المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب النكاح
مدخل
...
كتاب النكاح
النكاح جائز لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ولما روى علقمة عن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء1".
فصل: ولا يصح النكاح إلا من جائز التصرف فأما الصبي والمجنون فلا يصح منهما عقد النكاح لأنه عقد معاوضة فلم يصح من الصبي والمجنون كالبيع وأما المحجور عليه لسفه فلا يصح نكاحه بغير إذن الولي لأنه عقد يستحق به المال فلم يصح منه من غير إذن الولي ويصح منه بإذن الولي لأنه لا يأذن له إلا فيما يرى الحظ فيه وأما العبد فلا يصح نكاخه بغير إذن المولى لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نكح العبد بغير إذن سيده فنكاحه باطل2" ولأنه بالنكاح تنقص قيمته ويستحق بالمهر والنفقة كسبه وفي ذلك إضرار بالمولى فلم يجز من غير إذنه ويصح منه بإذن المولى لأنه لما أبطل النبي صلى الله عليه وسلم نكاحه بغير إذنه دل على أنه يصح بإذنه ولأن المنع لحق المولى فزال بإذنه.
فصل: ومن جاز له النكاح وتاقت نفسه إليه وقدر على المهر والنفقة فالمستحب له أن يتزوج لحديث عبد الله ولأنه أحصن لفرجه وأسلم لديه ولا يجب ذلك لما روى إبراهيم بن ميسرة رضي الله عنه عن عبيد بن سعد يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب فطرتي
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 2، 3. مسلم في كتاب النكاح حديث 1. النسائي في كتاب الصيام باب 46. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1.
2 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 16.

(2/423)


فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح1" ولأنه ابتغاء لذة تصبر النفس عنها فلم يجب كلبس الناعم وأكل الطيب ومن لم تتق نفسه إليه فالمستحب له أن يتزوج لأنه تتوجه عليه حقوق هو غني عن التزامها ويحتاج أن يشتغل عن العبادة بسببها وإذا تركه تخلى للعبادة فكان تركه أسلم لدينه.
فصل: والمستحب أن لايتزوج إلا ذات دين لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تنكح المرأة لأربع لمالها وحسبها وجمالها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك2" ولا يتزوج إلا ذات عقل لأن القصد بالنكاح العشرة وطيب العيش ولا يكون ذلك إلا مع ذات عقل ولا يتزوج إلا من يستحسنها لما روى أبو بكربن محمد بن عمرو بن حزم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها".
فصل: وإذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً" ولا ينظر إلى ماسوى الوجه والكفين لأنه عورة ويجوز للمرأة إذا أرادت أن تتزوج برجل أن تنظر إليه لأنه يعجبها من الرجل ما يعجب الرجل منها ولهذا قال عمر رضي الله عنه: لا تزوجوا بناتكم من الرجل الدميم فإنه يعجبهن منهم ما يعجبهم منهن ويجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى وجه الآخر عند المعاملة لأنه يحتاج إليه
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب النكاح باب 1.
2 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 15. أبو داود في النكاح باب 2. الترمذي في كتاب النكاح باب 4. النسائي في كتاب النكاح باب 10. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 6.

(2/424)


للمطالبة بحقوق العقد والرجوع بالعهدة ويجوز ذلك عند الشهادة للحاجة إلى معرفتها في التحمل والأداء ويجوز لمن اشترى جارية أن ينظر إلى ما ليس بعورة منها للحاجة إلى معرفتها ويجوز للطبيب أن ينظر إلى الفرج للمداواة لأنه موضع ضرورة فجاز له النظر إلى الفرج كالنظر في حال الختان وأمامن غير حاجة فلا يجوز للأجنبي أن ينظر إلى الأجنبية ولا للأجنبية أن تنظر إلى الأجنبي لقوله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30 - 31] وروت أم سلمة رضي الله عنها قالت: كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده ميمونة فاقبل ابن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتجبن عنه" فقلت: يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال: "أفعمياوان أنتما أليس تبصرانه1" وروى علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم أردف الفضل فاستقبلته جارية من خثعم فلوى عنق الفضل فقال أبوه العباس لويت عنق ابن عمك قال: "رأيت شاباً وشابة فلم آمن الشيطان عليهما" ولا يجوز النظر إلى الأمرد من غير حاجة لأنه يخاف الافتتان به كما يخاف الافتتان بالمرأة.
فصل: ويجوز لذوي المحارم النظر إلى ما فوق السرة ودون الركبة من ذوات المحارم لقوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور: 31] ويجوز للرجل أن ينظر إلى ذلك من الرجل وللمرأة أن تنظر إلى ذلك من المرأة لأنهم كذوي المحارم في تحريم النكاح على التأبيد فكذلك في جواز النظر واختلف أصحابنا فير مملوك المرأة فمنهم من قال هو محرم لها في جواز النظر والخلوة وهو المنصوص لقوله عز وجل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} [النور: 31] فذكره مع ذوي المحارم في إباحة النظر وروى أنس رضي الله عنه
__________
1 رواه أبو داود في كتاب اللباس باب 34. أبو داود في كتاب اللباس باب 29.أحمد في مسنده "6/296".

(2/425)


قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة غلاما فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الغلام فتقنعت بثوب إذا قنعت رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك" ومنهم من قال ليس بمحرم لأن المحرم من يحرم على التأبيد وهذا لا يحرم على التأبيد فلم يكن محرماً واختلفوا في المراهق مع الأجنبية فمنهم من قال: هو كالبالغ في تحريم النظر لقوله تعالى: {أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ} [النور: 31] فدل على أنه لا يجوز لمن ظهر على عورات النساء ولأنه كالبالغ في الشهوة فكان كالبالغ في تحريم النظر ومن أصحابنا من قال: يجوز له النظر إلى ما ينظر ذو محرم وهو قول أبي عبد الله الزبيري لقوله عز وجل: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور: 59] فدل على أنه إذا لم يبلغوا الحلم لم يستأذنوا.
فصل: ومن تزوج امرأة أو ملك جارية يملك وطأها فله أن ينظر منها إلى غير الفرج وهل يجوز أن ينظر إلى الفرج؟ فيه وجهان: أحدهما لا يجوز لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النظر إلى الفرج يورث الطمس" والثاني يجوز وهو الصحيح لأنه يملك الاستمتاع به فجاز له النظر إليه كالفخذ وإن زوج أمته حرم عليه النظر إلى ما بين السرة والركبة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا زوج أحدكم جاريته عبده أو أجيره فلا ينظر إلى ما دون السرة والركبة1".
__________
1 رواه أبو داود في كتاب اللباس باب 34. كتاب الصلاة باب 26.

(2/426)


باب ما يصح به النكاح
لا يصح النكاح إلا بولي فإن عقدت المرأة لم يصح وقال أبو ثور: إن عقدت بإذن الولي صح ووجهه أنها من أهل التصرف وإنما منعت من النكاح لحق الولي فإذا أذن زال المنع كالعبد إذا أذن له المولى في النكاح وهذا خطأ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه رفعه: "ولا تنكح المرأة المرأة ولا تنكح المرأة نفسها" ولأنها غير مأمونة على البضع لنقصان عقلها وسرعة انخداعها فلم يجز تفويضه إليها كالمبذر في المال ويخالف العبد فإنه منع لحق المولى فإنه ينقص قيمته بالنكاح ويستحق كسبه في المهر والنفقة فزال المنع بإذنه فإن عقد النكاح بغير ولي وحكم به الحاكم ففيه وجهان: أحدهما وهو قول

(2/426)


أبو سعيد الاصطخري أنه ينقض حكمه لأنه مخالف لنص الخبر وهو ما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له1" فإن أصابها فلها مهرها بما استحل من فرجها والثاني لا ينقض وهو الصحيح لأنه مختلف فيه فلم ينقض فيه حكم الحاكم كالشفعة للجار وأما الخبر فليس بنص لأنه محتمل للتأويل فهو كالخبر في شفعة الجار فإن وطئها الزوج قبل الحكم بصحته لم يجب الحد وقال أبو بكر الصيرفي: إن كان الزوج شافعياً يعتقد تحريمه وجب عليه الحد كما لو وطئ امرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية والمذهب الأول لأنه وطء مختلف في إباحته فلم يجب به الحد كالوطء في النكاح بغير شهود ويخالف من وطئ امرأة في فراشه وهو يعلم أنها أجنبية لأنه لا شبهة له في وطئها وإن طلقها لم يقع الطلاق وقال أبو إسحاق يقع لأنه نكاح مختلف في صحته فوقع فيه الطلاق كنكاح المرأة في عدة أختها والمذهب الأول لأنه طلاق في غير ملكه فلم يصح كما لو طلق أجنبية.
فصل: وإن كانت المنكوحة أمة فوليها مولاها لأنه عقد على منفعتها فكان إلى المولى كالإجارة وإن كانت الأمة لامرأة زوجها من يزوج مولاتها لأنه نكاح في حقها فكان إلى وليها كنكاحها ولا يزوجها الولي إلا بإذنها لأنه تصرف منفعتها فلم يجز من غير إذنها فإن كانت المولاة غير رشيدة نظرت فإن كان وليها غير الأب والجد لم يملك تزويجها لأنه لا يملك التصرف في مالها وإن كان الأب أو الجد ففيه وجهان: أحدهما لا يملك لأن فيه تغريراً بمالها ولأنها ربما حبلت وتلفت والثاني وهو قول أبي إسحاق أنه يملك تزويجها لأنها تستفيد به المهر والنفقة واسترقاق ولدها وإن كانت المنكوحة حرة فوليها عصباتها وأولاهم الأب ثم الجد ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم لأن الولاية في النكاح تثبت لدفع العار عن النسب والنسب إلى العصبات فإن لم يكن لها عصبة زوجها المولى المعتق ثم عصبة المولى ثم مولى المولى ثم عصبته لأن الولاء كالنسب في التعصيب فكان كالنسب في التزويج فإن لم يكن فوليها السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم:
__________
1 رواه التنرمذي في كتاب النكاح باب 15. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 15. الدارمي في كتاب النكاح باب 11. أحمد في مسنده "6/47، 66".

(2/427)


"فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له1" ولا أحد من الأولياء وهناك من هو أقرب منه لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم فيه الأقرب فالأقرب كالميراث وإن استوى اثنان في الدرجة وأحدهما يدلي بالأبوين والآخر بأحدهما كأخوين أحدهم من الأب والأم والآخر من الأب ففيه قولان: قال في القديم هما سواء لأن الولاية بقرابة الأب وهما في قرابة الأب سواء وقال في الجديد يقدم من يدلي في الأبوين لأنه حق يستحق بالتعصيب فقدم من يدلي بالأبوين على من يدلي بأحدهما كالميراث فإن استويا في الدرجة والإدلاء فالمستحب أن يقدم أسنهما وأعلمهما وأورعهما لأن الأسن أخبر والأعلم أعرف بشروط العقد والأورع أحرص على طلب الحظ فإن زوج الآخر صح لأن ولايته ثابتة وإن تشاحا أقرع بينهما لأنهما تساويا في الحق فقدم بالقرعة كما لو أراد أن يسافر بإحدى المرأتين فإن خرجت القرعة لأحدهما فزوج الآخر ففيه وجهان: أحدهما يصح لأن خروج القرعة لأحدهما لا يبطل ولاية الآخر والثاني لا يصح لأنه يبطل فائدة القرعة.
فصل: ولا يجوز للابن أن يزوج أمه بالبنوة لأن الولاية ثبتت للأولياء لدفع العار عن النسب ولا نسب بين الابن والأم وإن كان للابن تعصيب بأن كان ابن ابن عمها جاز له أن يزوجها لأنهما يشتركان في النسب فإن كان لها ابنا ابن عم أحدهما ابنها فعلى القولين في أخوين أحدهما من الأب والأم والآخر من الأب.
فصل: ولا يجوز أن يكون الولي صغيراً ولا مجنوناً ولا عبداً لأنه لا يملك العقد لنفسه فلا يملكه لغيره واختلف أصحابنا في المحجور عليه لسفه فمنهم من قال يجوز أن يكون ولياً لأنه إنما حجر عليه في المال خوفاً من إضاعته وقد أمن ذلك في تزويج ابنته فجاز له أن يعقد كالمحجور عليه للفلس ومنهم من قال: لا يجوز لأنه ممنوع من عقد النكاح لنفسه فلم يجز أن يكون ولياً لغيره ولا يجوز أن يكون فاسقاً على المنصوص لأنها ولاية فلم تثبت مع الفسق كولاية المال ومن أصحابنا من قال: إن كان أباً أو جداً لم يجز وإن كان غيرهما من العصيات جاز لأنه يعقد بالإذن فجاز أن يكون فاسقاً كالوكيل ومن أصحابنا من قال: فيه قولان: أحدهما لا يجوز لما ذكرناه والثاني يجوز لأنه حق يستحق بالتعصيب فلم يمنع منه الفسق كالميراث والتقدم في الصلاة على الميت وهل يجوز أن يكون أعمى فيه وجهان: أحدهما يجوز لأن شعيباً عليه السلام كان أعمى
__________
1 المصدر السابق.

(2/428)


وزوج ابنته من موسى صلى الله عليه وسلم والثاني لا يجوز لأنه يحتاج إلى البصر في اختيار الزوج ولا يجوز للمسلم أن يزوج ابنته الكافرة ولا للكافر أن يزوج ابنته المسلمة لأن الموالاة بينهما منقطعة والدليل عليه قوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التوبة: 71] وقوله سبحانه: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ولهذا لا يتوارثان ويجوز للسلطان أن يزوج نساء أهل الذمة لأن ولايته تعم المسلمين وأهل الذمة ولا يجوز للكافر أن يزوج أمته المسلمة وهل يجوز للمسلم أن يزوج أمته الكافرة فيه وجهان: أحدهما يجوز وهو قول أبي إسحاق وأبي سعيد الاصطخري وهو المنصوص لأنها ولاية مستفادة بالملك فلم يمنع منها اختلاف الدين كالولاية في البيع والإجارة والثاني لا يجوز وهو قول أبي القاسم الداركي لأنه إذا لم يملك تزويج الكافرة بالنسب فلأن لا يملك بالملك أولى.
فصل: وإن خرج الولي عن أن يكون من أهل الولاية بفسق أو جنون انتقلت الولاية إلى من بعده من الأولياء لأنه بطلت ولايته فانتقلت الولاية إلى ممن بعده كما لو مات فإن زال السبب الذي بطلت فيه الولاية عادت الولاية لزوال السبب الذي أبطل الولاية فإن زوجها من انتقلت إليه قبل أن يعلم بعود ولاية الأول ففيه وجهان بناء على القولين في الوكيل إذا باع ما وكل في بيعه قبل أن يعلم بالعزل وإن دعت المنكوحة إلى كفؤ فعضلها الولي زوجها السلطان لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" ولأنه حق توجه عليه تدخله النيابة فإذا امتنع قام السلطان مقامه كما لو كان عليه دين فامتنع عن أدائه وإن غاب الولي إلى مسافة تقصر فيها الصلاة زوجها السلطان ولم يكن لمن بعده من الأولياء أن يزوج لأن ولاية الغائب باقية ولهذا لو زوجها في مكانه صح العقد وإنما تعذر من جهته فقام السلطان مقامه كما لو حضر وامتنع من تزويجها فإن كان على مسافة لا تقصر فيها الصلاة ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز تزويجها إلا بإذنه لأنه كالحاضر والثاني يجوز للسلطان أن يزوجها لأنه تعذر استئذانه فأشبه إذا كان في سفر بعيد ويستحب للحاكم إذا غاب الولي وصار التزويج إليه أن يأذن لمن تنتقل الولاية إليه ليزوجها ويخرج من الخلاف فإن عند أبي حنيفة أن الذي يملك التزويج هو الذي تنتقل الولاية إليه.
فصل: ويجوز للأب والجد تزويج البكر من غير رضاها صغيرة كانت أو كبيرة لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر

(2/429)


يستأمرها أبوها في نفسها1 " فدل على أن الولي أحق بالبكر وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر وإذنها صماتها لما روى ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها2" ولأنها تستحي أن تأذن لأبيها فجعل صماتها إذناً ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن لما روى نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنه تزوج بنت خاله عثمان بن مظعون فذهبت أمها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالت: إن ابنتي تكره ذلك فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفارقها وقال: "لا تنكحوا اليتامى حتى تستأمروهن فإن سكتن فهو إذنهن" فتزوجت بعد عبد الله بن المغيرة بن شعبة ولأنه ناقص الشفقة ولهذا لا يملك التصرف في مالها بنفسه ولا يبيع مالها بنفسه فلا يملك التصرف في بضعها بنفسها فإن زوجها بعد البلوغ ففي إذنها وجهان: أحدهما أن إذنها بالنطق لأنه لما افتقر تزويجها إلى إذنها افتقر إلى نطقها بخلاف الأب والجد والثاني وهو المنصوص في الإملاء وهو الصحيح أن إذنها بالسكوت لحديث نافع وأما الثيب فإنها إن ذهبت بكارتها بالوطء فإن كانت بالغة عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بإذنها لما روت خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها وإذنها بالنطق لحديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها" فدل على أن إذن الثيب بالنطق وإن كانت صغيرة لم يجز تزويجها حتى تبلغ وتأذن لأن إذنها معتبر في حال الكبر فلا يجوز الإفتيات عليها في حال الصغر وإن كانت مجنونة جاز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة لأنه لا يرجى لها حال تستأذن فيها ولا
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 3. أبو داود في كتاب النكاح باب 23 - 25. الترمذي في كتاب النكاح باب 18. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 11.
2 رواه البخاري في كتاب الحيل باب 11. مسلم في كتاب النكاح حديث 66.، 68. أبو داود في كتاب النكاح باب 25. الترمذي في كتاب النكاح باب 18. النسائي في كتاب النكاح باب 31.

(2/430)


يجوز لسائر العصبات تزويجها لأن تزويجها إجبار وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الإجبار فأما الحاكم فإنها إن كانت صغيرة لم يملك تزويجها لأنه لا حاجة بها إلى النكاح وإن كانت كبيرة جاز له تزويجها إن رأى ذلك لأنه قد يكون في تزويجها شفاء لها وإن ذهبت بكرتها بغير الوطء ففيه وجهان: أحدهما أنها كالموطوءة لعموم الخبر والثاني وهو المذهب أنها تزوج تزويج الأبكار لأن الثيب إنما اعتبر إذنها لذهاب الحياء بالوطء والحياء لا يذهب بغير الوطء.
فصل: وإن كانت المنكوحة أمة فللمولى أن يزوجها بكراً كانت أم ثيباً صغيرة كانت أو كبيرة عاقلة كانت أو مجنونة لأنه عقد يملكه عليها بحكم الملك فكان إلى المولى كالإجارة وإن دعت الأمة المولى إلى النكاح فإن كان يملك وطأها لم يلزمه تزويجها لأنه يبطل عليه حقه من الاستمتاع وإن لم يملك وطأها ففيه وجهان: أحدهما لا يلزمه تزويجها لأنه تنقص قيمتها بالنكاح والثاني يلزمه لأنه لا حق له في وطئها وإن كانت مكاتبة لم يملك السيد تزويجها بغير إذنها لأنه لا حق له في منفعتها فإن دعت السيد إلى تزويجها ففيه وجهان: أحدهما يجبر لأنها تستعين بالمهر والنفقة على الكتابة والثاني لا يجبر لأنها ربما عادت إليه وهي ناقصة بالنكاح.
فصل: وإن كان ولي المرأة ممن يجوز له أن يتزوجها كابن عم والمولى المعتق لم يجز أن يزوجها من نفسه فيكون موجباً قابلاً لأنه يملك الإيجاب بالإذن فلم يجز أن يملك شطري العقد كالوكيل في البيع فإن أراد أن يتزوجها فإن كان هناك من يشاركه في الولاية زوجها منه وإن لم يكن هناك من يشاركه في الولاية زوجها الحاكم منه وإن أراد الإمام أن يتزوج امرأة لا ولي لها غيره ففيه وجهان: أحدهما أن له أن يزوجها من نفسه لأنه إذا فوض إلى غيره كان غيره وكيلاً والوكيل قائم مقامه فكان إيجابه كإيجابه والثاني يرفعه إلى حاكم ليزوجه منها لأن الحاكم يزوج بولاية الحكم فيصير كما لو زوجها منه ولي ويخالف الوكيل لأنه يزوجها بوكالته ولهذا يملك عزله إذا شاء ولا يملك عزل الحاكم من غير سبب وإذا مات انعزل الوكيل ولا ينعزل الحاكم وإن كان لرجل ابن ابن وبنت ابن وهما صغيران فزوج بنت الابن بابن الابن ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز وهو قول أبي العباس ابن القاص لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدان" والثاني وهو قول أبي بكر ابن الحداد المصري أنه يجوز كما يجوز أن يلي شطري العقد في بيع ماله من ابنه فعلى هذا يحتاج أن يقول: زوجت بنت ابني بابن ابني وهل يحتاج إلى القبول فيه وجهان: أحدهما يحتاج

(2/431)


إلى القبول وهو أن يقول بعد الإيجاب وقبلت نكاحها له وهو قول أبي بكر بن الحداد لأنه يتولى ذلك بولايتين فقام فيه مقام الاثنين والثاني لا يحتاج إلى لفظ القبول وهو قول أبي بكر القفال لأنه قام مقام اثنين فقام لفظه مقام لفظين.
فصل: وإن وكل الولي رجلاً في التزويج فهل يلزمه أن يعين الزوج فيه قولان: أحدهما لا يلزمه لأنه من ملك التوكيل في عقد لم يلزمه تعيين من يعقد معه كالموكل في البيع والثاني يلزمه لأن الولي إنما جعل إليه اختيار الزوج لكمال شفقته ولا يوجد كمال الشفقة في الوكيل فلم يجعل اختيار الزوج إليه.
فصل: ولا يجوز للولي أن يزوج المنكوحة من غير كفء إلا برضاها ورضى سائر الأولياء لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم فانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم1" ولأن في ذلك إلحاق عار بها وبسائر الأولياء فلم يجز من غير رضاهم.
فصل: وإن دعت المنكوحة إلى غير كفء لم يلزم الولي تزويجها لأنه يلحقه العار فإن رضيا جميعاً جاز تزويجها لما روت فاطمة بنت قيس قالت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن أبا الجهم يخطبني ومعاوية فقال: "أما أبو الجهم فأخاف عليك عصاه وأما معاوية فشاب من شباب قريش لا شيء له ولكني أدلك على من هو خير لك منهما" قلت: من يا رسول الله؟ قال: "أسامة" قلت: أسامة؟ قال: "نعم أسامة فتزوجي أبا زيد فبورك لأبي زيد في وبورك لي في أبي زيد" وقال عبد الرحمن بن مهدي: أسامة من الموالي وفاطمة قرشية ولأن المنع من نكاح غير الكفء لحقهما فإن رضيا زال المنع فإن زوجت المرأة من غير كفء من غير رضاها أو من غير رضا سائر الأولياء فقد قال في الأم: النكاح باطل وقال في الإملاء: كان للباقين الرد وهذا يدل على أنه صحيح فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما أنه باطل لأنه عقد في حق غيره من غير إذن فبطل كما لو باع مال غيره بغير إذنه والثاني أنه صحيح ويثبت فيه الخيار لأن النقص يوجب الخيار دون البطلان كما لو اشترى شيئاً معيباً ومنهم من قال العقد باق قولاً واحداً لما ذكرناه وتأول قوله في الإملاء على أنه أراد بالرد المنع من العقد ومنهم من قال: إنه عقد وهو يعلم أنه ليس بكفء بطل العقد كما لو اشترى الوكيل سلعة وهو يعلم بعيبها وإن لم يعلم صح العقد
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب النكاح باب 46.

(2/432)


وثبت الخيار كما لو اشترى الوكيل سلعة ولم يعلم بعيبها وحمل القولين على هذين الحالين.
فصل: والكفاءة في الدين والنسب والحرية والصنعة فأما الدين فهو معتبر فالفاسق ليس بكفء للعفيف لما روى أبو حاتم المزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض1" وأما النسب فهو معتبر فالأعجمي ليس بكفء للعربية لما روي عن سلمان رضي الله عنه أنه قال: لا نؤمكم في صلاتكم ولا ننكح نساءكم وغير القرشي ليس بكفء للقرشية لقوله صلى الله عليه وسلم: "قدموا قريشاً ولا تتقدموها" وهل تكون قريش كلها أكفاء ففيه وجهان: أحدهما أن للجميع أكفاءكما أن الجميع في الخلافة أكفاء والثاني أنهم يتفاضلون فعلى هذا غير الهاشمي والمطلبي ليس بكفء للهاشمية والمطلبية لما روى واثلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اصطفى كنانة من بني اسماعيل واصطفى من كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم2" وأما بنو هاشم وبنو المطلب فهم أكفاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بينهم في الخمس وقال: "إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد" وأما الحرية فهي معتبرة فالعبد ليس بكفء للحرة لقوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ} ولأن الحرة يلحقها العار بكونها تحت عبد وأما الصنعة فهي معتبرة فالحائك ليس بكفء للبزاز والحجام ليس بكفء للخراز لأن الحياكة والحجامة
__________
1 رواه الترمذي في كتاب النكاح باب 3. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 46.
2 رواه مسلم في كتاب الفضائل حديث 1. الترمذي. في كتاب المناقب باب 1. أحمد في مسنده "4/107".

(2/433)


يسترذل أصحابها، واختلف أصحابنا في اليسار فمنهم من قال: يعتبر فالفقير ليس بكفء للموسر لما روى سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسب المال والكرم التقوى1" ولأن نفقة الفقير دون نفقة الموسر ومنهم من قال: لا يعتبر لأن المال يروح ويغدو لا يفتخر به ذوو المروءات ولهذا قال الشاعر:
غنينا زمانا بالتصعلك والغنى ... وكلا سقاناه بكأسيهما الدهر
فما زادنا بغياً على ذي قرابة ... غنانا ولا أزرى بأحسابنا الفقر
فصل: وإن كان للمرأة وليان وأذنت لكل واحد منهما في تزويجها فزوجها كل واحد منهما من رجل نظرت فإن كان العقدان في وقت واحد أو لم يعلم متى عقدا أو علم أن أحدهما قبل الآخر ولكن لم يعلم عين السابق منهما بطل العقدان لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر وإن علم السابق ثم نسي وقف الأمر لأنه قد يتذكر وإن علم السابق وتعين فالنكاح هو الأول والثاني باطل لما روى سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما2" فإن ادعى كل واحد من الزوجين أنه هو الأول وادعيا علم المرأة به فإن أنكرت العلم فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم العلم وإن أقرت لأحدهما سلمت إليه وهل تحلف للآخر فيه قولان: أحدهما لا تحلف لأن اليمين تعرض على المنكر حتى يقر ولو أقرت للثاني بعدما أقرت للأول لم يقبل فلم يكن في تحليفها له فائدة والثاني تحلف لأنه ربما نكلت وأقرت للثاني فيلزمها المهر فعلى هذا إن حلفت سقط دعوى الثاني وإن أقرت للثاني لم يقبل رجوعها ويجب عليها المهر للثاني وإن نكلت رددنا اليمين على الثاني فإن لم يحلف استقر النكاح للأول وإن حلف حصل مع الأول إقرار ومع الثاني يمين ونكول المدعى
__________
1 رواه الترمذي في كتاب تفسير سورة 49 باب 6. ابن ماجة في كتاب الزهد باب 14. أحمد في مسنده "15/10".
2 رواه أبود داود في كتاب النكاح باب 21. الترمذي في كتاب النكاح باب 19. النسائي في كتاب البيوع باب 96. الدارمي في كتاب النكاح باب 15.

(2/434)


عليه فإن قلنا إنه كالبينة حكم بالنكاح للثاني لأن البينة تقدم على الإقرار وإن قلنا إنه بمنزلة الإقرار وهو الصحيح ففيه وجهان: أحدهما يحكم ببطلان النكاحين لأن مع الأول إقراراً ومع الثاني ما يقوم مقام الإقرار فصار كما لو أقرت لهما في وقت واحد والثاني أن النكاح للأول لأنه سبق الإقرار له فلم يبطل بإقرار بعده ويجب عليها المهر الثاني كما لو أقرت للأول ثم أقرت للثاني.
فصل: ويجوز لولي الصبي أن يزوجه إذا رأى ذلك لما روي أن عمر رضي الله عنه زوج ابناً له صغيراً ولأنه يحتاج إليه إذا بلغ فإن زوجه ألف حفظ الفرج وهل له أن يزوجه بأكثر من امرأة ففيه وجهان: أحدهما لا يجوز لأن حفظ الفرج يحصل بامرأة والثاني يجوز أن يزوجه بأربع لأنه قد يكون له فيه حفظ وأما المجنون فإنه إن كان له حال إفاقة لم يجز تزويجه بغير إذنه لأنه يمكن استئذانه فلا يجوز الافتيات عليه وإن لم يكن له حال إفاقة ورأى الولي تزويجه للعفة أو الخدمة زوجه لأن له فيه مصلحة وأما المحجور عليه للسفه فإنه رأى الولي تزويجه زوجه لأن ذلك من مصلحته فإن كان كثير الطلاق سراه بجارية لأنه لا يقدر على إعتاقها وإن طلب التزويج وهو محتاج إليه فامتنع الولي فتزوج بغير إذنه ففيه وجهان: أحدهما أنه لا يصح لأنه تزوج بغير إذنه فلم يصح منه كما لو تزوج قبل الطلب والثاني يصح لأنه حق وجب له يجوز أن يستوفيه بإذن من هو عليه فإذا امتنع جاز له أن يستوفيه بنفسه كما لو كان له على رجل دين وامتنع من أدائه وأما العبد فإنه إن كان بالغاً فهل يجوز لمولاه أن يزوجه بغير رضاه فيه قولان: أحدهما له ذلك لأنه مملوك يملك بيعه وإجارته فملك تزويجه من غير رضاه كالأمة والثاني ليس له ذلك لأن النكاح يقصد به الاستمتاع فلم يملك إجباره عليه كالقسم وإن كان صغيراً ففيه طريقان: أحدهما أنه على القولين لأنه تصرف بحق الملك فاستوى فيه الصغير والكبير كالبيع والإجارة والثاني أنه يملك تزويجه قولاً واحداً لأنه ليس من أهل التصرف فجاز تزويجه كالابن الصغير وإن دعا العبد البالغ مولاه إلى النكاح ففيه قولان: أحدهما يلزمه تزويجه لأنه مكلف مولى عليه فإذا طلب التزويج وجب تزويجه كالسفيه والثاني لا يلزمه لأنه يملك بيعه وإجارته فلم يلزمه تزويجه كالأمة وأما المكاتب فلا يملك المولى إجباره على النكاح لأنه سقط حقه من رقبته ومنفعته فإن دعا يجب عليه تزويج العبد ففي المكاتب وجهان: أحدهما لا يجب لأنه مملوك فلم يلزمه تزويجه كالعبد والثاني يجب لأنه لا حق له في كسبه بخلاف العبد فإن كسبه للمولى فإذا زوجه بطل عليه كسبه للمهر والنفقة.

(2/435)


فصل: ولا يصح النكاح إلا بشاهدين وقال أبو ثور: يصح من غير شهادة لأنه عقد فصح من غير شهادة كالبيع وهذا خطأ لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب وولي وشاهدان" ويخالف البيع فإن القصد منه المال والقصد من النكاح الاستمتاع وطلب الولد ومبناهما على الاحتياط ولا يصح إلا بشاهدين ذكرين فإن عقد برجل وامرأتين لم يصح لحديث عائشة رضي الله عنها ولا يصح إلا بعدلين لما روى ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل1" فإن عقد بمجهولي الحال ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي سعيد الاصطخري أنه لا يصح لأنه ما افتقر ثبوته إلى الشهادة لم يثبت بمجهولين كالإثبات عند الحاكم والثاني يصح وهو المذهب لأنا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم تصح أنكحة العامة إلا بحضرة الحاكم لأنهم لا يعرفون شروط العدالة وفي ذلك مشتقة فاكتفى بالعدالة الظاهرة كما اكتفى في الحوادث في حقهم بالتقليد حين شق عليهم إدراكها بالدليل فإن عقد بمجهولين ثم بان أنهما كانا فاسقين لم يصح لأن حكمنا بصحته في الظاهر إذا بان خلافه حكم بإبطاله كما لو حكم الحاكم باجتهاده ثم وجد النص بخلافه ومن أصحابنا من قال فيه قولان بناء على القولين في الحاكم إذا حكم بشهادة شاهدين ثم بان أنهما كانا فاسقين وإن عقد بشهادة أعميين ففيه وجهان: أحدهما أنه يصح لأن الأعمى يجوز أن يكون شاهداً والثاني لا يصح لأنه لا يعرف العاقد فهو كالأصم الذي لا يسمع لفظ العاقد ويصح بشهادة ابني أحد الزوجين لأنه يجوز أن يثبت النكاح بشهادتهما وهو إذا جحد الزوج الآخر وهل يصح بشهادة ابنيهما أو بشهادة ابن الزوج وابن الزوجة فيه وجهان: أحدهما يصح لأنهما من أهل الشهادة والثاني لا يصح لأنه لا يثبت هذا النكاح بشهادتهما بحال.
فصل: وإذا اختلف الزوجان فقالت الزوجة عقدنا بشاهدين فاسقين وقال الزوج عقدنا بعدلين ففيه وجهان: أحدهما أن القول قول الزوج لأن الأصل بقاء العدالة والثاني أن القول قول الزوجة لأن الأصل عدم النكاح وإن تصادقا على أنهما تزاوجا بولي وشاهدين وأنكر الولي والشاهدان لم يلتفت إلا إنكارهم لأن الحق لهما دون الولي والشاهدين.
فصل: ولا يصح إلا على زوجين معينين لأن المقصود بالنكاح أعيانهما فوجب
__________
1 رواه الدارمي في كتاب النكاح باب 11.

(2/436)


تعيينهما فإن كانت المنكوحة حاضرة فقال زوجتك هذه صح وإن قال زوجتك هذه فاطمة واسمها عائشة صح لأن مع التعيين بالإشارة لا حكم للاسم فلم يؤثر الغلط فيه وإن كانت المنكوحة غائبة فقال زوجتك ابنتي وليس له غيرها صح وإن قال زوجتك ابنتي فاطمة وهي عائشة صح لأنه لا حكم للاسم مع التعيين بالنسب فلم يؤثر الخطأ فيه وإن كان له اثنتان فقال زوجتك ابنتي لم يصح حتى يعينها بالاسم أو بالصفة وإن قال زوجتك عائشة وقبل الزوج ونويا ابنته أو قال زوجتك ابنتي وقبل الزوج ونويا الكبيرة صح لأنها تعينت بالنية وإن قال زوجتك ابنتي ونوى الكبيرة وقبل الزوج ونوى الصغيرة لم يصح لأن الإيجاب في امرأة والقبول في أخرى وإن قال زوجتك ابنتي عائشة ونوى الصغيرة وقبل الزوج ونوى الكبيرة صح النكاح في عائشة في الظاهر ولم يصح في الباطن لأن الزوج قبل في غير ما أوجب الولي.
فصل: ويستحب أن يخطب قبل العقد لما روي عن عبد الله قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة الحاجة الحمد لله نحمده ونستعينه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله قال عبد الله ثم تصل خطبتك بثلاث آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً} [الأحزاب: 70] فإن عقد من غير خطبة جاز لما روى سهل ابن سعد الساعدي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي خطب الواهبة: "زوجتكها بما معك من القرآن" ولم يذكر الخطبة ويستحب أن يدعو لهما بعد العقد لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: "بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير".
فصل: ولا يصح العقد إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح لأن ما سواهما من الألفاظ كالتمليك والهبة لا يأتي على معنى النكاح ولأن الشهادة شرط في النكاح فإذا عقد بلفظ الهبة لم تقع الشهادة على النكاح واختلف أصحابنا في نكاح النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الهبة فمنهم من قال: لا يصح لأن كل لفظ لا ينعقد به نكاح غيره لم ينعقد به نكاحه كلفظ الإحلال ومنهم من قال: يصح لأنه لما خص بهبة البضع من غير بدل خص بلفظها وإن قال زوجني فقال زوجتك صح لأن الذي خطب الواهبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: زوجنيها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زوجتكها بما معك من القرآن" وإن قال زوجتك فقال قبلت ففيه قولان: أحدهما يصح لأن القبول يرجع إلى ما أوجبه الولي كما يرجع في البيع إلى ما أوجبه

(2/437)


البائع والثاني لا يصح لأن قوله قبلت ليس بصريح في النكاح فلم يصح به كما لو قال زوجتك فقال: نعم وإن عقد بالعجمية ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم: "استحللتم فروجهن بكلمة الله1" وكلمة الله بالعربية فلا تقوم العجمية مقامها كالقرآن والثاني وهو قول أبي سعيد الاصطخري إنه إن كان يحسن بالعربية لم يصح وإن لم يحسن صح لأن ما اختص بلفظ غير معجز جاز بالعجمية عند العجز عن العربية ولم يجز عند القدرة كتكبير الصلاة والثالث وهو الصحيح أنه يصح سواء أحسن بالعربية أو لم يحسن لأن لفظ النكاح بالعجمية يأتي على ما يأتي عليه لفظه بالعربية فقام مقامه ويخالف القرآن فإن القصد منه النظم المعجز وذلك لا يوجد في غيره والقصد بالتكبيرة العبادة ففرق فيه بين العجز والقدرة كأفعال الصلاة والقصد بالنكاح تمليك ما يقصد بالنكاح والعجمية كالعربية في ذلك فإن فصل بين القبول والإيجاب بخطبة بأن قال الولي زوجتك وقال الزوج بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلت نكاحها ففيه وجهان: أحدهما وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله أنه يصح لأن الخلية مأمور بها للعقد فلم تمنع صحته كالتيمم بين صلاتي الجمع والثاني لا يصح لأنه فصل بين الإيجاب والقبول فلم يصح كما لو فصل بينهما بغير الخطبة ويخالف التيمم فإنه مأمور به بين الصلاتين والخطبة مأمور بها قبل العقد.
فصل: وإذا انعقد العقد لزم ولم يثبت فيه خيار المجلس ولا خيار الشرط لأن العادة في النكاح أنه يسأل عما يحتاج إليه قبل العقد فلا حاجة فيه إلى الخيار بعده والله أعلم.
__________
1 رواه مسلم في كتاب الحج حديث 147. أبو داود في كتاب المناسك باب 56. ابن ماجة في كتاب المتاسك باب 84. أحمد في مسنده "5/73".

(2/438)


باب ما يحرم من النكاح وما لا يحرم
من ارتد عن الدين لم يصح نكاحه لأن النكاح يراد للاستمتاع ولا يوجد ذلك في نكاح المرتد ولا يصح نكاح الخنثى المشكل لأنه إذا تزوج امرأة لم يؤمن أن يكون امرأة وإن تزوج رجلاً ولا يصح نكاح المحرم لما بيناه في الحج.
فصل: ويحرم على الرجل من جهة النسب: الأم والبنت والأخت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ

(2/438)


وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ} [النساء: 23] ومن حرم عليه مما ذكرناه بنسب حرم عليه بذلك النسب كل من يدلي به وإن بعد فتحرم عليه الأم وكل من يدلي بالأمومة من الجدات من الأب والأم وإن علون وتحرم عليه البنت وكل من ينتسب إليه بالبنوة من بنات الأولاد وأولاد الأولاد وإن سفلن وتحرم عليه الأخت من الأب والأخت من الأم والأخت من الأب والأم وتحرم عليه العمة وكل من يدلي إليه بالعمومة من أخوات الآباء والأجداد من الأب والأم أو من الأب أو من الأم وإن علون وتحرم عليه بنت الأخ وكل من ينتسب إليه ببنوة الأخ من بنات أولاده وأولاد أولاده وإن سفلن وتحرم عليه بنت الأخت وكل من ينتسب إليه ببنوة الأخت من أولادها وأولاد أولادها وإن سفلن لأن الاسم يطلق على ما قرب وبعد والدليل عليه قوله سبحانه وتعالى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: 19] وغيرها وقوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: 78] وقوله سبحانه وتعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} [يوسف: 38] فأطلق عليهم اسم الآباء مع البعد وقال صلى الله عليه وسلم لقوم من أصحابه يرمون: "إرموا فإن أباكم إسماعيل عليه السلام كان رامياً" فسمى إسماعيل أباهم مع البعد ولأن من بعد منهم كمن قرب في الحكم والدليل عليه أن ابن الابن كالابن والجد كالأب في الميراث والولاية والعتق بالملك ورد الشهادة فلأن يكون كالابن والأب في التحريم ومبناه على التغليب أولى.
فصل: وتحرم عليه من جهة المصاهرة أم المرأة دخل بها أم لم يدخل لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء: 23] ويحرم عليه كل من يدلي إلى امرأته بالأمومة من الجدات من الأب والأم لما بيناه في الفصل قبله ويحرم عليه ابنة المرأة بنفس العقد تحريم جمع لأنه إذا حرم عليه الجمع لأنه إذا حرم عليه الجمع بين المرأة وأختها فلأن يحرم عليه الجمع بين المرأة وابنتها أولى فإن بانت الأم قبل الدخول حلت له البنت وإن دخل بالأم حرمت عليه البنت على التأبيد لقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وتحرم عليه كل من ينتسب إلى امرأته بالبنوة من بنات أولادها وأولاد أولادها وإن سفلن من وجد منهن ومن لم يوجد كما تحرم البنت وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى: {وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النساء: 23] وتحرم عليه حليلة كل من ينتسب إليه بالنبوة من بني الأولاد وأولاد الأولاد لما بيناه وتحرم عليه حليلة الأب لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22] وتحرم عليه حليلة كل من يدلي إليه بالأبوة من الأجداد لما ذكرناه.
فصل: ومن حرم عليه بنكاحه أو بنكاح أبيه أو ابنه حرم عليه بوطئه أو وطء أبيه أو ابنه في ملك أو شبهة لأن الوطء معنى تصير به المرأة فراشاً فتعلق به تحريم المصاهرة

(2/439)


كالنكاح ولأن الوطء في إيجاب التحريم آكد من العقد بدليل أن الربيبة تحرم بالعقد تحريم جمع وتحرم بالوطء على التأبيد فإذا ثبت تحريم المصاهرة بالعقد فلأن يثبت بالوطء أولى واختلف قوله في المباشرة فيما دون الفرج بشهوة في ملك أو شبهة فقال في أحد القولين هو كالوطء في التحريم لأنها مباشرة لا تستباح إلا بملك فتعلق بها تحريم المصاهرة كالوطء والثاني لا يحرم بها ما يحرم بالوطء لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 23] ولأنه مباشرة لا توجب العدة فلا يتعلق بها التحريم كالمباشرة بغير شهوة وإن تزوج امرأة ثم وطئ أمها أو بنتها أو وطئها أبوه أو ابنه بشبهة انفسخ النكاح لأنه معنى يوجب تحريماً مؤبداً فإذا طرأ على النكاح أبطله كالرضاع.
فصل: وإن زنى بامرأة لم يحرم عليه نكاحها لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النساء: 24] وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل زنى بامرأة فأرد أن يتزوجها أو ابنتها فقال: " لا يحرم الحرام الحلال إنما يحرم ما كان بنكاح1" ولا تحرم بالزنا أمها أو ابنتها ولا تحرم هي على ابنه ولا على أبيه للآية والخبر ولأنه معنى تصير به المرأة فراشاً فلم يتعلق به تحريم المصاهرة كالمباشرة بغير شهوة وإن لاط بغلام لم تحرم عليه أمه وابنته للآية والخبر وإن زنى بامرأة فأتت منه ببينة فقد قال الشافعي رحمه الله: أكره أن يتزوجها فإن تزوجها لم أفسخ فمن أصحابنا من قال: إنما كره خوفاً من أن تكون منه فعلى هذا إن علم قطعاً أنها منه بأن أخبره النبي صلى الله عليه وسلم في زمانه لم تحل له ومنهم من قال: إنما كره ليخرج من الخلاف لأن أبا حنيفة يحرمها فعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم وهو الصحيح لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب فلم يتعلق بها التحريم كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا واختلف أصحابنا في المنفي باللعان فمنهم من قال: يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية عنه فهي كالبنت من الزنا ومنهم من قال: لا يجوز للملا عن نكاحها لأنه غير منفية عنه قطعاً ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.
فصل: ويحرم عليه أن يجمع بين أختين في النكاح لقوله عز وجل: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} [النساء: 23] ولأن الجمع بينهما يؤدي إلى العداوة وقطع الرحم ويحرم عليه أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها2" ولأنهما امرأتان لو كانت
__________
1 رواه ابن ماجة في كتاب النكاح باب 63.
2 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 27. مسلم في كتاب النكاح حديث 37 - 39. أبو داود في كتاب النكاح باب 12. الترمذي في كتاب النكاح باب 30. أحمد في مسنده "1/78" "2/179".

(2/440)


إحداهما ذكراً لم يحل له نكاح الأخرى فلم يجز الجمع بينهما في النكاح كالأختين فإن جمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها في عقد واحد بطل نكاحهما لأنه ليست إحداهما بأولى من الأخرى فبطل نكاحهما وإن تزوج إحداهما بعد الأخرى بطل نكاح الثانية لأنها اختصت بالتحريم وإن تزوج إحداهما ثم طلقها فإن كان طلاقاً بائناً حلت له الأخرى لأنه لم يجمع بينهما في الفراش وإن كان رجعياً لم تحل لأنها باقية على الفراش وإن قال أخبرتني بانقضاء العدة وأنكرت المرأة لم يقبل قوله في إسقاط النفقة والسكنى لأنه حق لها ويقبل قوله في جواز نكاح أختها لأن الحق لله تعالى وهو مقلد فيما بينه وبينه فإن نكح وثني وثنية ودخل بها ثم أسلم وتزوج بأختها في عدتها لم يصح قال المزني: النكاح موقوف على إسلامها فإن لم تسلم حتى انقضت العدة صح كما يقف نكاحها على إسلامها وهذا خطأ لأنها جارية إلى بينونة فلم يصح نكاح أختها كالرجعية ويخالف هذا نكاحها فإن الموقوف هناك الحل والنكاح يجوز أن يقف حله ولا يقف عقده ولهذا يقف حل نكاح المرتدة على انقضاء العدة ولا يقف نكاحها على الإسلام ويقف حل نكاح الرجعية على العدة ولا يقف نكاح أختها على العدة.
فصل: ومن حرم عليه نكاح امرأة بالنسب له أو بالمصاهرة أو بالجمع حرم عليه وطؤها بملك اليمين لأنه إذا حرم النكاح فلأن يحرم الوطء وهو المقصود أولى وإن ملك أختين فوطئ إحداهما حرمت عليه الأخرى حتى تحرم الموطوءة ببيع أو عتق أو كتابة أو نكاح فإن خالف ووطئها لم يعد إلى وطئها حتى تحرم الأولى والمستحب أن لا يطأ الأولى حتى يستبرئ الثانية حتى لا يكون جامعاً للماء في رحم أختين وإن تزوج امرأة ثم ملك أختها لم تحل له المملوكة لأن أختها على فراشه وإن وطئ مملوكة ثم تزوج أختها حرمت المملوكة وحلت المنكوحة لأن فراش المنكوحة أقوى لأنه يملك به حقوق لا تملك بفراش المملوكة من الطلاق والظهار والإيلاء واللعان فثبت الأقوى وسقط الأضعف كملك اليمين لما ملك به لا يملك بالنكاح من الرقبة والمنفعة إذا طرأ على النكاح ثبت وسقط النكاح.
فصل: وما حرم من النكاح والوطء بالقرابة حرم بالرضاع لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] فنص على الأم والأخت وقسنا

(2/441)


عليهما من سواهما وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة1".
فصل: ومن حرم عليه نكاح امرأة على التأبيد برضاع أو نكاح أو وطء مباح صار لها محرماً في جواز النظر والخلوة لأنها محرمة عليه على التأبيد بسبب غير محرم فصار محرماً لها كالأم والبنت ومن حرمت عليه بوطء شبهة لم يصر محرماً لأنها حرمت عليه بسبب غير مباح ولم تلحق بذوات المحارم والأنساب.
فصل: ويحرم على المسلم أن يتزوج ممن لا كتاب له من الكفار كعبدة الأوثان ومن ارتد عن الإسلام لقوله تعالى: {وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 211] ويحرم عليه أن يطأ إماءهم بملك اليمين لأن كل صنف حرم وطء حرائرهم بعقد النكاح حرم وطء إمائهم بملك اليمين كالأخوات والعمات ويحل له نكاح حرائر أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ولأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا من أهل الذمة فتزوج عثمان رضي الله عنه نائلة بنت الفرافصة الكلبية وهي نصرانية وأسلمت عنده وتزوج حذيفة رضي الله عنه بيهودية من أهل المدائن وسئل جابر رضي الله عنه عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية فقال: تزوجنا بهن زمان الفتح بالكوفة مع سعد بن أبي وقاص ويحل له وطء إمائهم بملك اليمين لأن كل جنس حل نكاح حرائرهم حل وطء إمائهم كالمسلمين ويكره أن يتزوج حرائرهم وأن يطأ إماءهم بملك اليمين لأنا لا نأمن أن يميل إليها فتفتنه عن الدين أو أن يتولى أهل دينها فإن كانت حربية فالكراهية أشد لأنه لا يؤمن ما ذكرناه ولأنه يكثر سواد أهل الحرب ولأنه لا يؤمن أن يسبي ولده منها فيسترق.
فصل: وأما غير اليهود والنصارى من أهل الكتاب كمن يؤمن بزبور داود عليه السلام وصحف شيث فلا يحل للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ إماءهم بملك اليمين لأنه قيل إن ما معهم ليس من كلام الله عز وجل وإنما هو شيء نزل به جبريل عليه السلام كالأحكام التي نزل بها على النبي صلى الله عليه وسلم من غير القرآن وقيل إن الذي معهم ليس بأحكام وإنما هي مواعظ والدليل عليه قوله تعالى: {إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ
__________
1 رواه البخاري في كتاب النكاح باب 20، 27. مسلم في كتاب الرضاع حديث 1، 2، 9. أبو داود في كتاب النكاح باب 6. ابن ماجة في كتاب النكاح باب 34. الموطأ في كتاب الرضاع حديث 1، 2، 16.

(2/442)


مِنْ قَبْلِنَا} [الأنعام: 156] ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم أن ينكح حرائرهم ولا أن يطأ إماءهم بملك اليمين لأنهم دخلوا في دين باطل فهم كمن ارتد من المسلمين ومن دخل فيهم ولا يعلم أنهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطء إمائهم بملك اليمين لأن الأصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك.
فصل: واختلف أصحابنا في السامرة والصابئين فقال أبو إسحاق: السامرة من اليهود والصابئين من النصارى واستفتى القاهر أبا سعيد الاصطخري في الصابئين فأفتى بقتلهم لأنهم يعتقدون أن الكواكب السبعة مدبرة والمذهب أنهم وافقوا اليهود والنصارى في أصول الدين من تصديق الرسل والإيمان بالكتب كانوا منهم وإن خالفوهم في أصول الدين لم يكونوا منهم وكان حكمهم حكم عبدة الأوثان واختلفوا في المجوس فقال أبو ثور: يحل نكاحهم لأنهم يقرون على دينهم بالجزية كاليهود والنصارى وقال أبو إسحاق: إن قلنا أنهم كان لهم كتاب حل نكاح حرائرهم ووطء إمائهم والمذهب أنه لا يحل لأنهم غير متمسكين بكتاب فهم كعبدة الأوثان وأما حقن الدم فلأن لهم شبهة كتاب والشبهة في الدم تقتضي الحقن وفي البضع تقتضي الحظر وأما ما قال أبو إسحاق فلا يصح لأنه لو جاز نكاحهم على هذا القول لجاز قتلهم على القول الآخر.
فصل: ويحرم عليه نكاح من ولد بين وثني وكتابية لأن الولد من قبيلة الأب ولهذا ينسب إليه ويشرف بشرفه فكان حكمه في النكاح حكمه ومن ولد بين كتابي ووثنية ففيه قولان: أحدهما أنها لا تحرم عليه لأنها من قبيلة الأب والأب من أهل الكتاب والثاني أنها تحرم لأنه لم تتمحض كتابية فأشبهت المجوسية.
فصل: ولا يحل له نكاح الأمة الكتابية لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النساء: 25]

(2/443)


ولأنها إن كانت لكافر استرق ولده منها وإن كانت لمسلم لم يؤمن أن يبيعها من كافر فيسترق ولده منها وأما الأمة المسلمة فإنه إن كان الزوج حراً نظرت فإن لم يخش العنت وهو الزنا لم يحل نكاحها لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} إلى قوله عز وجل: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} [النساء: 25] فدل على أنها لا تحل لمن لم يخش العنت وإن خشي العنت ولم تكن عنده حرة ولا يجد طولاً وهو ما يتزوج به حرة ولا ما يشتري به أمة جاز له نكاحها للآية وإن وجد ما يتزوج به حرة مسلمة لم يحل له نكاح الأمة لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 25] فدل على أنه إذا استطاع ما ينكح به محصنة مؤمنة أنه لاينكح الأمة وإن وجد ما يتزوج به حرة كتابية أو يشتري به أمة ففيه وجهان: أحدهما يجوز لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وهذا غير مستطيع أن ينكح المحصنات المؤمنات والثاني لا يجوز لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ} وهذا لا يخشى العنت وإن كانت عنده حرة لا يقدر على وطئها لصغر أو لرتق أو لضنى من مرض ففيه وجهان: أحدهما يحل له نكاح الأمة لأنه يخشى العنت والثاني لا يحل له لأن تحته حرة فلا يحل هل نكاح الأمة والصحيح هو الأول فإن لم تكن عنده حرة ولم يقدر على طول حرة وخشي العنت فتزوج أمة ثم تزوج حرة أو وجد طول حرة أو أمن العنت لم يبطل نكاح الأمة وقال المزني: إذا وجد صداق حرة بطل نكاح الأمة لأن شرط الإباحة قد زال وهذا خطأ لأن زوال شرط الإباحة قد زال وهذا خطأ لأن زوال الشرط لا حكم له كما لو أمن العنت بعد العقد وإن كان الزوج عبداً حل له نكاح الأمة وإن وجد صداق حرة ولم يخف العنت لأنها مساوية له فلم يقف نكاحها على خوف العنت وعدم صداق الحرة كالحرة في حق الحر.
فصل: ويحرم على العبد نكاح مولاته لأن أحكام الملك والنكاح تتناقض فإن

(2/444)


المرأة بحكم الملك تطالبه بالسفر إلى المشرق والعبد بحكم النكاح يطالبها بالسفر إلى المغرب والمرأة بحكم النكاح تطالبه بالنفقة والعبد بحكم الملك يطالبها بالنفقة وإن تزوج العبد حرة ثم اشترته انفسخ النكاح لأن ملك اليمين أقوى لأنه يملك به الرقبة والمنفعة فأسقط النكاح ويحرم على المولى أن يتزوج أمته لأن النكاح يوجب للمرأة حقوقاً يمنع منها ملك اليمين فبطل وإن تزوج جارية ثم ملكها انفسخ النكاح لما ذكرناه في العبد إذا تزوج حرة ثم اشترته.
فصل: ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه لأن له فيها شبهة تسقط الحد بوطئها فلم يحل له نكاحها كالجارية المشتركة بينه وبين غيره فإن تزوج جارية أجنبي ثم ملكها ابنه ففيه وجهان: أحدهما أنه يبطل النكاح لأن ملك الابن كملكه في إسقاط الحد وحرمة الاستيلاد فكان كملكه في إبطال النكاح والثاني لا يبطل لأنه لا يملكها بملك الابن فلم يبطل النكاح.
فصل: ولا يجوز نكاح المعتدة من غيره لقوله تعالى: {وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البقرة: 235] ولأن العدة وجبت لحفظ النسب لو جوزنا فيها النكاح اختلط النسب وبطل المقصود ويكره نكاح المرتابة بالحمل بعد انقضاء العدة لأنه لا يؤمن أن تكون حاملاً من غيره فإن تزوجها ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي العباس أن النكاح باطل لأنها مرتابة بالحمل فلم يصح نكاحها كما لو حدثت الريبة قبل انقضاء العدة والثاني وهو قول أبي سعيد وأبي إسحاق أنه يصح وهو الصحيح لأنها ريبة حدثت بعد انقضاء العدة فلم تمنع صحة العقد كما لو حدثت بعد النكاح ويجوز نكاح الحامل من الزنا لأن حملها لا يلحق بأحد فكان وجوده كعدمه.
فصل: ويحرم على الحر أن يتزوج بأكثر من أربع نسوة لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وروى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن غيلان بن سلمة أسلم وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "خذ منهن أربعاً" ويحرم على العبد أن يجمع بين أكثر من امرأتين وقال أبو ثور: يحل له أن يجمع بين

(2/445)


أربع وهذا خطأ لما روي أن عمر رضي الله عنه خطب وقال: من يعلم ماذا يحل للمملوك من النساء فقال رجل: أنا فقال: كم؟ قال: ثنتان فسكت عمر وروي ذلك عن علي وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما.
فصل: ولا يجوز نكاح الشغار وهو أن يتزوج الرجل ابنته أو أخته من رجل على أن يزوجه ذلك ابنته أو أخته ويكون بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته من رجلين فأما إذا قال زوجتك ابنتي على أن تزوجني ابنتك صح النكاحان لأنه لم يحصل التشريك في البضع وإنما حصل الفساد في الطلاق وهو أنه جعل الصداق أن يزوجه ابنته فبطل الصداق وصح النكاح زإن قال زوجتك ابنتي بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة صح النكاحان ووجب مهر المثل لأن الفساد في الصداق وهو شرطه مع المائة تزويج ابنته فأشبه المسألة قبلها وإن قال زوجتك ابنتي بمائة على أن تزوجني ابنتك بمائة ويكون بضع كل واحدة منهما صداقاً للأخرى ففيه وجهان: أحدهما يصح لأن الشغار هو الخالي من الصداق وههنا لم يخل من الصداق والثاني لا يصح وهو المذهب لأن المبطل هو التشريك في البضع وقد اشترك في البضع.
فصل: ولا يجوز نكاح المتعة وهو أن يقول زوجتك ابنتي يوماً أو شهراً لما روى محمد بن علي رضي الله عنهما انه سمع أباه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقد لقي ابن عباس وبلغه أنه يرخص في متعة النساء فقال علي كرم الله وجهه: إنك امرؤ تائه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية لأنه عقد يجوز مطلقاً

(2/446)


فلم يصح مؤقتاً كالبيع ولأنه نكاح لا يتعلق به الطلاق والظهار والإرث وعدة الوفاة فكان باطلاً كسائر الأنكحة الباطلة.
فصل: ولا يجوز نكاح المحلل وهو أن ينكحها على أنه إذا وطئها فلا نكاح بينهما وأن يتزوجها على أن يحللها للزوج الأول لما روى هزيل بن عبد الله قال: لعن الرسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والموصولة والواشمة والموشومة والمحلل والمحلل له وآكل الربا ومطعمه ولأنه نكاح شرط انقطاعه دون غايته فشابه نكاح المتعة وإن تزوجها على أنه إذا وطئها طلقها ففيه قولان: أحدهما أنه باطل لما ذكرناه من العلة والثاني أنه يصح لأن النكاح مطلق وإنما شرط قطعه بالطلاق فبطل الشرط وصح العقد فإن تزوجها واعتقد أنه يطلقها إذا وطئها كره ذلك لما روى أبو مرزوق التجيبي أن رجلاً أتى عثمان رضي الله عنه فقال: إن جاري طلق امرأته في غضبه ولقي شدة فأردت أن أحتسب نفسي ومالي فأتزوجها ثم أبني بها ثم أطلقها فترجع إلى زوجها الأول فقال له عثمان رضي الله عنه لا تنكحها إلا بنكاح رغبة فإن تزوج على هذه النية صح النكاح لأن العقد إنما يبطل بما شرط لا بما قصد ولهذا لو اشترى عبداً بشرط أن لا يبيعه بطل ولو اشتراه بنية أن لا يبيعه لم يبطل.
فصل: وإن تزوج بشرط الخيار بطل العقد لأنه عقد يبطله التوقيت فبطل بالخيار الباطل كالبيع وإن شرط أن لا يتسرى عليها أو لا ينقلها من بلدها بطل الشرط لأنه يخالف مقتضى العقد ولا يبطل العقد لأنه لا يمنع مقصود العقد وهو الاستمتاع فإن شرط أن لا يطأها ليلاً بطل الشرط لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون على شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أوحرم حلالاً1" فإن كان الشرط من جهة المرأة بطل العقد وإن كان من جهة الزوج لم يبطل لأن الزوج يملك الوطء ليلاً ونهاراً وله أن يترك فإذا شرط أن لا يطأها فقد شرط ترك ماله تركه والمرأة يستحق عليها الوطء ليلاً ونهاراً فإذا شرطت ان لا يطأها فقد شرطت منع الزوج من حقه وذلك ينافي مقصود العقد فبطل.
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الأقضية باب 12. الترمذي في كتاب الأحكام باب 17، ابن ماجة في كتاب الأحكام باب 23.

(2/447)


فصل: ويجوز التعريض بخطبة المعتدة عن الوفاة والطلاق الثلاث لقوله تعالى: {وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البقرة: 235] ولما روت فاطمة بنت قيس أن أبا حفص بن عمرو طلقها ثلاثاً فأرسل إليها النبي صلى الله عليه وسلم لا تسبقيني بنفسك فزوجها بأسامة رضي الله عنه ويحرم التصريح بالخطبة لأنه لما أباح التعريض دل على أن التصريح محرم ولأن التصريح لا يحتمل غير النكاح فلا يؤمن أن يحملها الحرص على النكاح فتخبر بانقضاء العدة والتعريض يحتمل غير النكاح فلا يدعوها إلى الإخبار بانقضاء العدة وإن خالعها زوجها فاعتدت لم يحرم على الزوج التصريح بخطبتها لأنه يجوز له نكاحها فهو معها كالأجنبي مع الأجنبية في غير العدة ويحرم على غيره التصريح بخطبتها لأنها محرمة عليه وهل يحرم التعريض فيه قولان: أحدهما يحرم لأن الزوج يملك أن يستبيحها في العدة فلم يجز لغيره التعريض بخطبتها كالرجعية والثاني لا يحرم لأنها معتدة بائن فلم يحرم التعريض بخطبتها كالمطلقة ثلاثاً والمتوفى عنه زوجها والمرأة في الجواب كالرجل في الخطبة فيما يحل وفيما يحرم لأن الخطبة للعقد فلا يجوز أن يختلفا في تحليله وتحريمه والتصريح أن يقول إذا انقضت عدتك تزوجتك أو ما أشبهه والتعريض أن يقول رب راغب فيك وقال الأزهري: أنت جميلة وأنت مرغوب فيك وقال مجاهد: مات رجل وكانت امرأته تتبع الجنازة فقال لها رجل لا تسبقينا بنفسك فقال: قد سبقك غيرك ويكره التعريض بالجماع لقوله تعالى: {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة: 235] وفسر الشافعي رحمه الله السر بالجماع فسماه سراً لأنه يفعل سراً وأنشد فيه قول امرئ القيس:
ألا زعمت بسبابة اليوم أنني ... كبرت وأن لا يحس السر أمثالي
ولأن ذكر الجماع دناءة وسخف.
فصل: ومن خطب امرأة فصرح له بالإجابة حرم على غيره خطبتها إلا أن يأذن فيه الأول لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب الأول أو يأذن له فيخطب وإن لم يصرح له بالإجابة ولم يعرض له لم يحرم على غيره لما روي أن فاطمة بنت قيس قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن

(2/448)


معاوية وأبا الجهم خطباني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أبو الجهم لا يضع العصا عن عاتقه وأما معاوية فصعلوك لا مال له" فانكحي أسامة وإن عرض له بالإجابة ففيه قولان: قال في القديم: تحرم خطبتها لحديث ابن عمر رضي الله عنه ولأن فيه إفساد المتقارب بينهما وقال في الجديد: لا تحرم لأنه لم يصرح له بالإجابة فأشبه إذا سكت عنه فإن خطب على خطبة أخيه في الموضع الذي لا يجوز فتزوجها صح النكاح لأن المحرم سبق العقد فلم يفسد به العقد وبالله التوفيق.

(2/449)


باب الخيار في النكاح والرد بالعيب
إذا وجد الرجل امرأته مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء وهي التي انسد فرجها أو قرناء وهي التي في فرجها لحم يمنع الجماع ثبت له الخيار وإن وجدت المرأة زوجها مجنوناً أو مجذوماً أو أبرص أو مجبوباً أو عنيناً ثبت لها الخيار لما روى زيد بن كعب بن عجرة قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني غفار فرأى بكشحها بياضاً فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: "البسي ثيابك والحقي بأهلك" فثبت الرد بالبرص بالخبر وثبت في سائر ما ذكرناه بالقياس على البرص لأنها في معناه منع الاستمتاع إن وجد أحدهما الآخر وله فرج الرجال وفرج النساء ففيه قولان: أحدهما يثبت له الخيار لأن النفس تعاف عن مباشرته فهو كالأبرص والثاني لا خيار له لأنه يمكنه الاستمتاع به وإن وجدت المرأة زوجها خصياً ففيه قولان: أحدهما لها الخيار لأن النفس تعافه والثاني لا خيار لها لأنها تقدر على الاستمتاع به وإن وجد أحدهما بالآخر عيباً وبه مثله بأن وجده أبرص وهو أبرص

(2/449)


ففيه وجهان: أحدهما له الخيار لأن النفس تعاف من عيب غيرها وإن كان بها مثله والثاني لا خيار له لأنهما متساويان في النقص فلم يثبت لهما الخيار كما لو تزوج عبد بأمة وإن حدث بعد العقد عيب يثبت به الخيار فإن كان بالزوج ثبت لها الخيار لأن ما ثبت به الخيار إذا كان موجوداً حال العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعد العقد كالإعسار بالمهر والنفقة وإن كان بالزوجة ففيه قولان: أحدهما يثبت به الخيار وهو قوله في الجديد وهو الصحيح لأن ما ثبت به الخيار في ابتداء العقد ثبت به الخيار إذا حدث بعده كالعيب في الزوج والثاني وهو قوله في القديم إنه لا خيار له لأنه يملك أن يطلقها.
فصل: والخيار في هذه العيوب على الفور لأنه خيار ثبت بالعيب فكان على الفور كخيار العيب في البيع ولا يجوز الفسخ إلا عند الحاكم لأنه مختلف فيه.
فصل: وإن فسخ قبل الدخول سقط المهر لأنه إن كانت المرأة فسخت كانت الفرقة من جهتها فسقط مهرها وإن كان الرجل هو الذي فسخ إلا أنه فسخ لمعنى من جهة المرأة وهو التدنيس بالعيب فصار كأنها اختارت الفسخ وإن كان الفسخ بعد الدخول سقط المسمى ووجب مهر المثل لأنه يستند الفسخ إلى سبب قبل العقد فيصير الوطء كالحاصل في نكاح فاسد فوجب مهر المثل وهل يرجع به على من غره فيه قولان: قال في القديم يرجع لأنه غره حتى دخل في العقد وقال في الجديد: لا يرجع لأنه حصل له في مقابلته الوطء فإن قلنا يرجع فإن كان الرجوع على الولي رجع بجميعه وإن كان على المرأة ففيه وجهان: أحدهما يرجع بجميعه كالولي والثاني يبقى منه شيئا حتى لا يعري الوطء عن بدل وإن طلقها قبل الدخول ثم علم أنه كان بها عيب لم يرجع بالنصف لأنه رضي بإزالة الملك والتزام نصف المهر فلم يرجع به.
فصل: ولا يجوز لولي المرأة الحرة ولا لسيد الأمة ولا لولي الطفل تزويج المولى عليه ممن به هذه العيوب لأن في ذلك إضراراً بالمولى عليه فإن خالف وزوج فعلى ما ذكرناه فيمن زوج المرأة من غير كفء وإن دعت المرأة الولي أن يزوجها بمجنون لم يلزمه تزويجها لأن عليه في ذلك عاراً وإن دعت إلى نكاح مجبوب أو عنين لم يكن له أن يمتنع لأنه لا ضرر عليه في ذلك وإن دعت إلى نكاح مجذوم أو أبرص ففيه وجهان:

(2/450)


أحدهما له أن يمتنع لأن عليه في ذلك عاراً والثاني ليس له أن يمتنع لأن الضرر عليها دونه.
فصل: وإن حدث العيب بالزوج ورضيت به المرأة لم يجبرها الولي على الفسخ لأن حق الولي في ابتداء العقد دون الاستدامة ولهذا لو دعت المرأة إلى نكاح عبد كان للولي أن يمتنع ولو أعتقت تحت عبد فاختارت المقان معه لم يكن للولي إجبارها على الفسخ.
فصل: إذا ادعت المرأة على الزوج أنه عنين وأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه فإن نكل ردت اليمين على المرأة وقال أبو سعيد الاصطخري: يقضي عليه بنكوله ولا تحلف المرأة لأنه أمر لا تعلمه والمذهب الأول لأنه حق نكل فيه المدعى عليه عن اليمين فردت على المدعي كسائر الحقوق وقوله إنها لا تعلمه يبطل باليمين في كتابة الطلاق وكناية القذف فإذا حلفت المرأة أو اعترف الزوج أجله الحاكم سنة لما روى سعيد بن المسيب أن عمر رضي الله عنه قضى في العنين أن يؤجل سنة وعن علي عليه السلام وعبد الله والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم نحوه ولأن العجز عن الوطء قد يكون بالتعنين وقد يكون لعارض من حرارة أو برودة أو رطوبة أو يبوسة فإذا مضت عليه الفصول الأربعة واختلفت عليه الأهوية ولم يزل دل على أنه خلقة ولا تثبت المدة إلا بالحاكم لأنه يختلف فيها بخلاف مدة الإيلاء فإن جامعها في الفرج سقطت المدة وأدناه أن يغيب الحشفة في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولا تتعلق بما دونه فإن كان بعض الذكر مقطوعاً لم يخرج من التعنين إلا بتغييب جميع ما بقي من أصحابنا من قال: إذا غيب من الباقي بقدر الحشفة خرج من حكم التعنين لأن الباقي قائم مقام الذكر والمذهب الأول لأنه إذا كان الذكر سليماً فهناك حد يمكن اعتباره وهو الحشفة وإن كان مقطوعاً فليس هناك حد يمكن اعتباره فاعتبر الجميع وإن وطئها في الدبر لم يخرج من حكم التعنين لأنه ليس بمحل للوطء ولهذا لا يحصل به الإحلال للزوج الأول وإن وطئ في الفرج وهي حائض سقطت المدة لأنه محل للوطء وإن ادعى أنه وطئها فإن كانت ثيباً فالقول قوله مع يمينه لأنه لا يمكن إثباته بالبينة وإن كانت بكراً فالقول قولها لأن الظاهر أنه لم يطأها فإن قال الزوج وطئت ولكن عادت البكارة حلفت لجواز أن يكون قد ذهبت البكارة ثم عادت.

(2/451)


فصل: وإن اختارت المقام معه قبل انقضاء الأجل ففيه وجهان: أحدهما يسقط خيارها لأنها رضيت بالعيب مع العلم والثاني لا يسقط خيارها لأنه إسقاط حق قبل ثبوته فلم يصح كالعفو عن الشفعة قبل البيع وإن اختارت المقام بعد انقضاء الأجل سقط حقها لأنه إسقاط حق بعد ثبوته وإن أرادت بعد ذلك أن ترجع وتطالب بالفسخ لم يكن لها لأنه خيار ثبت بعيب وقد أسقطته فلم يجز أن ترجع فيه فإن لم يجامعها حتى انقضى الأجل وطالبت بالفرقة فرق الحاكم بينهما لأنه مختلف فيه وتكون الفرقة فسخاً لأنه فرقة لا تقف على إيقاع الزوج ولا من ينوب عنه فكانت فسخاً كفرقة الرضاع وإن تزوج امرأة ووطئها ثم عن منها لم تضرب المدة لأن القدرة يقين فلا تترك بالاجتهاد.
فصل: وإن وجدت المرأة زوجها مجبوباً ثبت لها الخيار في الحال لأنه عجزه متحقق فإن كان بعضه مجبوباً وبقي ما يمكن الجماع به فقالت المرأة لا يتمكن من الجماع به وقال الزوج أتمكن ففيه وجهان: أحدهما أن القول قوله لأن له ما يمكن الجماع بمثله فقبل قوله كما لو اختلفا وله ذكر قصير والثاني وهو قول أبي إسحاق أن القول قول المرأة لأن الظاهر معها فإن الذكر إذا قطع بعضه ضعف وإن اختلفا في القدر الباقي هل يمكن الجماع به فالقول قول المرأة لأن الأصل عدم الإمكان.
فصل: إذا تزوجت المرأة رجلاً على أنه على صفة فخرج بخلافها أو على نسب فخرج بخلافه ففيه وجهان: أحدهما أن العقد باطل لأن الصفة المقصودة كالعين ثم اختلاف العين يبطل العقد فكذلك اختلاف الصفة ولأنها لم ترض بنكاح هذا الزوج فلم يصح كما لو أذنت في نكاح رجل على صفة فزوجت ممن هو على غير تلك الصفة والقول الثاني أنه يصح العقد وهو الصحيح لأنه ما لا يفتقر العقد إلى ذكره إذا ذكره وخرج بخلافه لم يبطل العقد كالمهر فعلى هذا إن خرج أعلى من المشروط لم يثبت الخيار لأن الخيار يثبت للنقصان لا للزيادة فإن خرج دونها فإن كان عليها في ذلك نقص بأن شرط أنه حر فخرج عبداً أو أنه جميل فخرج قبيحاً أو أنه عربي فخرج عجمياً ثبت لها الخيار لأنه نقص لم ترض به وإن لم يكن عليها نقص بأن شرطت أنه عربي فخرج عجمياً وهي عجمية ففيه وجهان: أحدهما لها الخيار لأنها ما رضيت أن يكون مثلها والثاني لا خيار لها لأنها لا نقص عليها في حق ولا كفاءة.
فصل: وإن كان الغرر من جهة المرأة نظرت فإن تزوجها على أنها حرة فكانت أمة وهو ممن يحل له نكاح الأمة ففي صحة النكاح قولان: فإن قلنا إنه باطل فوطئها لزمه مهر المثل وهل يرجع به على الغار فيه قولان: أحدهما لا يرجع لأنه حصل له في مقابلته

(2/452)


الوطء والثاني يرجع لأن الغار ألجأه إليه فإن كان الذي غره غير الزوجة رجع عليه وإن كانت هي الزوجة رجع عليها إذا عتقت وإن كان وكيل السيد رجع عليه في الحال وإن أحبلها ضمن قيمة الولد رجع بها على من غره وإن قلنا إنه صحيح فهل يثبت له الخيار فيه قولان: أحدهما لا خيار له لأنه يمكنه أن يطلق والثاني له الخيار وهو الصحيح لأن ما ثبت به الخيار للمرأة ثبت به الخيار للرجل كالجنون وقال أبو إسحاق: إن كان الزوج عبداً فلا خيار له قولاً واحداً لأنه مثلها والصحيح لا فرق بين أن يكون حراً أو عبداً لأن عليه ضرراً لم يرض به وهو استرقاق ولده منها وعدم الاستمتاع بها في النهار فإن فسخ فالحكم فيها كالحكم فيه إذا قلنا إنه باطل وإن قلنا لا خيار له أو له الخيار ولم يفسخ فهو كالنكاح الصحيح فإن وطئها قبل العلم بالرق فالولد حر لأنه لم يرض برقه وإن وطئها بعد العلم بالرق فالولد مملوك لأنه رضي برقه وإن غرته بصفة غير الرق أو بنسب ففي صحة النكاح قولان: فإن قلنا إنه باطل ودخل بها وجب مهر المثل وهل يرجع به على من غره على القولين: فإن قلنا يرجع فإن كان الغرور من غيرها رجع بالجميع وإن كان منها ففيه وجهان: أحدهما يرجع بالجميع كما يرجع على غيرها والثاني يبقى منه شيئا حتى لا يعري الوطء عن بدل وإن قلنا إنه صحيح فإن كان الغرور بنسب فخرجت أعلى منه لم يثبت الخيار وإن خرجت دونه ولكن مثل نسبه أو أعلى منه لم يثبت الخيار وإن كانت دون نسبه ففيه وجهان: أحدهما له الخيار لأنه لم يرض أن تكون دونه والثاني لا خيار له لأنه لا نقص على الزوج بأن تكون المرأة دونه في الكفاءة فإن قلنا إن له الخيار فاختار الفسخ فالحكم فيه كالحكم فيه إذا قلنا إنه باطل وإن اختار المقام فهو كما قلنا إنه صحيح وقد بيناه.
فصل: وإن تزوج امرأة من غير شرط يظنها حرة فوجدها أمة فالنكاح صحيح والمنصوص أنه لا خيار له وقال فيمن تزوج حرة يظنها مسلمة فخرجت كتابية أن له الخيار فمن أصحابنا من نقل جوابه في كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وجعلهما على قولين: أحدهما له الخيار لأن الحرة الكتابية أحسن حالاً من الأمة لأن الولد منها حر والاستمتاع بها تام فإذا جعل له الخيار فيها كان في الأمة والولد منها رقيق والاستمتاع بها ناقص أولى والقول الثاني لا خيار له لأن العقد وقع مطلقاً فهو كما لو ابتاع شيئاً يظنه على صفة فخرج بخلافها فإنه لا يثبت له الخيار فكذلك ههنا وإذا لم يجعل له الخيار في الأمة ففي الكتابية أولى ومنهم من حملها على ظاهر النص فقال له الخيار في الكتابية

(2/453)


ولا خيار له في الأمة لأن في الكتابية ليس من جهة الزوج تفريط لأن الظاهر ممن لا غيار عليه أنه ولي مسلمة وإنما التفرط من جهة الولي في ترك الغيار وفي الأمة التفريط من جهة الزوج في ترك السؤال.
فصل: إذا أعتقت الأمة وزوجها حر لم يثبت لها الخيار لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: أعتقت بريرة فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم في زوجها وكان عبداً فاختارت نفسها ولو كان حرا ما خيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنها لا ضرر عليها في كونها حرة تحت حر ولهذا لا يثبت به الخيار في ابتداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته وإن أعتقت تحت عبد ثبت لها الخيارلحديث عائشة رضي الله عنها ولأن عليها عاراً وضرراً في كونها تحت عبد ولهذا لو كان ذلك في ابتداء النكاح ثبت لها الخيار فثبت به الخيار في استدامته ولها أن تفسخ بنفسها لأنه خيار ثابت بالنص فلم يفتقر إلى الحاكم وفي وقت الخيار قولان: أحدهما أنه على الفور لأنه خيار لنقص فكان على الفور كخيار العيب في البيع والثاني أنه على التراخي لأنه لو جعلناها على الفور لم نأمن أن تختار المقام أو الفسخ ثم تندم فعلى هذا في وقته قولان: أحدهما يتقدر بثلاثة أيام لأنه جعل حداً لمعرفة الحظ في الخيار في البيع والثاني أن لها الخيار إلى أن تمكنه من وطئها لأنه روي ذلك عن ابن عمر وحفصة بنت عمر رضي الله عنهما وقول الفقهاء السبعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وخارجة بن يزيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وسليمان بن يسار رضي الله عنهم فإن أعتقت ولم تختر الفسخ حتى وطئها ثم ادعت الجهل بالعتق فإن كان في موضع يجوز أن يخفي عليها العتق فالقول قولها مع يمينها لأن الظاهر أنها لم تعلم وإن كان في موضع لا يجوز أن يخفى عليها لم يقبل قولهها لأن ما تدعيه خلاف الظاهر وإن علمت بالعتق ولكن ادعت أنها لم تعلم بأن لها الخيار ففيه قولان: أحدهما لا خيار لها كما لو اشترى سلعة فيها عيب وادعى أنه لم يعلم أن له الخيار والثاني أن لها الخيار لأن الخيار بالعتق لا يعرفه غير أهل العلم وإن أعتقت وهي صغيرة ثبت لها الخيار إذ بلغت وإن كانت مجنونة ثبت لها الخيار إذا عقلت وليس للولي أن يختار لأن هذه طريقة الشهوة فلا ينوب عنها الولي كالطلاق وإن أعتقت فلم تختر حتى عتق الزوج ففيه قولان: أحدهما لا يسقط خيارها لأنه حق ثبت في حال الرق فلم يتغير بالعتق كما لو وجب عليه حد ثم أعتق والثاني يسقط لأن الخيار ثبت للنقص وقد زال فإن أعتقت وهي في العدة من طلاق رجعي فلها أن تترك الفسخ لانتظار البينونة بانقضاء العدة ولها أن تفسخ لأنها

(2/454)


إذا لم تفسخ ربما راجعها إذا قارب انقضاء العدة فإذا فسخت احتاجت أن تستأنف العدة وإن اختارت المقام في العدة لم يسقط خيارها لأنها جارية إلى بينونة فلا يصح منها اختيار المقام مع ما ينافيه وإن أعتقت تحت عبد فطلقها قبل أن تختار الفسخ ففيه قولان: أحدهما أن الطلاق ينفذ لأنه صادف الملك والثاني لا ينفذ لأنه يسقط حقها من الفسخ فعلى هذا إن فسخت لم يقع الطلاق وإن لم تفسخ حكمنا بوقوع الطلاق من حين طلق.
فصل: وإن أعتقت وفسخت النكاح فكان قبل الدخول سقط المهر لأن الفرقة من جهتها وإن كان بعد الدخول نظرت فإن كان العتق بعد الدخول استقر المسمى وإن كان قبله ودخل بها ولم تعلم بالعتق سقط المسمى ووجب مهر المثل لأن العتق وجد قبل الدخول فصار كما لو وجد الفسخ قبل الدخول ويجب المهر للمولى لأنه وجب بالعقد في ملكه وإن كانت مفوضة فأعتقت فاختارت الزوج وفرض لها المهر بعد العتق ففي المهر قولان: إن قلنا يجب بالعقد كان للمولى لأنه وجب قبل العتق وإن قلنا يجب بالفرض كان لها لأنه وجب بعد العتق.
فصل: وإن تزوج عبد مشرك حرة مشركة ثم أسلما ففيه وجهان: أحدهما لا خيار لها لأنها دخلت في العقد مع علمها برقه والثاني وهو ظاهر النص أن لها أن تفسخ النكاح لأن الرق ليس بنقص في الكفر وإنما هو نقص في الإسلام فيصير كنقص حدث بالزوج فيثبت لها الخيار وإن تزوج العبد المشرك أمة فدخل بها ثم أسلمت وتخلف العبد فأعتقت الأمة وثبت لها الخيار لأنها عتقت تحت عبد وإن أسلم العبد وتخلفت المرأة ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي الطيب بن سلمة أنه لا يثبت لها الخيار وهو ظاهر ما نقله المزني والفرق بينها وبين ما قبلها أن هناك الأمر موقوف على إسلام الزوج فإذا لم تفسخ لم تأمن أن لا يسلم حتى يقارب انقضاء العدة ثم يسلم فتفسخ النكاح فتطول العدة وههنا الأمر موقوف على إسلامها فأي وقت شاءت أسلمت وثبت النكاح فلم يثبت لها الفسخ والثاني وهو قول أبي إسحاق أنه يثبت لها الخيار كالمسألة قبلها وأنكر ما نقله المزني.
فصل: إذا ملك مائة دينار وأمة قيمتها مائة دينار وزوجها من عبد بمائة ووصى بعتقها فأعتقت قبل الدخول لم يثبت لها الخيار لأنها إذا فسخت سقط مهرها وإذا سقط المهر عجز الثلث عن عتقها فسقط خيارها فيؤدي إثبات الخيار إلى إسقاطه فسقط.
فصل: وإن أعتق عبد وتحته أمة ففيه وجهان: أحدهما يثبت لها الخيار كما يثبت للأمة إذا كان زوجها عبداً والثاني لا يثبت لأن رقها لا يثبت به الخيار في ابتداء النكاح فلا يثبت به الخيار في استدامته.

(2/455)


باب نكاح المشرك
إذا أسلم الزوجان المشركان على صفة لو لم يكن بينهما نكاح جاز لهما عقد النكاح أقرا على النكاح وإن عقد بغير ولي ولا شهود لأنه أسلم خلق كثير فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أنكحتهم ولم يسألهم عن شروطه وإن أسلما والمرأة ممن لا تحل له كالأم والأخت لم يقرا على النكاح لأنه لا يجوز أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز الإقرار على نكاحها وإن أسلم أحد الزوجين الوثنيين أو المجوسيين أو أسلمت المرأة والزوج يهودي أو نصراني فإن كان قبل الدخول تعجلت الفرقة وإن كان بعد الدخول وقفت الفرقة على انقضاء العدة فإن أسلم الآخر قبل انقضائها فهما على النكاح وإن لم يسلم حتى انقضت العدة حكم بالفرقة وقال أبو ثور: إن أسلم الزوج قبل الزوجة وقعت الفرقة وهذا خطأ لما روى عبد الله بن شبرمة أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم الرجل قبل المرأة والمرأة قبل الرجل فأيهما أسلم قبل انقضاء عدة المرأة فهي امرأته وإن أسلم بعد انقضاء العدة فلا نكاح بينهما والفرقة الواقعة باختلاف الدين فسخ لأنها فرقة عريت عن لفظ الطلاق ونيته فكانت فسخاً كسائر الفسوخ.
فصل: وإن أسلم الحر وتحته أكثر من أربع نسوة وأسلمن معه لزمه أن يختار أربعاً منهن لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن غيلان أسلم وتحته عشر نسوة فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يختار منهن أربعاً ولأن ما زاد على أربع لا يجوز إقرار المسلم عليه فإن امتنع أجبر عليه بالحبس والتعزير لأنه حق توجه عليه لا تدخله النيابة فأجبر عليه فإن أغمي عليه في الحبس خلي إلى أن يفيق لأن خرج على أن يكون من أهل الاختيار فخلي كما يخلى من عليه دين إذا أعسر به فإن أفاق أعيد إلى الحبس والتعزير إلى أن يختار ويؤخذ بنفقة جميعهن إلى أن يختار لأنهن محبوسات عليه بحكم النكاح والاختيار أن يقول اخترت نكاح هؤلاء الأربع فينفسخ نكاح البواقي أو يقول اخترت فراق هؤلاء فيثبت نكاح البواقي وإن طلق واحدة منهن كان ذلك اختياراً لنكاحها لأن الطلاق لا يكون إلا في زوجة وإن ظاهر منها أو آلى لم يكن ذلك اختياراً لأنه قد يخاطب به غير الزوج وإن وطئ واحدة ففيه وجهان: أحدهما أنه الاختيار لأن الوطء لا يجوز إلا في ملك فدل على الاختيار كوطء البائع الجارية المبيعة بشرط الخيار والثاني وهو الصحيح أنه ليس باختيار لأنه اختيار للنكاح فلم يجز بالوطء كالرجعة وإن قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت نكاحها لم يصح لأن الاختيار كالنكاح فلم يجز تعليقه على الصفة ولا في غير معين وإن قالت كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يصح لأن الفسخ

(2/456)


لا يجوز تعليقه على الصفة ولأن الفسخ إنما يستحق فيما زاد على أربع وقد يجوز أن لا يعلم أكثر من أربع فلا يستحق فيها الفسخ وإن قال كلما أسلمت واحدة فهي طالق ففيه وجهان: أحدهما يصح وهو ظاهر النص لأنه قال وإن قال كلما أسلمت واحدة منكن فقد اخترت فسخ نكاحها لم يكف شيئاً إلا أن يريد به الطلاق فدل على أنه إذا أراد الطلاق صح ووجهه أن الطلاق يصح تعليقه على الصفات والثاني وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة أنه لا يصح لأن الطلاق ههنا يتضمن اختيار الزوجية والاختيار لا يجوز تعليقه على الصفة وحمل قول الشافعي رحمه الله على من أسلم وله أربع نسوة في الشرك وأراد بهذا القول الطلاق فإنه يصح لأنه طلاق لا يتضمن اختياراً فجاز تعليقه على الصفة وإن أسلم ثم ارتد لم يصح اختياره لأن الاختيار كالنكاح فلم يصح مع الردة وإن أسلم وأحرم فالمنصوص أنه يصح اختياره فمن أصحابنا من جعلها على قولين: أحدهما لا يصح كما لا يصح نكاحه والثاني يصح كما تصح رجعته ومنهم من قال إن أسلم ثم أحرم ثم أسلمن لم يجز أن يختار قولاً واحداً لأنه لا يجوز أن يبتدئ النكاح وهو محرم فلا يجوز أن يختاره وحمل النص عليه وإذا أسلم ثم أسلمن ثم أحرم فإن له الخيار لأن الإحرام طرأ بعد ثبوت الخيار.
فصل: وإن مات قبل أن يختار لم يقم وارث مقامه لأن الاختيار يتعلق بالشهوة فلا يقوم فيه غيره مقامه وتجب على جميعهن العدة لأن كل واحدة منهن يجوز أن تكون من الزوجات فمن كانت حاملاً اعتدت بوضع الحمل ومن كانت من ذوات الشهر اعتدت بأربعة أشهر وعشر ومن كانت من ذوات الأقراء اعتدت بالأقصى من الأجلين من ثلاثة أقراء أو أربعة أشهر وعشر ليسقط الفرض بيقين ويوقف ميراث أربع نسوة إلى أن يصطلحن لأنا نعلم أن فيهن أربع زوجات وإن كان عددهن ثمانية فجاء أربع يطلبن الميراث لم يدفع إليهن شيء لجواز أن تكون الزوجات غيرهن وإن جاء خمس دفع إليهن ربع الموقوف لأن فيهن زوجة بيقين ولا يدفع إليهن إلا بشرط أنه لم يبق لهن حق ليمكن صرف الباقي إلى باقي الورثة وإن جاء ست دفع إليهن نصف الموقوف لأن فيهن زوجتين بيقين وعلى هذا القياس وإن كان فيهن أربع كتابيات ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبي القاسم الداركي أنه لا يوقف شيء لأنه لا يوقف إلا ما يتحقق استحقاقه ويجهل مستحقه وههنا لا يتحقق الاستحقاق لجواز أن تكون الزوجات الكتابيات فلا يرثن والثاني يوقف لأنه لا يجوز أن يدفع إلى باقي الورثة إلا ما يتحقق أنهم يستحقونه ويجوز أن تكون المسلمات زوجاته فلا يكون الجميع لباقي الورثة.

(2/457)


فصل: وإن أسلم وتحته أختان أو امرأة وعمتها أو امرأة وخالتها وأسلمتا معه لزمه أن يختار إحداهما لما روي أن ابن الديلمي أسلم وتحته أختان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اختر أيتهما شئت وفارق الأخرى" وإن أسلم وتحته أم وبنت وأسلمتا معه لم يخل إما أن لا يكون قد دخل بواحدة منهما أو دخل بهما أو دخل بالأم دون البنت أو بالبنت دون الأم فإن لم يكن دخل بواحدة منهما ففيه قولان: أحدهما يمسك البنت وتحرم الأم وهو اختيار المزني لأن النكاح في الشرك كالنكاح الصحيح بدليل أنه يقر عليه والأم تحرم بالعقد على البنت وقد وجد العقد والبنت لا تحرم إلا بالدخول بالأم ولم يوجد الدخول والقول الثاني وهو الصحيح أنه يختار من شاء منهما لأن عقد الشرك إنما تثبت له الصحة إذا انضم إليه الاختيار فإذا لم ينضم إليه الاختيار فهو كالمعدوم ولهذا لو أسلم وعنده أختان واختار إحداهما جعل كأنه عقد عليهما ولم يعقد على الأخرى فإذا اختار الأم صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على البنت وإذا اختار البنت صار كأنه عقد عليها ولم يعقد على الأم فعلى هذا إذا اختار البنت حرمت الأم على التأبيد لأنها أم امرأته وإن اختار الأم حرمت البنت تحريم جمع لأنها بنت امرأة لم يدخل بها وإن دخل بها حرمت البنت بدخوله بالأم وأما الأم فإن قلنا إنها تحرم بالعقد على البنت حرمت لعلتين بالعقد على البنت وبالدخول بها وإن قلنا إنها لا تحرم بالعقد حرمت بعلة وهي الدخول وإن دخل بالأم دون البنت فإن قلنا إن الأم تحرم بالعقد على البنت حرمت الأم بالعقد على البنت وحرمت البنت بالدخول بالأم وإن قلنا إن الأم لا تحرم بالعقد على البنت حرمت بالبنت بالدخول بالأم وثبت نكاح الأم وإن دخل بالبنت دون الأم ثبت نكاح البنت وانفسخ نكاح الأم وحرمت في أحد القولين بالعقد وبالدخول وفي القول الآخر بالدخول.
فصل: وإن أسلم وتحته أربع إماء فأسلمن معه فإن كان ممن يحل له نكاح الأمة اختار واحدة منهن لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها فجاز له اختيارها كالحرة وإن كن ممن لا يحل له نكاح الأمة لم يجز أن يمسك واحدة منهن وقال أبو ثور: يجوز لأنه ليس بابتداء النكاح فلا يعتبر فيه عدم الطول وخوف العنت كالرجعة وهذا خطأ لأنه لا يجوز له ابتداء نكاحها فلا يجوز له اختيارها كالأم والأخت ويخالف الرجعة لأن الرجعة سد ثلمة في النكاح والاختيار إثبات النكاح في المرأة فصار كابتداء العقد وإن أسلم وتحته إماء وهو موسر فلم يسلمن حتى أعسر ثم أسلمن فله أن يختار واحدة منهن لأن وقت الاختيار عند اجتماع إسلامه وإسلامهن وهو في هذا الحال ممن يجوز له نكاح الأمة فكان له اختيارها

(2/458)


وإن أسلم بعضهن وهو موسر وأسلم بعضهن وهو معسر فله أن يختار من اجتمع إسلامه وإسلامها وهو معسر ولا يختار من اجتمع إسلامه وإسلامها وهو موسر اعتباراً بوقت الاختيار.
فصل: وإن أسلم وعنده أربع إماء فأسلمت منهن واحدة وهو ممن يجوز له نكاح الإماء فله أن يختار المسلمة وله أن ينتظر إسلام البواقي ليختار من شاء منهن فإن اختار فسخ نكاح المسلمة لم يكن له ذلك لأن الفسخ إنما يكون فيمن فضل عمن يلزم نكاحها وليس ههنا فضل فإن خالف وفسخ ولم يسلم البواقي لزم نكاح المسلمة وبطل الفسخ وإن أسلمن فله أن يختار واحدة فإن اختار نكاح المسلمة التي اختار فسخ نكاحها ففيه وجهان: أحدهما ليس له ذلك لأنا منعنا الفسخ فيها لأنها لم تكن فاضلة عمن يلزم فيها النكاح وبإسلام غيرها صارت فاضلة عمن يلزم نكاحها فثبت فيها الفسخ والثاني وهو المذهب أن له أن يختار نكاحها لأن اختيار الفسخ كان قبل وقته فكان وجوده كعدمه كما لو اختار نكاح مشركة قبل إسلامها.
فصل: وإن أسلم وعنده حرة وأمة وأسلمتا معه ثبت نكاح الحرة وبطل نكاح الأمة لأنه لا يجوز أن يبتدئ نكاح الأمة مع وجود حرة فلا يجوز أن يختارها فإن أسلم وأسلمت الأمة معه وتخلفت الحرة فإن أسلمت قبل انقضاء العدة ثبت نكاحها وبطل نكاح الأمة كما لو أسلمتا معاً وإن انقضت العدة ولم تسلم بانت باختلاف الدين فإن كان ممن يحل له نكاح الأمة فله أن يمسكها.
فصل: وإن أسلم عبد وتحته أربع فأسلمن معه لزمه أن يختار اثنتين فإن أعتق بعد إسلامه وإسلامهن لم تجز له الزيادة على اثنتين لأنه ثبت له الاختيار وهو عبد وإن أسلم وأعتق ثم أسلمن أو أسلمن وأعتق ثم أسلم لزم نكاح الأربع لأنه جاء وقت الاختيار وهو ممن يجوز له أن ينكح أربع نسوة.
فصل: وإن تزوج امرأة معتدة من غيره وأسلما فإن كان قبل انقضاء العدة لم يقرا على النكاح لأنه لا يجوز له أن يبتدئ نكاحها فلا يجوز إقراره على نكاحها وإن كان بعد انقضاء العدة أقرا عليه لأنه يجوز أن يبتدئ نكاحها وإن أسلما وبينهما نكاح متعة لم يقرا عليه لأنه إن كان بعد انقضاء المدة لم يبق النكاح وإن كان قبله لم يعتقدا تأبيده

(2/459)


والنكاح عقد مؤبد وإن أسلما على نكاح شرط فيه الخيار لهما أو لأحدهما متى شاء لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه والنكاح عقد لازم وإن أسلما على نكاح شرط فيه خيار ثلاثة أيام فإن كان قبل انقضاء المدة لم يقرا عليه لأنهما لا يعتقدان لزومه وإن كان بعد انقضاء المدة أقرا عليه لأنهما يعتقدان لزومه وإن طلق المشرك امرأته ثلاثاً ثم تزوجها قبل زوج ثم أسلما لم يقرا عليه لأنه لا تحل له قبل زوج فلم يقرا عليه كما لو أسلم وعنده ذات رحم محرم وإن قهر حربي حربية ثم أسلما فإن اعتقدا ذلك نكاحاً أقرا عليه لأنه نكاح لهم فيمن يجوز ابتداء نكاحها فأقرا عليه كالنكاح بلا ولي ولا شهود وإن لم يعتقدا ذلك نكاحاً لم يقرا عليه لأنه ليس بنكاح.
فصل: إذا ارتد الزوجان أو أحدهما فإن كان قبل الدخول وقعت الفرقة وإن كان بعد الدخول وقعت الفرقة على انقضاء العدة فإن اجتمعا على الإسلام قبل انقضاء العدة فهما على النكاح وإن لم يجتمعا وقعت الفرقة لأنه انتقال من دين إلى دين يمنع ابتداء النكاح فكان حكمه كما لو أسلم أحد الوثنيين.
فصل: وإن انتقل الكتابي إلى دين لا يقر أهله عليه لم يقر عليه لأنه لو كان على هذا الدين في الأصل لم يقر عليه فكذلك إذا انتقل إليه وما الذي يقبل منه فيه ثلاثة أقوال: أحدها يقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه أو دين يقر عليه أهله لأن كل واحد من ذلك مما يجوز الإقرار عليه والثاني لا يقبل منه إلا الإسلام لأنه دين حق أو الدين الذي كان عليه لأنا أقررناه عليه والثالث لا يقبل منه إلا الإسلام وهو الصحيح لأنه اعترف ببطلان كل دين سوى دينه ثم بالانتقال عنه اعترف ببطلانه فلم يبق إلا الإسلام وإن انتقل الكتابي إلى دين يقر أهله عليه ففيه قولان: أحدهما يقر عليه لأنه دين يقر أهله عليه فأقر عليه كالإسلام والثاني لا يقر عليه لقوله عز وجل: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85] فعلى هذا فيما يقبل منه قولان: أحدهما يقبل منه الإسلام أو الدين الذي كان عليه والثاني لا يقبل منه إلا الإسلام لما ذكرناه وكل من انتقل من الكفار إلى دين لا يقر عليه فحكمه في بطلان نكاحه حكم المسلم إذا ارتد.
فصل: وإن تزوج كتابي وثنية ففيه وجهان: أحدهما وهو قول أبو سعيد الاصطخري أنه لا يقر عليه لأن كل نكاح لم يقر عليه المسلم لم يقر عليه الذمي كنكاح المرتدة والثاني وهو المذهب أنه يقر عليه لأن كل نكاح أقر عليه بعد الإسلام أقر عليه قبله كنكاح الكتابية.
فصل: إذا أسلم الوثنيان قبل الدخول ثم اختلفا فقالت المرأة أسلم أحدنا قبل

(2/460)


صاحبه فانفسخ النكاح وقال الزوج بل أسلمنا معاً فالنكاح على حاله ففيه قولان: أحدهما أن القول قول الزوج وهو اختيار المزني لأن الأصل بقاء النكاح والثاني أن القول قول المرأة لأن الظاهر معها فإن اجتماع إسلامهما حتى لا يسبق أحدهما الآخر متعذر قال في الأم: إذا أقام الزوج بينة أنهما أسلما حين طلعت الشمس أو حين غربت الشمس لم ينفسخ النكاح لاتفاق إسلامهما في وقت واحد وهو عند تكامل الطلوع أو الغروب فإن أقام البينة أنهما أسلما حال طلوع الشمس أو حال غروبها انفسخ نكاحهما لأن حال الطلوع والغروب من حين يبتدئ بالطلوع والغروب إلى أن يتكامل وذلك مجهول وإن أسلم الوثنيان بعد الدخول واختلفا فقال الزوج أسلمت قبل انقضاء عدتك فالنكاح باق وقالت المرأة بل أسلمت بعد اقضاء عدتي فلا نكاح بيننا فقد نص الشافعي رحمه الله تعالى على أن القول قول الزوج ونص في مسألتين على أن القول قول الزوجة: إحداهما إذا قال الزوج للرجعية راجعتك قبل انقضاء العدة فنحن على النكاح وقالت الزوجة بل راجعتني بعد انقضاء العدة فالقول قول الزوجة والثانية إذا ارتد الزوج بعد الدخول ثم أسلم فقال: أسلمت قبل انقضاء العدة فالنكاح باق وقالت المرأة بل أسلمت بعد انقضاء العدة فالقول قول المرأة ومن أصحابنا من نقل جواب بعضها إلى بعض وجعل في المسائل كلها قولين أحدهما أن القول قول الزوج لأن الأصل بقاء النكاح والثاني أن القول قول الزوجة لأن الأصل عدم الإسلام والرجعة ومنهم من قال هي على اختلاف حالين فالذي قال إن القول قول الزوج إذا سبق بالدعوى وإذا قال القول قول الزوجة إذا سبقت بالدعوى لأن قول كل واحد منهما مقبول فيما سبق إليه فلا يجوز إبطاله بقول غيره ومنهم من قال هي على اختلاف حالين على وجه آخر فالذي قال القول قول الزوج أراد إذا اتفقا على صدقه في زمان ما ادعاه لنفسه بأن قال: أسلمت وراجعت في رمضان فقالت المرأة صدقت لكن انقضت عدتي في شعبان فالقول قول الزوج باتفاقهما على الإسلام بالرجعة في رمضان واختلافهما في انقضاء العدة والذي قال القول قول المرأة إذا اتفقا على صدقهما في زمان ما ادعته لنفسه بأن قالت انقضت عدتي في شهر رمضان فقال الزوج لكن راجعت أو أسلمت في شعبان فالقول قول المرأة لاتفاقهما على انقضاء العدة في رمضان واختلافهما في الرجعة والإسلام.

(2/461)