المهذب في فقة الإمام الشافعي

المجلد الثالث
كتاب الطلاق
مدخل
...
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الطلاق
يصح الطلاق من كل زوج بالغ عاقل مختار فأما غير الزوج فلا يصح طلاقه وإن قال إذا تزوجت امرأة فهي طالق لم يصح لما روى المسور بن مخرمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك1". وأما الصبي فلا يصح طلاقه لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق2". فأما من لا يعقل فإنه لم يعقل بسبب يعذر فيه كالنائم والمجنون والمريض ومن شرب دواء للتداوي فزال عقله أو أكره على شرب الخمر حتى سكر لم يقع طلاقه لأنه نص في الخبر على النائم والمجنون وقسنا عليهما الباقين وإن لم يعقل بسبب لا يعذر فيه كمن شرب الخمر لغير عذر فسكر أو شرب دواء لغير حاجة فزال عقله فالمنصوص في السكران أنه يصح طلاقه وروى المزني أنه قال في القديم: لا يصح ظهاره والطلاق والظهار واحد فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما: لا يصح وهو اختيار المزني وأبي ثور لأنه زائل العقل فأشبه النائم أو مفقود الإرادة فأشبه بالمكره والثاني: أنه يصح وهو الصحيح لما روى أبو وبرة الكلبي قال: أرسلني خالد بن الوليد إلى عمر رضي الله عنه فأتيته في المسجد ومعه عثمان وعلي وعبد الرحمن وطلحة والزبير رضي الله عنهم فقلت: إن خالداً يقول: إن الناس قد انهمكوا في الخمر وتحاقروا العقوبة فقال عمرهم هؤلاء عندك
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 7، الترمذي في كتاب الطلاق باب 6، ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 17، أحمد في مسنده 2/190.
2 رواه أبو داود في كتاب الحدود باب 17، أحمد في مسنده 1/116.

(3/3)


فاسألهم فقال علي عليه السلام: "تراه إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة". فقال عمر: أبلغ صاحبك ما قال فجعلوه كالصاحي ومنهم من قال يصح طلاقه قولا واحدا ولعل ما رواه المزني حكاه الشافعي رحمه الله عن غيره وفي علته ثلاثة أوجه: أحدها وهو قول أبي العباس إن سكره لا يعلم إلا منه وهو متهم في دعوى السكر لفسقه فعلى هذا يقع الطلاق في الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل والثاني: أنه يقع طلاقه تغليظاً عليه لمعصيته فعلى هذا يصح ما فيه تغليظ كالطلاق والعتق والردة وما يوجب الحد ولا يصح ما فيه تخفيف كالنكاح والرجعة وقبول الهبات والثالث أنه لما كان سكره بمعصية أسقط حكمه فجعل كالصاحي فعلى هذا يصح منه الجميع وهذا هو الصحيح لأن الشافعي رحمه الله نص على صحة رجعته.
فصل: وأما المكره فإنه ينظر فإن كان إكراهه بحق كالمولى إذا أكرهه الحاكم على الطلاق وقع طلاقه لأنه قول حمل عليه بحق فصح كالحربي إذا أكره على الإسلام وإن كان بغير حق لم يصح لقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه1". ولأنه قول حمل عليه بغير حق فلم يصح كالمسلم إذا أكره على كلمة الكفر ولا يصير مكرهاً إلا بثلاثة شروط: أحدها: أن يكون المكره قاهراً له لا يقدر على دفعه والثاني: أن يغلب على ظنه أن الذي يخافه من جهته يقع به والثالث: أن يكون به ما يهدده به مما يلحقه ضرر به كالقتل والقطع والضرب المبرح والحبس الطويل والاستحقاق بمن يغض منه ذلك من ذوي الأقدار لأنه يصير مكرها بذلك وأما الضرب القليل في حق من لا يبالي به والاستخفاف بمن لا يغض منه أو أخذ القليل من المال ممن لا يتبين عليه أو الحبس القليل فليس بإكراه وأما النفي فإن كان فيه تفريق بينه وبين الأهل فهو إكراه وإن لم يكن فيه تفريق بينه وبين الأهل ففيه وجهان: أحدهما: أنه إكراه لأنه جعل النفي عقوبة كالحد
__________
1 رواه ابن ماجه في كتاب الطلاق، باب 16.

(3/4)


ولأنه تلحقه الوحشة بمفارقة الوطن والثاني: ليس بإكراه لتساوي البلاد في حقه وإذا أكره على الطلاق فنوى الإيقاع ففيه وجهان: أحدهما: لا يقع لأن اللفظ يسقط حكمه بالإكراه وبقيت النية من غير لفظ فلم يقع بها الطلاق والثاني: أنه يقع لأنه صار بالنية مختاراً.
فصل: وإن قال الأعمى لامرأته أنت طالق وهولا يعرف معناه ولا نوى موجبه لم يقع الطلاق كما لو تكلم بكلمة الكفر وهولا يعرف معناه ولم يرد موجبه وإن أراد موجبه بالعربية ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول الماوردي البصري أنه يقع لأنه قصد موجبه فلزمه حكمه والثاني: وهو قول الشيخ أبي أحمد الإسفرايني رحمه الله أنه لا يصح كما لا يصير كافراً إذا تكلم بالكفر وأراد موجبه بالعربية.
فصل: ويملك الحر ثلاث تطليقات لما روى أبو رزين الأسدي قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت قول الله عز وجل: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] فأين الثلاث؟ قال: تسريح بإحسان الثالثة ويملك العبد طلقتين لما روى الشافعي رحمه الله أن مكاتبا لأم سليمة طلق امرأته وهي حرة تطليقتين وأراد أن يراجعها فأمره أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان رضي الله عنه فيسأله فذهب إليه فوجده آخذاً بيد زيد بن ثابت فسألهما عن ذلك فابتدراه وقالا حرمت عليك حرمت عليك.
فصل: ويقع الطلاق على أربعة أوجه: واجب ومستحب ومحرم ومكروه فأما الواجب فهو في حالتين: أحدهما: إذا وقع الشقاق ورأى الحكمان الطلاق وقد بيناه في النشوز والثاني: إذا آلى منهما ولم يفئ إليهما ونذكره في الإيلاء إن شاء الله تعالى وأما المستحب فهو في حالتين: إحداهما إن كان يقصر في حقها في العشرة أوفي غيرها فالمستحب أن يطلقها لقوله عز وجل: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2] ولأنه إذا لم يطلقها في هذه الحال لم يؤمن أن يفضي إلى الشقاق أو إلى الفساد والثاني: أن لا تكون المرأة عفيفة فالمستحب أن يطلقها لما روي أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن إمرأتي لا ترد يد لامس فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "طلقها". ولأنه لا يأمن أن تفسد عليه الفراش وتلحق به نسبا ليس منه.

(3/5)


فصل: وأما المحرم فهو طلاق البدعة وهو إثنان: أحدهما: طلاق المدخول بها في حال الحيض من غير حمل والثاني: طلاق من يجوز أن تحبل في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل والدليل عليه ما روي عن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته وهي حائض فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده مرة أخرى ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض عنده أخرى ثم يمسكها حتى تطهر من حيضها فإذا أراد أن يطلقها فليطلقها حين تطهر قبل أن يجامعها فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء ولأنه إذا طلقها في الحيض أضر بها في تطويل العدة وإذا طلقها في الطهر الذي جامعها فيه قبل أن يستبين الحمل لم يأمن أن تكون حاملاً فيندم على مفارقتها مع الولد لأنه لا يعلم هل علقت بالوطء فتكون عدتها بالحمل أولم تعلق فتكون عدتها بالإقراء وأما طلاق غير المدخول بها في الحيض فليس بطلاق بدعة لأنه لا يوجد تطويل العدة فأما طلاقها في الحيض وهي حامل على القول الذي يقول إن الحامل تحيض فليس ببدعة وقال أبو إسحاق هو بدعة لأنه طلاق في الحيض والمذهب الأول لما روى سالم أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مره فليراجعها ثم ليطلقها وهي طاهر أو حامل" ولأن الحامل تعتد بالحمل فلا يؤثر الحيض في تطويل عدتها وأما طلاق من لا تحمل في الطهر المجامع فيه وهي الصغيرة الآيسة من الحيض فليس ببدعة لأن تحريم الطلاق للندم على الولد أو للريبة بما تعتد به من الحمل والأقراء وهذا لا يوجد في حق الصغيرة والآيسة وأما طلاقها بعدما استبان حملها فليس ببدعة لأن المنع للندم على الولد وقد علم بالولد أو للإرتياب بما تعدت به وقد زال ذلك بالحمل وإن طلقها في الحيض أو الطهر الذي جامع فيه وقع الطلاق لأن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يراجعها فدل على أن الطلاق وقع والمستحب أن يراجعها لحديث ابن عمر رضي الله عنه ولأنه بالرجعة يزول المعنى الذي لأجله حرم الطلاق وإن لم يراجعها جاز لأن الرجعة إما أن تكون كابتداء النكاح أو كبقاء على النكاح ولا يجب واحد منهما.
فصل: وأما المكروه من الطلاق من غير سنة ولا بدعة والدليل عليه ما روى محارب ابن دثار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق1". وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 3، ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 1.

(3/6)


طريقة فإن استمتعت بها استمتعت وبها عوج وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها".
فصل: وإذا أراد الطلاق فالمستحب أن يطلقها طلقة واحدة لأنه يمكنه تلافيها وإن أراد الثلاث فرقها في كل طهر طلقة ليخرج من الخلاف فإن عند أبي حنيفة لا يجوز جمعها ولأنه يسلم من الندم وإن جمعها في طهر واحد جاز لما روي أن عويمر العجلاني قال عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن امرأته كذبت عليها إن أمسكتها فهي طالق ثلاثاً فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا سبيل لك عليها". ولو كان جمع الثلاث محرماً لأنكر عليه فإن جمع الثلاث أو أكثر بكلمة واحدة وقع الثلاث لما روى الشافعي رحمه الله أن ركانة ابن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما أردت إلا واحدة" فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلولم يقع الثلاث إذا أراده بهذا اللفظ لم يكن لاستحلافه معنى وروي أن رجلاً قال لعثمان رضي الله عنه إني طلقت امرأتي مائة فقال ثلاث يحرمنها وسبعة وتسعون عدوان وسئل ابن عباس رضي الله عنه عن رجل طلق امرأته ألفاً فقال ثلاث منهن يحرمن عليه وما بقي فعليه وزره.
فصل: ويجوز أن يفوض الطلاق إلى امرأته لما روت عائشة رضي الله عنها قالت:

(3/7)


لما أمر الله تعالى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير بنسائه بدأ بي فقال: "إني مخبرك خبرا وما أحب أن تصنعي شيئا حتى تستأمري أبويك " ثم قال: إن الله تعالى قا ل: {قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً} إلى قوله: {مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 28 - 29] فقلت: أوفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلته وإذا فوض الطلاق إليها فالمنصوص أن لها أن تطلق ما لم يتفرقا عن المجلس أو يحدث ما يقطع ذلك وهو قول أبي العباس ابن القاص وقال أبو إسحاق لا تطلق إلا على الفور لأنه تمليك يفتقر إلى القبول فكان القبول فيه على الفور كالبيع وحمل قول الشافعي رحمه الله أنه أراد مجلس الخيار لا مجلس القعود وله أن يرجع فيه قبل أن تطلق وقال أبوعلي ابن خيران ليس له أن يرجع لأنه طلاق معلق بصفة فلم يجز الرجوع فيه كما لو قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق وهذا خطأ لأنه ليس بطلاق معلق بصفة وإنما هو تمليك يفتقر إلى القبول يصح الرجوع فيه قبل القبول كالبيع وإن قال لها طلقي نفسك ثلاثاً فطلقت واحدة وقعت لأن من ملك إيقاع ثلاث طلقات ملك إيقاع طلقة كالزوج إذا بقيت له طلقة طلق ثلاثا وإن قال لوكيله طلق امرأتي جاز أن يطلق متى شاء لأنه توكيل مطلق فلم يقتض التصرف على الفور كما لو وكله في بيع وإن قال له طلق امرأتي ثلاثاً فطلقها طلقة أو قال طلق امرأتي واحدة فطلقها ثلاثاً ففيه وجهان: أحدهما: أنه كالزوجة في المسألتين والثاني: لا يقع لأنه فعل غير ما وكل فيه.
فصل: وتصح إضافة الطلاق إلى جزء من المرأة كالثلث والربع واليد والشعر لأنه لا يتبعض وكان إضافته إلى الجزء كالإضافة إلى الجميع كالعفو عن القصاص وفي كيفية وقوعه وجهان: أحدهما: يقع على الجميع اللفظ لأنه لما لم يتبعض كان تسمية البعض كتسمية الجميع والثاني: أنه يقع على الجزء المسمى ثم يسري لأن الذي سماه هو البعض ولا يجوز إضافته إلى الريق والحمل لأنه ليس بجزء منها وإنما هو مجاور لها وإن قال بياضك طالق أو سوادك طالق أو لونك طالق ففيه وجهان: أحدهما: يقع لأنه من جملة الذات التي لا ينفصل عنها فهو كالأعضاء والثاني: لا يقع لأنها أعراض تحل في الذات.
فصل: ويجوز إضافة الطلاق إلى الزوج بأن يقول لها أنا منك طالق أو يجعل الطلاق إليها فتقول أنت طالق لأنه أحد الزوجين فجاز إضافة الطلاق إليه كالزوجة واختلف أصحابنا في إضافة العتق إلى المولى فمنهم من قال يصح وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأنه إزالة ملك يجوز بالصريح والكناية فجاز إضافته إلى المالك كالطلاق وقال

(3/8)


أكثر أصحبنا لا يصح والفرق بينه وبين الطلاق أن الطلاق يحل النكاح وهما مشتركان في النكاح والعتق يحل الرق والرق يختص به العبد. والله أعلم.

(3/9)


باب ما يقع به الطلاق وما لا يقع
لا يقع الطلاق إلا بصريح أو كناية مع النية فإن نوى الطلاق من غير صريح ولا كناية لم يقع الطلاق لأن التحريم في الشرع علق على الطلاق ونية الطلاق ليست بطلاق ولأن إيقاع الطلاق بالنية لا يثبت إلا بأصل أو بالقياس على ما ثبت بأصل وليس ههنا أصل ولا قياس على ما ثبت بأصل فلم يثبت.
فصل: والصريح ثلاثة ألفاظ: الطلاق والفراق والسراح لأن الطلاق ثبت له عرف الشرع واللغة والسراح والفراق ثبت لهما عرف الشرع فإنهما ورد بهما القرآن فإذا قال لامرأته أنت طالق أو طلقتك أو أنت مطلقة أو سرحتك أو أنت مسرحة أو فارقتك أو أنت مفارقة وقع الطلاق من غير نية فإن خاطبها بأحد هذه الألفاظ ثم قال أردت غيرها فسبق لساني إليها لم يقبل لأنه يدعي خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال أنت طالق وقال أردت طلاقاً من وثاق أو قال سرحتك وقال أردت تسريحا من اليد أو قال فارقتك وقال أردت فراقاً بالجسم لم يقبل في الحكم لأنه يدعي خلاف ما يقتضيه اللفظ في العرف ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يحتمل ما يدعيه فإن علمت المرأة صدقه فيما دين فيه الزوج جاز لها أن تقيم معه وإن رآهما الحاكم على الاجتماع ففيه وجهان: أحدهما: يفرق بينهما بحكم الظاهر لقوله صلى الله عليه وسلم: "أحكم بالظاهر والله عز وجل يتولى السرائر". والثاني: لا يفرق بينهما لأنهما على اجتماع يجوز إباحته في الشرع وإن قال أنت طالق من وثاق أو سرحتك من اليد أو فارقتك بجسمي لم تطلق لأنه اتصل بالكلام ما يصرف اللفظ عن حقيقته ولهذا إذ قال لفلان علي عشرة إلا خمسة لم يلزمه عشرة وإذا قال: لا إله إلا الله لم يجعل كافرا بابتداء كلامه وإن قال: أنت طالق ثم قال قلته هازلاً وقع الطلاق ولم يدن لما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة"1.
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 9، الترمذي في كتاب الطلاق باب 9، ابن ماجه في كتاب الطلاق باب 13.

(3/9)


فصل: قال في الإملاء: لو قال له رجل طلقت امرأتك فقال نعم طلقت عليه في الحال لأن الجواب يرجع إلى السؤال فيصير كما لو قال طلقت ولهذا لو كان هذا جواباً عن دعوى لكان صريحا في الإقرار وإن قال أردت به في نكاح قبله فإن كان لما قاله أصل قبل منه لأن اللفظ يحتمله وإن لم يكن له أصل لم يقبل لأنه يسقط حكم اللفظ وإن قال له أطلقت امرأتك فقال له قد كان بعض ذلك وقال أردت أني كنت علقت طلاقها بصفة قبل منه لأنه يحتمله اللفظ وإن قال لامرأته أنت طالق لولا أبوك لطلقتك لم تطلق لأن قوله أنت طالق لولا أبوك ليس بإيقاع طلاق وإنما هو يمين بالطلاق وأنه لولا أبوها لطلقها فتصير كما لو قال والله لولا أبوك لطلقتك.
فصل: وأما الكناية فهي كثيرة وهي الألفاظ التي تشبه الطلاق وتدل على الفراق وذلك مثل قوله: أنت بائن وخلية وبرية وبتة وبتلة وحرة وواحدة وبيني وابتدعي واغربي واذهبي واستفلحي والحقي بأهلك وحبلك على غاربك واستتري وتقنعي واعتدي وتزوجي وذوقي وتجرعي وما أشبه ذلك فإن خاطبها بشيء من ذلك ونوى به الطلاق وقع وإن لم ينولم يقع لأنه يحتمل الطلاق وغيره فإذا نوى به الطلاق صار طلاقا وإذا لم ينوبه الطلاق لم يصر طلاقاً كالإمساك عن الطعام والشراب لما احتمل الصوم وغيره إذا نوى به الصوم صار صوما وإذا لم ينوبه الصوم لم يصر صوما وإن قال أنا منك طالق أو جعل الطلاق إليها فقالت طلقتك أو أنت طالق فهو كناية يقع به الطلاق مع النية ولا يقع من غير

(3/10)


نية لأن استعمال هذا اللفظ في الزوج غير متعارف وإنما يقع به الطلاق مع النية من جهة المعنى فلم يقع به من غير نية كسائر الكنايات وإن قال له رجل ألك زوجة فقال لا فإن لم ينوبه الطلاق لم تطلق لأنه ليس بصريح وإن نوى به الطلاق وقع لأنه يحتمل الطلاق.
فصل: واختلف أصحابنا في الوقت الذي تعتبر فيه النية في الكنايات فمنهم من قال إذا قارنت النية بعض اللفظ من أوله أومن آخره وقع الطلاق كما أن في الصلاة إذا قارنت النية جزءاً منها صحت الصلاة ومنهم من قال لا تصح حتى تقارن إليه جميعها وهو أن ينوي ويطلق عقيبها وهو ظاهر النص لأن بعض اللفظ لا يصلح للطلاق فلم تعمل النية معه فأما الصلاة فلا تصح حتى تقارن النية جميعها بأن ينوي الصلاة ويكبر عقيبها ومتى خلا جزء من التكبير عن النية لم تصلح صلاته.
فصل: وأما ما لا يشبه الطلاق ولا يدل على الفراق من الألفاظ كقوله اقعدي واقربي واطعمي واسقيني وما أحسنك وبارك الله فيك وما أشبه ذلك فإنه لا يقع به الطلاق وإن نوى لأن اللفظ لا يحتمل الطلاق فلو أوقعنا الطلاق لأوقعناه بمجرد النية وقد بينا أن الطلاق لا يقع بمجرد النية.
فصل: واختلف أصحابنا في قوله أنت الطلاق فمنهم من قال هو كناية فإن نوى به الطلاق فهو طلاق لأنه يحتمل أن يكون معناه أنت طالق وأقام المصدر مقام الفاعل كقوله تعالى: {أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} [الملك: 30] أراد غائرا. وإن لم ينولم يقع لأن قوله أنت الطلاق لا يقتضي وقوع الطلاق ومنهم من قال هو صريح ويقع به الطلاق من غير نية لأن لفظ الطلاق يستعمل في معنى طالق والدليل عليه قول الشاعر:
أنوهت باسمي في العالمين ... وأفنيت عمري عاما فعاما
فأنت الطلاق وأنت الطلاق ... وأنت الطلاق ثلاثا تماما
وقال آخر:
فإن ترفقي يا هند فالرفق أيمن ... وإن تخرقي يا هند فالخرق آلم
فأنت الطلاق والطلاق عزيمة ... ثلاثا ومن يخرق أعق وأظلم
فبيني بها إن كنت غير رفيقة ... فما لامرئ بعد الثلاثة مقدم
فصل: واختلفوا فيمن قال لامرأته كلي واشربي ونوى الطلاق فمنهم من قال لا يقع

(3/11)


وهو قول أبي اسحق لأنه لا يدل على الطلاق فلم يقع به الطلاق كما لو قال أطعميني واسقيني ومنهم من قال يقع وهو الصحيح لأنه يحتمل معنى الطلاق وهو أن يريد كلي ألم الفراق واشربي كأس الفراق فوقع به الطلاق مع النية كقوله ذوقي وتجرعي.
فصل: إذا قال لامرأته اختاري أو أمرك بيدك فقالت اخترت لم يقع الطلاق حتى ينويا لأنه كناية لأنها تحتمل الطلاق وغيره فلم يقع به الطلاق حتى يتفقا على نية الطلاق وإن قال اختاري ونوى اختيار الطلاق أو قال أمرك بيدي ونوى تمليك أمر الطلاق فقالت اخترت الزوج لم يقع الطلاق لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم تجعل ذلك طلاقا ولأن اختيار الزوج اختيار النكاح لا يحتمل غيره فلم يقع به الطلاق فإن قالت اخترت نفسي لم يقع الطلاق حتى تنوي الطلاق لأنه يحتمل أن يكون معناه اخترت نفسي للنكاح ويحتمل اخترت نفسي للطلاق ولهذا لو صرحت به جاز فلم يقع به الطلاق من غير نية وإن قالت اخترت الأزواج ونوت الطلاق ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق أنه لا يقع لأن الزوج من الأزواج والثاني: يقع وهو الأظهر عندي لأنها لا تحل للأزواج إلا بمفارقته كما لو قال لها الزوج تزوجي ونوى به الطلاق وإن قالت اخترت أبوي ونوت الطلاق ففيه وجهان: أحدهما: لا يقع الطلاق لأن اختيار الأبوين لا يقتضي فراق الزوج والثاني: أنه يقع لأنه يتضمن العود إليهما بالطلاق فصار كقوله الحقي بأهلك وإن قال لها أمرك بيدك ونوى به إيقاع الطلاق ففيه وجهان: أحدهما: لا يقع الطلاق لأنه صريح في تمليك الطلاق وتعليقه على قبولها فلم يجز صرفه إلى الإيقاع والثاني: أنه يقع لأن اللفظ يحتمل الإيقاع فهو كقوله حبلك على غاربك.
فصل: إذا قال لامرأته أنت علي حرام ونوى به الطلاق فهو طلاق لأنه يحتمل التحريم بالطلاق وإن نوى به الظهار فهو ظهار لأنه يحتمل التحريم بالظهار ولا يكون ظهارا ولا طلاقاً من غير نية لأنه ليس بصريح في واحد منهما وإن نوى تحريم عينها لم تحرم لما روى سعيد بن جبير قال: جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنه فقال: إني جعلت امرأتي علي حراماً قال: كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} إلى آخر الآية ويجب عليه بذلك كفارة يمين لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم مارية القبطية أم إبراهيم

(3/12)


ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ الله لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 1 - 2] فوجبت الكفارة في الأمة بالآية وقسنا الحرة عليها لأنها في معناها في تحليل البضع وتحريمه وإن قال أنت علي حرام ولم ينو شيئاً ففيه قولان: أحدهما: تجب عليه الكفارة فعلى هذا يكون هذا اللفظ صريحاً في إيجاب الكفارة لأن كل كفارة وجبت بالكناية مع النية كان لوجوبها صريح ككفارة الظهار والثاني: لا يجب فعلى هذا لا يكون هذا اللفظ صريحاً في شيء لأن ما كان كناية في جنس لا يكون صريحاً في ذلك الجنس ككنايات الطلاق وإن قال لأمته أنت علي حرام فإن نوى به العتق كان عتقاً لأنه يحتمل أنه أراد تحريمها بالعتق وإن نوى الظهار لم يكن ظهاراً لأن الظهار لا يصح من الأمة وإن نوى تحريم عينها لم تحرم ووجب عليه كفارة يمين لما ذكرناه وإن لم يكن له نية ففيه طريقان: من أصحابنا من قال يجب عليه الكفارة قولاً واحدا لعموم الآية ومنهم من قال فيه قولان كالقولين في الزوجة لما ذكرناه وإن كان له نسوة أو إماء فقال أنتن علي حرام ففي الكفارة قولان: أحدهما: يجب لكل واحدة كفارة والثاني: يجب كفارة واحدة كالقولين فيمن ظاهر من نسوة وإن قال لامرأته أنت علي كالميتة والدم فإن نوى به الطلاق فهو طلاق وإن نوى به الظهار فهو ظهار وإن نوى به تحريمها لم تحرم وعليه كفارة يمين لما ذكرناه في لفظ التحريم وإن لم ينو شيئاً فإن قلنا إن لفظ التحريم صريح في إيجاب الكفارة لزمته الكفارة لأن ذلك كناية عنه وإن قلنا إنه كناية لم يلزم شيء لأن الكناية لا يكون لها كناية.
فصل: إذا كتب طلاق امرأته بلفظ صريح ولم ينولم يقع الطلاق لأن الكتابة تحتمل إيقاع الطلاق وتحتمل امتحان الخط فلم يقع الطلاق بمجردها وإن نوى به الطلاق ففيه قولان: قال في الإملاء لا يقع به الطلاق لأنه فعل ممن يقدر على القول فلم يقع به الطلاق كالإشارة وقال في الأم هو طلاق وهو صحيح لأنها حروف يفهم منها الطلاق فجاز أن يقع بها الطلاق كالنطق فإذا قلنا بهذا فهل يقع بها الطلاق من الحاضر والغائب فيه وجهان: أحدهما: أنه يقع بها إلا في حق الغائب لأنه جعل في العرف لإفهام الغائب كما جعلت الإشارة لإفهام الأخرس ثم لا يقع الطلاق بالإشارة إلا في حق الأخرس وكذلك لا يقع الطلاق بالكتابة إلا في حق الغائب والثاني: أنه يقع بها من الجميع لأنها كناية فاستوى فيها الحاضر والغائب كسائر الكنايات.
فصل: فإن أشار إلى الطلاق فإن كان لا يقدر على الكلام كالأخرس صح طلاقه

(3/13)


بالإشارة وتكون إشارته صريحاً لأنه لا طريق له إلى الطلاق إلا بالإشارة وحاجته إلى الطلاق كحاجته غيره فقامت الإشارة مقام العبارة وإن كان قادراً على الكلام لم يصح طلاقه بالإشارة لأن الإشارة إلى الطلاق ليست بطلاق إنما قامت مقام العبارة في حق الأخرس لموضع الضرورة ولا ضرورة ههنا فلم تقم مقام العبارة.

(3/14)


باب عدد الطلاق والاستثناء فيه
إذا خاطب امرأته بلفظ من ألفاظ الطلاق كقوله أنت طالق أو بائن أو بتة أو ما أشبهها ونوى طلقتين أو ثلاثاً وقع لما روي أن ركانة ابن عبد يزيد قال: يا رسول الله إني طلقت امرأتي سهيمة البتة والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والله ما أردت إلا واحدة؟ " فقال ركانة: والله ما أردت إلا واحدة فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه فدل على أنه لو أراد ما زاد على واحدة لوقع ولأن اللفظ يحتمل العدد بدليل أنه يجوز أن يفسره به وهو أن يقول أنت طالق طلقتين أو ثلاثاً أو بائن بطلقتين وثلاث وما احتمله اللفظ إذا نواه وقع به الطلاق كالكناية وإن قال أنت واحدة ونوى طلقتين أو ثلاثاً ففيه وجهان: أحدهما: يقع لأنه يحتمل أن يكون معناه أنت طالق واحدة مع واحدة أو مع اثنتين والثاني: لا يقع ما زاد على واحدة لأنه صريح في واحدة ولا يحتمل ما زاد فلو أوقعنا ما زاد لكان إيقاع طلاق بالنية من غير لفظ وذلك لا يجوز وإن قال لها اختاري وقالت المرأة اخترت اتفقا على عدد ونوياه وقع ما نوياه وإن اختلفا فنوى أحدهما: طلقة ونوى الآخر ما زاد لم يقع ما زاد على طلقة لأن الطلاق يفتقر إلى تمليك الزوج وإيقاع المرأة وإذا نوى أحدهما: طلقة ونوى الآخر ما زاد لم يقع لأنه لم يوجد الإذن والإيقاع إلا في طلقة فلم يقع ما زاد.
فصل: وإن قال أنت وأشار بثلاث أصابع ونوى الطلاق الثلاث لم يقع شيء لأن قوله أنت ليس من ألفاظ الطلاق فلو أوقعنا الطلاق لكان بالنية في بيان العدد وإن قال أردت بعدد الإصبعين المقبوضتين قبل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال أنت طالق وأشار بالأصابع ولم يقل هكذا وقال أردت واحدة ولم أرد العدد قبل لأنه يحتمل ما يدعيه.
فصل: وإن قال أنت طالق واحدة في اثنتين نظرت فإن نوى طلقة واحدة مع اثنتين وقعت ثلاث لأن في تستعمل بمعنى مع والدليل عليه قوله عز وجل: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 29 - 30] والمراد مع عبادي فإن لم يكن له نية نظرت فإن لم يعرف الحساب ولا نوى مقتضاه في الحساب طلقت طلقة واحدة بقوله أنت طالق

(3/14)


ولا يقع بقوله في اثنتين شيء لأنه لا يعرف مقتضاه فلم يلزمه حكمه كالأعجمي إذا طلق بالعربية وهولا يعرف معناه وإن نوى مقتضاه في الحساب ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبو بكر الصيرفي أنه يقع طلقتان لأنه أراد موجبه في الحساب وموجبه في الحساب طلقتان والثاني: وهو المذهب أنه لا يقع إلا طلقة واحدة لأنه إذا لم يعلم مقتضاه لم يلزمه حكمه كالأعجمي إذا طلق بالعربية وهولا يعلم وقال أردت مقتضاه في العربية فإن كان عالماً في الحساب نظرت فإن نوى موجبه في الحساب طلقت طلقتين لأن موجبه في الحساب طلقتان وإن قال أردت واحدة في اثنتين باقيتين طلقت واحدة لأنه يحتمل ما يدعيه كقوله له عندي ثوب في منديل وأراد في منديل وإن لم يكن له نية فالمنصوص أنها تطلق طلقة لأن هذا اللفظ غير متعارف عند الناس ويحتمل طلقة في طلقتين واقعتين ويحتمل طلقة في طلقتين باقيتين فلا أن يوقع بالشك وقال أبو إسحاق يحتمل أن تطلق طلقتين لأنه عالم بالحساب ويعلم أن الواحدة في اثنتين طلقتان في الحساب.
فصل: وإن قال أنت طالق طلقة بل طلقتان ففيه وجهان: أحدهما: يقع طلقتان كما إذا قال له علي درهم بل درهمان لزمه درهمان والثاني: يقع الثلاث والفرق بينه وبين الإقرار أن الإقرار إخبار يحتمل التكرار فجاز أن يدخل الدرهم في الخبرين والطلاق إيقاع فلا يجوز أن يوقع الطلاق الواحد مرتين فحمل على طلاق مستأنف ولهذا لو أقر بدرهم في يوم ثم أقر بدرهم في يوم آخر لم يلزمه إلا درهم ولو طلقها في يوم ثم طلقها في يوم آخر كانتا طلقتين.
فصل: وإن قال لغير المدخول بها أنت طالق ثلاثاً وقع الثلاث لأن الجميع صادف الزوجية فوقع الجمع كما لو قيل ذلك للمدخول بها وإن قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق ولم يكن له نية وقعت الأولى دون الثانية والثالثة وحكي عن الشافعي رحمه الله في القديم أنه قال يقع الثلاث فمن أصحابنا من جعل ذلك قولاً واحداً وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأن الكلام إذ لم ينقطع ارتبط بعضه ببعض فصار كما لو قال أنت طالق ثلاثا وقال أكثر أصحابنا لا يقع أكثر من طلقة وما حكي عن القديم إنما هو حكاية عن مالك رحمه الله ليس بمذهب له لأنه تقدمت الأولى فبانت بها فلم يقع ما بعدها.
فصل: وإن قال للمدخول بها أنت طالق أنت طالق أنت طالق نظرت فإن كان أراد به التأكيد لم يقع أكثر من طلقة لأن التكرار يحتمل التأكيد وإن أراد الإستئناف وقع بكل لفظة طلقة لأنه يحمل الاستئناف وإن أراد بالثاني التأكيد وبالثالث الاستئناف وقع

(3/15)


طلقتان وإن لم يكن له نية ففيه قولان: قال في الإملاء: يقع طلقة لأنه يحتمل التكرار والاستئناف فلا يقع ما زاد على طلقة بالشك وقال في الأم: يقع الثلاث لأن اللفظ الثاني والثالث كاللفظ الأول فإذا وقع بالأول طلاق وجب أن يقع بالثاني والثالث مثله وأما إذا غاير بينها في الحروف بأن قال أنت طالق وطالق ثم طالق ولم يكن له نية وقع بكل لفظة طلقة لأن المغايرة بينها في اللفظ تسقط حكم التأكيد فإن ادعى أنه أراد التأكيد لم يقبل في الحكم لأنه يخالف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال أنت طالق وطالق وطالق وقع بالأول طلقة وبالثاني طلقة لتغاير اللفظين ويرجع في الثالث إليه لأنه لم يغاير بينه وبين الثاني فهو كقوله أنت طالق أنت طالق وإن غاير بين الألفاظ ولم يغاير بالحروف بأن قال أنت طالق أنت مسرحة أنت مفارقة ففيه وجهان: أحدهما: أن حكمه حكم المغايرة في الحروف لأنه إذا تغير الحكم بالمغايرة بالحروف فلأن يتغير بالمغايرة في لفظ الطلاق أولى والثاني: أن حكمه حكم اللفظ الواحد لأن الحروف هي العاملة في اللفظ وبها يعرف الاستئناف ولم توجد المغايرة في الحروف.
فصل: وإن قال أنت طالق بعض طلقة وقعت طلقة لأن ما يتبعض من الطلاق كان تسمية بعضه كتسمية جميعه كما لو قال بعضك طالق وإن قال أنت طالق نصفي طلقة وقعت طلقة لأن نصفي طلقة هي طلقة وإن قال أنت طالق ثلاثة أنصاف طلقة ففيه وجهان: أحدهما: أنه يقع طلقتان لأن ثلاثة أنصاف طلقة طلقة ونصف فكمل النصف فصار طلقتين والثاني: تطلق طلقة لأنه أضاف الأنصاف الثلاثة إلى طلقة وليس للطلقة إلا نصفان فألغى النصف الثالث وإن قال أنت طالق نصفي طلقتين وقعت طلقتان لأنه يقع من كل طلقة نصفها ثم يسري فيصير طلقتين وإن قال أنت طالق نصف طلقتين ففيه وجهان: أحدهما: تقع طلقة واحدة لأن نصف الطلقتين طلقة والثاني: أنه تقع طلقتان لأنه يقتضي النصف من كل واحدة منهما ثم يكمل النصفان فيصير الجميع طلقتين وإن قال أنت طالق نصف طلقة ثلث طلقة سدس طلقة طلقت طلقة واحدة لأنها أجزاء الطلقة وإن قال أنت طالق نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة وقع ثلاث طلقات لأن بدخول حروف العطف وقع بكل جزء طلقة وسرى إلى الباقي وإن قال أنت نصف طالق طلقت كما لو قال نصفك طالق وإن قال أنت نصف طلقة ففيه وجهان: أحدهما: أنه كناية فلا يقع بإطلاق من غير نية والثاني: أنه صريح فيقع به طلقة بناء على الوجهين فيمن قال لامرأته أنت الطلاق.
فصل: وإن كان له أربع نسوة فقال أوقعت عليكن أو بينكن طلقة طلقت كل واحدة

(3/16)


منهن طلقة لأنه يخص كل واحدة منهن ربع طلقة وتكمل بالسراية وإذا قال أوقعت عليكن أو بينكن طلقتين أو ثلاثاً أو أربعاً وقع على كل واحدة طلقة لأنه إذا قسم بينهن لم يزد نصيب كل واحدة منهن على طلقة وإن قال أردت أن يقع على كل واحدة من الطلقتين وقع على كل واحدة طلقتان وإن قال أردت أن يقع على كل واحدة من الثلاث الطلقات وقع على كل واحدة ثلاث طلقات لأنه مقر على نفسه بما فيه تغليظ واللفظ محتمل له وإن قال أوقعت عليكن خمساً وقع على كل واحدة طلقتان لأنه يصيب كل واحدة طلقة وربع وكذلك إن قال أوقعت عليكن ستاً أو سبعاً أو ثمانيا وإن قال أوقعت عليكن تسعاً طلقت كل واحدة ثلاثا وإن قال أوقعت بينكن نصف طلقة وثلث طلقة وسدس طلقة طلقت كل واحدة ثلاثاً لأنه لما عطف وجب أن يقسم كل جزء من ذلك بينهن ثم يكمل.
فصل: وإن قال أنت طالق ملء الدنيا أو أنت طالق أطول الطلاق أو أعرضه وقعت طلقة لأن شيئاً من ذلك لا يقتضي العدد وقد تتصف الطلقة الواحدة بذلك كله.
فصل: وإن قال أنت طالق أشد الطلاق وأغلظه وقعت طلقة لأنه قد تكون الطلقة أشد وأغلظ عليه لتعجلها أو لحبه لها أو لحبها له فلم يقع ما زاد بالشك وإن قال أنت طالق كل الطلاق أو أكثره وقع الثلاث لأنه كل الطلاق وأكثره.
فصل: وإن قال للمدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقة طلقت طلقتين لأن الجميع يصادف الزوجية وإن قال أردت بعدها طلقة أوقعها لم يقبل في الحكم لأن الظاهر أنه طلاق ناجز ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة وقعت طلقتان وفي كيفية وقوع ما قبلها وجهان: قال أبوعلي ابن أبي هريرة: يقع مع التي أوقعها لأن إيقاعها فيما قبلها إيقاع طلاق في زمان ماض فلم يعتبر كما لو قال أنت طالق أمس وقال أبو إسحاق يقع قبلها اعتباراً بموجب لفظه كما لو قال أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات بعد شهر ويخالف قوله أنت طالق أمس لأنا لو أوقعناه في أمس تقدم الوقوع على الإيقاع وههنا يقع الطلاقان بعد الإيقاع وإن قال أردت بقولي قبلها طلقة في نكاح قبله فإن كان لما قاله أصل قبل منه لأنه يحتمل ما يدعيه وإن لم يكن له أصل لم يقبل منه لأنه لا يحتمل ما يدعيه.
فصل: وإن قال لها أنت طالق طلقة قبلها طلقة وبعدها طلقة طلقت ثلاثا على ما ذكرناه وإن قال لها أنت طالق طلقة وبعدها طلقة طلقت ثلاثاً لأنه يقع بقوله أنت طالق طلقة ويقع قبلها نصف طلقة وبعدها نصف طلقة ثم يكمل النصفان فيصير الجميع ثلاثا.

(3/17)


فصل: وإن قال لغير المدخول بها أنت طالق طلقة بعدها طلقة لم تقع الثانية لأنها بائن بالأولى فلم تقع الثانية وإن قال أنت طالق طلقة قبلها طلقة ففيه وجهان: أحدهما: لا تطلق لأن وقوع طلقة عليها يوجب وقوع طلقة قبلها ووقوع ما قبلها يمنع وقوعها فيما نعا بالدور وسقطا والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أنها تطلق ليس شيء لأن وقوع طلقة قبلها ما قبلها يوجب إسقاطها وإسقاط ما قبلها فوجب إثباتها وإسقاط ما قبلها وإن قال أنت طالق طلقة معها طلقة ففيه وجهان: أحدهما: أنها تطلق واحدة وهو قول المزني لأنه أفردها فجاز كما لو قال أنت طالق واحدة بعدها واحدة والوجه الثاني أنها تطلق طلقتين لأنهما يجتمعان في الوقوع فلا تتقدم إحداهما على الأخرى فهو كما لو قال أنت طالق طلقتين وإن قال أنت طالق طلقتين ونصفا طلقت طلقتين لأنه جمع بين الطلقتين في الإيقاع فبانت بهما ثم أوقع النصف بعدما بانت فلم يقع.
فصل: إذا قال لامرأته أنت طالق طلقة لا تقع عليك طلقت لأنه أوقع الطلاق ثم أراد رفعه والطلاق إذا وقع لم يرتفع وإن قال أنت طالق أولا لم تطلق لأنه ليس بإيقاع.
فصل: ويصح الاستثناء في الطلاق لأنه لغة العرب ونزل به القرآن وحروفه إلا وغير وخلا وسوى وعدا وحاشى فإذا قال أنت طالق ثلاثاً إلا طلقة وقعت طلقتان وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا طلقتين وقعت طلقة وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً طلقت ثلاثاً لأن الاستثناء يرفع المستثنى منه فيسقط وبقي الثلاث وإن قال أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين وطلقة ففيه وجهان: أحدهما: يقع الثلاث لأنه استثنى ثلاثا من ثلاث والثاني: تقع طلقة لأن الاستثناء الثاني هو الباطل فسقط وبقي الاستثناء الأول وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا نصف طلقة طلقت ثلاثا لأنه يبقى طلقتان ونصف ثم يسري النصف إلى الباقي فيصير ثلاثاً وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا طلقة واحدة وقعت طلقة لأن المعطوف على الاستثناء مضموم إلى الاستثناء ولهذا إذا قال له علي مائة إلا خمسة وعشرين ضمت الخمسة إلى العشرين في الاستثناء ولزمه ما بقي وإن قال أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة ففيه وجهان: أحدهما: تطلق طلقة لأن الواو في الإسمين المنفردين كالتثنية فيصير كما لو قال أنت طالق طلقتين إلا طلقة والثاني: وهو المنصوص أنها تطلق طلقتين لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو طلقة واستثناء طلقة من طلقة باطل فسقط وبقي طلقتان وإن قدم الاستثناء على المستثنى منه بأن قال أنت إلا واحدة طالق ثلاثاً فقد قال بعض أصحابنا أنه لا يصح الاستثناء فيقع الثلاث لأن الاستثناء جعل لاستدراك ما تقدم من كلامه ويحتمل عندي أنه يصح الاستثناء فيقع طلقتان لأن التقديم والتأخير في ذلك لغة العرب قال الفرزدق يمدح

(3/18)


هشام بن إبراهيم بن المغيرة خال هشام بن عبد الملك:
وما مثله في الناس إلا مملكاً ... أبو أمه حي أبوه يقاربه
تقديره وما مثله في الناس حي يقاربه إلا مملكاً أبو أمه أبو الممدوح.
فصل: ويصح الاستثناء من الاستثناء لقوله عز وجل: {قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ِلَّا امْرَأَتَهُ} [الحجر: 58 - 60] فاستثنى آل لوط من المجرمين واستثنى من آل لوط امرأته وإذ قال أنت طالق ثلاثاً إلا طلقتين إلا طلقة طلقت طلقتين لأن تقديره أنت طالق ثلاثاً إلا طلقتين فلا يقعان إلا طلقة فتقع وإن قال أنت طالق خمساً إلا ثلاثاً ففيه وجهان: أحدهما: أنها تطلق ثلاثاً لأنه لا يقع من الخمس إلا ثلاث فصار كما لو قال أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً والثاني: أنها تطلق طلقتين لأنه لما وصل بالاستثناء علم أنه قصد الحساب وإن قلت أنت طالق خمساً إلا اثنتين طلقت على الوجه الأول طلقة وعلى الوجه الثاني تطلق ثلاثا وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا ثلاثاً إلا اثنتين ففيه ثلاثة أوجه: أحدها يقع الثلاث لأن الاستثناء الأول يرفع المستثنى منه فيبطل والاستثناء الثاني فرع عليه فسقط وبقي الثلاث والثاني: تطلق طلقتين لأنه لما وصله بالاستثناء صار كأنه أثبت ثلاثا ونفى ثلاثا ثم أثبت اثنتين والثالث تقع طلقة لأن الاستثناء الأول لا يصح فسقط وبقي الاستثناء الثاني فيصير كما لو قال: أنت طالق ثلاثا إلا طلقتين.
فصل: وإن قال أنت طالق ثلاثاً إلا أن يشاء أبوك واحدة وقال أبوها شئت واحدة لم تطلق لأن الاستثناء من الإثبات نفي فيصير تقديره أنت طالق ثلاثاً إلا أن يشاء أبوك واحدة فلا يقع طلاق.
فصل: وإن قال امرأتي طالق أو عبدي حر أو لله علي كذا أو والله لأفعلن كذا إن شاء الله أو بمشيئة الله أو ما لم يشأ الله لم يصح شيء من ذلك لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين ثم قال إن شاء الله كان له ثنيا1 ". وروى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث2". ولأنه علق هذه الأشياء على مشيئة الله تعالى ومشيئته لا تعلم فلم يلزم بالشك شيء وإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله ففيه وجهان: أحدهما: لا تطلق لأنه مقيد بمشيئة الله تعالى فأشب
__________
1 رواه ابن ماجه في كتاب الكفارات باب 6.
2 رواه البخاري في كتاب الكفارات باب 9، مسلم في كتاب الأيمان حديث، 23. الترمذي في كتاب النذور باب 7. النسائي في كتاب الأيمان باب 43. الموطأ في كتاب النذور حديث 10.

(3/19)


الطلاق وعلق رفعه بمشيئة الله تعالى ومشيئة الله لا تعلم فسقط حكم رفعه وبقي حكم ثبوته ويخالف إذا قال أنت طالق إن شاء الله فإنه علق الوقوع على مشيئة الله تعالى.
فصل: ولا يصح الاستثناء في جميع ما ذكرناه إلا أن يكون متصلاً بالكلام فإن انفصل عن الكلام من غير عذر لم يصح لأن العرف في الاستثناء أن يتصل بالكلام فإن انفصل لضيق النفس صح الاستثناء لأنه كالمتصل في العرف ولا يصح إلا أن يقصد إليه فأما إذا كانت عادته في كلامه أن يقول إن شاء الله فقال إن شاء الله على عادته لم يكن استثناء لأنه لم يقصده واختلف أصحابنا في وقت نية الاستثناء فمنهم من قال لا يصح إلا أن يكون ينوي ذلك من ابتداء الكلام ومنهم من قال إذا نوى قبل الفراغ من الكلام جاز.
فصل: إذا قال يا زانية أنت طالق إن شاء الله أو أنت طالق يا زانية إن شاء الله رجع الاستثناء إلى الطلاق ولا يرجع إلى قوله يا زانية لأن الطلاق إيقاع فجاز تعليقه بالمشيئة وقوله يا زانية صفة فلا يصح تعليقها بالمشيئة ولهذا يصح أن يقول أنت طالق إن شاء الله ولا يصح إن يقول أنت زانية إن شاء الله وإن كانت له امرأتان حفصة وعمرة فقال حفصة وعمرة طالقان إن شاء الله لم تطلق واحدة منهما وإن قال حفصة طالق وعمرة طالق إن شاء الله فقد قال بعض أصحابنا تطلق حفصة ولا تطلق عمرة لأن الاستثناء يرجع إلى ما يليه وهو طلاق عمرة ويحتمل عندي أن لا تطلق واحدة منهما لأن المجموع بالواو كالجملة الواحدة.
فصل: وإن طلق بلسانه واستثنى بقلبه نظرت فإن قال أنت طالق ونوى بقلبه إن شاء الله لم يصح الاستثناء ولم يقبل في الحكم ولا يدين فيه لأن اللفظ أقوى من النية لأن اللفظ يقع به الطلاق من غير نية والنية لا يقع بها الطلاق من غير لفظ فلو أعملنا النية لرفعنا القوي بالضعيف وذلك لا يجوز كنسخ الكتاب بالسنة وترك النص بالقياس وإن قال نسائي طوالق واستثنى بالنية بعضهم دين فيه لأنه لا يسقط اللفظ بل يستعمله في بعض ما يقتضيه بعمومه وذلك يحتمل فديه فيه ولا يقبل في الحكم وقال أبو حفص الباب بشامي: يقبل في الحكم لأن اللفظ يحتمل العموم والخصوص وهذا غير صحيح لأنه وإن احتمل الخصوص إلا أن الظاهر العموم فلا يقبل في الحكم دعوى الخصوص فإن قال امرأتي طالق ثلاثا واستثنى بقلبه إلا طلقة أو طلقتين لم يقبل في الحكم لأنه يدعي خلاف ما يقتضيه اللفظ وهل يدين فيه وجهان: أحدهما: يدين لأنه لا يسقط حكم اللفظ وإنما يخرج بعض ما يقتضيه فدين فيه كما لو قال نسائي طوالق واستثنى بالنية بعضهن والثاني: لا يدين وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله لأنه يسقط ما يقتضيه

(3/20)


اللفظ بصريحه بما دونه من النية وإن قال لأربع نسوة أربعكن طالق واستثنى بعضهم بالنية لم يقبل في الحكم وهل يدين فيه وجهان: أحدهما: يدين والثاني: لا يدين ووجههما ما ذكرناه في المسألة قبلها.

(3/21)


باب الشرط في الطلاق
إذا علق الطلاق بشرط لا يستحيل كدخول الدار ومجيء الشهر تعلق به فإذا وجد الشرط وقع وإذا لم يوجد لم يقع لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المؤمنون عند شروطهم". ولأن الطلاق كالعتق لأن كل واحد منهما قوة وسراية ثم العتق إذا علق على شرط وقع بوجوده ولم يقع قبل وجوده فكذلك الطلاق فإن علق الطلاق على شرط ثم قال عجلت ما كنت علقت على الشرط لم تطلق في الحال لأنه تعلق بالشرط ولا يتغير وإذا وجد الشرط طلقت وإن قال أنت طالق ثم قال أردت إذا دخلت الدار أو إذا جاء رأس الشهر لم يقبل في الحكم لأنه يدعي خلاف ما يقتضيه اللفظ بظاهره ويدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه يدعي صرف الكلام عن ظاهره إلى وجه يحتمله فدين فيه كما لو قال أنت طالق وادعى أنه أراد طلاقاً من وثاق فإن قال أنت طالق إن دخلت الدار وقال أردت الطلاق في الحال ولكن سبق لساني إلى الشرط لزمه الطلاق في الحال لأنه أقر على نفسه بما يوجب التغليظ من غير تهمة.
فصل: والألفاظ التي تستعمل في الشرط في الطلاق من وإن وإذا ومتى وأي وقت وكلما وليس في هذه الألفاظ ما يقتضي التكرار إلا قوله كلما فإنه يقتضي التكرار فإذا قال من دخلت الدار فهي طالق أو قال لامرأته إن دخلت الدار أو إذا دخلت الدار أو متى دخلت الدار أوفي أي وقت دخلت الدار فأنت طالق فوجد الدخول وقع الطلاق وإن تكرر الدخول لم يتكرر الطلاق لأن اللفظ لا يقتضي التكرار وإن قال كلما دخلت الدار فأنت طالق فدخلت طلقت وإن تكرر الدخول تكرر الطلاق لأن اللفظ يقتضي التكرار.
فصل: وإن كانت له امرأة لا سنة في طلاقها ولا بدعة وهي الصغيرة التي لم تحض أو الكبيرة التي يئست من الحيض أو الحامل أو التي لم يدخل بها فقال لها أنت طالق لا للسنة ولا للبدعة طلقت لوجود الصفة وإن قال أنت طالق للسنة أو للبدعة أو أنت طالق للسنة والبدعة طلقت لأنه وصفها بصفة لا تتصف بها فلغت الصفة وبقي الطلاق فوقع فإن قال للصغيرة أو الحامل أو التي لم يدخل بها أنت طالق للسنة أو أنت طالق للبدعة وقال أردت به إذا صارت من أهل سنة الطلاق أو بدعته طلقت في الحال ولم يقبل ما

(3/21)


يدعيه في الحكم لأن اللفظ يقتضي طلاقاً ناجزا ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن كانت له امرأة لها سنة وبدعة في الطلاق وهي المدخول بها إذا كانت من ذوات الأقراء فقال لها: أنت طالق للسنة فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه لم تطلق في الحال لفقد الصفة فإذا جامعها أو حاضت طلقت لوجود الصفة وإن قال أنت طالق للسنة إن كنت في هذه الحالة ممن يقع عليها طلاق السنة فإن كانت في طهر لم يجامعها فيه طلقت لوجود الصفة وإن كانت حائضا أوفي طهر جامعها فيه لم تطلق في الحال لعدم الصفة وإن صارت في طهر لم تجامع فيه لم تطلق أيضاً لأنه شرط أن تكون للسنة وأن تكون في تلك الحال وذلك لا يوجد بعد انقضاء الحال وإن قال لها أنت طالق للسنة وللبدعة أو أنت طالق طلقة حسنة قبيحة طلقت في الحال طلقة لأنه لا يمكن إيقاع طلقة على هاتين الصفتين فسقطت الصفتان وبقي الطلاق فوقع وإن قال أنت طالق طلقتين طلقة للسنة وطلقة للبدعة طلقت في الحال طلقة فإذا صارت في الحالة الثانية طلقت طلقة وإن قال أنت طالق طلقتين للسنة وللبدعة ففيه وجهان: أحدهما: يقع طلقة في حال السنة وطلقة في حال البدعة لأنه يمكن إيقاعها على الصفتين فلم يجز إسقاطهما والثاني: يقع في الحال طلقتان لأن الظاهر عود الصفتين إلى كل واحدة من الطلقتين وإيقاع كل واحدة منهما على الصفتين لا يمكن فلغت الصفتان ووقعت الطلقتان وإن قال أنت طالق ثلاثاً للسنة وقع الثلاث في طهر لم يجامعها فيه لأن ذلك طلاق للسنة وإن قال أنت طالق ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة وقع في الحال طلقتان لأن إضافة الطلاق إليهما يقتضي التسوية فيقع في الحال طلقة ونصف ثم يكمل فيصير طلقتين ويقع الباقي في الحالة الأخرى وإن قال أردت بالبعض طلقة في هذه الحال وطلقتين في الحالة الأخرى ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة إنه لا يقبل قوله في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يدعي ما يتأخر به الطلاق فصار كما لو قال أنت طالق وادعى أنه أراد إذا دخلت الدار والثاني: وهو المذهب أنه يقبل في الحكم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأن البعض يقع على القليل والكثير حقيقة ويخالف دعوى دخول الدار فإن الظاهر إنجاز الطلاق فلم تقبل في الحكم دعوى التأخير.
فصل: وإن قال إن قدم فلان فأنت طالق فقدم وهي في طهر لم يجامع فيه وقع طلاق سنة وإن قدم وهي حائض أوفي طهر جامعها فيه وقع طلاق بدعة إلا أنه لا يأثم لأنه لم يقصد كما إذا رمى صيداً فأصاب آدميا فقتله فإن القتل صادف محرماً لكنه لم يأثم لعدم القصد وإن قال إن أقدم فلان فأنت طالق للسنة فقدم وهي في حال السنة

(3/22)


طلقت وإن قدم وهي في حال البدعة لم تطلق حتى تصير إلى حال السنة لأنه علقه بعد القدم بالسنة.
فصل: وإن قال أنت طالق أحسن الطلاق وأكمله وأعدله وما أشبهها من الصفات الحميدة طلقت للسنة لأنه أحسن الطلاق وأكمله وأعدله وإن قال أردت به طلاق البدعة واعتقدت أن الأعدل والأكمل في حقها لسوء عشرتها أن تطلق للبدعة نظرت فإن كان ما يدعيه من ذلك أغلظ عليه بأن تكون في الحال حائضا أوفي طهر جامعها فيه وقع طلاق بدعة لأن ما ادعاه أغلظ عليه واللفظ يحتمله فقبل منه وإن كان أخف عليه بأن كانت في طهر لم يجامع فيه دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم لأنه مخالف للظاهر فإن قال أنت طالق أقبح الطلاق وأسمجه وما أشبههما من صفات الذم طلقت في حال البدعة لأنه أقبح الطلاق وأسمجه وإن قال أردت طلاق السنة واعتقدت أن طلاقها أقبح الطلاق وأسمجه لحسن دينها وعشرتها فإن كان ذلك أغلظ عليه لما فيه من تعجيل الطلاق قبل منه لأنه أغلظ عليه واللفظ يحتمله وإن كان أخف عليه لما فيه من تأخير الطلاق دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ولا يقبل في الحكم لأنه مخالف للظاهر وإن قال أنت طالق طلاق الحرج طلقت للبدعة لأن الحرج فيما خالف السنة وأثم به.
فصل: وإن قال لها وهي حائض إذا طهرت فأنت طالق طلقت بانقطاع الدم لوجود الصفة وإن قال لها ذلك وهي طاهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر لأن إذا اسم للزمان المستقبل فاقتضى فعلاً مستأنفا ولهذا لو قال لرجل حاضر إذا جئتني فلك دينار لم يستحق بهذا الحضور حتى يغيب ثم يجيئه وإن قال لها وهي طاهر إن حضت فأنت طالق طلقت برؤية الدم وإن قال لها ذلك وهي حائض لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض لما ذكرناه في الطهر فإن قال لها وهي حائض إن طهرت طهراً فأنت طالق لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض لأنه لا يوجد طهر كامل إلا أن تطعن في الحيض الثاني وإن قال لها ذلك وهي طاهر لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر ثم تحيض لأن الطهر الكامل لا يوجد إلا بما ذكرناه وإن قال إن حضت حيضة فأنت طالق فإن كانت طاهراً لم تطلق حتى تحيض ثم تطهر وإن كانت حائضاً لم تطلق حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر لما ذكرناه في الطهر.
فصل: وإن قال أنت طالق ثلاثاً في كل قرء طلقة نظرت فإن كانت لها سنة وبدعة في طلاقها نظرت فإن كانت طاهراً طلقت طلقة لأن ما بقي من الطهر قرء وإن كانت

(3/23)


حائضاً لم تطلق حتى تطهر ثم يقع في كل طهر طلقة وإن لم يكن لها سنة ولا بدعة نظرت فإن كانت حاملاً طلقت في الحال طلقة لأن الحمل قرء يعتد به وإن كانت تحيض على الحمل لم تطلق في أطهارها لأنها ليست بأقراء ولهذا لا يعتد بها فإن راجعها قبل الوضع وطهرت في النفاس وقعت طلقة أخرى فإذا حاضت وطهرت وقعت الثالثة وإن كانت غير مدخول بها وقعت عليها طلقة وبانت فإن كانت صغيرة مدخولاً بها طلقت في الحال طلقة فإن لم يراجعها حتى مضت ثلاثة أشهر بانت وإن راجعها لم تطلق في الطهر بعد الرجعة لأنه هو الطهر الذي وقع فيه الطلاق.
فصل: وإن قال إن حضت فأنت طالق فقالت حضت فصدقها طلقت وإن كذبها فالقول قولها مع يمينها لأنه لا يعرف الحيض إلا من جهتها وإن قال لها قد حضت فأنكرت طلقت بإقراره وإن قال لها إن حضت فضرتك طالق فقالت حضت فإن صدقها طلقت ضرتها وإن كذبها لم تطلق لأن قولها يقبل على الزوج في حقها ولا يقبل على غيرها إلا بتصديق الزوج كالمودع يقبل قوله في رد الوديعة على المودع ولا يقبل في الرد على غيره وإن قال إذا حضت فأنت وضرتك طالقان فقالت حضت فإن صدقها طلقتا وإن كذبها وحلفت طلقت هي ولم تطلق ضرتها وإن صدقتها الضرة على حيضها لم يؤثر تصديقها ولكن لها أن تحلف الزوج على تكذيبها وإن قال إذا حضتما فأنتما طالقتان فإن قالتا حضنا فصدقهما طلقتا وإن كذبهما لم تطلق واحدة منهما لأن طلاق كل واحدة منهما معلق على شرطين حيضها وحيض صاحبتها ولا يقبل قول كل واحدة منهما إلا في حيضها أوفي حقها نفسها دون صاحبتها ولم يوجد الشرطان وإن صدق إحداهما وكذب الأخرى طلقت المكذبة لأنها غير مقبولة القول على صاحبتها ومقبولة القول في حق نفسها وقد صدق الزوج صاحبتها فوجد الشرطان في طلاقها فطلقت والمصدقة مقبولة القول في الحيض في حق نفسها وقد صدقها الزوج وقول صاحبتها غير مقبول في حيضها في طلاقها ولم يوجد الشرطان في حقها فلم تطلق.
فصل: وإن قال لامرأتين إن حضتما حيضة فأنتما طالقان ففيه وجهان: أحدهما: أن هذه الصفة لا تنعقد لأنه يستحيل اجتماعهما في حيضة فبطل والثاني: أنهما إذا حاضتا وقع الطلاق لأن الذي يستحيل هو قوله حيضة فيلغي لاستحالتها ويبقى قوله إن حضتما فيصير كما لو قال إن حضتما فأنتما طالقتان وقد بينا حكمه.
فصل: وإن قال لأربع نسوة إن حضتن فأنتن طوالق فقد علق طالق كل واحدة منهن

(3/24)


بأربع شرائط وهي حيض الأربع فإن قلن حضنا وصدقهن طلقن لأنه وجد حيض الأربع وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يثبت حيض الأربع لأن قول كل واحدة منهن لا يقبل إلا في حقها وإن صدق واحدة أو اثنتين لم تطلق واحدة منهن لأنه لم يوجد الشرط وإن صدق ثلاثا وكذب واحدة طلقت المكذبة لأن قولها مقبول في حيضها في حق نفسها وقد صدق الزوج صواحبها فوجد حيض الأربع في حقها فطلقت ولا تطلق المصدقات لأن قول كل واحدة منهن مقبول في حيضها في حقها غير مقبول في حق صواحبها وقد بقيت واحدة منهن مكذبة فلم تطلق لأجلها.
فصل: وإن قال لهن كلما حاضت واحدة منكن فصواحبها طوالق فقد جعل حيض كل واحدة منهن صفة لطلاق البواقي فإن قلن حضنا فصدقهن طلقت كل واحدة منهن ثلاثاً لأن لكل واحدة منهن ثلاث صواحب تطلق بحيض كل صاحبة طلقة فطلقت كل واحدة منهن ثلاثا وإن كذبهن لم تطلق واحدة منهن لأن كل واحدة منهن وإن قبل قولها في حقها إلا أنه لا يقبل في حق غيرها وإن صدق واحدة منهن وقع على كل واحدة منهن طلقة لأن لكل واحدة منهن صاحبة ثبت حيضها ولا يقع على المصدقة طلاق لأنه ليس لها صاحبة ثبت حيضها وإن صدق اثنتين وقع على كل واحدة منهما طلقة لأن لكل واحدة منهما صاحبة ثبت حيضها ويقع على كل واحدة من المكذبتين طلقتان لأن لكل واحدة منهما صاحبتين ثبت حيضهما فإن صدق ثلاثاً وقع على كل واحدة منهن طلقتان لأن لكل واحدة منهن صاحبتين ثبت حيضهما ووقع على المكذبة ثلاث تطليقات لأن لها ثلاث صواحب ثبت حيضهن.
فصل: وإن قال لامرأته إن لم تكوني حاملاً فأنت طالق لم يجز وطؤها قبل الاستبراء لأن الأصل عدم الحمل ووقوع الطلاق فإن لم يكن بها حمل طلقت وإن وضعت حملاً لأقل من ستة أشهر من وقت عقد الطلاق لم تطلق لأنا تيقنا من أنها كانت حاملا عند العقد وإن وضعته لأكثر من أربع سنين طلقت طلقة لأنا تيقنا أنها لم تكن حاملاً عند العقد وإن وضعته لما بين ستة أشهر وأربع سنين نظرت فإن لم يطأها الزوج في هذه المدة لم يقع الطلاق لأنا حكمنا بأنها كانت حاملا عند العقد وإن كان وطئها نظرت فإن وضعته لأقل من ستة أشهر من وقت العقد لم يقع الطلاق لأنا حكمنا أنها كانت حاملاً وقت العقد وإن وضعته لأكثر من ستة

(3/25)


أشهر من وقت العقد والوطء جميعا ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق أنها تطلق لأنه يجوز أن يكون قبل الوطء ويجوز أن يكون حدث من الوطء والظاهر أنه حدث من الوطء لأن الأصل فيما قبل الوطء العدم والثاني: وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة أنها لم تطلق لأنه يحتمل أن يكون موجودا عند العقد ويحتمل أن يكون حادثا من الوطء بعده والأصل بقاء النكاح وإن قال لها إن كنت حاملاً فأنت طالق فهل يحرم وطؤها قبل الاستبراء فيه وجهان: أحدهما: لا يحرم لأن الأصل عدم الحمل وثبوت الإباحة والثاني: يحرم لأنه يجوز أن تكون حاملاً فيحرم وطؤها ويجوز أن لا تكون حاملاً فيحل وطؤها فغلب التحريم فإن استبرأها ولم يظهر الحمل فهي على الزوجية وإن ظهر الحمل نظر فإن وضعت لأقل من ستة أشهر من وقت عقد الطلاق حكم بوقوع الطلاق لأنا تيقنا أنها كانت حاملاً وقت العقد وإن وضعته لأكثر من أربع سنين من وقت العقد لم تطلق لأنا علمنا أنها لم تكن حاملا وإن وضعته لأكثر من ستة أشهر ودون أربع سنين نظرت فإن كان الزوج لم يطأها طلقت لأنا حكمنا أنها كانت حاملاً وقت العقد وإن وطئها نظرت فإن وضعته لدون ستة أشهر من وقت الوطء وقع الطلاق لأنا حكمنا أنها كانت حاملا وقت العقد وإن وطئها نظرت فإن وضعته لدون ستة أشهر من وقت الوطء وقع الطلاق لأنا حكمنا أنها كانت حاملاً وقت العقد وإن وضعته بعد ستة أشهر من بعد وطئه لم يقع الطلاق وجهاً واحداً لأنه يجوز أن يكون موجودا وقت العقد ويجوز أن يكون حدث بعده فلا يجوز أن يوقع الطلاق بالشك واختلف أصحابنا في صفة الاستبراء ووقته وقدره وذكر الشيخ أبو حامد الاسفرايني رحمه الله في الاستبراء في المسألتين ثلاثة أوجه: أحدها ثلاثة أقراء وهي أطهار لأنه استبراء حرة فكان بثلاثة أطهار والثاني: بطهر لأن القصد براءة الرحم فلا يزاد على قرء واستبراء الحرة لا يجوز إلا بالطهر فوجب أن يكون طهرا والثالث أنه بحيضه لأن القصد من هذا الاستبراء معرفة براءة الرحم والذي يعرف به براءة الرحم الحيض وهل يعتد بالاستبراء قبل عقد الطلاق ففيه وجهان: أحدهما: لا يعتد لأن الاستبراء لا يجوز أن يتقدم على سببه والثاني: يعتد به لأن القصد معرفة براءة الرحم وذلك يحصل وإن تقدم ومن أصحابنا من قال في المسألة الثانية: الاستبراء على ما ذكرناه لأن الاستبراء لاستباحة الوطء فأما في المسألة الأولى فلا يجوز الاستبراء بدون ثلاثة أطهار ولا يعتد بما وجد منه قبل الطلاق لأنه استبراء حرة للطلاق فلا يجوز بما دون ثلاثة أطهار ولا بما تقدم على الطلاق كالاستبراء في سائر المطلقات.
فصل: إذا قال لامرأته إن ولدت ولداً فأنت طالق فولدت ولداً طلقت حياً كان أو

(3/26)


ميتاً لأن اسم الولد يقع على الجميع فإن ولدت آخر لم تطلق لأن اللفظ لا يقتضي التكرار وإن قال كلما ولدت ولداً فأنت طالق فولدت ولدين من حمل واحداً بعد واحد طلقت بالأول ولم تطلق بالثاني وإن ولدت ثلاثة أولاد واحداً بعد واحد طلقت بالأول طلقة وبالثاني طلقة ولا يقع بالثالث شيء وحكى أبوعلي بن خيران عن الإملاء قولاً آخر أنه يقع بالثالث طلقة أخرى والصحيح هو الأول لأن العدة انقضت بالولد الأخير فوجدت الصفة وهي بائن فلم يقع بها طلاق كما لو قال إذا مت فأنت طالق وإن ولدت ثلاثة دفعة واحدة طلقت ثلاثاً لأن صفة الثلاث قد وجدت وهي زوجة فوقع كما لو قال إن كلمت زيدا فأنت طالق وإن كلمت عمرا فأنت طالق وإن كلمت بكرا فأنت طالق فلمتهم دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن قال إن ولدت ذكراً فأنت طالق طلقة واحدة وإن قال إن ولدت أنثى فأنت طالق طللقتين فوضعت ذكرا وأنثى دفعة واحدة طلقت ثلاثا وإن وضعت أحدهما: بعد الآخر وقع بالأول ما علق عليه ولم يقع بالثاني شيء لبينونتها بانقضاء العدة وهذا ظاهر وإن لم تعلم كيف وضعتهما طلقت طلقة لأنها يقين والورع أن يلتزم الثلاث وإن قال يا حفصة إن كان أول ما تلدين ذكرا فعمرة طالق وإن كان أنثى فأنت طالق فولدت ذكرا وأنثى دفعة واحدة لم تطلق واحدة منهما لأنه ليس فيهما أول وإن قال إن كان في بطنك ذكر فأنت طالق طلقة وإن كان في بطنك أنثى فأنت طالق طلقتين فوضعت ذكرا وأنثى طلقت ثلاثا لاجتماع الصفتين وإن قال إن كان حملك أو ما في بطنك ذكرا فأنت طالق فوضعت ذكرا وأنثى لم تطلق لأن الصفة أن يكون جميع ما في البطن ذكرا ولم يوجد ذلك.
فصل: وإذا قال للمدخول بها إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وقعت طلقتان: إحداهما بقوله أنت طالق والأخرى بوجود الصفة وإن قال لم أرد بقولي إذا طلقتك فأنت طالق عقد الطلاق بالصفة وإنما أردت أني إذا طلقتك تطلقين بما أوقع علىك من الطلاق لم يقبل قوله في الحكم لأن الظاهر أنه عقد طلاقاً على صفة ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال إن طلقتك فأنت طالق ثم قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار وقعت طلقتان إحداهما بدخول الدار والأخرى بوجود الصفة لأن الصفة أن يطلقها وإن علق طلاقها بدخول الدار فدخلت فقد طلقها وإن قال لها مبتدئاً إن دخلت الدار فأنت طالق ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فدخلت الدار وقعت طلقة بدخول الدار ولا تطلق بقوله إذا طلقتك فأنت طالق لأن هذا يقتضي ابتداء إيقاع ما بعد عقد الصفة وما وقع بدخول الدار ليس بابتداء إيقاع بعد عقد الصفة وإنما هو

(3/27)


وقوع بالصفة السابقة لعقد الطلاق فإن قال إن طلقك فأنت طالق ثم وكل من يطلقها فطلقها وقعت الطلقة التي أوقعها الوكيل ولا يقع ما عقده على الصفة لأن الصفة أن يطلقها بنفسه وإن قال إذا أوقعت إليك الطلاق فأنت طالق ثم قال لها إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت فقد قال بعض أصحابنا أنها تطلق صفة بدخول الدار ولا تطلق بقوله إذا أوقعت عليك لأن قوله إذا أوقعت عليك يقتضي طلاقاً يباشر إيقاعه وما يقع بدخول الدار يقع حكماً قال الشيخ الإمام: وعندي أنه يقع طلقتان إحداهما بدخول الدار والأخرى بالصفة كما قلنا فيمن قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم قال إذا دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار وإن قال كلما طلقتك فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق طلقت طلقتين إحداهما بقوله أنت طالق والأخرى بوجود الصفة ولا تقع الثالثة بوقوع الثانية لأن الصفة إيقاع الطلاق والصفة لم تتكرر فلم يتكرر الطلاق.
فصل: وإن قال إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وقعت طلقتان طلقة بقوله أنت طالق وطلقة بوجود الصفة وإن قال لها بعد هذا العقد أو قبله إن دخلت الدار فأنت طالق فدخلت الدار طلقت طلقتين طلقة بدخول الدار وطلقة بوجود الصفة وإن كان وكيلاً بعد هذا العقد في طلاقها فطلقها ففيه وجهان: أحدهما: يقع ما أوقعه الوكيل ولا يقع ما علقه بالصفة كما قلنا فيمن قال إذا طلقتك فأنت طالق ثم وكل من يطلق والثاني: أنه يقع طلقتان طلقة بإيقاع الوكيل وطلقة بالصفة لأن الصفة وقوع طلاق الزوج وما وقع بإيقاع الوكيل هو طلاق الزوج وإن قال إذا طلقتك فأنت طالق وإذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم قال لها أنت طالق وقع الثلاث طلقة بقوله أنت طالق وطلقتان بالصفتين وإن قال كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق ثم أوقع عليها طلقة بالمباشرة أو نصفه عقدها قبل هذا العقد أو بعده طلقت ثلاثاً واحدة بعد واحدة لأن بالطلقة الأولى توجد صفة الطلقة الثانية وبالثانية توجد صفة الطلقة الثالثة.
فصل: وإن قال لغير المدخول بها إذا طلقتك فأنت طالق أو إذا وقع عليك طلاقي

(3/28)


فأنت طالق أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق فوقعت عليها طلقة بالمباشرة أو بالصفة لم يقع غيرها لأنها تبين بها فلم يلحقها ما بعدها.
فصل: وإن قال متى لم أطلقك أو إي وقت لم أطلقك فأنت طالق فهو على الفور فإذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فيه وقع الطلاق وإن قال لم أطلقك فأنت طالق فالمنصوص أنه على التراخي ولا يقع به الطلاق إلا عند فوات الطلاق وهو عند موت أحدهما: وإن قال إذا لم أطلقك فأنت طالق فالمنصوص أنه على الفور فإذا مضى زمان يمكنه أن يطلق فلم يطلق وقع الطلاق فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الأخرى فجعلهما على قولين ومنهم من حملهما على ظاهرهما فجعل قوله إن لم أطلقك على التراخي وجعل قوله إذا لم أطلقك على الفور وهو الصحيح لأن قوله إذا اسم لزمان مستقبل ومعناه أي وقت ولهذا يجاب به عن السؤال عن الوقت فيقال متى ألقاك فتقول إذا شئت كما تقول أي وقت شئت فكان على الفور كما لو قال أي وقت لم أطلقك فأنت طالق وليس كذلك إن فإنه لا يستعمل في الزمان ولهذا لا يجوز أن يقال متى ألقاك فتقول إن شئت وإنما يستعمل في الفعل ويجاب بها عن السؤال عن الفعل فيقال هل ألقاك فتقول إن شئت فيصير معناه إن فاتني أن أطلقك فأنت طالق والفوات يكون في آخر العمر وإن قال لها كلما لم أطلقك فأنت طالق فمضى ثلاثة أوقات لم تطلق فيها وقع عليها ثلاث طلقات واحدة بعد واحدة لأن معناه كلما سكت عن طلاقك فأنت طالق وقد سكت ثلاث سكتات.
فصل: وإن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال لها إن خرجت أو إن لم تخرجي أو إن لم يكن هذا كما قلت فأنت طالق طلقت لأنه حلف بطلاقها وإن قال إن طلعت الشمس أو إن جاء الحاج فأنت طالق لم يقع الطلاق حتى تطلع الشمس أو يجيء الحاج لأن اليمين ما قصد بها المنع من فعل أو الحث على فعل أو التصديق على فعل وليس في طلوع الشمس ومجيء الحاج منع ولا حث ولا تصديق وإنما هو صفة للطلاق فإذا وجدت وقع الطلاق بوجود الصفة وإن قال لها إذا حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم أعاد هذا القول وقعت طلقة لأنه حلف بطلاقها فإن أعاد ثالثاً وقعت طلقة ثانية وإن أعاد رابعاً وقعت طلقة ثالثة لأن كل مرة توجد صفة طلاق وتنعقد صفة أخرى وإن أعادها خامساً لم يقع طلاق لأنه لم يبق له طلاق ولا ينعقد به يمين في طلاق غيرها لأن اليمين بطلاق من لا يملكها لا ينعقد وإن كانت له امرأتان إحداهما مدخول بها والأخرى غير مدخول بها فقال إن حلفت بطلاقكما فأنتما طالقان ثم أعاد هذا القول طلقت المدخول

(3/29)


بها طلقة رجعية وتطلق غير المدخول بها طلقة بائنة فإن أعاد لم تطلق واحدة منهما لأن غير المدخول بها بائن والمدخول بها لا يوجد شرط طلاقها لأن شرط طلاقها أن يحلف بطلاقهما ولم يحلف بطلاقهما لأن غير المدخول بها لا يصح الحلف بطلاقها.
فصل: وإذا كان له أربعة نسوة وعبيد فقال: كلما طلقت امرأة من نسائي فعبد من عبيدي حر وكلما طلقت امرأتين فعبدان حران وكلما طلقت ثلاثا فثلاثة أعبد أحرار وكلما طلقت أربعاً فأربعة أعبد أحرار ثم طلقهن فالمذهب أنه يعتق خمسة عشر عبداً لأن بطلاق الأولى يعتق عبد بوجود صفة الواحدة وبطلاق الثانية يعتق ثلاثة أعبد لأنه اجتمع صفتان طلاق الواحدة وطلاق اثنتين وبطلاق الثالثة يعتق أربعة أعبد لأنه اجتمع صفتان طلاق الواحدة وطلاق الثلاث وبطلاق الرابعة يعتق سبعة أعبد لأنه اجتمع ثلاث صفات طلاق الواحدة وطلاق اثنتين وطلاق أربع ومن أصحابنا من قال يعتق سبعة عشر عبداً لأن في طلاق الثالثة ثلاث صفات طلاق واحدة وطلاق اثنتين بعد الواحدة وطلاق الثلاث ومنهم من قال يعتق عشرون عبداً فجعل في الثلاث ثلاث صفات وجعل في الأربع أربع صفات طلاق واحدة وطلاق اثنتين وطلاق ثلاث بعد الواحدة وطلاق أربع والجميع خطأ لأنهم عدوا الثانية مع ما قبلها من الاثنتين وعدوا الثالثة مع ما قبلها من الثلاث ثم عدوهما مع ما بعدهما من الاثنتين والثلاث وهذا لا يجوز لأن ما عد مرة في عدد لا يعد في ذلك العدد مرة أخرى والدليل عليه أنه لو قال كلما أكلت نصف رمانة فعبد من عبيدي حر ثم أكل رمانة عتق عبدان لأن الرمانة نصفان ثم لا يقال إنه يعتق ثلاثة لأنه إذا أكل نصف رمانة عتق عبد فإذا أكل الربع الثالث عتق عبد لأنه مع الربع الثاني نصف وإذا أكل الربع الرابع عتق عبد لأنه مع الربع الثالث نصف فكذلك ههنا وقال أبو الحسن بن القطان يعتق عشرة لأن الواحدة والاثنتين والثلاث والأربع عشر وهذا خطأ أيضاً لأن قوله كلما طلقت يقتضي التكرار وقد وجد طلاق الواحدة أربع مرات وطلاق المرأتين مرتين وطلاق الثلاث مرة وطلاق الأربع مرة فأسقط ابن القطان اعتبار ما يقتضيه اللفظ من التكرار في المرأة والمرأتين وهذا لا يجوز.
فصل: إذا كان له أربع نسوة فقال: أيتكن وقع عليها طلاقي فصواحبها طوالق ثم طلق واحدة منهن طلقن ثلاثاً ثلاثاً لأن طلاق الواحدة يوقع على كل واحدة منهن طلقة واحدة ووقوع هذه الطلقة على كل واحدة منهن يوقع الطلاق على صواحبها وهن ثلاث فطلقت كل واحد منهن ثلاثاً.
فصل: وإن كان له امرأتان فقال لإحداهما أنت طالق طلقة بل هذه ثلاثاً وقع على

(3/30)


الأول طلقة وعلى الثانية ثلاث لأنه إذا وقع على الأولى طلقة ثم أراد رفعها فلم يرتفع وأوقع على الثانية ثلاثا فوقعت وإن قال للمدخول بها أنت طالق واحدة لا بل ثلاثاً إن دخلت الدار فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو بكر بن الحداد المصري تطلق واحدة في الحال ويقع بدخول الدار إتمام الثلاث لأنه نجز واحدة فوقعت وعلق ثلاثاً على الشرط فوقع ما بقي منها عند وجود الشرط ومن أصحابنا من قال: يرجع الشرط إلى الجميع ولا تطلق حتى تدخل الدار لأن الشرط يغلب الإيقاعين فرجع إليهما.
فصل: وإن قال لها أنت طالق إلى شهر ولم يكن له نية وقع الطلاق بعد الشهر لأن إلى تستعمل في انتهاء الفعل كقوله تعالى: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] وتستعمل أيضاً في ابتداء الفعل كقولهم فلان خارج إلى شهر فلا يقع الطلاق في الحال مع الاحتمال كما لا يقع بالكنايات من غير نية.
فصل: وإن قال أنت طالق في شهر رمضان طلقت برؤية الهلال أول الشهر وقال أبو ثور: لا تطلق إلا في آخر الشهر لتستوعب الصفة التي علق الطلاق عليها وهذا خطأ لأن الطلاق إذا علق على شيء وقع بأول جزء منه كما لو قال: إذا دخلت الدار فأنت طالق لأنها تطلق بالدخول إلى أول جزء من الدار فإن قال أردت في آخر الشهر دين فيه لأنه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم لأنه يؤخر الطلاق عن الوقت الذي يقتضيه وإن قال أنت طالق في أول الشهر وقع الطلاق في أول ليلة يرى فيها الهلال وإن قال أنت طالق في غرة الشهر طلقت في أوله فإن قال أردت اليوم الثاني أو الثالث دين لأن الثالث من أول الشهر تسمى غررا ولا يقبل في الحكم لأنه يؤخر الطلاق عن أول وقت يقتضيه وإن قال أنت طالق في آخر الشهر طلقت في آخر يوم منه تاماً كان الشهر أو ناقصا وإن قال أنت طالق في أول آخر رمضان ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي العباس أنها تطلق في أول ليلة السادس عشر لأن آخر الشهر هو النصف الثاني وأوله أول ليلة السادس عشر والثاني: أنها تطلق في أول اليوم الأخير من آخر الشهر لأن آخر الشهر هو اليوم الأخير فوجب أن تطلق في أوله وإن قال: أنت طالق في آخر أول الشهر طلقت على الوجه الأول في آخر اليوم الخامس عشر وعلى الوجه الثاني تطلق في آخر اليوم الأول،

(3/31)


وإن قال أنت طالق في آخر أول آخر رمضان طلقت على الوجه الأول عند طلوع الفجر من اليوم السادس عشر لأن أول آخر الشهر ليلة السادس عشر وآخرها عند طلوع الفجر من يومها وعلى الوجه الثاني تطلق بغروب الشمس من آخر يوم منه لأن أول آخره إذا طلع الفجر من آخر يوم منه فكان آخره عند غروب الشمس وإن قال: أنت طالق في أول آخر أول الشهر طلقت على الوجه الأول بطلوع الفجر من اليوم الخامس عشر لأن آخر أوله عند غروب الشمس من اليوم الخامس عشر فكان أول طلوع فجره وعلى الوجه الآخر تطلق بطلوع الفجر من أول يوم من الشهر لأن آخر أول الشهر غروب الشمس من أول يوم منه فكان أوله طلوع الفجر.
فصل: وإن قال أنت طالق اليوم طلقت في الحال لأنه من اليوم وإن قال أنت طالق في غد طلقت بطلوع فجره وإن قال أنت طالق اليوم إذا جاء غد لم تطلق لأنه لا يجوز أن تطلق اليوم لأنه لم يوجد شرطه وهو مجيء الغد ولا يجوز أن تطلق إذا جاء غد لأنه إيقاع طلاق في يوم قبله وإن قال أنت طالق اليوم غداً طلقت اليوم طلقة ولا تطلق غداً طلقة أخرى لأن طلاق اليوم تعين وقوله غداً يحتمل أن تكون طالقة بطلاقها اليوم فلا نوقع طلاقا بالشك وإن قال أردت طلقة في اليوم وطلقة في غد طلقت طلقتين لأن اللفظ يحتمل ما يدعيه وهو غير متهم فيه لما فيه عليه من التغليظ وإن قال أردت نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا طلقت طلقتين طلقة بالإيقاع وطلقة بالسراية وإن قال أردت نصف طلقة اليوم والنصف الباقي في غد ففيه وجهان: أحدهما: تطلق اليوم طلقة ولا تطلق غداً لأن النصف الباقي قد وقع في اليوم فلم يبق ما يقع غداً والثاني: أنه يقع في اليوم الثاني طلقة أخرى لأن الذي وقع في اليوم بالسراية وبقي النصف الثاني فوقع في الغد فسرى وإن قال أنت طالق اليوم أوغدا ففيه وجهان: أحدهما: تطلق غداً لأنه يقين والثاني: أنها تطلق اليوم لأنه جعل كل واحدة منهما محلاً للطلاق فتعلق بأولهما.
فصل: إذا قال إذا رأيت هلال رمضان فأنت طالق فرآه غيره طلقت لأن رؤية الهلال في عرف الشرع رؤية الناس والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته"1. ويجب الصوم والفطر برؤية غيره وإن قال أردت رؤيتي لم يقبل في الحكم لأنه يدعي خلاف الظاهر ويدين فيه لأنه يحتمل ما يدعيه فإن رآه بالنهار لم تطلق لأن رؤية هلال
__________
1 رواه البخاري في كتاب الصوم باب 11، الترمذي في كتاب الصوم باب 3، 5، النسائي في كتاب الصيام باب 9، 12، ابن ماجه في كتاب الصيام باب 7، أحمد في مسند 1/226.

(3/32)


الشهر ما يراه في الشهر وهو بعد الغروب ولهذا لا يتعلق الصوم والفطر إلا بما نراه بعد الغروب وإن غم عليهم الهلال فعدوا شعبان ثلاثين يوماً طلقت لأنه قد ثبتت الرؤية بالشرع فصار كما لو ثبتت بالشهادة وإن أراد رؤيته بعينه فلم يره حتى صار قمراً لم تطلق لأنه ليس بهلال حقيقة واختلف الناس فيما يصير به قمراً فقال بعضهم يصير قمرا إذا استدار وقال بعضهم إذا بهر ضوءه.
فصل: إذا قال إذا مضت سنة فأنت طالق اعتبر مضي السنة بالأهلة لأنها هي السنة المعهودة في الشرع فإن كان العقد أول الشهر مضى اثنا عشر شهراً بالأهلة طلقت فإن كان في أثناء الشهر حسب ما بقي من الشهر الهلالي فإن بقي خمسة أيام عد بعدها أحد عشر شهراً بالأهلة ثم عد خمسة وعشرين يوماً من الشهر الثاني عشر لأنه تعذر اعتبار الهلال في شهر فعد شهراً بالعدد كما نقول في الشهر الذي غم عليهم الهلال في الصوم فإن قال: أردت سنة بالعدد وهي ثلاثمائة وستون يوما أو سنة شمسية وهي ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً لم يقبل في الحكم لأنه يدعي ما يتأخر به الطلاق عن الوقت الذي يقتضيه لأن السنة الهلالية ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما وخمس يوم وسدس يوم ويدين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال إذا مضت السنة فأنت طالق طلقت إذا مضت بقية سنة التاريخ وهو انسلاخ ذي الحجة قلت البقية أو كثرت لأن التعريف بالألف واللام يقتضي ذلك فإن قال أردت سنة كاملة دين لأنه يحتمل ما يدعيه ولا يقبل في الحكم لأنه يدعي ما يتأخر به الطلاق عن الوقت الذي يقتضيه فإن قال أنت طالق في كل سنة طلقة حسبت السنة من حين العقد كما إذا حلف لا يكلم فلاناً سنة جعل ابتداء السنة من حين اليمين وكما إذا باع بثمن مؤجل اعتبر ابتداء الأجل من حين العقد فإذا مضى من السنة بعد العقد أدنى جزء طلقت طلقة لأنه جعل السنة محلا لطلاق وقد دخل فيها فوقع كما لو قال أنت طالق في شهر رمضان فدخل الشهر.
فصل: وإن قال أنت طالق في الشهر الماضي فالمنصوص أنها تطلق في الحال وقال الربيع فيه قول آخر أنها لا تطلق وقال فيمن قال لامرأته إن طرت أو صعدت السماء فأنت طالق إنها لا تطلق واختلف أصحابنا فيه فنقل أبوعلي بن خيران جوابه في كل واحدة من المسألتين إلى الأخرى وجعلهما على قولين: أحدهما: تطلق لأنه علق الطلاق على صفة مستحيلة فألغيت الصفة ووقع الطلاق كما لو قال لمن لا سنة له ولا بدعة

(3/33)


في طلاقها أنت طالق للسنة أو للبدعة والثاني: لا تطلق لأنه علق الطلاق على شرط لم يوجد فلم يقع وقال أكثر أصحابنا إذا قال أنت طالق في الشهر الماضي طلقت وإن قال إن طرت أو صعدت في السماء فأنت طالق لم تطلق قولاً واحداً وما قاله الربيع من تخريجه والفرق بينهما أن الطيران وصعود السماء لا يستحيل في قدرة الله عز وجل وقد جعل لجعفر بن أبي طالب جناحان يطير بهما وقد أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم وإيقاع الطلاق في زمان ماض مستحيل.
فصل: وإن قال إن قدم زيد فأنت طالق قبله بشهر فقدم زيد بعد شهر طلقت قبل قدومه بشهر لأنه إيقاع طلاق بعد عقده وإن قدم قبل شهر ففيه وجهان: أحدهما: أنه كالمسألة قبلها وهو إذا قال أنت طالق في الشهر الماضي لأنه إيقاع طلاق قبل عقده والثاني: وهو قول أكثر أصحابنا أنه لا يقع الطلاق ههنا قولاً واحداً لأنه علق الطلاق على صفة وقد كان وجودها ممكنا فوجب اعتباره وإيقاع الطلاق في زمان ماض غير ممكن فسقط اعتباره.
فصل: وإن قال أنت طالق قبل موتي بشهر فمات قبل مضي شهر لم تطلق لتقدم الشرط على العقد وإن مضى شهر ثم مات عقيبه لم تطلق لأن وقوع الطلاق مع اللفظ وإن مضى شهر وجزء ثم مات طلقت في ذلك الجزء وإن قال أنت طالق ثلاثاً قبل قدوم زيد بشهر ثم خالعها بعد يومين أو ثلاثة وقدم زيد بعد هذا القول بأكثر من شهر لم يصح الخلع لأنها بانت بالطلاق فلم يصح الخلع بعده وإن قدم بعد الخلع بأكثر من شهر صح الخلع لأنه صادف الملك فلم يقع الطلاق بالصفة.
فصل: وإن قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد فقدم ليلاً لم تطلق لأنه لم يوجد الشرط وإن قال أردت باليوم الوقت قبل منه لأنه قد يستعمل اليوم في الوقت كما قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] وهو غير متهم فيه فقبل منه وإن ماتت المرأة في أول اليوم الذي قدم زيد في آخره فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو بكر بن الحداد المصري يقع الطلاق لأنه إذا قال أنت طالق في يوم السبت طلقت بطلوع الفجر فإذا قال أنت طالق في اليوم الذي يقدم فيه زيد فقدم وجب أن يقع بعد طلوع الفجر في اليوم الذي يقدم فيه زيد وقد قدم وكانت باقية بعد طلوع الفجر فوجب أن يقع الطلاق ومن أصحابنا من قال لا يقع لأنه جعل الشرط في وقوع الطلاق قدوم زيد وقدوم زيد وجد بعد موت المرأة فلا يجوز أن يقع الطلاق ويخالف قوله أنت طالق يوم السبت فإنه علق الطلاق على شرط واحد وهو اليوم وههنا علق على شرطين اليوم وقدوم زيد وقدوم زيد وجد وقد ماتت المرأة فلم يلحقها الطلاق.

(3/34)


فصل: وإن قال إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم فمضى اليوم ولم يطلقها ففيه وجهان: أحدهما: لا تطلق لأن مضي اليوم شرط في وقوع الطلاق في اليوم ولا يوجد شرط الطلاق إلا بعد مضي محل الطلاق فلم يقع والثاني: يقع وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله لآن قوله إن لم أطلقك اليوم معناه إن فاتني طلاقك اليوم فإذا بقي من اليوم ما لا يمكنه أن يقول فيه أنت طالق فقد فاته فوقع الطلاق في بقيته وإن قال لعبده إن لم أبعك اليوم فامرأتي طالق فأعتقه طلقت المرأة لأن معناه إن فاتني بيعك وقد فاته بيعه بالعتق.
فصل: إذا تزوج بجارية أبيه ثم قال إذا مات أبي فأنت طالق فمات أبوه ففيه وجهان: وهو قول أبي العباس بن سريح أنها لا تطلق لإنه إذا مات الأب ملكها فانفسخ النكاح ويكون الفسخ في زمان الطلاق فوقع الفسخ وانفسخ الطلاق كما لو قال رجل لزوجته إن مت فأنت طالق ثم مات والثاني: وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله أنها تطلق ولا يقع الفسخ لأن صفة الطلاق توجد عقيب الموت وهو زمان الملك والفسخ يقع بعد الملك فيكون زمان الطلاق سابقاً لزمان الفسخ فوقع الطلاق ولم يقع الفسخ وإن قال الأب لجاريته أنت حرة بعد موتي وقال الإبن أنت طالق بعد موت أبي فمات الأب وقع العتق والطلاق لأن العتق يمنع من الدخول في ملك الابن فوقع العتق والطلاق معاً.
فصل: إذا كتب إذا أتاك كتابي هذا فأنت طالق ونوى الطلاق فضاع الكتاب لم يقع الطلاق لأنه لم يأتها الكتاب وإن وصل وقد ذهبت الحواشي وبقي موضع الكتابة وقع الطلاق لأن الكتاب هو المكتوب وإن أتاها وقد أمحى الكتاب لم تطلق أيضاً لأنه لم يأتها الكتاب وإن انطمس حتى لا يفهم منه شيء لم تطلق لأنه ليس بكتاب فهو كما لو جاءها كتاب فيه صورة وإن جاء وقد أمحى بعضه فإن كان الذي أمحى موضع الطلاق لم يقع لأن المقصود لم يأتها وإن بقي موضع الطلاق وذهب الباقي فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق: يقع لأن المقصود من الكتاب قد أتاها ومن أصحابنا من قال لا يقع لأنه قال إذا جاءك كتابي هذا وذلك يقتضي جميعه وإذا قال إذا أتاك كتابي فأنت طالق فأتاها الكتاب وقد أمحى الجميع إلا موضع الطلاق فقد وقع الطلاق لأنه أتاها كتابه وإن قال أتاك طلاقي فأنت طالق وكتب إذا أتاك كتابي فأنت طالق ونوى الطلاق وأتاها الكتاب طلقت طلقتين طلقة بمجيء الكتاب وطلقة بمجيء الطلاق.
فصل: وإن قال إن قدم فلان فأنت طالق فقدم به ميتاً أو حمل مكرهاً لم تطلق لأنه

(3/35)


ما قدم وإنما قدم به وإن أكره حتى قدم بنفسه ففيه قولان كالقولين فيمن أكره حتى أكل في الصوم وإن قدم مختارا وهو غير عالم باليمين فإن كان ممن لا يقصد الزوج منعه من القدوم بيمينه كالسلطان طلقت لأنه طلاق معلق على صفة وقد وجدت الصفة وإن كان ممن يقصد الزوج منعه من القدوم بيمينه فعلى القولين فيمن حلف لا يفعل شيئا ففعله ناسيا.
فصل: وإن قال إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فخرجت بالإذن انحلت اليمين فإن خرجت بعد ذلك بغير الأذن لم تطلق لأن قوله إن خرجت لا يقتضي التكرار والدليل عليه أنه لو قال لها إن خرجت فأنت طالق فخرجت مرة طلقت ولو خرجت مرة أخرى لم تطلق فصار كما لو قال إن خرجت مرة إلا بإذني فأنت طالق وإن قال كلما خرجت إلا بإذني فأنت طالق ثم خرجت بغير الإذن طلقت طلقة وإن خرجت مرة ثانية بغير الإذن وقعت طلقة أخرى وإن خرجت مرة ثالثة وقعت طلقة أخرى لأن اللفظ يقتضي التكرار وإن قال إن خرجت إلى غير الحمام بغير إذني فأنت طالق فخرجت إلى الحمام ثم عدلت إل غير الحمام لم يحنث لأن الخروج كان إلى الحمام وإن خرجت إلى غير الحمام ثم عدلت إلى الحمام حنث بخروجها إلى غير الحمام بغير الإذن وإن خرجت إلى الحمام وإلى غيره وجمعت بينهما في القصد عند الخروج ففيه وجهان: أحدهما: لا يحنث لأن الحنث علقه على الخروج إلى غير الحمام وهذا الخروج مشترك بين الحمام وغيره والثاني: يحنث لأنه وجد الخروج إلى غير الحمام بغير الإذن وانضم إليه غيره فوجب أن يحنث كما لو قال إن كلمت زيداً فأنت طالق ثم كلمت زيدا وعمرا وإن قال إن خرجت إلا بإذني فأنت طالق فأذن لها ولم تعلم بالإذن ثم خرجت لم تطلق لأنه علق الخلاص من الحنث بمعنى من جهته يختص به وهو الإذن وقد وجد الإذن والدليل عليه أنه يجوز لمن عرفه أن يخبر به المرأة فلم يعتبر علمها فيه كما لو قال إن خرجت قبل أن أقوم فأنت طالق ثم قام ولم تعلم به.
فصل: وإن قال لها إن خالفت أمري فأنت طالق ثم قال لها لا تكلمي أباك فكلمته لم تطلق لأنها لم تخالف أمره وإنما خالفت نهيه وإن قال إن بدأتك بالكلام فأنت طالق وقالت المرأة إن بدأتك بالكلام فعبدي حر فكلمها لم تطلق المرأة ولم يعتق العبد لأن يمينه انحلت بيمينها بالعتق ويمينها انحلت بكلامه وإن قال أنت طالق إن كلمتك وأنت طالق إن دخلت الدار طلقت لأنه كلمها باليمين الثانية وإن قال أنت طالق إن كلمتك ثم أعاد ذلك طلقت لأنه كلمها بالإعادة وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فاعلمي بذلك طلقت لأنه كلمها بقوله فاعلمي ذلك،

(3/36)


طلقت لأنه كلمها بقول فاعلمي ذلك ومن أصحابنا من قال إن وصل الكلام باليمين لم تطلق لأنه من صلة الأول.
فصل: إذا قال لامرأته إذا كلمت رجلاً فأنت طالق وإن كلمت فقيها فأنت طالق وإن كلمت طويلاً فأنت طالق فكلمت رجلاً طويلاً فقيها طلقت ثلاثاً لأنه اجتمع صفات الثلاثة فوقع بكل صفة طلقة.
فصل: وإن قال إن رأيت فلاناً فأنت طالق فرآه ميتا أو نائما طلقت لأنه رآه وإن رآه في مرآة أو رأى ظله في الماء لم تطلق لأنه ما رآه وإنما رأى مثاله وإن رآه من وراء زجاج شفاف طلقت لأنه رآه حقيقة.
فصل: وإن كانت في ماء جار فقال لها إن خرجت منه فأنت طالق وإن وقفت فيه فأنت طالق لم تطلق خرجت أو وقفت لأن الذي كانت فيه من الماء مضى بجريانه لم تخرج منه ولم تقف فيه وإن كان في فيها تمرة فقال إن أكلتها فأنت طالق وإن رميتها فأنت طالق وإن أمسكتها فأنت طالق فأكلت نصفها لم تطلق لأنها ما أكلتها ولا رمتها ولا أمسكتها وإن كانت معه تمرة فقال إن أكلتها فأنت طالق فرماها إلى تمر كثير فأكل جميعه وبقي تمرة لا يعلم أنها المحلوف عليها أو غيرها لم تطلق لجواز أن تكون هي المحلوف عليها فلم تطلق بالشك وإن أكل تمراً كثيراً فقال لها إن لم تخبريني بعدد ما أكلت فأنت طالق فعدت من واحد إلى عدد يعلم أن المأكول دخل فيه لم تطلق لأنها أخبرته بعدد ما أكل وإن أكلا تمرا واختلط النوى فقال إن لم تميزي نوى ما أكلت من نوى ما أكلت فأنت طالق فأفردت كل نواة لم تطلق لأنها ميزت وإن اتهمها بسرقة شيء فقال أنت طالق إن لم تصدقيني أنك سرقت أم لا فقالت سرقت وما سرقت لم تطلق لأنها صدقته في أحد الخبرين وإن قال إن سرقت مني شيئاً فأنت طالق وسلم إليها كيساً فأخذت منه شيئاً لم تطلق لأن ذلك ليس بسرقة وإنما هو خيانة.
فصل: وإن قال من بشرتني بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته امرأته بقدوم زيد وهي صادقة طلقت لأنها بشرته وإن كانت كاذبة لم تطلق لأن البشارة ما بشر به الإنسان ولا سرور في الكذب وإن أخبرتاه بقدومه واحدة بعد واحدة وهما صادقتان طلقت الأولى دون الثانية لأن المبشرة هي الأولى وإن أخبرتاه معا طلقتا لاشتراكهما في البشارة وإن قال من أخبرتني بقدوم زيد فهي طالق فأخبرته امرأته بقدوم زيد طلقت صادقة كانت أو كاذبة لأن الخبر يوجد مع الصدق والكذب فإن أخبرته إحداهما بعد الأخرى أو أخبرتاه معاً طلقتا لأن الخبر وجد منهما.

(3/37)


فصل: وإن قال أنت طالق إن شئت فقالت في الحال شئت طلقت وإن قالت شئت إن شئت فقال شئت لم تطلق لأنه علق الطلاق على مشيئتها ولم توجد منها مشيئة الطلاق وإنما وجد منها تعليق مشيئتها بمشيئته فلم يقع الطلاق كما لو قالت شئت إذا طلعت الشمس وإن قال أنت طالق إن شاء زيد فقال زيد شئت طلقت وإن لم يشأ زيد لم تطلق وإن شاء وهو مجنون لم تطلق لأنه لا مشيئة له وإن شاء وهو سكران فعلى ما ذكرناه من طلاقه وإن شاء وهو صبي ففيه وجهان: أحدهما: تطلق لأن له مشيئة ولهذا يرجع إلى مشيئة في اختيار أحد الأبوين في الحضانة والثاني: لا تطلق معه لأنه لا حكم لمشيئته في التصرفات وإن كان أخرس فأشار إلى المشيئة وقع الطلاق كما يقع طلاقه إذا أشار إلى الطلاق وإن كان ناطقاً فخرس فأشار ففيه وجهان: أحدهما: لا يقع وهو اختيار الشيخ أبي حامد الأسفرايني رحمه الله لأن مشيئته عند الطلاق كانت بالنطق والثاني: أنه يقع وهو الصحيح لأنه في حال بيان المشيئة من أهل الإشارة والاعتبار بحال البيان لا بما تقدم ولهذا لو كان عند الطلاق أخرس ثم صار ناطقا كانت مشيئته بالنطق وإن قال أنت طالق إن شاء الحمار فهو كما لو قال أنت طالق إن طرت أو صعدت إلى السماء وقد بيناه وإن قال أنت طالق لفلان أو لرضى فلان طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق ليرضى فلان كما يقول لعبده أنت حر لوجه الله أو لمرضاة الله وإن قال أنت طالق لرضى فلان ثم قال أردت إن رضي فلان على سبيل الشرط دين فيما بينه وبين الله عز وجل لأنه يحتمل ما يدعيه وهل يقبل في الحكم فيه وجهان: أحدهما: لا يقبل لأن ظاهر اللفظ يقتضي إنجاز الطلاق فلم يقبل قوله في تأخيره كما لو قال أنت طالق وادعى أنه أراد إن دخلت الدار والثاني: أنه يقبل لأن اللفظ يصلح للتعليل والشرط فقبل قوله في الجميع.
فصل: وإن قال إن كلمتك أو دخلت دارك فأنت طالق طلقت بكل واحدة من الصفتين وإن قال إن كلمتك أو دخلت دارك فأنت طالق لم تطلق إلا بوجودهما سواء قدم الكلام أو الدخول لأن الواو تقتضي الجمع دون الترتيب وإن قال إن كلمتك فدخلت دارك فأنت طالق لم تطلق إلا بوجود الكلام والدخول والتقديم للكلام على الدخول لأن الفاء في العطف للترتيب فيصير كما لو قال إن كلمتك ثم دخلت دارك فأنت طالق وإن قال إن كلمتك وإن دخلت دارك فأنت طالق طلقت بوجود كل واحدة منها طلقة لأنه كرر حرف الشرط فوجب لكل واحدة منهما جزاء وإن قال لزوجتين إن دخلتما هاتين الدارين فأنتما طالقان فدخلت إحداهما أحد الدارين ودخلت الثانية الدار الأخرى ففيه وجهان: أحدهما: تطلقان لأن دخول الدارين وجد منهما والثاني: لا تطلقان وهو الصحيح لأنه علق

(3/38)


طلاقه بدخول الدارين فلا تطلق واحدة منهما بدخول إحدى الدارين كما لو قال علق طلاق كل واحدة منهما بدخول الدارين بلفظ مفرد وإن قال إن أكلتما هذين الرغيفين فأنتما طالقان فأكلت كل واحدة منهما رغيفاً فعلى الوجهين.
فصل: وإن قال أنت طالق إن ركبت إن لبست لم تطلق إلا باللبس والركوب ويسميه أهل النحو اعتراض الشرط على الشرط فإن لبست ثم ركبت طلقت وإن ركبت ثم لبست لم تطلق لأنه جعل اللبس شرطا في الركوب فوجب تقديمه وإن قال أنت طالق إذا قمت إذا قعدت لم تطلق حتى يوجد القيام والقعود ويتقدم القعود على القيام لأنه جعل القعود شرطاً في القيام وإن قال إن أعطيتك إن وعدتك إن سألتني فأنت طالق لم تطلق حتى يوجد السؤال ثم الوعد ثم العطية لأنه شرط في العطية الوعد وشرط في الوعد السؤال وكأن معناه إن سألتني شيئا فوعدتك فأعطيتك فأنت طالق وإن قال إن سألتني إن أعطيتك إن وعدتك فأنت طالق لم تطلق حتى تسأل ثم يعدها لأن معناه إن سألتني فأعطيتك إن وعدتك فأنت طالق.
فصل: وإن قال أنت طالق إن دخلت الدار بفتح الألف أو أنت طالق إن شاء الله بفتح الألف وهو ممن يعرف النحو طلقت في الحال لأن معناه أنت طالق لدخولك الدار أو لمشيئة الله عز وجل طلاقك وإن قال أنت طالق إذ دخلت الدار وهو ممن يعرف النحو طلقت في الحال لأن إذا لما مضى.
فصل: وإن قال إن دخلت الدار أنت طالق بحذف الفاء لم تطلق حتى تدخل الدار لأن الشرط ثبت بقوله إن دخلت الدار ولهذا لو قال أنت طالق إن دخلت الدار ثبت الشرط وإن لم يأت بالفاء وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وقال أردت إيقاع الطلاق في الحال قبل من غير يمين لأنه إقرار على نفسه وإن قال أردت أن أجعل دخولها للدار وطلاقها شرطين لعتق أو لطلاق آخر ثم سكت عن الجزاء قبل قوله مع اليمين لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال أردت الشرط والجزاء وأقمت الواو مقام الفاء قبل قوله مع اليمين لأنه يحتمل ما يدعيه وإن قال إن دخلت الدار فأنت طالق وقال أردت به الطلاق في الحال قبل قوله من غير يمين لأنه قرار بالطلاق وإن قال أردت تعليق الطلاق بدخول الدار قبل قوله مع يمينه لأنه يحتمل ما يدعيه.
فصل: إذا قال لزوجته وأجنبية إحداكما طالق ثم قال أردت به الأجنبية قبل قوله مع اليمين وإن كانت له زوجة اسمها زينب وجارة اسمها زينب فقال زينب طالق وقال أردت بها الجارة لم يقبل والفرق بينهما أن قوله إحداكما طالق صريح فيهما وإنما يحمل على

(3/39)


زوجته بدليل وهو أنه لا يطلق غير زوجته فإذا صرفه إلى الأجنبية فقد صرفه إلى ما لا يقتضيه تصريحه فقبل منه وليس كذلك قوله زينب طالق لأنه ليس بصريح في واحدة منهما وإنما يتناولها من جهة الدليل وهو الاشتراك في الاسم ثم يقابل هذا الدليل دليل آخر وهو أنه لا يطلق غير زوجته فصار اللفظ في زوجته أظهر فلم يقبل خلافه.
فصل: وإن كانت له زوجتان اسم إحداهما حفصة واسم الأخرى عمرة فقال يا حفصة فأجابته عمرة فقال لها أنت طالق ثم قال أردت طلاق حفصة وقع الطلاق على عمرة بالمخاطبة وعلى حفصة باعترافه بأنه أراد طلاقها وإن قال ظننتها حفصة فقلت أنت طالق طلقت عمرة ولم تطلق حفصة لأنه لم يخاطبها ولم يعترف بطلاقها وإن رأى امرأة اسمها حفصة فقال حفصة طالق ولم يشر إلى التي رآها وقع الطلاق على زوجته حفصة ولم يقبل قوله لم أردها لأن الظاهر أنه أراد طلاق زوجته ولم يعارض هذا الظاهر غيره.
فصل: إذا قال لامرأته إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثاً ثم قال لها أنت طالق فقد اختلف أصحابنا فيه فمنهم من قال يقع عليها طلقة بقوله أنت طالق ولا يقع من الثلاث قبلها شيء كما إذا قال لها إذا انفسخ نكاحك فأنت طالق قبله ثلاثا ثم ارتدت انفسخ نكاحها ولم يقع من الثلاث شيء ومنهم من قال: يقع بقوله أنت طالق طلقة وطلقتان من الثلاث وهو قول أبي عبد الله الختن لأنه يقع بقوله أنت طالق طلقة ويقع ما بقي بالشرط وهو طلقتان ومنهم من قال لا يقع عليها بعد هذا القول طلاق وهو قول أبي العباس بن سريح وأبي بكر بن الحداد المصري والشيخ أبي حامد الاسفرايني والقاضي أبي الطيب الطبري وهو الصحيح عندي والدليل عليه أن إيقاع الطلاق يؤدي إلى إسقاطه لأنا إذا أوقعنا عليها طلقة لزمنا أن نوقف عليها قبلها ثلاثا بحكم الشرط وإذا وقع قبلها الثلاث لم تقع الطلقة وما أدى ثبوته إلى نفيه سقط ولهذا قال الشافعي رحمه الله فيمن زوج عبده بحرة بألف درهم وضمن صداقها ثم باع العبد منها بتلك الألف قبل الدخول أن البيع لا يصح لأن صحته تؤدي إلى إبطاله فإنه إذا صح البيع انفسخ النكاح بملك الزوج وإذا انفسخ النكاح سقط المهر لأن الفسخ من جهتها وإذا سقط المهر سقط الثمن لأن الثمن هو المهر وإذا سقط الثمن بطل البيع فأبطل البيع حين أدى تصيحه إلى إبطاله فكذلك ههنا ويخالف الفسخ بالردة فإن الفسخ لا يقع بإيقاعه وإنما تقع الردة والفسخ من موجباتها والطلاق الثلاث لا ينافي الردة فصحت الردة وثبت موجبها وهو الفسخ والطلاق يقع بإيقاعه والثلاث قبله تنافيه فمنع صحته فعلى هذا إن حلف على امرأته بالطلاق الثلاث

(3/40)


أنه لا يفعل شيئا وأراد أن يفعله ولا يحنث فقال إذا وقع على امرأتي طلاقي فهي طالق قبله ثلاثاً ففيه وجهان: أحدهما: يحنث فقال إذا فعل المحلوف عليه لأن عقد اليمين صح فلا يملك رفعه والثاني: لا يحنث لأنه يجوز أن يعلن الطلاق على صفة ثم يسقط حكمه بصفة أخرى والدليل عليه أنه إذا قال إذا حل رأس الشهر فأنت طالق ثلاثاً صحت هذه الصفة ثم يملك إسقاطها بأن يقول أنت طالق قبل انقضاء الشهر بيوم.
فصل: إذا علق طلاق امرأته على صفة من يمين أو غيرها ثم بانت منه ثم تزوجها قبل وجود الصفة ففيه ثلاثة أقوال: أحدها لا يعود حكم الصفة في النكاح الثاني وهو اختيار المزني لأنها صفة علق عليها الطلاق قبل النكاح فلم يقع بها الطلاق كما لو قال لأجنبية إن دخلت الدار فأنت طالق ثم تزوجها ودخلت الدار والثاني: أنها تعود ويقع بها الطلاق وهو الصحيح لأن العقد والصفة وجدا في عقد النكاح فأشبه إذا لم يتخللهما بينونة والثالث أنها إن بانت بما دون الثلاث عاد حكم الصفة وإن بانت بالثلاث لم تعد لأن بالثلاث انقطعت علائق الملك وبما دون الثلاث لم تنقطع علائق الملك ولهذا بنى أحد العقدين على الآخر في عدد الطلاق فيما دون الثلاث ولا يبنى بعد الثلاث وإن علق عتق عبده على صفة ثم باعه ثم اشتراه قبل وجود الصفة ففيه وجهان: أحدهما: أن حكمه حكم الزوجة إذا بانت بما دون الثلاث لأنه يمكنه أن يشتريه بعد البيع كما يمكنه أن يتزوج البائن بما دون الثلاث والثاني: أنه كالبائن بالثلاث لأن علائق الملك قد زالت بالبيع كما زالت في البائن بالثلاث.
فصل: وإن علق الطلاق على صفة ثم أبانها ووجدت الصفة في حالة البينونة انحلت الصفة وإن تزوجها لم يعد حكم الصفة وكذلك إذا علق عتق عبده على صفة ثم باعه ووجدت الصفة قبل أن يشتريه انحلت الصفة فإن اشتراه لم يعد حكم الصفة وقال أبو سعيد الأصطخري رحمه الله لا تنحل الصفة لأن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق مقدر بالزوجة وقوله إن دخلت الدار فأنت حر مقدر بالملك لأن الطلاق لا يصح في غير الزوجية والعتق لا يصح في غير ملك فيصير كما لو قال إن دخلت الدار وأنت زوجتي فأنت طالق وإن دخلت الدار وأنت مملوكي فأنت حر والمذهب الأول لأن اليمين إذا علقت على عين تعلقت بها ولا نقدر فيها الملك والدليل عليه أنه لو قال إن دخلت هذه الدار فأنت طالق والدار في ملكه فباعها ثم دخلها وقع الطلاق ولا يجعل كما لو قال إن دخلت هذه الدار وهي في ملكي فأنت طالق فكذلك ههنا. والله أعلم.

(3/41)


باب الشك في الطلاق واختلاف الزوجين فيه
إذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا لم تطلق لأن النكاح يقين واليقين لا يزال بالشك والدليل عليه ما روى عبد الله بن زيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا"1. والورع أن يلتزم الطلاق لقوله صلى الله عليه وسلم: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" 2. فإن كان بعد الدخول راجعها وإن كان قبل الدخول جدد نكاحها وإن لم يكن له رغبة طلقها لتحل لغيره بيقين وإن شك في عدده بنى الأمر على الأقل لما روى عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدرأ واحدة صلى أم اثنتين فليبن على واحدة وإن لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثاً فليبن على اثنتين وإن لم يدر أثلاثاً صلى أم أربعاً فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم"3. فرد إلى الأقل ولأن الأقل يقين والزيادة مشكوك فيها فلا يزال اليقين بالشك والورع أن يتم الأكثر فإن كان الشك الثلاث وما دونها طلقها ثلاثاً حتى تحل لغيره بيقين.
فصل: وإن كانت له امرأتان فطلق إحداهما بعينها ثم نسيها أو خفيت عليه عينها بأن طلقها في ظلمة أومن وراء حجاب رجع إليه في تعيينها لأنه هو المطلق ولا تحل له واحدة منهما قبل أن يعين ويؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين لأنهما محبوستان عليه فإن عين الطلاق في إحداهما فكذبتاه حلف للأخرى لأن المعينة لو رجع في طلاقها لم يقبل وإن قال طلقت هذه لا بل هذه طلقتا في الحكم لأنه أقر بطلاق الأولى ثم رجع إلى الثانية فقبلنا إقراره بالثانية ولم يقبل رجوعه في الأولى وإن كن ثلاثاً فقال طلقت هذه لا بل هذه لا بل هذه طلقن جميعا وإن قال طلقت هذه أو هذه لا بل هذه طلقت الثالثة وواحدة من الأوليين وأخذ بتعيينه لأنه أقر أنه طلق إحدى الأوليين ثم رجع إلى أن المطلقة هي الثالثة فلزمه ما رجع إليه ولم يقبل رجوعه عما أقر به وإن قال طلقت هذه لا بل هذه
__________
1 رواه البخاري في كتاب الوضوء باب 4، 34. مسلم في كتاب الحيض حديث 98، 99. أبو داود في كتاب الصلاة باب 192. ابن ماجه في كتاب الطهارة باب 74.
2 رواه البخاري في كتاب البيوع باب 3. الترمذي في كتاب القيامة باب 60. أحمد في مسنده 3/153.
3 رواه الترمذي في كتاب الصلاة، باب 174.

(3/42)


أو هذه طلقت الأولى وواحدة من الأخريين وإن قال طلقت هذه أو هذه وهذه أخذ ببيان الطلاق في الأولى والأخريين فإن عين في الأولى بقيت الأخريان على النكاح وإن قال لم أطلق الأولى طلقت الأخريان لأن الشك في الأولى والأخريين فهو كما لو قال طلقت هذه أو هاتين ولا يجوز له أن يعين بالوطء فإن وطئ إحداهما لم يكن ذلك تعييناً للطلاق في الأخرى فيطالب بالتعيين بالقول فأن عين الطلاق في الموطوءة لزمه مهر المثل وإذا عين وجبت العدة من حين الطلاق.
فصل: وإن طلق إحدى المرأتين بغير عينها أخذ بتعيينها ويؤخذ بنفقتهما إلى أن يعين وله أن يعين الطلاق فيمن شاء منهما فإن قال هذه لا بل هذه طلقت الأولى ولم تطلق الأخرى لأن تعيين الطلاق إلى اختياره وليس له أن يختار إلا واحدة فإذا اختار إحداهما لم يبق له اختيار وهل له أن يعين الطلاق بالوطء ففيه وجهان: أحدهما: لا يعين بالوطء وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة لأن إحداهما محرمة بالطلاق فلم تتعين بالوطء كما لو طلق إحداهما بعينها ثم أشكلت فعلى هذا يؤخذ بعد الوطء بالتعيين بالقول فإن عين الطلاق في الموطوءة لزمه المهر والثاني: يتعين وهو قول أبي إسحاق واختيار المزني وهو الصحيح لأنه اختيار شهوة والوطء قد دل على الشهوة وفي وقت العدة وجهان: أحدهما: من حين يلفظ بالطلاق لأنه وقت وقوع الطلاق والثاني: من حين التعيين وهو قول أبي علي ابن أبي هريرة رحمه الله لأنه وقت تعيين الطلاق.
فصل: وإن ماتت الزوجات قبل التعيين وبقي الزوج وقف من مال كل واحدة منهما نصف الزوج فإن كان قد طلق إحداهما بعينها فعين الطلاق في إحداهما أخذ من تركة الأخرى ما يخصه وإن كذبه ورثتها فالقول قوله مع يمينه وإن كان قد طلق إحداهما بغير عينها فعين الطلاق في إحداهما دفع إليه من مال الأخرى ما يخصه وإن كذبه ورثتها فالقول قوله من غير يمين لأن هذا اختيار شهوة وقد اختار ما اشتهى وإن مات الزوج بقيت الزوجتان وقف لهما من ماله نصيب زوجة إلى أن يصطلحا لأنه قد ثبت إرث إحداهما بيقين وليست إحداهما بأولى من الأخرى فوجب أن يوقف إلى أن يصطلحا لأنه قد ثبت إرث إحداهما بيقين فإن قال وارث الزوج أنا أعرف الزوجة منهما ففيه قولان: أحدهما: يرجع إليه لأنه لما قام مقامه في استلحاق النسب قام مقامه في تعيين الزوجة والثاني: لا يرجع إليه لأن كل واحدة منهما زوجة في الظاهر وفي الجوع إلى بيانه إسقاط وارث مشارك والوارث لا يملك إسقاط من يشاركه في الميراث واختلف أصحابنا في

(3/43)


موضع القولين فقال أبو إسحاق القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت وفيمن طلق إحداهما من غير تعيين ومنهم من قال القولان فيمن عين طلاقها ثم أشكلت لأنه إخبار فجاز أن يخبر الوارث عن الموروث وأما إذا طلق إحداهما من غير تعيين فإنه لا يرجع إلى الوارث قولاً واحداً لأنه اختيار شهوة فلم يقم الوارث فيه مقام الموروث كما لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ومات قبل أن يختا أربعا منهن.
فصل: وإن طلق إحدى زوجتيه ثم ماتت إحداهما ثم مات الزوج قبل البيان عزل من تركة الميتة قبله ميراث زوج لجواز أن تكون هي الزوجة ويعزل من تركة الزوج ميراث زوجة لجواز أن تكون الباقية زوجة فإن قال ورث الزوج الميتة قبله مطلقة فلا ميراث لي منها والباقية زوجة فلها الميراث معي قبل لأنه إقرار على نفسه بما يضره فإن قال الميتة هي الزوجة فلي الميراث من تركتها والباقية هي المطلقة فلا ميراث لها معي فإن صدق على ذلك حمل الأمر على ما قال فإن كذب بأن قال وارث الميتة إنها هي المطلقة فلا ميراث لك منها وقالت الباقية أنا الزوجة فلي معك الميراث ففيه قولان: أحدهما: يرجع إلى بيان الوارث فيحلف لورثة الميتة أنه لا يعلم أنه طلقها ويستحق من تركتها ميراث الزوج ويحلف للباقية أنه طلقها ويسقط ميراثها من الزوج والثاني: لا يرجع إلى بيان الوارث فيجعل ما عزل من ميراث الميتة موقوفاً حتى يصطلح عليه وارث الزوج ووارث الزوجة وما عزل من ميراث الزوج موقوفاً حتى تصطلح عليه الباقية ووارث الزوج.
فصل: وإن كانت له زوجتان حفصة وعمرة فقال يا حفصة إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فعمرة طالق وإن كان أنثى فأنت طالق فولدت ذكرا وأنثى واحدا بعد واحد وأشكل المتقدم منهما طلقت إحداهما بعينها وحكمها حكم من طلق إحدى امرأتين بعينها ثم أشكلت عليه وقد بيناه.
فصل: وإن رأى طائراً فقال إن كان هذا الطائر غرابا فنسائي طوالق وإن كان حماما فإمائي حرائر ولم يعرف لم تطلق النساء ولم تعتق الإماء لجواز أن يكون الطائر غيرهما والأصل بقاء الملك والزوجية فلا يزل بالشك وإن قال إن كان هذا غراباً فنسائي طوالق وإن كان غير غراب فإمائي حرائر ولم يعرف منع من التصرف في الإماء والنساء لأنه تحقق زوال الملك في أحدهما: فصار كما لو طلق إحدى المرأتين ثم أشكلت ويؤخذ بنفقة الجميع إلى أن يعين لأن الجمع في حبسه ويرجع في البيان إليه لأنه يرجع إليه في أصل الطلاق والعتق فكذلك في تعيينه فإن امتنع من التعيين مع العلم به حبس حتى يعين،

(3/44)


وإن لم يعلم لم يحبس ووقف الأمر إلى أن يتبين وإن مات قبل البيان فهل يرجع إلى الورثة ففيه وجهان: أحدهما: يرجع إليهم لأنهم قائمون مقامه والثاني: لا يرجع لأنهم لا يملكون الطلاق فلم يرجع إليهم في البيان ومتى تعذر في البيان أقرع بين النساء والإماء فإن خرجت القرعة على الإماء عتقن وبقي النساء على الزوجية وإن خرجت القرعة على النساء رق الإماء ولم تطلق النساء وقال أبو ثور: تطلق النساء بالقرعة كما تعتق الإماء وهذا خطأ لأن القرعة لها مدخل في العتق دون الطلاق ولهذا لو طلق إحدى نسائه لم تطلق بالقرعة ولو أعتق أحد عبيده بالقرعة فدخلت القرعة في العتق دون الطلاق كما يدخل المشاهد والمرأتان في السرقة لإثبات المال دون القطع ويثبت للنساء الميراث لأنه لم يثبت بالقرعة ما يسقط الإرث.
فصل: وإن طار طائر فقال رجل إن كان هذا الطائر غراباً فعبدي حر وقال الآخر إن لم يكن غرابا فعبدي حر ولم يعرف الطائر لم يعتق واحد من العبدين لأنا نشك في عتق كل واحد منهما ولا يزال يقين الملك بالشك وإن اشترى أحد الرجلين عبد الآخر علق عليه لأن إمساكه للعبد إقرار بحرية عبد الآخر فإذا ملكه عتق عليه كما لو شهد بعتق عبد ثم اشتراه.
فصل: إذا اختلف الزوجان فادعت المرأة على الزوج أنه طلقها وأنكر الزوج فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الطلاق وإن اختلفا في عدده فادعت المرأة أنه طلقها ثلاثا وقال الزوج طلقتها طلقة فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الأصل عدم ما زاد على طلقة.
فصل: وإن خيرها ثم اختلفا فقالت المرأة اخترت وقال الزوج ما اخترت فالقول قول الزوج مع يمينه لأن الأصل عدم الاختيار وبقاء النكاح وإن اختلفا في النية فقال الزوج ما نويت وقالت المرأة نويت ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري رحمه الله أن القول قول الزوج لأن الأصل عدم النية وبقاء النكاح فصار كما لو اختلفا في الاختيار والثاني: وهو الصحيح أن القول قول المرأة والفرق بينه وبين الاختلاف في الاختيار أن الاختيار يمكن إقامة البينة عليه فكان القول فيه قوله كما لو علق طلاقه بدخول الدار فادعت أنها أنكرت وأنكر الزوج والنية لا يمكن إقامة البينة عليها فكان القول قولها كما لو علق الطلاق على حيضها فادعت أنها حاضت وأنكر.
فصل: وإن قال لها أنت طالق أنت طالق أنت طالق وادعى أنه أراد التأكيد وادعت المرأة أنه أراد الاستئناف فالقول قوله مع يمينه لأنه اعترف بنيته وإن قال الزوج أردت

(3/45)


الاستئناف وقالت المرأة أردت التأكيد فالقول قول الزوج لما ذكرناه ولا يمين عليه لأن اليمين تعرض ليخاف فيرجع ولو رجع لم يقبل رجوعه فلم يكن لعرض اليمين معنى.
فصل: وإن قال أنت طالق في الشهر الماضي وادعى أنه أراد من زوج غيره في نكاح قبله وأنكرت المرأة أن يكون قبله نكاح أو طلاق لم يقبل قول الزوج في الحكم حتى يقيم البينة على النكاح والطلاق فإن صدقته المرأة على ذلك لكنها أنكرت أنه أراد ذلك فالقول قوله مع يمينه فإن قال أردت أنها طالق في الشهر الماضي بطلاق كنت طلقتها في هذا النكاح وكذبته المرأة فالقول قوله مع يمينه والفرق بينه وبين المسألة قبلها أن هناك يريد أن يرفع الطلاق وههنا لا يرفع الطلاق وإنما ينقله من حال إلى حال.
فصل: وإن قال إن كان هذا الطائر غراباً فنسائي طوالق وإن لم يكن غراباً فإمائي حرائر ثم قال كان هذا الطائر غراباً طلقت النساء فإن كذبه الإماء حلف لهن فإن حلف ثبت رقهن وإن نكل ردت اليمين عليهن فإن حلفن ثبت طلاق النساء بإقراره وعتق الإماء بنكوله ويمينهن فإن صدقنه ولم يطلبن إحلافه ففيه وجهان: أحدهما: يحلف لما في العتق من حق لله عز وجل والثاني: لا يحلف لأنه لما أسقط العتق بتصديقهن سقط اليمين بترك مطالبتهن وإن قال كان هذا الطائر غير غراب عتق الإماء فإن كذبته النساء حلف لهن وإن نكل عن اليمين ردت عليهن فإن حلفن ثبت عتق الإماء بإقراره وطلاق النساء بيمينهن ونكوله.

(3/46)


باب الرجعة
إذا طلق الحر امرأته طلقة أو طلقتين أو طلق العبد امرأته بعد الدخول طلقة فله أن يراجعها قبل انتهاء العدة لقوله عز وجل: {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: 231] والمراد به إذا قاربن أجلهن وروى ابن عباس رضي الله عنه عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة وراجعها وروى ابن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته وهي حائض فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "مر ابنك فليراجعها فإن انقضت العدة لم يملك رجعها". لقوله عز وجل: {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البقرة: 232] فلو ملك رجعتها لما نهى الأولياء عن عضلهن عن النكاح فإن طلقها قبل الدخول لم يملك الرجعة لقوله عز وجل: {وَإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} فدلت الرجعة على الأجل فدل على أنها لا تجوز من غير أجل والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ

(3/46)


مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: 49] .
فصل: ويجوز أن يطلق الرجعية ويلاعنها ويولي منها ويظاهر منها لأن الزوجية باقية وهل له أن يخالعها ففيه قولان: قال في الأم: يجوز لبقاء النكاح وقال في الإملاء لا يجوز لأن الخلع للتحريم وهي محرمة فإن مات أحدهما: ورثه الآخر لبقاء الزوجية إلى الموت ولا يجوز أن يستمتع بها لأنها معتدة فلا يجوز وطؤها كالمختلعة فإن وطئها ولم يراجعها حتى انقضت عدتها لزمه المهر لأنه وطء في ملك قد تشعث فصار كوطء الشبهة وإن راجعها بعد الوطء فقد قال في الرجعة عليه المهر وقال في المرتد: إذا وطئ امرإته في العدة ثم أسلم أنه لا مهر عليه واختلف أصحابنا فيه فنقل أبو سعيد الإصطخري الجواب في كل واحدة منهما إلى الأخرى وجعلهما على قولين أحدهما: يجب المهر لأنه وطء في نكاح قد تشعث والثاني: لا يجب لأن بالرجعة والإسلام قد زال التشعث فصار كما لو لم تطلق ولم يرتد وحمل أبو عباس وأبو إسحاق المسألتين على ظاهرهما فقالا في الرجعة: يجب المهر وفي المرتد لا يجب لأن بالإسلام صار كأن لم يرتد وبالرجعة لا يصير كأن لم تطلق لأن ما وقع من الطلاق لم يرتفع ولأن أمر المرتد مراعى فإذا رجع إلى الإسلام تبينا أن النكاح بحاله ولهذا لوطلق وقف طلاقه فإن أسلم حكم بوقوعه وإن لم يسلم لم يحكم بوقوعه فاختلف أمرها في المهر بين أن يرجع إلى الإسلام وبين أن لا يرجع وأمر الرجعية غير مراعى ولهذا لو طلق لم يقف طلاقه على الرجعة فلم يختلف أمرها في المهر بين أن يراجع وبين أن لا يراجع فإذا وطئها وجب عليها العدة لأنه كوطء الشبهة ويدخل فيه بقية العدة الأولى لأنهما من واحد.
فصل: وتصح الرجعة من غير رضاها لقوله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] ولا تصح الرجعة إلا بالقول فإن وطئها لم تكن ذلك رجعة لاستباحة بضع مقصود يصح بالقول فلم يصح بالفعل مع القدرة على القول كالنكاح وإن قال راجعتك أو ارتجعتك صح لأنه وردت به السنة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "مر ابنك فليراجعها". فإن قال رددتك صح لأنه ورد به القرآن وهو قوله عز وجل: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} وإن قال أمسكتك ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي سعيد الإصطخري أنه يصح لأنه ورد به القرآن وهو قوله عز وجل: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} والثاني: أنه لا يصح لأنه إذا صح به النكاح وهو ابتداء الإباحة فلأن تصح به الرجعة وهو إصلاح لما تشعث منه

(3/47)


أولى والثاني: لا يصح لأنه صريح في النكاح ولا يجوز أن يكون صريحاً في حكم آخر من النكاح كالطلاق لما كان صريحاً في الطلاق لم يجز أن يكون صريحاً في الظهار وإن قال راجعتك للمحبة وقال أردت به مراجعتك لمحبتي لك صح وإن قال راجعتك لهوانك وقال أردت به أني راجعتك لأهينك بالرجعة صح لأنه أتى بلفظ الرجعة وبين سبب الرجعة وإن قال لم أرد الرجعة وإنما أردت أني كنت أحبك قبل النكاح أو كنت أهينك قبل النكاح فرددتك بالرجعة إلى المحبة التي كانت قبل النكاح أو الإهانة التي كانت قبل النكاح قبل قوله لأنه يحتمل ما يدعيه.
فصل: وهل يجب الإشهاد عليها فيه قولان: أحدهما: يجب لقوله عز وجل: {أَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] ولأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح من غير إشهاد كالنكاح والثاني: أنه مستحب لأنه لا يفتقر إلى الولي فلم يفتقر إلى الإشهاد كالبيع.
فصل: ولا يجوز تعليقها على شرط فإن قال راجعتك إن شئت فقالت شئت لم يصح لأنه استباحة بضع فلم يصح تعليقه على شرط كالنكاح ولا يصح في حال الردة وقال المزني إنه موقوف فإن أسلمت صح كما يقف الطلاق والنكاح على الإسلام وهذا خطأ لأنه استباحة بضع فلم يصح مع الردة كالنكاح ويخالف الطلاق فإنه يجوز تعليقه على الشرط والرجعة لا يصح تعليقها على الشرط وأما النكاح فإنه يقف فسخه على الإسلام وأما عقده فلا يقف والرجعة كالعقد فيجب أن لا تقف على الإسلام.
فصل: وإن اختلف الزوجان فقال الزوج راجعتك وأنكرت المرأة فإن كان ذلك قبل انقضاء العدة فالقول قول الزوج لأنه يملك الرجعة فقبل إقراره فيها كما يقبل قوله في طلاقها حين ملك الطلاق وإن كان بعد انقضاء العدة فالقول قولها لأن الأصل عدم الرجعة ووقوع البينونة وإن اختلفا في الإصابة فقال الزوج أصبتك فلي الرجعة وأنكرت المرأة فالقول قولها لأن الأصل عدم الإصابة ووقوع الفرقة.
فصل: فإن طلقها طلقة رجعية وغاب الزوج وانقضت العدة وتزوجت ثم قدم الزوج وادعى أنه راجعها قبل انقضاء العدة فله أن يخاصم الزوج الثاني وله أن يخاصم الزوجة فإن بدأ بالزوج نظرت فإن صدقه سقط حقه من النكاح ولا تسلم المرأة إليه لأن إقراره يقبل على نفسه دونها وإن كذبه فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم الرجعة فإن حلف سقط دعوى الأول وإن نكل ردت اليمين عليه فإن حلف وقلنا إن يمينه مع نكول المدعى عليه كالبينة حكمنا بأنه لم يكن بينهما نكاح فإن كان قبل الدخول لم يلزمه

(3/48)


شيء وإن كان بعد الدخول لزمه مهر المثل وإن قلنا إنه كالإقرار لم يقبل إقراره في إسقاط حقها فإن دخل بها لزمه المسمى وإن لم يدخل بها لزمه نصف المسمى ولا تسلم المرأة إلى الزوج الأول على القولين لأنا جعلناه كالبينة أو كالإقرار في حقه ومن حقها وإن بدأ بخصومة الزوجة فصدقته لم تسلم إليه لأنه لا يقبل إقرارها على الثاني كما لا يقبل إقراره عليها ويلزمها المهر لأنها أقرت أنها حالت بينه وبين بضعها فإن زال حق الثاني بطلاق أو فسخ أو وفاة ردت إلى الأول لأن المنع لحق الثاني وقد زال وإن كذبته فالقول قولها وهل تحلف على ذلك ففيه وجهان: أحدهما: لا تحلف لأن اليمين تعرض عليها لتخاف فتقر وأقرت لم يقبل إقراره فلم يكن في تحليفها فائدة والثاني: تحلف لأن في تحليفها فائدة وهو أنها ربما أقرت فيلزمها المهر وإن حلفت سقط دعواه وإن نكلت ردت اليمين عليه فإذا حلف حكم له بالمهر.
فصل: إذا تزوجت الرجعية في عدتها وحبلت من الزوج ووضعت وشرعت في إتمام العدة من الأول وراجعها صحت الرجعة لأنه راجعها في عدته فإن راجعها قبل الوضع ففيه وجهان: أحدهما: لا يصح لأنها في عدة من غيره فلم يملك بضعها والثاني: يصح بما بقي عليها من عدته لأن حكم الزوجية باق وإنما حرمت لعارض فصار كما لو أحرمت.
فصل: إذا طلق الحر امرأته ثلاثاً أو طلق العبد امرأته طلقتين حرمت عليه ولا يحل له نكاحها حتى تنكح زوجاً غيره ويطأها والدليل قوله عز وجل: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وروت عائشة رضي الله عنها أن رفاعة القرظي طلق امرأته بت طلاقها فتزوجها عبد الرحمن بن الزبير فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله: إني كنت عند رفاعة وطلقني ثلاث تطليقات فتزوجني عبد الرحمن بن الزبير وإنه والله ما معه يا رسول الله إلا مثل هذه الهدبة فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا والله حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" 1. ولا تحل إلا بالوطء في الفرج فإن وطئها فيما دون الفرج أو وطئها في الموضع المكروه لم تحل لأن
__________
1 رواه أبو داود في كتاب الطلاق باب 49. النسائي في كتاب الطلاق باب 9. الموطأ في كتاب النكاح حديث 17، 18. أحمد في مسنده 1/214.

(3/49)


النبي صلى الله عليه وسلم علق على ذوق العسيلة وذلك لا يحصل إلا بالوطء في الفرج وأدنى الوطء أن يغيب الحشف في الفرج لأن أحكام الوطء تتعلق به ولا تتعلق بما دونه فإن أولج الحشفة في الفرج من غير انتشار لم تحل لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق الحكم بذوق العسيلة وذلك لا يحصل من غير انتشار وإن كان بعض الذكر مقطوعاً فعلى ما ذكرناه في الرد بالعيب في النكاح وإن كان مسلولاً أحل بوطئه لأنه في الوطء كالفحل وأقوى منه ولم يفقد إلا الإنزال وذلك غير معتبر في الإحلال وإن كان مراهقاً أحل لأنه كالبالغ في الوطء وإن وطئت وهي نائمة أو مجنونة أو استدخلت هي ذكر الزوج وهو نائم أو مجنون أو وجدها على فراشه فظنها غيرها فوطئها حلت لأنه وطء صادف النكاح.
فصل: فإن رآها رجل أجنبي فظنها زوجته فوطئها أو كانت أمة فوطئها مولاها لم تحل لقوله عز وجل: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} [البقرة: 230] وإن وطئها للزوج في نكاح فاسد كالنكاح بلا ولي ولا شهود أوفي نكاح شرط فيه أنه إذا أحلها للزوج الأول فلا نكاح بينهما ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يحلها لأنه وطء في نكاح غير صحيح فلم تحل كوطء الشبهة والثاني: أنه يحلها لما روى عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله المحلل والمحلل له" 1. فسماه محللا ولأنه وطء في نكاح فأشبه الوطء في النكاح الصحيح.
فصل: وإن كانت المطلقة أمة فملكها الزوج قبل أن ينكحها زوجاً غيره فالمذهب أنها لا تحل لقوله عز وجل: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} ولأن الفرج لا يجوز أن يكون محرماً عليه من وجه مباحا من وجه ومن أصحابنا من قال يحل وطؤها لأن الطلاق يختص بالزوجية فآثر التحريم في الزوجية.
فصل: وإن طلق امرأته ثلاثا وتفرقا ثم ادعت المرأة أنها تزوجت بزوج أحلها جاز له أن يتزوجها لآنها مؤتمنة فيما تدعيه من الإباحة فإن وقع في نفسه أنها كاذبة فالأولى أن لا يتزوجها احتياطاً.
فصل: وإن تزوجت المطلقة ثلاثا بزوج وادعت عليه أنه أصابها وأنكر الزوج لم يقبل قولها على الزوج الثاني في الإصابة ويقبل قولها في الإباحة للزوج الأول لأنها تدعي على الزوج الثاني حقا وهو استقرار المهر ولا تدعي على الأول شيئا وإنما تخبره عن أمر هي فيه مؤتمنة فقبل وإن كذبها الزوج الأول فيما تدعيه على الثاني من الإصابة ثم رجع
__________
1 رواه أبو داود في كتاب النكاح باب 15. الترمذي في كتاب النكاح باب 28. النسائي في كتاب الطلاق باب 13. أحمد في مسنده 1/448.

(3/50)


فصدقها جاز له أن يتزوجها لأنه قد لا يعلم أنه أصابها ثم يعلم بعد ذلك وإن ادعت على الثاني أنه طلقها وأنكر الثاني لم يجز للأول نكاحها لأنه إذا لم يثبت الطلاق فهي باقية على نكاح الثاني فلا يحل للأول نكاحها ويخالف إذا اختلفا في الإصابة بعد الطلاق لأنه ليس لأحد حق في بضعها فقبل قولها.
فصل: إذا عادت المطلقة ثلاثاً إلى الأول بشروط إباحة ملك عليها ثلاث تطليقات لأنه قد استوفى ما كان يملك من الطلاق الثلاث فوجب أن يستأنف الثلاث فإن طلقها طلقة أو طلقتين فتزوجت بزوج آخر فوطئها ثم أبانها رجعت إلى الأول بما بقي من عدد الطلاق لأنها عادت قبل استيفاء العدد فرجعت بما بقي كما لو رجعت قبل أن تنكح زوجاً غيره.

(3/51)