المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب العتق
مدخل
...
كتاب العتق
العتق قربة مندوب إليه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق رقبة أعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار حتى فرجه بفرجه1" ولا يصح إلا من مطلق التصرف في المال لأنه تصرف في المال كالبيع والهبة فإن أعتق الموقوف عليه العبد الموقوف لم يصح عتقه لأنه لا يملكه في أحد القولين ويملكه في الثاني إلا أنه يبطل به حق البطن الثاني فلم يصح وإن أعتق المريض عبداً وعليه دين يستغرقه لم يصح لأن العتق في المرض وصية فلم يصح مع الدين وإن أعتق العبد الجاني فعلى ما ذكرناه في العبد المرهون.
فصل: ويصح بالصريح والكناية وصريحه العتق والحرية لأنه ثبت لهما عرف الشرع وعرف اللغة والكناية كقوله: سيبتك وخليتك وحبلك على غاربك ولا سبيل عليك ولا سلطان لي عليك وأنت لله وأنت طالق وما أشبههما لأنه تحتمل العتق فوقع بها العتق مع النية وفي قوله: فككت رقبتك وجهان أحدهما أنه صريح لأنه ورد به
__________
1 رواه البخاري في كتاب الكفارات باب 6. مسلم في كتاب العتق حديث 22، 23. الترمذي في كتاب النذور باب 14.

(2/367)


القرآن قال الله سبحانه: {فَكُّ رَقَبَةٍ} [سورة البلد: 13] والثاني أنه كناية لأنه يستعمل في العتق وغيره وإن قال لأمته أنت علي كظهر أمي ونوى العتق ففيه وجهان: أحدهما تعتق لأنه لفظ يوجب تحريم الزوجة فكان كناية في العتق كسائر الطلاق والثاني لا تعتق لأنه لا يزيل الملك فلم يكن كناية في العتق بخلاف الطلاق.
فصل: وإن كان بين نفسين عبد فأعتق أحدهما نصيبه فإن كان موسراً قوم عليه نصيب شريكه وعتق لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أعتق شركاً له في عبد فإن كان معه ما يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاؤه حصصهم وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق ما رق" وإن كان بين مسلم وكافر عبد مسلم فأعتق الكافر حصته وهو موسر فالمنصوص أنه يقوم عليه فمن أصحابنا من قال: إذا قلنا إن الكافر لا يملك العبد المسلم لم يقوم عليه لأن التقويم يوجب التمليك ومنهم من قال: يقوم عليه قولاً واحداً لأنه تقويم متلف فاستوى فيه المسلم والكافر كتقويم المتلفات ويخالف البيع لأن القصد منه التمليك وفي ذلك صغار على الإسلام والقصد من التقويم العتق ولا صغار فيه فإن كان نصف العبد وقفاً ونصفه طلقاً فأعتق صاحب الأرض نصيبه لم يقوم عليه الوقف لأن التقويم يقتضي التمليك والوقف لا يملك ولأن الوقف لا يعتق بالمباشرة فلأن لا يعتق بالتقويم أولى.
فصل: وتجب قيمة النصيب عند العتق لأنه وقت الإتلاف ومتى يعتق فيه ثلاثة أقوال: أحدها يعتق في الحال فإن كانت جارية فولدت كان الولد حراً لما روى أبو المليح عن أبيه أن رجلاً أعتق شقصاً له من غلام فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ليس لله شريك" وفي بعضها فأجاز عتقه والثاني أنه يقع بدفع القيمة فإن كان جارية فولدت كان نصف الولد حراً ونصفه مملوكاً لما روى سالم عن أبيه يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا كان العبد بين اثنين فأعتق أحدهم نصيبه فإن كان موسراً يقوم عليه ولا وكس ولا شطط ثم يعتق" ولأنه عتق بعوض فلا يتقدم على العوض كعتق المكاتب والثالث أنه مراعى فإن دفع العوض حكمنا بأنه عتق في الحال وإن لم يدفع حكمنا بأنه لم يعتق لأنا إذا أعتقناه في

(2/368)


الحال أضررنا بالشريك في إتلاف ماله قبل أن يسلم له العوض وإن لم نعتقه أضررنا بالعبد في إبقاء أحكام الرق عليه فإذا قلنا إنه مراعى لم يكن على كل واحد منهما ضرر فإن دفع القيمة كان حكمه حكم القول الأول وإن لم يدفع كان حكمه حكم القول الثاني فإن بذل المعتق القيمة أجبرنا الشريك على قبضها وإن طلب الشريك أجبرنا المعتق على دفعها فإن أمسك الشريك عن الطلب والمعتق عن الدفع وقلنا إن العتق يقف على الدفع فللعبد أن يطالب المعتق بالدفع والشريك بالقبض ليصل إلى حقه فإن أمسك الجميع فللحاكم أن يطالب بالدفع والقبض لما في العتق من حق الله تعالى فإن أعتق الشريك نصيبه قبل أخذ القيمة ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن يعتق لأنه عتق صادف ملكه والثاني وهو المذهب أنه لا يعتق لأن العتق مستحق من جهة المعتق والولاء مستحق له فلا يجوز إبطاله عليه.
فصل: وإن كان بين اثنين جارية فأحبلها أحدهما ثبتت حرمة الاستيلاد في نصيبه وفي نصيب الشريك الأقوال التي ذكرناها في العتق لأن الاستيلاد كالعتق في إيجاب الحرية فكان كالإعتاق في التقويم والسراية.
فصل: وإن اختلف المعتق والشريك في قيمة العبد والبينة متعذرة فإن قلنا إنه يسري في الحال فالقول قول المعتق لأنه غارم لما استهلكه فكان القول قوله كما لو اختلفا في قيمة ما أتلفه بالجناية وإن قلنا لا يعتق إلا بدفع القيمة فالقول قول الشريك لأن نصيبه باق على ملكه فلا ينزع منه إلا بما يقربه كالمشتري في الشفعة وإن ادعى الشريك أنه كان يحسن صنعة تزيد بها القيمة فأنكر المعتق ففيه طريقان: من أصحابنا من قال هو كالإختلاف في القيمة وفيه قولان ومنهم من قال قول المعتق قولاً واحداً لأن الظاهر معه والشريك يدعي صنعة الأصل عدمها وإن ادعى المعتق عيباً في العبد ينقص به القيمة وأنكر الشريك ففيه طريقان أيضاً: من أصحابنا من قال هو كالإختلاف في القيمة فيكون على قولين ومنهم من قال: القول قول الشريك قولاً واحداً لأن الظاهر معه والمعتق يدعي عيباً الأصل عدمه.

(2/369)


فصل: وإن كان المعتق معسراً عتق نصيبه وبقي نصيب الشريك على الرق والدليل عليه حديث ابن عمر رضي الله عنه وإلا فقد عتق منه ما عتق ورق منه ما رق ولأن تنفيذ العتق لدفع الضرر عن العبد فلو أعتقنا نصيب الشريك لأضررنا به لأنا نتلف ماله ولا يحصل له عوض والضرر لا يزال بالضرر وإن كان موسراً بقيمة البعض عتق منه بقدره لأن ما وجب بالإستهلاك إذا عجز عن بعضه وجب ما قدر عليه كبدل المتلف وإن كان معه قيمة الحصة وعليه دين يستغرق ما معه ففيه قولان بناء على القولين في الدين هل يمنع وجوب الزكاة فإن قلنا لا يمنع وجب عليه العتق وإن قلنا يمنع لم يجب العتق.
فصل: وإن ملك عبداً فأعتق بعضه سرى إلى الباقي لأنه موسر بالقدر الذي يسري إليه كما لو أعتق شركاً له في عبد وهو موسر.
فصل: وإن أوصى بعتق شرك له في عبد فأعتق عنه لم يقوم عليه نصيب شريكه وإن احتمله الثلث لأنه بالموت زال ملكه فلا ينفذ إلا فيما استثناه بالوصية وإن وصى بعتق نصيبه بأن يعتق عنه نصيب شريكه والثلث يحتمله قوم عليه وأعتق عنه الجميع لأنه في الوصية بالثلث كالحي فإذا قوم على الحي قوم على الميت بالوصية.
فصل: وإن كان عبد بين ثلاثة لأحدهم النصف وللآخر الثلث وللثالث السدس فأعتق صاحب الثلث والسدس نصيبهما في وقت واحد وكانا موسرين قوم النصيب الشريك عليهما بالسوية لأن التقويم استحق بالسراية فقسط على عدد الرؤوس كما لو اشترك اثنان في جراحة رجل فجرحه أحدهما جراحة والآخر جراحات.
فصل: وإن كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فإن قال أعتقت هذا قبل قوله لأنه أعرف بما قال فإن اتهمه الآخر حلف لجواز أن يكون كاذباً فإن نكل حلف الآخر وعتق العبدان أحدهما بإقراره والآخر بالنكول واليمين وإن قال هذا بل هذا عتقا جميعاً لأنه صار راجعاً عن الأول مقراً بالثاني فإن مات قبل أن يبين رجع إلى قول الوارث لأن له طريقاً إلى معرفته فإن قال الوارث: لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لأنه ليس أحدهما بأولى من الآخر فرجع إلى القرعة ومن أصحابنا من خرج فيه قولاً آخر أنه يوقف إلى أن ينكشف لأن القرعة تفضي إلى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف إلى أن يبين والأول هو الصحيح لأن البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث في رقيه وبالحر في حق نفسه.
فصل: وإن أعتق عبداً من أعبد أخذ بتعيينه وله أن يعين من شاء فإن قال هو سليم بل غانم عتق سالم ولم يعتق غانم لأنه تخير لتعيين عتق فإذا عينه في واحد سقط خياره

(2/370)


في الثاني ويخالف القسم قبله لأن ذلك إخبار لا خيار له فيه فلم يسقط حكم خبره فإن مات قبل أن يعين ففيه وجهان: أحدهما لا يقوم الوارث مقامه في التعيين كما لا يقوم مقامه في تعيين الطلاق في إحدى المرأتين فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق والثاني يقوم مقامه وهو الصحيح لأنه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعة والرد بالعيب.
فصل: ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وإن سفلوا عتقوا عليه لقوله تعالى: {تكاد تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً، أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً، وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم: 90 - 93] فنفى الولادة مع العبودية على أنه لا يجتمعان ولأن الولد بعض منه فيصير كما لو ملك بعضه وإن ملك بعضه فإن كان بسبب من جهته كالبيع والهبة وهو موسر قوم عليه الباقي لأنه عتق بسبب من جهته فصار كما لو أعتق بعض عبد وإن كان سبب من جهته كالإرث لم يقوم عليه لأنه عتق من غير سبب من جهته وإن ملك من سوى الوالدين والمولودين من الأقارب ولم يعتق عليه لأنه لا بعضية بينهما كالأجانب وإن وجد من يعتق عليه مملوكاً فالمستحب أن يشتريه ليعتق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه" ولا يجب عليه ذلك لأنه استجلاب مال لقربة لم يتقدم وجوبها فلم يجب كشراء المال للزكاة وإن وصى للمولى عليه بأبيه فإن كان لا يلزمه نفقته وجب على الولي قبوله لأنه يعتق عليه فيحصل على جمال عاجل وثواب آجل من غير إضرار وإن كانت تلزمه نفقته لم يجب قبوله لأنه يعتق عليه ويطالب بنفقته وفي ذلك إضرار فلم يجز وإن وصى له ببعضه فإن كان معسراً لزمه قبوله لأنه لا ضرر عليه من جهة التقويم ولا من جهة النفقة وإن كان موسراً والأب ممن تلزمه نفقته لم يجب قبوله لأنه تلزمه نفقته وفي ذلك إضرار وإن كانت لا تلزمه نفقته ففيه قولان: أحدهما لا يجوز قبوله لأنه ملكه يقتضي التقويم وفي ذلك إضرار والثاني يلزم قبوله ولا يقوم عليه لأنه يعت عليه بغير اختياره فلم يقوم عليه كما لو ملكه بالإرث.

(2/371)


باب القرعة
والقرعة أن تقطع رقاع متساوية ويكتب في كل رقعة ما يراد إخراجه وتجعل في

(2/371)


بنادق من طين متساوية الوزن والصفة وتجفف وتغطى بشيء ثم يقال لرجل لم يحضر الكتابة والبندقة أخرج بندقة ويعمل بما فيها فإن كان القصد عتق الثلث جزؤوا ثلاثة أجزاء وإن كان القصد عتق الرابع جزؤوا أربعة أجزاء وإن كان القصد عتق النصف جزؤوا نصفين وتعدل السهام فإن كان القصد عتق الثلث فإن كان عددهم وقيمته متساوية فإن كانوا ستة أعبد قيمة كل واحد منهم مائة جعل كل اثنين جزءاً ثم الحاكم بالخيار بين أن يكتب في الرقاع الأسماء ويخرج الأسماء على الحرية والرق وبين أن يكتب الرق والحرية ويخرج على الأسماء فإن اختار كتب الأسماء كتب كل اسمين في رقعة فإن شاء أخرج القرعة على الحرية فإذا خرجت القرعة باسم اثنين عتقا ورق الباقون وإن شاء أخرج على الرق فإن خرجت رق من فيها ثم يخرج قرعة أخرى على الرق فإذا خرجت رق من فيها ويعتق الباقيان والإخراج على الحرية أولى لأنه أقرب إلى فصل الحكم فإن اتفق العدد واختلفت القيم وأمكن تعديل العدد بالقيمة بأن يكونوا ستة قيمة اثنين أربعمائة وقيمة اثنين ستمائة وقيمة اثنين مائتان جعل اللذان قيمتهما أربعمائة جزءاً وضم أحد العبدين المقومين بستمائة إلى أحد العبدين المقومين بمائتين ويجعل العبدان الآخران جزءاً ويخرج القرعة على ما ذكرناه من الوجهين وإن اختلفت قيمتهم ولم يتفق عددهم بأن كانوا ثمانية قيمة واحد مائة وقيمة ثلاثة مائة وقيمة أربعة مائة عدلوا بالقيمة فيجعل العبد جزءاً والثلاثة جزءاً والأربعة جزءاً فإن خرجت قرعة العتق على العبد عتق ورق السبعة وإن خرجت على الثلاثة عتقوا ورق الخمسة وإن خرجت على الأربعة عتقوا ورق الأربعة لأنه لا يمكن تعديلهم بغير القيمة فعدلوا بالقيمة وعلى هذا لو كانوا اثنين قيمة أحدهما مائة وقيمة الآخر مائتان جعلا جزأين وأقرع بينهما فإن خرجت قرعة العتق على المقوم بمائة عتق جميعه ورق الآخر وإن خرجت على المقوم بمائتين عتق نصفه ورق نصفه وجميع الآخر فإن اتفق العدد واختلفت القيم فإن عدل بالعدد اختلفت القيم وإن عدل بالقيمة اختلف العدد بأن كانوا ستة قيمة واحد مائة وقيمة اثنين مائة وقيمة ثلاثة مائة فالمنصوص أنهم يعدلون بالقيمة فيجعل العبد جزءاً والعبدان جزءاً والثلاثة جزءاً وتخرج القرعة على ما ذكرناه من الوجهين ومن أصحابنا من قال: يعدلون بالعدد فيجعل اللذان قيمتهما مائة جزءاً ويضم أحد الثلاثة إلى المقوم بمائة فيجعلان جزءاً وقيمتهما مائة وثلث ويجعل الآخران جزءاً وقيمتهما ثلثمائة وأقرع بينهم فإن خرجت القرعة على المقومين بالمائة وقد استكملا الثلث ورق الباقون وإن خرجت على العبدين

(2/372)


المقوم أحدهما بمائة والآخر بثلث المائة عتقا ورق الأربعة الباقون ويقرع بين العبدين اللذين خرجت القرعة عليهما لأنهما أكثر من الثلث فلم ينفذ العتق فيهما فإن أقرع فخرجت القرعة على المقوم بمائة عتق ورق الآخر وإن خرجت على المقوم بثلث المائة عتق وعتق من الآخر الثلثان لاستكمال الثلث ورق الباقي والصحيح هو المنصوص عليه لأن فيما قال هذا القائل يحتاج إلى إعادة القرعة وتبعيض الرق والحرية في شخص واحد فإن اختلف العدد والقيم ولم يمكن التعديل بالعدد ولا بالقيمة بأن كانوا خمسة وقيمة أحدهم مائة وقيمة الثاني مائتان وقيمة الثالث ثلثمائة وقيمة الرابع أربعمائة وقيمة الخامس خمسمائة ففيه قولان: أحدهما أنه يكتب أسماؤهم في رقاع بعددهم ثم يخرج على العتق فإن خرج المقوم بخمسمائة وهو الثلث عتق ورق الأربعة وإن خرج المقوم بأربعمائة عتق وقد بقي من الثلث مائة فيخرج اسم آخر فإن خرج اسم المقوم بثلثمائة عتق منه ثلثه ورق باقيه والثلاثة الباقون وعلى هذا القياس يعمل في كل ما يخرج والقول الثاني أنهم يجزؤون ثلاثة أجزاء على القيمة دون العدد فيجعل المقوم بخمسمائة جزءاً ويجعل المقوم بثلاثمائة والمقوم بمائتين جزءاً ويجعل المقوم بأربعمائة والمقوم بمائة جزءاً ثم يخرج القرعة ويعتق من فيها وهو الثلث ويرق الباقون لأن النبي صلى الله عليه وسلم جزأهم ثلاثة أجزاء.
فصل: قال الشافعي: وإن أعتق ثلاثة أعبد لا مال له غيرهم فمات واحد ثم مات السيد أقرع بين الحيين والميت فإن خرج سهم الحرية على الميت رق الاثنان وحكم من خرج عليه سهم الحرية حكم الأحرار منذ خوطب بالعتق إلى أن مات وكان له ما اكتسب واستفاد بإرث وغيره وإن خرج سهم الحرية على أحد الحيين لم يعتق منه إلا ثلثاه لأن الميت قبل موت سيد مات عبداً فلم يكن له حكم ما خلف السيد وإن مات المعتق ولم يقرع بينهم حتى مات اثنان أقرع بين الحي والميتين فإن خرج بينهم العتق على الحي عتق كله وأعطي كل ما استفاد من يوم خوطب بالعتق ورق الميتان.
فصل: إذا أعتق في مرضه ستة أعبد لا مال له غيرهم فاعتق اثنان بالقرعة ثم ظهر مال يحتمل أن يعتق آخر إن جعل الأربعة جزءين وأقرع بينهم وأعتق منهم اثنان.
فصل: وإن أعتق في مرضه أعبداً له ومات وعليه دين يستغرق التركة لم ينفذ العتق لأن العتق في المرض وصية فلا ينفذ إلا في ثلث ما يفضل به بعد قضاء الدين وإن استغرق نصفها جعل التركة جزءين ويكتب في رقعة دين وفي رقعة تركة وإن استغرق الثلث جعلوا ثلاثة أجزاء في رقعة دين وفي رقعتين تركة ويقرع بينهم فمن خرجت عليه قرعة

(2/373)


الدين بيع في الدين وما سواه يجعل ثلاثة أجزاء ويعتق منه الثلث لأنه اجتمع حق الدين وحق التركة وحق العتق وليس بعضها بالبيع والإرث والعتق بأولى من البعض وللقرعة مدخل في تمييز العتق من غيره فأقرع بينهم.
فصل: وإن أعتقهم ومات وأقرع بينهم وأعتق الثلث ثم ظهر دين مستغرق لم ينفذ العتق لما ذكرناه فإن قال الورثة نحن نقضي الدين وننفذ العتق ففيه وجهان: أحدهما أن لهم ذلك لأن المنع من نفوذ العتق لأجل الدين فإذا قضي الدين زال المنع والثاني أن ليس لهم ذلك لأنهم تقاسموا العبيد بالقرعة لأنه تعلق بهم حق الغرماء فلم يصح كما لو تقاسم شريكان ثم ظهر شريك ثالث فعلى هذا يقضي الدين ثم يستأنف العتق وإن كان الدين يستغرق نصف التركة فهل يبطل العتق بالجميع فيه وجهان: أحدهما يبطل كما قلنا في قسمة الشريكين والثاني يبطل بقدر الدين لأن بطلانه بسببه فيقدر بقدره فإن كان الذي أعتق عبدين عتق من كل واحد منهما نصفه ورق النصف ثم يقرع بينهما لجمع الحرية فإن خرجت القرعة لأحدهما وكانت قيمتهما سواء عتق وبيع الآخر في الدين وإن كانت قيمة أحدهما أكثر فخرجت القرعة على أكثرهما قيمة عتق منه نصف قيمة العبدين ورق باقيه والعبد الآخر وإن خرجت على أقلهما قيمة عتق وعتق من الثاني تمام النصف وبيع الباقي في الدين.

(2/374)


باب المدبر
التدبير قربة لأنه يقصد به العتق ويعتبر من الثلث في الصحة والمرض لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المدبر من الثلث" ولأنه تبرع يتنجز بالموت فاعتبر من الثلث كالوصية فإن دبر عبداً وأوصى بعتق آخر وعجز الثلث عنهما أقرع بينهما ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر أنه يقدم المدبر لأنه يعتق بالموت والموصى بعتقه لا يعتق بالموت والصحيح هو الأول لأن لزومهما بالموت فاستويا.
فصل: ويصح من السفيه لأنه إنما منع من التصرف حتى لا يضيع ماله فيفتقر وبالتدبير لا يضيع ماله لأنه باق على ملكه وإن مات استغنى عن المال وحصل له

(2/374)


الثواب وهل يصح من الصبي المميز؟ فيه قولان: أحدهما أنه يصح لما ذكرناه في السفيه والثاني لا يصح وهو الصحيح لأنه ليس من أهل العقود فلم يصح تدبيره كالمجنون.
فصل: والتدبير هو أن يقول إن مت فأنت حر فإن قال دبرتك أو أنت مدبر ونوى العتق صح وإن لم ينو فالمنصوص في المدبر أنه يصح وقال في المكاتب: إذا قال كاتبتك على كذا وكذا لم يصح حتى يقول إن أديت أنت حر فمن أصحابنا من نقل جوابه في المدبر إلى المكاتب وجوابه في المكاتب إلى المدبر وجعلهما على قولين أحدهما أنهما صريحان لأنهما موضوعان للعتق في عرف الشرع والثاني أنهما كنايتان فلا يقع العتق بهما إلا بقرينة أو نية لأنهما يستعملان في العتق وغيره ومنهم من قال في المدبر صريح وفي المكاتب كناية ولم يذكر فرقاً يعتمد عليه.
فصل: ويجوز مطلقاً وهو أن يقول إن مت فأنت حر ويجوز مقيداً وهو أن يقول إن مت من هذا المرض أو في هذا البلد فأنت حر لأنه عتق معلق على صفة فجاز مطلقاً ومقيداً كالعتق المعلق على دخول الدار ويجوز تعليقه على شرطك بأن يقول إن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي كما يجوز أن يعلق العتق المعلق على دخول الدار بشرط قبله فإن وجد الشرط صار مدبراً وإن لم يوجد الشرط حتى مات السيد لم يصر مدبراً لأنه علق التدبير على صفة وقد بطلت الصفة بالموت فسقط ما عتق عليه.
فصل: ويجوز تدبير المعتق بصفة كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة أخرى فإن وجدت الصفة قبل الموت عتق بالصفة وبطل التدبير به وإن مات قبل وجود الصفة عتق بالتدبير وبطل العتق بالصفة ويجوز تدبير المكاتب كما يجوز أن يعلق عتقه على صفة فإن دبره صار مكاتباً مدبراً ويستحق العتق بالكتابة والتدبير فإن أدى المال قبل الموت عتق بالكتابة وبطل التدبير وإن مات قبل الأداء فإن كان يخرج من الثلث عتق بالتدبير وبطلت الكتابة وإن لم يخرج جميعه عتق منه بقدر الثلث ويسقط من مال الكتابة بقدره وبقي الباقي على الكتابة ولا يجوز تدبير أم الولد لأن الذي يقتضيه التدبير هو العتق بالموت وقد استحقت مال الكتابة بقدره وبقي الباقي على الكتابة ولا يجوز تدبير أم الولد لأن الذي يقتضيه التدبير هو العتق بالموت وقد استحقت ذلك بالاستيلاد فلم يفد التدبير شيئاً فإذا دبرها ومات عتقت بالاستيلاد من رأس المال.
فصل: ويجوز تدبير الحمل كما يجوز في بعض عبد كما يجوز عتقه ويجوز في العتق فإن كان بين رجلين عبد فدبر أحدهما نصيبه وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه ليصير الجميع مدبراً؟ فيه قولان: أحدهما يقوم عليه لأنه أثبت له شيئاً يفضي إلى

(2/375)


العتق لا محالة فأوجب التقويم كما لو استولد جارية بينه وبين غيره والثاني وهو المنصوص أنه لا يقوم عليه لأن التقويم إنما يجب بالإتلاف كالعتق أو بسبب يوجب الإتلاف كالإستيراد والتدبير ليس بإتلاف ولا سبب يوجب الإتلاف لأنه يمكن نقضه بالتصرف فلم يوجب التقويم فإن كان له عبد فدبر بعضه فالمنصوص أنه لا يسري إلى الباقي ومن أصحابنا من قال فيه قول آخر أنه يسري فيصير الجميع مدبراً ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها فإن كان عبد بين اثنين فدبراه بأن قال كل واحد منهما إذا مت فأنت حر جاز كما لو أعتقاه فإن أعتق أحدهما نصيبه بعد التدبير وهو موسر فهل يقوم عليه نصيب شريكه ليعتق؟ فيه قولان منصوصان أحدهما لا يقوم عليه لأن لنصيب شريكه جهة يعتق بها فاستغنى عن التقويم ولأنا إذا قومناه على المعتق أبطلنا على شريكه ما ثبت له من العتق والولاء بحكم التدبير والثاني يقوم عليه ليصير الكل حراً لأن المدبر كالقن في الملك والتصرف فكان كالقن في التقويم والسراية فإن كان بين نفسين عبد فقالا إذا متنا فأنت حر لم يعتق حصة واحد منهما إلا بموته وموت شريكه فإن ماتا معاً عتق عليهما بوجود الصفة فإن مات أحدهما قبل الآخر انتقل نصيب الميت إلى وارثه ووقف عتقه على موت الآخر فإذا مات الآخر عتق فإن قالا أنت حبيس على آخرنا موتاً فالحكم فيها كالحكم في المسألة قبلها إلا في فصل واحد وهو أن في المسألة الأولى إذا مات أحدهما انتقل نصيب الميت إلى وارثه إلى أن يموت الآخر وفي هذه إذا مات أحدهما كان منفعة نصيبه موصى بها للآخر إلى أن يموت لقوله أنت حبيس على آخرنا موتاً فإذا مات الآخر عتق.
فصل: ويملك المولى بيع المدبر لما روى جابر رضي الله عنه أن رجلاً أعتق غلاماً له عن دبر منه ولم يكن له مال غيره فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة ويملك هبته ووقفه وكتابته قياساً على البيع ويملك أكسابه ومنافعه وأرش ما يجني عليه لأنه لما كان كالعبد القن في التصرف في الرقبة كان كالقن فيما ذكرناه وإن جنى خطأ تعلق الأرش برقبته وهو بالخيار بين أن يسلمه للبيع وبين أن يفديه كما يفدي العبد القن لأنه كالقن في جواز بيعه فكان كالقن في جواز التسليم للبيع والفداء وإن مات السيد قبل أن يفديه فإن قلنا لا يجوز عتق الجاني لم يعتق وللوارث الخيار بين التسليم للبيع وبين الفداء كالسيد في حياته وإن قلنا يجوز عتق الجاني عتق من الثلث ووجب أرش الجناية من التركة لأنه عتق بسبب من جهته فتعلق الأرش بتركته ولا يجب إلا أقل الأمرين من قيمته أو أرش الجناية لأنه لا يمكن تسليمه للبيع بعد العتق.

(2/376)


فصل: وإن كان المدبر جارية فأتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها في التدبير؟ فيه قولان: أحدهما يتبعها لأنها تستحق الحرية فتبعها الولد كأم الولد فعلى هذا إن ماتت الأم في حياة المولى لم يبطل التدبير في الولد والثاني لا يتبعها لأنه عقد يلحقه الفسخ فلم يسر إلى الولد كالرهن والوصية وإن دبرها وهي حامل تبعها الولد قولاً واحداً كما يتبعها في العتق وإن دبر عبداً ثم ملكه جارية فأتت منه بولد لحقه نسبه لأنه يملكها في أحد القولين وله فيها شبهة في القول الثاني لاختلاف الناس في ملكه فإن قلنا لا يملك الجارية فالولد مملوك للمولى لأنه ولد أمته وإن قلنا يملكها فالولد ابن المدبر ومملوكه لأنه من أمته وهل يكون مدبراً فيه وجهان: أحدهما أنه ليس بمدبر لأن الولد إنما يتبع الأم دون الأب والأم غير مدبرة والثاني أنه مدبر لأنها علقت به في ملكه فكان كالأب كولد الحر من أمته.
فصل: ويجوز الرجوع في التدبير بما يزيل الملك كالبيع والهبة المقبوضة لما رويناه من حديث جابر رضي الله عنه وهل يجوز بلفظ الفسخ كقوله فسخت ونقضت ورجعت؟ فيه قولان: أحدهما أنه يجري مجرى الوصية فيجوز له فسخه بلفظ الفسخ وهو اختيار المزني لأنه تصرف يتنجز بالموت يعتبر من الثلث فهو كالوصية والثاني أنه يجري مجرى العتق بالصفة فلا يجوز فسخه بلفظ الفسخ وهو الصحيح لأنه عتق علقه على صفة فهو كالعتق بالصفات وإن وهبه ولم يقبضه فقد اختلف أصحابنا فمنهم من قال إن قلنا إنه كالوصية فهو رجوع وإن قلنا إنه كالعتق بالصفة فليس برجوع لأنه لم يزل الملك ومنهم من قال هو رجوع على القولين لأنه تصرف يفضي إلى زوال الملك وإن كاتبه فإن قلنا إن التدبير كالوصية كان رجوعاً كما لو أوصى بعبد ثم كاتبه وإن قلنا إنه كالعتق بالصفة لم يكن رجوعاً بل يصير مدبراً مكاتباً وحكمه ما ذكرناه فيمن دبر مكاتباً وإن دبره ثم قال إن أديت إلى وارثي ألفاً فأنت حر فإن قلنا إنه كالوصية كان ذلك رجوعاً في التدبير لأنه عدل عن العتق بالموت إلى العتق بأداء المال فبطل التدبير ويتعلق العتق بالأداء وإن قلنا إنه كالعتق بالصفة وخرج من الثلث عتق بالتدبير وسقط حكم الأداء بعده لأنه علق عتقه بصفة متقدمة ثم علقه بصفة متأخرة فعتق بأسبقهما وأسبقهما الموت فعتق به وإن دبر جارية ثم أولدها بطل التدبير لأن العتق بالتدبير والاستيلاد في وقت واحد والاستيلاد أقوى فأسقط التدبير.

(2/377)


فصل: ويجوز الرجوع في تدبير البعض كما يجوز التدبير في الابتداء في البعض وإن دبر جارية فأتت بولد من نكاح أو زنا وقلنا إنه يتبعها في التدبير ورجع في تدبير الأم لم يتبعها الولد في الرجوع وإن تبعها في التدبير كما أن ولد أم الولد يتبعها في حق الحرية ثم لا يتبعها في بطلان حقها من الحرية بموتها وإن دبرها الصبي وقلنا إنه يصح تدبيره فإن قلنا يجوز الرجوع بلفظ الفسخ جاز رجوعه لأنه لا حجر عليه في التدبير فجاز رجوعه فيه كالبالغ وإن قلنا لا يجوز الرجوع إلا بتصرف يزيل الملك لم يصح الرجوع في تدبيره إلا بتصرف يزيل الملك من جهة الولي.
فصل: وإن دبر عبده ثم ارتد فقد قال أبو إسحاق: لا يبطل التدبير فإن مات عتق العبد لأنه تصرف نفذ قبل الرد فلم تؤثر الردة فيه كما لو باع ماله ثم ارتد ومن أصحابنا من قال: يبطل التدبير لأن المدبر إنما يعتق إذا حصل للورثة شيء مثلاه وهاهنا لم يحصل للورثة شيء فلم يعتق ومنهم من قال: يبنى على الأقوال في ملكه فإن قلنا يزول ملكه بالردة بطل لأنه زال ملكه فيه فأشبه إذا باعه وإن قلنا لا يزول لم يبطل كما لو لم يدبر وإن قلنا موقوف فالتدبير موقوف وما قال أبو إسحاق غير صحيح لأنه ارتد والمدبر على ملكه فزال بالردة بخلاف ما لو باعه قبل الردة وقال الآخر: لا يصح لأن ماله بالموت صار للمسلمين وقد حصل لهم مثلاه.
فصل: وإن دبر الكافر عبداً كافراً ثم أسلم العبد ولم يرجع السيد في التدبير ففيه قولان: أحدهما يباع عليه وهو اختيار المزني لأنه يجوز بيعه فبيع عليه كالعبد القن والثاني لا يباع عليه وهو الصحيح لأنه لا حظ للعبد في بيعه لأنه يبطل به حقه من الحرية فعلى هذا هو بالخيار بين أن يسلمه إلى مسلم وينفق عليه إلى أن يرجع في التدبير فيباع عليه أو يموت فيعتق عليه وبين أن يخارجه على شيء لأنه لا سبيل إلى قراره في يده فلم يجز إلا ما ذكرناه فإن مات السيد وخرج من الثلث عتق وإن لم يخرج عتق منه بقدر الثلث وبيع الباقي على الورثة لأنه صار قناً.
فصل: وإن اختلف السيد والعبد فادعى العبد أنه دبره وأنكر السيد فإن قلنا إن التدبير كالعتق بالصفة صح الاختلاف لأنه لا يمكن الرجوع فيه والقول قول السيد لأن الأصل أنه لم يدبر وإن قلنا إنه كالوصية ففيه وجهان: أحدهما أن القول قول السيد لأن جحوده رجوع وهو يملك الرجوع والثاني أنه ليس برجوع وهو المذهب لأنه قال في

(2/378)


الدعوى والبينات إذا أنكر السيد قلنا له قل رجعت ولا يحتاج إلى اليمين فدل على أن جحوده ليس برجوع والدليل عليه أن جحود الشيء ليس برجوع كما أن جحود النكاح ليس بطلاق فعلى هذا يصح الاختلاف والحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا إنه عتق الصفة وإن مات السيد واختلف العبد والوارث صح الاختلاف على القولين والقول قول الوارث وإن كان في يده مال فقال كسبته بعد العتق وقال الوارث بل كسبته قبل العتق فالقول قول المدبر لأن الأصل عدم الكسب إلا في الوقت الذي وجد فيه وقد وجد وهو في يد المدبر فكان له وإن كان أمة ومعها ولد فادعت أنها ولدته بعد التدبير وقال الوارث بل ولدته قبل التدبير فالقول قول الوارث لأن الأصل في الولد الرق.
فصل: ويجوز تعليق العتق على صفة مثل أن يقول إن دخلت الدار فأنت حر وإن أعطيتني ألفاً فأنت حر لأنه عتق على صفة فجاز كالتدبير فإن قال ذلك في المرض اعتبر من الثلث لأنه لو أعتقه اعتبر من الثلث فإن عقده اعتبر من الثلث وإن قال ذلك وهو صحيح اعتبر من رأس المال سواء وجدت الصفة وهو صحيح أو وجدت وهو مريض لأن العتق إنما يعتبر من الثلث في حال المرض لأنه قصد إلى الإضرار بالورثة في حال يتعلق حقهم بالمال وههنا لم يقصد إلى ذلك فإن علق العتق على صفة مطلقة ثم مات بطل لأن تصرف الإنسان مقصور على حال الحياة فحمل على إطلاق الصفة عليه وإن علق عتقه على صفة بعد الموت لم يبطل بالموت لأنه يملك العتق بعد الموت في الثلث فملك عقده على صفة بعد الموت.
فصل: وإن علق عتق أمة على صفة ثم أتت بولد من النكاح أو الزنا فهل يتبعها الولد؟ فيه قولان كما قلنا في المدبر فإن بطلت الصفة في الأم بموتها أو بموته بطلت في الولد لأن الولد يتبعها في العتق لا في الصفة بخلاف ولد المدبرة فإنه يتبعها في التدبير فإذا بطل فيها بقي فيه وإن قال لأمته أنت حرة بعد موتي بسنة فمات السيد وهي تخرج من الثلث فللوارث أن يتصرف في كسبها ومنفعتها ولا يتصرف في رقبتها لأنها موقوفة على العتق فإن أتت بولد بعد موت السيد فقد قال الشافعي رحمه الله: يتبعها الولد قولاً واحداً فمن أصحابنا من قال قولان كالولد الذي تأتي به قبل الموت والذي قاله الشافعي رحمه الله أحد القولين ومنهم من قال يتبعها الولد قولاً واحداً لأنها أتت به وقد استقر عتقها بالموت فيتبعها الولد كأم الولد بخلاف ما قبل الموت فإن عتقها غير مستقر لأنه يلحقه الفسخ.
فصل: وإن علق عتق عبده على صفة لم يملك الرجوع فيها بالقول لأنه كاليمين أو

(2/379)


كالنذر والرجوع في الجميع لا يجوز ويجوز الرجوع فيه بما يزيل الملك كالبيع وغيره فإن علق عتقه على صفة ثم باعه ثم رجع إليه فهل يعود حكم الصفة؟ فيه قولان بناء على القولين فيمن علق طلاق امرأته على صفة وبانت منه ثم تزوجها وإن دبر عبده ثم باعه ثم رجع إليه فإن قلنا إن التدبير كالوصية لم يرجع لأن الوصية إذا بطلت لم تعد وإن قلنا إنه كالعتق بصفة فهل يعود أم لا على ما ذكرناه في القولين.

(2/380)