الوسيط في المذهب

الْقسم الثَّانِي فِي الْمَقَاصِد وَفِيه أَرْبَعَة أَبْوَاب
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فى صفة الْوضُوء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَفِيه فَرَائض وَسنَن

أما الْفَرَائِض فست

الأول النِّيَّة
وَالنَّظَر فى أَصْلهَا ووقتها وكيفيتها
الأول النّظر فِي أَصْلهَا وَفِيه ثَلَاث مسَائِل

الأولى أَن طَهَارَة الْأَحْدَاث تفْتَقر إِلَى النِّيَّة كَالْوضُوءِ وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم وَإِزَالَة النَّجَاسَة لَا تفْتَقر إِلَى النِّيَّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا نِيَّة إِلَّا فِي التَّيَمُّم

(1/245)


الثَّانِيَة أَن أَهْلِيَّة النِّيَّة شَرط فَلَا يَصح وضوء الْكَافِر وغسله وَإِن نوى وَكَذَا الْمُرْتَد وَلَو تَوَضَّأ ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ عَاد إِلَى الْإِسْلَام لم يبطل وضوؤه وَفِي التَّيَمُّم وَجْهَان لِأَنَّهُ طَهَارَة ضَعِيفَة تبطل بِرُؤْيَة السراب
الثَّالِثَة الذِّمِّيَّة تَحت الْمُسلم تغسل عَن الْحيض لحق الزَّوْج فَإِن أَبَت أجبرت فَلَو أسلمت بعد الْغسْل فَفِي وجوب الْإِعَادَة للصَّلَاة وَجْهَان

(1/246)


أَحدهمَا يجب لِأَنَّهَا اغْتَسَلت بِغَيْر النِّيَّة وَإِنَّمَا جَازَ فى حق الْوَطْء للضَّرُورَة
وَالثَّانيَِة لَا يجب لِأَنَّهُ اسْتَقل بِأحد المقصودين كَالزَّكَاةِ فِي حق الْمُمْتَنع
فَأَما الْكَافِرَة إِذا لم يكن لَهَا زوج أَو الْمسلمَة إِذا امْتنعت فأجبرت على الْغسْل فعلَيْهِمَا الْإِعَادَة لأجل الصَّلَاة لانْتِفَاء الضَّرُورَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ
النّظر الثَّانِي فِي وَقت النِّيَّة

وَهُوَ عِنْد حَالَة غسل الْوَجْه فَلَو غربت بعد ذَلِك لَا يضر

(1/247)


والأكمل أَن يقرنها بِأول سنَن الْوضُوء فَإِن غربت قبل غسل الْوَجْه فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا الْأَجْزَاء لاتصاله بِجُزْء من الْعِبَادَة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يتَّصل بِالْفَرْضِ
النّظر الثَّالِث فى كَيْفيَّة النِّيَّة وَهِي على ثَلَاثَة أوجه

الأول أَن يَنْوِي رفع الْحَدث فَهُوَ كَاف على الْإِطْلَاق فَلَو عين بعض الْأَحْدَاث بِالرَّفْع فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه

(1/248)


أَحدهَا أَنه يرْتَفع على الْإِطْلَاق لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ فَرفع بعضه رفع كُله
وَالثَّانِي أَنه لَا يرْتَفع فَإِن بَقَاء بعضه بَقَاء كُله وَلم ينْو رفع الْبَعْض
وَالثَّالِث إِن نوى رفع الْحَدث الأول صَحَّ فَإِن مَا بعده لَيْسَ بِحَدَث
الرَّابِع إِن لم ينف مَا عدا الْمعِين صَحَّ مُطلقًا وَإِن نفي رفع الآخر فَلَيْسَ الْإِثْبَات أولى من النَّفْي فَيبقى الْحَدث
وَلَو غلط من حدث إِلَى حدث فَكَانَ مُحدثا من الْبَوْل فَقَالَ نَوَيْت رفع حدث النّوم ارْتَفع حَدثهُ لِأَن الْأَسْبَاب جنس وَاحِد فِي حق الْحَدث
الْوَجْه الثَّانِي إِن نوى اسْتِبَاحَة الصَّلَاة أَو مَا لَا يستباح إِلَّا بالضوء كمس الْمُصحف للمحدث أوة الْمكْث فِي الْمَسْجِد للْجنب فَهُوَ كَاف

(1/249)


وَإِن نوى مَا لَا يسْتَحبّ فِيهِ الْوضُوء كاستباحة دُخُول السُّوق وزيارة الْأَمِير فَلَا يَصح وَإِن مَا يسْتَحبّ الْوضُوء لَهُ كَقِرَاءَة الْقُرْآن للمحدث وعبور الْمَسْجِد للْجنب فَوَجْهَانِ
وَلَو نوى تَجْدِيد الْوضُوء أَو غسل الْجُمُعَة فَالْمَذْهَب أَن الْحَث لَا يرْتَفع لِأَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَحبا لأجل الْحَدث بِخِلَاف الْحَدث قِرَاءَة الْقُرْآن فَإِن الْوضُوء مُسْتَحبّ فِيهِ لأجل الْحَدث
وَلَو نوى اسْتِبَاحَة صَلَاة مُعينَة كالصبح وَنفي غَيرهَا فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الثَّالِث يُبَاح لَهُ مَا عينه دون غَيره وَهُوَ الأضعف لِأَن الْحَدث لَا يتَجَزَّأ بَقَاء وارتفاعا

(1/250)


فرع من استيقن الطَّهَارَة وَشك فى الْحَدث فَلهُ الْأَخْذ بِالطَّهَارَةِ فَلَو تطهر احْتِيَاطًا ثمَّ تبين الْحَدث فَفِي وجوب الْإِعَادَة وَجْهَان
وَوجه الْوُجُوب أَن نِيَّة الاستباحة لم تكن جازمة لتردده فى الْحَدث
الْوَجْه الثَّالِث أَن يَنْوِي أَدَاء الْوضُوء أَو فَرِيضَة الْوضُوء فَهُوَ جَائِز بِخِلَاف مَا إِذا نوى فرض التَّيَمُّم فَإِن الْوضُوء قربَة مَقْصُودَة

(1/251)


وَلذَلِك يسْتَحبّ تجديده بِخِلَاف التَّيَمُّم وَهل يشْتَرط أَن يضيف الْوضُوء إِلَى الله تَعَالَى فِيهِ وَجْهَان يجريان فِي النِّيَّة فِي سَائِر الْعِبَادَات

(1/252)


فروع خَمْسَة

الأول لَو نوى بوضوئه رفع الْحَدث والتبرد جَمِيعًا صَحَّ على الْأَظْهر لِأَن التبرد حَاصِل قصد أَو لم يقْصد وَإِن نوى التبرد فى أثْنَاء الطَّهَارَة فَإِن كَانَ قبل غرُوب النِّيَّة لم يضر على الْأَظْهر وَإِن كَانَ بعد غُرُوبهَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يقطع حكم النِّيَّة السَّابِقَة لِأَنَّهَا بقيت حكما وَهَذِه وجدت حَقِيقَة
وَالثَّانِي أَنه لَا يضر لِأَن بقاءها حكما كبقائها حَقِيقَة
الثَّانِي أَن الْجنب يَوْم الْجُمُعَة لَو نوى بِغسْلِهِ الْجُمُعَة وَرفع الْجَنَابَة حصلا على الْأَصَح كمن يُصَلِّي الصُّبْح وتحية الْمَسْجِد

(1/253)


وَلَو اقْتصر على نِيَّة الْجَنَابَة فَفِي حُصُول غسل الْجُمُعَة قَولَانِ
وَلَو اقْتصر على غسل الْجُمُعَة لَا يحصل بِهِ رفع الْجَنَابَة على الْأَصَح
الثَّالِث لَو أغفل لمْعَة فِي الغسلة الأولى فانغسلت فى الثَّانِيَة وَهُوَ على قصد التَّنَفُّل هَل

(1/254)


يرْتَفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَن نِيَّة الْفَرْض بَاقِيَة حكما وَقصد التَّنَفُّل مَوْجُود حَقِيقَة فَلَا يتَأَدَّى الْفَرْض بِهِ
الرَّابِع فى تَفْرِيق النِّيَّة على أَعْضَاء الْوضُوء وَجْهَان أظهرهمَا الْمَنْع لِأَنَّهَا عبَادَة

(1/255)


وَاحِدَة فتشملها نِيَّة وَاحِدَة
الْخَامِس الْمُسْتَحَاضَة وَمن بِهِ سَلس الْبَوْل لَا يَكْفِيهِ نِيَّة رفع الْحَدث لِأَن الْحَدث فى حَقه دَائِم وتكفي نِيَّة اسْتِبَاحَة الصَّلَاة على أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود
وَفِيه وَجه أَنه يجب الْجمع بَين نِيَّة رفع الْحَدث والاستباحة
وَإِلَيْهِ ذهب الخضري فَقَالَ نِيَّة رفع الْحَدث للْحَدَث السَّابِق والاستباحة للأحق

(1/256)


الْفَرْض الثَّانِي غسل الْوَجْه وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

إِحْدَاهمَا أَن حد الْوَجْه من مُبْتَدأ تسطيح الْجَبْهَة إِلَى مُنْتَهى مَا يقبل من الذقن فى الطول وَمن الْأذن إِلَى الْأذن فى الْعرض
فَلَا يدْخل فى الْحَد النزعتان على طرفِي الجبين وَلَا مَوضِع

(1/257)


الصلع من الرَّأْس
وَفِي مَوضِع التحذيف خلاف وَظَاهر الْمَذْهَب أَنه من الْوَجْه وَلذَلِك تعودت النِّسَاء تنحية الشّعْر عَنهُ وَهُوَ الْقدر الَّذِي إِذا وضع طرف الْخَيط على رَأس الْأذن الطّرف وَالثَّانِي على زَاوِيَة الجبين وَقع فى جَانب الْوَجْه

(1/258)


وَأما مَوضِع الغمم فَإِن استوعبا جَمِيع الْجَبْهَة وَجب إِيصَال المَاء إِلَيْهِ وَإِن أَخذ بعض الْجَبْهَة فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ مقبل فى جِهَة الْوَجْه
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ فِي تدوير الرَّأْس
الثَّانِيَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت الشُّعُور الْأَرْبَعَة الحاجبان والأهداب والشاربان والعذاران وهما الخطان الموازيان للأذنين لعلتين
إِحْدَاهمَا أَنَّهَا خَفِيفَة فِي غَالب الْأَمر

(1/259)


وَالثَّانيَِة أَن بَيَاض الْوَجْه مُحِيط بهَا من الجوانب
وَأما اللِّحْيَة فَإِن كَانَت خَفِيفَة يجب إِيصَال المَاء إِلَى منابت مَا وَقع فى حد الْوَجْه
والخفيفة مَا يتَرَاءَى مِنْهَا الْبشرَة للنَّاظِر فى مجْلِس التخاطب أَو مَا يصل المَاء إِلَيْهِ من غير مزِيد تكلّف وَإِن كَانَت كثيفة فَلَا يجب إِلَى فى حق الْمَرْأَة لِأَن اللِّحْيَة لَهَا نادرة
ثمَّ هَل تجب إفَاضَة المَاء على ظَاهر اللِّحْيَة الْخَارِجَة عَن حد الْوَجْه فِيهِ قَولَانِ

(1/260)


أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقبل عِنْد التخاطب فيسمى وَجها
وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهِ عَن حد الْوَجْه
أما العنفقة الكثيفة فَفِي إِيصَال المَاء إِلَى منابتها وَجْهَان إِن عللنا فى الشُّعُور الْأَرْبَعَة بالخفة غَالِبا فَهِيَ خَفِيفَة غَالِبا وَإِن عللنا بإحاطة الْبيَاض فَلَا
الْفَرْض الثَّالِث غسل الْيَدَيْنِ مَعَ الْمرْفقين

وَفِيه ثَلَاثَة فروع

الأول لَو قطع يَده من الساعد وَجب غسل الْبَاقِي من الساعد
وَإِن قطع فَوق الْمرْفق اسْتحبَّ إمساس المَاء مَا بَقِي من عضده فَإِن تَطْوِيل الْغرَّة سنة

(1/261)


فَتبقى وَإِن سقط الْفَرْض
وَإِن قطع من الْمفصل فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يجب غسل عظم الْعَضُد لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن عظم الساعد وَقد زَالَ

(1/262)


أَو لِأَن غسل الْعَضُد كَانَ تَابعا وَقد سقط الْمَتْبُوع وَهَذَا القَوْل نَقله الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي نَقله الرّبيع وَهُوَ أَنه يجب لِأَن الْمرْفق عبارَة عَن مُجْتَمع الْعِظَام وَغسل الْكل أصل لَا تبع
وَمن الْأَصْحَاب من قطع بِالْوُجُوب وَغلط الْمُزنِيّ فى النَّقْل وتكلف تَأْوِيله

(1/263)


الْفَرْع الثَّانِي
لَو نفذ سهم فى كَفه وَبَقِي متفتقا وَجب إِيصَال المَاء إِلَى بَاطِنه وَإِن تكشطت جلدَة من الساعد وتدلت وَجب استيعابها بِالْغسْلِ وَإِن التصقت بِبَعْض الساعد

(1/264)


أجْرى المَاء على المتجافي من غير فتق فَإِن ارْتَفَعت إِلَى الْعَضُد والتصقت يجب غسلهَا أَيْضا نظرا إِلَى أَصله
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب غسل مَا فِي حد الْعَضُد لِأَنَّهُ صَار من الْعَضُد وَإِن تدلت من الْعَضُد فَلَا يجب غسله وَإِن التصقت بالساعد يجب غسل ظَاهر مَا الْتَصق بَدَلا عَمَّا استتر من الساعد وَلَا يجب غسل بَاقِيه نظرا إِلَى أَصله وَيحْتَمل على رَأْي الْعِرَاقِيّين أَن يجب غسل مَا يُحَاذِي الساعد وَإِن لم يلتصق

(1/265)


الْفَرْع الثَّالِث لَو نَبتَت يَد زَائِدَة من الساعد يجب غسلهَا وَإِن كَانَت الزَّائِدَة لَا تتَمَيَّز عَن الْأُخْرَى وَجب غسلهمَا

(1/266)


وَإِن نَبتَت من فَوق الْمرْفق لم تغسل فَإِن دخل رَأسهَا فى حد الساعد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْأُم على أَنه يغسل مَا يُحَاذِي الساعد لحُصُول اسْم الْيَد ومحاذاة بعض مَحل الْفَرْض وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال

(1/267)


الْفَرْض الرَّابِع مسح الرَّأْس
وَالنَّظَر فى قدره وَمحله وكيفيته
أما قدره فَمَا ينْطَلق عَلَيْهِ الإسم وَلَو على بعض شَعْرَة من الرَّأْس
وَقيل أَنه لَا يُجزئ أقل من ثَلَاث شَعرَات وَقدره أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ بِالربعِ وَمَالك أوجب الِاسْتِيعَاب

(1/268)


أما كيفيته فَهُوَ مد البلل على جُزْء من الرَّأْس وَلَو غسل أَجزَأَهُ لِأَنَّهُ فَوق الْمسْح وَلَكِن لَا يسْتَحبّ وَهل يكره فِيهِ تردد وَالْأَظْهَر أَنه لَا يكره
وَغسل الْخُف بدل الْمسْح مَكْرُوه وَلَكِن مسح الرَّأْس يسْتَحبّ فِيهِ التّكْرَار بِخِلَاف الْحق وَهُوَ تقريب من الْغسْل وَلَو وضع المَاء على الرَّأْس وَلم يمده فَوَجْهَانِ اخْتَار الْقفال أَنه لَا يُجزئ لِأَنَّهُ مَنُوط بالإسم وَذَلِكَ لَا يُسمى مسحا وَالْأَظْهَر الْجَوَاز لحُصُول الإبلال كَمَا يُجزئ الْغسْل وَإِن لم

(1/269)


يُسمى مسحا
وَأما مَحَله فَهُوَ الرَّأْس وكل شعر كَائِن فى حد الرَّأْس فَإِن مسح على شعر متجعد يخرج مَحل الْمسْح بِالْمدِّ عَن حد الرَّأْس لم يجز وَلَو حلق الشّعْر الَّذِي مسح عَلَيْهِ لم تلْزمهُ الْإِعَادَة خلافًا لإبن خيران
الْفَرْض الْخَامِس غسل الرجلَيْن مَعَ الْكَعْبَيْنِ

(1/270)


وَعند الشِّيعَة الْوَاجِب هُوَ الْمسْح

(1/271)


الْفَرْض السَّادِس التَّرْتِيب خلافًا لأبي حنيفَة

وَفِيه فروع أَرْبَعَة

الأول لَو نسي التَّرْتِيب لَا يُجزئهُ وَفِيه قَول قديم أَنه يُجزئهُ وَكَذَلِكَ فِي ترك الْفَاتِحَة نَاسِيا وَهُوَ ضَعِيف
الثَّانِي إِذا انغمس الْمُحدث فِي مَاء وَنوى رفع الْحَدث فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا

(1/273)


يُجزئ لِانْعِدَامِ التَّرْتِيب وَالثَّانِي يُجزئ لعلتين
إِحْدَاهمَا أَن الْغسْل حط عَنهُ تَخْفِيفًا فَإِذا اغْتسل صَار الْجَمِيع كالعضو الْوَاحِد فَأشبه الْجنب
وَالثَّانيَِة أَن المَاء يلاقي أعضاءه فِي لحظات متعاقبة فيترتب رفع الْحَدث وعَلى هَذَا لَو تنكس فأوصل المَاء إِلَى أسافله ثمَّ إِلَى أعاليه خرج على العلتين
الثَّالِث الْجنب الَّذِي لَيْسَ بمحدث لَا وضوء عَلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي لف على قضيبه خرقَة وغيب الْحَشَفَة وَإِن كَانَ مُحدثا يَكْفِيهِ الْغسْل واندرجت الطَّهَارَة الصُّغْرَى تَحت الْكُبْرَى

(1/274)


وَفِي مُرَاعَاة التَّرْتِيب فى أَعْضَاء الْمُحدث وَجْهَان
أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ لَا تَرْتِيب فى الْغسْل حَتَّى ينْدَرج تَحْتَهُ
وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن التَّرْتِيب هَيْئَة لهَذِهِ الطَّهَارَة وَقد اندرج أصل الطَّهَارَة فَسقط حكم الْهَيْئَة
الرَّابِع إِذا خرج مِنْهُ بَلل وَلم يدر مني أَو مذي لَا يلْزمه الْغسْل لِأَنَّهُ لَا يتَيَقَّن الْجَنَابَة وَلَكِن يتَخَيَّر إِن شَاءَ تَوَضَّأ مَعَ التَّرْتِيب وَغسل الثَّوْب وَإِن شَاءَ اغْتسل وَترك غسل الثَّوْب أخذا بِأَنَّهُ مني فَإِن تَوَضَّأ وَلم يغسل الثَّوْب وَصلى فِيهِ لم يَصح على الْمَذْهَب وَفِيه وَجه لَا يعْتد بِهِ وَقيل أَيْضا لَو تَوَضَّأ مُنَكسًا جَازَ لِأَن التَّرْتِيب غير مستقين وَهُوَ خطأ لِأَن التَّرْتِيب لَا يسْقط إِلَّا بِالْغسْلِ

(1/275)


القَوْل فِي سنَن الْوضُوء وَهِي ثَمَانِي عشرَة

الأولى السِّوَاك لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام السِّوَاك مطهرة للفم مرضاة للرب عز وَجل

(1/276)


ثمَّ آلَته قضبان الْأَرَاك وكل خشن يزِيل القلح
وَلَا يَكْفِي السِّوَاك بالإصبع لعدم الإسم
وَوَقته عِنْد الصَّلَاة وَإِن لم يتَوَضَّأ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة

(1/277)


بسواك أفضل من سبعين صَلَاة بِغَيْر سواك وَعَن الْوضُوء وَإِن لم يصل وَعند تغير النكهة بِالنَّوْمِ أَو بطول الأزم أَو أكل مَا لَهُ رَائِحَة كريهة

(1/278)


وَلَا يكره إِلَّا بعد الزَّوَال للصَّائِم لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لخلوف فَم الصَّائِم أطيب عِنْد الله من ريح الْمسك
وكيفيته أَن يستاك عرضا وطولا وَإِن اقْتصر على أَحدهمَا فعرضا كَذَلِك كَانَ يستاك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(1/279)


الثَّانِيَة التَّسْمِيَة وَهِي مُسْتَحبَّة فى ابْتِدَاء الْوضُوء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا وضوء لمن لم يسم الله وَمَعْنَاهُ لَا وضوء كَامِلا

(1/280)


الثَّالِثَة غسل الْيَدَيْنِ ثَلَاثًا قبل إدخالهما فى الْإِنَاء لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا اسْتَيْقَظَ أحدكُم من نَومه فَلَا يغمس يَده فى الْإِنَاء حَتَّى يغسلهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ لَا يدْرِي أَيْن باتت يَده

(1/281)


وَإِن تَيَقّن طَهَارَة يَده فَفِي بَقَاء الِاسْتِحْبَاب وَجْهَان
الرَّابِعَة وَالْخَامِسَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فى الْوضُوء وَالْغسْل جَمِيعًا
ثمَّ نقل الْمُزنِيّ أَنه يَأْخُذ غرفَة لفيه وَأَنْفه هَكَذَا روى عبد الله بن زيد من

(1/282)


وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَنقل الْبُوَيْطِيّ أَنه يغْرف لفيه غرفَة ولأنفه غرفَة وَهَكَذَا روى عُثْمَان وَعلي

(1/283)


من وضوء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقيل بِهِ وَقيل الْأَقَل مَا نَقله الْمُزنِيّ والأكمل مَا نَقله الْبُوَيْطِيّ
التَّفْرِيع

إِن أَخذ لكل وَاحِدَة غرفَة قدم الْمَضْمَضَة على الِاسْتِنْشَاق وَهَذَا التَّقْدِيم مُسْتَحبّ

(1/284)


أَو مُسْتَحقّ فعلى وَجْهَيْن وَإِن أَخذ غرفَة وَاحِدَة فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يخلط فيتمضمض ويستنشق مرّة ثمَّ يفعل ذَلِك ثَانِيَة وثالثة لِأَن اتِّحَاد الغرفة يدل على أَنَّهُمَا فى حكم عُضْو وَاحِد
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَظْهر أَن يقدم الْمَضْمَضَة

(1/285)


ثمَّ يسْتَحبّ الْمُبَالغَة فيهمَا بتصعيد المَاء بِالنَّفسِ إِلَى الخياشيم وَالرَّدّ إِلَى الغلصمة إِلَّا أَن يكون صَائِما فيرفق كَمَا ورد فِي الحَدِيث
السَّادِسَة التّكْرَار مُسْتَحبّ فِي الْمَمْسُوح والمغسول فَلَو شكّ أَنه غسل ثَلَاثًا أَو مرَّتَيْنِ أَخذ بِالْأَقَلِّ كَنَظِيرِهِ فى رَكْعَات الصَّلَاة

(1/286)


وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد يَأْخُذ بِالْأَكْثَرِ حذارا من أَن يزِيد فَإِنَّهُ بِدعَة وَترك سنة أَهْون من اقتحام بِدعَة
السَّابِعَة تَخْلِيل اللِّحْيَة إِذا كَانَت كثيفة
الثَّامِنَة تَقْدِيم الْيُمْنَى على الْيُسْرَى
التَّاسِعَة تَطْوِيل الْغرَّة
الْعَاشِرَة اسْتِيعَاب الرَّأْس بِالْمَسْحِ
وكيفيته أَن يبل جَمِيع الْكَفَّيْنِ ويلصق أَطْرَاف الْأَصَابِع من إِحْدَى الْيَدَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيبدأ بِمقدم رَأسه ويردهما إِلَى الْقَفَا ثمَّ يعيدهما إِلَى مُقَدّمَة الرَّأْس ليبتل كلا وَجْهي الشّعْر فَإِن لم يكف فَلَا فَائِدَة فِي الْإِعَادَة وَإِن عسر تنحية الْعِمَامَة

(1/287)


كمل الْمسْح بِالْمَسْحِ على الْعِمَامَة وَلَو اقْتصر على مسح الْعِمَامَة لم يجز
الْحَادِيَة عشرَة مسح الْأُذُنَيْنِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد
وكيفيته أَن يدْخل مسبحته فى صماخي أُذُنَيْهِ ويدير إبهاميه على ظَاهر أُذُنَيْهِ ثمَّ يضع الْكَفَّيْنِ على الْأُذُنَيْنِ استظهارا والتكرار مَحْبُوب فِيهِ أَيْضا
الثَّانِيَة عشرَة مسح الرَّقَبَة لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مسح

(1/288)


الرَّقَبَة أَمَان من الغل
الثَّالِثَة عشرَة تَخْلِيل أَصَابِع الرجلَيْن وَإِن كَانَت مَفْتُوحَة
وكيفيته أَن يخلل بِالْيَدِ الْيُسْرَى من أَسْفَل أَصَابِع الرجل الْيُمْنَى وَيبدأ بالخنصر من الرجل الْيُمْنَى وَيخْتم بالخنصر من الْيُسْرَى
الرَّابِعَة عشرَة الْمُوَالَاة وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا وَاجِبَة
وحد التَّفْرِيق الْكثير أَن تَجف الْأَعْضَاء مَعَ اعْتِدَال الْحَال والهواء

(1/289)


ثمَّ إِذا طَال الزَّمَان فَهَل تجب إِعَادَة النِّيَّة فعلى وَجْهَيْن
أَحدهمَا تجب لِأَنَّهُ انْقَطع حكم النِّيَّة بطول الزَّمَان
وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه لَا تجب لِأَنَّهُ لم يجر قطع يضاد النِّيَّة
الْخَامِسَة عشرَة أَلا يَسْتَعِين فِي وضوئِهِ بِغَيْرِهِ فالأجر على قدر النصب وَقد اسْتَعَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ جُبَّة كمها ضيق فعسر عَلَيْهِ الإسباغ مُنْفَردا
السَّادِسَة عشرَة أَن لَا ينشف الْأَعْضَاء لإبقاء أثر الْعِبَادَة وَقد نشف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة فَتبين جَوَازه وَكَانَ يواظب على تَركه فَبين بِهِ الْأَفْضَل
وَقيل إِنَّه يسْتَحبّ لِأَن فِيهِ تصاونا عَن التصاق الْغُبَار

(1/290)


السَّابِعَة عشرَة أَلا ينفض يَده لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا توضأتم فَلَا تنفضوا أَيْدِيكُم
الثَّامِنَة عشرَة الدُّعَاء وَهُوَ أَن يَقُول عِنْد غسل الْوَجْه اللَّهُمَّ بيض وَجْهي يَوْم تبيض وُجُوه وَتسود وُجُوه وَعند غسل الْيَدَيْنِ اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كتابي بيميني وَلَا تعطني بشمالي
وَعند مسح الرَّأْس اللَّهُمَّ حرم شعري وبشري على النَّار وَعند مسح الْأذن اللَّهُمَّ اجْعَلنِي من الَّذين يَسْتَمِعُون القَوْل فيتبعون أحْسنه وَعند غسل الرجل اللَّهُمَّ ثَبت قدمي على الصِّرَاط وَعند الْفَرَاغ أشهد أَن لَا إِلَه الله وَحده لَا

(1/291)


شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا أَنْت أستغفرك وَأَتُوب إِلَيْك
فقد ورد فِيهَا الْأَخْبَار الدَّالَّة على كَثْرَة فَضلهَا

(1/292)