المهذب في فقة الإمام الشافعي

كتاب الإقرار
مدخل
...
كتاب الإقرار
الحكم بالإقرار واجب لقوله صلى الله عليه وسلم: "يا أنيس اغد على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها". ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزاً والغامدية بإقرارهما ولأنه إذا وجب الحكم بالشهادة فلأن يجب بالإقرار وهو من الريبة أبعد وأولى.
فصل: وإن كان المقر به حقاً لآدمي أو حقاً لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة والكفارة ودعت الحاجة إلى الإقرار به لزمه الإقرار به لقوله عز وجل: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النساء: 135] ولقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} [البقرة: 282] والإملال هو الإقرار فإن كان حقاً لله تعالى يسقط بالشبهة فقد بيناه في كتاب الشهادة.
فصل: ولا يصح الإقرار إلا من بالغ عاقل مختار فأما الصبي والمجنون فلا يصح إقرارهما لقوله عليه الصلاة والسلام: "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق". ولأنه التزام حق بالقول فلم يصح من الصبي والمجنون كالبيع فإن أقر مراهق وادعى أنه غير بالغ فالقول قوله وعلى المقر له أن يقيم البينة على بلوغه ولا يحلف المقر لأنا حكمنا بأنه غير بالغ وأما السكران فإن كان سكره بسبب مباح فهو كالمجنون وإن كان بمعصية الله فعلى ما ذكرنا في الطلاق وأما المكره فلا يصح إقراره لقوله عليه الصلاة والسلام: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه". ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح كالبيع ويصح إقرار السفيه والمفلس بالحد والقصاص لأنه غير متهم وأما إقراره بالمال فقد بيناه في الحجر والتفليس.
فصل: ويصح إقرار العبد بالحد والقصاص لأن الحق عليه دون مولاه ولا يقبل إقرار المولى عليه في ذلك لأن المولى لا يملك من العبد إلا المال وإن جنى رجل على

(3/470)


عبد جناية توجب القصاص أو قذفه قذفاً يوجب التعزير ثبت القصاص والتعزير له وله المطالبة به والعفو عنه وليس للمولى المطالبة به ولا العفو عنه لأنه حق غير مال فكان له دون المولى ولا يقبل إقرار العبد بجناية الخطأ لأنه إيجاب مال في رقبته ويقبل إقرار المولى عليه لأنه إيجاب حق في ماله ويقبل إقرار العبد المأذون في دين المعاملة ويجب قضاؤه من المال الذي في يده لأن المولى سلطه عليه ولا يقبل إقرار غير المأذون في دين معاملة في الحال ويتبع به إذا عتق لأنه لا يمكن أخذه من رقبته لأنه لزمه برضى من له الحق وإن أقر بسرقة مال لا يجب فيه القطع كمال دون النصاب وما سرق من غير حرز وصدقه المولى وجب التسليم إن كان باقياً وتعلق برقبته إن كان تالفاً لأنه لزمه بغير رضى صاحبه وإن كذبه المولى كان في ذمته يتبع به إذا عتق وإن وجب فيه القطع قطع لأنه غير متهم في إيجاب القطع وفي المال قولان واختلف أصحابنا في موضع القولين على ثلاثة طرق: أحدها وهو قول أبي إسحاق أنه كان المال في يده ففيه قولان أحدهما: أنه يسلم إليه لأنه انتفت التهمة عنه في إيجاب القطع على نفسه والثاني: أنه لا يسلم لأن يده كيد المولى فلم يقبل إقراره فيه كما لو كان المال في يد المولى وإن كان المال تالفاً لم يقبل إقراره ولا يتعلق برقبته قولاً واحداً لأن للغرم محلاً يثبت برقبته وإن كان باقياً لم يقبل إقراره قولاً واحداً لأن يده كيد المولى فلم يقبل إقراره فيه كما لو أقر بسرقة مال في يد المولى والطريق الثالث وهو قول أبي علي بن أبي هريرة أن القولين في الحالين سواء كان المال باقياً أو تالفاً لأن العبد وما في يده في حكم ما في يد المولى فإن قبل في أحدهما: قبل في الآخر وإن رد في أحدهما: رد في الآخر فلا معنى للفرق بينهما.
فصل: وإن باع السيد عبده من نفسه فقد نص في الأم أنه يجوز وقال الربيع رحمه الله فيه قول آخر أنه لا يجوز واختلف أصحابنا فيه فقال أبو إسحاق وأبو علي بن أبي هريرة يجوز قولاً واحداً وذهب القاضي أو حامد المروروذي والشيخ أبو حامد الإسفرايني رحمهما الله إلى أنها على قولين: أحدهما: أنه يجوز لأنه إذا جازت كتابته فلأن يجوز بيعه وهو أثبت والعتق فيه أسرع أولى والثاني: أنه لا يجوز لأنه لا يجوز بيعه بما في يده لأنه للمولى ولا يجوز بمال في ذمته لأن المولى لا يثبت له مال في ذمة عبده فإذا قلنا إنه يجوز وهو الصحيح فأقر المولى أنه باعه من نفسه وأنكر العبد عتق بإقراره وحلف العبد أنه لم يشتر نفسه ولا يجب عليه الثمن.

(3/471)


فصل: ويقبل إقرار المريض بالحد والقصاص لأنه غير متهم ويقبل إقراره بالمال لغير وارث لأنه غير متهم في حقه وإن أقر لرجل بدين في الصحة وأقر لآخر بدين في المرض وضاق المال عنهما قسم بينهما على قدر الدينين لأنهما حقان يجب قضاؤهما من رأس المال ولم يقدم أحدهما: على الآخر كما لو أقر لهما في حال الصحة واختلف أصحابنا في إقراره للوارث فمنهم من قال فيه قولان: أحدهما: أنه لا يقبل لأنه إثبات مال للوارث بقوله من غير رضى الورثة فلم يصح من غير رضى سائر الورثة كالوصية والثاني: أنه يقبل وهو الصحيح لأن من صح إقراره له في الصحة صح إقراره في المرض كالأجنبي ومن أصحابنا من قال يقبل إقراره قولاً واحداً والقول الآخر حكاه عن غيره وإن كان وارثه أخاً فأقر له بمال فلم يمت المقر حتى حدث له ابن صح إقراره للأخ قولاً واحداً لأنه خرج عن أن يكون وارثاً وإن أقر لأخيه وله ابن فلم يمت حتى مات الابن صار الإقرار للوارث فيكون على ما ذكرناه من الطريقين في الإقرار للوارث وإن ملك رجل أخاه ثم أقر في مرضه أنه كان أعتقه في صحته وهو أقرب عصبته بعد عتقه هل يرث أم لا؟ إن قلنا إن الإقرار للوارث لا يصح لم يرث لأن توريثه يوجب إبطال الإقرار بحريته وإذا بطلت الحرية سقط الإرث فثبتت الحرية وسقط الإرث وإن قلنا إن الإقرار للوارث يصح نفذ العتق بإقراره وثبت الإرث بنسبه.
فصل: ويصح الإقرار لكل من يثبت له الحق المقر به فإن أقر لعبد بالنكاح أو القصاص أو تعزير القذف صح الإقرار له صدقه السيد أو كذبه لأن الحق له دون المولى فإن أقر له بمال فإن قلنا إنه يملك المال صح الإقرار وإن قلنا إنه لا يملك كان الإقرار لمولاه يلزم بتصديقه ويبطل برده.
فصل: وإن أقر لحمل بمال فإن عزاه إلى إرث أو وصية صح الإقرار فإن أطلق ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يصح لأنه لا يثبت له الحق من جهة المعاملة ولا من جهة الجناية والثاني: أنه يصح وهو الصحيح لأنه يجوز أن يملكه بوجه صحيح وهو الإرث والوصية فصح الإقرار له مطلقاً كالطفل ولا يصح الإقرار إلا لحمل يتيقن وجوده عند الإقرار كما بيناه في كتاب الوصية وإن أقر لمسجد أو مصنع وعزاه إلى سبب صحيح من غلة وقف عليه صح الإقرار فإن أطلق ففيه وجهان بناء على القولين في الإقرار للحمل.

(3/472)


فصل: وإن أقر بحق لآدمي أو بحق لله تعالى لا يسقط بالشبهة ثم رجع في إقراره لم يقبل رجوعه لأنه حق ثبت لغيره فلم يملك إسقاط بغير رضاه وإن أقر بحق لله عز وجل يسقط بالشبهة نظرت فإن كان حد الزنا أوحد الشرب قبل رجوعه وقال أبو ثور رحمه الله: لا يقبل لأنه حق ثبت بالإقرار فل يسقط بالرجوع كالقصاص وحد القذف وهذا خطأ لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: أتى رجل من أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الأخر زنى فأعرض عنه قال: أتى رجل من أسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الأخر زنى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى لشق وجهه الذي أعرض عنه فقال: يا رسول الله إن الأخر زنى فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنحى له الرابعة فلما شهد على نفسه أربع مرات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "هل بك جنون" فقال: لا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهبوا به فارجموه". وكان قد أحصن فلولم يسقط بالرجوع لما عرض له ويخالف القصاص وحد القذف فإن ذلك يجب لحق الآدمي وهذا يجب لحق الله تعالى وقد ندب فيه إلى الستر وإن كان حد السرقة أو قطع الطريق ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يقبل فيه الرجوع لأنه حق يجب لصيانة حق الآدمي فلم يقبل فيه الرجوع عن الإقرار كحد القذف والثاني: وهو الصحيح أنه يقبل لما روى أبو أمية المخزومي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بلص قد اعترف فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما إخالك سرقت". فقال له مرتين أو ثلاثة ثم أمر بقطعه فلولم يقبل فيه رجوعه لما عرض له ولأنه حق لله تعالى يقبل فيه الرجوع عن الإقرار كحد الزنا والشرب.

(3/473)


فصل: وما قبل فيه الرجوع عن الإقرار إذا أقر به فالمستحب للإمام أن يعرضه للرجوع لما رويناه من حديث أبي هريرة وحديث أبي أمية المخزومي فإن أقر فأقيم عليه بعض الحد ثم رجع عن الإقرار قبل لأنه إذا سقط بالرجوع جميع الحد سقط بعضه وإن وجد ألم الحد فهرب فالأولى أن يخلى لأنه ربما رجع عن الإقرار فيسقط عنه الحد وإن اتبع وأقيم عليه تمام الحد جاز لما روى الزهري قال: أخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال كنت فيمن رجم ماعزاً فرجمناه في المصلى بالمدينة فلما أذلقته الحجارة تجمز حتى أدركناه بالحرة فرجمناه حتى مات فلولم يجز ذلك لأنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وضمنهم ولأن الهرب ليس بصريح في الرجوع فلم يسقط به الحد.
فصل: ومن أقر لرجل بمال في يده فكذبه المقر له بطل الإقرار لأنه رده وفي المال وجهان أحدهما: أنه يؤخذ منه ويحفظ لأنه لا يدعيه والمقر له لا يدعيه فوجب على الإمام حفظه كالمال الضائع والثاني: أنه لا يؤخذ منه لأنه محكوم له بملكه فإذا رد المقر له بقي على ملكه.
فصل: فإن أقر الزوج أن امرأته أخته من الرضاع وكذبته المرأة قبل قوله في فسخ النكاح لأنه إقرار في حق نفسه ولا يقبل إقراره في إسقاط مهرها لأن قوله لا يقبل في حق غيره وإن أقرت المرأة أن الزوج أخوها من الرضاع وأنكر الزوج لم يقبل قولها في فسخ النكاح لأنه إقرار في حق غيرها وقبل قولها في إسقاط المهر لأنه إقرار ف حق نفسها.
فصل: وإن قال لرجل لي عندك ألف فقال لا أنكر لم يكن إقراراً لأنه يحتمل أن يريد أني لا انكر أنه مبطل في دعواه وإن قال أقر لكم لم يكن إقرار لأنه وعد بالإقرار وإن قال لا أنكر أن تكون محقاً لم يكن إقراراً لأنه يحتمل أنه يريد أني لا أنكر أن تكون محقاً في اعتقاده وإن قال لا أنكر أن تكون محقاً في دعواك كان إقراراً لأنه يحتمل غير الإقرار وإن قال أنا مقر ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله أنه لا يكون إقراراً لأنه يحتمل غير الإقرار وإن قال أنا مقر ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله أنه لا يكون إقراراً لأنه يحتمل أنه يريد أني مقر ببطلان دعواك والوجه الثاني: أن يكون إقراراً لأنه جواب عن الدعوى

(3/474)


فانصرف الإقرار إلى ما ادعى عليه وإن قال لي عليك ألف فقال نعم أو أجل أو صدق أو لعمري كان مقراً لأن هذه الألفاظ وضعت للتصديق وإن قال لعل أو عسى لم يكن إقراراً لأنها ألفاظ تستعمل في الشك وإن قال له علي في علمي كان إقراراً لأنما عليه في علمه لا يحتمل إلا الوجوب وإن قال اقض الألف التي لي عليك فقال نعم كان إقراراً لأنه تصديق لما ادعاه وإن قال اشتر عبدي هذا فقال: نعم أو أعطني عبدي هذا فقال: نعم كان إقراراً بالعبد لما ذكرناه وإن ادعى عليه ألفاً فقال: خذ أو اتزن لم يكن إقراراً لأنه يحتمل أنه أراد خذ الجواب مني أو اتزن إن كان ذلك على غيري وإن قال خذها أو اتزنها ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي عبد الله الزبيري رحمه الله أنه يكون إقراراً لأن هاء الكناية ترجع إلى ما تقدم من الدعوى والثاني: وهو قول عامة أصحابنا أنه لا يكون إقراراً لأن هاء الصفات ترجع إلى المدعي به ولم يقر أنه واجب وإن قال وهي صحاح فقد قال أبو عبد الله الزبيري إنه إقرار لأنها صفة للمدعي والإقرار بالصفة إقرار بالموصوف وقال عامة أصحابنا: لا يكون إقراراً لأن الصفة ترجع إلى المدعي ولا تقتضي الوجوب عليه وإن قال له علي ألف إن شاء الله لم يلزمه شيء لأن ما علق على مشيئة الله تعالى لا سبيل إلى معرفته وإن قال له علي ألف إن شاء زيد أوله علي ألف إن قدم فلان لم يلزمه شيء لأن ما لا يلزمه لا يصير واجباً عليه بوجود الشرط وإن قال إن شهد لك فلان وفلان بدينار فهما صادقان ففيه وجهان: أحدهما: أنه ليس بإقرار لأنه إقرار معلق على شرط فلم يصح كما لو قال إن شهد فلان على صدقته أووزنت ولأن الشافعي رحمه الله تعالى قال: إذا قال لفلان علي ألف إن شهد بها على فلان وفلان لم يكن إقراراً فإن شهدا عليه وهما عدلان لزمه بالشهود دون الإقرار والثاني: وهو قول أبي العباس بن القاص أنه إقرار وإن لم يشهدا به وهو قول شيخنا القاضي أبي الطيب الطبري رحمه الله لأنه أخبر أنه إن شهدا به فهما صادقان ولا يجوز أن يكونا صادقين إلا والدينار واجب عليه لأنه لولم يكن واجباً عليه لكان الشاهد به كاذباً فإذا قال يكون صادقاً دل على أن المشهود به ثابت فصار كما لو شهد عليه رجل بدينار فقال صدق الشاهد ويخالف قوله إن شهد فلان صدقته أووزنت لك لأنه قد يصدق الإنسان من ليس

(3/475)


يصادق وقد يزن بقوله ما لا يلزمه ويخالف ما قال الشافعي رحمه الله لفلان علي ألف إن شهد به فلان وفلان لأن وجوب الألف لا يجوز أن يتعلق بشهادة من يشهد عليه فإذا علق بشهادته دل على أنه غير واجب وههنا لم يعلق وجوب الدينار بالشهادة وإنما أخبر أن يكون صادقاً وهذا تصريح بوجوب الدينار عليه في الحال وإن كان قال له علي ألف ففيه وجهان: أحدهما: أنه يلزمه لأنه أقر بالوجوب والأصل بقاؤه والثاني: أنه لا يلزمه لأنه أقر به في زمان مضى فلا يلزمه في الحال شيء وإن أقر أعجمي بالعربية أو عربي بالعجمية ثم ادعى أنه لم يعلم بما قال فالقول قوله مع يمينه لأن الظاهر ما يدعيه.

(3/476)


باب جامع الاقرار
إذا قال لفلان علي شيء طولب بالتفسير فإن امتنع عن التفسير جعل ناكلاً ورد اليمين على المدعي وقضى له لأنه كالساكت عن جواب المدعي ومن أصحابنا من حكى فيه قولين: أحدهما: ما ذكرناه والثاني: أنه يحبس حتى يفسر لأنه قد أقر بالحق وامتنع من أدائه فحبس وإن شهد شاهدان على رجل بمال مجهول ففيه وجهان: أحدهما: أنه يثبت بالحق كما يثبت الإقرار ثم يطالب المشهود عليه كما يطالب المقر والثاني: أنه لا يثبت الحق لأن البينة ما أبانت عن الحق وهذه ما أبانت عن الحق وإن أقر بشيء وفسره بما قل أو كثر من المال قبل لأن اسم الشيء يقع عليه وإن فسره بالخمر والخنزير أو الكلب أو السرجين أو جلد الميتة قبل الدباغ ففيه ثلاثة أوجه: أحدها أنه يقبل لأنه يقع عليه اسم الشيء والثاني: أنه لا يقبل لأن الإقرار إخبار عما يجب ضمانه وهذه الأشياء لا يجب ضمانها والثالث أنه إن فسره بالخمر والخنزير لم يقبل لأنه لا يجب تسليمه وإن فسره بالكلب والسرجين وجلد الميتة قبل الدباغ قبل لأنه يجب تسليمه وإن قال غصبتك شيئاً ثم قال عصبته نفسه لم يقبل لأن الإقرار يقتضي غصب شيء منه ويطالب بتفسير الشيء.
فصل: وإن قال له علي مال ففسره بما قل أو كثر قبل لأن اسم المال يقع عليه وإن قال له علي مال عظيم أو كثير قبل في تفسيره القليل والكثير لأن ما من مال إلا وهو عظيم وكثير بالإضافة إلى ما هو دونه ولأنه يحتمل أنه أراد به أنه عظيم أو كثير عنده لقلة ماله أو لفقر نفسه فإن قال له علي أكثر من مال فلان قبل في بيانه القليل والكثير لأنه يحتمل أنه يريد أنه أكثر من مال فلان لكونه من الحلال أو أكثر بقاء لكونه في ذمته.
فصل: وإن قال له علي درهم لزمه درهم من دراهم الإسلام وهو ستة دوانق وزن

(3/476)


كل عشرة سبعة مثاقيل فإن فسره بدرهم طبر كطبرية الشام وهو الذي فيه أربعة دوانق فإن كان ذلك متصلاً بالإقرار قبل منه كما لو قال له علي درهم إلا دانقين وإن كان منفصلاً نظرت فإن كان الإقرار في غير الموضع الذي يتعامل فيه بالدراهم الطبرية لم يقبل كما لا يقبل الاستثناء المنفصل عن الجملة وإن كان في الموضع الذي يتعامل فيه بالدراهم الطبرية ففيه وجهان: أحدهما: وهو المنصوص أنه يقبل لأن إطلاق الدراهم يحمل على دراهم الإسلام لأنه إخبار عن وجوب سابق بخلاف البيع فإنه إيجاب في الحال فحمل على دراهم الموضع الذي يجب فيه وإن قال له علي درهم كبير لزمه درهم من دراهم الإسلام لأنه درهم كبير في العرف فإن فسره بما هو أكبر منه وهو الدرهم البغلي قبل منه لأنه يحتمل ذلك وهو غير متهم فيه وإن قال له علي درهم صغير أوله علي درهم لزمه درهم وازن لأنه هو المعروف فإن كان في البلد دراهم صغار ففسره بها قبل لأنه محتمل اللفظ وإن قال له عل مائة درهم عدداً لزمه مائة وازنة عددها مائة لأن الدراهم تقتضي الوازفة وذكر العدد لا ينافيها فوجب الجمع بينهما.
فصل: وإن قال له علي دراهم ففسرها بدراهم مزيفة لا فضة فيها لم يقبل لأن الدراهم لا تتناول ما لا فضة فيه وإن فسرها بدراهم مغشوشة فالحكم فيها كالحكم فيمن أقر بدراهم وفسرها بالدراهم الطبرية وقد بيناه وإن قال له علي دراهم وفسرها بسكة دون سكة دراهم البلد الذي اقر فيه ولا تنقص عنها في الوزن فالمنصوص أنه يقبل منه وقال المزني: لا يقبل منه لأن إطلاق الدراهم يقتضي سكة البلد كما يقتضي ذلك في البيع وهذا خطأ لأن البيع إيجاب في الحال فاعتبر الموضع الذي يجب فيه والإقرار إخبار عن وجوب سابق وذلك يختلف فرجع إليه.
فصل: وإن أقر بدرهم في وقت ثم أقر بدرهم في وقت آخر لزمه درهم واحد لأنه

(3/477)


إخبار فيجوز أن يكون ذلك خبراً عما أخبر به في الأول ولهذا لو قال رأيت زيداً ثم قال رأيت زيداً لم يقتض أن يكون الثاني إخباراً عن رؤية ثانية وإن قال له علي درهم من ثمن ثوب ثم قال له علي درهم من ثمن عبد لزمه درهمان لأنه لا يحتمل أن يكون الثاني هو الأول وإن قال له علي درهم ودرهم لزمه درهمان لأن الواو تقتضي أن يكون المعطوف غير المعطوف عليه وإن قال له علي درهم ودرهمان لزمه ثلاثة دراهم لما ذكرناه وإن قال له علي درهم فدرهم لزمه درهم واحد وإن قال لامرأته أنت طالق فطالق وقعت طلقتان واختلف أصحابنا في ذلك فقال أبوعلي بن خيران رحمه الله: لا فرق بين المسألتين فجعلهما على قولين ومنهم من قال يلزمه في الإقرار درهم وفي الطلاق طلقتان والفرق بينهما أن الطلاق لا يدخله التفصيل والدراهم يدخلها التفصيل فيجوز أن يريد له علي درهم فدرهم خير منه وإن قال له علي درهم ودرهم ودرهم لزمه ثلاثة دراهم وإن قال أنت طالق وطالق وطالق ولم ينو شيئاً فيه قولان: أحدهما: أنه يقع طلقتان والثاني: أنه يقع ثلاث طلقات فنقل أبوعلي بن خيران جوابه في الطلاق إلى الإقرار وجعلهما على قولين ومن أصحابنا من قال يقع طلقتان في أحد القولين وفي الإقرار يلزمه ثلاثة دراهم قولاً واحداً لأن الطلاق يدخله التأكيد فحمل التكرار على التأكيد والإقرار لا يدخله التأكيد فحمل التكرار على العدد وإن قال له علي درهم فوق درهم أودرهم تحت درهم لزمه درهم واحد لأنه يحمل أن يكون فوق درهم أو تحت درهم في الجودة ويحتمل فوق درهم أو تحت درهم لي فل يلزمه زيادة مع الاحتمال وإن قال له علي درهم مع درهم لزمه درهم لأنه يحتمل مع درهم لي فلم يلزمه ما زاد مع الاحتمال وإن قال له علي درهم قبله درهم أو بعده درهم لزمه درهمان لأن قبل وبعد تستعمل في التقديم والتأخير في الوجوب وإن قال له علي درهم في عشرة فإن أراد الحساب لزمه عشرة لأن ضرب الواحد في عشرة عشرة وإن لم يرد الحساب لزمه درهم لأنه يحتمل أن له علي درهماً مختلطاً بعشرة لي وإن قال له علي درهم بل درهم لزمه درهم لأنه لم يقر بأكثر من درهم وإن قال له علي درهم بل درهمان لزمه درهمان وإن قال له علي درهم بل دينار لزمه الدرهم والدينار والفرق بينهما أن قوله بل درهمان ليس برجوع عن الدرهم لأن الدرهم داخل في الدرهمين وإنما قصد إلحاق الزيادة به وقوله بل دينار رجوع عن الدرهم وإقرار بالدينار فلم يقبل رجوعه عن الدرهم فلزمه وقبل إقراره بالدينار فلزمه وإن قال له علي درهم أو دينار لزمه أحدهما: وأخذ بتعيينه لأنه أقر بأحدهما: وإن قال له علي درهم في دينار لزمه الدرهم ولا يلزمه الدينار لأنه يجوز أن يكون أراد في دينار لي.

(3/478)


فصل: وإن قال له علي دراهم لزمه ثلاثة دراهم لأنه جمع وأقل الجمع ثلاثة وإن قال دراهم كثيرة لم يلزمه أكثر من ثلاثة لأنه يحتمل أنه أراد بها كثيرة بالإضافة إلى ما دونها أو أراد أنها كثيرة في نفسه وإن قال له علي ما بين درهم إلى عشرة ففيه وجهان: أحدهما: أنه يلزمه ثمانية لأن الأول والعاشر حدان فلم يدخلا في الإقرار فلزمه ما بينهما والثاني: أنه يلزمه تسعة لأن الواحد أول العدد وإذا قال من واحد كان ذلك إقراراً بالواحد وما بعده فلزمه والعاشر حد فلم يدخل فيه.
فصل: وإن قال له علي كذا رجع في التفسير إليه لأنه أقر بمبهم فصار كما لو قال له علي شيء وإن قال له علي كذا درهم لزمه درهم لأنه فسر المبهم بالدرهم وإن قال له علي كذا وكذا رجع في التفسير إليه لأنه أقر بمبهم وأكده بالتكرار فربع إليه كما لو قال له علي كذا وإن قال له علي كذا كذا درهماً لزمه درهم لأنه فسر المبهم به وإن قال له علي كذا وكذا رجع في التفسير إليه لأنه اقر بمبهمين لأن العطف بالواو يقتضي أن يكون الثاني غير الأول فصار كما لو قال له علي شيء وشيء وإن قال له علي كذا وكذا درهم فقد روى المزني فيه قولين: أحدهما: أنه يلزمه درهم والثاني: يلزمه درهمان فمن أصحابنا من قال فيه قولان: أحدهما: أنه يلزمه درهمان لأنه ذكر مبهمين ثم فسر المبهمين بالدرهم فرجع إلى كل واحد منهما والثاني: أنه يلزمه درهم أنه يجوز أن يكون فسر المبهمين بالدرهم لكل واحد منهما نصفاً فلا يلزمه ما زاد مع الاحتمال وقال أبو إسحاق وعامة أصحابنا إذا قال كذا وكذا درهماً بالنصب لزمه درهمان لأنه جعل الدرهم تفسيراً فرجع إلى كل واحد منهما وإن قال كذا وكذا هل هذين الحالين وقد نص الشافعي رحمة الله عليه في الإقرار والمواهب.
فصل: وإن قال له علي ألف رجع في البيان إليه وبأي جنس من المال فسره قبل منه وإن فسره بأجناس قبل منه لأنه يحتمل الجميع وإن قال له علي ألف درهم لزمه درهم ورجع في تفسير الألف إليه وقال أبو ثور يكون الجمعي دراهم وهذا خطأ لأن العطف لا يقتضي أن يكون المعطوف من جنس المعطوف عليه لأنه قد يعطف الشيء على غير جنسه كما يعطف على جنسه ألا ترى أنه ترى أنه يجوز أن يقول رأيت رجلاً وخمسون درهماً أوله علي ألف وعشرة دراهم ففيه وجهان: أحدهما: أنه يلزمه خمسون درهماً وعشرة دراهم ويرجع في

(3/479)


تفسير المائة والألف إليه كما قلنا في قوله ألف ودرهم والثاني: أنه يلزمه مائة درهم وخمسون درهماً أو ألف درهم وعشرة دراهم والفرق بينها وبين قوله ألف ودرهم أن الدرهم المعطوف على الألف لم يذكره للتفسير وإنما ذكره لإيجاب ولهذا يجب به زيادة على الألف والدراهم المذكورة بعد الخمسين والألف ذكرها للتفسير ولهذا لا يجب به زيادة على الخمسين والألف فجعل تفسيرا لما تقدم.
فصل وإذا قال لفلان علي عشرة دراهم إلا درهما لزمه تسعة لأن الاستثناء لغة للعرب وعادة أهل اللسان وإن قال علي عشرة إلا تسعة لزمه ما بقي لأن استثناء الأكبر من الجملة لغة العرب والدليل عليه قوله عز وجل: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82] ثم قال عز وجل: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175] فاستثنى الغاوين من العباد وإن كانوا أكثر وإن قال له علي عشرة إلا عشرة لزمه عشرة لأن ما يرفع الجملة لا يعرف في الاستثناء فسقط وبقي المستثنى منه وإن قال له علي مائة درهم إلا ثوباً وقيمة الثوب دون المائة لزمه الباقي لأن الاستثناء من غير جنس المستثني منه لغة العرب والدليل عليه قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ} [ص: 73] فاستثنى إبليس من الملائكة وليس منهم قال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس
فاستثنى اليعافير والعيس من الأنيس وإن لم يكن منهم وإن قال له علي ألف إلا درهماً ثم فسر الألف بجنس قيمته أكثر من درهم سقط الدرهم ولزمه الباقي وإن فسره بجنس قيمته درهم أو أقل ففيه وجهان: أحدهما: أنه يلزمه الجنس الذي فسر به الألف ويسقط الاستثناء لأنه استثناء يرفع جميع ما أقر به فسقط وبقي المقر به كما لو قال له علي عشرة دراهم إلا عشرة دراهم والثاني: أنه يطالب بتفسير الألف بجنس قيمته أكثر من درهم لأنه فسر إقرار المبهم بتفسير باطل فسقط التفسير لبطلانه وبقي الإقرار بالمبهم فلزمه تفسيره.
فصل: وإن قال هؤلاء العبيد لفلان إلا واحداً طولب بالتعيين لأنه ثبت بقوله فرجع

(3/480)


في بيانه إليه فإنه ماتوا إلا واحداً منهم فقال الذي بقي هو المستثنى ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يقبل لأنه يرفع به الإقرار فلم يقبل كما لو استثنى الجميع بقوله والثاني: وهو المذهب أنه يقبل لأنه يحتمل أن يكون هو المستثنى فقبل قوله فيه ويخالف إذا استثنى الجميع بقوله لأنه يحتمل أن يكون هو المستثنى فقبل قوله فيه ويخالف إذا استثنى الجميع بقوله لأنه يحتمل أن يكون هو المستثنى فقبل قوله فيه ويخالف إذا استثنى الجميع بقوله لأنه رفع المقر به بقوله وههنا لم يرفع بالاستثناء إلا واحداً وإنما سقط في الباقي بالموت فصار كما لو أعتق واحداً منهم ثم ماتوا إلا واحداً وإن قتل الجميع إلا واحداً فقال الذي بقي هو المستثنى قبل وجها واحداً لأنه لا يسقط حكم الإقرار لأن المقر له بهم يستحق قيمتهم بالموت.
فصل: وإن قال هذه الدار لفلان إلا هذا البيت لم يدخل البيت في الإقرار لأنه استثناه وإن قال هذه الدار لفلان وهذا البيت لي قبل لأنه أخرج بعض ما دخل في الإقرار بلفظ متصل وصار كما لو استثناه بلفظ الاستثناء.
فصل: وإن قال له هذه الدار هبة سكنى أو هبة عارية لم يكن إقراراً بالدار لأنه رفع بآخر كلامه بعض ما دخل في أوله وبقي البعض فصار كما لو أقر بجملة واستثنى بعضها وله أن يمنعه من سكناها لأنها هبة منافع لم يتصل بها القبض فجاز له الرجوع فيها
فصل: وإن أقر لرجل بمال في ظرف بأن قال له عندي زيت في جرة أوتين في غرارة أو سيف في عمد أو فص في خاتم لزمه المال دون الظرف لأن الإقرار لم يتناول الظرف ويجوز أن يكون المال في ظرف للمقر وإن قال له عندي جرة فيها زيت أو غرارة فيها تبن أو غمد فيه سيف أو خاتم عليه فص لزمه الظرف دون ما فيه لأنه لم يقر إلا بالظرف ويجوز أن يكون ما فيه للمقر وإن قال له عندي خاتم لزمه الخاتم والفص لأن اسم الخاتم بجمعهما وإن قال له عندي ثوب مطرز لزمه الثوب بطرازه ومن

(3/481)


أصحابنا من قال: إن كان الطراز مركباً على الثوب بعد النسج ففيه وجهان: أحدهما: ما ذكرناه والثاني: أنه لا يدخل فيه لأنه متميز عنه وإن قال له في يدي دار مفروشة لزمه الدار دون الفرش لأنه يجوز أن تكون مفروشة بفرش للمقر وإن قال له عندي فرس عليه سرج لزمه الفرس دون السرج وإن قال له عندي عبد وعليه ثوب لزمه تسليم العبد والثوب والفرق بينهما أن العبد له يد على الثوب وما في يد العبد لمولاه والفرس لا يد له على السرج.
فصل: وإن قال لفلان علي الف درهم ثم أحضر ألفاً وقال هي التي أقررت بها وهي وديعة فقال المقر له هذه وديعة لي عندي والألف التي أقر بها دين لي عليه غير الوديعة ففيه قولان: أحدهما: أنه لا يقبل قوله لأن قوله على إخبار عن حق واجب عليه فإذا فسر بالوديعة فقد فسر بما لا يجب عليه فلم يقبل والثاني: أنه يقبل لأن الوديعة علي ردها وقد يجب عليه ضمانها إذا تلفت وإن قال له علي ألف في ذمتي ثم فسر ذلك بالألف التي هي وديعة عنده وقال المقر له بل هي دين لي في ذمته غير الوديعة فإن قلنا في التي قبلها أنه لا يقبل قوله فيها فههنا أولى أن لا يقبل وإن قلنا يقبل هناك قوله ففي هذه وجهان: أحدهما: أنه لا يقبل وهو الصحيح لأن الألف التي أقر بها في الذمة والعين لا تثبت في الذمة والثاني: أنه يقبل لأنه يحتمل أنها في ذمتي لأني تعديت فيها فيجب ضمانها في ذمتي وإن قال له علي ألف ثم قال هي وديعة كانت عندي وظننت أنها باقية وقد هلكت لم يقبل قوله لأن الإقرار يقتضي وجوب ردها أو ضمانها والهالكة لا يجب ردها ولا ضمانها فلم يصح تفسير الإقرار بها.
فصل: وإن قال له علي ألف درهم وديعة ديناً لزمه الألف لأن الوديعة قد يتعدى فيها فتصير ديناً وإن قال له علي ألف درهم عارية لزمه ضمانها لأن إعارة الدراهم تصح في أحد الوجهين فيجب ضمانها وفي الوجه الثاني لا تصح إعارتها فيجب ضمانها لأن ما وجب ضمانه في العقد الصحيح وجب ضمانه في العقد الفاسد.
فصل: وإن قال له في هذا العبد ألف درهم أوله من هذا العبد ألف درهم ثم قال أردت أنه وزن في ثمنه ألف درهم ووزنت أنا ألف درهم في صفقة واحدة كان ذلك إقراراً بنصفه وإن قال اشتري ثلثه أو ربعه بألف في عقد واشتريت أنا الباقي بألف في عقد آخر قبل قوله لأن إقراراه مبهم وما فسر به محتمل والعبد في يده فقبل قوله فيه، وإن قال

(3/482)


جنى عليه العبد جناية أرشها ألف درهم قبل قوله وله أن يبيع العبد ويدفع إليه الأرش وله أن يفديه وإن قال وصى له من ثمنه بألف درهم بيع ودفع إليه من ثمنه ألف درهم فإن أراد أن يدفع إليه ألفاً من ماله لم يجز لأن بالوصية يتعين حقه في ثمنه وإن قال العبد مرهون عنده بألف ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يقبل لأن حق المرتهن في الذمة لا في العين والثاني: وهو الصحيح أنه يقبل لأن المرتهن متعلق حقه بالذمة والعين.
فصل: وإن قال له ميراث أبي ألف درهم لزمه تسليم ألف إليه وإن قال له في ميراثي من أبي ألف درهم ثم قال أردت هبة قبل منه لأنه أضاف الميراث إلى نفسه فلا ينتقل ماله إلى غيره لا من جهته وإن قال له في هذا المال ألف درهم لزمه وإن قال له في مالي هذا ألف درهم لم يلزمه لأن ماله لا يصير لغيره بإقراره.
فصل: وإذا أقر بحق وصله بما يسقطه بأن أقر بأنه تكفل بنفس أو مال على أنه بالخيار أو أقر أن عليه لفلان ألف درهم من ثمن خمر أو خنزير أو لفلان عليه الف درهم قضاها ففيه قولان: أحدهما: أنه يلزمه ما أقر به ولا يقبل ما وصله به لأنه يسقط ما أقر به فلم يقبل كما لو قال له علي عشرة إلا عشرة والثاني: أنه لا يلزمه الحق لأنه يحتمل ما قاله فصار كما لو قال له علي ألف إلا خمسمائة وإن قال له علي ألف درهم مؤجلة ففيه طريقان: من أصحابنا من قال: هي على القولين لأن التأجيل كالقضاء ومنهم من قال يقبل قولاً واحداً لأن التأجيل لا يسقط الحق وإنما يؤخره فهو كاستثناء بعض الجملة بخلاف القضاء فإنه يسقطه.
فصل: وإن قال هذه الدار لزيد بل لعمرو أو قال غصبتها من زيد لا بل من عمرو حكم بها لزيد لأنه أقر له بها ولا يقبل قوله لعمر ولأنه رجوع عن الإقرار لزيد وهل يلزمه أن يغرم قيمتها لعمر وفيه قولان: أحدهما: أنه لا يلزمه لأن العين قائمة فلا يستحق قيمتها والثاني: أنه يلزمه وهو الصحيح لأنه حال بينه وبين ماله فلزمه ضمانه كما لو أخذ ماله ورمى به في البحر فإن قال غصبت هذا من أحد هذين الرجلين طولب بالتعيين فإن عين أحدهما: فإن قلنا إنه إذا أقر به لأحدهما: بعد الآخر غرم للثاني حلف لأنه إذا نكل غرم له وإن قلنا إنه لا يغرم للثاني لم يحلف لأنه لا فائدة في تحليفه لأنه إذا نكل لم

(3/483)


ينقض عليه بشيء وإن كان في يده دار فقال غصبتها من زيد وملكها لعمرو حكم بها لزيد لأنها في يده فقبل إقراره بها ولا يقبل قوله إن ملكها لعمرو لأنه إقرار في حق غيره ولا يغرم لعمرو شيئاً لأنه لم يكن منه تفريط لأنه يجوز أن يكون ملكها لعمرو وهي في يد زيد بإجارة أورهن أو غصبها منه فأقر بها على ما هي عليه فأما إذا قال هذه الدار ملكها لعمرو وغصبها من زيد ففيه وجهان: أحدهما: أنها كالمسألة قبلها إذ لا فرق بين أن يقدم ذكر الملك وبين أن يقدم ذكر الغصب والثاني: أنها تسلم إلى زيد وهل يغرم لعمرو على قولين كما لو قال هذه الدار لزيد لا بل لعمرو.
فصل: وإن أقر رجل على نفسه بنسب مجهول النسب يمكن أن يكون منه فإن كان المقر به صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه لأنه أقر له بحث فثبت كما لو أقر له بمال فإن بلغ الصبي أو أفاق المجنون وأنكر النسب لم يسقط النسب لأنه نسب حكم بثبوته فلم يسقط برده وإن كان المقر به بالغاً عاقلاً لم يثبت إلا بتصديقه لأن له قولاً صحيحاً فاعتبر تصديقه في الإقرار كما لو أقر له بمال وإن كان المقر به ميتاً فإن كان صغيراً أو مجنوناً ثبت نسبه لأنه يقبل إقراره به إذا كان حياً فقبل إذا كان ميتاً وإن كان عاقلاً بالغاً ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يثبت لأن نسب البالغ لا يثبت إلا بتصديقه وذلك معدوم بعد الموت والثاني: أنه يثبت وهو الصحيح لأنه ليس له قول فثبت نسبه بالإقرار كالصبي والمجنون وإن أقر بنسب بالغ عاقل ثم رجع عن الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع ففيه وجهان: أحدهما: أنه يسقط النسب وهو قول أبي علي الطبري رحمه الله كما لو أقر له بمال ثم رجع في الإقرار وصدقه المقر له في الرجوع والثاني: وهو قول الشيخ أبي حامد الإسفرايني رحمه الله أنه لا يسقط لأن النسب إذا ثبت لا يسقط بالاتفاق على نفيه كالنسب الثابت بالفراش.
فصل: وإن مات رجل وخلف ابناً فأقر على أبيه بنسب فإن كان لا يرثه بأن كان عبداً أو قاتلاً أو كافراً والأب مسلم لم يقبل إقراره لأنه لا يقبل إقراره عليه بالمال فر يقبل إقراره عليه في النسب كالأجنبي وإن كان يرثه فأقر عليه بنسب لو أقر به الأب لحقه فإن كان قد نفاه الأب لم يثبت لأنه يحمل عليه نسباً حكم ببطلانه وإن لم ينفه الأب ثبت النسب بإقراره لما روت عائشة رضي الله عنها قالت: اختصم سعيد بن أبي وقاص وعبد ابن زمعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد بن أبي وقاص: أوصاني أخي عتبة إذا قدمت مكة أن أنظر إلى ابن أمة زمعة وأقبضه فإنه ابنه وقال عبد بن زمعة أخي

(3/484)


وابن وليدة أبي ولد على فراشه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش وللعاهر الحجر". وإن مات وله ابنان فأقر أحدهما: بنسب ابن وأنكر الآخر لم يثبت لأن النسب لا يتبعض فإذا لم يثبت في حق أحدهما: لم يثبت في حق الآخر ولا يشاركهما في الميراث لأن الميراث فرع على النسب والنسب لم يثبت فلم يثبت الإرث وإن أقر أحد الابنين بزوجة لأبيه وأنكر الآخر ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا تشارك بحصتها من حق المقر كما لا يشارك الابن إذا اختلف الوارثان في نسبه والثاني: أنها تشارك بحصتها من حق المقر لأن المقر به حقها من الإرث لأن الزوجية زالت بالموت وإن مات وخلف بنتاً فأقرت بنسب أخ لم يثبت النسب لأنها لا ترث جميع المال فإن أقر معها الإمام ففيه وجهان: أحدهما: أنه يثبت لأن الإمام نافذ الإقرار في مال بيت المال والثاني: أنه لا يثبت لأنه لا يملك المال بالإرث وإنما يملكه المسلمون وهم لا يتعينون فلم يثبت النسب إن مات رجل وخلف ابنين عاقلاً ومجنوناً فأقر العاقل بنسب ابن آخر لم يثبت النسب لأنه لم يوجد الإقرار من جميع الورثة فإن مات المجنون قبل الإفاقة فإن كان له وارث غير الأخ المقر قام وارثه مقامه في الإقرار وإن لم يكن له وارث غيره ثبت النسب لأنه صار جميع الورثة فإن خلف الميت ابنين فأقر أحدهما: بنسب صغير وأنكر الآخر ثم مات المنكر فهو يثبت النسب فيه وجهان: أحدهما: أنه يثبت نسبه لأن المقر صار جميع الورثة والثاني: أنه لا يثبت نسبه لأن تكذيب شريطه يبطل الحكم بنسبه فلم يثبت النسب كما لو أنكر الأب نسبه

(3/485)


في حياته ثم أقر به الوارث وإن مات رجل وخلف ابناً وارثاً فأقر بابن آخر بالغ عاقل وصدقه المقر له ثم أقرا معاً بابن ثالث ثبت نسب الثالث فإن قال الثالث إن الثاني ليس بأخ لنا ففيه وجهان: أحدهما: أنه لا يسقط نسب الثاني لأن الثالث ثبت نسبه بإقرار الأول والثاني: فلا يجوز أن يسقط نسب الأصل بالفرع والثاني: أنه يسقط نسبه وهو الأظهر لأن الثالث صار ابناً فاعتبر إقراره في ثبوت نسب الثاني وإن أقر الابن الوارث بأخوين في وقت واحد فصدق كل واحد منهما صاحبه ثبت نسبهما وميراثهما وإن كذب كل واحد منهما صاحبه لم يثبت نسب واحد منهما وإن صدق أحدهما: صاحبه وكذبه الآخر ثبت نسب المصدق دون المكذب وإن أقر الابن الوارث بنسب أحد التوأمين ثبت نسبهما وإن أقر بهما وكذب أحدهما: الآخر لم يؤثر التكذيب في نسبهما لأنهما لا يفترقان في النسب.
فصل: وإن كان بين المقر وبين المقر به واحد وهو حي لم يثبت النسب إلا بتصديقه وإن كان بينهما اثنان أو أكثر لم يثبت النسب إلا بتصديق من بينهما لأن النسب يتصل بالمقر من جهتهم فلا يثبت إلا بتصديقهم.
فصل: وإن كان المقر به لا يحجب المقر عن الميراث ورث معه ما يرثه كما إذا أقر به الموروث وإن كان يحجب المقر مثل أن يموت الرجل ويخلف أخاً فيقر الأخ بابن للميت أو يخلف الميت أخاً من أب فيقر بأخ من الأب والأم ثبت له النسب ولم يرث لأنا لو أثبتنا له الإرث أدى ذلك إلى إسقاط إرثه لأن توريثه يخرج المقر عن أن يكون وارثاً وإذا خرج عن أن يكون وارثاً بطل إقراره وسقط نسبه وميراثه فأثبتنا النسب وأسقطنا الإرث وقال أبو العباس: يث المقر به يحجب المقر لأنه لو كان حجبه يسقط إقراره لأنه إقرار عن غير وارث لوجب أن لا يقبل إقرار ابن بابن آخر لأنه إقرار من بعض الورثة والنسب لا يثبت بإقرار بعض الورثة وهذا خطأ لأنه إنما يقبل إذا صدقه المقر به فيصير الإقرار من جميع الورثة.
فصل: وإن وصى للمريض بأبيه فقبله ومات عتق ولم يرث لأن توريثه يؤدي إلى إسقاط ميراثه وعتقه لأن عتقه في المرض وصية وتوريثه يمنع من الوصية والمنع من الوصية يوجب بطلان عتقه وإرثه فثبت العتق وسقط الإرث وإن أعتق موسر جارية في مرضه وتزوجها ومات من مرضه لم ترثه لأن توريثها يبطل عتقها وميراثها لأن العتق في المرض وصية والوصية للوارث لا تصح وإذا بطل العتق بطل النكاح وإذا بطل النكاح سقط الإرث فثبت العتق وسقط الإرث وإن أعتق عبدين وصارا عدلين وادعى رجل على المعتق أن العبدين له وشهد العبدان بذلك فقبل شهادتهما لأن قبول شهادتهما يؤدي إلى

(3/486)


إبطال الشهادة لأنه يبطل بها العتق فإذا بطل العتق بطلت الشهادة.
فصل: وإن مات رجل وخلف أخاف فقدم رجل مجهول النسب وقال أنا ابن الميت فالقول قول الأخ مع يمينه لأن الأصل عدم النسب فإن نكل وحلف المدعي فإن قلنا أن يمين المدعي مع نكول المدعى عليه كالإقرار لم يرث كما لا يرث إن أقر به وإن قلنا إنه كالبينة ورث كما يرث إذا أقام البينة.
فصل: وإذا مات رجل ولا يعلم له وارث فجاء رجل وادعى أنه وارثه لم تسمع الدعوى حتى يبين سبب الإرث لجواز أن يعتقد أنه وارث بسبب لا يورث به ولا يقبل قوله حتى يشهد له شاهدان من أهل الخبرة بحاله ويشهدان أنه وارثه ولا نعلم له وارثاً سواه ويبينان سبب الإرث كما يبين المدعي فإذا شهدا على ما ذكرناه حكم به لأن الظاهر مع هذه الشهادة أنه لا وارث له غيره وإن لم يكونا من أهل الخبرة أو كانا من أهل الخبرة ولكنهما لم يقولا ولا نعلم له وارثاً سواه نظرت فإن كان المشهود له ممن له فرض لا ينقص أعطى ليقين فيعطي الزوج ربعاً عائلاً والزوجة ثمناً عائلاً ويعطى الأبوان كل واحد منهما سدساً عائلاً ن وإن كان ممن ليس له فرض وهو من عدا الزوجين والأبوين بعث الحاكم إلى البلاد التي دخلها الميت فإن لم يجدوا وارثا توقف حتى تمضي مدة لوكان له وارث ظهر وإن لم يظهر غيره فإن كان الوارث ممن لا يحجب بحال كالأب والابن دفعت التركة كلها إليه لأن البحث مع هذه الشهادة بمنزلة شهادة أهل الخبرة ويستحب أنه يؤخذ منه كفيل بما يدفع إليه وإن كان المشهود له ممن يحجب كالجد والأخ والعم ففيه وجهان: أحدهما: وهو قول أبي إسحاق أنه لا يدفع إليه إلا نصيبه لأنه يجوز أن يكون له وارث يحجبه فلم يدفع إليه أكثر منه والثاني: وهو المذهب أنه يدفع إليه الجميع لأن البحث مع هذه البينة بمنزلة شهادة أهل الخبرة وهل يستحب أخذ الكفيل أو يجب فيه وجهان: أحدهما: أنه يستحب والثاني: أنه واجب.
فصل: وإن كان لرجل أمتان ولكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة منهما ولا أقر المولى بوطء واحدة منهما فقال أحد هذين الولدين ابني من أمتي طولب بالبيان فإن عين أحدهما: لحقه نسبه وحكم بحريته ثم يسأل عن الاستيلاد فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حر لا ولاء عليه لأنه لم يمسه رق وأمه أم ولد وإن قال استولدتها في نكاح عتق الولد بالملك وعليه الولاء لأنه مسه الرق وأمه مملوكة لأنها علقت منه بمملوك وترق الأمة الأخرى وولدها وإن ادعت أنها هي التي استولدها فالقول قول المولى مع يمينه لأن الأصل عدم الاستيلاد وإن مات قبل البيان وله وارث يجوز ميراثه قام مقامه في البيان،

(3/487)


لأنه يقوم مقامه في إلحاق النسب وغيره فإن لم يعلم الوارث جهة الاستيلاد ففيه وجهان: أحدهما: أن الأمة لا تصير أم ولد لأن الأصل الرق فلا يزال بالاحتمال والثاني: وهو المنصوص أنها تكون أم ولد لأن الظاهر من ولده منها أنه استولدها في ملكه وإن لم يكن له وارث أو كان له وارث ولكنه لم يعين الولد عرض الولدان على القافة فإن ألحقت به أحد الولدين ثبت نسبه ويكون الحكم فيه كالحكم فيه إذا عينه الوارث وإن لم تكن قافة أو كانت ولم تعرف أو ألحقت الولدين به سقط حكم النسب لتعذر معرفته وأقرع بينهما لتمييز العتق لأن القرعة لها مدخل في تمييز العتق فإن خرجت القرعة على أحدهما: عتق ولا يحكم لواحد منهما بالإرث لأنه لم يتعين وهل يوقف ميراث ابن فيه وجهان: أحدهما: أنه يوقف وهو قول المزني رحمه الله لأنا نتيقن أن أحدهما: ابن وارث والثاني: أنه لا يوقف لأن الشيء إنما يوقف إذا رجي انكشافه وههنا لا يرجى انكشافه.
فصل: وإن كان له أمة ولها ثلاثة أولاد ولا زوج لها ولا أقر المولى بوطئها فقال أحد هؤلاء ولدي أخذ بالبيان فإن عين الأصغر ثبت نسبه وحريته ثم يسال عن جهة الاستيلاد فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حر لا ولاء عليه والجارية أم ولد والولد الأكبر والأوسط مملوكان وإن قال استولدتها في نكاح ثم ملكها فقد عتق الولد بالملك وعليه الولاء لأنه مسه الرق وأمه أمة قن والأكبر والأوسط مملوكان وإن عين الأوسط تعين نسبه وحريته ويسأل عن استيلاده فإن قال استولدتها في ملكي فالولد حر الأصل وأمه أم ولد وأما الأصغر فهو ابن أم ولد وثبت لها حرمة الاستيلاد وهل يعتق بموته كأمه فيه وجهان: أحدهما: أنه يعتق لأنه ولد أم ولده والثاني: أنه عبد قن لا يعتق بعتق أمه لجواز أن يكون عبداً قناً بأن أحبل أمه وهي مرهونة فثبت لها حرمة الاستيلاد فتباع على أحد القولين وإذا ملكها بعد ذلك صارت أم ولده وولده الذي اشتراه معها عبد قن فلا يعتق مع الاحتمال وإن قال استولدتها في نكاح عتق الولد بالملك وعليه الولاء لأنه مسه الرق وأمه أمة قن والولدان الآخران مملوكان وإن عين الأكبر تعين نسبه وحريته ويسأل عن الاستيلاد فإن قال استولدتها في ملكي فهو حر الأصل وأمه أم ولد والأوسط والأصغر مملوكان وإن مات قبل البيان وخلف ابناً يجوز الميراث قام مقامه في التعيين فإن عين كان الحكم فيه على ما ذكرناه في الموروث إذا عين وإن لم يكن له ابن أو كان له ولم يعين عرض على القافة فإن عينت القافة كان الحكم على ما ذكرناه وإن لم تكن قافة أو أنت وأشكل عليها أقرع بينهم لتمييز الحرية لأنها تتميز بالقرعة، فإن

(3/488)


خرجت على أحدهما: حكم بحريته ولا يثبت النسب لأن القرعة لا يتميز بها النسب وأما الأمة فإنه يبحث عن جهة استيلادها فإن كانت في ملكه فهي أم ولده وإن كان في نكاح فهي أمة قن وإن لم يعرق فعلى ما ذكرناه من الوجهين فلا يرث الابن الذي لم يتعين نسبه وهل يوقف له نصيب ابن أو يعطى الابن المعروف النسب حقه فيه وجهان: أحدهما: يوقف له ميراث ابن وهو قول المزني رحمه الله والثاني: وهو المذهب أنه لا يوقف له شيء بل تدفع التركة إلى المعروف النسب وقد بينا ذلك فيما تقدم.
فصل: وإن مات رجل وخلف ابنين فأقر أحدهما: على أبيه بدين وأنكر الآخر نظرت فإن كان المقر عدلاً جاز أن يقضي بشهادته مع شاهد آخر أو مع امرأتين أو مع يمين المدعي وإن لم يكن عدلاً حلف المنكر ولم يلزمه شيء وأما المقر ففيه قولان: أحدهما: أنه يلزمه جميع الدين في حصته لأن الدين قد يتعلق ببعض التركة إذا هلك بعضها كما يتعلق بجميعها فوجب قضاؤه من حصة المقر والقول الثاني: وهو الصحيح أنه لا يلزمه من الدين إلا بقدر حصته لأنه لو لزمه بالإقرار جميع الدين لم تقبل شهادته بالدين لأنه يدفع بهذه الشهادة عن نفسه ضرراً. والله أعلم.
بحمد الله حسن توفيقه تم طبع المهذب
لأبي إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف الشيرازي

(3/489)