الوسيط في المذهب

= كتاب الْوَصَايَا=

(4/399)


الْوَصِيَّة عبارَة عَن التَّبَرُّع بِجُزْء من المَال مُضَاف إِلَى مَا بعد الْمَوْت
وَقد كَانَت وَاجِبَة فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام فنسخ بِآيَة الْمَوَارِيث
وَهِي الْآن جَائِزَة فِي الثُّلُث لما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَاد سَعْدا وَهُوَ مَرِيض فَقَالَ
أوصِي بِجَمِيعِ مَالِي فَقَالَ لَا فَقَالَ بالشطر فَقَالَ لَا فَقَالَ بِالثُّلثِ فَقَالَ النَّاس وَالثلث كثير لِأَن تدع وَرثتك أَغْنِيَاء خير من أَن تَدعهُمْ عَالَة يَتَكَفَّفُونَ وُجُوه النَّاس
فَأفَاد الحَدِيث الْمَنْع مَعَ الزِّيَادَة واستحباب النُّقْصَان من الثُّلُث إِن كَانَت الْوَرَثَة فُقَرَاء
ثمَّ الأحب فِي الصَّدقَات التَّعْجِيل فِي الْحَيَاة
ثمَّ سُئِلَ عَلَيْهِ السَّلَام عَن أفضل الصَّدَقَة فَقَالَ
أَن تَتَصَدَّق وَأَنت صَحِيح

(4/401)


شحيح تَأمل الْغنى وتخشى الْفقر وَلَا تمهل حَتَّى إِذا بلغت الْحُلْقُوم قلت لفُلَان كَذَا وَلفُلَان كَذَا
فَإِن اخْتَار الْوَصِيَّة فَالْأولى الْمُبَادرَة قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حق امْرِئ مُسلم عِنْده شئ يُوصي فِيهِ أَن يبيت لَيْلَتَيْنِ إِلَّا ووصيته مَكْتُوبَة عِنْده
هَذَا تمهيد الْكتاب ومقاصده تحصرها أَبْوَاب أَرْبَعَة

(4/402)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي أَرْبَعَة
الرُّكْن الأول الْمُوصي

وَالْوَصِيَّة تصح من كل مُكَلّف حر لِأَنَّهُ تبرع فَلَا يعْتَبر فِيهِ إِلَّا مَا يعْتَبر فِي التَّبَرُّعَات فَلَا تصح من الْمَجْنُون وَالصَّغِير الذى لَا يُمَيّز
وَتَصِح من السَّفِيه الْمَحْجُور عَلَيْهِ بِسَبَب التبذير لِأَن عِبَارَته نَافِذَة فِي الطَّلَاق والأقارير
وَفِي وَصِيَّة الصَّبِي وتدبيره قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ صِحَّته لِأَنَّهُ تصرف لَا يضر بِهِ فِي الْحَال والمآل وَلها شبه بالقربات
وَالثَّانِي لَا يَصح لفساد عِبَارَته وَلذَلِك بَطل بَيْعه وَإِن وَافق الْعَطِيَّة
وَالْوَصِيَّة تمْلِيك فشبهه بالتصرفات أَكثر
وَفِي طَريقَة الْعرَاق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي المبذر أَيْضا
أما الرَّقِيق فَكيف يوصى وَلَا مَال لَهُ

(4/403)


وَلَكِن لَو أوصى ثمَّ عتق وتمول فَالْأَظْهر أَنه لَا ينفذ إِذْ لم يكن أَهلا لَهُ حَالَة العقد
وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ إِذْ كَانَت عِبَارَته صَحِيحَة وَقد تيَسّر الْوَفَاء بهَا عِنْد الْحَاجة
أما الْكَافِر فَيصح وَصيته كَالْمُسلمِ وَلَكِن لَو أوصى بِمَا هُوَ مَعْصِيّة عندنَا كبناء الْكَنَائِس البيع أَو الْخمر وَالْخِنْزِير لإِنْسَان وَرفع الْبناء رددناها عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَلَو أوصى بعمارة قُبُور أَنْبِيَائهمْ نفذناه لِأَن كل قبر يزار فعمارته إحْيَاء زيارته وَيجوز ذَلِك فِي قُبُور مَشَايِخ الْإِسْلَام أَيْضا

(4/404)


الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصى لَهُ

وَالنَّظَر فِي العَبْد وَالدَّابَّة وَالْحَرْبِيّ وَالْقَاتِل وَالْحمل وَالْوَارِث أما العَبْد
فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيحَة فَإِن كَانَ حرا حَال الْقبُول ملك وَإِن كَانَ رَقِيقا انْصَرف إِلَى سَيّده
وَفِي افتقار قبُوله إِلَى إِذن السَّيِّد خلاف كَمَا فِي اتهابه
فَإِن قُلْنَا يعْتَبر رِضَاهُ فَلَو قبله السَّيِّد بِنَفسِهِ فَفِيهِ خلاف
وَوجه الْمَنْع أَن اللَّفْظ تعلق بِالْعَبدِ فَلَا يَنْتَظِم قبُول غَيره
فرعان

أَحدهمَا أوصى لعبد وَارثه
فَإِن عتق قبل مَوته صَحَّ قبُوله وَإِن كَانَ رَقِيقا لم يَصح لِأَنَّهُ يصير ذَرِيعَة إِلَى الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث
وَإِن عتق بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول وَقُلْنَا إِنَّه يملك الْوَصِيَّة بِالْقبُولِ صَحَّ وَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ فَلَا
وَكَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث قد بَاعه من أَجْنَبِي بعد الْمَوْت وَقبل الْقبُول يخرج عَلَيْهِ
هَذَا مَا يظْهر لي فِي الْقيَاس

(4/405)


وَأطلق الْأَصْحَاب القَوْل بِأَن الْوَصِيَّة لعبد الْوَارِث بَاطِلَة من غير هَذَا التَّفْصِيل لِأَن وَصِيَّة لوَارث
الثَّانِي إِذا أوصى لأم وَلَده جَازَ لِأَنَّهَا حرَّة بعد مَوته
وَكَذَا إِن أوصى لمدبره إِن عتق من الثُّلُث وَإِلَّا فَهُوَ وَصِيَّة لعبد الْوَارِث فَلَا يَصح
وَإِن أوصى لمكاتبة صَحَّ إِذْ يتَصَوَّر مِنْهُ الِاسْتِقْلَال بِالْملكِ وَكَذَا الْوَصِيَّة لمكاتب الْوَارِث إِلَّا إِذا رق الْمكَاتب فترجع الْوَصِيَّة إِلَى الْوَارِث فَيبْطل أما الدَّابَّة
فَإِذا أوصى لَهَا ثمَّ فسر بِإِرَادَة التَّمْلِيك فَهِيَ بَاطِلَة
وَكَذَا إِن أطلق لِأَن الْإِطْلَاق يَقْتَضِي التَّمْلِيك وَلَا يتَصَوَّر ذَلِك للدابة بِخِلَاف العَبْد فَإِنَّهُ أهل لأسباب الْملك وَإِن لم يسْتَقرّ عَلَيْهِ الْملك وَإِن قَالَ أردْت صرفه فِي عَلفهَا فَصَحِيح وَهل يفْتَقر إِلَى قبُول الْمَالِك فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يفْتَقر وَهُوَ اخْتِيَار أبي زيد الْمروزِي وَكَأَنَّهَا وَصِيَّة للدابة وَلكُل كبد حرى أجر

(4/406)


وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص لَا بُد من الْقبُول إِذْ يبعد أَن يُوقف على عبيد الْإِنْسَان ودوابه دون رِضَاهُ
فَإِن قُلْنَا لَا بُد من الْقبُول فَإِذا قبل فَهَل يسلم إِلَيْهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن على الْمَالِك صرفه إِلَى الدَّابَّة وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال وَكَأَنَّهُ جعل الدَّابَّة كَالْعَبْدِ
وَالثَّانِي أَنه يتَعَيَّن على الْوَصِيّ صرفه إِلَى دَابَّته فَإِن لم يكن وَصِيّ فَالْقَاضِي يصرف أَو يُكَلف الْمَالِك بعد قبُوله ذَلِك
فرعان

أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ خُذ هَذَا الثَّوْب وكفن فِيهِ مورثك
قَالَ الْقفال للْوَارِث إِبْدَاله تَفْرِيعا على أَن الْكَفَن للْمَالِك وَالْإِضَافَة إِلَى الْمُورث تمْلِيك لَهُ وَهَذَا أبعد مِمَّا ذكره فِي الدَّابَّة وَذَلِكَ أَيْضا بعيد بل الصَّحِيح هَاهُنَا أَن هَذِه عَارِية فِي حق الْمَيِّت
الثَّانِي لَو قَالَ وقفت على الْمَسْجِد أَو أوصيت لِلْمَسْجِدِ وَقَالَ أردْت

(4/407)


تمْلِيك الْمَسْجِد فَبَاطِل
وَإِن قَالَ أردْت صرفه إِلَى مصْلحَته فَصَحِيح
وَإِن أطلق قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هُوَ بَاطِل لِأَن الْمَسْجِد لَا يملك كالبهيمة وَهَذَا فِي الْمَسْجِد بعيد لِأَن الْعرف ينزل الْمُطلق على صرف الْمَنَافِع إِلَى مصْلحَته أما الْحَرْبِيّ
فَتَصِح الْوَصِيَّة لَهُ كَمَا يَصح البيع مِنْهُ وَالْهِبَة
وَكَذَا الْمُرْتَد وَالذِّمِّيّ
وَنقل صَاحب التَّلْخِيص عَن نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بطلَان الْوَصِيَّة للحربي وَعلل بِانْقِطَاع الْمُوَالَاة وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَا معنى لشرط الْمُوَالَاة فِي الْوَصِيَّة وَإِن روعيت فِي الْإِرْث
وَلَو أوصى الْمُسلم أَو الذِّمِّيّ لسلاح أهل الْحَرْب أَو الْبيعَة أَو للكنيسة فَهُوَ فَاسد لِأَنَّهَا مَعْصِيّة بِخِلَاف الْوَصِيَّة لحربي معِين فَإِن الْهِبَة مِنْهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَة أما الْقَاتِل
فَفِي الْوَصِيَّة لَهُ ثَلَاثَة أَقْوَال

(4/408)


أَحدهَا الْمَنْع قِيَاسا على الْإِرْث فَإِنَّهُ لما عصى بالتوصل إِلَى السَّبَب عُوقِبَ بنقيض قَصده وَقطع عَنهُ ثَمَرَته وَالْوَصِيَّة أَيْضا ثَمَرَة الْمَوْت
وَالثَّانِي الصِّحَّة لَان السَّبَب هُوَ التَّمْلِيك دون الْمَوْت وَهُوَ اخْتِيَار من جِهَته فَأشبه الْمُسْتَوْلدَة إِذا قتلت سَيِّدهَا ومستحق الدّين إِذا قتل من عَلَيْهِ الدّين فَإِنَّهَا تعْتق إِذْ عتقهَا بِاخْتِيَار الِاسْتِيلَاد
وَالثَّالِث أَنه إِن أوصى أَولا ثمَّ قتل انْقَطَعت الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ استعجال وَإِن خرج ثمَّ أوصى لَهُ جَازَ
أما الْمُدبر إِذا قتل سَيّده
فَإِن قُلْنَا التَّدْبِير وَصِيَّة فَيخرج على الْأَقْوَال
وَإِن قُلْنَا إِنَّه تَعْلِيق عتق نصفه فتشبيهه بالمستولدة أولى
فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل بَاطِل فَهَل تنفذ بِإِجَازَة الْوَرَثَة فِيهِ خلاف كَمَا فِي إجَازَة الْوَصِيَّة للْوَرَثَة
وَلَو أوصى لعبد الْقَاتِل كَانَ كَمَا لَو أوصى لعبد الْوَارِث
وَلَو أوصى لعبد وَهُوَ قَاتل صَحَّ لِأَن مصب الْملك غَيره أما الْحمل
فَالْوَصِيَّة لَهُ صَحِيح بِشَرْطَيْنِ

(4/409)


أَحدهمَا أَن ينْفَصل حَيا فَلَو انْفَصل مَيتا وَلَو بِجِنَايَة جَان فَلَا يسْتَحق إِذْ كُنَّا نُعْطِيه حكم الْأَحْيَاء لتوقع مصيره إِلَى الْحَيَاة
الثَّانِي أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة وَذَلِكَ بِأَن ينْفَصل لأَقل من سِتَّة أشهر من وَقت الْوَصِيَّة
فَإِن انْفَصل لأكْثر من أَربع سِنِين فَلم يسْتَحق
وَإِن كَانَ لما بَينهمَا نظر إِن كَانَ للْمَرْأَة زوج يَغْشَاهَا لم يسْتَحق لِأَن الطريان ظَاهر
وَإِن لم يكن زوج فَوَجْهَانِ
وَوجه الِاسْتِحْقَاق أَن تَقْدِير الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ بعيد وَالزِّنَا فَلَا نقدره تحسنا للظن بِالْمُسلمِ
أما إِذا صرح بِالْوَصِيَّةِ بِحمْل سَيكون فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ لَا مُتَعَلق للاستحقاق فِي الْحَال وَبِه قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِخِلَاف الْوَصِيَّة بِحمْل سَيكون

(4/410)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يجوز كَالْوَصِيَّةِ بِالْحملِ المنتظر
ويتأيد بِجَوَاز الْوَقْف على ولد الْوَلَد أما الْوَارِث
فَالْوَصِيَّة لَهُ بَاطِلَة لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا وَصِيَّة لوَارث
ونعني بِهِ إِذا رده بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِن أَجَازُوا وَقُلْنَا إجَازَة الْوَرَثَة تَنْفِيذ لَا ابْتِدَاء عَطِيَّة فَفِي صِحَة هَذِه الْوَصِيَّة بِالْإِجَازَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّة للْقَاتِل قَولَانِ
أَحدهمَا لَا للنَّهْي الْمُطلق وَالثَّانِي ينفذ وَالنَّهْي منزل على خلاف مُرَاد الْوَرَثَة

(4/411)


وروى ابْن عَبَّاس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
لَا تجوز لوَارث وَصِيَّة إِلَّا أَن يَشَاء الْوَرَثَة
فروع سِتَّة
الأول إِذا أوصى لكل وَاحِد بِمِقْدَار حِصَّته فَهُوَ لَغْو لَا فَائِدَة لَا
فَأَما إِذا خصصه بِعَين على مِقْدَار حِصَّته فَفِي الْحَاجة إِلَى الْإِجَازَة وَجْهَان
أَحدهمَا لَا إِذْ لَا وَصِيَّة بِزِيَادَة مَال
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يحْتَاج لِأَن فِي أَعْيَان الْأَمْوَال أغراضا
وَكَذَلِكَ لَو أوصى بِأَن تبَاع دَاره من إِنْسَان تنفذ عندنَا وَصيته خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
الثَّانِي إِذا وقف على كل وَاحِد قدر حِصَّته
فَإِن قُلْنَا الْوَصِيَّة للْوَارِث أصلا بَاطِل وَلَا يتأثر بِالْإِجَازَةِ فَأصل الْوَقْف بَاطِل
وَإِن قُلْنَا ينفذ بِالْإِجَازَةِ فَلهُ أَن يرد بِقدر الزَّائِد على الثُّلُث وَلَيْسَ لَهُ إبِْطَال الثُّلُث فَإِنَّهُ لم يخصص بعض الْوَرَثَة بِهِ
وَمن وقف عَلَيْهِ لَا يُمكنهُ أَن يرد نصيب نَفسه فَيَقُول خصصني فَإِن التَّخْصِيص يَسْتَدْعِي تعددا

(4/412)


وَيظْهر فهم هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فليقس عَلَيْهِ الْعدَد أَيْضا
الثَّالِث إِذا أوصى بِالثُّلثِ لأَجْنَبِيّ ووارث فَرد مَا للْوَارِث فللأجنبي سدس المَال لِأَنَّهُ أوصى لَهما على صِيغَة التَّشْرِيك
بِخِلَاف مَا إِذا أوصى للْوَارِث بِالثُّلثِ ثمَّ أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ فَإِنَّهُ إِن رد مَا للْوَارِث سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ فِي الصُّورَتَيْنِ
الرَّابِع أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ وَلكُل وَاحِد من ابنيه بِالثُّلثِ فَرد مَا لِابْنِهِ
سلم الثُّلُث للْأَجْنَبِيّ إِذْ لَا مدْخل لإجازة الْوَرَثَة فِي قدر الثُّلُث
وَعَن الْقفال وَجه أَنه يسلم للْأَجْنَبِيّ ثلث الثُّلُث لِأَن ثلثه شَائِع فِي الأثلاث وَهُوَ مزيف
الْخَامِس لَو أوصى للْأَجْنَبِيّ بِالثُّلثِ ولبعض الْوَرَثَة بِالْكُلِّ وأجبزت الْوَصَايَا فللأجنبي الثُّلُث كَامِلا لَا يزاحمه الْوَارِث وَالثُّلُثَانِ للْوَارِث الْمُوصى بِهِ هَكَذَا حُكيَ عَن ابْن سُرَيج
وَلَا يبعد أَن يُقَال إِن الْوَارِث يزاحم فِي الثُّلُث بِكَوْنِهِ موصى لَهُ لَا بِكَوْنِهِ

(4/413)


وَارِثا كَمَا لَو أوصى لأَجْنَبِيّ بِالْكُلِّ ولأجنبي آخر بِالثُّلثِ إِذْ لَا يسلم الثُّلُث لصَاحب الثُّلُث بل يزاحمه فِيهِ
السَّادِس أوصى لأَجْنَبِيّ بِالنِّصْفِ ولأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز الْكل
سُئِلَ الْقفال عَنهُ ببخارى فَأجَاب بِأَن الْأَجْنَبِيّ يفوز بِالنِّصْفِ وَالِابْن بِالنِّصْفِ فَنقل لَهُ عَن ابْن سُرَيج أَن للْأَجْنَبِيّ النّصْف وللابن الْمُوصى لَهُ ربعا وسدسا يبْقى نصف سدس للِابْن الذى لَيْسَ بموصى لَهُ قَالَ الْقفال فتأملت حَتَّى خرجت وَجهه بِالْبِنَاءِ على الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَة وَهِي أَنه لَو أوصى لأحد ابنيه بِالنِّصْفِ وأجيز شاطر فِي النّصْف الثَّانِي لِأَنَّهُ التَّرِكَة
وَلَو أوصى لَهُ بالثلثين فَهَل يشاطر فِي الثُّلُث الْبَاقِي وَجْهَان
أَحدهمَا نعم كالصورة الأولى لِأَن مَا أَخذ بِالْوَصِيَّةِ كَأَنَّهُ لم يكن والتركة هُوَ الْبَاقِي فَكَانَ كَمَا لَو أوصى بالثلثين لأَجْنَبِيّ وأجيز
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْمَفْهُوم من الْوَصِيَّة لَهُ بالثلثين التَّخْصِيص لَهُ بالسدس الزَّائِد على النّصْف الذى هُوَ قدر حَقه فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تنازعوه فِي ثُلثي الدَّار ليَكُون لَهُ النّصْف بِالْإِرْثِ وَالْبَاقِي بِالْوَصِيَّةِ
فعلى هَذَا يَسْتَقِيم مَذْهَب ابْن سُرَيج فَإِن الْأَجْنَبِيّ الْمُوصى لَهُ بِالنِّصْفِ سلم لَهُ الثُّلُث من رَأس المَال من غير حَاجَة إِلَى إجَازَة
بَقِي الثُّلُثَانِ التوريث يَقْتَضِي للِابْن الْمُوصى لَهُ الثُّلُث وَقد أوصى لَهُ بِالنِّصْفِ

(4/414)


فخصص بمزيد فَانْقَطع حَقه عَن السُّدس الْبَاقِي وَبَقِي السُّدس خَالِصا للِابْن الذى لم يوص لَهُ
إِلَّا أَن الْأَجْنَبِيّ بعد يطْلب سدسا وَقد أجازاه فَيكون نصيب الابْن الذى لم يوص لَهُ فِي ذَلِك إجَازَة نصف السُّدس فَيَأْخُذ مِنْهُ نصف سدسه من هَذَا السُّدس وَيبقى لَهُ نصف سدس وَيَأْخُذ النّصْف الآخر من نصيب الابْن الْمُوصى لَهُ فيكمل لَهُ النّصْف وَينْقص نصيب الْمُوصى لَهُ بِنصْف سدس
وَإِن فرعنا على أَنه يشاطر الْمُوصى لَهُ فِي الْبَاقِي فالباقي سدس مُشْتَرك بَين الِابْنَيْنِ وَقد أجازاه للْأَجْنَبِيّ فَيصح مِنْهُ جَوَاب الْقفال

(4/415)


الرُّكْن الثَّالِث فِي الْمُوصى بِهِ

وَلَا يشْتَرط فِيهِ أَن يكون مَالا فَيصح الْوَصِيَّة بالزبل وَالْكَلب وَالْخمر الْمُحرمَة
وَلَا كَونه مَعْلُوما فَيصح الْوَصِيَّة بِالْمَجْهُولِ
وَلَا كَونه مَقْدُورًا على تَسْلِيمه فَيصح الْوَصِيَّة بالآبق وَالْمَغْصُوب وَالْحمل وَهُوَ مَجْهُول وَغير مَقْدُور عَلَيْهِ
وَلَا كَونه معينا فَتَصِح الْوَصِيَّة بِأحد الْعَبْدَيْنِ وَالْأَظْهَر أَنه لَا يَصح الْوَصِيَّة لأحد الشخصين فَلَا يحْتَمل ذَلِك فِي الْمُوصى لَهُ وَإِن احْتمل فِي الْمُوصى بِهِ وَقد ذَكرْنَاهُ نَظِيره فِي الْوَقْف
نعم يشْتَرط أَرْبَعَة أُمُور
الأول أَن يكون مَوْجُودا فَإِن كَانَ مفقودا كالمنافع جَازَت الْوَصِيَّة لِأَنَّهَا كالموجود شرعا فِي الْمُعَاوضَة
وَفِي الْوَصِيَّة بِالْحملِ الذى سيوجد وَجْهَان مشهوران
أَحدهمَا الْمَنْع إِذْ لَا مُتَعَلق للْوَصِيَّة فَكَانَ كَالْوَصِيَّةِ للْحَمْل الذى سَيكون فَإِنَّهُ مَمْنُوع على الْأَظْهر
وَالثَّانِي الْجَوَاز كَمَا فِي الْمَنَافِع
وَفِي الثِّمَار الذى ستحدث طَرِيقَانِ

(4/416)


مِنْهُم من ألحق بالمنافع لتكرر وجودهَا فِي الْعَادة
وَمِنْهُم من ألحقها بِالْحملِ الثَّانِي أَن يكون مَخْصُوصًا بالموصي
فَلَو أوصى بِمَال الْغَيْر فسد وَإِن ملكه بعد ذَلِك لبُطْلَان الْإِضَافَة فِي الْحَال الثَّالِث أَن يكون مُنْتَفعا بِهِ
فَلَا تجوز الْوَصِيَّة بالكلب الذى لَا ينْتَفع بِهِ وَلَا بِالْخمرِ الْمُسْتَحقَّة الإراقة الَّتِى اتَّخذت للخمرية
وَتَصِح الْوَصِيَّة بالجرو إِذْ مصيره إِلَى الِانْتِفَاع
وَفِي هبة الْكَلْب وَجْهَان
أَحدهمَا الْجَوَاز كَالْوَصِيَّةِ وَكَأن الْمحرم أَخذ ثمنه لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْكَلْب خَبِيث وخبيث ثمنه

(4/417)


وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن الْوَصِيَّة فِي حكم خِلَافه يضاهى الْإِرْث بِخِلَاف الْهِبَة
نعم يجرى الْإِرْث فِي حد الْقَذْف وَالْقصاص دون الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لَا ينْتَفع الْمُوصى لَهُ بِهِ
فروع

الأول من لَا كلب لَهُ إِذا أوصى بكلب لَا يَصح لأَنا نحتاج إِلَى شِرَائِهِ وَهُوَ غير مُمكن
وَإِن كَانَ لَهُ كلاب فَفِي كَيْفيَّة خُرُوجه من الثُّلُث خلاف
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِن ملك شَيْئا آخر وَلَو دانقا يَصح الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ خير من كل الْكلاب إِذْ لَا قيمَة للكلب
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا ينفذ إِلَّا فِي ثلث الْكلاب وَكَأَنَّهُ كل مَاله إِذْ لَا يُمكن نسبته

(4/418)


إِلَى سَائِر الْأَمْوَال
ثمَّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا كلاب وَأوصى بالكلب فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه ينظر إِلَى الْعدَد فَإِن ملك ثَلَاثَة كلاب نفذت وَصيته بِوَاحِدَة
وَمِنْهُم من قدر قيمَة الْكَلْب
وَمِنْه من قدر الثُّلُث بِتَقْدِير الْمَنْفَعَة فَإِنَّهُ منتفع بِهِ
وَإِذا كَانَ لَهُ خمر وكلب وطبل لَهو فأوصى بِوَاحِد فَلَا يُمكن إِلَّا تَقْدِير الْقيمَة إِذْ لَا مُنَاسبَة فِي الْعدَد وَالْمَنْفَعَة
الثَّانِي إِذا أوصى بطبل لَهو وَكَانَ يصلح للحرب بِأَدْنَى تَغْيِير مَعَ بَقَاء اسْم الطبل صحت الْوَصِيَّة

(4/419)


وَلَو كَانَ لَا ينْتَفع بِهِ إِلَّا برضاضه لَا يَصح لِأَنَّهُ لَا يقْصد مِنْهُ الرضاض إِلَّا إِذا كَانَ من ذهب أَو عود أَو شئ نَفِيس فَيصح لِأَنَّهُ الْمَقْصُود
وَلَو قَالَ أوصيت برضاض هَذَا الطبل صَحَّ وَتَقْدِيره أَنه لَهُ بعد الْكسر
وَالْوَصِيَّة تقبل التَّعْلِيق بِخِلَاف البيع
الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يكون الْمُوصى بِهِ زَائِدا على الثُّلُث لقصة سعد

فَإِن زَاد على الثُّلُث وَلم يكن لَهُ وَارِث فَالْوَصِيَّة بِالزِّيَادَةِ بَاطِلَة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الزِّيَادَة للْمُسلمين وَلَا مجيز لَهُ
نعم لَو رأى القَاضِي مصلحَة فِي تِلْكَ الْجِهَة جَازَ لَهُ تقريرها فِيهَا
وَإِن كَانَ لَهُ وَارِث فَفِي بطلَان الْوَصِيَّة من أَصْلهَا قَولَانِ كَمَا فِي أصل الْوَصِيَّة للْوَارِث
فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بَاطِلَة فالإجازة إِن فرضت فَهِيَ ابْتِدَاء عَطِيَّة تفْتَقر إِلَى الْقَبْض وَالْقَبُول
وَهل ينفذ بِلَفْظ الْإِجَازَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ يَنْبَنِي على تَقْرِير مَا سبق وَلَا ثبات لما سبق
وَالثَّانِي أَنه يَصح وَمَعْنَاهُ تَقْرِير مَقْصُود مَا سبق بِإِثْبَات مثله
وعَلى هَذَا إِذا كَانَ الْوَصِيَّة عتقا كَانَ الْوَلَاء للْوَارِث

(4/420)


وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا صَحِيحَة فالإجازة يتَقَيَّد وَالْوَلَاء للمورث
وكل تبرع منجز فِي مرض الْمَوْت فَهُوَ أَيْضا مَحْسُوب من الثُّلُث
وَكَذَا إِذا وهب فِي الصِّحَّة وَلَكِن أَقبض فِي الْمَرَض
وَهَذَا يَسْتَدْعِي بَيَان ثَلَاثَة أُمُور الأول مرض الْمَوْت
وَهُوَ كل مرض مخوف يستعد الْإِنْسَان بِسَبَبِهِ لما بعد الْمَوْت كالطاعون والقولنج وَذَات الْجنب والرعاف الدَّائِم والإسهال الْمُتَوَاتر وَقيام الدَّم والسل فِي انتهائه والفالج الْحَادِث فِي ابْتِدَائه والحمى المطبقة لِأَن هَذِه الْأَمْرَاض يظْهر مَعهَا خوف الْمَوْت
أما السل فِي ابْتِدَائه والفالج فِي انتهائه والجرب ووجع الضرس والصداع الْيَسِير وَحمى يَوْم ويومين فَكل ذَلِك لَيْسَ بمخوف
فَإِذا هجم الْمَرَض الْمخوف حجرنا عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف فِيمَا يزِيد على الثُّلُث وتوقفنا فِي تبرعاته
فَإِن زَالَ نفذناه وتبينا صِحَّته

(4/421)


وَإِن كَانَ غير مخوف كوجع الضرس وَآخر الفالج فالتصرف نَافِذ
وَإِن مَاتَ عِنْد ذَلِك فَجْأَة أَو بسب آخر لَا بذلك السَّبَب فَلَا يمْتَنع بِهِ التَّبَرُّعَات المنجزة
فَأَما حمى يَوْم ويومين وإسهال يَوْم ويومين فَهُوَ إِذا دَامَ صَار مخوفا وابتداؤه مُشكل فَلَا يحْجر عَلَيْهِ فَإِن دَامَ وَمَات تَبينا فَسَاد التَّصَرُّف إِذْ بَان أَن الأول كَانَ مخوفا
وَمَا أشكل من ذَلِك يتعرف من طبيبين مُسلمين لَا من أهل الذِّمَّة
فَأَما إِذا كَانَ فِي الصَّفّ وَقد التحم الْفَرِيقَانِ أَو كَانَ فِي الْبَحْر وَقد تموج أَو فِي أسر كفار عَادَتهم قتل الْأُسَارَى أَو قدم للْقَتْل فِي قطع الطَّرِيق أَو الرَّجْم للزِّنَا أَو ظهر الطَّاعُون فِي بلد وَلَكِن بعد لم يظْهر فِي بدنه شئ فَفِي تبرعه فِي هَذِه الْأَحْوَال قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه كَالْمَرِيضِ الْمخوف لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر فِي الاستعداد لما بعد الْمَوْت
وَالثَّانِي أَنه كَالصَّحِيحِ إِذْ لَا يمس بدنه شئ وَلَا ضبط لما قبل تغير الْبدن للأسباب
أما إِذا قدم للْقصَاص فالمنصوص أَنه لَا تعْتَبر عطيته من الثُّلُث مَا لم يخرج

(4/422)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي هُوَ كالأسير وَقع فِي يَد قوم عَادَتهم الْقَتْل
وَفهم من فرق بِأَن الْمُسلم الْغَالِب عَلَيْهِ الرَّحْمَة وَالْعَفو فِي الْقصاص
وَأما الْحَامِل فَلَيْسَ بمخوف قبل أَن يضْربهَا الطلق فَإِن ضربهَا الطلق فَهُوَ مخوف
وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن السَّلامَة مِنْهُ أَكثر الْأَمر الثَّانِي حد التَّبَرُّع
وَهُوَ إِزَالَة الْملك عَن مَال مجَّانا من غير وجوب
فالعتق وَالصَّدقَات تبرع
وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَة الْوَاجِبَة وَالْحج الْوَاجِب لَيْسَ بتبرع فَمَا أوصى بِهِ لَهَا فَهُوَ من رَأس المَال
وَكَذَا قَضَاء الدُّيُون لِأَن ذَلِك يسْتَند إِلَى وجوب
فرعان

أَحدهمَا إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل نفذ وَإِن كَانَ من الْوَارِث

(4/423)


وَكَذَلِكَ إِذا قضى دين بعض الْغُرَمَاء لم يكن للْبَاقِي الْمَنْع
وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِيهِ وَفِي البيع من الْوَارِث
أما إِذا كَانَ فِي البيع مُحَابَاة فَقدر الْمُحَابَاة حكمه حكم التَّبَرُّعَات
وَكَذَلِكَ إِذا نكح امْرَأَة بِأَكْثَرَ من مهر الْمثل فَالزِّيَادَة تبرع مَحْسُوب من الثُّلُث
الثَّانِي إِذا نكحت الْمَرْأَة بِأَقَلّ من مهر الْمثل لم يحْسب من الثُّلُث لِأَنَّهَا لم تنزل إِلَّا عَن الْبضْع والبضع لَيْسَ بِمَال لَو أجر عبيده ودوابه مَعَ الْمُحَابَاة فَهُوَ تبرع لِأَنَّهُ مَال
وَلَو أجر نَفسه وحابى فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه تبرع كمنافع العبيد فَإِن منفعَته مَال
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يعد مَالا يطْمع فِيهِ الْوَارِث فَيُشبه بضع الْمَرْأَة من هَذَا الْوَجْه وَكَانَ ذَلِك يعد امتناعا عَن الِاكْتِسَاب لَا تفويتا الْأَمر الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الاحتساب من الثُّلُث
وَوَجهه أَنه إِن كَانَت التَّبَرُّعَات كلهَا منجزة فِي الْمَرَض فَيقدم الأول فَالْأول
فَإِن كَانَ الأول هبة وَالثَّانِي عتقا قدمت الْهِبَة لِأَنَّهُ استوفى الثُّلُث بهَا فَسقط الْعتْق بعده

(4/424)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إنَّهُمَا يتساويان إِذْ لهَذَا قُوَّة الْعتْق ولذاك قُوَّة التَّقَدُّم
أما إِذا كَانَت مُتَسَاوِيَة فَإِن كَانَ الْكل هبة ومحاباة فتوزع عَلَيْهِم الثُّلُث على نِسْبَة أقدارها
وَإِن كَانَ الْكل عتقا أَقرع بَين العبيد وَلم يوزع حذارا من التشقيص بِخِلَاف الْهِبَة وَلما رُوِيَ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقرع بَين سِتَّة أعبد أعنقهم مَرِيض وجزاهم ثَلَاثَة أَجزَاء فأرق أَرْبعا وَأعْتق اثْنَيْنِ
وَإِن اجْتمع الْهِبَة وَالْعِتْق فِي حَالَة وَاحِدَة بقول وَكيل أَو بِإِضَافَة الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَفِي تَقْدِيم الْعتْق قَولَانِ
أَحدهمَا لَا للتساوي فِي وَقت الِاسْتِحْقَاق

(4/425)


وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعتْق يزحم ملك الْغَيْر بِالسّرَايَةِ
وَفِي إِلْحَاق الْكِتَابَة بِالْعِتْقِ فِي اسْتِحْقَاق تَقْدِيمهَا على الْمُحَابَاة خلاف
أما إِذا أضيف الْكل إِلَى مَا بعد الْمَوْت فَلَا ينظر إِلَى مَا تقدم فِي بعض الْوَصَايَا لِأَن وَقت اللُّزُوم وَاحِد فِي الْكل وَإِنَّمَا يبْقى النّظر فِي تَقْدِيم الْعتْق على غَيره
وَلَو أوصى بِعِتْق عبد وعلق عتق آخر على الْمَوْت فَلَا تَقْدِيم لأَحَدهمَا بِحَال
فروع

الأول إِذا كَانَ لَهُ عَبْدَانِ غَانِم وَسَالم فَقَالَ لغانم إِن أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما وَالثلث لَا يَفِي إِلَّا بِأَحَدِهِمَا يعْتق غَانِم وَلَا يقرع بَينهمَا إِذْ رُبمَا تخرج الْقرعَة على سَالم فَيُؤَدِّي إِلَى أَن يعْتق دون عتق عانم وَيكون ذَلِك تحصيلا للمسبب دون السَّبَب وَهُوَ محَال
أما إِذا كَانَ لَهُ سوى غَانِم عَبْدَانِ فعلق عتقهما بِعِتْق غَانِم ووفى الثُّلُث بغانم وبأحدهما عتق غَانِم وأقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته عتق
الثَّانِي إِذا ملك جَارِيَة حَامِلا ومجموع مَاله ثلثمِائة وَالْولد من الْجُمْلَة مائَة وَالأُم خَمْسُونَ
فَقَالَ إِن أعتقت نصف الْحمل فالأم حرَّة ثمَّ أعتق نصف الْحمل عتق

(4/426)


خَمْسُونَ وَبَقِي لنا خَمْسُونَ إِلَى تَمام الثُّلُث مردد بَين النّصْف الآخر من الْوَلَد بِالسّرَايَةِ أَو الْأُم بِالتَّعْلِيقِ فيقرع بَينهمَا فَإِن خرجت على الْوَلَد عتق كُله ورق الْأُم
وَإِن خرج على الْأُم لَا يُمكن إِعْتَاق كلهَا إِذا يبْقى بعض الْوَلَد رَقِيقا مَعَ عتق كل الْأُم وَالْولد فِي حكم عُضْو من أعضائها لَا يقبل عتقه الِانْفِصَال عَن عتقهَا فَيعتق بِقدر خمسين مِنْهَا على نِسْبَة وَاحِدَة وَيحكم بِعِتْق نصف الْأُم وَهُوَ خمس وَعِشْرُونَ ليقتضي ذَلِك عتق نصف الْوَلَد وَهُوَ خَمْسُونَ
وَلَكِن يخص النّصْف الْحر مِنْهُ النّصْف فَيبقى لِلنِّصْفِ الرَّقِيق النّصْف وَهُوَ قدر خمس وَعشْرين فَيعتق إِذا من الْأُم نصفهَا وَمن الْوَلَد ثَلَاثَة أَرْبَاعه نصف بِالْمُبَاشرَةِ وَربع بسراية عتق الْأُم
الثَّالِث إِذا أوصى بِعَبْد لإِنْسَان وَهُوَ ثلث مَاله وَثلثا مَاله غَائِب فَلَا نسلم العَبْد إِذْ المَال رُبمَا يتْلف فَيكون العَبْد كل المَال
وَهل يسلم ثلث العَبْد ليتسلط عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ أقل أَحْوَاله

(4/427)


وَالثَّانِي لَا فَإِن حق الشَّرْع أَن لَا يتسلط الْمُوصى لَهُ على شئ إِلَّا ويتسلط الْوَارِث على مثلَيْهِ وَهَاهُنَا لَيْسَ يُمكن تسليط الْوَارِث على الثُّلثَيْنِ من العَبْد فَإِنَّهُ رُبمَا يسلم للْمُوصى لَهُ
فَإِن استبهم خبر المَال الْغَائِب وتواطئا على إِشَاعَة الْوَصِيَّة فِي جَمِيع المَال حَتَّى يصير العَبْد مثلثا بَينهم لم يكن لَهما ذَلِك لِأَنَّهُ نقل الْوَصِيَّة من عين إِلَى غَيره
وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك للْمصْلحَة
وَلَو أعتق عبدا وَهُوَ ثلث مَاله أَو دبره وَثلثا مَاله غَائِب فَفِي تَنْفِيذ الْعتْق فِي ثلث العَبْد الْخلاف الذى ذَكرْنَاهُ بِعَيْنِه فِي الْوَصِيَّة

(4/428)


الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة

وَهُوَ الْإِيجَاب وَالْقَبُول
أما الْإِيجَاب فَقَوله أوصيت لَهُ أَو أَعْطوهُ أَو جعلت هَذَا لَهُ أَو ملكته بعد الْمَوْت
وَلَو قَالَ عينت هَذَا لَهُ فكناية وَالْوَصِيَّة تَنْعَقِد بهَا عِنْد النِّيَّة فَإِنَّهُ إِذا قبل التَّعْلِيق بالإغرار فبأن يقبل الْكِنَايَة أولى
وَلَو قَالَ وهبت هَذَا مِنْهُ وَنوى الْوَصِيَّة فَفِي كَونه كِنَايَة وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَنه صَرِيح فِي اقْتِضَاء ملك ناجز
وَلَو قَالَ هَذَا لفُلَان ثمَّ قَالَ أردْت الْوَصِيَّة لم يقبل لِأَنَّهُ صِيغَة إِقْرَار إِلَّا أَن يَقُول هَذَا من مَالِي لفُلَان
أما الْقبُول فَلَا بُد مِنْهُ وَلَكِن بعد الْمَوْت فَلَا أثر لقبوله ورده قبل موت الْمُوصى
وَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول قَامَ وَارثه مقَامه لِأَنَّهُ حق التَّمَلُّك فَهُوَ بِالْإِرْثِ أولى من الشُّفْعَة
وَإِن قبل الْمُوصى لَهُ ثمَّ رده قبل الْقَبْض فَفِي نُفُوذ رده وَجْهَان
أَحدهمَا لَا إِذْ تمّ ملكه بِالْقبُولِ بعد الْمَوْت

(4/429)


وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ ملك بِغَيْر عوض فيتطرق الرَّد إِلَيْهِ
هَذَا إِذا أوصى لمعينين أما إِذا أوصى للْفُقَرَاء أَو لجِهَة عَامَّة لزم بِالْمَوْتِ إِذْ لَا يتَصَوَّر شَرط الْقبُول فِيهِ
ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي وَقت حُصُول الْملك على ثَلَاثَة أَقْوَال
الأول أَنه يحصل بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ أضَاف إِلَى الْمَوْت
وَالثَّانِي بِالْقبُولِ إِذْ يبعد أَن يدْخل الشئ فِي ملكه قهرا
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه مَوْقُوف فَإِن قبل تبين حُصُوله بِالْمَوْتِ وَإِن رد تبين أَنه لم يحصل من أَصله
فَإِن فرعنا على أَنه يحصل بِالْقبُولِ فَهُوَ قبل الْقبُول ملك الْوَارِث أَو ملك الْمَيِّت فِيهِ وَجْهَان
ومنشأ التَّرَدُّد أَن فِي إِضَافَته إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا نوع اسْتِحَالَة إِذْ لَا ملك لمَيت وَلَا مِيرَاث إِلَّا بعد الْوَصِيَّة

(4/430)


وَيتَفَرَّع على الْأَقْوَال مسَائِل خَمْسَة

الأولى إِذا حدثت زِيَادَة قبل الْقبُول فَهِيَ للْمُوصى لَهُ على كل قَول إِن قبل الْوَصِيَّة إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك يحصل بِالْقبُولِ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَهُ نظرا إِلَى الْقَرار
وَالثَّانِي لَا إِذْ حدث قبل قبُوله وَملكه
وعَلى هَذَا إِن قُلْنَا إِن الْملك للْمَيت فتقضى مِنْهُ الدُّيُون وَإِن قُلْنَا للْوَارِث فَلَا إِذْ الصَّحِيح أَن وَثِيقَة الدّين لَا يتَعَدَّى إِلَى الزِّيَادَة كوثيقة الرَّهْن
أما إِذا رد فَالزِّيَادَة من التَّرِكَة بِكُل حَال إِلَّا إِذا فرعنا على أَن الْملك يحصل بِالْمَوْتِ فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتبع الأَصْل فِي الرَّد
وَالثَّانِي أَنه يبْقى على ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ حصل على ملكه فَهُوَ كزيادة الْمَبِيع
الثَّانِيَة النَّفَقَة والمؤن وَزَكَاة الْفطر بَين الْمَوْت وَالْقَبُول على الْمُوصى لَهُ إِن قبل عل كل قَول وعَلى الْوَارِث إِن رد على كل قَول
وَلَا يعود الْوَجْه الْمَذْكُور فِي الزِّيَادَات وَإِن كَانَ يحْتَمل أَن يُقَال الْغرم فِي مُقَابلَة الْغنم وَلَكِن إِدْخَال شئ فِي الْملك قهرا أَهْون من إِلْزَام مُؤنَة قهرا
فرع

مهما توقف فِي الْقبُول وَالرَّدّ مَعَ الْحَاجة إِلَى النَّفَقَة كلف النَّفَقَة قهرا فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليرد

(4/431)


وَإِن لم يكن إِلَى النَّفَقَة حَاجَة وَلَكِن أَرَادَ الْوَارِث أَن يسْتَقرّ الْأَمر مَعَه فَيُطَالب بِالْقبُولِ أَو الرَّد
فَإِن توقف حكم عَلَيْهِ بِالرَّدِّ لأجل الْمصلحَة فَيُقَال إِمَّا أَن تقبل أَو نحكم عَلَيْك بِالرَّدِّ إِن توقفت
الثَّالِثَة إِذا كَانَ الْمُوصى بِهِ زَوْجَة الْمُوصى لَهُ
فَإِن قبل انْفَسَخ النِّكَاح
وَإِن رَأينَا الْوَقْف كَانَ بطرِيق التبين من وَقت الْمَوْت
وَإِن رد لم يَنْفَسِخ إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْمَوْتِ فَيفْسخ وَإِن كَانَ الْملك ضَعِيفا لِأَن ملك الْيَمين يضاد ملك النِّكَاح
وَإِن كَانَت زَوْجَة الْوَارِث
فَإِن قبل الْمُوصى لَهُ لم يَنْفَسِخ نِكَاحه إِلَّا إِذا فرعنا على أَنه يملك بِالْقبُولِ وَأَنه قبل الْقبُول للْوَارِث فَفِيهِ وَجْهَان
وَوجه بَقَاء النِّكَاح ضعف الْملك مَعَ أَن الِاخْتِيَار إِلَى غَيره بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ فَإِن الِاخْتِيَار إِلَيْهِ
وَإِن رد فينفسخ النِّكَاح وَهل يسْتَند إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ خلاف منشؤه ضعف ذَلِك الْملك

(4/432)


وَلَو كَانَ الْمُوصى بِهِ قَرِيبا للْمُوصى لَهُ أَو الْوَارِث قرَابَة يعْتق بِالْملكِ فتخريجه على الْأَقْوَال كتخريج انْفِسَاخ نِكَاح الزَّوْجَة
الرَّابِعَة إِذا أوصى بِأمة لزَوجهَا الْحر وَولدت قبل الْقبُول بعد الْمَوْت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عتق الْأَوْلَاد وَلم تكن أمّهم أم ولد لَهُ
هَذَا نقل الْمُزنِيّ وَهُوَ خطأ إِذْ لَا وَجه للْفرق بَين الْأُم وَالْولد على كل قَول أثبتنا الْملك أَو نَفينَا أَو توقفنا
نعم قَالَ بعد ذَلِك وَلَو مَاتَ الْمُوصى لَهُ فَقبل الْوَارِث عتق الْأَوْلَاد وَهُوَ صَحِيح يخرج على قَوْلنَا يحصل الْملك بِالْمَوْتِ للْمُوصى لَهُ وعَلى قَول الْوَقْف أَيْضا
الْخَامِسَة أوصى لَهُ بولده فَمَاتَ فَقبل وَارثه
فعتقه يبْنى على أَن الْملك بِمَاذَا يحصل
فَإِن قُلْنَا بِالْمَوْتِ أَو قُلْنَا بِالْوَقْفِ تبين الْعتْق على الْمُوصى لَهُ قبل مَوته
وَإِن قُلْنَا بِالْقبُولِ فَفِي قبُول الْوَارِث وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَتَرَتَّب على قبُوله كقبول الْمُورث

(4/433)


وَالثَّانِي أَنا نسنده إِلَى ألطف حِين قبل موت الْمُوصى لَهُ
فعلى هَذَا هُوَ تَرِكَة يقْضى مِنْهُ الدُّيُون ونتبين عتقه
وَإِن قُلْنَا يَتَرَتَّب على الْقبُول فَلَا يعْتق لِأَن الْمَيِّت لَا يعْتق الْقَرِيب عَلَيْهِ بِحَال إِذْ ملكه وَإِن قدر لَا قَرَار لَهُ
نعم هَل تقضى الدُّيُون مِمَّا قبله الْوَارِث فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يقْضى إِذْ لم يملكهُ الْمَيِّت وَإِنَّمَا ورث هَذَا حق التَّمْلِيك ابْتِدَاء
وَذكر هَذَا الْوَجْه فِي الصَّيْد الْمُتَعَلّق بشبكة نصبها قبل مَوته وَلكنه أبعد فِيهِ
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يقْضى مِنْهُ الدُّيُون وكأنا نقدر حُصُول الْملك للْمَيت مختطفا ثمَّ نقدر انْتِقَاله إِلَى الْوَارِث تلقيا مِنْهُ
التَّفْرِيع

إِذا قُلْنَا يعْتق الْوَلَد بِقبُول الْوَارِث فَلَا يَرث لِأَن الْقَابِل إِن كَانَ أَخا يصير محجوبا بِهِ فَيسْقط حَقه عَن الْقبُول فَيمْتَنع الْعتْق فَيُؤَدِّي توريثه إِلَى منع توريثه فَهُوَ دور فقهي

(4/434)


وَإِن كَانَ لَهُ ابْن آخر فشركته تمنع كَمَال حَقه فِي الْقبُول لَا يبْقى لَهُ إِلَّا قبُول النّصْف
وَمن نصفه حر لَا يَرث وَلَا يُمكن أَن يقبل نصيب نَفسه لِأَن صِحَة قبُوله مَوْقُوف على توريثه وتوريثه مَوْقُوف على صِحَة قبُوله فيتمانعان

(4/435)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوَصِيَّة الصَّحِيحَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَقسَام
الْقسم الأول فِي الْأَحْكَام اللفظية
وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى بِهِ

وَالْكَلَام فِي أَطْرَاف
الطّرف الأول فِي الْحمل

وَالْوَصِيَّة بِالْحملِ صَحِيحَة بِشَرْط أَن يكون مَوْجُودا حَالَة الْوَصِيَّة
وَيعرف تَارِيخ ذَلِك فِي الْحَيَوَانَات من أهل الْخِبْرَة فَإِنَّهَا مُخْتَلفَة
فَإِن انْفَصل حمل الْجَارِيَة مَيتا بِجِنَايَة جَان صرف الْأَرْش إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلم يتَبَيَّن فَسَاد الْوَصِيَّة بِخِلَاف مَا إِذا أوصى لحمل فانفصل مَيتا بجنابة جَان لَا يصرف إِلَى ورثته لِأَن كَونه مَالِكًا يَسْتَدْعِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وَكَونه مَمْلُوكا لَا يَسْتَدْعِي إِلَّا التقوم وَقد يقوم بِالْأَرْشِ

(4/436)


وَلَو أوصى بِجَارِيَة دون حملهَا جَازَ
وَلَو أطلق الْوَصِيَّة فَفِي اندراج الْحمل تَحت مُطلق اللَّفْظ تردد
فَإِن قُلْنَا ينْدَرج لم تبطل الْوَصِيَّة فِيهِ بانفصاله قبل موت الْمُوصي لِأَنَّهُ زِيَادَة فِي الْمُوصى بِهِ

الطّرف الثَّانِي
إِذا أوصى بطبل من طبوله وَله طبل لَهو وَحرب
نزل على طبل الْحَرْب تَصْحِيحا لَهُ
وَإِذا أوصى بِعُود من عيدانه وَعِنْده عود اللَّهْو وعود الْقوس وعود الْبناء فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه فَاسد لِأَنَّهُ لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا عود اللَّهْو
وَالثَّانِي أَنه يعْطى عود الْبناء أَو الْقوس لِأَنَّهُ يُسمى عودا فيتكلف تَصْحِيحه كَمَا فِي الطبل
أما إِذا لم يكن عِنْده إِلَّا عود الْقوس أَو الْبناء أعطي ذَلِك لِأَنَّهُ مُتَعَيّن

(4/437)


الثَّالِث إِذا أوصى بقوس

حمل على الْقوس الَّذِي يَرْمِي مِنْهُ النبل والنشاب دون قَوس الندف والجلاهق وَهُوَ قَوس البندق
وَيدخل تَحْتَهُ الحسبان فَإِنَّهُ يرْمى مِنْهُ الناوك وَهُوَ نشاب
وَهل يعْطى الْوتر مَعَ الْقوس فِيهِ وَجْهَان
فَإِن قَالَ أَعْطوهُ قوسا من قسي وَلم يكن عِنْده إِلَّا قَوس ندف أعْطى لِأَنَّهُ تعين
وَإِن كَانَ عِنْده قَوس ندف وحلاهق أعْطى الجلاهق لِأَنَّهُ أسبق إِلَى الْفَهم
الطّرف الرَّابِع إِذا قَالَ أَعْطوهُ شَاة

جَازَ أَن يدْفع إِلَيْهِ الْكَبِير وَالصَّغِير والظأن والمعز لِأَن الِاسْم شَامِل
وَقَالَ الصيدلاني لَا يعْطى السخلة وَقَالَ أَرَادَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ

(4/438)


بالصغير الْجَذعَة
وَالْمَنْصُوص أَنه لَا يعْطى الْكَبْش
وَمِنْهُم من قَالَ يعْطى لِأَن الشَّاة اسْم جنس كالإنسان وَالتَّاء فِيهِ لَيْسَ للتأنيث وَأَصله الشاهة وتصغيره شويهة
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بقرة لم يُعْط ثورا
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ جملا لم يُعْط نَاقَة
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ بَعِيرًا فالمنصوص أَنه لَا يعْطى نَاقَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْطى لِأَن الْبَعِير كالإنسان للرِّجَال وَالنِّسَاء
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من الْإِبِل أَو الْغنم أَو الْبَقر جَازَ الذّكر وَالْأُنْثَى
فَإِن قَالَ أَعْطوهُ كَلْبا أَو حمارا لم يُعْط الكلبة والحمارة فَإِن الْأُنْثَى مُمَيزَة

(4/439)


فيهمَا بِالتَّاءِ
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة فالمنصوص أَنه يعْطى من الْخَيل أَو البغال أَو الْحمير وَلَا يعْطى من الْإِبِل قطعا
قَالَ بعض الْأَصْحَاب أطلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ذَلِك على لُغَة مغر وَفِي غَيره لَا يفهم مِنْهُ إِلَّا الْفرس
وَمِنْهُم من قَالَ الْوَضع الْأَصْلِيّ أولى بالمراعاة من الْعرف الْخَاص الْمُخَصّص
وَلَو قَالَ أَعْطوهُ دَابَّة لِيُقَاتل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا الْفرس
فَإِن قَالَ ليحمل عَلَيْهِ لم يُعْط إِلَّا بغلا أَو حمارا
وَلَو قَالَ لينْتَفع بنسله لم يُعْط إِلَّا فرسا أَو حمارا
الْخَامِس فِي العَبْد

فَإِن قَالَ أَعْطوهُ رَأْسا من رقيقي جَازَ أَن يعْطى السَّلِيم والمعيب وَالصَّغِير وَالْكَبِير وَالذكر وَالْأُنْثَى وَالْخُنْثَى

(4/440)


وَإِن لم يكن عِنْد مَوته إِلَّا رَقِيق وَاحِد تعين ذَلِك الْوَاحِد
فَإِن مَاتَ أرقاؤه اَوْ قَتَلُوهُ قبل مَوته انْفَسَخت الْوَصِيَّة
وَإِن قتلوا بعد مَوته يُخَيّر الْوَارِث فِي صرف قيمَة وَاحِد إِلَيْهِ لِأَن حَقه المتأكد أَو ملكه مُتَعَلق بِهِ بعد مَوته فَينْتَقل إِلَى الْقيمَة
فَلَو قتل كلهم إِلَّا وَاحِدًا لم يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد بل يُخَيّر الْوَارِث بَين تَسْلِيمه وَتَسْلِيم قيمَة وَاحِد
وَفِيه وَجه أَنه يتَعَيَّن ذَلِك الْوَاحِد حذرا من الْعُدُول إِلَى الْقيمَة مَعَ الْإِمْكَان
وَإِن قَالَ أعتقوه عني عبدا جَازَ الْمَعِيب والسليم
وَفِيه وَجه أَنه ينزل على مَا يُجزئ فِي الْكَفَّارَة لِأَن الشَّرْع عَادَة فِي الْعتْق لَا فِي الْهِبَة وَالْوَصِيَّة فَينزل على عرف الشَّرْع

(4/441)


فَإِن أوصى أَن يعْتق عَنهُ رِقَاب فأقله ثَلَاثَة إِن وفى الثُّلُث بِهِ فَإِن لم يَفِ إِلَّا بِاثْنَيْنِ اقْتصر عَلَيْهِ
فَإِن وفى بِاثْنَيْنِ وَبَعض الثَّالِث فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا الِاقْتِصَار على اثْنَيْنِ لِأَن الْبَعْض لَيْسَ رَقَبَة
وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي الْفضل لِأَنَّهُ أقرب إِلَى مَقْصُود الْمُوصي
وعَلى هَذَا لَو وجدنَا نفيسين أَو خسيسين وشقصا فَأَيّهمَا أولى فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا النفيس أولى لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام
لما سُئِلَ عَن أفضل الرّقاب فَقَالَ أَكْثَرهَا ثمنا وأنفسها عِنْد أَهلهَا

(4/442)


وَالثَّانِي الزِّيَادَة فِي عدد الرَّقَبَة أولى لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أعتق رَقَبَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنْهُ عضوا مِنْهُ من النَّار
وَلَو قَالَ أعتقوا عبدا من عَبِيدِي وَله خُنْثَى حكم بِكَوْنِهِ رجلا فَفِي إِعْتَاقه وَجْهَان
وَوجه الْمَنْع أَن اسْم الْبعد مُطلقًا لَا ينْصَرف إِلَيْهِ
وَلَو قَالَ أعتقوا أحد رقيقي وَفِيهِمْ خُنْثَى مُشكل
روى الرّبيع فِيمَن أوصى بِكِتَابَة أحد رَقِيقه أَنه لَا يجوز الْخُنْثَى المكشل
وروى الْمُزنِيّ أَنه يجوز
وَاخْتلف الْأَصْحَاب وَالْأولَى مَا قَالَه الْمُزنِيّ

(4/443)


الْفَصْل الثَّانِي فِيمَا يتَعَلَّق بالموصى لَهُ

وَله أَطْرَاف
الطّرف الأول إِذا قَالَ أعْطوا حمل فُلَانَة كَذَا فَأَتَت بولدين

صرف إِلَيْهِمَا بِالسَّوِيَّةِ وَإِن كَانَ أَحدهمَا ذكرا وَالْآخر أُنْثَى
وَلَو خرج أَحدهمَا حَيا وَالْآخر مَيتا فَالْكل للحي
وَفِيه وَجه آخر أَن لَهُ النّصْف وَنصف الْمَيِّت يعود إِلَى الْوَرَثَة وَهُوَ ضَعِيف
وَلَو قَالَ إِن كَانَ حملهَا غُلَاما فَأَعْطوهُ كَذَا فَولدت غلامين لم يستحقا شَيْئا فَإِن الصِّيغَة للتوحيد فِي النكرَة
وَكَذَا إِن جَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة
وَلَو قَالَ إِن كَانَ فِي بَطنهَا غُلَام فَأَعْطوهُ كَذَا فَجَاءَت بِغُلَام وَجَارِيَة أعطي الْغُلَام
وَإِن جَاءَت بغلامين فَأَيّهمَا يعْطى فِيهِ ثَلَاث أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يصرف الْوَارِث إِلَى أَيهمَا شَاءَ وَله خِيَار التَّعْيِين فَإِن رَأْيه يصلح للترجيح

(4/444)


وَالثَّانِي يوزع عَلَيْهِمَا لتساويهما
وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف بَينهمَا إِلَى أَن يبلغَا ويصطلحا
وَلَو قَالَ أوصيت لأحد هذَيْن الشخصين فَفِي صِحَّتهَا خلاف ذكرنَا نَظِيره فِي الْوَقْف
فَإِن صَحَّ وَمَات قبل التَّعْيِين خرج على الْأَوْجه الثَّلَاثَة
الطّرف الثَّانِي إِذا أوصى لجيرانه

صرف إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا من كل جَانب لما روى أَبُو هُرَيْرَة أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
حق الْجوَار أَرْبَعُونَ دَارا هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَأَشَارَ يَمِينا وَشمَالًا وقداما وخلفا
وَلَو أوصى لقراء الْقُرْآن صرف إِلَى من يحفظ جَمِيع الْقُرْآن

(4/445)


وَهل يصرف إِلَى من يقْرَأ وَلَا يحفظ عَن ظهر الْقلب فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم للْعُمُوم
وَالثَّانِي لَا إِذْ الْعرف يخصص بالحفاظ
وَلَو أوصى للْعُلَمَاء صرف إِلَى الْعلمَاء بعلوم الشَّرْع دون الْأَطِبَّاء والمنجمين والمعبرين والأدباء لِأَن الْعرف يخصص
وَلَا يصرف إِلَى من يسمع الْأَحَادِيث فَقَط وَلَا علم لَهُ بطرق الحَدِيث
وَلَو أوصى للأيتام لم يدْخل فِيهِ من لَهُ أَب وَلَا بَالغ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
لَا يتم بعد الْبلُوغ وَفِي الْغَنِيّ وَجْهَان
وَإِن أوصى للأرامل دخل فِيهِ من لَا زوج لَهَا من النِّسَاء وَهل يدْخل فِيهِ من لَا زَوْجَة لَهُ من الرِّجَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا للْعُرْف

(4/446)


وَالثَّانِي نعم للوضع إِذْ قد يُسمى الرجل أرمل
قَالَ الشَّاعِر ... كل الأرامل قد قَضَت حَاجته ... فَمن لحَاجَة هَذَا الأرمل الذّكر ...
وَهل يدْخل الْغَنِيّ فِيهِ وَجْهَان كَمَا فِي الْيَتِيم
وَلَو أوصى للشيوخ أعطي من جَاوز الْأَرْبَعين
وَإِن أوصى للفتيان والشبان أعطي من جَاوز الْبلُوغ إِلَى الثَّلَاثِينَ
وَإِن أوصى للصبيان والغلمان صرف إِلَى من لم يبلغ اتبَاعا للْعُرْف فِي هَذِه الْأَلْفَاظ
الطّرف الثَّالِث فِيمَا إِذا أوصى للْفُقَرَاء

جَازَ أَن يصرف إِلَى الْمَسَاكِين
وللمساكين جَازَ أَن يصرف إِلَى الْفُقَرَاء لِأَن كلا الاسمين يُطلق على الْفَرِيقَيْنِ
وَإِن قَالَ للْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين جمع بَينهمَا
وَإِن أوصى لسبيل الله فَهُوَ للغزاة أَو للرقاب

(4/447)


وَإِن أوصى للرقاب فَهُوَ للمكاتبين
ثمَّ لَا أقل من اسْتِيعَاب ثَلَاثَة من كل نفر وَلَا يجب التَّسْوِيَة بَين الثَّلَاثَة
وَلَو أوصى لثَلَاثَة معنين يجب التسويه بَينهم
وَلَو أوصى لزيد وللفقراء قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ الْقيَاس أَنه كأحدهم
فَمنهمْ من قَالَ مَعْنَاهُ أَنه لَو أعْطى خَمْسَة من الْمَسَاكِين فيعطيه السُّدس أَو أعْطى سِتَّة فيعطيه السَّبع ليَكُون كأحدهم
وَمِنْهُم من قَالَ يَكْفِيهِ أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول إِذْ مَا من أحد إِلَّا وَله أَن يُعْطِيهِ أقل مَا يتمول
وَمِنْهُم من قَالَ يُعْطِيهِ الرّبع لِأَن أقل عدد الْمَسَاكِين الثَّلَاثَة فالقصر عَلَيْهِ وعَلى ثَلَاثَة يَقْتَضِي لَهُ الرّبع
وَمِنْهُم من قَالَ يصرف إِلَيْهِ النّصْف وَإِلَى الْفُقَرَاء النّصْف لِأَنَّهُ قابله بهم

(4/448)


وَلَو قَالَ لزيد دِينَار وللفقراء ثَلَاثَة لم يُعْط زيدا شَيْئا آخر وَإِن كَانَ فَقِيرا لِأَنَّهُ قطع الْخيرَة بتنصيصه
أما إِذا أوصى للعلويين والهاشميين أَو بنى طَيء وَبِالْجُمْلَةِ قَبيلَة عَظِيمَة فَفِي الصِّحَّة قَولَانِ
أَحدهمَا نعم ثمَّ أقل الْأَمر أَن يُعْطي ثَلَاثَة كَمَا للْفُقَرَاء
وَالثَّانِي لَا إِذْ هم محصورون وَلَا يُمكن استيعابهم وَلَا عرف للشَّرْع فِي تخصيصهم بِثَلَاثَة بِخِلَاف الْفُقَرَاء
الطّرف الرَّابِع لَو أوصى لزيد ولجبريل

كَانَ لزيد النّصْف وَيبْطل الْبَاقِي
وَلَو قَالَ لزيد وللريح أَو للرياح فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه لَهُ النّصْف كَمَا سبق فِي جِبْرِيل

(4/449)


وَالثَّانِي لَهُ الْكل إِذْ الْإِضَافَة إِلَى الرِّيَاح لَغْو
وَإِن أوصى لزيد وَللَّه تَعَالَى فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَهُ الْكل وَكَانَ ذكر الله تَعَالَى تَأْكِيدًا لقربته كَقَوْلِه تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنما غَنِمْتُم من شَيْء فَأن لله خمسه وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}
وَالثَّانِي أَن النّصْف لَهُ وَالْبَاقِي للْفُقَرَاء لِأَن عَامَّة مَا يجب لله تَعَالَى يصرف إِلَى الْفُقَرَاء
وَلَو قَالَ لزيد وللملائكة أَو لزيد وللعلوية وَقُلْنَا لَا يَصح المعلوية
فَفِي قدر مَا يصرف إِلَى زيد الْخلاف الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي قَوْله لزيد وللفقراء وَيبْطل فِي الْبَاقِي

(4/450)


الطّرف الْخَامِس لَو أوصى لأقارب زيد

دخل فِيهِ الذُّكُور وَالْإِنَاث والغني وَالْفَقِير وَالْمحرم وَغير الْمحرم وقرابة الْأَب وقرابة الْأُم بألا إِذا كَانَ الرجل غَرِيبا فَلَا تدخل قرَابَة الْأُم لأَنهم لَا يعدون ذَلِك قرَابَة
وَلَو قَالَ لأرحام فلَان دخل فِيهِ قرَابَة الْأُم مَعَ قرَابَة الْأَب إِذْ لَا تَخْصِيص لهَذَا الِاسْم
وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لفظ الْقَرَابَة كَلَفْظِ الرَّحِم فِي حق الْعَرَبِيّ كَمَا فِي حق العجمي وَلم يثبت من الْعَرَب هَذَا التَّخْصِيص
وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور
أَحدهَا فِي دُخُول الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا يدْخلُونَ إِذْ الْوَصِيَّة للأقارب وَالْأَب وَالِابْن لَا يُسمى قرَابَة
وَالثَّانِي نعم لأَنهم من الْأَقَارِب وَإِن كَانَ لَهُم اسْم أخص
وَالثَّالِث أَنه لَا يدْخل الْأَب وَالِابْن وَيدخل الأحفاد والأجداد

(4/451)


الْأَمر الثَّانِي أَن الْوَارِث لَا يدْخل إِذا أوصى لأقارب نَفسه إِذْ لَا وَصِيَّة لوَارث وَكَأَنَّهُم خارجون بِحكم الْقَرِينَة
وَمِنْهُم من قَالَ يدْخلُونَ ثمَّ تبطل الْوَصِيَّة فِي نصِيبهم وَتبقى فِي الْبَاقِي
الْأَمر الثَّالِث أَن قبائل الْعَرَب تتسع فتكثر فِيهَا الْقرَابَات إِن ارتقينا إِلَى أَوْلَاد الأجداد الْعَالِيَة
فَقَالَ أَبُو يُوسُف يرتقي إِلَى أجداد الْإِسْلَام وَلَا يزِيد عَلَيْهِ وَهُوَ بعيد
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يرتقي إِلَى الْأَقْرَب جد ينْسب هُوَ إِلَيْهِ وَيعرف بِهِ
وَذكر الْأَصْحَاب فِي مِثَاله أَنه لَو أوصى هُوَ لقرابة الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ صرفنَا إِلَى بني شَافِع لَا إِلَى بني عبد منَاف وَبني عبد الْمطلب وَإِن كَانُوا أقَارِب
وَهَذَا فِي زَمَانه أما فِي زَمَاننَا لَا يصرف إِلَّا إِلَى أَوْلَاد الشَّافِعِي وَلَا يرتقي إِلَى بني شَافِع لِأَنَّهُ أقرب من عرف بِهِ
الطّرف السَّادِس إِذا أوصى لأقربهم قرَابَة لفُلَان صرف إِلَى الْأَقْرَب

وَفِيه مَسْأَلَتَانِ

(4/452)


إِحْدَاهمَا أَن الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت يدْخلُونَ لِأَنَّهُ لَا يبعد تسميتهم أقرب الْأَقَارِب
ثمَّ لَا تَفْضِيل بذكورة وأنوثة بل يَسْتَوِي فِيهِ الْأَب وَالأُم وَالِابْن وَالْبِنْت
وَلَا يتبع الوراثة بل أَوْلَاد الْبَنَات يقدمُونَ على أحفاد الْبَنِينَ لمزيد الْقرب إِلَّا إِذا اخْتلف الْجِهَة كالأحفاد وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْإِخْوَة وَبَنُو الْإِخْوَة وَإِن سفلوا يقدمُونَ على الْأَعْمَام لِأَن الْعرف يقْضِي بِأَنَّهُم أقرب وَابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم مقدم على ابْن ابْن الْأَخ من الْأَب وَالأُم لِأَن جِهَة الْأُخوة وَاحِدَة
وَلَا شكّ فِي أَن الْأَخ المدلي بجهتين مقدم على المدلي بِجِهَة وَاحِدَة
وَلَا فرق بَين الْأَخ للْأُم وَالْأَخ للْأَب وَلَا بَين الْأَخ وَالْأُخْت
الثَّانِيَة الْجد أَب أَب مَعَ الْأَخ فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا يستويان للاستواء فِي الْقرب وَالثَّانِي الْأَخ أولى لِأَن قرَابَة الْبُنُوَّة أقوى
وَكَذَا الْخلاف فِي أَب الْأُم مَعَ الْأَخ للْأُم وَأب الْأَب من مَعَ ابْن الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْجد أولى لقُرْبه وَالثَّانِي ابْن الْأَخ أولى لقُوَّة الْبُنُوَّة

(4/453)


الْقسم الثَّانِي من الْبَاب فِي الْأَحْكَام المعنوية

وَفِيه فُصُول
الْفَصْل الأول فِي الْوَصِيَّة بمنافع الدَّار وَالْعَبْد وغلة الْبُسْتَان وثمرته

وَهِي صَحِيحَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ وَسوى بَين الثِّمَار وَالْمَنَافِع
وَحَقِيقَة هَذِه الْوَصِيَّة عندنَا تمْلِيك الْمَنَافِع بعد الْمَوْت حَتَّى يُورث عَن الْمُوصى لَهُ إِذا مَاتَ وَيملك الْإِجَارَة وَلَا يضمن إِذا تلف فِي يَده العَبْد كَمَا لَا يضمن الْمُسْتَأْجر وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله هى عَارِية لَازِمَة لَا ملك فِيهَا
وَفِيه مسَائِل
الأولى فِيمَا يملكهُ الْوَارِث

وَلَا شكّ فِي أَنه ينفذ عتقه وَلَا لَا يُجزئهُ عَن الْكَفَّارَة إِن لم تكن الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة
وَفِيه وَجه آخر أَنه يُجزئ

(4/454)


ثمَّ إِذا نفذ الْعتْق بَقِي حق المصوى لَهُ فِي الِانْتِفَاع وَلَا يجد العَبْد مرجعا على الْوَارِث بِخِلَاف عتق العَبْد الْمُسْتَأْجر لِأَن الْبَدَل ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمُعْتق وَهَاهُنَا لم يُوجد بدل هَذِه الْمَنْفَعَة
وَأما الْكِتَابَة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا إِذْ لَا كسب لَهُ
وَالثَّانِي نعم تعويلا على الصَّدقَات
وَأما البيع فَإِن كَانَ الْوَصِيَّة مُؤَقَّتَة خرج على بيع العَبْد الْمُسْتَأْجر
وَإِن كَانَت مُؤَبّدَة فَالظَّاهِر الْمَنْع لِأَنَّهُ معجوز عَن التَّسْلِيم أبدا إِلَّا أَن يَبِيع من الْمُوصى لَهُ
وَفِيه وَجه آخر أَنه ينفذ البيع لنقل مَا يملكهُ ويتسلط المُشْتَرِي على إِعْتَاقه وجلب الْوَلَاء فِيهِ
أما إِذا أوصى بنتاج الشَّاة صَحَّ بيع الشَّاة لبَقَاء مَنْفَعَة الصُّوف والوبر للْمَالِك

(4/455)


وَإِنَّمَا الْخلاف إِذا لم يبْق مَنْفَعَة أصلا فيضاهي مَالا مَنْفَعَة لَهُ حسا
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فِي مَنَافِعهَا

وَهِي للْمُوصى لَهُ أبدا وَيدخل فِيهِ أكساب العَبْد باحتطاب واصطياد
وَلَا تدخل مَنْفَعَة الْبضْع بل يصرف بدله إِلَى الْمَالِك لِأَن مُطلق اسْم الْمَنْفَعَة لَا ينْصَرف إِلَيْهِ مَعَ أَنه لَو أوصى بهَا صَرِيحًا لم يدْخل
وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْبَدَل لَهُ فَإِنَّهُ من الْمَنَافِع
وَلَا خلاف فِي امْتنَاع الْوَطْء على الْمُوصى بِهِ لعدم ملك الرَّقَبَة وعَلى الْوَارِث إِلَى هَلَاك حق الْمُوصى لَهُ بالطلق كَمَا فِي الرَّاهِن
فَإِن كَاتب وَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو آيسة فقد قيل يجوز فِي الرَّهْن فَهُوَ جَار هَاهُنَا أَيْضا
وَأما تَزْوِيجهَا فَهُوَ جَائِز لكسب الْمهْر وَفِي مصرف الْمهْر مَا ذَكرْنَاهُ

(4/456)


وَفِي من يتَوَلَّى العقد ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا الْوَارِث لملكه الرَّقَبَة ثمَّ لَا بُد من رضَا الْمُوصى لَهُ فَإِن فِيهِ نُقْصَان حَقه وضرره وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح
وَالثَّانِي أَن الْمُوصى لَهُ يسْتَقلّ بِهِ وَهُوَ مَذْهَب من يَقُول الْمهْر لَهُ
وَالثَّالِث يسْتَقلّ بِهِ الْمَالِك
وَأما التَّزْوِيج من العَبْد فَيظْهر اسْتِقْلَال الْمُوصى لَهُ لِأَن حق منع العَبْد لَا لقُصُور فِي أَهْلِيَّته وَلَكِن لضَرَر تعلق الْحُقُوق بالأكساب وَالْمُوصى لَهُ هُوَ المتضرر
وَأما ولد الْجَارِيَة فَالصَّحِيح أَنه لَاحق للْمُوصى لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ يتبع الْملك
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ملك الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أَيْضا من الْمَنَافِع وَهُوَ بعيد
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ أُسْوَة الْأُم ملك الرَّقَبَة للْوَارِث وَملك الْمَنْفَعَة للْمُوصى لَهُ
وَهُوَ أَيْضا بعيد لِأَن اسْتِحْقَاق الْمَنْفَعَة لَا يسري إِلَى الْوَلَد كَمَا فِي الْإِجَارَة
وَأما مَا يكتسبه بالاتهاب فَفِي مصرفه وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه للْمُوصى لَهُ كَمَا فِي الاحتطاب

(4/457)


وَالثَّانِي للْمَالِك فَإِنَّهُ لم ينْصَرف إِلَيْهِ عمل مُتَقَوّم وَالسَّبَب انْعَقَد للْعَبد وَالْمَالِك يتلَقَّى الْملك لملك الرَّقَبَة
الثَّالِثَة فِي نَفَقَته ثَلَاثَة أوجه

الْقيَاس أَنه على الْوَارِث نظرا إِلَى الْملك فَإِن أَرَادَ الْخَلَاص فليعتق
وَالثَّانِي أَنه على الْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ يسْتَحق الْمَنَافِع على الدَّوَام فَكَانَ كَزَوج الْأمة
وَالثَّالِث أَنه فِي كَسبه فَإِن لم يَفِ فعلى بَيت المَال وَإِلَيْهِ ذهب الإصطخرى
وَقد اخْتلفُوا فِي أَن الْمُوصى لَهُ هَل ينْفَرد بالمسافرة بِهِ
وَالظَّاهِر أَنه يملك إِذْ بِهِ كَمَال الِانْتِفَاع وَلذَلِك يمْتَنع على الْوَارِث المسافرة قطعا بِخِلَاف سيد الْأمة الْمُزَوجَة
وَالثَّانِي أَنه لَا يملك كَمَا لَا يملك بِملك زوج الْجَارِيَة مُرَاعَاة لحق الْمَالِك فَلَا يجوز إِلَّا بِالتَّرَاضِي كالتزويج على ظَاهر الْمَذْهَب
الرَّابِعَة إِذا قتل فللوارث اسْتِيفَاء الْقصاص ويحبط حق الْمُوصى لَهُ

وَإِن وَقع الرُّجُوع إِلَى الْقيمَة فَفِيهِ وَجْهَان

(4/458)


أَحدهمَا أَنه للْوَارِث فَإِنَّهُ بدل ملكه وَقد انْقَضى عمره فَانْقَطع حق الْمُوصى لَهُ
وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ عبد وَيجْعَل بمثابتة بَينهمَا فِي الْملك وَالْمَنْفَعَة
وَفِيه وَجه آخر أَنه يخْتَص بِهِ الْمُوصى لَهُ وَكَأن مَالِيَّته مستغرقة بِحقِّهِ إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فِي حق الْمَالِك وَهُوَ بعيد
وَفِيه وَجه رَابِع أَنه يوزع على قيمَة الْمَنْفَعَة وَقِيمَة الرَّقَبَة مسلوبة الْمَنْفَعَة وَيقسم بَينهمَا
أما إِذا وَقطع طرفه فَالَّذِي قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَذكره الْأَكْثَرُونَ أَنه للْوَارِث وَجها وَاحِدًا
أما إِذا جنى هُوَ على غَيره فَيُبَاع من أرش الْجِنَايَة فَإِن فدَاه السَّيِّد اسْتمرّ حق الْمُوصى لَهُ
وَإِن فدَاه الْمُوصى لَهُ فَهَل يجب على الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبُوله فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ أَجْنَبِي عَن الرَّقَبَة ومتعلق الْحق الرَّقَبَة
وَالثَّانِي نعم لِأَن لَهُ غَرضا فِي بَقَاء الرَّقَبَة كَمَا للسَّيِّد
الْخَامِسَة فِي كَيْفيَّة احتسابه من الثُّلُث وَجْهَان

(4/459)


أَحدهمَا أَنه يعْتَبر جملَة قيمَة العَبْد إِذْ لم يبْق لَهُ قيمَة فَكَأَنَّهُ أوصى بِالْعَبدِ
وَالصَّحِيح أَنه يعْتَبر مَا نقص من قِيمَته إِذْ لَا بُد وَأَن يبْقى لَهُ قيمَة طَمَعا فِي إِعْتَاقه وولائه
أما إِذا كَانَت الْمَنْفَعَة الْمُوصى بهَا مُؤَقَّتَة فطريقان
أَحدهمَا طرد الْوَجْهَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر أُجْرَة الْمثل وَهُوَ بعيد لِأَن الْمَنْفَعَة الَّتِي تحدث بعد الْمَوْت فَلَيْسَ مفوتا لَهَا من ملكه بل لَا يتَّجه إِلَّا اعْتِبَار مَا ينقص من قِيمَته بِسَبَب الْوَصِيَّة

(4/460)


التَّفْرِيع

إِذا اقْتضى الْحَال أَن يرد بعض الْوَصِيَّة كسدسها مثلا لزيادتها على الثُّلُث فينقص من الْمدَّة الْمقدرَة بسدسها من أجرهَا أَو يخرج سدس العَبْد فِي جملَة الْمدَّة عَن الْوَصِيَّة
فِيهِ وَجْهَان الْأسد أَنه يخرج سدس العَبْد لِأَن الْأُجْرَة تخْتَلف باخْتلَاف الْمَوَاقِيت

(4/461)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الْوَصِيَّة بِالْحَجِّ

وَالْحج ثَلَاثَة أَنْوَاع
الأول التَّطَوُّع

وَفِي صِحَة الْوَصِيَّة بِهِ وَجْهَان يبتنيان على أَن النِّيَابَة هَل تتطرق إِلَيْهَا
وَالصَّحِيح أَنَّهَا تتطرق إِلَيْهِ اقْتِدَاء بالأولين فِي فعلهم فتحسب الْوَصِيَّة بِهِ من الثُّلُث
وَفِيه فرعان

أَحدهمَا أَن مطلقه يَقْتَضِي حجَّة من الْمِيقَات أم من دويرة أَهله اخْتلفُوا فِيهِ لتردد اللَّفْظ بَين أقل الدَّرَجَات وَبَين الْعَادة
الثَّانِي أَنه هَل تقدم الْوَصِيَّة بِحَجّ التَّطَوُّع على سَائِر الْوَصَايَا
حُكيَ فِيهِ قَولَانِ وَلَا وَجه للتقديم إِلَّا أَن حق الله تَعَالَى على رَأْي يقدم على حق الْآدَمِيّ حَتَّى إِن أوصى بِالصَّدَقَةِ مَعَ حج التَّطَوُّع لم يحْتَمل التَّقْدِيم
نعم لَو أوصى بِحجَّة منذورة احْتمل التَّقْدِيم على الْوَصَايَا لتأكدها باللزوم

(4/462)


الثَّانِي حجَّة الْإِسْلَام

وَلَا حَاجَة فِيهَا إِلَى الْوَصِيَّة إِذْ كَانَت قد لَزِمت فِي الْحَيَاة بل يخرج عندنَا من رَأس مَاله وَإِن لم يوص خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَهُوَ عندنَا كَالزَّكَاةِ فَإِنَّهَا لَا تسْقط بِالْمَوْتِ
فروع ثَلَاثَة

الأول إِذا أوصى بِحجَّة الْإِسْلَام فَلَا فَائِدَة لَهُ إِلَّا إِذا قَالَ حجُّوا عني من الثُّلُث
فَائِدَته مزاحمة الْوَصَايَا من الثُّلُث بِهِ ثمَّ إِن لم يخص الْحَج بعد الْمُضَاربَة مَا بفي بِهِ كمل من راس المَال
وَمِنْهُم من قَالَ إِذا لم يفضل من حجَّة الْإِسْلَام شَيْء من الثُّلُث فَلَا شَيْء للوصايا بل فَائِدَته الْإِضَافَة إِلَى الثُّلُث
الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ أوصيت بِأَن تَحُجُّوا عني وَلم يضف إِلَى الثُّلُث
فَفِي مزاحمة الْوَصَايَا بِهِ فِي الثُّلُث وَجْهَان وَوَجهه أَن لفظ الْوَصِيَّة مشْعر بِهِ
وَلَو زَاد وَقَالَ وأعتقوا عني وتصدقوا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بالمزاحمة لِأَنَّهُ قربَة بِمَا ينْحَصر فِي الثُّلُث

(4/463)


الثَّالِث إِذا قَالَ أحجوا عني فلَانا بِأَلف وَهُوَ زَائِد على أجر الْمثل فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه يحجّ بِأَجْر الْمثل لِأَن مَقْصُوده الْحَج وَالزَّائِد لَا حَاجَة إِلَيْهِ
وَالثَّانِي أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لمن يحجّ ليحسن الْحَج فَيصْرف إِلَيْهِ إِن وفى بِهِ الثُّلُث
أما إِذا قَالَ اشْتَروا بِمِائَة دِرْهَم عشرَة أَقْفِزَة حِنْطَة وتصدقوا بهَا فَوَجَدنَا أَجود الْحِنْطَة بِثَمَانِينَ فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن الزِّيَادَة وَصِيَّة لبائع الْحِنْطَة وَهُوَ بعيد فَإِن ذَلِك لَا يقْصد بِخِلَاف الْإِحْسَان إِلَى من يحجّ
وَالثَّانِي أَنه يَشْتَرِي بِهِ حِنْطَة زَائِدَة لِأَن مَقْصُوده التَّصَدُّق بِمِائَة وَصَرفه إِلَى الْحِنْطَة
وَالثَّالِث أَنه يرد على الْوَرَثَة لِأَن مَقْصُوده عشرَة أَقْفِزَة من الْحِنْطَة وَقد تصدق بهَا
الثَّالِث الْحجَّة الْمَنْذُورَة وَالصَّدَََقَة الْمَنْذُورَة وَالْكَفَّارَات

وفيهَا ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنه يخرج من رَأس المَال لِأَنَّهَا لَزِمته كحجة الْإِسْلَام فَلَا حَاجَة إِلَى الْوَصِيَّة
وَالثَّانِي أَنَّهَا كالتطوعات فَإِن أوصى بهَا أخرج من الثُّلُث لِأَنَّهُ لَو فتح هَذَا

(4/464)


الْبَاب لاستغرق بالنذور جَمِيع أَمْوَاله ثمَّ يُؤَخِّرهُ إِلَى مَا بعد الْمَوْت
وَالثَّالِث أَنَّهَا تُؤدِّي من الثُّلُث وَإِن لم يوص وَكَأن نَذره تبرع بِهِ وَقد أخر أداءه إِلَى الْمَوْت فَصَارَ النّذر نَفسه كَالْوَصِيَّةِ
فَإِن قيل مَا الذى يَقع عَن الْمَيِّت بعد مَوته دون إِذْنه
قُلْنَا الدُّعَاء وَالصَّدَََقَة وَقَضَاء دينه
أما الدُّعَاء فقد قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
إِذا مَاتَ ابْن آدم انْقَطع عَنهُ عمله إِلَّا فِي ثَلَاث صَدَقَة جَارِيَة وَعلم ينْتَفع بِهِ وَولد صَالح يَدْعُو لَهُ
وَأما الصَّدَقَة فقد قَالَ سعد بن أبي وَقاص يَا رَسُول الله إِن أُمِّي أصمتت وَلَو نطقت لتصدقت أفينفعها إِن تَصَدَّقت عَنْهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام
نعم

(4/465)


وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب إِنَّه يُرْجَى أَن يَنَالهُ بركته وَلَكِن لَا يلْتَحق بصدقاته الَّتِى أَدَّاهَا
أما إِذا أعتق عَنهُ لَا يَقع عَنهُ وَيكون الْوَلَاء للْمُعْتق سَوَاء كَانَ الْمُعْتق وَارِثا أَو لم يكن لِأَن إِلْحَاق الْوَلَاء قهرا لَا وَجه لَهُ
أما الدُّيُون اللَّازِمَة إِذا قضيت وَقعت عَنهُ وَإِن قَضَاهَا الْأَجْنَبِيّ
قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي رَضِي الله عَنهُ لما قضى دين ميت
الْآن بردت جلدته على النَّار
أما الْكَفَّارَات فَإِن أخرجهَا الْوَارِث عَنهُ وَلم يكن أوصى بِهِ وَقعت موقعها

(4/466)


وَإِن أخرجهَا أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا لَا إِذْ لَا خلَافَة لَهُ وَهَذِه عبَادَة فَلَا بُد من نِيَّته أَو نِيَّة من هُوَ خَلِيفَته شرعا
وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ دين لَازم غلب فِيهِ معنى الدُّيُون وَلذَلِك يسْتَقلّ بِهِ أحد الْوَرَثَة وَإِن لم يسْتَقلّ بجملة الْخلَافَة
أما الْعتْق فِي كَفَّارَة الْيَمين حَيْثُ لَا يتَعَيَّن فَفِي إِخْرَاج الْوَارِث وَجْهَان
وَفِي إِخْرَاج الْأَجْنَبِيّ وَجْهَان مرتبان وَأولى بِأَن لَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ يضاهي التَّبَرُّع من وَجه وَقد ذكرنَا منع التَّبَرُّع عَن الْمَيِّت بِالْإِعْتَاقِ
وَلَو أوصى بِالْعِتْقِ وَالْكَفَّارَة مخيرة وَلم يَفِ الثُّلُث بِالزِّيَادَةِ لَا ينفذ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنى عَنهُ فَكَانَ مُتَبَرعا
أما الصَّوْم فَلَا يَقع عَنهُ لِأَنَّهُ عبَادَة بدنية كَالصَّلَاةِ
وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه

(4/467)


الْفَصْل الثَّالِث فِي فروع مُتَفَرِّقَة

الأول الْمَرِيض إِذا ملك قريبَة فِي مرض الْمَوْت نظر
فَإِن ملك بِالْإِرْثِ عتق عَلَيْهِ من رَأس المَال وَإِن ملك بِالشِّرَاءِ عتق عَلَيْهِ من الثُّلُث فَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين مُسْتَغْرق لم يعْتق أصلا
وَإِن ملك بِوَصِيَّة أَو اتهاب فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا من رَأس المَال لِأَنَّهُ حصل مجَّانا كَالْإِرْثِ فَكَأَنَّهُ لم يحصل
وَالثَّانِي من الثُّلُث لِأَنَّهُ حصل بِالِاخْتِيَارِ
التَّفْرِيع

لَو اشْترى ابْنه الذى يُسَاوِي ألفا بِخَمْسِمِائَة

(4/468)


فالقدر الذى يُقَابل الْمُحَابَاة كالموهوب لِأَنَّهُ حصل مجَّانا وَمهما عتق من الثُّلُث لم يَرث إِذْ لَو ورث لانقلب الْعتْق لَهُ وَصِيَّة لوَارث وَبَطل
وَإِذا أعتق من رَأس المَال فِي صُورَة الْإِرْث ورث لِأَنَّهُ وَقع مُسْتَحقّا
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي لَا يَرث كَمَا لَو نكحت بِأَقَلّ من مهر الْمثل فَإِنَّهُ يُقَال إِن الْمُحَابَاة وَصِيَّة للزَّوْج الْوَارِث إِلَّا إِذا كَانَ الزَّوْج رَقِيقا أَو مُسلما
وَهَذَا الاستشهاد غير صَحِيح بل تنفذ الْمُحَابَاة بالبضع سَوَاء كَانَ الزَّوْج وَارِثا أَو لم يكن لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال
الثَّانِي لَو قَالَ أعتقوا عَبدِي بعد موتِي
لم يفْتَقر إِلَى قبُول العَبْد لِأَن حق الله تَعَالَى غَالب فِي الْعتْق
وَلَو قَالَ أوصيت لعبدي بِرَقَبَتِهِ فَفِي الافتقار إِلَى قبُوله وَجْهَان
وَلَو أعتق ثلث عَبده بعد مَوته وَفِي المَال متسع لم يسر الْعتْق لِأَنَّهُ بعد الْمَوْت مُعسر وَالْمَال لغيره
وَهَذَا لَا يَخْلُو عَن احْتِمَال وَلَكِن النَّقْل مَا ذكرته
أما إِذا أعتق جَارِيَته بعد مَوته وَهِي حَامِل سرى إِلَى الْجَنِين لِأَنَّهُ فِي حكم عُضْو لَا يتفصل

(4/469)


وَلَو اسْتثْنى وَقَالَ أَنْت حرَّة إِلَّا جنينك فَفِي صِحَة الِاسْتِثْنَاء وَجْهَان وَخرج وَجه من صِحَة الِاسْتِثْنَاء أَنه إِذا أطلق لَا يسري لِأَنَّهُ تصور الِانْفِصَال وَعتق الْمَيِّت لَا يسري
الثَّالِث أوصى بِعَبْد لِرجلَيْنِ يعْتق على أَحدهمَا بِالْقَرَابَةِ
فَإِن قبلاه مَعًا عتق على الْقَرِيب وَغرم للثَّانِي نصِيبه إِن كَانَ مُوسِرًا وسرى
وَإِن قبل الْقَرِيب أَولا سرى ثمَّ يغرم للْوَارِث إِن رد الْأَجْنَبِيّ وَيغرم للْأَجْنَبِيّ أَن قبل الْأَجْنَبِيّ
وَإِن قبله الْأَجْنَبِيّ أَولا وَأعْتقهُ فَإِن لم يقبل الْقَرِيب اسْتمرّ عتقه
وَإِن قبل فَإِن قُلْنَا ملك الْمُوصى لَهُ يحصل بِمَوْت الْمُوصي فقد بَان أَنه كَانَ قد عتق وسرى وَعتق الْأَجْنَبِيّ صَادِق حرا فَيغرم الْقَرِيب للْأَجْنَبِيّ
وَإِن قُلْنَا يحصل بِالْقبُولِ فقد عتق الْكل على الْأَجْنَبِيّ فَيغرم الْأَجْنَبِيّ للقريب
الرَّابِع أوصى لَهُ بِثلث دَار فَاسْتحقَّ ثلثهَا فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا يسلم لَهُ كل ثلثه ميلًا إِلَى تَصْحِيح الْوَصِيَّة
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج أَنه يَصح فِي ثلث ذَلِك الثُّلُث لِأَن أصل الْوَصِيَّة شاع فِي الأثلاث الثَّلَاثَة

(4/470)


الْخَامِس إِذا منعنَا نقل الصَّدقَات فَفِي نقل مَا أوصى للْمَسَاكِين إِلَى بَلْدَة أُخْرَى وَجْهَان
وَوجه الْفرق أَن الزكوات دارة متكررة تمتد إِلَيْهَا أطماع الْحَاضِرين بِخِلَاف الْوَصَايَا

(4/471)


الْقسم الثَّالِث من الْبَاب فِي الْأَحْكَام الحسابية

وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أوصى بِمثل نصيب ابْنه وَله ابْن وَاحِد صرف إِلَى الْمُوصى لَهُ النّصْف حَتَّى يَكُونَا متماثلين
وَإِن كَانَ لَهُ ابْنَانِ فأوصى بِمثل نصيب أَحدهمَا صرف إِلَيْهِ الثُّلُث وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فالربع
وَبِالْجُمْلَةِ تراعى الْمُمَاثلَة عندنَا بعد الْقِسْمَة
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ وَصِيَّة بِحِصَّة الابْن قبل الْقِسْمَة فَإِن كَانُوا اثْنَيْنِ فَهُوَ وَصِيَّة بِالنِّصْفِ وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فَهُوَ وَصِيَّة بِالثُّلثِ
وَهُوَ ضَعِيف لِأَن مَا ذَكرْنَاهُ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَيُؤْخَذ بِهِ
وَلَو أوصى بِنَصِيب وَلَده كَانَ كَمَا لَو أوصى بِمثل نصيب وَلَده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هُوَ بَاطِل لِأَنَّهُ وَصِيَّة بالمستحق
وَهُوَ ضَعِيف لِأَنَّهُ إِذا قَالَ بِعْت بِمَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه صَحَّ وَكَانَ مَعْنَاهُ بِمثلِهِ
وَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ فَقَالَ أوصيت لَك بِمثل نصيب ابْن ثَالِث لَو كَانَ

(4/472)


لَا يعْطى إِلَّا الرّبع وَكَأن ذَلِك الابْن الْمُقدر كَائِن
وَفِيه وَجه أَنه يعْطى الثُّلُث وَكَأَنَّهُ قدره مَكَانَهُ
الثَّانِيَة إِذا أوصى بِضعْف نصيب أحد ولديه أعطي مثله مرَّتَيْنِ
فَلَو كَانَ لَهُ ابْنَانِ قسم المَال من أَرْبَعَة لكل ابْن وَاحِد وَله سَهْمَان
وَلَو أوصى بضعفيه أعطي مثله ثَلَاث مَرَّات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أعطي مثله أَربع مَرَّات
وَالْحَاصِل أَنا نضعف الزِّيَادَة دون الْمَزِيد عَلَيْهِ فَإِذا كَانَ الضعْف أَن يُزَاد على سَهْمه مثله كَانَ الضعفان أَن يُزَاد عَلَيْهِ مثلاه وَهُوَ مُحْتَمل وَهُوَ الْأَقَل فَينزل عَلَيْهِ
الثَّالِثَة إِذا أوصى بِمثل نصيب أحد ورثته أعطي مثل أقلهم نَصِيبا بعد الْعَوْل إِن كَانَت الْمَسْأَلَة عائلة
الرَّابِعَة إِذا أوصى بِخَط أَو سهم أَو قَلِيل أَو كثير جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول وَالرُّجُوع بِهِ إِلَى الْمُوصي

(4/473)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينزل السهْم على السُّدس وَهُوَ تحكم
وَكَذَلِكَ إِذا أوصى بِالثُّلثِ للأشياء جَازَ التَّنْزِيل على أقل مَا يتمول
وَقَالَ الْأُسْتَاذ أَبُو مَنْصُور ينزل على النّصْف وَزِيَادَة إِذْ الِاسْتِثْنَاء يَنْبَغِي أَن ينقص عَن النّصْف
وَهُوَ خلاف نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِقْرَار إِذا قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِلَّا شَيْئا
الْخَامِسَة إِذا أوصى بِثلث مَاله وَمَات عَن ابْنَيْنِ وبنتين
فلتصحيح الْمَسْأَلَة بِالْحِسَابِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَينظر إِلَى مَا بَقِي بعد إِخْرَاج سهم الْوَصِيَّة فَإِن انقسم على الْوَرَثَة فقد صحت المسألتان وَإِن لم يَنْقَسِم وَلم يُوَافق فَضربت مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح
وَإِن وَافق ضربت جُزْء الوفق من مَسْأَلَة الْوَرَثَة فِي مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وَمِنْهَا تصح
بَيَانه فِي مَسْأَلَتنَا

أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة أسْهم سهم للْمُوصى لَهُ بَقِي سَهْمَان وَلَا

(4/474)


يَنْقَسِم على سِتَّة إِذْ مَسْأَلَة الْفَرِيضَة من سِتَّة وَلَكِن توَافق بِالنِّصْفِ فَيضْرب نصف السِّتَّة فِي الثَّلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَقد صحت المسألتان
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن تصحح مَسْأَلَة الْوَصِيَّة وينسب جُزْء الْوَصِيَّة مِنْهَا إِلَى مَا يبْقى مِنْهَا بعد إِخْرَاج الْجُزْء وتزيد مثل نسبته على مَسْأَلَة الْوَرَثَة
بَيَانه أَن مَسْأَلَة الْوَصِيَّة من ثَلَاثَة فِيمَا فرضناه والجزء الْمُوصى بِهِ الثُّلُث وَهُوَ سهم ونسبته إِلَى الْبَاقِي أَنه مثل نصفه فيزيد على مَسْأَلَة الْوَرَثَة مثل نصفهَا وَهِي من سِتَّة وَنِصْفهَا ثَلَاثَة فَتَصِير تِسْعَة وَتَصِح المسألتان
السَّادِسَة إِذا أوصى بِمَا يزِيد على الثُّلُث وَردت الْوَصَايَا قسم الثُّلُث بَين أَصْحَاب الْوَصِيَّة على نِسْبَة تفاوتهم حَالَة الْإِجَارَة
فَلَو أوصى لإِنْسَان بِالنِّصْفِ وَلآخر بِالثُّلثِ فَالْمَسْأَلَة من سِتَّة لصَاحب النّصْف ثَلَاثَة وَلِصَاحِب الثُّلُث سَهْمَان ومجموع مَالهمَا خَمْسَة والتفاوت بَينهمَا بالأخماس فَإِذا أردْت قسْمَة الثُّلُث على نِسْبَة الْأَخْمَاس فاطلب مَالا لثلثه خمس وَذَلِكَ بِأَن تضرب ثَلَاثَة فِي خَمْسَة فَتَصِير خَمْسَة عشر
فَالثُّلُث خَمْسَة يعْطى صَاحب النّصْف مِنْهَا ثَلَاثَة وَصَاحب الثُّلُث سَهْمَان ليحصل التَّفَاوُت
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يخْتَص بِالرَّدِّ السُّدس الزَّائِد على الثُّلُث من

(4/475)


نصيب صَاحب النّصْف وَيبقى التَّسَاوِي بَينهمَا فِي الثُّلُث
أما إِذا أُجِيز بعض الْوَصَايَا ورد الْبَعْض فطريق تَصْحِيحه مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط مَعَ الْحساب فِي الْوَصِيَّة بِجُزْء من المَال بعد إِخْرَاج نصيب أحد الْأَوْلَاد
والحساب فِي الِاسْتِثْنَاء على أكمل وَجه فليراجعه من رغب فِيهِ فَإِن هَذَا الْكتاب لَا يحْتَمل استقصاءه

(4/476)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَهُوَ جَائِز لِأَنَّهُ عقد تبرع وَلَا قبض فِيهِ فَإِذا لم تلْزمهُ الْهِبَة قبل الْقَبْض فَهَذَا قبل الْمَوْت وَالْقَبْض أولى
وَالرُّجُوع بأَرْبعَة أَسبَاب السَّبَب الأول صَرِيح الرُّجُوع

كَقَوْلِه نقضت وفسخت وَمَا يضاهيه
وَمن الصَّرِيح قَوْله هَذَا لورثتي أَو هُوَ مِيرَاث عني أَو حرَام على الْمُوصى لَهُ
وَلَو قَالَ هُوَ تركتي فَالْأَصَحّ أَنه لَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْوَصِيَّة من التَّرِكَة أَيْضا
السَّبَب الثَّانِي التَّصَرُّفَات المتضمنة للرُّجُوع

كَالْبيع وَالْهِبَة مَعَ الْقَبْض وَالْعِتْق وَالْكِتَابَة وَالتَّدْبِير فَإِن من ضَرُورَة تنفيذها الرُّجُوع عَن الْوَصِيَّة
فرعان

أَحدهمَا إِذا أوصى لزيد ثمَّ أوصى لعَمْرو بِعَين ذَلِك الشئ
لم يكن ذَلِك رُجُوعا بل احْتمل التَّشْرِيك فَينزل عَلَيْهِ أخذا بِالْأَقَلِّ واستصحابا لما سبق فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أوصيت لَهما على الْجمع
وَلَو قَالَ مَا أوصيت بِهِ لزيد فقد أوصيت بِهِ لعَمْرو فَهَذَا رُجُوع فِي ظَاهر الْمَذْهَب

(4/477)


وَلَو أوصى بِأَن يُكَاتب أَو يعْتق أَو يُبَاع بعد مَوته فَهُوَ رُجُوع لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنس الأول حَتَّى يحمل على التَّشْرِيك وَلذَلِك لَا يَنْتَظِم الْجمع بَينهمَا فِي صِيغَة التَّشْرِيك بِأَن يَقُول أوصيت بِهِ وأعتقته
الثَّانِي إِذا أوصى بِثلث مَاله ثمَّ بَاعَ جَمِيع مَاله
لم يكن رُجُوعا لِأَن الثُّلُث الْمُطلق لَا ينْحَصر فِي الْأَعْيَان وَالْبيع يتَنَاوَل الْعين وَلذَلِك لَو هلك جَمِيع مَا ملك حَال الْوَصِيَّة وتجدد من بعده شئ اسْتَحَقَّه الْمُوصى لَهُ
السَّبَب الثَّالِث مُقَدمَات الْأُمُور المنذرة بِالرُّجُوعِ

كالعرض على البيع وَالرَّهْن قبل الْقَبْض وَالْقَبُول وَالْهِبَة قبل الْقَبْض وَالْقَبُول
الظَّاهِر أَنه رُجُوع لدلالته على قصد الرُّجُوع
وَفِيه وَجه أَنه مَا لم يتم لَا يتم الرُّجُوع
أما إِذا زوج العَبْد الْمُوصى بِهِ أَو الْأمة الْمُوصى بهَا أَو أَحدهمَا أَو علمهما صَنْعَة أَو ختنهما لم يكن ذَلِك رُجُوعا
فرعان

أَحدهمَا أَنه إِذا وطئ وعزل لم يكن رُجُوعا وَإِن أنزل
قَالَ ابْن الْحداد هُوَ رُجُوع لِأَن التَّسَرِّي يُنَاقض قصد الْوَصِيَّة
وَلَو حلف أَن لَا يتسرى لَا يَحْنَث إِلَّا بالإنزال فَلَو وطئ وعزل لم يَحْنَث
وَمِنْهُم من قَالَ مَا لم يحصل الْعلُوق لَا يتم الرُّجُوع فَهُوَ كالعرض على البيع ونظائره

(4/478)


الثَّانِي أوصى لَهُ بِمَنْفَعَة دَاره سنة ثمَّ أجرهَا سنة وَانْقَضَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل مَوته صرف إِلَيْهِ سنة
فَإِن مَاتَ وَصَارَت السّنة الأولى مستغرقة بِالْإِجَارَة فَوَجْهَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا حق للْمُوصى لَهُ لِأَنَّهُ أوصى لَهُ بِالسنةِ الأولى وَقد استوفاها الْمُسْتَأْجر
وَالثَّانِي أَنه يسلم إِلَيْهِ لِأَن السّنة الأولى لم تشْتَرط للْمُوصى لَهُ وَإِنَّمَا تعين بِحكم البدار إِلَى التوفية فَإِذا منع مَانع من البدار تسلم إِلَيْهِ بعده
السَّبَب الرَّابِع التَّصَرُّفَات المبطلة اسْم الْمُوصى بِهِ

كَمَا لَو أوصى بِقطن فَعَزله أَو بغزل فنسجه أَو بحنطة فطحنها أَو دَقِيق فعجنه أَو عجين فخبزه فَالْكل رُجُوع لدلَالَة قَصده وَزَوَال الِاسْم

(4/479)


فروع

الأول إِذا أوصى بِخبْز فَجعله فتيتا أَو بِلَحْم فقدره أَو برطب فجففه أَو بِثَوْب فَقطع مِنْهُ قَمِيصًا أَو بخشب فَاتخذ مِنْهُ بَابا
فَفِي الْكل وَجْهَان وَوجه بَقَاء الْوَصِيَّة أَن الِاسْم الأول يجوز إِطْلَاقه بِوَجْه مَا
الثَّانِي إِذا أوصى بدار فَهَدمهَا
إِن لم يبْق اسْم الدَّار فَهُوَ رُجُوع
وَإِن انْهَدَمت وَلم يبْق اسْم الدَّار فَوَجْهَانِ وَوجه الْبَقَاء أَنه لم يُوجد من جِهَته قصد الرُّجُوع وَمَا يدل عَلَيْهِ

(4/480)


وَقِيَاس هَذَا أَنه لَو طحنت الْحِنْطَة وغزل الْقطن بِغَيْر إِذْنه لَا تَنْفَسِخ الْوَصِيَّة
وَحَيْثُ لَا تَنْفَسِخ فَفِي بَقَاء الْحق فِي النَّقْص خلاف ذَكرْنَاهُ
الثَّالِث لَو بنى أَو غرس فِي الْعَرَصَة الْمُوصى بهَا فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه رُجُوع لِأَن الْبناء غير دَاخل فِي الْوَصِيَّة وَهُوَ للتخليد
وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ انْتِفَاع مُجَرّد
وَالثَّالِث أَنه رُجُوع عَن المغرس وأس الْجِدَار حَتَّى لَو تجنى لم يرجع أَيْضا إِلَى الْمُوصى لَهُ وَلَيْسَ رُجُوعا عَمَّا عداهُ
وَالرَّابِع إِذا أوصى بِصَاع حِنْطَة وخلطه بِغَيْرِهِ فَرجع إِذا تعذر بِهِ التَّسْلِيم
وَإِن أوصى بِصَاع من صبرَة وخلطة بِمثلِهِ فَلَيْسَ بِرُجُوع لِأَن الْغَرَض لَا يخْتَلف
وَإِن خلط بالأجود فرجوع لِأَنَّهُ حدث زِيَادَة لم يَتَنَاوَلهَا الِاسْتِحْقَاق
وَإِن خلط بالأردأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه رُجُوع كالأجود
وَالثَّانِي لَا فَإِنَّهُ تعييب فَينزل منزلَة تعيب الْمُوصى بِهِ
الْخَامِس لَو نقل الْمُوصى بِهِ إِلَى مَوضِع بعيد عَن الْمُوصى لَهُ فَفِيهِ

(4/481)


وَجْهَان
السَّادِس لَو أوصى بِقطن ثمَّ حشى بِهِ فرشه فَفِي كَونه رُجُوعا وَجْهَان
وَوجه التَّرَدُّد فِي هَذِه الْمسَائِل لَا يخفى مأخذها وَالله أعلم

(4/482)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي الأوصياء وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الْوِصَايَة وأحكامها - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
النّظر الأول فِي الْأَركان
وَهِي أَرْبَعَة
الرُّكْن الأول الْوَصِيّ
وَله سِتَّة شَرَائِط الأول التَّكْلِيف
فَلَا يَصح الْوِصَايَة إِلَى مَجْنُون وَصبي فَإِنَّهُمَا محتاجان إِلَى الْوَصِيّ يُفَوض إِلَيْهِمَا الثَّانِي الْحُرِّيَّة
فَلَا يُفَوض إِلَى عبد لِأَنَّهَا ولَايَة وَالرّق ينافيها وَلِأَنَّهَا تستدعي فراغا لاهتمام بهَا وَالْعَبْد مَشْغُول
وَالْمكَاتب وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق فِي حكم الْقِنّ
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يُفَوض إِلَى العَبْد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا خلف أَوْلَادًا كلهم صغَار ففوض إِلَى عبد نَفسه جَازَ

(4/483)


فرع

إِذا أوصى إِلَى مستولدته أَو مدبره فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه منشؤها أَن النّظر إِلَى مُرَاعَاة الشَّرْط حَال العقد أَو حَال الْمَوْت
وَفِي الْوَجْه الثَّالِث يُرَاعى الْأَحْوَال من العقد إِلَى الْمَوْت حَتَّى لَو تخَلّل خلل بَين العقد وَالْمَوْت فسد أَيْضا
والأقيس وَهُوَ اخْتِيَار ابْن سُرَيج الصِّحَّة نظرا إِلَى حَال الْمَوْت الشَّرْط الثَّالِث الْعَدَالَة
فَلَا يُفَوض إِلَى فَاسق لِأَنَّهُ تصرف على الطِّفْل فيتقيد بِشَرْط الْغِبْطَة وَلَا غِبْطَة فِي الْفُسَّاق
فرع

لَو طَرَأَ الْفسق انْعَزل فَإِن عَاد أَمينا لم يعد وَصِيّا
وَكَذَا القَاضِي يَنْعَزِل على الْأَظْهر ثمَّ لَا يعود قَاضِيا بِالتَّوْبَةِ
وَالْأَب يَنْعَزِل وَلَكِن يعود وليا بِالتَّوْبَةِ فَإِن الْأُبُوَّة قَائِمَة
وَفِي رُجُوع ولَايَة القَاضِي وَالْوَصِيّ بالإفاقة بعد الْجُنُون وَجْهَان
وَالْإِمَام لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ على الْأَصَح للْمصْلحَة وَلَكِن إِن أمكن الِاسْتِبْدَال بِهِ من غير فتْنَة فعله أهل الْحل وَالْعقد الرَّابِع الْإِسْلَام
فَلَا يُفَوض إِلَى كَافِر إِذْ لَا ولَايَة لكفار على مُسلم

(4/484)


وَلَو أوصى كَافِر إِلَى كَافِر فِي وَلَده الْكَافِر صَحَّ إِن كَانَ عدلا فِي دينه بِنَاء على الْأَظْهر فِي أَن ولي الْكَافِرَة فِي النِّكَاح كَافِر الْخَامِس الْكِفَايَة وَالْهِدَايَة للتَّصَرُّف
فَلَا غِبْطَة فِي التَّفْوِيض إِلَى الْعَاجِز عَن التَّصَرُّف
فرع

لَو ضعف نظره وَعجز عَن حفظ الْحساب بعد أَن كَانَ قَادِرًا بِنصب القَاضِي مَعَه من يحفظ الْحساب وَلَا يَنْعَزِل بِهِ بِخِلَاف الْفسق فَإِنَّهُ يفوت أصل الْغَرَض وَبِخِلَاف مَا لَو نصب الْحَاكِم قيمًا فضعف نظره فِي الْحساب فَإِن القَاضِي يعزله لِأَنَّهُ مولى من جِهَته والإبدال أصلح وَالْوَصِيّ مَنْصُوب الْأَب فيحفظ مَا أمكن السَّادِس الْبَصَر
وفى تفويضها إِلَى الْأَعْمَى وَجْهَان ومنشؤه التَّرَدُّد فِي أَنه هَل يُخَالف الْغِبْطَة أم لَا
فرع

يجوز التَّفْوِيض إِلَى النِّسَاء وَالأُم أولى من ينصب قيمًا
وَإِن لم يوص إِلَيْهَا الْأَب فَلَا ولَايَة لَهَا
وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي هى ولية فِي المَال مُقَدّمَة على وَصِيّ الْأَب لِأَنَّهَا أحد الْأَصْلَيْنِ

(4/485)


الرُّكْن الثَّانِي الْمُوصي

وَهُوَ كل من لَهُ ولَايَة على الْأَطْفَال لَو بَقِي حَيا كَالْأَبِ وَالْجد
فَلَا يجوز للْوَصِيّ الْإِيصَاء لِأَنَّهُ لَا ولَايَة لَهُ وَإِنَّمَا هُوَ نَائِب خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَلَا يجوز نصب الْوَصِيّ على الْأَوْلَاد الْبَالِغين إِذْ لَا ولَايَة عَلَيْهِم
نعم لَو نصب وَصِيّ لقَضَاء دُيُونه وتنفيذ وَصَايَاهُ
وَلَا يجوز للْأَب نصب الْوَصِيّ فِي حَيَاة الْجد فَإِن الْجد بدل الْأَب شرعا فَهُوَ أولى من نَائِبه لفظا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَصِيّ الْأَب أولى من الْجد وَهُوَ وَجه لِأَصْحَابِنَا
فروع

الأول إِذا أوصى بِثَلَاثَة وَخلف جدا لأطفاله
فَلَيْسَ للْجدّ التَّصَرُّف فِي الثُّلُث لِأَنَّهُ لَيْسَ وَصِيّا وَلَا قيمًا وَإِنَّمَا التَّصَرُّف فِيهِ إِلَى القَاضِي يصرفهُ إِلَى مصارفه
إِذا أذن للْمُوصي فِي الْإِيصَاء عِنْد مَوته إِلَى غَيره فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا يجوز لِأَن ولَايَته زائلة بعد مَوته فَلَا يُؤثر إِذْنه وَلَيْسَ للْمُوصي رُتْبَة الْإِيصَاء

(4/486)


الثَّانِي هُوَ الأقيس الْجَوَاز لِأَن الشَّرْع فوض للأطفال بعد الْمَوْت
وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت وَصِيّ إِلَى أَن يبلغ هَذَا الصَّبِي فَإِذا بلغ فَهُوَ الْوَصِيّ صَحَّ وَهُوَ تَفْوِيض بعد الْمَوْت
وَكَذَلِكَ إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ وَقَالَ إِن مَاتَ أَحدهمَا انْفَرد الآخر جَازَ
أما إِذا قَالَ إِن أوصيت إِلَى شخص فَذَلِك الشَّخْص وَصِيّ لي وَعين شخصا فَقَالَ أَذِنت لَك فِي الْإِيصَاء إِلَيْهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
مِنْهُم من قطع بِالْجَوَازِ كَمَا إِذا علق ببلوغ الصَّبِي
وَمِنْهُم من خرج على الْقَوْلَيْنِ

(4/487)


الرُّكْن الثَّالِث الْمُوصى فِيهِ

وَهُوَ التَّصَرُّفَات الْمَالِيَّة الْمُبَاحَة الَّتِى يتولاها القَاضِي لَوْلَا الْوَصِيّ
فَأَما بِنَاء الْبيعَة وكتبة التَّوْرَاة وَمَا هُوَ مَعْصِيّة فَلَا يَصح الْإِيصَاء فِيهِ وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِيهِ
وَلَا يجوز الْإِيصَاء فِي تَزْوِيج الْأَوْلَاد إِذْ لَا غِبْطَة فِي أَن يعْقد عَلَيْهِم من لَا يتَغَيَّر بضررهم
وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يجوز الْإِيصَاء فِي ذَلِك

(4/488)


الرُّكْن الرَّابِع الصِّيغَة

وَهُوَ أَن يَقُول أوصيت إِلَيْك وفوضت إِلَيْك أُمُور أَوْلَادِي وَمَا يجْرِي مجْرَاه
وَلَا بُد من الْقبُول وَالْأَظْهَر أَنه بعد الْمَوْت أَعنِي الْقبُول
فروع

الأول هَل يَكْفِي قَوْله أوصيت إِلَيْك فِي أَمر أطفالي أم يشْتَرط أَن يَقُول مَعَه فوضت إِلَيْك التَّصَرُّف فِي المَال فِيهِ وَجْهَان
مِنْهُم من قَالَ مُطلق الْإِيصَاء لَا يَقْتَضِي إِلَّا حفظ المَال فَلَا بُد من التَّصْرِيح بِالتَّصَرُّفِ
وَمِنْهُم من قَالَ الْعرف يُغني عَن التَّعَرُّض لَهُ
الثَّانِي إِذا اعتقل لِسَانه وَقُرِئَ عَلَيْهِ الْكتاب فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ جَازَ لِأَنَّهُ عَاجز كالأخرس
وَالثَّالِث لَو أوصى إِلَيْهِ فِي جنس من التَّصَرُّف معِين لَا يتَعَدَّى إِلَى غَيره خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

(4/489)


الرَّابِع إِذا أوصى إِلَى رجلَيْنِ
إِن صرح بتسليط كل وَاحِد على الِاسْتِقْلَال أَو بِالْمَنْعِ من الِاسْتِقْلَال فَهُوَ كَمَا لَو صرح
وَإِن أطلق نزل على نفي الِاسْتِقْلَال وَأَن لَا يتَصَرَّف وَاحِد دون إِذن صَاحبه تَنْزِيلا على الْأَقَل
نعم مَا لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى الْمُوصي كالتمكين من أَخذ الْمَغْصُوب والوديعة وأعيان الْحُقُوق لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَيْهِمَا لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج أصلا إِلَى الْوَصِيّ بل للْمُسْتَحقّ الْأَخْذ إِذا ظفر بِهِ
وَيتَفَرَّع على نصب الْوَصِيّين صور
الأولى إِذا مَاتَ أَحدهمَا
فَإِن كَانَ قد أثبت لكل وَاحِد مِنْهُمَا اسْتِقْلَالا فيكتفى بِالثَّانِي
وَإِن لم يثبت إِلَّا الشّركَة فللقاضي أَن ينصب قيمًا مَعَه بَدَلا عَن الْمَيِّت فَإِنَّهُ مَا رَضِي الْأَب إِلَّا بِرَأْي شَخْصَيْنِ
فَلَو جعل الثَّانِي وَصِيّا ونائبا عَن الْمُوصى وَحده فَفِي جَوَازه وَجْهَان
الثَّانِيَة لَو أوصى إِلَى زيد ثمَّ أوصى إِلَى عَمْرو
فَإِن لم يقبل عَمْرو انْفَرد زيد بِالتَّصَرُّفِ
وَإِن قبل كَانَ هَذَا تشريكا وَلم يكن فسخا للْأولِ بل ينزل منزلَة الوحيدين

(4/490)


وَإِن أوصى إِلَى زيد ثمَّ قَالَ لَهُ ضممت إِلَيْك عمرا فَإِن قبل فهما شريكان
وَإِن قبل زيد دون عَمْرو فزيد مُسْتَقل بِهِ
وَإِن قبل عَمْرو دون زيد فَلَا يسْتَقلّ لِأَن لفظ الضَّم لَا يبْنى إِلَّا عَن الشّركَة ورد زيد كموته فيفتقر إِلَى بدل عَنهُ
الثَّالِثَة إِذا اخْتلفَا فِي تعْيين من يصرف إِلَيْهِ الْوَصِيَّة من الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وشلا فالحاكم يتَوَلَّى التَّعْيِين
وَلَو اخْتلفَا فِي حفظ المَال فيطلب موضعا مُشْتَركا يكون مَحْفُوظًا فِيهِ عَن جهتهما أَو يتفقان على ثَالِث أَو يقسم مَا يقبل الْقِسْمَة فينفرد كل وَاحِد بِحِفْظ الْبَعْض وَمَا لَا يقبل الْقِسْمَة يتَوَلَّى القَاضِي حفظه
وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ذكر الْقِسْمَة وَأَرَادَ بِهِ مَا إِذا أثبت لكل وَاحِد الِاسْتِقْلَال فِي الْوِصَايَة وَإِلَّا فَكيف يتفرد بِحِفْظ الْبَعْض وَمُوجب الْوِصَايَة الِاشْتِرَاك فِي الْكل

(4/491)


النّظر الثَّانِي فِي أَحْكَام الْوِصَايَة
وَهِي سِتَّة
الأول أَن يقْضِي الدُّيُون اللَّازِمَة فِي مَال الصَّبِي من أرش الْجَنَابَة والأعواض وَالْكَفَّارَة عِنْد الْقَتْل وَينْفق عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ
فَلَو تنَازعا بعد الْبلُوغ فِي مِقْدَار الْحَاجة فِي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَول الْوَصِيّ لِأَنَّهُ أَمِين وَالْإِشْهَاد على النَّفَقَة مُتَعَذر فِي كل يَوْم
وَكَذَا إِذا تنَازعا فِي كَون البيع مُوَافقا للغبطة فَالْقَوْل قَول الْوَلِيّ وَالْوَصِيّ إِذْ الأَصْل عدم الْخِيَانَة
وَإِن تنَازعا فِي دفع المَال بعد الْبلُوغ إِلَيْهِ فَالظَّاهِر أَن القَوْل قَول الصَّبِي إِذْ الأَصْل عدم الرَّد وَالْإِشْهَاد مَأْمُور بِهِ عَلَيْهِ فِي كتاب الله تَعَالَى
وَكَذَلِكَ إِذا تنَازعا فِي تَارِيخ موت الْوَالِد إِذْ تكْثر النَّفَقَة بطول الْمدَّة فَالْبَيِّنَة على الوصى إِذا الأَصْل عدم الْمَوْت وَإِقَامَة الْبَيِّنَة على الْمَوْت مُمكن

(4/492)


الحكم الثَّانِي لَا يُزَوّج الْوَصِيّ الْأَطْفَال وَقد ذَكرْنَاهُ
الثَّالِث لَا يتَوَلَّى الْوَصِيّ طرفِي العقد وَلَا يَبِيع مَاله من نَفسه بِخِلَاف الْأَب فَإِنَّهُ جوز لَهُ ذَلِك لقُوَّة الْأُبُوَّة
نعم لَو أَن يُوكل فِي التَّصَرُّفَات الْجُزْئِيَّة كَمَا للْأَب وَلَيْسَ لَهُ الْإِيصَاء بِخِلَاف الْأَب
الرَّابِع الْوِصَايَة عقد جَائِز وللوصي عزل نَفسه مهما شَاءَ
قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَيْسَ لَهُ عزل نَفسه بعد موت الْمُوصي
الْخَامِس إِذا لم يملك إِلَّا عبدا وَأوصى بِثلث مَاله فَلَيْسَ للْوَصِيّ إِلَّا بيع ثلث العَبْد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَهُ بيع الْكل فَإِن التشقيص بِنَقص من الثُّلُث
السَّادِس للْوَصِيّ أَن يشْهد على الْأَطْفَال وَله أَن يشْهد لَهُم بِمَا لَا يَسْتَفِيد بِشَهَادَتِهِ سلطنة واتساع تصرف حَتَّى لَو كَانَ وَصِيّا بِالتَّصَرُّفِ فِي الثُّلُث وَشهد لَهُم بِمَال لَا يجوز إِذْ يَتَّسِع بِهِ الثُّلُث فيتسع تصرفه

(4/493)