الوسيط في المذهب

الْقسم الأول فى الْمُقدمَات وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى الْمِيَاه الطاهرة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
والطهورية

(1/107)


مُخْتَصَّة بِالْمَاءِ من بَين سَائِر الْمَائِعَات أما فى طَهَارَة الْحَدث

(1/108)


فبالإجماع وَأما فى طَهَارَة الْخبث فَعِنْدَ الشَّافِعِي خلافًا لأبي حنيفَة راضي

(1/109)


الله عَنْهُمَا

(1/111)


واختصاص الطّهُورِيَّة بِهِ إِمَّا تعبد لَا يعقل مَعْنَاهُ وَإِمَّا أَن يُعلل باختصاص المَاء بِنَوْع من اللطافة والرقة وَتفرد فى التَّرْكِيب لَا يُشَارِكهُ فِيهَا سَائِر الْمَائِعَات وَهُوَ الْأَقْرَب

(1/112)


ثمَّ الْمِيَاه ثَلَاثَة أَقسَام
الْقسم الأول مَا بَقِي على أَوْصَاف خلقته فَهُوَ الطّهُور

(1/113)


فَيدْخل تَحْتَهُ مَاء الْبِئْر وَمَاء الْبَحْر وكل مَا نبع من الأَرْض أَو نزل من السَّمَاء وَهُوَ المَاء الْمُطلق حَقًا
وَلَا يسْتَثْنى عَن هَذَا الْحَد إِلَّا المَاء الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث فَإِنَّهُ عِنْد الشَّافِعِي طَاهِر غير طهُور وَعند مَالك رَضِي الله عَنهُ طهُور وَهُوَ قَول

(1/114)


للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَعند أبي حنيفَة رَضِي الله عَنهُ نجس

(1/116)


وَيدل على طَهَارَته قلَّة احْتِرَاز الْأَوَّلين مِنْهُ وَأَنه لم يلق محلا نجسا وَيدل على سُقُوط طهوريته أَن الْأَوَّلين فى إعواز المَاء لم يجمعوا المَاء الْمُسْتَعْمل

(1/117)


ليستعملوه ثَانِيًا
ثمَّ سُقُوط الطّهُورِيَّة بِاعْتِبَار مَعْنيين أَحدهمَا تأدي الْعِبَادَة بِهِ وَالْآخر انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ فَإِن انْتَفَى المعنيان فطهور كالمستعمل فى الكرة الرَّابِعَة وَإِن وجد أحد

(1/118)


الْمَعْنيين دون الثَّانِي فَوَجْهَانِ كالمستعمل فى الكرة الثَّانِيَة أَو فى التَّجْدِيد فَإِنَّهُ لم يُوجد

(1/119)


انْتِقَال الْمَنْع إِلَيْهِ

(1/120)


والذى استعملته الذِّمِّيَّة حَتَّى تحل لزَوجهَا الْمُسلم فَإِنَّهُ وجد انْتِقَال الْمَنْع

(1/121)


وَلم يُوجد تأدي الْعِبَادَة إِلَّا إِذا لم نوجب الْإِعَادَة عَلَيْهَا إِذا أسلمت
فروع أَرْبَعَة

الأول الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث هَل يسْتَعْمل فى الْخبث فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن للْمَاء قوتين وَلم يسْتَوْف إِلَّا إِحْدَاهمَا
وَالثَّانِي لَا لِأَن تِلْكَ الْقُوَّة فى حكم خصْلَة وَاحِدَة لَا تتجزأ وَهَذَا كَمَا أَن الْمُسْتَعْمل فى الْحَدث لَا يسْتَعْمل فى الْجَنَابَة وَلَا يُقَال إِن هَذِه الْقُوَّة بَاقِيَة

(1/122)


الثَّانِي إِذا جمع المَاء الْمُسْتَعْمل حَتَّى بلغ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يعود طهُورا كَالْمَاءِ النَّجس إِذا جمع فَصَارَ قُلَّتَيْنِ وَلِأَن الْكَثْرَة

(1/123)


تدفع حكم الِاسْتِعْمَال فَإِذا طرأت تقطع حكمه كالنجاسة
وَالثَّانِي لَا يعود طهُورا لِأَن حكم النَّجَاسَة يسْقط إِذا انغمرت واستهلكت بِكَثْرَة المَاء وَأَن الإستعمال أبطل قُوَّة المَاء فَيلْحق بِمَاء الْورْد وَسَائِر الْمَائِعَات
الثَّالِث إِذا انغمس الْجنب فى مَاء قَلِيل وَخرج ارْتَفَعت جنابته وَصَارَ المَاء مُسْتَعْملا

(1/124)


وَقَالَ الخضري من أَصْحَابنَا لَا ترْتَفع لِأَنَّهُ صَار مُسْتَعْملا بملاقاة أول جُزْء مِنْهُ
وَهُوَ غلط إِذْ حكم الإستعمال إِنَّمَا يثبت بالإنفصال وَلَا يثبت

(1/125)


حَالَة تردده على الْأَعْضَاء

(1/126)


الرَّابِع الْمُحدث إِذا أَدخل يَده فى الْإِنَاء بعد غسل الْوَجْه وَكَانَ قد نوى رفع الْحَدث صَار المَاء مُسْتَعْملا إِذا انفصلت الْيَد من المَاء
فطريقة أَن يقْصد الاغتراف والتنحية حَتَّى لَا يصير مُسْتَعْملا فَإِن غفل عَن نِيَّة رفع الْحَدث وَعَن قصد الاغتراف فَالْمَشْهُور أَنه يصير مُسْتَعْملا

(1/127)


وَيتَّجه أَن يُقَال هَيْئَة الاغتراف صارفة للملاقاة إِلَى هَذِه الْجِهَة بِحكم الْعَادة فَلَا يصير مُسْتَعْملا الْقسم الثَّانِي فِيمَا تغير عَن وصف خلقته وَلَكِن تغيرا يَسِيرا لَا يزايله اسْم المَاء الْمُطلق فَهُوَ طهُور كَالْمَاءِ الْمُتَغَيّر بطول الْمكْث أَو الْمُتَغَيّر بزعفران يسير ظهر عَلَيْهِ أدنى ظُهُور فَإِنَّهُ طهُور على الْمَذْهَب

(1/128)


وَكَذَلِكَ الْمُتَغَيّر بِمَا يجاوره كالعود والعنبر والكافور الصلب وَكَذَا الْمُتَغَيّر بِمَا يتَعَذَّر صون المَاء عَنهُ كالتراب والزرنيخ والنورة وَمَا لَا يَخْلُو المَاء عَنهُ فى مقره فَإِن اسْم المَاء الْمُطلق لَا ينسلب بِهِ وَكَذَلِكَ المسخن والمشمس

(1/129)


نعم فى المشمس كَرَاهِيَة من جِهَة

(1/130)


الطِّبّ

(1/131)


لِأَن حمي الشَّمْس يفصل من الْإِنَاء أَجزَاء تعلو المَاء كالهباء فَإِذا لَاقَى الْبدن أورث البرص
ثمَّ اخْتلفُوا فى أَن هَذِه الْكَرَاهِيَة هَل تخْتَص بالبلاد الحارة وبالأواني المنطبعة وبقصد التشميس
وَهَذَا خلاف لَا وَجه لَهُ لِأَنَّهُ لَا كَرَاهِيَة إِلَّا من جِهَة الطِّبّ والمحذور من جِهَة الطِّبّ يخْتَص بالحرارة المفرطة وَلَا يخْتَص بِوُجُود الْقَصْد وَيخْتَص بالجواهر المنطبعة فَلَا يجْرِي فى الْخشب والخزف وَالْجَلد وَلَعَلَّه لَا يجْرِي فى الذَّهَب وَالْفِضَّة من المنطبعات لصفاء جوهريهما

(1/132)


الْقسم الثَّالِث مَا تفاحش تغيره بمخالطة مَا يَسْتَغْنِي المَاء عَنهُ بِحَيْثُ لَا يفهم من مُطلق اسْم المَاء فَإِن استجد اسْما آخر كالحبر والصبغ والمرقة فَلَيْسَ بِطهُور بِالْإِجْمَاع
وَإِن لم يستجد اسْما مُنْفَردا فَلَيْسَ بِطهُور أَيْضا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ خلافًا لأبي حنيفَة

(1/133)


رَحْمَة الله عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تعبد بِالْوضُوءِ بِالْمَاءِ وَقد سقط اسْم المَاء وَإِن لم يَتَجَدَّد اسْم آخر
فروع أَرْبَعَة

الأول فى الْمُتَغَيّر بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَيْسَ بِطهُور لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ وَهُوَ ضَعِيف فَإِن التَّغَيُّر بِالتُّرَابِ لَا يسلب اسْم المَاء وَيعلم أَن الْأَوَّلين كَانُوا إِذا رَأَوْا مَا متغيرا بِالتُّرَابِ لم يبحثوا عَن سَببه وَلِأَن التُّرَاب مجاور لَهُ فَإِنَّهُ يرسب على الْقرب وينفصل عَن

(1/134)


المَاء
الثَّانِي إِذا تغير المَاء بالملح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه وَيفرق فى الثَّالِث بَين الْجبلي والمائي وَيُشبه المائي بالجمد وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ لَو كَانَ كالجمد لذاب فى الشَّمْس وَلَكِن تَعْلِيله التَّشْبِيه بِالتُّرَابِ الْمَطْرُوح فِيهِ قصدا فَإِن مَاء الْبَحْر

(1/135)


مالح وملوحته من أَجزَاء سبخَة فى الأَرْض تَنْتَشِر فِيهِ ثمَّ هُوَ طهُور لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقصد آدَمِيّ فَإِذا طرح قصدا خرج على الْخلاف
الثَّالِث الأوراق إِذا تناثرت فى المَاء فَمَا دَامَت مجاورة لَا تضر وَإِن تعفنت واختلطت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه يفرق فى الثَّالِث بَين الخريفي والربيعي لتعذر الِاحْتِرَاز عَن الخريفي

(1/136)


الرَّابِع إِذا صب مِقْدَار من مَاء الْورْد أَو غَيره من الْمَائِعَات على مَاء قَلِيل وَكَانَ بِحَيْثُ لَو خَالف لَونه لون المَاء لتفاحش تغيره خرج عَن كَونه طهُورا
وَإِن كَانَ أقل مِنْهُ فَلَا يخرج عَن كَونه طهُورا فَلَو اسْتعْمل الْكل فَهُوَ جَائِز على

(1/137)


الظَّاهِر

(1/138)


وَمِنْهُم من قَالَ إِذا بَقِي قدر ذَلِك الْمَائِع لم يجز اسْتِعْمَاله لِأَنَّهُ عِنْد ذَلِك يتَحَقَّق أَن الْجَارِي على بعض أَعْضَائِهِ لَيْسَ بِمَاء وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا صَار مغمورا ثَبت للْكُلّ حكم المَاء فَلَا يفصل جُزْء عَن جُزْء

(1/139)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فى الْمِيَاه النَّجِسَة وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فى النَّجَاسَات

والأعيان تَنْقَسِم إِلَى حيوانات وجمادات
والجمادات أَصْلهَا على الطَّهَارَة إِلَّا الْخمر فَإِنَّهَا نَجِسَة تَغْلِيظًا وفى مَعْنَاهَا كل

(1/140)


نَبِيذ مُسكر وَكَذَا الْخمر المحترمة على الْمَذْهَب الصَّحِيح
وَأما الْحَيَوَانَات مَا دَامَت حَيَّة فأصلها على الطَّهَارَة إِلَّا الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا وحيوان طَاهِر
فَإِذا مَاتَت فأصلها على النَّجَاسَة إِلَّا فى أَرْبَعَة أَجنَاس

(1/141)


الأول الْآدَمِيّ فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب الصَّحِيح

(1/142)


لِأَنَّهُ تعبد بِغسْلِهِ وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَلَا يَلِيق بكرامته الحكم بِنَجَاسَتِهِ
الثَّانِي السّمك وَالْجَرَاد قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحلّت لنا ميتَتَانِ وَدَمَانِ الْمَيتَتَانِ السّمك وَالْجَرَاد والدمان الكبد وَالطحَال

(1/143)


الثَّالِث مَا يَسْتَحِيل من الطَّعَام كدود الْخلّ والتفاح فَهُوَ طَاهِر على الْمَذْهَب وَيحل أكله على أحد الْوَجْهَيْنِ وَقيل إِنَّه حرَام

(1/144)


لتحَقّق الْمَوْت
الرَّابِع مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة كالذباب والبعوض والخنافس والعقارب فَفِي نَجَاسَة المَاء بموتها قَولَانِ الْجَدِيد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة أَن

(1/145)


المَاء لَا ينجس بِهِ
ثمَّ قَالَ الْقفال هَذَا خلاف فى أَن هَذِه الْحَيَوَانَات هَل تنجس بِالْمَوْتِ وَكَأن عِلّة النَّجَاسَة احتباس الدَّم المعفن الْخَفي فى الْبَاطِن وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تنجس بِالْمَوْتِ وَإِنَّمَا لَا ينجس المَاء فى قَول لتعذر الِاحْتِرَاز عَنهُ
وعَلى هَذَا اخْتلفُوا فى أَنه هَل يفرق بَين الْقَلِيل وَالْكثير وَهل يفرق بَين مَا يعم كالبعوض والذباب أَو لَا يعم كالعقارب

(1/146)


هَذَا حكم الْحَيَوَانَات فَأَما أجزاؤها فَكل عُضْو أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت إِلَّا الْعظم وَالشعر فَفِيهِ خلاف سَيَأْتِي

(1/148)


أما الْأَجْزَاء الْمُنْفَصِلَة عَن بَاطِن الْحَيَوَان فَكل مترشح لَيْسَ لَهُ مقرّ يَسْتَحِيل فِيهِ كالدمع واللعاب والعرق فَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان طَاهِر وَمَا اسْتَحَالَ فى الْبَاطِن فأصله على النَّجَاسَة كَالدَّمِ وَالْبَوْل والعذرة إِلَّا مَا هُوَ مَادَّة الْحَيَوَانَات كاللبن

(1/149)


والمني وَالْبيض

(1/150)


وَالنَّظَر فى فضلات خَمْسَة

الأولى الدَّم والقيح فَهُوَ نجس من كل حَيَوَان إِلَّا من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لما رُوِيَ أَن أَبَا طيبَة الْحجام شرب دَمه فَقَالَ لَهُ إِذا لَا يبجع بَطْنك أبدا

(1/151)


الثَّانِيَة الْبَوْل والعذرة نجس من كل حَيَوَان وَيسْتَثْنى عَنهُ موضوعان
الأول بَوْل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَفِيهِ وَجْهَان وَجه الطَّهَارَة لما رُوِيَ أَن أم أَيمن شربت بَوْله فَلم يُنكر عَلَيْهَا فَقَالَ إِذا تلج النَّار بَطْنك

(1/152)


الثَّانِي رَوْث السّمك وَالْجَرَاد وَمَا لَيْسَ لَهُ نفس سَائِلَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نجس طردا للْقِيَاس وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لِأَنَّهُ إِذا حكم بِطَهَارَة ميتتهما فكأنهما فى معنى النَّبَات وَهَذِه رطوبات فى بَاطِنهَا

(1/154)


فَأَما بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمه فنجس خلافًا لِأَحْمَد وَمَا رُوِيَ عَنهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لجَماعَة أصفرت وُجُوههم لَو خَرجْتُمْ إِلَى إبلنا فشربتم من أبوالها وَأَلْبَانهَا

(1/155)


فَفَعَلُوا ذَلِك فصحوا فَهَذَا مَحْمُول على التَّدَاوِي وَهُوَ جَائِز بِجَمِيعِ النَّجَاسَات إِلَّا بِالْخمرِ فَإِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام سُئِلَ عَن التَّدَاوِي بِالْخمرِ فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لم يَجْعَل شفاءكم فِيمَا حرم عَلَيْكُم

(1/156)


وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن من غص بلقمة لَهُ أَن يسيغها بِخَمْر إِن لم يجد غَيرهَا فَمن أَصْحَابنَا من جوز التَّدَاوِي قِيَاسا على إساغة اللُّقْمَة وَحمل الحَدِيث على صُورَة علم أَن الشِّفَاء لَا يحصل بهَا
الثَّالِثَة الألبان وهى طَاهِرَة من الْآدَمِيّ وكل حَيَوَان مَأْكُول وَالْمذهب نجاستها

(1/157)


من كل حَيَوَان لَا يُؤْكَل لِأَنَّهَا من بَين فرث وَدم وَإِنَّمَا طَهَارَتهَا لحل التَّنَاوُل
وَاخْتلفُوا فى الإنفحة وهى لبن يَسْتَحِيل فى جَوف الخروف والجدي

(1/158)


وَغَيرهمَا وَالْقِيَاس نجاستها وَمِنْهُم من حكم بِالطَّهَارَةِ إِذْ بهَا يجبن اللَّبن والأولون لم يحترزوا مِنْهُ
الرَّابِعَة الْمَنِيّ فَهُوَ طَاهِر من الْآدَمِيّ خلافًا لأبي حنيفَة

(1/159)


ومني سَائِر الْحَيَوَانَات الطاهرة فِي ثلَاثه أوجه
أَحدهَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ أصل حَيَوَان طَاهِر فَأشبه مني الْآدَمِيّ
وَالثَّانِي النَّجَاسَة فَإِن ذَلِك تكرمة للآدمي
وَالثَّالِث أَنه طَاهِر من الْحَيَوَان الْمَأْكُول تَشْبِيها ببيض الطَّائِر الْمَأْكُول
وَأما مني الْمَرْأَة فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن رُطُوبَة بَاطِن فرجهَا طَاهِر أَو نجس وَفِيه وَجْهَان

(1/160)


وَالْخَامِسَة الْبيض وَهُوَ طَاهِر من كل حَيَوَان مَأْكُول وَمِمَّا لَا يُؤْكَل لَحْمه فَوَجْهَانِ
وَإِذا استحالت مذرة فَتخرج على الْوَجْهَيْنِ فى الْمَنِيّ إِذا اسْتَحَالَ مُضْغَة فَفِي وَجه تستدام الطَّهَارَة وفى وَجه يحكم بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ دَمًا

(1/161)


فروع أَرْبَعَة

الأول إِذا مَاتَت الدَّجَاجَة وفى بَطنهَا بيض فَهَل ينجس فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا نعم كاللبن وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مُنْعَقد فى نَفسه لَا يمتزج بِغَيْرِهِ

(1/162)


الْفَرْع الثَّانِي إِذا أبين عُضْو فى الْآدَمِيّ أَو السَّمَكَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه طَاهِر وَهُوَ الْأَظْهر لِأَن مَا أبين من الْحَيّ فَهُوَ ميت وَلَا تزيد الْإِبَانَة على الْمَوْت
الثَّالِث دود القز طَاهِر وَيجوز بَيْعه وفى روثه وبزره من الْخلاف الذى فِي بيض الْحَيَوَان الذى لَا يَأْكُل يُؤْكَل

(1/163)


الرَّابِع الْمسك طَاهِر وَفِي فأرته وَجْهَان أصَحهمَا الطَّهَارَة لِأَنَّهُ لم

(1/164)


يحْتَرز الْأَولونَ من استصحابه

(1/165)


الْفَصْل الثَّانِي فى المَاء الراكد إِذا وَقعت فِيهِ نَجَاسَة

أما الْقَلِيل فيتنجس وَإِن لم يتَغَيَّر مهما وَقع فِيهِ نَجَاسَة يُدْرِكهَا الطّرف
فَإِن كَانَ لَا يُدْرِكهَا فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مُخْتَلف
فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجْتَنب فى المَاء وَالثَّوْب لتحَقّق وُصُول النَّجَاسَة وَالثَّانِي أَنه يُعْفَى عَنهُ لتعذر الإحتراز مِنْهُ
وَمِنْهُم من قَالَ يُعْفَى عَنهُ فى المَاء وَلَا يُعْفَى فى الثَّوْب على وفْق النصين لِأَن أَكثر ذَلِك يَقع بطيران الذُّبَاب من النَّجَاسَة وَلَا يُمكن صون المَاء عَنهُ وصون الثَّوْب عَنهُ مُمكن فَإِن فى طيرانها مَا يجفها وصونه عَن غَيره من النَّجَاسَات

(1/166)


مُمكن وَهُوَ الْأَصَح
وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ يُعْفَى فى الثَّوْب لِأَنَّهُ بارز للنجاسات وتغطية المَاء مُمكن وَهَذَا خلاف النَّص
وَلَعَلَّ الصَّحِيح أَن مَا انْتَهَت قلته إِلَى حد لَا يُدْرِكهُ الطّرف مَعَ مُخَالفَة لَونه للون مَا اتَّصل بِهِ فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يُدْرِكهُ الطّرف عِنْد تَقْدِير اخْتِلَاف اللَّوْن فَلَا يُعْفَى عَنهُ

(1/167)


قَالَ مَالك المَاء لَا يُنجسهُ شَيْء إِلَّا مَا غير طعمه أَو لَونه أَو رِيحه وَفرق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بَين الْقَلِيل وَالْكثير لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا بلغ المَاء قُلَّتَيْنِ لم يحمل خبثا فَإِذا بلغ قُلَّتَيْنِ فينجس إِذا تغير بِالنَّجَاسَةِ وَإِن كَانَ التَّغَيُّر يَسِيرا ثمَّ يعود طَاهِرا مهما زَالَ التَّغَيُّر بهبوب الرّيح وَطول الْمكْث

(1/168)


وَلَو زَالَ بِوُقُوع الزَّعْفَرَان أَو الْمسك فَلَا لِأَنَّهُ لستتار لَا زَوَال وَلَو زَالَ بِوُقُوع التُّرَاب منشؤهما التَّرَدُّد فى أَن التُّرَاب سَاتِر أم مُبْطل
فَإِن قيل مَا حد الْقلَّتَيْنِ

(1/169)


قُلْنَا قيل خَمْسمِائَة من وَقيل خَمْسمِائَة رَطْل
والأقسط مَا ارْتَضَاهُ الْقفال وَصَاحب الْكَافِي أَنَّهَا ثَلَاثمِائَة من لِأَنَّهَا مَأْخُوذَة من استقلاق الْبَعِير وابل الْعَرَب ضِعَاف لَا تحمل أَكثر من مائَة وَسِتِّينَ منا

(1/170)


فيحط عَنهُ عشرَة أمنان للراوية والحبال

(1/171)


وَالصَّحِيح أَن هَذَا تقريب وَلَيْسَ بتحديد فعلى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَو نقص

(1/172)


رطلان لم يضر وَلم يسمحوا بِثَلَاثَة وَمِنْهُم من لم يسمح بِأَكْثَرَ من ثَلَاثَة
وَقَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يضر نُقْصَانا نصف الْقرْبَة وَهُوَ الذى تردد فِيهِ ابْن جريج إِذْ قَالَ لقد رَأَيْت قلال هجر فَكَانَت الْقلَّة تسع قربتين أَو قربتين وشيئا
وَلَعَلَّ الْأَقْرَب أَن يُقَال إِذا نقص قدر لَو طرح عَلَيْهِ من الزَّعْفَرَان مثل مَا طرح على الْكَمَال لظهر التَّفَاوُت للحس فَهُوَ مُؤثر
وَهَذَا الضَّبْط أولى من التَّقْدِير بالأرطال فَإِن ذَلِك تشوف إِلَى التَّحْدِيد

(1/173)


فَإِن وَقع الشَّك فى أَن النَّاقِص فَوق هَذَا الْقدر أَو دونه فَيحْتَمل أَن يُقَال الأَصْل النَّجَاسَة إِلَى أَن تستيقن الْكَثْرَة الدافعة أَو يُقَال الأَصْل طَهَارَة المَاء إِلَى أَن يستيقن النُّقْصَان وَالِاحْتِمَال الأول أظهر

(1/175)


فروع خمس

الأول إِذا وَقعت نَجَاسَة مائعة فى قُلَّتَيْنِ فَالْكل طَاهِر وَإِن كَانَت جامدة فَالْقَوْل الْجَدِيد أَنه لَا يجوز الاغتراف إِلَّا بعد التباعد عَنْهَا بقلتين
وَالْقَوْل الْقَدِيم وَعَلِيهِ فَتْوَى الْأَكْثَرين أَنه لَا يجب التباعد عَنْهَا بقلتين

(1/176)


لِأَن المَاء الْكثير دَافع للنَّجَاسَة بكثرته فالاغتراف من جوارها لَيْسَ بأبعد من الاغتراف من جوَار المَاء المجتنب بِسَبَبِهَا

(1/177)


فَإِن أَوجَبْنَا التباعد فَلَو كَانَ فى بَحر فتباعد بِقدر شبر ليحسب العمق فى قُلَّتَيْنِ لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يتباعد قدرا لَو حسب مثله فى العمق وَسَائِر الجوانب كَانَ قُلَّتَيْنِ

(1/178)


الثَّانِي قلتان نجستان جمعتا عادتا طاهرتين فَإِذا فرقتا بَقِيَتَا على الطَّهَارَة وَلم يضر التَّفْرِيق
الثَّالِث كوز فِيهِ مَاء نجس غمس فى مَاء كثير فَإِن كَانَ الْكوز وَاسع الرَّأْس طهر بالاتصال بالكثير إِن مكث سَاعَة
وَهل يطهر على الْفَوْر فِيهِ خلاف وَإِن كَانَ الْكوز ضيق الرَّأْس فالأشهر أَنه لَا يطهر لِأَنَّهُ لَا يتَعَدَّى إِلَيْهِ قوته وَلَا يصير كالجزء مِنْهُ

(1/179)


الرَّابِع إِذا وَقعت نَجَاسَة جامدة فى المَاء الْكثير وَتَروح بهَا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا ينجس لِأَنَّهُ تغير بالمجاورة
وَالثَّانِي ينجس لِأَنَّهُ تغير بعد الْوُقُوع فِيهِ والتغير بِهِ يعد مستقذرا
الْخَامِس إِذا وَقع فى الْبِئْر نَجَاسَة وغيرته فالطريق أَن يزَال تغيره بالمكاثرة بِالْمَاءِ أَو بِالصبرِ حَتَّى يَزُول بطول الْمكْث
فَإِن وَقعت فِيهِ فَأْرَة وانمعطت شعورها فَكل دلو يستقيه لَا يَنْفَكّ عَن شعر فى غَالب الْأَمر فالطريق أَن يستقى المَاء بدلاء على الْوَلَاء إِلَى أَن تنزف مثل جمة الْبِئْر مرّة أَو مَرَّات استطهارا

(1/180)


فَمَا يَتَجَدَّد بعد ذَلِك من المَاء طَاهِر لِأَنَّهُ مستيقن الطَّهَارَة وَكَون الشّعْر فِيهِ

(1/181)


مشكوكا فِيهِ بل الْغَالِب عَدمه لِأَن اسْتِيفَاء جَمِيع المَاء على الْوَلَاء يستوعب جيمع الشّعْر فِي غَالب الْأَمر

(1/182)


الْفَصْل الثَّالِث فِي المَاء الْجَارِي

وطبيعة المَاء الْجَارِي التفاصل فى الجريات بِخِلَاف الراكد فَإِن طَبِيعَته التواصل والتراد
فَإِذا وَقعت نَجَاسَة فَإِن كَانَت جامدة تجْرِي بجري المَاء فَمَا فَوْقهَا طَاهِر إِذْ لم يتَّصل بِالنَّجَاسَةِ فَإِن الجريات متفاصلة وَمَا تحتهَا طَاهِر إِذْ النَّجَاسَة لم تتصل بهَا وَمَا على يَمِينهَا وشمالها وفى سمتها إِلَى العمق طَرِيقَانِ
مِنْهُم من قطع بِالطَّهَارَةِ لتفاصل جَمِيع أَجزَاء الْجَارِي وَمِنْهُم من خرج على قولي التباعد لِأَن التفاصل فى جِهَة تلاحق الجرايات فى طول النَّهر لَا فى الْعرض
فَإِن كَانَت النَّجَاسَة واقفة فَالْحكم مَا سبق إِلَّا مَا أَمَام النَّجَاسَة فَإِن المَاء يجْرِي

(1/183)


عَلَيْهَا وينفصل عَنْهَا فَهُوَ نجس فِيمَا دون الْقلَّتَيْنِ فَإِذا انْتهى إِلَى حد الْقلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص هُوَ طَاهِر لِأَن بَين المغترف وَبَين النَّجَاسَة قُلَّتَيْنِ
وَقَالَ ابْن سُرَيج هُوَ نجس فَإِن امْتَدَّ الْجَدْوَل فراسخ إِلَى أَن يجْتَمع فى حَوْض قدر قُلَّتَيْنِ وَهُوَ الصَّحِيح لِأَن جريات المَاء متفاصلة فَلَا تحصل الْكَثْرَة إِلَّا

(1/184)


بالركود
إِمَّا إِن كَانَت النَّجَاسَة مائعة فَإِن غيرت المَاء فالقدر الْمُتَغَيّر كنجاسة جامدة وَإِن انمحقت لَا ينجس المَاء وَإِن كَانَ قَلِيلا لِأَن الْأَوَّلين مَا زَالُوا يَتَوَضَّئُونَ ويستنجون

(1/185)


من الْأَنْهَار الصَّغِيرَة هَذَا فى الْأَنْهَار المعتدلة
أما النَّهر الْعَظِيم الذى يُمكن التباعد فِيهِ عَن جَمِيع جَوَانِب النَّجَاسَة بِقدر قُلَّتَيْنِ

(1/186)


فَصَاعِدا الذى قطع بِهِ مُعظم الْأَئِمَّة أَنه لَا يجْتَنب فِيهِ إِلَّا حَرِيم النَّجَاسَة وَهُوَ الذى تغير شكله بِسَبَب النَّجَاسَة وَهَذَا الْحَرِيم مجتنب فى المَاء الراكد أَيْضا
فرع الْحَوْض إِذا كَانَ يجْرِي المَاء فى وَسطه وطرفاه راكدان فللطرفين حكم الراكد وللمتحرك حكم الْجَارِي فَلَو وَقعت نَجَاسَة فى الْجَارِي فَلَا ينجس الراكد إِذا لم

(1/187)


نوجب التباعد وَإِن كَانَ الْجَارِي قَلِيلا وَإِن وَقعت فى الراكد وَهُوَ أقل من الْقلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس
والجاري يلاقي فى جَرَيَانه مَاء نجسا فَإِن كَانَ يخْتَلط بِهِ مَا يُغَيِّرهُ لَو خَالفه لَونه فينجسه

(1/188)


الْفَصْل الرَّابِع فى كَيْفيَّة إِزَالَة النَّجَاسَة وَحكم الغسالة

والنجاسة لَا تَخْلُو إِن كَانَت حكمِيَّة فَيَكْفِي إِجْرَاء المَاء على جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَإِن كَانَت عَيْنِيَّة فَلَا بُد من إِزَالَة عينهَا فَإِن بَقِي طعم النَّجَاسَة لم يطهر فَإِنَّهُ يدل على بَقَاء الْعين وَإِن بَقِي اللَّوْن بعد الحت وَالْقَرْض فَهُوَ مَعْفُو عَنهُ لتعذر إِزَالَته بِخِلَاف إِزَالَة الطّعْم وَإِن بقيت

(1/191)


الرَّائِحَة فَوَجْهَانِ أصَحهمَا أَنه كاللون لِأَنَّهَا تعبق بِالثَّوْبِ إِذا كَانَت فائحة ويعسر إِزَالَتهَا
ثمَّ يسْتَحبّ الِاسْتِظْهَار فى العينية والحكمية بعد حُصُول الطَّهَارَة بغسلة ثَانِيَة وثالثة
وَهل تقف الطَّهَارَة على عصر الثَّوْب فِيهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن الغسالة طَاهِرَة أَو نَجِسَة

(1/192)


فَإِن قُلْنَا يجب الْعَصْر فَفِي الِاكْتِفَاء بالجفاف وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنا نقدر انْتِقَال النَّجَاسَة بالعصر وَلَا يَزُول بالجفاف إِلَّا بَلل المَاء

(1/193)


هَذَا إِذا أورد المَاء على النَّجَاسَة فَإِن أورد الثَّوْب النَّجس على مَاء قَلِيل نجس المَاء وَلم يطهر الثَّوْب
وَقَالَ ابْن سُرَيج يطهر لِأَن الملاقاة لَا تخْتَلف بِأَن يكون الثَّوْب موردا للْمَاء أَو واردا عَلَيْهِ وَزَاد عَلَيْهِ فَقَالَ لَو كَانَ فى إجانة مَاء نجس فكوثر بصب مَاء قَلِيل عَلَيْهِ صَار الْكل طَاهِرا بِنَاء على أَن غسالة النَّجَاسَة طَاهِرَة ثمَّ قضى بِأَن الثَّوْب لَو وَقع فِي مَاء قَلِيل بتحريك الرّيح نجس المَاء فَظن بِهِ أَنه يشْتَرط النِّيَّة فى إِزَالَة النَّجَاسَة هَذَا كُله

(1/194)


فِي الثَّوْب

(1/195)


أما الأَرْض إِذا أصابتها نَجَاسَة إِن كَانَت جامدة ترفع عينهَا وَإِن كَانَت مائعة كالبول يفاض المَاء عَلَيْهِ بِحَيْثُ تحصل بِهِ الْغَلَبَة على النَّجَاسَة

(1/196)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة هَذَا زِيَادَة فى النَّجَاسَة وَهُوَ مُخَالف لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام صبوا عَلَيْهِ ذنوبا من المَاء لما بَال الْأَعرَابِي فى الْمَسْجِد

(1/197)


ثمَّ إِن لم نوجب عصر الثَّوْب طهر بالافاضة وَإِلَّا فنضوب المَاء فِي الأَرْض كالعصر فِي الثَّوْب فيطهر قبل الْجَفَاف
وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم فِي أَن الأَرْض إِذا جَفتْ عَن الْبَوْل بالشمس عَادَتْ طَاهِرَة وَلَا تَفْرِيع على هَذَا القَوْل فعلى هَذَا الْآجر الذى عجن بِمَاء نجس فَإِنَّهُ طَاهِر على الْقَدِيم لِأَن تَأْثِير النَّار آكِد من تَأْثِير الشَّمْس
وعَلى الْجَدِيد لَو نقع فى المَاء لم يطهر بَاطِنه بِخِلَاف اللَّبن فَإِنَّهُ يطهر إِذا يصب المَاء فِيهِ وَلَكِن إِذا أفيض المَاء على الْآجر قَالَ الْقفال يطهر ظَاهره

(1/198)


وَهَذَا حسن إِن لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة وَقَالَ أَبُو حَامِد لَا يطهر وَهَذَا لَا يتَّجه إِذا لم يخْتَلط بِهِ جرم النَّجَاسَة بِأَن كَانَ معجونا بِمَاء نجس فَإِن المَاء يجْرِي على ظَاهره وَلَا محَالة فيطهر

(1/199)


هَذَا كُله فِي النَّجَاسَة الْمُطلقَة سوى المخففة والمغلظة
أما المخففة فبول الصَّبِي قبل أَن يطعم الطَّعَام يَكْفِي فِيهِ رش المَاء بِحَيْثُ يُصِيب جَمِيع موارد النَّجَاسَة وَلَا يشْتَرط الإجراء وَالْغسْل بِخِلَاف الصَّغِيرَة لما رُوِيَ أَن الْحسن أَو الْحُسَيْن رَضِي الله عَنْهُمَا بَال فى حجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت لبَابَة بنت الْحَارِث أأغسل إزارك فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّمَا يغسل من بَوْل الصبية ويرش على بَوْل الْغُلَام

(1/200)


مِنْهُم من قَاس الصبية عَلَيْهِ وَهُوَ غلط لمُخَالفَته النَّص

(1/201)


أما الْمُغَلَّظَة فنجاسة الْكَلْب فَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا للْخَبَر

(1/204)


وفى معنى لعابه عرقه وروثة وَسَائِر أَجْزَائِهِ خلافًا لأبي حنيفَة

(1/205)


وَفِي إِلْحَاق الْخِنْزِير بِهِ قَولَانِ من حَيْثُ إِنَّه مَخْصُوص بالتغليظ كَالْكَلْبِ إِلَّا أَن الِاخْتِلَاط بِهِ لَا يَقع غَالِبا هَذَا منشأ التَّرَدُّد
ثمَّ خاصية هَذِه النَّجَاسَة الْعدَد والتعفير
أما الْعدَد فَلَا يسْقط إِلَّا إِذا غمس الْإِنَاء فى مَاء كثير فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يسْقط وَفَاء بالتعبد وَالثَّانِي يسْقط لِأَنَّهُ عَاد إِلَى حَالَة لَو كَانَ عَلَيْهَا ابْتِدَاء لم ينجس
وَأما التعفير فَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ مِنْهُم من قَالَ هُوَ تعبد مَحْض لَا يُعلل وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بالاستطهار بِغَيْر المَاء ليَكُون فِيهِ مزِيد كلفة وتغليظ

(1/206)


وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ مُعَلل بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور

فعلى هَذَا الْخلاف تخرج أَرْبَعَة فروع

الأول الصابون والأشنان هَل يقوم مقَام التُّرَاب
فَمن مَحْض التَّعَبُّد لم يجوز عِنْد وجود التُّرَاب وَاخْتلفُوا عِنْد عَدمه فَمنهمْ من جوز لِأَن الاستطهار أَيْضا مَقْصُود مَعَ كَون الْمُسْتَعْمل تُرَابا فَعِنْدَ الْعَجز يقْتَصر على الْمُمكن وَمن علل بالاستطهار بِشَيْء آخر جوز اسْتِعْمَاله فى كل حَال وَمن علل بِالْجمعِ

(1/207)


بَين نَوْعي الطّهُور لم يجوز
وَقد قيل يجوز فِي الثَّوْب لَا فِي الْإِنَاء لِأَن التُّرَاب يفْسد الثَّوْب وَهُوَ بعيد
الثَّانِي التُّرَاب النَّجس اكْتفى بِهِ من علل بالاستطهار وَلم يجوزه من مَال إِلَى التَّعَبُّد أَو إِلَى الْجمع بَين نَوْعي الطّهُور
الثَّالِث إِذا مزج التُّرَاب بالخل فَهُوَ جَائِز عِنْد من يُعلل بالاستطهار أَو بِالْجمعِ بَين نَوْعي الطّهُور وَهُوَ مُمْتَنع عِنْد من يمِيل إِلَى التَّعَبُّد
الرَّابِع الغسلة الثَّامِنَة لَا تقوم مقَام التعفير إِلَّا على وَجه بعيد فِي أَن المَاء أولى بالتعفير من التُّرَاب

(1/208)


فَأَما إِذا ذَر التُّرَاب على الْمحل بعد الْغسْل لم يجز بل يَنْبَغِي أَن يكدر بِهِ المَاء حَتَّى يصل بواسطته إِلَى جَمِيع أَجْزَائِهِ هَذَا حكم الْكَلْب
أما الْهِرَّة فسؤرها طَاهِر وَلَكِن إِذا أكلت فَأْرَة ثمَّ ولغت فى مَاء قَلِيل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه نجس لتيقن نَجَاسَة الْفَم مَعَ أَنه لم يتَيَقَّن زَوَالهَا
وَالثَّانِي أَنه طَاهِر لعُمُوم الْحَاجة وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام إِنَّهَا من الطوافين عَلَيْكُم والطوافات

(1/209)


الثَّالِث أَنَّهَا إِن غَابَتْ وَاحْتمل ولوغها فِي مَاء كثير فطاهر وَإِلَّا فنجس
أما الْفَأْرَة إِذا وَقعت فى مَاء قَلِيل وَخرجت حَيَّة فَلَا يحكم بِنَجَاسَة المَاء على الْأَظْهر

(1/210)


وَلَا مبالاة بِتَقْدِير النَّجَاسَة على مَحل النجو مِنْهَا بِخِلَاف الْآدَمِيّ إِذا استنقع فِي مَاء قبل الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فَإِنَّهُ ينجس المَاء الْقَلِيل فَإِن الْأَوَّلين لم يلتفوا إِلَى تَقْدِير ذَلِك فِي الْفَأْرَة
هَذَا كَيْفيَّة الْغسْل فى النَّجَاسَات أما الغسالة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال
الْقَدِيم أَنه طَاهِر أبدا مَا لم يتَغَيَّر
والجديد أَنه إِن طهر الْمحل فطاهر مَا لم يتَغَيَّر وَإِن لم يطهر الْمحل فنجس فَكَانَ حكمهَا حكم الْمحل بعد الْغسْل

(1/211)


وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن حكمهَا حكم الْمحل قبل الْغسْل تخريجا من رفع الْحَدث
فعلى هَذَا لَو أَصَابَت قَطْرَة من غسالة الْكَلْب فِي الكرة الثَّالِثَة ثوبا فَلَا يغسل على الْقَدِيم وَيغسل على الْجَدِيد أَرْبعا لِأَنَّهُ فى حكم الْمحل بعد الْغسْل ويعفر إِن كَانَ التعفير قد بَقِي
وعَلى القَوْل الْمخْرج يغسل خمْسا لِأَن حكمه حكم الْمحل قبل الْغسْل

فرع
الْمُسْتَعْمل فِي النَّجَاسَة إِذا حكمنَا بِطَهَارَتِهِ هَل يسْتَعْمل فِي الْحَدث فِيهِ

(1/212)


وَجْهَان كالوجهين فِي الْمُسْتَعْمل فِي الْحَدث أَنه هَل يسْتَعْمل فى الْخبث

(1/213)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الِاجْتِهَاد بَين النَّجس والطاهر - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَمهما استبهم طَاهِر بِنَجس وَجب الِاجْتِهَاد وَالْبناء على غَالب الظَّن
وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا لَهُ أَن يسْتَعْمل أَي الماءين شَاءَ لِأَنَّهُ استيقن الطَّهَارَة وَشك فى النَّجَاسَة
وَهُوَ ضَعِيف لِأَن يَقِين الطَّهَارَة عَارضه يَقِين النَّجَاسَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ يتَيَمَّم وَلَا يجْتَهد

(1/214)


وَإِن كَانَ الِاجْتِهَاد فى ثَوْبَيْنِ صلى صَلَاتَيْنِ فيهمَا
ثمَّ للِاجْتِهَاد شَرَائِط سِتَّة

الأول أَن يكون للعلامة مجَال فى الْمُجْتَهد فِيهِ كَمَا إِذا اشْتبهَ إِنَاء نجس بطاهر أَو ثوب نجس بطاهر فَإِن اشتبهت أُخْت من الرَّضَاع بأجنبية فَلَا

(1/215)


اجْتِهَاد لِأَنَّهُ لَا عَلامَة وَلَو اشْتبهَ لحم مذكاة بميتة فَلَا اجْتِهَاد أَيْضا على الْأَصَح
الثَّانِي أَن يكون فى الْمُجْتَهد فِيهِ أصل مستصحب كَالْمَاءِ النَّجس مَعَ المَاء الطَّاهِر فَإِن كَانَ مَعَه بَوْل أَو مَاء ورد واشتبه بِالْمَاءِ فَالْأَظْهر منع الِاجْتِهَاد فالاجتهاد ضَعِيف فى النَّجَاسَات فَلَا بُد وَأَن يعتضد بالاستصحاب

(1/216)


الثَّالِث أَن لَا يقدر على الْوُصُول إِلَى الْيَقِين فَإِن قدر على الْخَلَاص بِيَقِين فِي مَوضِع آخِره كَمَا إِذا كَانَ على شط الْبَحْر فَفِي جَوَاز الِاجْتِهَاد وَجْهَان وَجه الْجَوَاز أَنه يَقِين فى غير مَحل الِاجْتِهَاد فَلَا يمْنَع وَعَلِيهِ يخرج مَا إِذا كَانَ أحد الإناءين مَاء مُسْتَعْملا أَو مَاء ورد إِذْ استعمالهما مُمكن جَمِيعًا وَكَذَا إِذا اشْتبهَ الثِّيَاب وَمَعَهُ مَاء يغسل بِهِ ثَوْبه
الرَّابِع أَن تكون النَّجَاسَة مستيقنة فى أحد الإناءين فَإِن كَانَ مشكوكا فِيهَا فَلَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد بل يَأْخُذ بِالْيَقِينِ السَّابِق وَإِن كَانَت النَّجَاسَة غالبة على الظَّن فيلتحق بِمحل الشَّك أَو بِالْيَقِينِ فعلى وَجْهَيْن

(1/217)


أَحدهمَا أَنه لَا حَاجَة إِلَى الِاجْتِهَاد لِأَن الْيَقِين لَا يرفع بِالشَّكِّ كالطهارة

(1/218)


مَعَ الْحَدث
وَالثَّانِي أَنه يجْتَهد لِأَن غَلَبَة الظَّن لَهَا تَأْثِير فى النَّجَاسَات فَإِنَّهَا مَطْلُوب بِالِاجْتِهَادِ بِخِلَاف الْأَحْدَاث فَإِنَّهُ لَا مدْخل للِاجْتِهَاد فِيهَا وعَلى هَذَا يخرج جَوَاز الصَّلَاة فى ثِيَاب مدمن الْخمر والنصاري والقصابين والتوضؤ من أواني الْكَفَرَة المتدينين فِي بِاسْتِعْمَال النَّجَاسَة وَالصَّلَاة فى الْمَقَابِر المنبوشة وَمَعَ طين الشوارع فَإِن الْغَالِب فى الْكل النَّجَاسَة نعم يُعْفَى من طين الشوارع عَمَّا يتَعَذَّر الِاحْتِرَاز عَنهُ

(1/219)


وَمهما أخبرهُ عدل بُلُوغ الْكَلْب فى أحد الإناءين فَهَذَا كاليقين فَلَا يحْتَاج إِلَى الِاجْتِهَاد
وَإِن قَالَ أَحدهمَا نجس لم يلْزمه الْقبُول إِذا الْمذَاهب مُخْتَلفَة فِي أَسبَاب النَّجَاسَة فَلَعَلَّهُ اعْتقد النَّجَاسَة فِيمَا لَيْسَ بِنَجس
وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو رأى ظَبْيَة تبول فى مَاء فَانْتهى إِلَى المَاء وَهُوَ متغير فَلَا يدْرِي أَنه من طول الْمكْث أَو الْبَوْل أَخذ بِنَجَاسَتِهِ إِحَالَة على

(1/220)


السَّبَب الظَّاهِر
الْخَامِس أَن يكون الْمُجْتَهد بَصيرًا فالأعمى يجْتَهد فِي وَقت الصَّلَاة بالأوراد وَلَا يجْتَهد فى الْقبْلَة وَهل يجْتَهد فِي الْأَوَانِي فعلى وَجْهَيْن لتردد الْأَوَانِي بَين الْأَصْلَيْنِ
وَيدْرك الْأَعْمَى نَجَاسَة أحد الإناءين بولوغ الْكَلْب بِنُقْصَان المَاء واضطرابه وابتلال طرف الْإِنَاء
السَّادِس أَن تلوح لَهُ عَلامَة فى اجْتِهَاده فَإِن تَأمل لم يظْهر لَهُ عَلامَة تيَمّم

(1/221)


وَصلى وَأعَاد الصَّلَاة لِأَنَّهُ تيَمّم وَمَعَهَا مَاء مستيقن الطَّهَارَة وَإِن كَانَ عَاجِزا لجهله وَلَكِن الْجَهْل لَيْسَ بِعُذْر فَإِن صب المَاء قبل التَّيَمُّم سقط الْقَضَاء وَهُوَ مَعْذُور فى صبه بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ المَاء طَاهِرا فَإِن ذَلِك لَا يسْقط الْقَضَاء فى أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ متعتد بالصب
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا صب أحد الإناءين قبل الِاجْتِهَاد أَو غسل أحد الثَّوْبَيْنِ فَهَل يجوز

(1/222)


لَهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ بِالظَّاهِرِ فِي الثَّانِي فعلى وَجْهَيْن
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ بَقِي شاكا فى نَجَاسَته مَعَ يَقِين الطَّهَارَة
وَالثَّانِي لَا إِذْ كَانَ الِاجْتِهَاد وَاجِبا قبل الصب فبعده كَذَلِك وَلَو أصَاب أحد كميه نَجَاسَة وأشكل فاجتهد وَغسل مَا أدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده فَفِي صِحَة صلَاته وَجْهَان ومنشأ الْمَنْع أَن هَذَا اجْتِهَاد خَال عَن الِاسْتِصْحَاب فَهُوَ كَمَاء الْورْد مَعَ المَاء
الثَّانِي إِذا أدّى اجْتِهَاده إِلَى أحد الإناءين فصلى بِهِ الصُّبْح فَأدى اجْتِهَاده عِنْد الظّهْر إِلَى الثَّانِي وَلم يبْق من الأول شَيْء نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه

(1/223)


يتَيَمَّم وَلَا يسْتَعْمل الآخر لِأَن الِاجْتِهَاد لَا ينْقض بِالِاجْتِهَادِ
وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يَسْتَعْمِلهُ ويورده على جَمِيع موارد الأول لِئَلَّا يكون مُصَليا مَعَ يَقِين النَّجَاسَة وَهُوَ الْأَصَح لِأَن هَذِه قَضِيَّة مستأنفة فَلَا يُؤثر فِيهَا الِاجْتِهَاد الْمَاضِي
فَإِن فرعنا عَن النَّص لم يقْض صلَاته الأولى وَهل يقْضِي الثَّانِيَة فِيهِ

(1/224)


وَجْهَان وَجه الْقَضَاء أَن مَعَه مَاء اطاهرا بِحكم الِاجْتِهَاد فَكَانَ كالطاهر بِالْيَقِينِ إِذا الْتبس عَلَيْهِ وَجه الِاجْتِهَاد
وعَلى مَذْهَب ابْن سُرَيج لَا قَضَاء فِي الصَّلَاتَيْنِ قطعا كَمَا إِذا صلى إِلَى جِهَتَيْنِ باجتهادين وَلم يتَعَيَّن الْخَطَأ فِي أَحدهمَا
الثَّالِث ثَلَاثَة أواني وَاحِد مِنْهَا نجس اجْتهد فِيهَا ثَلَاثَة

(1/225)


وَاسْتعْمل كل وَاحِد وَاحِدًا وصلوا ثَلَاث صلوَات بِالْجَمَاعَة كل وَاحِد إِمَام فى وَاحِدَة
قَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا يَصح لكل وَاحِد مَا كَانَ مقتديا فِيهِ لِأَنَّهُ شَاك فى صِحَة صَلَاة إِمَامه فَصَارَ كالمقتدي بالخنثى
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الصَّلَاة الأولى صَحِيحَة لكل وَاحِد فى اقتدائه الأول وفى الِاقْتِدَاء الثَّانِي بطلت إِحْدَى صلاتيه فَيلْزمهُ قضاؤهما ليتفصي عَنهُ بِيَقِين
وَقَالَ ابْن الْحداد الِاقْتِدَاء الثَّانِي فِي حق كل وَاحِد بَاطِل لِأَن فِيهِ يتَعَيَّن تَقْدِير

(1/226)


النَّجَاسَة

(1/227)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فى الْأَوَانِي وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

الْفَصْل الأول فى الْمُتَّخذ من الْجُلُود

وكل جلد طَاهِر يجوز اتِّخَاذ الْأَوَانِي مِنْهُ وطهارة الْجلد بالذكاة والدباغ
أما الذَّكَاة فَتطهر جلد كل مَا يُؤْكَل لَحْمه
وَأما الدّباغ فيطهر كل جلد إِلَّا جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وفروعهما خلافًا لأبي حنيفَة فَإِنَّهُ عمم أثر الدّباغ والذكاة جَمِيعًا

(1/229)


وَأما الْآدَمِيّ فَلَا ينجس بِالْمَوْتِ على الصَّحِيح وَإِن قيل بِنَجَاسَتِهِ فَفِي دباغ جلده تردد لِأَنَّهُ مَعْصِيّة
ثمَّ كَيْفيَّة الدّباغ إِحَالَة بِاسْتِعْمَال الشث والقرظ وَاسْتِعْمَال الْأَشْيَاء

(1/230)


الحريفة المنتزعة للفضلات المعفنة فَلَا يَكْفِي تجميد الفضلات بالتتريب والتشميس خلافًا لأبي حنيفَة

(1/231)


وَهل يجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدّباغ ليصل إِلَى بَاطِن الْجلد وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْمُغَلب على الدّباغ الإحالة أم الْإِزَالَة
ثمَّ إِذا فرغ من الدّباغ فَهَل يجب إفَاضَة المَاء الْمُطلق على ظَاهر الْجلد وَجْهَان
أَحدهمَا يجب لإِزَالَة أَجزَاء الشث والقرظ فَإِنَّهَا نَجِسَة لاصقة بِالْمحل
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَيّمَا إهَاب دبغ فقد طهر علق الطَّهَارَة بِمُجَرَّد الدّباغ

(1/232)


وَمن يُوجب اسْتِعْمَال المَاء فِي أثْنَاء الدبغ يجوز أَن يكون متغيرا بالشث والقرظ وَمن يُوجب بعد الدّباغ فَلَا يجوز ذَلِك
فرع

إِذا دبغ الْجلد طهر ظَاهره وباطنه وَجَاز بَيْعه إِلَّا فى قَول قديم مُسْتَنده مُوَافقَة مَالك رَحمَه الله فَإِنَّهُ قَالَ يطهر ظَاهر الْجلد دون بَاطِنه

(1/233)


فَأَما جَوَاز الْأكل مِنْهُ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْجَوَاز لِأَنَّهُ طَاهِر غير مُضر وَلَا مُحْتَرم فَجَاز أكله

(1/234)


وَالثَّانِي الْمَنْع لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا حرم من الْميتَة أكلهَا
وَالثَّالِث الْفرق بَين مَا يُؤْكَل لَحْمه وَمَا لَا يُؤْكَل لَحْمه

(1/235)


الْفَصْل الثَّانِي فى الشُّعُور وَالْعِظَام

وَفِي الشّعْر وَالصُّوف والريش قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ الْمَنْصُوص هَاهُنَا أَنَّهَا تنجس بِالْمَوْتِ والإبنابة تبعا للْأَصْل فى حكم الْحَيَاة وَالْمَوْت
وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص فى الدِّيات أَنَّهَا لَا تنجس بِمَوْت الأَصْل فَإِنَّهَا خَالِيَة عَن الْحَيَاة
وَأما الْعِظَام فَفِيهِ طَرِيقَانِ
مِنْهُم من قطع بنجاستها بِالْمَوْتِ لِأَنَّهَا تتألم وَلِأَن الودك فِيهَا نجس فَيدل على نَجَاسَة الظّرْف إِذْ لَا حَيَاة فِي الودك وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ
التَّفْرِيع

إِن ألحقناها بالجمادات فَجَمِيع الشُّعُور طَاهِرَة إِلَّا شعر الْكَلْب وَالْخِنْزِير على أحد

(1/236)


الْوَجْهَيْنِ وَإِن حكمنَا بنجاستها فشعور مَا يُؤْكَل لَحْمه لَا تنجس بالجز لمسيس الْحَاجة إِلَيْهَا فِي المفارش
وَجلد الْميتَة إِذا دبغ وَعَلِيهِ شعره فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه نجس لِأَن الدّباغ لَا يُؤثر إِلَّا فِي الْجلد الثَّانِي أَنه يطهر تبعا كَمَا ينجس بِمَوْتِهِ تبعا
وَأما شُعُور الْآدَمِيّ فقد نقل إِبْرَاهِيم الْبَلَدِي أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(1/237)


رَجَعَ عَن تنجيسه وَهُوَ الصَّحِيح
وَإِن حكم بِنَجَاسَتِهِ فَفِي شعر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجْهَان

(1/238)


الْفَصْل الثَّالِث فى أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة

وهى مُحرمَة الِاسْتِعْمَال على الرِّجَال وَالنِّسَاء لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فى الَّذِي يشرب فى آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة إِنَّمَا يجرجر فى بَطْنه نَار جَهَنَّم وَفِيه سِتّ مسَائِل

(1/239)


الأولى أَن هَذَا نهي تَحْرِيم لتأكده بالوعيد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَنه نهي كَرَاهِيَة وَهُوَ بعيد
الثَّانِيَة أَن التَّحْرِيم غير مَقْصُور على الشّرْب بل فِي مَعْنَاهُ وُجُوه الِانْتِفَاع خلافًا لداود
وتزيين الحوانيت بِهِ من وُجُوه الِانْتِفَاع الْمحرم على أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِذا

(1/240)


بطلت منفعَته من كل وَجه حرم اتِّخَاذه فَلَا قيمَة على كاسره
الثَّالِثَة أَن هَذَا التَّحْرِيم لَا يتَعَدَّى إِلَى الْجَوَاهِر النفيسة كالفيروزج والياقوت لِأَن الْمُفَاخَرَة بهما لَا يُدْرِكهَا إِلَّا الْخَواص وَفِيه وَجه آخر أَنه يتَعَدَّى لعُمُوم الْمَعْنى وَلَا خلاف فِي أَن الزّجاج لَا يلْتَحق بِهِ وَكَذَا مَا نفاسته فِي صَنعته
الرَّابِعَة إِذا موه الْإِنَاء بِالذَّهَب لم يحرم على أظهر المذهبين لِأَن المموه لَا يخفى
وَفِيه وَجه آخر أَنه يحرم لما فِيهِ من تخييل الْمُفَاخَرَة

(1/241)


الْخَامِسَة تضبيب الْإِنَاء بِالذَّهَب فى مَحل يلقى فَم الشَّارِب مَحْظُور على الْأَظْهر وَإِن لم يلق وَكَانَ صَغِيرا على قدر الْحَاجة جَازَ لأجل الْحَاجة وَإِن كَانَ كَبِيرا فَوق الْحَاجة حرم وَإِن وجد أحد الْمَعْنيين فَوَجْهَانِ
وَمعنى الْحَاجة أَن يكون على قدر حَاجَة الشّعب لَا أَن يعجز عَن التضبيب بِغَيْرِهِ فَإِن ذَلِك يجوز اسْتِعْمَال أصل الْإِنَاء

(1/242)


وحد الصَّغِير مَا لَا يظْهر على الْبعد

(1/243)


السَّادِسَة فِي الْآنِية الصَّغِيرَة كالمكحلة وظرف الغالية تردد هَذَا إتْمَام قسم الْمُقدمَات

(1/244)