الوسيط في المذهب

= كتاب صَلَاة الْعِيدَيْنِ=

(2/313)


وَهِي سنة مُؤَكدَة على كل مَا يلْزمه حُضُور الْجُمُعَة وَالْأَصْل فِيهِ الْإِجْمَاع وَالْفِعْل الْمُتَوَاتر من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَوله تَعَالَى {فصل لِرَبِّك وانحر} قيل أَرَادَ بِهِ صَلَاة عيد النَّحْر
وَذهب الْإِصْطَخْرِي إِلَى أَنَّهَا من فروض الكفايات وطردوا ذَلِك فِي جَمِيع الشعائر
وَأَقل هَذِه الصَّلَاة رَكْعَتَانِ كَسَائِر النَّوَافِل والتكبيرات الزَّائِدَة لَيست من أبعاضها

(2/315)


فَلَا يتَعَلَّق بِتَرْكِهَا سُجُود السَّهْو
ووقتها مَا بَين طُلُوع الشَّمْس إِلَى زَوَالهَا
وشروطها كَشَرط سَائِر الصَّلَوَات وَقَالَ فِي الْقَدِيم شَرطهَا كَشَرط الْجُمُعَة إِلَّا أَن خطبتها تتأخر ويحوز أَدَاؤُهَا فِي الْجَبانَة البارزة من خطة الْبَلَد
فَأَما الْأَكْمَل فَنَذْكُر سوابقه ولواحقه على تَرْتِيب الْوُجُود وَله سنَن
الأولى إِذا غربت الشَّمْس لَيْلَة عيد الْفطر يسْتَحبّ التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة إِلَى أَن

(2/316)


يتحرم الإِمَام بِصَلَاة الْعِيد فَالنَّاس يُصْبِحُونَ مكبرين حَيْثُ كَانُوا وَفِي الطَّرِيق رافعي أَصْوَاتهم كَذَلِك كَانَ يفعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَنَصّ فِي مَوضِع أَنهم يكبرُونَ إِلَى خُرُوج الإِمَام وَقيل إِنَّه قَول آخر
وَالصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ تحرم الإِمَام لِأَنَّهُ يتَّصل بِهِ غَالِبا وَنقل نَص آخر أَنه يَدُوم إِلَى آخر الْخطْبَة

(2/317)


وَهل تسْتَحب هَذِه التَّكْبِيرَات إدبار الصَّلَوَات لَيْلَة الْعِيد وصبيحته فعلى وَجْهَيْن وَوجه الْمَنْع أَن يتَمَيَّز هَذَا الشعار عَن شعار التَّكْبِيرَات الْمقيدَة فِي عيد النَّحْر كَمَا سَيَأْتِي
الثَّانِيَة إحْيَاء لَيْلَتي الْعِيد قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَحْيَا لَيْلَتي الْعِيد لم يمت قلبه يَوْم تَمُوت الْقُلُوب

(2/318)


الثَّالِثَة الْغسْل بعد طُلُوع الْفجْر
أما قبله فَهَل يُجزئ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا كَالْجُمُعَةِ وَالثَّانِي نعم لِأَن أهل الْقرى يبكرون لَيْلًا فيعر عَلَيْهِم الْغسْل بعد الْخُرُوج فَيجْعَل جَمِيع اللَّيْل وقتا
الرَّابِعَة التَّطَيُّب والتزين بالثياب الْبيض للقاعد وَالْخَارِج لِأَنَّهُ يَوْم السرُور
وَأما الْعَجَائِز فيخرجن فِي ثِيَاب البذلة

(2/319)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يخْرجن
وَيحرم على الرِّجَال التزين بالحرير والإبريسم الْمَحْض
وَفِيه مسَائِل

الأولى الْمركب من الإبريسم وَغَيره فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من نظر إِلَى الْقلَّة وَالْكَثْرَة فِي الْوَزْن وَمِنْهُم من نظر إِلَى الظُّهُور فأحل الْخَزّ وَحرم العتابي

(2/320)


الثَّانِيَة الثَّوْب الْمُطَرز والمطرف بالديباج مُبَاح كَانَ لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثوب كَذَلِك والمحشو بالإبريسم وَالْحَرِير مُبَاح إِذْ لَا يعد لابسه لابس حَرِير فَإِن كَانَت البطانة من حَرِير لم يجز لِأَنَّهُ لم يحرم بِسَبَب الْخُيَلَاء بل لِأَنَّهُ ترفه فِي خنوثة لَا تلِيق بشهامة الرِّجَال وَأمر الْحَرِير أَهْون من الذَّهَب إِذْ الْمطرف بِغَيْر حَاجَة جَائِز والمضبب غير جَائِز
الثَّالِثَة افتراش الْحَرِير محرم على الرِّجَال وَفِي تَحْرِيمه على النِّسَاء خلاف تلقيا من الْمُفَاخَرَة

(2/321)


وَفِي تَحْرِيم إلباس الصّبيان الديباج خلاف من حَيْثُ إِن شهامة الصَّبِي لَا تأبي ذَلِك
الرَّابِعَة حَيْثُ حرمنا الْحَرِير أبحناه لحَاجَة الْقِتَال ولحاجة المحكة مَعَ السّفر وَلَو انْفَرَدت عَن السّفر وَأمكن التعهد فَفِيهِ خلاف وَوجه الْجَوَاز أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرخص لِحَمْزَة فِي الْحَرِير لحكة كَانَت بِهِ وَلم تخصص السّنة

(2/322)


الْخَامِسَة إِذا اغْتسل وتزين وتطيب فليقصد الصَّحرَاء مَاشِيا فَهُوَ أولى من الرّكُوب
وليبكر فِي عيد الْأَضْحَى ليتسع وَقت الْأُضْحِية بعد الصَّلَاة وليستأخر قَلِيلا فِي الْفطر ليتسع تَفْرِقَة الصَّدقَات وليفطر فِي عيد الْفطر قبل الصَّلَاة وليمسك فِي عيد النَّحْر حَتَّى يُصَلِّي
وَالصَّلَاة فِي الصَّحرَاء أفضل إِلَّا بِمَكَّة فَإِن اتَّسع الْمَسْجِد بِبَلَد آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْمَسْجِد أولى كمسجد مَكَّة وَالثَّانِي لَا لِأَن مَكَّة مَخْصُوصَة بالشرف
السَّادِسَة يَنْبَغِي أَن يخرج الْقَوْم قبل الإِمَام ينتظرونه وَلَا بَأْس لوصلوا متنفلين فَإِذا خرج الإِمَام تحرم بِالصَّلَاةِ وَلم ينْتَظر أحدا فَإِذا انْتهى إِلَى الْمصلى نُودي الصَّلَاة جَامِعَة وَتحرم بِالصَّلَاةِ فَيقْرَأ دُعَاء الاستفتاح أَولا ثمَّ يكبر سبعا سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام والهوي وَيَقُول بَين كل تكبيرتين سُبْحَانَ الله وَالْحَمْد لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر فَإِذا فرغ مِنْهَا

(2/323)


تعوذ وَقَرَأَ الْفَاتِحَة وَسورَة ق وَفِي الثَّانِيَة يكبر خمْسا زَائِدَة كَمَا مضى ثمَّ يقْرَأ الْفَاتِحَة وَسورَة اقْتَرَبت وَيسْتَحب رفع الْيَدَيْنِ فِي هَذِه التَّكْبِيرَات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة التَّكْبِيرَات الزَّائِدَة ثَلَاثَة فِي كل رَكْعَة
وَقَالَ مَالك فِي الأولى سِتَّة وَفِي الثَّانِيَة خَمْسَة وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس
السَّابِعَة الْخطْبَة بعد الصَّلَاة وَهِي كخطبة الْجُمُعَة إِلَّا فِي شَيْئَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يكبر قبل الْخطْبَة الأولى تسع تَكْبِيرَات وَقبل الثَّانِيَة سبع تَكْبِيرَات على

(2/324)


مِثَال الرَّكْعَتَيْنِ
الثَّانِي أَن الْخَطِيب فِي الْجُمُعَة كَمَا صعد جلس لسَمَاع الْأَذَان وَهَاهُنَا يجلس للاستراحة إِذْ لَا أَذَان وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي لَا يجلس هَاهُنَا
الثَّامِنَة إِذا فرغ من الْخطْبَة انْصَرف إِلَى بَيته من طَرِيق آخر كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج من طَرِيق وَيعود من طَرِيق
فَقيل كَانَ يحذر من مَكَائِد الْمُنَافِقين وَقيل ليستفتى فِي الطَّرِيقَيْنِ وَقيل كَانَ

(2/325)


يسْلك أطول الطَّرِيقَيْنِ فِي الذّهاب لِأَنَّهُ قربَة
ثمَّ من شَارك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذِه الْمعَانِي تأسى بِهِ وَمن لم يُشَارِكهُ فِي السَّبَب فَفِي التأسي بِهِ فِي الحكم وَجْهَان
التَّاسِعَة يسْتَحبّ فِي عيد النَّحْر رفع الصَّوْت بِالتَّكْبِيرِ عقيب خمس عشرَة مَكْتُوبَة أَولهَا الظّهْر من يَوْم الْعِيد وَآخِرهَا الصُّبْح من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَهُوَ مَذْهَب ابْن عَبَّاس

(2/326)


وَفِيه قَولَانِ آخرَانِ
أَحدهمَا أَنه يسْتَحبّ عقيب ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة أَولهَا الصُّبْح من يَوْم عَرَفَة وَآخِرهَا الْعَصْر آخر أَيَّام التَّشْرِيق
الآخر أَنه يدْخل وقته عقيب صَلَاة الْمغرب لَيْلَة النَّحْر وَلم يتَعَرَّض فِي هَذَا النَّص للأخير
وَالْقَوْل الثَّانِي فِي الثَّلَاث مَذْهَب عمر وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن ابْن عمر وَابْن مَسْعُود وَمذهب الْمُزنِيّ وَاخْتِيَار ابْن سُرَيج
وَقيل مَذْهَب الشَّافِعِي هُوَ الأول وَمَا عداهُ حِكَايَة لمَذْهَب الْغَيْر

(2/327)


ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَربع مسَائِل

الأولى أَن إرْسَال هَذِه التَّكْبِيرَات فِي هَذِه الْأَيَّام هَل يسْتَحبّ من غير صَلَاة كَمَا اخْتلفُوا فِي أَن التَّكْبِيرَات الْمُرْسلَة لَيْلَتي الْعِيدَيْنِ هَل تسْتَحب عقيب الصَّلَاة
الثَّانِيَة أَنَّهَا تسْتَحب عقيب الْفَرَائِض وعقيب النَّوَافِل قَولَانِ
الثَّالِثَة لَو قضيت صَلَاة هَذِه الْأَيَّام فِي غَيرهَا فَلَا يكبر وَلَو قضيت فِيهَا كبر
وَالتَّكْبِير مقضي أَو مؤدى فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا مؤدى فَلَو قضى فِيهَا صَلَاة غير هَذِه

(2/328)


الْأَيَّام كبر عقيبها وَإِن قُلْنَا مقضية فَلَا
الرَّابِعَة إِذا كبر الإِمَام خلف صَلَاة على خلاف اعْتِقَاد الْمُقْتَدِي فقد تردد ابْن سُرَيج فِي أَنه هَل يُوَافق بِسَبَب الْقدْوَة كَمَا يُوَافق فِي الْقُنُوت من حَيْثُ إِن تَوَابِع الصَّلَاة من الصَّلَاة
وَكَيْفِيَّة هَذِه التَّكْبِيرَات أَن يَقُول الله أكبر الله أكبر الله أكبر ثَلَاثًا نسقا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة مرَّتَيْنِ
ثمَّ يَقُول بعده كَبِيرا وَالْحَمْد لله كثيرا وَسُبْحَان الله بكرَة وَأَصِيلا لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ مُخلصين لَهُ الدّين وَلَو كره الْكَافِرُونَ لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده صدق وعده وَنصر

(2/329)


عَبده وَهزمَ الْأَحْزَاب وَحده لَا إِلَه إِلَّا الله وَالله أكبر
فروع أَرْبَعَة

الأول لَو ترك تَكْبِيرَات الرَّكْعَة نَاسِيا وتذكرها بعد الْقِرَاءَة فالمنصوص جَدِيدا أَنه لَا يكبر لفَوَات وقته وَقَالَ فِي الْقَدِيم يكبر لبَقَاء الْقيام
وَمن الْأَصْحَاب من طرد القَوْل الْقَدِيم فِي تدارك دُعَاء الاستفتاح
الثَّانِي إِذا فَاتَ صَلَاة الْعِيدَيْنِ بِزَوَال الشَّمْس فَفِي قَضَائهَا أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهمَا لَا يقْضِي الثَّانِي يقْضِي وَلَكِن يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ إِن فَاتَ يَوْم الثَّلَاثِينَ

(2/330)


لِأَنَّهُ يحْتَمل هَذَا الْيَوْم الْأَدَاء الثَّالِث يقْضِي طول هَذَا الشَّهْر الرَّابِع أَنه يقْضِي أبدا
وَقد سبق نَظِيره فِي النَّوَافِل
الثَّالِث إِذا شهدُوا على الْهلَال قبل الزَّوَال أفطرنا وصلينا وَإِن أنشأوا الشَّهَادَة بعد الْغُرُوب يَوْم الثَّلَاثِينَ لم يصغ إِلَيْهِم إِذْ لَا فَائِدَة إِلَّا ترك صَلَاة الْعِيد وَإِن أنشأوا بَين الزَّوَال

(2/331)


والغروب أفطرنا وَبَان فَوَات الْعِيد
فَإِن رَأينَا قضاءها فبقية الْيَوْم أولى أَو يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْمُبَادرَة وَفِي الثَّانِي إِلَى أَن تشبه وَقت الْقَضَاء

(2/332)


بِالْأَدَاءِ وَفِيه وَجه أَنا نفطر وَلَا نحكم بِفَوَات الصَّلَاة فَإِن الْغَلَط مُمكن وَهَذَا شعار عَظِيم لَا يُمكن تفويته فَيصَلي يَوْم الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ بنية الْأَدَاء
أما إِذا شهدُوا قبل الْغُرُوب وَلَكِن عدلوا بِاللَّيْلِ فَفِي فَوَات الصَّلَاة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن النّظر إِلَى وَقت التَّعْدِيل وَقد عدل فِي غير وقته وَالثَّانِي أَن النّظر إِلَى وَقت الشَّهَادَة

(2/333)


الرَّابِع إِذا كَانَ الْعِيد يَوْم الْجُمُعَة وَحضر أهل الْقرى مِمَّن يبلغهم النداء فَالْقِيَاس أَنه لَا يجوز لَهُم الِانْصِرَاف حَتَّى يصلوا الْجُمُعَة
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الصَّحِيح الْجَوَاز وَرووا عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يرخص لأهل السوَاد فِي مثل هَذَا الْيَوْم فِي الِانْصِرَاف

(2/334)