المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الظهار
مدخل
...
كتاب الظهار
الظهار محرم لقوله عز وجل: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً} [المجادلة: 2] ويصح ذلك من كل زوج مكلف لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] ولأنه قول يختص به النكاح فصح من كل زوج مكلف كالطلاق ولا يصح من السيد في أمته لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} فخص به الأزواج ولأن الظهار كان طلاقاً في النساء في الجاهلية فنسخ حكمه وبقي محله.
فصل: وإن قالت أنت علي كظهر أمي فهو ظهار وإن قال أنت علي كظهر جدتي فهو ظهار لأن الجدة من الأمهات ولأنها كالأم في التحريم وإن قال أنت علي كظهر أبي لم يكن ظهاراً لأنه ليس بمحل الاستمتاع فلم يصر بالتشبيه به مظاهرا كالبهيمة وإن قال أنت علي كظهر أختي أو عمتي ففيه قولان: قال في القديم: ليس بظهار لأن الله تعالى نص على الأمهات وهن الأصل في التحريم وغيرهن فرع لهن ودونهن فلم يلحقن بهن في الظهار وقال في الجديد: هو ظهار وهو الصحيح لأنها محرمة بالقرابة على التأبيد فأشبهت الأم وإن شبهها بمحرم من غير ذوات المحارم نظرت فإن كانت امرأة حلت له ثم حرمت عليه كالملاعنة والأم من الرضاع وحليلة الأب بعد ولادته أو محرمة تحل له في الثاني كأخت زوجته وخالتها وعمتها لم يكن ظهاراً لأنهن دون الأم في التحريم وإن لم تحل له قط ولا تحل له في الثاني كحليلة الأب قبل ولادته فعلى القولين في ذوات المحارم.
فصل: وإن قال أنت عندي أو أنت مني أو أنت معي كظهر أمي فهو ظهار لأنه يفيد ما يفيد قوله أنت علي كظهر أمي وإن شبهها بعضو من أعضاء الأم غير الظهر بأن قال

(3/64)


أنت علي كفرج أمي أو كيدها أو كرأسها فالمنصوص أنه ظهار ومن أصحابنا من جعلها علي قولين قياساً على من شبهها بذات رحم محرم منه غير الأم والصحيح أنه ظهار قولاً واحداً لأن غير الظهر كالظهر في التحريم وغير الأم دون الأم في التحريم وإن قال أنت علي كبدن أمي فهو ظهار لأنه يدخل الظهر فيه وإن قال أنت علي كروح أمي ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه ظهار لأنه يعبر به عن الجملة والثاني: أنه كناية لأنه يحتمل أنها كالروح في الكرامة فلم يكن ظهاراً من غير نية والثالث وهو قول علي ابن أبي هريرة أنه ليس بصريح ولا كناية لأن الروح ليس من الأعيان التي يقع بها التشبيه وإن شبه عضواً من زوجته بظهر أمه بأن قال رأسك أو يدك علي كظهر أمي فهو ظهار لأنه قول يوجب تحريم الزوجة فجاز تعليقه علي يدها ورأسها كالطلاق وعلى قول ذلك القائل يجب أن يكون ههنا قول آخر أنه ليس بظهار.
فصل: وإن قال أنت علي كأمي أو مثل أمي لم يكن ظهاراً إلا بالنية لأنه يحتمل أنها كالأم في التحريم أوفي الكرامة فلم يجعل ظهاراً من غير نية كالكنايات في الطلاق.
فصل: وإن قال أنت طالق ونوى به الظهار لم يكن ظهارا وإن قال أنت علي كظهر أمي ونوى به الطلاق لم يكن طلاقاً لأن كل واحد منهما صريح في موجبه في الزوجية فلا ينصرف عن موجبه بالنية وإن قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو شيئاً وقع الطلاق بقوله أنت طالق ويلغى قوله كظهر أمي لأنه ليس معه ما يصير به ظهارا وهو قوله أنت علي أو مني أو معي أو عندي فيصير كما لو قال ابتداء كظهر أمي وإن قال أردت أنت طالق طلاقاً يحرم كما يحرم الظهار وقع الطلاق وكان قوله كظهر أمي تأكيدا وإن قال أردت أنت طالق وأنت علي كظهر أمي فإن كان الطلاق رجعياً صار مطلقا ومظاهرا وإن كان بائنا وقع الطلاق ولم يصح الظهار لأن الظهار يلحق الرجعية ولا يلحق البائن وإن قال أنت علي حرام كظهر أمي ولم ينو شيئاً فهو ظهار لأنه أتى بصريحه وأكده بلفظ التحريم وإن نوى به الطلاق فقد أكد الربيع أنه طلاق وروى في بعض نسخ المزني أنه ظهار وبه قال بعض أصحابنا لأن ذكر الظهار قرينة ظاهرة ونية الطلاق قرينة خفية فقدمت القرينة الظاهرة على القرينة الخفية والصحيح أنه طلاق وأما الظهار فهو غلط وقع في بعض النسخ لأن التحريم كناية في الطلاق والكناية مع النية كالصريح فصار كما لو قال أنت طالق كظهر أمي وإن أردت الطلاق والظهار فإن كان الطلاق رجعياً صار مطلقا ومظاهرا وإن كان الطلاق بائنا صح الطلاق ولم يصح الظهار لما ذكرناه فيما تقدم وعلى مذهب ذلك القائل هو مظاهر لأن القرينة الظاهرة مقدمة وإن قال أردت تحريم عينها وجبت كفارة يمين وعلى قول ذلك القائل هو مظاهر.

(3/65)


فصل: ويصح الظهار مؤقتا وهو أن يقول أنت علي كظهر أمي يوماً أو شهرا نص عليه في الأم وقال في اختلاف العراقيين لا يصير مظاهراً لأنه لو شبهها بمن تحرم إلى وقت لم يصر مظاهراً فكذلك إذا شبهها بأمه إلى وقت والصحيح هو الأول لما روى سلمة بن صخر قال: كنت امرأ أصيب من النساء ما لا يصيب غيري فلما دخل شهر رمضان خفت أن أصيب من امرأتي شيئاً يتتابع بي حتى أصبحت فظاهرت منها حتى ينسلخ رمضان فبينما هي تحدثني ذات ليلة وتكشف لي منها شيء فلم ألبث أن نزوت عليها فانطلقت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: "حرر رقبة". ولأن الحكم إنما تعلق بالظهار لقوله المنكر والزور وذلك موجود في المؤقت.
فصل: ويجوز تعليقه بشرط كدخول الدار ومشيئة زيد لأنه قول يوجب تحريم الزوجة فجاز تعليقه بالشرط كالطلاق وإن قال إن تظاهرت من فلانة فأنت علي كظهر أمي فتزوج فلانة وتظاهر منها صار مظاهراً من الزوجة لأنه قد وجد شرط ظهارها وإن قال إن تظاهرت من فلانة الأجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم تزوج فلانة وظاهر منها ففيه وجهان: أحدهما: لا يصير مظاهراً من الزوجة لأنه شرط أن يظاهر من الأجنبية والشرط لم يوجد فصار كما لو قال إن تظاهرت من ثلاثة وهي أجنبية فأنت علي كظهر أمي ثم تزوجها وظاهر منها والثاني: يصير مظاهرا لأنه علق ظهارها بعينها ووصفها بصفة والحكم إذا تعلق بعين على صفة كانت الصفة تعريفا لا شرطا كما لو قال والله لا دخلت دار زيد هذه فباعها زيد ثم دخلها فإنه يحنث وإن لم تكن ملك زيد.
فصل: وإن قالت الزوجة لزوجها أنت علي كظهر أبي أو أنا عليك كظهر أمك لم يلزمها شيء لأنه قول يوجب تحريماً في الزوجية يملك الزوج رفعه فاختص به الرجل كالطلاق.
فصل: وإذا صح الظهار ووجد العود وجبت الكفارة لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3] والعود هو أن

(3/66)


يمسكها بعد الظهار زماناً يمكنه أن يطلقها فلم يفعل وإن ماتت المرأة عقيب الظهار أو طلقها عقيب الظهار لم تجب الكفارة والدليل على أن العود ما ذكرناه هو أن تشبيهها بالأم يقتضي أن لا يمسكها فإذا أمسكها عاد فيما قال فإذا ماتت أو طلقها عقيب الظهار لو يوجد العود فيما قال.
فصل: وإن تظاهر من رجعية لم يصر عائداً قبل الرجعة لأنه لا يوجد الإمساك وهي تجري إلى البينونة فإن راجعها فهل تكون الرجعة عوداً أم لا فيه قولان: قال في الإملاء: لا تكون عوداً حتى يمسكها بعد الرجعة لأن العود استدامة الإمساك والرجعة ابتداء استباحة فلم تكن عودا وقال في الأم: هو عود لأن العود هو الإمساك وقد سمى الله عز وجل الرجعة إمساكاً فقال: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} ولأنه إذا حصل العود باستدامة الإمساك فلأن يحصل بابتداء الاستباحة أولى وإن بانت منه ثم تزوجها فهل يعود الظهار أم لا على الأقوال التي مضت في الطلاق فإذا قلنا أنه يعود فهل يكون النكاح عوداً فيه وجهان: الصحيح لا بناء عن القولين في الرجعة وإن ظاهر الكافر من امرأته وأسلمت المرأة عقيب الظهار فإن كان قبل الدخول لم تجب الكفارة لأنه لم يوجد العود وإن كان بعد الدخول لو يصر عائداً ما دامت في العدة لأنها تجري إلى البينونة وإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة ففيه وجهان: أحدهما: لا يصير عائداً لأن العود هو الإمساك على النكاح وذلك لا يوجد إلا بعد الإسلام والثاني: يصير عائداً لأن قطع البينونة بالإسلام أبلغ من الإمساك فكان العود به أولى.
فصل: وإن كانت الزوجة أمة فاشتراها الزوج عقيب الظهار ففيه وجهان: أحدهما: أن الملك عود لأن العود أن يمسكها على الاستباحة وذلك قد وجد والثاني: وهو قول أبي إسحاق أن ذلك ليس بعود لأن العود هو الإمساك على الزوجية والشروع في الشراء تسبب لفسخ النكاح فلم يجز أن يكون عودا وإن قذفها وأتى من اللعان بلفظ الشهادة وبقي لفظ اللعان فظاهر منهما ثم أتى بلفظ اللعن عقيب الظهار لم يكن ذلك عوداً لأنه يقع به الفرقة فلم يكن عوداً كما لو طلقها وإن قذفها ثم ظاهر منها ثم أتى بلفظ اللعان ففيه وجهان: أحدهما: أنه صار عائداً لأنه أمسكها زماناً أمكنه أن يطلقها فيه فلم يطلق والثاني: وهو قول أبي إسحاق أنه لا يكون عائداً لأنه اشتغل بما يوجب الفرقة فصار كما لو ظاهر منها ثم طلق وأطال لفظ الطلاق.
فصل: وإن كان الظهار مؤقتاً ففي عوده وجهان: أحدهما: وهو قول المزني أن العود فيه أن يمسكها بعد الظهار زماناً يمكنه أن يطلقها فيه كما قلنا في الظهار المطلق، والثاني:

(3/67)


وهو المنصوص أنه لا يحصل العود فيه إلا بالوطء لأن إمساكه يجوز أن يكون لوقت الظهار ويجوز أن يكون لما بعد مدة الظهار فلا يتحقق العود إلا بالوطء فإن لم يطأها حتى مضت المدة سقط الظهار ولم تجب الكفارة لأنه لم يوجد العود.
فصل: وإن تظاهر من أربع نسوة بأربع كلمات وأمسكهن لزمه لكل واحدة كفارة وإن تظاهر منهن بكلمة واحدة بأن قال أنتن علي كظهر أمي وأمسكهن ففيه قولان: قال في القديم تلزمه كفارة واحدة لما روى ابن عباس عن سعيد بن المسيب رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه سئل عن رجل تظاهر من أربع نسوة فقال يجزيه كفارة واحدة وقال في الجديد يلزمه أربع كفارات لأنه وجد الظهار والعود في حق كل واحدة منهن فلزمه أربع كفارات كما لو أفردهن بكلمات وإن تظاهر من امرأة ثم ظاهر منها قبل أن يكفر عن الأول نظرت فإن قصد التأكيد لزمه كفارة واحدة وإن قصد الاستئناف ففيه قولان: قال في القديم تلزمه كفارة واحدة لأن الثاني لو يؤثر في التحريم وقال في الجديد يلزمه كفارتان لأنه قول يؤثر في تحريم الزوجة كرره على وجه الاستئناف فتعلق بكل مرة حكم الطلاق وإن أطلق ولم ينو شيئاً فقدر قال بعض أصحابنا حكمه حكم ما لو قصد التأكيد ومنهم من قال حكمه حكم ما لو قصد الاستئناف كما قلنا فيمن كرر الطلاق وإن كانت له امرأتان وقال لإحداهما إن تظاهرت منك فالأخرى علي كظهر أمي ثم تظاهر من الأولى وأمسكها لزمه كفارتان قولاً واحداً لأنه أفرد كل واحدة منهما بظهار.
فصل: وإذا وجبت الكفارة حرم وطؤها إلى أن يكفر لقوله عز وجل: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} [المجادلة: 3 - 4] فشرط في العتق والصوم أن يكونا قبل المسيس وقسنا عليهما الإطعام وروى عكرمة أن رجلاً ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "ما حملك على ما صنعت"؟ قال: رأيت بياض ساقها في القمر قال: "فاعتزلها حتى تكفر عن يمينك". واختلف قوله: في المباشرة فيما دون الفرج فقال في القديم تحرم لأنه قول يؤثر في تحريم الوطء فحرم به ما دونه من المباشرة كالطلاق وقال في الجديد لا تحرم لأنه وطء لا يتعلق بتحريمه مال فلم يجاوزه التحريم كوطء الحائض. والله أعلم.

(3/68)


باب كفارة الظهار
وكفارته عتق رقبة لمن وجد وصيام شهرين متتابعين لمن لم يجد الرقبة وإطعام ستين مسكينا لمن لا يجد الرقبة ولا يطيق الصوم والدليل عليه قوله عز وجل: {وَالَّذِينَ

(3/68)


يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} وروت خولة بنت مالك بن ثعلبة قالت: ظاهر مني زوجي أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يجادلني فيه ويقول: "اتق الله فإنه ابن عمك" فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى الله} الآية فقال: "يعتق رقبة" فقلت: لا يجد قال: "فليصم شهرين متتابعين" قلت: يا رسول الله شيخ كبير ما به صيام قال: " فليطعم ستين مسكيناً" قلت: يا رسول الله ما عنده شيء يتصدق به قال: "فأتى بعرق من تمر" قلت: يا رسول الله وأنا أعينه بعرق آخر قال: "قد أحسنت فاذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك". فإن كان له مال يشتري به رقبة فاضلاً عما يحتاج إليه لقوته ولكسوته ومسكنه وبضاعة لا بد له منها وجب عليه العتق وإن كان له رقبة لا يستغني عن خدمتها بأن كان كبيراً أو مريضاً أو ممن لا يخدم نفسه لم يلزمه صرفها في الكفارة لأن ما يستغرقه حاجته كالمعدوم في جواز الإنتقال إلى البدل كما نقول فيمن معه ماء يحتاج إليه للعطش وإن كان ممن يخدم نفسه ففيه وجهان: أحدهما: يلزمه العتق لأنه مستغن عنه والثاني: لا يلزمه لأن ما من أحد إلا ويحتاج إلى الترفه والخدمة وإن وجبت عليه كفارة وله مال غائب إن كان لا ضرر عليه في تأخير الكفارة ككفارة القتل وكفارة الوطء في رمضان لم يجز أن ينتقل إلى الصوم لأنه قادر على العتق من غير ضرر فلا يكفر بالصوم كما لو حضر المال وإن كان عليه ضرر في تأخير الكفارة ككفارة الظهار ففيه وجهان: أحدهما: لا يكفر بالصوم لأن له مالاً فاضلاً عن كفايته يمكنه أن يشتري به رقبة فلا يكفر بالصوم كما نقول في كفارة القتل والثاني: له أن يكفر بالصوم لأن عليه ضرراً في تحريم الوطء إلى أن يحضر المال فجاز له أن يكفر بالصوم.
فصل: وإن اختلف حاله من حين وجبت الكفارة إلى حين الأداء ففيه ثلاثة أقوال: أحدهما: أن يعتبر حال الأداء لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها فاعتبر فيها حال الأداء كالوضوء والثاني: يعتبر حال الوجوب لأنه حق يجب على وجه التطهير فاعتبر فيه حال الوجوب كالحد والثالث يعتبر أغلظ الأحوال من حين الوجوب إلى حين الأداء فأي وقت قدر على العتق لزمه لأنه حق يجب في الذمة بوجود المال فاعتبر فيه أغلظ الأحوال كالحجج.
فصل: ولا يجزئ في شيء من الكفارات إلا رقبة مؤمنة لقوله عز وجل: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92] فنص في كفارة القتل على رقبة مؤمنة وقسنا عليها سائر الكفارات.

(3/69)


فصل: ولا يجزئ إلا رقبة سليمة من العيوب التي تضر بالعمل ضرراً بينا لأن المقصود تمليك العبد منفعته وتمكينه من التصرف وذلك لا يحصل مع العيب الذي يضر بالعمل ضرراً بيناً فإن أعتق أعمى لم يجز لأن العمى يضر بالعمل الضرر البين وإن أعتق أعور أجزأه لأن العور لا يضر بالعمل ضرراً بيناً لأنه يدرك ما يدرك البصير بالعينين ولا تجزئ مقطوع اليد أو الرجل لأن ذلك يضر بالعمل ضررا بينا ولا يجزئ مقطوع الإبهام أو السبابة أو الوسطى لأن منفعة اليد تبطل بقطع كل واحد منهما ويجزئ مقطوع الخنصر أو البنصر لأنه لا تبطل منفعة اليد بقطع إحداهما إن قطعتا جميعاً فإن كانتا من كف واحدة لم تجزه لأنه تبطل منفعة اليد بقطعهما وإن كانتا من كفين أجزأه لأنه لا تبطل منفعة كل واحد من الكفين وإن قطع منه أنملتان فإن كانتا من الخنصر أو البنصر أجزأه لأن ذهاب كل واحدة منهما لا يمنع الإجزاء فلأن لا يمنع ذهاب أنملتين أولى وإن كانتا من الوسط أو السبابة لم يجزه لأنه تبطل به منفعة الأصبع وإن قطعت منه أنملة فإن كانت من غير الإبهام أجزأه لأنه لا تبطل به منفعة الأصبع وإن كانت من الإبهام لم يجزه لأنه تبطل به منفعة الإبهام.
فصل: وإن كان أعرج نظرت فإن كان عرجاً قليلاً أجزأه لأنه لا يضر بالعمل ضرراً بيناً وإن كان كثيراً لم يجزه لأنه يضر بالعمل ضررا بينا ويجزئ الأصم لأن الصمم لا يضر بالعمل بل يزيد في العمل لأنه لا يسمع ما يشغله وأما الأخرس فقد قال في موضع يجزئه وقال في موضع لا يجزئه فمن أصحابنا من قال إن كان مع الخرس صمم لم يجزه لأنه يضر بالعمل ضررا بينا وإن لم يكن معه صمم أجزأه لأنه لا يضر بالعمل ضررا بينا وحمل القولين على هذين الحالين ومنهم من قال إن كان يعقل الإشارة أجزأه لأنه يبلغ بالإشارة ما بلغ بالنطق وإن كان لا يعقل لم يجزه لأنه يضر بالعمل ضررا بينا وحمل القولين على هذين الحالين وإن كان مجنوناً جنوناً مطبقاً يمنع العمل لم يجزه لأنه لا يصلح للعمل وإن كان يجن ويفيق نظرت فإن كان زمان المجنون أكثر لم يجزه لأنه يضر به ضررا بينا وإن كان زمان الإفاقة أكثر أجزأه لأنه لا يضر به ضررا بينا ويجزئ الأحمق وهو الذي يفعل الشيء في غير موضعه مع العلم بقبحه.
فصل: ويجزئ الأجدع لأنه كغيره في العمل ويجزئ مقطوع الأذن لأن قطع الأذن لا يؤثر في العمل وغيره أولى منه ليخرج من الخلاف فإن عند مالك لا يجزئه ويجزئ ولد الزنا لأنه كغيره في العمل وغيره أولى منه لأن الزهري والأوزاعي لا يجيزان ذلك،

(3/70)


ويجزئ المجبوب والخصي لأن الجب والخصي لا يضران بالعمل ضررا بينا ويجزئ الصغير لأنه يرجى من منافعه وتصرفه أكثر مما يرجى من الكبير ولا يجزئ عتق الحمل لأنه لم يثبت له حكم الأحياء ولهذا لا يجب عنه زكاة الفطر ويجزئ المريض الذي يرجى برؤه ولا يجزئ من لا يرجى برؤه لأنه لا عمل فيه ويجزئ نضو الخلق إذا لم يعجز عن العمل ولا يجزئ إذا عجز عن العمل وإن أعتق مرهونا أو جانيا وجوزنا عتقه أجزأه لأنه كغيره في العمل.
فصل: ولا يجزئ عبد مغصوب لأنه ممنوع من التصرف في نفسه فهو كالزمن وإن أعتق غائباً لا يعرف خبره فظاهر ما قاله هاهنا أنه لا يجزئه وقال في زكاة الفطر إن عليه فطرته فمن أصحابنا من نقل جواب كل واحدة منهما إلى الأخرى وجعلهما على قولين: أحدهما: يجزئه عن الكفارة وتجب زكاة الفطر عنه لأنه على يقين من حياته وعلى شك من موته واليقين لا يزال بالشك والثاني: لا يجزئ في الكفارة ولا تجب زكاة فطرته لأن الأصل في الكفارة وجوبها فلا تسقط بالشك والأصل في الزكاة هو براءة ذمته منها فلا تجب بالشك ومنهم من قال لا يجزئه في الكفارة وتجب زكاة الفطر لأن الأصل ارتهان ذمته بالكفارة بالظهار المتحقق وارتهانها بالزكاة بالملك المتحقق فلم تسقط الكفارة بالحياة المشكوك فيها ولا الزكاة بالموت المشكوك فيه.
فصل: ولا يجزئ عتق أم الولد ولا المكاتب لأنهما يستحقان العتق بغير الكفارة بدليل أنه لا يجوز إبطاله بالبيع فلا يسقط بعتقهما فرض الكفارة كما لو باع من فقير طعاماً ثم دفعه إليه عن الكفارة ويجزئ المدبر والمعتق بصفة لأن عتقهما غير مستحق بدليل أنه يجوز إبطاله بالبيع.
فصل: وإن اشترى من يعتق عليه من الأقارب ونوى عتقه عن الكفارة ولم يجزه لأن عتقه مستحق بالقرابة فلا يجوز أن يصرفه إلى الكفارة كما لو استحق عليه الطعام في النفقة في القرابة فدفعه إليه عن الكفارة وإن اشترى عبداً بشرط أن يعتقه فأعتقه عن الكفارة لم يجزه لأنه مستحق العتق بغير الكفارة فلا يجوز صرفه إلى الكفارة وإن كان مظاهرا وله عبد فقال لامرأته إن وطئتك فعلي أن أعتق عبدي عن كفارة الظهار فوطئها ثم أعتق العبد عن الظهار ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي علي الطبري إنه لا يجزئه لأنه عتق مستحق بالحنث في الإيلاء والثاني: وهو قول أبي إسحاق إنه يجزئه وهو المذهب لأنه لا يتعين عليه عتقه لأنه مخير بين أن يعتقه وبين أن يكفر كفارة يمين.

(3/71)


فصل: وإن كان بينه وبين آخر عبد وهو موسر فأعتق نصيبه ونوى عتق الجميع عن الكفارة أجزأه لأنه عتق العبد بالمباشرة والسراية وحكم السراية حكم المباشرة ولهذا إذا جرحه وسرى إلى نفسه جعل كما لو باشر قتله وإن كان معسرا عتق نصيبه وإن ملك نصيب الآخر وأعتقه عن الكفارة أجزأه لأنه أعتق جميعه عن الكفارة وإن كان في وقتين فأجزأه كما لو أطعم المساكين في وقتين وإن أعتق نصف عبدين عن كفارة ففيه ثلاثة أوجه: أحدها لا يجزئه لأن المأمور به عتق رقبة ولم يعتق رقبة والثاني: يجزئه لأن أبعاض الجملة كالجملة في زكاة الفطر وزكاة المال فكذلك في الكفارة والثالث أنه إن كان باقيهما حراً أجزأه لأنه يحصل تكميل الأحكام والتمكين من التصرف في منافعه على التمام وإن كان مملوكاً لم يجزه لأنه لا يحصل له تكميل الأحكام والتمكين التام.
فصل: إذا قال لغيره أعتق عبدك عني فأعتقه عنه دخل العبد في ملكه وعتق عليه سواء كان بعوض أو بغير عوض واختلف أصحابنا في الوقت الذي يعتق عليه فقال أبو إسحاق يقع الملك والعتق في حالة واحدة ومن أصحابنا من قال يدخل في ملكه ثم يعتق عليه وهو الصحيح لأن العتق لا يقع عنه في ملك غيره فوجب أن يتقدم الملك ثم يقع العتق إن قال أعتق عبدك عن كفارتي فأعتقه عن كفارته أجزأه لأنه وقع العتق عنه فصار كما لو اشتراه ثم أعتقه.
فصل: وإن لم يجد رقبة وقدر على الصوم لزمه أن يصوم شهرين متتابعين لقوله عز وجل: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4] فإن دخل فيه في أول الشهر صام شهرين بالأهلة لأن الأشهر في الشرع بالأهلة والدليل عليه قوله عز وجل: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: 189] فإن دخل فيه وقد مضى من الشهر خمسة أيام صام ما بقي فصام الشهر الذي بعده ثم يصوم من الشهر الثالث تمام ثلاثين يوماً لأنه تعذر اعتبار الهلال في شهر فاعتبر بالعدد كما يعتبر العدد في الشهر الذي غم عليهم الهلال في صوم رمضان وإن أفطر في يوم منه من غير عذر لزمه أن يستأنف وإن جامع بالليل قبل أن يكفر أثم لأنه جامع قبل التفكير ولا يبطل التتابع لأن جماعه لم يؤثر في الصوم فلم يقطع التتابع كالأكل بالليل وإن كان الفطر لعذر نظرت فإن كانت امرأة فحاضت في صوم كفارة القتل أو الوطء في كفارة رمضان لم ينقطع التتابع لأنه لا صنع لها في الفطر ولأنه لا يمكن حفظ الشهرين من الحيض إلا بالتأخير إلى أن تيأس من الحيض وفي ذلك تغرير بالكفارة لأنها ربما ماتت قبل الإياس فتفوت وإن كان الفطر بمرض ففيه وجهان: أحدهما: يبطل التتابع لأنه أفطر باختياره فبطل التتابع

(3/72)


كما لو أجهده الصوم فأفطر والثاني: لا يبطل لأن الفطر بسبب من غير جهته فلم يقطع التتابع كالفطر بالحيض وإن كان بالسفر ففيه طريقان: من أصحابنا من قال فيه قولان كالفطر بالمرض لأن السفر كالمرض في إباحة الفطر فكان كالمرض في قطع التتابع والثاني: أنه يقطع التتابع قولاً واحداً لأن سببه من جهته وإن انقطع الصوم بالإغماء فهو كما لو أفطر بالمرض وإن أفطرت الحامل أو المرضع في كفارة القتل أو الجماع في رمضان خوفاً على ولديهما ففيه وجهان: أحدهما: أنه على قولين لأنه فطر لعذر فهو كالفطر بالمرض والثاني: أنه ينقطع التتابع قولاً واحداً لأن فطرهما لعذر في غيرهما فلم يلحقا بالمريض ولهذا يجب عليهما الفدية مع القضاء في يوم رمضان ولا يجب على المريض وإن دخل في الصوم فقطعه بصوم رمضان أو يوم النحر لزمه أن يستأنف لأنه ترك التتابع بسبب لا عذر فيه.
فصل: وإن دخل في الصوم ثم وجد الرقبة لم يبطل صومه وقال المزني يبطل كما قال في المتيمم إذا رأى الماء في الصلاة وقد دللنا عليه في الطهارة والمستحب أن يخرج من الصوم ويعتق لأن العتق أفضل من الصوم لما فيه من نفع الآدمي ولأنه يخرج من الخلاف.
فصل: وإن لم يقدر على الصوم لكبر لا يطيق معه الصوم أو لمرض لا يرجى برؤه منه لزمه أن يطعم ستين مسكيناً للآية والواجب أن يدفع إلى كل مسكين مداً من الطعام لما روى أبو هريرة رضي الله عنه في حديث الجماع في شهر رمضان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "أطعم ستين مسكيناً" قال: لا أجد قال: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم بعرق من تمر فيه خمسة عشر صاعا فقال: "خذه وتصدق به". وإذا ثبت هذا بالجماع بالخبر ثبت في المظاهر بالقياس عليه.
فصل: ويجب ذلك من الحبوب والثمار التي تجب فيها الزكاة لأن الأبدان بها تقوم ويجب من غالب قوت بلده قال القاضي أبو عبيد ابن حربويه يجب من غالب قوته لأن في الزكاة الاعتبار بماله فكذلك ههنا والمذهب الأول لقوله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: 89] والأوسط الأعدل وأعدل ما يطعم أهله قوت البلد ويخالف الزكاة فإنها تجب من المال والكفارة تجب في الذمة فإن عدل إلى قوت بلد أخرى فإن كان أجود من غالب قوت بلده الذي هو فيه جاز لأنه زاد خيراً فإن لم يكن أجود فإن كان مما يجب فيه زكاة ففيه وجهان: أحدهما: يجزئه لأنه قوت تجب فيه الزكاة فأشبه قوت البلد والثاني: لا يجزئه وهو الصحيح لأنه دون قوت البلد،

(3/73)


فإن كان في موضع قوتهم الأقط ففيه قولان: أحدهما: يجزئه لأنه مكيل مقتات فأشبه قوت البلد والثاني: لا يجزئه لأنه يجب فيه الزكاة فلم يجزئه كاللحم وإن كان لحماً أو سمكاً أو جراداً ففيه طريقان: من أصحابنا من قال فيه قولان كالأقط ومنهم من قال لا يجزئه قولا واحدا ويخالف الأقط لأنه يدخله الصاع وإن كان في موضع لا قوت فيه وجب من غالب قوت أقرب البلاد إليه.
فصل: ولا يجوز الدقيق والسويق والخبز ومن أصحابنا من قال يجزئه لأنه مهيأ للاقتيات مستغنى عن مؤنته وهذا فاسد لأنه إن كان قد هيأه لمنفعة فقد فوت فيه وجوها من المنافع ولا يجوز إخراج القيمة لأنه أخذ ما يكفر به فلم يجز فيه القيمة كالعتق.
فصل: ولا يجوز أن يدفع الواجب إلى أقل من ستين مسكينا للآية والخبر فإن جمع ستين مسكينا وغداهم وعشاهم لما عليه من الطعام لم يجزه لأن ما وجب للفقراء بالشرع وجب فيه التمليك كالزكاة ولأنهم يختلفون في الأكل ولا يتحقق أن كل واحد منهم يتناول قدر حقه وإن قال لهم ملكتكم هذا بينكم بالسوية ففيه وجهان: أحدهما: لا يجزئه وهو قول أبي سعيد الإصطخري لأنه يلزمهم مؤنة في قسمته فلم يجزه كما لو سلم إليهم الطعام في السنابل والثاني: أنه يجزئه وهو الأظهر لأنه سلم إلى كل واحد منهم قدر حقه والمؤنة في قسمته قليلة فلا يمنع الإجزاء.
فصل: ولا يجوز أن يدفع إلى مكاتب لأنها تجب لأهل الحاجة والمكاتب مستغن بكسبه إن كان له كسب أوبأن يفسخ الكتابة ويرجع إلى مولاه إن لم يكن له كسب ولا يجوز أن يدفع إلى كافر لأنها كفارة فلا يجوز صرفها إلى كافر كالعتق ولا يجوز دفعها إلى من تلزمه نفقته من زوجة أو والد أو ولد لأنه مستغن بالنفقة فإن دفع بعض ما عليه من الطعام ثم قدر على الصيام لم يلزمه الإنتقال إلى الصوم كما لا يلزمه الإنتقال إلى العتق إذا وجد الرقبة في أثناء الصوم والأفضل أن ينتقل إليه لأنه أصل.
فصل: ولا يجوز أن يكفر عن الظهار قبل أن يظاهر لأنه حق يتعلق بسببين فلا يجوز تقديمه عليهما كالزكاة قبل أن يملك النصاب ويجوز أن يكفر بالمال بعد الظهار وقبل العود لأنه حق مال يتعلق بسببين فإذا وجد أحدهما: جاز تقديمه على الآخر كالزكاة قبل الحول وكفارة اليمين قبل الحنث.
فصل: ولا يجوز شيء من الكفارات إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات

(3/74)


ولكل امرئ ما نوى" 1. ولأنه حق يجب على سبيل الطهرة فافتقر إلى النية كالزكاة ولا يلزمه في النية تعيين سبب الكفارة كما لا يلزمه في الزكاة تعيين المال الذي يزكيه فإن كفر بالصوم لزمه أن ينوي كل ليلة أنه صائم غداً عن الكفارة وهل يلزمه نية التتابع فيه ثلاثة أوجه: أحدها يلزمه أن ينوي كل ليلة لأن التتابع واجب فلزمه نيته كالصوم والثاني: يلزمه أن ينوي ذلك في أوله لأنه يتميز بذلك عن غيره والثالث وهو الصحيح أنه لا تلزمه نية التتابع لأن العبادة هي الصوم والتتابع شرط في العبادة فلم تجب نيته في أداء العبادة كالطهارة وستر العورة لا يلزمه نيتهما في الصلاة.
فصل: وإن كان المظاهر كافراً كفر بالعتق أو الطعام لأنه يصح منه العتق والإطعام في غير الكفارة فصح منه في الكفارة ولا يكفر بالصوم لأنه لا يصح منه الصوم في غير الكفارة فلا يصح منه في الكفارة فإن كان المظاهر عبداً فقد ذكرناه في باب المأذون فأغنى عن الإعادة وبالله التوفيق.
__________
1 رواه البخاري في كتاب بدء الوحي باب 1. مسلم في كتاب الإمارة حديث 155. أبو داود في كتاب الطلاق باب 11. النسائي في كتاب الطهارة باب 59. ابن ماجه في كتاب الزهد باب 26.

(3/75)