المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الفرائض
مدخل
...
كتاب الفرائض
الفرائض باب من أبواب العلم وتعلمها فرض من فروض الدين والدليل عليه ما روى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا الفرائض وعلموها الناس فإني امرؤ مقبوض وإن العلم سيقبض وتظهر الفتن حتى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدا من يفصل بينهما1".
فصل: وإذا مات الميت بدئ من ماله بكفنه ومؤنة تجهيزه لما روى خباب بن الأرت قال: قتل مصعب بن عمير رضي الله عنه يوم أحد وليس له إلا نمرة كنا إذا غطينا بها رأسه خرجت رجله وإذا غطينا رجله خرج رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله من الإذخر" ولأن الميراث إنما انتقل من الورثة لأنه استغنى عنه الميت وفضل عن حاجته والكفن ومؤنة التجهيز لا يستغنى عنه فقدم على الإرث ويعتبر ذلك من رأس المال لأنه حق واجب فاعتبر من رأس المال كالدين.
فصل: ثم يقضي دينه لقوله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] ولأن الدين تستغرقه حاجته فقدم على الإرث وهل ينتقل ماله إلى الورثة قبل قضاء الدين؟ اختلف أصحابنا فيه فذهب أبو سعيد الاصطخري رحمه الله إلى أنه لا ينتقل بل هو باق على ملكه إلى أن يقضي دينه فإن حدثت منه فوائد ككسب العبد وولد الأمة ونتاج البهيمة تعلق بها حق الغرماء لأنه لو بيع كانت العهدة على الميت دون الورثة فدل على أنه باق على ملكه وذهب سائر أصحابنا إلى أنه ينتقل إلى الورثة فإن حدثت منها فوائد لم يتعلق بها حق الغرماء وهو المذهب لأنه لو كان باقياً على ملك الميت لوجب أن يرثه من أسلم أو أعتق من أقاربه قبل قضاء الدين ولوجب أن لا يرثه من مات من الورثة قبل قضاء الدين وإن كان الدين أكثر من قيمة التركة فقال الوارث أنا أفكها بقيمتها وطالب الغرماء ببيعها ففيه وجهان بناء على القولين فيما يفدي به المولى جناية العبد:
__________
1 رواه الترمذي في كتاب الفرائض باب 2. ابن ماجة في كتاب الفرائض باب 1. الدارمي في كتاب الفرائض باب 1.

(2/405)


أحدهما لا يجب بيعها لأن الظاهر أنها لا تشتري بأكثر من قيمتها وقد بذل الوارث قيمتها فوجب أن تقبل والثاني يجب بيعها لأنه قد يرغب فيها من يزيد على هذه القيمة فوجب بيعها.
فصل: ثم تنفذ وصاياه لقوله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء:] ولأن الثلث بقي على حكم ملكه ليصرفه في حاجاته فقدم على الميراث كالدين.
فصل: ثم تقسم التركة بين الورثة والأسباب التي يتوارث بها الورثة المعينون ثلاثة رحم وولاء ونكاح لأن الشرع ورد بالإرث بها وأما المؤاخاة في الدين والموالاة في النصرة والإرث فلا يورث بها لأن هذا كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ بقوله عز وجل {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفال: 75] .
فصل: والوارثون من الرجال عشرة: الابن وابن الابن وإن سفل والأب والجد أبو الأب وإن علا والأخ وابن الأخ والعم وابن العم والزوج ومولى النعمة لأن الشرع ورد بتوريثهم على ما نذكره إن شاء الله تعالى فأما ذوو الأرحام وهم الذين لا فرض لهم ولا تعصيب فإنهم لايرثون وهم عشرة: ولد البنات وولد الأخوات وبنات الإخوة وبنات الأعمام وولد الإخوة من الأم والعم من الأم والعمة والخال والخالة والجد أبو الأم ومن يدلي بهم والدليل عليه ما روى أبو أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى أعطى كل ذي حق حقه ولا وصية لوارث1" فأخبر أنه أعطى كل ذي حق حقه فدل على ان كل من لم يعطه شيئاً فلا حق له ولأن بنت الأخ لا ترث مع أخيها فلم ترث كبنت المولى ولا يرث العبد المعتق من مولاه لما ذكرناه من حديث أبو أمامة ولقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الولاء لمن أعتق".
فصل: ولا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم أصلياً كان أو مرتداً لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم2" ويرث الذمي من الذمي وإن اختلفت أديانهم كاليهودي من النصراني
__________
1 رواه البخاريفي كتاب الوصايا باب 6. أبو داود في كتاب الوصايا باب 6. الترمذي في كتاب الوصايا باب 5. ابن ماجة في كتاب الوصايا باب 6.
2 رواه أحمد في مسنده "201، 202، 209".

(2/406)


والنصراني من المجوسي لأنه حقن دمهم بسبب واحد فورث بعضهم من بعض كالمسلمين ولا يرث الحربي من الذمي ولا الذمي من الحربي لأن الموالاة انقطعت بينهما فلم يرث أحدهما من الآخر كالمسلم والكافر.
فصل: ولا يرث الحر من العبد لأن ما معه من المال لا يملكه في أحد القولين وفي الثاني يملكه ملكاً ضعيفاً ولهذا لو باعه إلى مالكه فكذلك إذا مات ولا يرث العبد من الحر لأنه لا يورث بحال فلا يرث كالمرتد ومن نصفه حر ونصفه عبد لا يرث وقال المزني يرث بقدر ما فيه من الحرية ويحجب بقدر ما فيه من الرق والدليل على أنه لا يرث أنه ناقص بالرق في النكاح والطلاق والولاية فلم يرث كالعبد وهل يورث منه ما جمعه بالحرية فيه قولان: قال في الجديد يرثه ورثته لأنه مال ملكه بالحرية فورث عنه كمال الحر وقال في القديم لا يورث لأنه إذا لم يرث بحريته لم يورث بها وما الذي يصنع بماله؟ قال الشافعي رضي الله عنه يكون لسيده وقال أبو سعيد الإصطخري يكون لبيت المال لأنه لا يجوز أن يكون لسيده لأنه جمعه بالحرية فلا يجوز أن يورث لرقه فجعل لبيت المال ليصرف في المصالح كمال لا مالك له.
فصل: ومن أسلم ومن أعتق على ميراث لم يقسم لم يرث لأنه لم يكن وارثاً عند الموت فلم يرث كما لو أسلم أو أعتق بعد القسمة وإن دبر رجل أخاه فعتق بموته لم يرثه لأنه صار حراً بعد الموت وإن قال له أنت حر في آخر جزء من أجزاء حياتي المتصل بالموت ثم مات عتق عن ثلثه وهل يرثه فيه وجهان: أحدهما لا يرثه لأن العتق في المرض وصية والإرث والوصية لا يجتمعان والثاني يرثه ولا يكون عتقه لأن الوصية ملك بموت الموصى وهذا لم يملك نفسه بموته وإن قال في مرضه إن مت بعد شهر فأنت اليوم حر فمات بعد شهر عتق يوم تلفظ وهل يرثه على الوجهين.
فصل: واختلف أصحابنا فيمن قتل مورثه فمنهم من قال: إن كان القتل مضموناً لم يرثه لأنه قتل بغير حق وإن لم يكن مضموناً ورثه لأنه قتل بحق فلا يحرم به الإرث ومنهم من قال: إن كان متهماً كالمخطئ أو كان حاكماً فقتله في الزنا بالبينة لم يرثه لأنه متهم في قتله لاستعجال الميراث ومنهم من قال لا يرث القاتل بحال وهو الصحيح لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يرث القاتل شيئاً" ولأن القاتل حرم الإرث حتى لا يجعل ذريعة إلى استعجال الميراث فوجب أن يحرم بكل حال لحسم الباب.

(2/407)


فصل: واختلف قول الشافعي رحمه الله فيمن بت طلاق امرأته في المرض المخوف واتصل به الموت فقال في أحد القولين إنها ترثه لأنه متهم في قطع إرثها فورثت كالقاتل لما كان متهماً في استعجال الميراث لم يرث والثاني أنها لا ترث وهو الصحيح لأنها بينونة قبل الموت فقطعت الإرث كالطلاق في الصحة فإذا قلنا إنها ترث فإلى أي وقت ترث؟ ففيه ثلاثة أقوال: أحدها إن مات وهي في العدة ورث لأن حكم الزوجية باق وإن مات وقد انقضت العدة لم ترث لأنه لم يبق حكم الزوجية والثاني أنها ترث ما لم تتزوج لأنها إذا تزوجت علمنا أنها اختارت ذلك والثالث أنها ترث أبداً لأن توريثها للفرار وذلك لا يزول بالتزويج فلم يبطل حقها واما إذا طلقها في المرض ومات بسبب آخر لم ترث لأنه بطل حكم المرض وإن سألته الطلاق لم ترث لأنه غير متهم وقال أبو علي بن أبي هريرة لأن عثمان بن عفان رضي الله عنه ورث تماضر بنت الأصيع من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكانت سألته الطلاق وهذا غير صحيح فإن ابن الزبير خالف عثمان في ذلك وإن علق طلاقها في الصحة على صفة تجوز أن توجد قبل المرض فوجدت الصفة في حال المرض لم ترث لأنه غير متهم في عقد الصفة وإن علق طلاقها في المرض على فعل من جهتها فإن كان فعلاً يمكنها تركه ففعلت لم ترث لأنه غير متهم في ميراثها وإن كان فعلاً لا يمكنها تركه كالصلاة وغيرها فهو على القولين وإن قذفها في الصحة ثم لاعنها في المرض لم ترث لأنه مضطر إلى اللعان لدرء الحد فلا تلحقه التهمة وإن فسخ نكاحها في مرضه بأحد العيوب ففيه وجهان: أحدهما أنه كالطلاق في المرض والثاني أنها لا ترث لأنه يستند إلى معنى من جهتها ولأنه محتاج إلى الفسخ لما عليه من الضرر في المقام معها على العيب.
فصل: وإن طلقها في المرض ثم صح ثم مرض ومات أو طلقها في المرض ثم ارتدت ثم عادت إلى الإسلام ثم مات لم ترثه قولاً واحداً لأنه أتت عليه حالة لو مات سقط إرثها فلم يعد.
فصل: وإن مات متوارثان بالغرق أو الهدم فإن عرف موت أحدهما قبل الآخر ونسي وقف الميراث إلى أن يتذكر لأنه يرجى أن يتذكر وإن علم أنهما ماتا معاً ولم يعلم موت أحدهما قبل الآخر أو علم موت أحدهما قبل موت الآخر ولم يعرف بعينه جعل ميراث كل واحد منهما لمن بقي من ورثته ولم يورث أحدهما من الآخر لأنه لا تعلم

(2/408)


حياته عند موت صاحبه فلم يرثه كالجنين إذا خرج ميتاً.
فصل: وإن أسر رجل أو فقد ولم يعلم موته لم يقسم ماله حتى يمضي زمان لا يجوز أن يعيش فيه مثله وإن مات له من يرثه دفع إلى كل وارث أقل ما يصيبه ووقف الباقي إلى أن يتبين أمره.

(2/409)


باب ميراث أهل الفرائض
وأهل الفرائض هم الذين يرثون الفروض المذكورة في كتاب الله عز وجل وهي النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس وهم عشرة: الزوج والزوجة والأم والجدة والبنت وبنت الابن والأخت وولد الأم والأب مع الابن وابن الابن والجد مع الابن وابن الابن فأما الزوج فله فرضان النصف وهو إذا لم يكن معه ولد أو ولد ابن والربع وهو إذا كان معه ولد أو ولد ابن والدليل عليه قوله عز وجل: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فأما الزوجة فلها أيضاً فرضان: الربع إذا لم يكن معها ولد ولا ولد ابن والثمن إذا كان معها ولد أو ولد ابن والدليل عليه قوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 12] فنص على فرضها مع وجود الولد وعدم الولد وقسنا ولد الابن في ذلك على ولد الصلب لإجماعهم على أنه كولد الصلب في الإرث والتعصيب فكذلك في حجب الزوجين وللزوجتين والثلاث والأربع ما للواحدة من الربع والثمن لعموم الآية.
فصل: وأما الأم فلها ثلاثة فروض: أحدها الثلث وهو إذا لم يكن للميت ولد ولا ولد ابن ولا اثنان فصاعداً من الإخوة والأخوات لقوله عز وجل: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} والفرض الثاني السدس وذلك في حالين: أحدهما أن يكون للميت ولد أو ولد ابن والدليل عليه قوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ففرض لها السدس مع الولد وقسنا عليه ولد الابن والثاني أن يكون له اثنان فصاعداً من الإخوة والأخوات والدليل عليه قوله عز وجل: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] ففرض لها السدس مع الأخوة وأقلهم ثلاثة وقسنا عليهم الأخوين لأن كل فرض تغير بعدد كان الإثنان فيه كالثلاثة كفرض البنات والفرض الثالث ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين وذلك في مسألتين: في زوج وأبوين أو زوجة وأبوين للأم ثلث ما يبقى بعد فرض الزوجين والباقي للأب والدليل عليه أن الأب والأم إذا اجتمعا كان

(2/409)


للأب الثلثان وللأم الثلث فإذا زاحمهما ذو فرض قسم الباقي بعد الفرض بينهما على الثلث والثلثين كما لو اجتمعا مع بنت.
فصل: وأما الجدة فإن كانت أم الأم أو أم الأب فلها السدس لما روى قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر رضي الله عنه فسألته عن ميراثها فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ليس لك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فارجعي حتى أسأل الناس فسأل عنها فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها السدس فقال أبو بكر رضي الله عنه: هل معك غيرك؟ فقام محمد بن مسلمة الأنصاري رضي الله عنه فقال مثلما قال فأنفذه لها أبو بكر رضي الله عنه ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر رضي الله عنه فسألته ميراثها فقال لها مالك في كتاب الله عز وجل شيء وما كان القضاء الذي قضى به إلا لغيرك وما أنا بزائد في الفرائض شيئاً ولكن هو ذلك السدس فإن اجتمعتما فيه فهو بينكما فأيكما خلت به فهو لها وإن كانت أم أبي الأم لم ترث لأنها تدلي بغير وارث وإن كانت أم أبي الأب ففيه قولان: أحدهما أنها ترث وهو الصحيح لأنها جدة تدلي بوارث فورثت كأم الأم وأم الأب والثاني أنها لا ترث لأنها جدة تدلي بجد فترث كأم أبي الأم فإن اجتمعت جدتان متحاذيتان كأم الأم وأم الأب فالسدس بينهما لما ذكرناه فإن كانت إحداهما أقرب نظرت فإن كانتا من جهة واحدة ورثت القربى دون البعدى لأن البعدى تدلي بالقربى فلم ترث معها كالجد مع الأب وأم الأم مع الأم وإن كانت القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم ففيه قولان: أحدهما أن القربى تحجب البعدى لأنهما جدتان ترث كل واحدة منهما إذا انفردت فجحبت القربى منهما البعدى كما لو كانت القربى من جهة الأم والثاني لا تحجبها وهو الصحيح لأن الأب لا تحجب الجدة من جهة الأم فلأن لا تحجبها الجدة التي تدلي به أولى وتخالف القربى من جهة الأم فإن الأم تحجب الجدة من قبل الأب فحجبتها أمها والأب لا يحجب الجدة من قبل الأم فلم تحجبها أمه فإن اجتمعت جدتان إحداهما تدلي بولادتين بأن كانت أم أم أب أو أم أم أم والأخرى تدلي بولادة واحدة كأم أبي أب

(2/410)


ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي العباس أن السدس يقسم بين الجدتين على ثلاثة فتأخد التي تدلي بولادة سهماً وتأخذ التي تدلي بولادتين سهمين والثاني وهو الصحيح أنهما سواء لأنه شخص واحد فلا يأخذ فرضين.
فصل: وأما البنت فلها النصف إذا انفردت لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء: 11] وللاثنتين فصاعداً الثلثان لما روى جابر بن عبد الله قال: جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله هاتان ابنتا سعد قتل أبوهما معك يوم أحد ولم يدع عمهما لهما مالاً إلا أخذه فما ترى يارسول الله والله لا تنكحان إلا ولهما مال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يقضي الله في ذلك" فنزلت عليه سورة النساء: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا لي المرأة وصاحبها" فقال لعمهما أعطهما الثلثين وأعط أمهما الثمن وما بقي فلك فدلت الآية وهو قوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النساء: 11] على فرض ما زاد على الاثنتين ودلت السنة على فرض الثنتين.
فصل: وأما بنت الابن فلها النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعداً الثلثان لإجماع الأمة على ذلك ولبنت الابن مع بنت الصلب السدس تكملة الثلثين لما روى الهزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل إلى أبي موسى وسلمان بن ربيعة رضي الله عنهما فسألهما عن بنت وبنت ابن وأخت فقالا: للبنت النصف وللأخت النصف وأت عبد الله فإنه سيتابعنا فأتى عبد الله فقال: إني قد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين لأقضين بينهما بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت ولأن بنت الابن ترث فرض البنات ولم يبق من فرض البنات إلا السدس وهكذا لو ترك بنتاً وعشر بنات ابن كان للبنت النصف ولبنات الابن السدس تكملة الثلثين لما ذكرناه من المعنى وإن ترك بنتاً وبنت ابن ابن أو بنات ابن ابن أسفل من البنت بدرج كان لهن السدس لأنه بقية فرض البنات ولبنت ابن الابن أو بنات ابن الابن مع بنت الابن من السدس تكملة الثلثين ما لبنت الابن وبنات الابن مع بنت الصلب وعلى هذا أبداً.
فصل: وأما الأخت للأب والأم فلها النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعدا الثلثان

(2/411)


لقوله عز وجل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: 176] وللثلاث فصاعداً ما للاثنتين لأن كل فرض يغير بالعدد كان الثلاث فيه كالاثنتين كالبنات وللأخت من الأب عند عدم الأخت من الأب والأم النصف إذا انفردت وللاثنتين فصاعداً الثلثان لأن ولد الأب مع ولد الأب والأم كولد الابن مع ولد الصلب فكان ميراثهم كميراثهم.
فصل: والأخوات من الأب والأم مع البنات عصبة ومع بنات الابن والدليل عليه ما ذكرناه من حديث الهزيل بن شرحبيل وروى إبراهيم عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل رضي الله عنه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأة تركت بنتها وأختها للبنت النصف وللأخت النصف وعن الأسود قال: كان ابن الزبير لا يعطي الأخت مع البنت شيئاً فقلت: إن معاذاً قضى فينا باليمن فأعطى البنت النصف والأخت النصف قال: فأنت رسولي بذلك: فإن لم تكن أخوات من الأب والأم فالأخوات من الأب لأنهن يرثن ما يرث الأخوات من الأب والأم عند عدمهن.
فصل: وأما ولد الأم فللواحد السدس وللاثنين فصاعداً الثلث والدليل عليه قوله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء: 12] والمراد به ولد الأم والدليل عليه ما روي أن عبد الله وسعداً كانا يقرآن وله أخ أو أخت من أم وسوى بين الذكر والإناث للآية ولأنه إرث بالرحم المحض فاستوى فيه الذكر والأنثى كميراث الأبوين مع الابن.
فصل: وأما الأب فله السدس مع الابن وابن الابن لقوله عز وجل: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: 11] ففرض له السدس مع الابن وقيس عليه إذا كان مع ابن الابن لأن ابن الابن كالإبن في الحجب والتعصيب وأما الجد فله السدس مع الابن وابن الابن لإجماع الأمة.
فصل: ولا ترث بنت الابن مع الابن ولا الجدة أم الأب مع الأب لأنها تدلي به ومن أدلى بعصبة لم يرث معه كابن الابن مع الابن والجد مع الأب ولا ترث الجدة من الأم مع الأم لأنها تدلي بها ولا الجدة من الأب لأن الأم في درجة الأب والجدة في درجة الجد فلم ترث معه كما لا يرث الجد مع الأب.
فصل: ولا يرث ولد الأم مع أربعة مع الولد وولد الابن والأب والجد لقوله عز

(2/412)


وجل: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:] فورثهم في الكلالة والكلالة من سوى الوالد والولد والدليل عليه لما روى جابر رضي الله عنه قال: جاءني النبي صلى الله عليه وسلم يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب من وضوئه علي فعقلت فنزلت آية المواريث {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} والكلالة هو من ليس له ولد ولا والد وله إخوة ولأن الكلالة مشتق من الإكليل وهو الذي يحتاط بالرأس من الجوانب والذين يحيطون بالميت من الجوانب الإخوة فأما الوالد والولد فليسا من الجوانب بل أحدهما من أعلاه والآخر من أسفله ولهذا قال الشاعر يمدح بني أمية:
ورثتم قناة الملك لا عن كلالة ... عن ابني مناف عبد شمس وهاشم
فصل: ولا يرث ولد الأب والأم مع ثلاثة مع الابن وابن الابن والأب والدليل عليه قوله عز وجل: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فورثهم في الكلالة وقد بينا أن الكلالة ألا تكون والداً ولا ولداً.
فصل: وإذا استكمل البنات الثلثين ولم يكن مع من دونهن مع بنات الابن ذكر لم يرثن لما روى الأعمش بن إبراهيم قال: قال زيد رضي الله عنه إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شيء إلا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المالإذا كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كن أسفل منه فليس لهن شيء وبقية المال له دونهن ولأنا لو ورثنا من دونهن من بنات الابن فرضاً مستأنفاً لم يجز لأنه ليس للبنات بالبنوة أكثر من الثلثين وإن شركنا بينهن وبين بنات الابن لم يجز لأنهن أنزل منهن بدرجة فلا يجوز أن يشاركنهن وإن استكمل الأخوات للأب والأم الثلثين ولم يكن مع الأخوات للأب ذكر يعصبهن لم يرثن لما ذكرناه في المعنى في البنات وبنات الابن.

(2/413)


فصل: ومن لا يرث ممن ذكرناه من ذوي الأرحام أو كان عبداً أو قاتلاً أو كافراً لم يحجب غيره من الميراث لأنه ليس بوارث فلم يحجب كالأجنبي.
فصل: وإن اجتمع أصحاب فروض ولم يحجب بعضهم بعضاً فرض لكل واحد منهم فرضه فإن زادت سهامهم على سهام المال أعيلت بالسهم الزائد ودخل النقص على كل واحد منهم بقدر فرضه فإن ماتت امرأة وخلفت زوجاً وأماً وأختين من الأم وأختين من الأب والأم فللزوج النصف وللأم السدس وللأختين من الأم الثلث وللأختين من الأب والأم الثلثان وأصل الفريضة من ستة وتعول إلى عشرة وهو أكثر ماتعول إليه الفرائض لأنها عالت بثلثيها وتسمى أم الفروخ لكثرة السهام العائلة وتسمى الشريحية لأنها حدثت في أيام شريح وقضى فيها وإن مات رجل وخلف ثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات من الأم وثماني أخوات من الأب والأم فللزوجات الربع وللجدتين السدس وللأخوات من الأم الثلث وللأخوات من الأب والأم الثلثان وأصلها من اثني عشر وتعول إلى سبعة عشر وهو أكثر ما يعول إليه هذا الأصل وتسمى أم الأرامل وإن مات رجل وخلف زوجة وأبوين وابنتين فللزوجة الثمن وللأبوين السدسان وللابنتين الثلثان وأصلها من أربعة وعشرين وتعول إلى سبعة وعشرين وتسمى المنبرية لأنه روي أن علياً كرم الله وجهه سئل عن ذلك وهو على المنبر فقال صار ثمنها تسعاً وإن ماتت المرأة وخلفت زوجاً وأماً وأختاً من أب وأم فللزوج النصف وللأخت النصف وللأم الثلث وأصلها من ستة وتعود إلى ثمانية وهي أول مسألة أعيلت في خلافة عمر رضي الله عنه وتعرف بالمباهلة فإن ابن عباس رضي الله عنه أنكر العول وقال: هذان النصفان ذهبا بالمال أين موضع الثلث؟ فقيل له والله لئن مت أو متنا فيقسم ميراثنا إلا على ما عليه القوم قال: فلندع أبناءنا وأبناءهم ونساءنا ونساءهم وأنفسنا وأنفسهم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين والدليل على إثبات العول أنها حقوق مقدرة متفقة في الوجوب ضاقت التركة على جمعيعها فقسمت التركة على قدرها كالديون.

(2/414)


فصل: وإن اجتمع في شخص جهتا فرض كالمجوسي إذا تزوج ابنته فأتت منه ببنت فإن الزوجة صارت أم البنت وأختها من الأب والبنت بنت الزوجة وأختها فإن ماتت البنت ورثتها الزوجة بأقوى القرابتين وهي بكونها أماً ولا ترث بكونها أختاً لأنها شخص واحد اجتمع فيه شيئان يورث بكل واحد منهما الفرض فورث بأقواهما ولم ترث بهما كالأخت من الأب والأم وإن ماتت الزوجة ورثتها البنت النصف بكونها بنتاً وهل ترث الباقي بكونها أختاً فيه وجهان: أحدهما لا ترث لما ذكرناه من العلة والثاني ترث لأن إرثها بكونها بنتاً بالفرض وإرثها بكونها أختاً بالتعصيب لأن الأخت مع البنت عصبة فجاز أن ترث بهما كأخ من أم وهو ابن عم.

(2/415)


باب ميراث العصبة
العصبة كل ذكر ليس بينه وبين الميت أنثى وهم الأب والابن ومن يدلي بهما وأولى العصبات الابن والأب لنهما يدليان بأنفسهما وغيرهما يدلي بهما فغن اجتمعا قدم الابن لأن الله عز وجل بدأ به فقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] والعرب تبدأ بالأهم فالأهم ولأن الأب إذا اجتمع مع الابن فرض له السدس وجعل الباقي للابن ولأن الابن يعصب أخته والأب لا يعصب أخته ثم ابن الابن وإن سفل لأنه يقوم مقام الابن في الإرث والتعصيب ثم الأب لأن سائر العصبات يدلون به ثم الجد إن لم يكن له أخ لأنه أب الأب ثم أبو الجد وإن علا وإن لم يكن جد فالأخ لأنه ابن الأب ثم ابن الأخ وإن سفل ثم العم لأنه ابن الجد ثم ابن العم وإن سفل ثم عم الأب لأنه ابن أبي الجد وإن سفل وعلى هذا أبداً.
فصل: وإن انفرد الواحد منهم أخذ جميع المال والدليل عليه قوله عز وجل: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء: 176] فورث الأخ جميع مال الأخت إذا لم يكن لها ولد وغن اجتمع مع ذي فرض أخذ ما بقي لما رويناه من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ورث أخا سعد بن الربيع ما بقي من فرض البنات والزوجة فدل على أن هذا حكم العصبة.
فصل: وإن اجتمع اثنان قدم أقربهما في الدرجة لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى عصبة ذكر1" وإن اجتمع
__________
1 رواه البخاري في كتاب الفرائض باب 5، 7، 9. مسلم في كتاب الفرائض حديث 2، 3. الترمذي في كتاب الفرائض باب 8. أحمد في مسنده "1/315".

(2/415)


اثنان في الدرجة وأحدهما يدلي بالأب والأم والآخر يدلي بالأب قدم من يدلي بالأب والأم لأنه أقرب وإن استويا في الدرجة والإدلاء استويا في الميراث لتساويهما.
فصل: ولا يعصب أحد منهم أنثى إلا الابن وابن الابن والأخ فإنهم يعصبون أخواتهم فأما الابن فإنه يعصب أخواته للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] وأما ابن الابن فإنه يعصب من يحاذيه من أخواته وبنات عمه سواء كان لهن شيء من فرائض البنات أو لم يكن وقال أبو ثور: إذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لابن الابن ولا شيء لبنات الابن لأن البنات لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين فلو عصبنا بنت الابن بابن الابن بعد استكمال البنات الثلثين صار ما تأخذه بالتعصيب زيادة على الثلثين وهذا خطأ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11] والولد يطلق على الأولاد وأولاد الأولاد والدليل عليه قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 19] وقوله صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه: "يابني إسماعيل ارموا فإن أباكم كان رامياً1" ولأنه يقال لمن ينتسب إلى تميم وطيء بنو تميم وبنو طيء وقوله إنهن لا يرثن بالبنوة أكثر من الثلثين فإنه يمتنع ذلك من جهة الفرض فأما في التعصيب فلا يمتنع كما لو ترك ابناً وعشر بنات فإن للابن السدس وللبنات خمسة أسداس وهو أكثر من الثلثين وأما ابن الابن وإن سفل فإنه يعصب من يحاذيه من أخوته وبنات عمه سواء بقي لهن من فرض البنات شيء أو لم يبق كما يعصب ابن الابن من يحاذيه وأما من فوقه من العمات فينظر فيه فإن كان لهن من فرض البنات من الثلثين أو السدس شيء أخذ الباقي ولم يعصبهن لأنهن يرثن بالفرض ومن يرث بالفرض بقرابة لم يرث بالتعصيب بتلك القرابة وإن لم يكن لهن من فرض البنات شيء عصبهن لما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: إذا استكمل البنات الثلثين فليس لبنات الابن شيء إلا أن يلحق بهن ذكر فيرد عليهن بقية المال إن كان أسفل منهن رد على من فوقه للذكر مثل حظ الأنثيين وإن كن أسفل منه فليس لهن شيء وبقية المال له دونهن ولأنه لا يجوز أن يرث بالبنوة مع البعد ولا يرث عماته مع القرب ولا يعصي من هو أنزل منه من بنات أخيه بل يكون الباقي له لما ذكرناه من قول زيد بن ثابت فإن كن أسفل منه
__________
1 رواه البخاري في كتاب الجهاد باب 78. ابن ماجة في كتاب الجهاد باب 19. أحمد في مسنده "1/364" "4/50".

(2/416)


فليس لهن شيء وبقية المال له دونهن ولأنه عصبة فلا يرث معه هو دونه كالابن مع بنت الابن وأما الأخ فإنه يعصب أخواته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 176] .
فصل: ولا يشارك أحد من العصبات أهل الفروض في فروضهم إلا ولد الأب والأم فإنهم يشاركون ولد الأم في ثلثهم في المشتركة وهي زوج وأم أو جدة واثنان من ولد الأم وولد الأب والأم واحداً كان أو أكثر فيفرض للزوج النصف وللأم أو الجدة السدس ولولد الأم الثلث يشاركهم ولد الأب والأم في الثلث لأنهم يشاركونهم في الرحم التي ورثوا بها الفرض فلا يجوز أن يرث ولد الأم ويسقط ولد الأب والأم كالأب لما شارك الأم في الرحم بالولادة لم يجز أن ترث الأم ويسقط الأب وتعرف هذه المسألة بالمشتركة لما فيها من التشريك بين ولد الأب والأم وولد الأم في الفرض وتعرف بالحمارية فإنه يحكى فيها عن ولد الأب والأم لأنهم قالوا احسب أن أبانا كان حماراً أليس أمنا وأمهم واحدة؟.
فصل: وإن اجتمع في شخص واحد جهة فرض وجهة تعصيب كابن عم وزوج أو ابن عم وأخ من أم ورث بالفرض والتعصيب لأنهم إرثان مختلفان بسببين مختلفين فإن اجتمع ابنا عم أحدهما أخ من أم وورث الأخ من الأم السدس والباقي بينه وبين الآخر وقال أبو ثور: المال كله للذي هو أخ من الأم لأنهما عصبتان يدلي أحدهما بالأبوين والآخر بأحدهما فقدم من يدلي بهما كالأخوين أحدهما من الأب والآخر من الأب والأم وهذا خطأ لأنه استحق الفرض بقرابة الأم فلا يقدم بها في التعصيب كابني عم أحدهما زوج.
فصل: وإن لاعن الزوج ونفى نسب الولد انقطع التوارث بينهما لانتفاء السبب بينهما ويبقى التوارث بين الأم والولد لبقاء السبب بينهما وإن مات الولد ولا وارث له غير الأم كان لها الثلث وإن أتت بولدين توأمين فنفاهما الزوج باللعان ثم مات أحدهما وخلف الآخر ففيه وجهان: أحدهما أنه يرث ميراث الأخ من الأم لأنه لا نسب بينهما من جهة الأب فلم يرث بقرابته كالتوأمين من الزنا إذا مات أحدهما وخلف أخاه والثاني أنه يرثه ميراث الأخ من الأب والأم لأن اللعان ثبت في حق الزوجين دون غيرهما ولهذا لو قذفها الزوج لم يحد ولو قذفها غيره حد والصحيح هو الأول لأن النسب قد انتفى بينهما

(2/417)


في حق كل واحد منهما كما انقطع الفراش بينهما في حق كل أحد يجوز لكل أحد أن يتزوجها.
فصل: وإن كان الوارث خنثى وهو الذي له فرج الرجال وفرج النساء فإن عرف أنه ذكر ورث ميراث الذكر وإن عرف أنه أنثى ورث ميراث الأنثى وإن لم يعرف فهو الخنثى المشكل وورث ميراث أنثى فإن كان أنثى وحده ورث النصف فإن كان معه ابن ورث الثلث وورث الابن النصف لأنه يقين ووقف السدس لأنه مشكوك فيه وإن كانا خنثيين ورثا الثلثين لأنه يقين ووقف الباقي لأنه مشكوك فيه ويعرف أنه ذكر أو أنثى بالبول فإن كان يبول من الذكر فهو ذكر وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى لما روي عن علي كرم الله وجهه أنه قال: يورث الخنثى من حيث يبول وروي عنه أنه قال: إن خرج بوله من مبال الذكر فهو ذكر وإن خرج من مبال الأنثى فهو أنثى ولأن الله تعالى جعل بول الذكر من الذكر وبول الأنثى من الفرج فرجع في التمييز إليه وإن كان يبول منهما نظرت فإن كان يبول من أحدهما أكثر فقد روى المزني في الجامع أن الحكم للأكثر وهو قول بعض أصحابنا لأن الأكثر هو الأقوى في الدلالة والثاني أنه لا تعتبر الكثرة لأن اعتبار الكثرة يشق فسقط وإن لم يعرف بالبول سئل عما يميل إليه طبعه فإن قال أميل إلى النساء فهو ذكر وإن قال أميل إلى الرجال فهو أنثى وإن قال أميل إليهما فهو المشكل وقد بيناه ومن أصحابنا من قال إن لم يكن في البول دلالة اعتبر عدد الأضلاع فإن نقص من الجانب الأيسر ضلع فهو ذكر فإن أضلاع الرجل من الجانب الأيسر أنقص فإن الله عز وجل خلق حواء من ضلع آدم الأيسر فمن ذلك نقص من الجانب الأيسر ضلع ولهذا قال الشاعر:
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع انكسارها
أتجمع ضعفاً واقتداراً على الفتى ... أليس عجيباً ضعفها واقتدارها
فصل: وإن مات الرجل وترك حملاً وله وارث غير الحمل نظرت فإن كان له سهم مقدر لا ينقص كالزوجة دفع إليها الفرض ووقف الباقي إلى أن ينكشف وإن لم يكن له سهم مقدر كالابن وقف الجميع لأنه لا يعلم أكثر ما تحمله المرأة والدليل عليه أن الشافعي رحمه الله قال: دخلت إلى شيخ باليمن لأسمع منه الحديث فجاءه خمسة كهول فسلموا عليه وقبلوا رأسه ثم جاءه خمسة شباب فسلموا عليه وقبلوا رأسه ثم جاءه خمسة فتيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه ثم جاءه خمسة صبيان فسلموا عليه وقبلوا رأسه فقلت من هؤلاء؟ فقال: أولادي كل خمسة منهم في بطن وفي المهد خمسة أطفال. وقال

(2/418)


ابن المرزبان: أسقطت المرأة بالأنبار كيساً فيه اثنا عشر ولداً كل اثنين متقابلان فإذا انفصل الحمل واستهل ورث لما روى سعيد بن المسيب رحمه الله عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: إن من السنة أن لا يرث المنفوس ولا يورث حتى يستهل صارخاً فإن تحرك حركة حي أو عطس ورث لأنه لم يعرف حياته وإن خرج بعضه وفيه حياة ومات قبل خروج الباقي لأنه لا يثبت له حكم الدنيا قبل انفصال جميعه ولهذا لا ينقضي به العدة ولا يسقط حق الزوج عن الرجعة قبل انفصال جميعه.
فصل: وإن مات رجل ولم تكن له عصبة ورثه المولى المعتق كما ترثه العصبة على ما ذكرناه في باب الولاء فإن لم يكن له وارث نظرت فإن كان كافراً صار ماله لمصالح المسلمين وإن كان مسلماً صار ماله ميراثاً للمسلمين لأنهم يعقلونه إذا قتل فانتقل ماله إليهم بالموت ميراثاً كالعصبة فإن كان للمسلمين إمام عادل سلم إليه ليضعه في بيت المال لمصالح المسلمين وإن لم يكن إمام عادل ففيه وجهان: أحدهما أنه يرد على أهل الفرض على قدر فروضهم إلا على الزوجين فإن لم يكن أهل الفرض قسم على ذوي الأرحام على مذهب أهل التنزيل فيقام كل واحد منهم مقام من يدلي به فيجعل ولد البنات والأخوات بمنزلة أمهاتهم وبنات الأخوة والأعمام بمنزلة آبائهم وأبو الأم والخال بمنزلة الأم والعمة والعم من الأم لأن الأمة أجمعت على الإرث بإحدى الجهتين فإذا عدمت إحداهما تعينت الأخرى والثاني وهو المذهب أنه لا يرد على أهل السهام ولا يقسم المال على ذوي الأرحام لأنا دللنا أنه للمسلمين والمسلمون لم يعدموا وإنما عدم من يقبض لهم فلم يسقط حقهم كما لو كان الميراث لصبي وليس له ولي فعلى هذا يصرفه من في يده المال إلى المصالح.

(2/419)


باب الجد والأخوة
إذا اجتمع الجد وأبو الجد وإن علا مع ولد الأب والأم أو ولد الأب ولم تنقصه المقاسمة من الثلث قاسمهم وعصب إناثهم وقال المزني: يسقطهم ووجهه أن له ولادة وتعصيباً بالرحم فأسقط ولد الأب والأم كالأب وهذا خطأ لأن ولد الأب يدلي بالأب فلم يسقطه الجد كأم الأب ويخالف الأب فإن الأخ يدلي به ومن أدلى بعصبة لم يرث معه

(2/419)


كابن الأخ مع الأخ وأم الأب مع الأب والجد والأخ يدليان بالأب فلم يسقط أحدهما كالأخوين من الأب وأم الأب مع الجد ولأن الأب يحجب الأم من الثلث إلى ثلث الباقي مع الزوجين والجد لا يحجبها.
فصل: وإن اجتمع مع الجد ولد الأب والأم وولد الأب عاد ولد الأب والأم الجد بولد الأب لأن من حجب بولد الأب والأم وولد الأب إذا انفرد حجب بهما إذا اجتمعا كالأم فإن كان له جد وأخ من أب وأم وأخ من أب قسم المال على ثلاثة أسهم للجد سهم ولكل واحد من الأخوين سهم ثم يرد الأخ من الأب سهمه على الأخ من الأب والأم لأنه لا يرث معه فلم يشاركه فيما حجبا عنه كما لا يشارك الأخ من الأب الأخ من الأب والأم فيما حجبا عنه الأم وتعرف هذه المسألة بالمعادة لأن الأخ من الأب والأم عاد الجد بالأخ من الأب ثم أخذ منه ما حصل له وإن اجتمع مع الجد أخ من الأب وأخت من الأب والأم قسم المال على خمسة أسهم للجد سهمان وللأخ سهمان وللأخت سهم ثم يرد الأخ على الأخت تمام النصف وهو سهم ونصف ويأخذ ما بقي وهو نصف سهم لأن الأخ من الأب إنما يرث مع الأخت من الأب والأم ما يبقى بعد استكمال الأخت النصف وتصح من عشرة وتسمى عشرية زيد رضي الله عنه وإن اجتمع مع أختين من الأب وأختين من الأب والأم قسم المال بينهم على ستة أسهم للجد سهمان ولكل أخت سهم ثم ترد الأختان من الأب جميع ما حصل لهما على الأختين من الأب والأم لأنهما لا يرثان قبل أن تستكمل من الأب والأم الثلثين.
فصل: وإن كانت المقاسمة تنقص الجد من الثلث بأن زاد الإخوة على اثنتين والأخوات على أربع فرض للجد الثلث وقسم الباقي بين الإخوة والأخوات لأنا قد دللنا على أنه يقاسم الواحد ولا خلاف أنهم لا يقاسمونه أبداً فكان التقدير بالاثنين أشبه بالأصول فإن الحجب إذا اختلف فيه الواحد والجماعة وجب التقدير فيه بالاثنين كحجب الأم من الثلث وحجب البنات لبنات الابن وحجب الأخوات للأب والأم للأخوات للأب ولا يعاد ولد الأب والأم الجد بولد الأب في هذا الفصل لأن المعادة تحجب الجد ولا سبيل لحجبه عن الثلث.
فصل: وإن اجتمع مع الجد والإخوة من له فرض أخذ صاحب الفرض فرضه وجعل للجد أوفر الأمرين من المقاسمة أو ثلث الباقي ما لم ينقص عن سدس جميع المال لأن الفرض كالمستحق من المال فيصير الباقي كأنه جميع المال وقد بينا أن حكمه في

(2/420)


جميع المال أن يجعل له أوفر الأمرين من المقاسمة أو ثلث المال فكذلك فيما بقي بعد الفرض فإن نقصته المقاسمة أو ثلث الباقي عن السدس فرض له السدس لأن ولد الأب والأم ليس بأكثر من ولد الصلب ولو اجتمع الجد مع ولد الصلب لم ينقص حقه من السدس فلأن لا ينقص مع ولد الأب والأم أولى وإن مات رجل وخلف بنتاً وجداً واختاً فللبنت النصف والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وهي من مربعات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه قال: للبنت النصف والباقي بين الجد والأخت نصفان وتصح من أربعة وإن ماتت امرأة وخلفت زوجاً وأماً وجداً فللزوج النصف وللأم الثلث والباقي للجد وهو السدس وهي من مربعات عبد الله رضي الله عنه لأنه يروى عنه أنه قال: للزوج النصف والباقي بين الجد والأم نصفان وتصح من أربعة وهذا خطأ لأن الجد أبعد من الأم فلم يجز أن يحجبها كجد الأب مع أم الأب وإن مات رجل وخلف زوجة وأماً وأخاً وجداً فللزوجة الربع وللأم الثلث والباقي بين الجد والأخ نصفان وتصح من أربعة وعشرين للزوجة ستة أسهم وللأم ثمانية والباقي بين الجد والأخ لكل واحد منهما خمسة وهي من مربعات عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فإنه روي عنه أنه جعل للزوجة الربع وللأم ثلث ما بقي والباقي بين الجد والأخ نصفان وتصح من أربعة للزوجة سهم وللأم سهم وللأخ سهم وللجد سهم وإن مات رجل وخلف امرأة وجداً واختاً فللمرأة الربع والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وتعرف بالمربعة لأن مذهب زيد ما ذكرناه ومذهب أبي بكر وابن عباس رضي الله عنهما للمرأة الربع والباقي للجد ومذهب علي وعبد الله رضي الله عنهما للمرأة الربع وللأخت النصف والباقي للجد واختلفوا فيها على ثلاثة مذاهب واتفقوا على القسمة من أربعة وإن مات رجل وخلف أماً وأختاً فللأم الثلث والباقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين وتسمى الخرقاء لكثرة اختلاف الصحابة فيها فإن زيداً ذهب إلى ما قلناه وذهب أبو بكر وابن عباس رضي الله عنهما إلى أن للأم الثلث والباقي للجد وذهب عمر إلى أن للأخت النصف وللأم ثلث الباقي وهو السدس والباقي للجد وذهب عثمان رضي الله عنه إلى أن للأم الثلث والباقي بين الجد والأخت نصفان وتصح من ثلاثة وذهب علي عليه السلام إلى أن للأخت النصف وللأم الثلث والباقي للجد وعن ابن مسعود روايتان إحداهما مثل قول عمر رضي الله عنه والثانية للأخت النصف والباقي بين الأم والجد نصفان وتصح من أربعة وتعرف بمثلثة عثمان ومربعة عبد الله رضي الله عن الجميع.
فصل: ولا يفرض للأخت مع الجد إلا في مسألة واحدة وهي إذا ماتت امرأة

(2/421)


وخلفت زوجاً وأختاً وجداً فللزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس وأصلها من ستة وتعول إلى تسعة ويجمع نصف الأخت وسدس الجد ويقسم بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة لأنه لا بد أن يعطي الزوج النصف لأنه ليس ههنا من يحجبه ولا بد من أن تعطي الأم الثلث لأنه ليس ههنا من يحجبها ولا بد من أن يعطي الجد السدس لأن أقل حقه السدس ولا يمكن إسقاط الأخت لأنه ليس ههنا من يسقطها ولا يمكن أن تعطي النصف كاملاً لأنه لا يمكن تفضيلها على الجد فوجب أن يقسم مالهما بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين وتعرف هذه المسألة بالأكدرية لأن عبد الملك بن مروان سأل عنها رجلاً اسمه الأكدر فنسبت إليه وقيل سميت أكدرية لأنها كدرت على زيد أصله لأنه لا يعيل مسائل الجد وقد أعال ولا يفرض للأخت مع الجد وقد فرض فإن كان مكان الأخت في الأكدرية أخ لم يرث لأن للزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس ولا يجوز أن يشارك الجد في السدس لأن الجد يأخذ السدس بالفرض والأخ لا يرث بالفرض وإنما يرث بالتعصيب ولم يبق ما يرثه بالتعصيب فسقط وبالله التوفيق.

(2/422)