز لأنه يستحق الدينار في غير الوقت الذي يستحق فيه الخدمة.

(2/382)


فصل: وإن كاتب رجلان عبداً بينهما على مال بينهما على قدر الملكين وعلى نجوم واحدة جاز وإن تفاضلا في المال مع تساوي الملكين أو تساويا في المال مع تفاضل الملكين أو على أن نجوم أحدهما أكثر من نجوم الآخر أو على أن نجم أحدهما أطول من نجم الآخر ففيه طريقان: من أصحابنا من قال يبنى على القولين فيمن كاتب نصيبه من العبد بإذن شريكه فإن قلنا يجوز جاز وإن قلنا لا يجوز لم يجز لأن اتفاقهما على الكتابة ككتابة أحدهما في نصيبه بإذن الآخر وعلى هذا يدل قول الشافعي رحمه الله تعالى فإنه قال في الأم: ولو أجزت لأجزت أن ينفرد أحدهما بكتابة نصيبه فدل على أنه إذا جاز ذلك جاز هذا وإن لم يجز ذلك لم يجز هذا ومنهم من قال: لا يصح قولاً واحداً لأنه يؤدي إلى أن ينتفع أحدهما بحق شريكه من الكسب لأنه يأخذ أكثر مما يستحق وربما عجز المكاتب فيرجع على شريكه بالفاضل بعد ما انتفع به.
فصل: ولا يصح على شرط فاسد لأنه معاوضة يلحقها الفسخ فبطلت بالشرط الفاسد كالبيع ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل لأنه عقد يبطل بالجهالة فلم يجز تعليقه على شرط مستقبل كالبيع.
فصل: وإذا انعقد العقد لم يملك المولى فسخه قبل العجز لأنه أسقط حقه منه بالعوض فلم يملك فسخه قبل العجز عن العوض كالبيع ويجوز للعبد أن يمتنع من أداء المال لأن ما لا يلزمه إذا لم يجعل شرطاً في عتقه لم يلزمه إذا جعل شرطاً في عتقه كالنوافل وهل يملك أن يفسخ؟ فيه وجهان من أصحابنا من قال لا يملك لأنه لا ضرر عليه في البقاء على العقد ولا فائدة له في الفسخ فلم يملكه ومنهم من قال أن يفسخ لأنه عقد لحظه فملك أن ينفرد بالفسخ كالمرتهن فإن مات المولى لم يبطل العقد لأنه لازم من جهته فلم يبطل بالموت كالبيع وينتقل المكاتب إلى الوارث لأنه مملوك لا يبطل رقه بموت المولى فانتقل إلى وارثه كالعبد القن وإن مات العبد بطل العقد لأنه فات المعقود عليه قبل التسليم فبطل العقد كالمبيع إذا تلف قبل القبض ولا يجوز شرط الخيار فيه لأن الخيار لدفع الغبن عن المال والسيد يعلم أنه مغبون من جهة المملوك لأنه يبيع ماله بماله والعبد مخير بين أن يدفع المال وبين أن لا يدفع فلا معنى لشرط الخيار فإن اتفقا على الفسخ جاز لأنه عقد يلحقه الفسخ بالعجز عن المال فجاز فسخه بالتراضي كالبيع.

(2/383)


باب ما يملكه المكاتب وما لا يملكه
ويملك المكاتب بالعقد اكتساب المال بالبيع والإجارة والصدقة والهبة والأخذ بالشفعة والاحتشاش والاصطياد وأخذ المباحات وهو مع المولى كالأجنبي مع الأجنبي في ضمان المال وبذل المنافع وأرش الأطراف لأنه صار بما بذله له من العوض عن رقبته كالخارج عن ملكه ويملك التصرف في المال بما يعود إلى مصلحته ومصلحة ماله فيجوز أن ينفق على نفسه لأن ذلك من أهم المصالح وله أن يفدي في حياته نفسه أو رقيقه لأن له فيه مصلحة وله أن يختن غلامه ويؤد به لأن إصلاح للمال وأما الحد فالمنصوص أنه لا يملك إقامته لأن طريقه الولاية والمكاتب ليس من أهل الولاية ومن أصحابنا من قال له أن يقيم الحد كما يملك الحر في عبده وله أن يقتص في الجناية عليه وعلى رقيقه وذكر الربيع قولاً آخر أنه لا يقتص من غير إذن المولى ووجهه أنه ربما عجز فيصير ذلك للسيد فيكون قد أتلف الأرش الذي كان للسيد أن يأخذه لو لم يقتص منه قال أصحابنا: هذا القول من تخريج الربيع والمذهب أنه يجوز أن يقتص لأن فيه مصلحة له.
فصل: وإن كان المكاتب جارية فوطئها المولى وجب عليها المهر ولها أن تطالب به لتستعين به على الكتابة لأنه يجري مجرى الكسب وإن أذهب بكارتها لزمه الأرش لأن ائتلاف جزء لايستحقه فضمن بدله كقطع الطرف وإن أتت منه بولد صارت مكاتبة وأم ولد وقد بينا حكمهما في أول الباب وإن كانت مكاتبة بين اثنين فأولدها أحدهما نظرت فإن كان معسراً صار نصيبه أم ولد وفي الولد وجهان: أحدهما وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن الولد ينعقد جميعه حراً ويثبت للشريك في ذمة الواطئ نصف قيمته لأنه يستحيل أن ينعقد نصف الولد حراً ونصفه عبداً والثاني وهو قول أبي إسحاق أن نصفه حر ونصفه مملوك وهو الصحيح اعتباراً بقدر ما يملك منها ولا يمتنع أن ينعقد نصفه حراً ونصفه عبداً كالمرأة إذا كان نصفها حراً ونصفها مملوكاً فأتت بولد فإن نصفه حر ونصفه عبد وإن كان موسراً فالولد حر وصار نصيبه من الجارية أم ولد ويقوم على الواطئ نصيب شريكه وهل يقوم في الحال فيه طريقان: من أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما يقوم في الحال فإذا قوم انفسخت الكتابة وصار جميعها أم ولد للواطئ ونصفها مكاتباً له فإن أدت المال عتق نفسها وسرى إلى باقيها والقول الثاني أنه يؤخر التقويم إلى العجز فإن أدت ما عليها عتقت عليها بالكتابة وإن عجزت قوم على الواطئ نصيب شريكه وصار الجميع أم

(2/384)


ولد. وقال أبو علي بن أبي هريرة: لا يقوم في الاستيلاد نصيب الشريك في الحال قولاً واحداً بل يؤخر إلى أن تعجز لأن التقويم في العتق فيه حظ للعبد لأنه يتعجل له الحرية في الباقي ولا حظ لها في التقويم في الاستيلاد بل الحظ في التأخير لأنه إذا أخر ربما أدت المال فعتقت وإذا قوم في الحال صارت أم ولد ولا تعتق إلا بالموت والصحيح هو الأول وأنه على قولين كالعتق لأن الاستيلاد كالعتق بل هو أقوى لأنه يصح من المجنون والعتق لا يصح منه فإذا كان في التقويم في العتق قولان وجب أن يكون في الاستيلاد مثلاه.
فصل: وإن أتت المكاتبة بولد من نكاح أو زنا ففيه قولان: أحدهما أنه موقوف فإن وقف الأم رق وإن عتقت عتق لأن الكتابة سبب يستحق به العتق فيتبع الولد الأم فيه كالاستيلاد والثاني أنه مملوك يتصرف فيه لأنه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن فإن قلنا إنه للمولى كان حكمه حكم العبد القن في الجناية والكسب والنفقة والوطء وإن قلنا إنه موقوف فقتل ففي قصته قولان: أحدهما انها لأمه تستعين بها في الكتابة لأن القصد بالكتابة طلب حظها والثاني أنها للمولى لأنه تابع للأم وقيمة الأم للمولى فكذلك قيمة ولدها فإن كسب الولد مالاً ففيه قولان: أحدهما أنه للأم لأنه تابع لها في حكمها فكسبها لها فكذلك كسب ولدها والثاني أنه موقوف لأن الكسب نماء الذات وذاته موقوف فكذلك كسبه فعلى هذا يجمع الكسب فإذا عتق ملك الكسب كما تملك الأم كسبها إذا عتقت وإن رق بعجز الأم صار الكسب للمولى فمن أصحابنا من خرج فيه قولاً ثالثاً أنه للمولى كما قلنا في قيمته في أحد القولين وإن أشرفت الأم على العجز وكان في كسب الولد وفاء بمال الكتابة ففيه قولان: أحدهما أنه ليس للأم أن تستعين به على الأداء لأنه موقوف على السيد أو الولد فلم يكن للأم حق فيه والثاني أن لها أن تأخذه وتؤديه لأنها إذا أدت عتقت وعتق الولد فكان ذلك أحظ للولد من أن ترق ويأخذه المولى فإن احتاج الولد إلى النفقة ولم يكن في كسبه ما يفي فإن قلنا إن الكسب للمولى فالنفقة عليه وإن قلنا إنه للأم فالنفقة عليها وإن قلنا إنه موقوف ففي النفقة وجهان: أحدهما أنها على المولى لأنه مرصد لملكه والثاني أنها في بيت المال لأن المولى لا يملكه فلم يبق إلا بيت المال وإن كان الولد جارية فوطئها المولى فإن قلنا إن كسبه له لم يجب عليه المهر لأنه لو وجب لكان له وإن قلنا إنه للأم فالمهر لها وإن قلنا إنه موقوف وقف المهر وإن أحبلها صارت أم ولد بشبهة الملك ولاتلزمه قيمتها لأن

(2/385)


القيمة تجب لمن يملكها والأم لا تملك رقبتها وإنما هي موقوفة عليها.
فصل: وإن حبس السيد المكاتب مدة ففيه قولان: أحدهما يلزمه تخليته في مثل تلك المدة لأنه دخل في العقد على التمكين من التصرف في المدة فلزمه الوفاء به والثاني تلزمه أجرة المثل للمدة التي حبسه فيها وهو الصحيح لأن المنافع لا تضمن بالمثل وإنما تضمن بالأجرة وإن قهر أهل الحرب المكاتب على نفسه مدة ثم أفلت من أيديهم ففيه قولان: أحدهما لا تجب تخليته في مكث المدة لأنه لم يكن الحبس من جهته والثاني تجب لأنه فات ما استحقه بالعقد ولا فرق بين أن يكون بتفريط أو غير تفريط كالمبيع إذا هلك في يد البائع ولا يجيء ههنا إيجاب الأجرة على المولى لنه لم يكن الحبس من جهته فلا تلزمه أجرته.
فصل: ولا يملك المكاتب التصرف إلا على وجه النظر والاحتياط لأن حق المولى يتعلق باكتسابه فإن أراد أن يسافر فقد قال في الأم يجوز وقال في الأمالي: لا يجوز بغير إذن المولى فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما لا يجوز لأن فيه تغريراً والثاني يجوز لأنه من أسباب الكسب ومنهم من قال: إن كان السفر طويلاً لم يجز وإن كان قصيراً جاز وحمل القولين على هذين الحالين والصحيح هو الطريق الأول.
فصل: ولا يجوز أن يبيع نسيئة وإن كان بأضعاف الثمن ولا على أن يأخذ بالثمن رهناً أو ضميناً لأنه يخرج المال من يده من غير عوض والرهن قد يتلف والضمين قد يفلس وإن باع ما يساوي مائة بمائة نقداً وعشرين نسيئة جاز لأنه لا ضرر فيه ولا يجوز أن يقرض ولا يضرب ولا يرهن لأنه إخراج مال بغير عوض.
فصل: ولا يجوز أن يشتري من يعتق عليه لأنه يخرج ما لا يملك التصرف فيه بمال لا يملك التصرف فيه وفي ذلك إضرار وإن وصى له بمن يعتق عليه فإن لم يكن له كسب لم يجز قبوله لأنه يحتاج أن ينفق عليه وفي ذلك إضرار وإن كان له كسب جاز قبوله لأنه لا ضرر فيه فإن قبله ثم صار زمناً لا كسب له فله أن ينفق فله لأن فيه إصلاح لماله.
فصل: ولا يعتق ولا يكاتب ولا يهب ولا يحابي ولا يبرئ من الدين ولا يكفر بالمال ولا ينفق على أقاربه الأحرار ولا يسرف في نفقة نفسه وإن كان له أمة مزوحة لم تبذل العوض للخلع لأن ذلك كله استهلاك للمال وإن كان عليه دين مؤجل لم يملك تعجيله لأنه يقطع التصرف فيما يجعله من المال من غير حاجة وإن كان مكاتباً بين نفسين لم يجز أن يقدم حق أحدهما لأن ما يقدمه من ذلك يتعلق به حقهما فلا يجوز أن

(2/386)


يخص به أحدهما وإن أقر بجناية خطأ ففيه قولان: أحدهما يقبل لأنه إقرار بالمال فقبل كما لو أقر بدين معاملة والثاني لا يقبل لأنه يخرج به الكسب من غير عوض فبطل كالهبة وإن جنى هو أو عبد له يملك بيعه على أجنبي لم يجز أن يفديه بأكثر من قيمته لأن الفداء كالابتياع فلا يجوز بأكثر من القيمة وإن كان عبداً لا يملك بيعه كالأب والابن لم يجز أن يفديه بشيء قل أو كثر لأنه يخرج ما يملك التصرف فيه لاستبقاء ما لا يملك التصرف فيه.
فصل: وإن فعل ذلك كله بإذن المولى ففيه قولان: أحدهما لا يصح لأن المولى لا يملك ما في يده والمكاتب لا يملك ذلك بنفسه فلا يصح باجتماعهما كالأخ إذا زوج أخته الصغيرة بإذنها والثاني أنه يصح وهو الصحيح لأن المال موقوف عليهما ولا يخرج منهما فصح باجتماعهما كالشريكين في المال المشترك والراهن والمرتهن في الرهن وإن وهب للمولى أو حاباه أو أقرضه أو ضاربه أو عجل له ما تأجل من ديونه أو فدى جنايته عليه بأكثر من قيمته فإن قلنا يصح للأجنبي بإذن المولى صح وإن قلنا لا يصح في حق الأجنبي بإذنه لم يصح لأن قبوله كالإذن فإن وهب أو أقرض وقلنا إنه لا يصح فله أن يسترجع فإن لم يسترجع حتى عتق لم يسترجع على ظاهر النص لأنه إنما لم يصح لنقصانه وقد زال ذلك من أصحابنا من قال: له أن يسترجع لأنه قد وقع فاسداً فثبت له الاسترجاع.
فصل: ولا يتزوج المكاتب إلا بإذن المولى لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما عبد تزوج بغير إذن مولاه فهو عاهر1" ولأنه يلزمه المهر والنفقة في كسبه وفي ذلك إضرار بالمولى فلم يجز بغير إذنه فإن أذن له المولى جاز قولاً واحداً للخبر ولأن الحاجة تدعو إليه بخلاف الهبة.
فصل: ولا يتسرى بجارية من غير إذن المولى لأنه ربما أحبلها فتلفت بالولادة فإن أذن له المولى وقلنا إن العبد يملك ففيه طريقان: من أصحابنا من قال على قولين كالهبة ومنهم من قال: يجوز قولاً واحداً لنه ربما دعت الحاجة إليه فجاز كالنكاح فإن أولدها فالولد ابنه ومملوكه لأنه ولد جاريته وتلزمه نفقته لأنه مملوكه بخلاف ولد الحرة ولا يعتق عليه لنقصان ملكه فإن أدى المال عتق معه لأنه كمل ملكه وإن رق رق معه.
__________
1 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 16. الترمذي في كتاب النكاح باب 21. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 43.

(2/387)


فصل: ويجب على المولى الإيتاء وهو أن يضع عنه جزءاً من المال أو يدفع إليه جزءاً من المال لقوله عز وجل: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33] وعن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في هذه الآية: "يحط عنه ربع الكتابة" والوضع أولى من الدفع لأنه يتحقق الانتفاع به في الكتابة ن واختلف أصحابنا في القدر الواجب فمنهم من قال: ما يقع عليه الاسم من قليل أو كثير وهو المذهب لأن اسم الإيتاء يقع عليه وقال أبو إسحاق: يختلف باختلاف قلة المال وكثرته فإن اختلفا قدره الحاكم باجتهاده كما قلنا في المتعة فإن اختار الدفع جاز بعد العقد للآية وفي وقت الوجوب وجهان: أحدهما يجب بعد العتق كما تجب المتعة بعد الطلاق والثاني أنه يجب قبل العتق لأنه إيتاء وجب للمكاتب فوجب قبل العتق كالإيتاء في الزكاة ولا يجوز الدفع من غير جنس مال الكتابة لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} فإن دفع إليه من جنسه من غير ما أداه إليه ففيه وجهان: أحدهما يجوز كما يجوز في الزكاة أن يدفع من غير المال الذي وجب فيه الزكاة والثاني لا يجوز وهو الصحيح للآية وإن سبق المكاتب وأدى المال لزم المولى أن يدفع إليه لأنه مال وجب للآدمي فلم يسقط من غير أداء ولا إبراء كسائر الديون وإن مات المولى وعليه دين حاص المكاتب أصحاب الديون ومن أصحابنا من قال: يحاص الوصايا لأنه دين ضعيف غير مقدر فسوى بينه وبين الوصايا والصحيح هو الأول لأنه دين واجب فحاص به الغرماء كسائر الديون وبالله التوفيق.

(2/388)


باب الأداء والعجز
ولا يعتق المكاتب ولا شيء منه وقد بقي عليه شيء من المال لما روى عمرو بن شعيب رضي الله عنه عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم1" ولأنه علق عتقه على دفع مال فلا يعتق شيء منه مع بقاء جزء منه كما لو قال لعبده: إن دفعت لي ألفاً فأنت حر فإن كاتب رجلان عبدا بينهما ثم أعتق أحدهما
__________
1 رواه أبو داود في كتاب العتاق باب 1. الترمذي في كتاب البيوع باب 35. النوطأ في كتاب المكاتب حديث 1،2.

(2/388)


نصيبه أو أبرأه مما عليه من مال الكتابة عتق نصيبه لأنه برئ من جميع ماله عليه فعتق كما لو كاتب عبداً فأبراه فإن كان المعتق موسراً فقد قال أصحابنا: يقوم عليه نصيب شريكه كما لو أعتق شركاً له في عبد وعندي أنه يجب أن يكون على قولين: أحدهما يقوم عليه والثاني لا يقوم كما قلنا في شريكين دبرا عبداً ثم أعتق أحدهما نصيبه أنه على قولين: أحدهما يقوم والثاني لا يقوم فإذا قلنا إنه يقوم عليه ففي وقت التقويم قولان: أحدهما يقوم في الحال كما نقول فيمن أعتق شركاً له في عبد والثاني يؤخر التقويم إلى أن يعجز لأنه قد ثبت للشريك حق العتق والولاء في نصيبه فلا يجوز إبطاله عليه وإن كاتب عبده ومات وخلف اثنين فأبرأه أحدهما عن حصته عتق نصيبه لأنه أبرأه من جميع ما له عليه فإن كان الذي أبرأه موسراً فهل يقوم عليه نصيب شريكه فيه قولان: أحدهما لا يقوم لأن سبب العتق وجد من الأب ولهذا يثبت الولاء له والثاني يقوم عليه وهو الصحيح لأن العتق تعجل بفعله فعلى هذا هل يتعجل التقويم والسراية فيه قولان: أحدهما يتعجل لأنه عتق يوجب السراية فتعجلت به كما لو أعتق شركاً له في عبد والثاني يؤخر إلى أن يعجز لأن حق الأب في عتقه وولائه أسبق فلم يجز إبطاله وإن كاتب رجلان عبداً بما يجوز وأذن أحدهما للآخر في تعجيل حق شريكه من المال وقلنا إنه يصح الإذن عتق نصيبه وهل يقوم عليه نصيب شريكه فيه قولان: أحدهما لايقوم لتقدم سببه الذي اشتركا فيه والثاني يقوم لأنه عتق نصيبه بسبب منه ومتى يقوم فيه قولان: أحدهما يقوم في الحال لأنه تعجل عتقه والثاني يؤخر إلى أن يعجز لأنه قد ثبت لشريكه عقد يستحق به العتق والولاء فلم يجز أن يقوم عليه ذلك فعلى هذا إن أدى عتق باقيه وإن عجز قوم على المعتق وإن مات قبل الأداء والعجز مات ونصفه حر ونصفه مكاتب.
فصل: وإن حل عليه نجم وعجز عن أداء المال جاز للمولى أن يفسخ العقد لأنه أسقط حقه بعوض فإذا تعذر العوض ووجد عين ماله جاز له أن يفسخ ويرجع إلى عين ماله كما لو باع سلعة فأفلس المشتري بالثمن ووجد البائع عين ماله وإن كان معه ما يؤذيه فامتنع من أدائه جاز له الفسخ لأنه تعذر العوض بالامتناع كتعذره بالعجز لأنه لا يمكن إجباره على أدائه وإن عجز عن بعضه أو امتنع عن أداء بعضه جاز له أن يفسخ لأنا بينا أن العتق في الكتابة لا يتبعض فكان تعذر البعض كتعذر الجميع ويجوز الفسخ من غير حاكم لأنه فسخ مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ البيع العيب.
فصل: وإن حل عليه نجم ومعه متاع فاستنظر لبيع المتاع وجب إنظاره لأنه قادر على أخذ المال من غير إضرار ولا يلزمه أن ينظر أكثر من ثلاثة أيام لأن الثلاثة قليل فلا ضرر عليه في الانتظار وما زاد كثير وفي الانتظار إضرار وإن طلب الإنظار لمال غائب فإن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة وجب إنظاره لأنه قريب لا ضرر في إنظاره

(2/389)


وإن كان على مسافة تقصر فيها الصلاة لم يجب لأنه طويل وفي الانتظار إضرار وإن طلب الإنظار لاقتضاء دين فإن كان حالاً على ملئ وجب إنظاره لأنه كالعين في يد المودع ولهذا تجب فيه الزكاة وإن كان مؤجلاً أو على معسر لم يجب الإنظار لأن عليه إضراراً في الإنظار فإن حل عليه المال وهو غائب ففيه وجهان: أحدهما له أن يفسخ لأنه تعذر المال فجاز له الفسخ والثاني ليس له أن يفسخ بل يرجع إلى الحاكم ليكتب إلى حاكم البلد الذي فيه المكاتب ليطالبه فإن عجز أو امتنع فسخ لأنه لا يتعذر الأداء إلا بذلك فلا يفسخ قبله وإن حل عليه النجم وهو مجنون فإن كان معه ما يسلم إلى المولى عتق لأنه قبض ما يستحقه فبرئت به ذمته وإن لم يكن معه شيء فعجزه المولى وفسخ ثم ظهر له مال نقض الحكم بالفسخ لأنا حكمنا بالعجز في الظاهر وقد بان خلافه فنقض كما لو حكم الحاكم ثم وجد النص بخلافه وإن كان قد أنفق عليه الفسخ رجع بما أنفق لأنه لم يتبرع بل أنفق على أنه عبده فإن أفاق بعد الفسخ وأقام البينة أنه كان قد أدى المال نقض الحكم بالفسخ ولا يرجع المولى بما أنفق عليه بعد الفسخ لأنه تبرع لأنه أنفق وهو يعلم أنه حر وإن حل النجم فأحضر المال وادعى السيد أنه حرام ولم تكن له بينة فالقول قول المكاتب مع يمينه لأنه في يده والظاهر أنه له فإن حلف خير المولى بين أن يأخذه وبين أن يبرئه منه فإن لم يفعل قبض عنه السلطان لأنه حق يدخله النيابة فإذا امتنع منه قام السلطان مقامه.
فصل: وإن قبض المال وعتق ثم وجد به عيباً فله أن يرد ويطالب بالبدل فإن رضي به استقر العتق لأنه برئت ذمة العبد وإن رده ارتفع العتق لأنه يستقر باستقرار الأداء وقد ارتفع الأداء بالرد فارتفع العتق وإن وجد به العيب وقد حدث به عنده عيب ثبت له الأرش فإن دفع الأرش استقر العتق وإن لم يدفع ارتفع العتق لأنه لم يتم براءة الذمة من المال وإن كاتبه على خدمة شهر ودينار ثم مرض بطلت الكتابة في قدر الخدمة وفي الباقي طريقان أحدهما أنه على قولين والثاني أنه لا يبطل قولاً واحداً بناء على الطريقين فيمن ابتاع عينين ثم تلفت إحداهما قبل القبض.
فصل: فإن أدى المال وعتق ثم خرج المال مستحقاً بطل الحكم بعتقه لأن العتق يقع بالأداء وقد بان أنه لم يؤد وإن كان الاستحقاق بعد موت المكاتب كان ما ترك للمولى دون الورثة لأنا قد حكمنا بأنه مات رقيقاً.
فصل: فإن باع المولى ما في ذمة المكاتب وقلنا إنه لا يصح فقبضه المشتري فقد قال في موضع يعتق وقال في موضع لا يعتق واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس فيه

(2/390)


قولان: أحدهما يعتق لأنه قبضه بإذنه فأشبه إذا دفعه إلى وكيله والثاني وهو الصحيح أنه لا يعتق لأنه لم يقبضه للمولى وإنما قبضه لنفسه ولم يصح قبضه لنفسه لأنه لم يستحقه فصار كما لو لم يؤخذ وقال أبو إسحاق: هي على اختلاف حالين فالذي قال يعتق إذا أمره المكاتب بالدفع إليه لأنه قبضه بإذنه والذي قال لا يعتق إذا لم يأمره بالدفع إليه لأنه لم يأخذه بإذنه وإنما أخذه بما تضمنه البيع من الإذن والبيع باطل فبطل ما تضمنه.
فصل: إذا اجتمع على المكاتب دين الكتابة ودين المعاملة وأرش الجناية وضاق ما في يده عن الجميع قدم دين المعاملة لأنه يختص بما في يده والسيد والمجني عليه يرجعان إلى الرقبة فإن فضل عن الدين شيء قدم حق المجني عليه لأن حقه يقدم على حق المالك في العبد القن فكذلك في المكاتب وإن لم يكن له شيء فأراد صاحب الدين تعجيزه لم يكن له ذلك لأن حقه في الذمة فلا فائدة في تعجيزه بل تركه على الكتابة أنفع له لأنه ربما كسب ما يعطيه وإذا عجزه بقي حقه في الذمة إلى أن يعتق فإن أراد المولى أو المجني عليه تعجيزه كان له ذلك لأن المولى يرجع بالتعجيز إلى رقبته والمجني عليه ببيعه في الجناية فإن عجزه المولى انفسخت الكتابة وسقط دينه وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع في الجناية وبين أن يفديه فإن عجزه المجني عليه نظرت فإن كان الأرش يحيط بالثمن بيع وقضى حقه وإن كان دون الثمن بيع منه ما يقضي منه الأرش وبقي الباقي على الكتابة وإن أدى كتابة باقيه عتق وهل يقوم الباقي عليه إن كان موسراً فيه وجهان: أحدهما لا يقوم لأنه وجد سبب العتق قبل التبعيض والثاني يقوم عليه لأن اختياره للإنظار كابتداء العتق.

(2/391)


باب الكتابة الفاسدة
إذا كاتب على عوض محرم أو شرط باطل فللسيد أن يرجع فيها لأنه دخل على أن يسلم له ما شرط ولم يسلم فثبت له الرجوع وله أن يفسخ بنفسه لأنه مجمع عليه وإن مات المولى أو جن أو حجر عليه بطل العقد لأنه غير لازم من جهته فبطل بهذه الأشياء كالعقود الجائزة فإن مات العبد بطل لأنه لا يلحقه العتق بعد الموت وإن جن لا تبطل لأنه لازم من جهة العبد فلم تبطل بجنونه كالعتق المعلق على دخول الدار.
فصل: وإن أدى ما كاتبه عليه قبل الفسخ عتق لأن الكتابة تشتمل على معاوضة وهو قول كاتبتك على كذا وعلى صفة وهو قوله فإذا أديت فأنت حر فإذا بطلت المعاوضة بقيت الصفة فعتق بها وإن أداه إلى غير من كاتبه لم يعتق لأنه لم توجد الصفة فإذا عتق

(2/391)


تبعه ما فضل في يده من الكسب وإن كانت جارية تبعها الولد لأنه جعل كالكتابة الصحيحة في العتق فكانت كالصحيحة في الكسب والولد.
فصل: ويرجع السيد عليه بقيمته لأنه أزال ملكه عنه بشرط ولم يسلم له الشرط وتعذر الرجوع إليه فرجع ببدله كما لو باع سلعة بشرط فاسد فتلفت في يد المشتري ويرجع العبد على المولى بما أداه إليه لأنه دفعه عما عليه فإذا لم يقع عما عليه ثبت له الرجوع فإن كان ما دفع من جنس القيمة وعلى صفتها كالأثمان وغيرها من ذوات الأمثال ففيه أربعة أقوال: أحدها أنهما يتقاصان فسقط أحدهما بالآخر لأنه لا فائدة في أخذه ورده والثاني أنه إذا رضي أحدهما تقاصا وإن لم يرض واحد منهما لم يتقاصا لأنه إذا رضي أحدهما فقد اختار الراضي منهما قضاء ما عليه بالذي له على الآخر ومن عليه حق يجوز أن يقضيه من أي جهة شاء والثالث أنهما إذا تراضيا تقاصا وإن لم يتراضيا لم يتقاصا لأنه إسقاط حق بحق فلم يجز إلا بالتراضي كالحوالة والرابع أنهما لا يتقاصان بحال لأنه بيع دين بدين وإن أخذ من سهم الرقاب في الزكاة فإن لم يكن فيه وفاء استرجع منه وإن كان فيه وفاء فقد قال في الأم: يسترجع ولا يعتق لأنه بالفساد خرج عن أن يكون من الرقاب ومن أصحابنا من قال: لا يسترجع لأنه كالكتابة الصحيحة في العتق والكسب.
فصل: فإن كاتب عبداً صغيراً أو مجنوناً فأدى ما كاتبه عليه عتق بوجود الصفة وهل يكون حكمها حكم الكتابة الفاسدة مع البالغ في ملك ما فضل في يده من الكسب وفي التراجع؟ فيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي إسحاق أنه لا يملك ما فضل في يده من الكسب ولا يثبت التراجع وهو رواية المزني في المجنون لأن العقد مع الصبي ليس بعقد ولهذا لو ابتاع شيئاً وقبضه وتلف في يده لم يلزمه الضمان بخلاف البالغ فإن عقده عقد يقتضي الضمان ولهذا لو اشترى شيئاً ببيع فاسد وتلف عنده لزمه الضمان والثاني وهو قول أبي العباس أنه يملك ما فضل من الكسب ويثبت بينهما التراجع وهو رواية الربيع في المجنون لأنه كتابة فاسدة فأشبهت كتابة البالغ بشرط فاسد.
فصل: وإن كاتب بعض عبده وقلنا إنه لا يصح فلم يفسخ حتى أدى المال عتق لوجود الصفة وتراجعا وسرى العتق إلى باقيه لأنه عتق بسبب منه فإن كاتب شريكاً في عبد من غير إذن شريكه نظرت فإن جمع كسبه ودفع نصفه إلى الشريك ونصفه للذي كاتب عتق لوجود الصفة فإن جمع الكسب كله وأداه ففيه وجهان: أحدهما لا يعتق لأن

(2/392)


الأداء يقتضي أداء ما يملك التصرف فيه وما أداه من مال الشريك لا يملك التصرف فيه والثاني يعتق لأن الصفة قد وجدت فإن كاتبه بإذن شريكه فإن قلنا إنه باطل فالحكم فيه كالحكم فيه إذا كاتبه بغير إذنه وإن قلنا إنه صحيح ودفع نصف الكسب إلى الشريك ونصفه إلى الذي كاتبه عتق فإن جمع الكسب كله ودفعه إلى الذي كاتبه قد قال بعض أصحابنا فيه وجهان كالقسم قبله والمذهب أنه لا يعتق لأن الكتابة صحيحة والمغلب فيها حكم المعارضة فإذا دفع فيها مالاً يملكه صار كما لو لم يؤد بخلاف القسم قبله فإنها كتابة فاسدة والمغلب فيها الصفة وإذا حكمنا بالعتق في هذه المسائل في نصيبه فإن كان المعتق موسراً سرى إلى نصيب الشريك وقوم عليه لأنه عتق بسبب منه ولا يلزم العبد ضمان السراية لأنه لم يلتزم ضمان ما سرى إليه.
فصل: وإن كاتب عبيداً على مال واحد وقلنا إن الكتابة صحيحة فأدى بعضهم عتق لأنه بريء مما عليه وإن قلنا إن الكتابة فاسدة فأدى بعضهم فالمنصوص أنه يعتق لأن الكتابة الفاسدة محمولة على الكتابة الصحيحة في الأحكام فكذلك في العتق بالأداء ومن أصحابنا من قال لا يعتق وهو الأظهر لأن العتق في الكتابة الفاسدة بالصفة وذلك لم يوجد بأداء بعضهم.

(2/393)


باب اختلاف المولى والمكاتب
إذا اختلفا فقال السيد كاتبتك وأنا مغلوب على عقلي أو محجور علي فأنكر العبد فإن كان قد عرف له جنون أو حجر فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل بقاؤه على الجنون أو الحجر وإن لم يعرف له ذلك فالقول قول العبد لأن الظاهر عدم الجنون والحجر وإن اختلفا في قدر المال أو في نجومه تحالفا قياساً على المتبايعين إذا اختلفا في قدر الثمن أو في الأجل فإن كان ذلك قبل العتق فهل تنفسخ بنفس التحالف أو يفتقر إلى الفسخ فيه وجهان كما ذكرناه في المتبايعين وإن كان التحالف بعد العتق لم يرتفع العتق ويرجع المولى بقيمته ويرجع المكاتب بالفضل كما نقول في البيع الفاسد.
فصل: وإن وضع شيئاً عنه من مال الكتابة ثم اختلفا فقال السيد وضعت النجم الأخير وقال المكاتب بل الأول فالقول قول السيد وإن كتبه على ألف درهم فوضع عنه خمسين درهماً لم يصح لأنه أبرأه مما لا يملكه فإن قال أردت ألف درهم بقيمة خمسين ديناراً صح وإن اختلفا فيما عني فادعى المكاتب أنه عني ألف درهم بقيمة خمسين ديناراً وأنكر السيد ذلك فالقول قول السيد لأن الظاهر معه ولأنه أعرف بما عني وإن أدى المكاتب ما عليه فقال له المولى: أنت حر وخرج المال مستحقاً فادعى العبدان عتقه بقوله

(2/393)


أنت حر وقال المولى أردت أنك حر بما أديت وقد بان أنه مستحق فالقول قول السيد لأنه يحتمل الوجهين وهو أعرف بقصده وإن قال السيد استوفيت أو قال العبد أليس أوفيتك فقال بلى فادعى المكاتب أنه وفاه الجميع وقال المولى بلى وفاني البعض فالقول قول السيد لأن الاستيفاء لا يقتضي الجميع.
فصل: وإن كان المكاتب جارية وأتت بولدها فاختلفا في ولدها وقلنا إن الولد يتبعها فقالت الجارية ولدته بعد الكتابة فهو موقوف معي وقال المولى بل ولدته قبل الكتابة فهو لي فالقول قول السيد لأن هذا اختلاف في وقت العقد والسيد يقول العقد بعد الولادة والمكاتبة تقول قبل الولادة والأصل عند العقد وإن كاتب عبداً ثم زوجه أمة له ثم اشترى المكاتب زوجته وأتت بولد فقال السيد: أتت به قبل الشراء فهو لي وقال العبد: بل أتت به بعدما اشتريتها فهو لي فالقول قول العبد لأن هذا الاختلاف في الملك والظاهر مع العبد لأنه في يده بخلاف المسألة قبلها فإن هناك لم يختلفا في الملك وإنما اختلفا في وقت العقد.
فصل: وإن كاتب عبدين فأقر أنه استوفى ما على أحدهما أو أبرأ أحدهما واختلف العبدان فادعى كل واحد منهما أنه هو الذي استوفى منه وأبرأه رجع إلى المولى فإن أخبر أنه أحدهما قبل منه لأنه أعرف بمن استوفى منه أو أبرأه فإن طلب الآخر يمينه حلف له وإن ادعى المولى أنه أشكل عليه لم يقرع بينهما لأنه قد يتذكر فإن ادعيا أنه يعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة ومن أصحابنا من قال ترد الدعوى عليهما فإن حلفا أو نكلا بقيا على الكتابة وإن حلف أحدهما ونكل الآخر عتق الحالف وبقي الآخر على الكتابة وإن مات المولى قبل أن يعين ففيه قولان: أحدهما يقرع بينهما لأن الحرية تعينت لأحدهما ولا يمكن التعيين بغير القرعة فوجب تمييزها بالقرعة كما لو قال لعبدين أحدكما حر والثاني أنه لا يقرع لأن الحرية تعينت في أحدهما فإذا أقرع لم يؤمن أن تخرج القرعة على غيره فعلى هذا يرجع إلى الوارث فإن قال لا أعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة على ما ذكرناه في المولى.
فصل: وإن كاتب ثلاثة أعبد في قود أو في عقد على مائة وقلنا إنه يصح وقيمة أحدهم مائة وقيمة كل واحد من الآخرين خمسون فأدوا مالاً من أيديهم ثم اختلفوا فقال: من كثرت قيمته النصف لي ولكل واحد منهما الربع وقال الآخران بل المال بيننا أثلاثاً ويبقى عليك تمام النصف ويفضل لكل واحد منا ما زاد على الربع فقد قال في موضع: القول قول من كثرت قيمته وقال في موضع: القول قول من قلت قيمته فمن

(2/394)


أصحابنا من قال هي على قولين: أحدهما أن القول قول من قلت قيمته وأن المؤدي بينهم أثلاثاً لأن يد كل واحد منهم على ثلث المال والثاني أن القول قول من كثرت قيمته لأن الظاهر معه فإن العادة أن الانسان لا يؤدي أكثر مما عليه ومنهم من قال هي على اختلاف حالين فالذي قال القول قول من كثرت قيمته إذا وقع العتق بالأداء لأن الظاهر أنه لا يؤدي أكثر مما عليه والذي قال إن القول قول من قلت قيمته إذا لم يقع العتق بالأداء فيؤدي من قلت قيمته أكثر مما عليه ليكون الفاضل له من النجم الثاني والدليل عليه أنه قال في الأم: إذا كاتبهم على مائة فأدوا ستين فإذا قلنا إنه بينهم على العدد أثلاثاً فأراد العبدان أن يرجعا بما فضل لهما لم يجز لأن الظاهر أنهما تطوعا بالتعجيل فلا يرجعان به ويحتسب لهما من النجم الثاني.
فصل: وإن كاتب رجلان عبداً بينهما فادعى المكاتب أنه أدى إليهما مال الكتابة فأقر أحدهما وأنكر الآخر عتق الحصة المقر والقول قول المنكر مع يمينه فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة فله أن يطالب المقر بنصف ما أقر بقبضه وهو الربع لحصول حقه في يده ويطالب المكاتب بالباقي وله أن يطالب المكاتب بالجميع وهو النصف فإن قبض حقه منهما أو من أحدهما عتق المكاتب وليس لأحد من المقر والمكاتب أن يرجع على صاحبه بما أخذه منه لأن كل واحد منهم يدعي أن الذي ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره وإن وجد المكاتب عاجزاً فعجزه أحدهما رق نصفه قال الشافعي رحمه الله: ولا يقوم على المقر لأن التقويم لحق العبد وهو أن يقول أنا حر مسترق ظلماً فلا يقوم ولا تقبل شهادة المصدق على المكذب لأنه يدفع بها ضرراً من استرجاع نصف ما في يده فإن ادعى المكاتب أنه دفع جميع المال إلى أحدهما ليأخذ منه النصف ويدفع إلى شريكه النصف نظرت فإن قال المدعى عليه دفعت إلى كل واحد منا النصف وأنكره الآخر عتق حصة المدعى عليه بإقراره وبقيت حصة المنكر على الكتابة من غير يمين لأنه لا يدعي عليه واحد منهما تسليم المال إليه وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه وله أن يطالب المقر بنصفه والمكاتب بنصفه ولا يرجع واحد منهما بما يؤخذ منه على الآخر لأن كل واحد منهما يدعي أن الذي ظلمه هو المنكر فلا يرجع على غيره فإن استوفى المنكر حقه منهما أو من المكاتب عتقت حصته وصار المكاتب حراً وإن عجز المكاتب فاسترقه فقد قال الشافعي رحمه الله: إنه يقوم على المقر ووجهه أنه عتق نصيبه بسبب من جهته وقال في المسألة قلها لا يقوم فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة منهما إلى الأخرى فجعلهما على قولين ومنهم من قال يقوم ههنا ولا يقوم في المسألة قبلها على ما

(2/395)


نص عليه لأن في المسألة قبلها يقول المكاتب أنا حر فلا أستحق التقويم على أحد وههنا يقول نصفي مملوك فاستحق التقويم وإن قال المدعى عليه قبضت المال وسلمت نصفه إلى شريكي وأمسكت النصف لنفسي وأنكر الشريك القبض عتق حصة المدعى عليه والقول قول المنكر مع يمينه لأن المقر يدعي التسليم إليه فإذا حلف بقيت حصته على الكتابة وله أن يطالب المكاتب بجميع حقه بالعقد وله أن يطالب المقر بإقراره بالقبض فإن رجع على المقر لم يرجع المقر على المكاتب لأنه يقول إن شريكي ظلمني وإن رجع على المكاتب رجع المكاتب على المقر صدقه على الدفع أو كذبه لأنه فرط في ترك الإشهاد فإن حصل للمنكر ما له من أحدهما عتق المكاتب وإن عجز المكاتب عن أداء حصة المنكر كان للمنكر أن يستحق نصيبه فإذا رق قوم على المقر لأنه عتق بسبب كان منه وهو الكتابة ويرجع المنكر على المقر بنصف ما أقر بقبضه لأنه بالتعجيز استحق نصف كسبه وإن حصل المال من جهة المكاتب عتق باقيه ورجع المكاتب على المقر بنصف ما أقر بقبضه لأنه كسبه.

(2/396)