الوسيط في المذهب

= كتاب الرّجْعَة = - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرّجْعَة وأحكامها وَفِيه فصلان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
الْفَصْل الأول فِي الْأَركان

وَهِي ثَلَاثَة
المرتجع وَالْمَرْأَة والصيغة
الأول المرتجع وَلَا يشْتَرط فِيهِ إِلَّا أَهْلِيَّة الاستحلال وَالْعقد كَمَا فِي أَهْلِيَّة النِّكَاح وَقد سبق
الرُّكْن الثَّانِي الصِّيغَة فَنَقُول كل منطلق زَوجته طَلَاقا مستعقبا للعدة وَلم يكن بعوض وَلم يسْتَوْف عدد الطَّلَاق ثبتَتْ لَهُ الرّجْعَة بِنَصّ قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن} وبنص قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مره فَلْيُرَاجِعهَا فِي حَدِيث ابْن عمر وبإجماع الْأمة

(5/457)


وصريح صِيغَة الرّجْعَة بالِاتِّفَاقِ ثَلَاثَة قَوْله رجعت وراجعت وارتجعت وترددوا فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ
أَحدهَا قَوْله رددت أخذا من قَوْله تَعَالَى {وبعولتهن أَحَق بردهن فِي ذَلِك} فَمنهمْ من قَالَ هُوَ صَرِيح لوُرُود الْقُرْآن بِهِ وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر
ثمَّ إِذا جَعَلْنَاهُ صَرِيحًا فَالظَّاهِر أَنه لَا بُد من صلَة وَهُوَ أَن يَقُول رَددتهَا إِلَيّ أَو إِلَى النِّكَاح لِأَنَّهُ من غير صلَة يشْعر بِالرَّدِّ المضاد للقبول وَأما قَوْله راجعت وارتجعت فَلَا يحْتَاج إِلَى الصِّلَة وَكَذَلِكَ قَوْله رجعت لِأَنَّهُ يسْتَعْمل لَازِما ومتعديا
الثَّانِي لفظ الْإِمْسَاك وَفِيه ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه صَرِيح لقَوْله تَعَالَى {فأمسكوهن}
وَالثَّانِي أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَا يتَكَرَّر
وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ يشْعر بالاستصحاب لَا بالاستدراك

(5/458)


الثَّالِث لفظ التَّزْوِيج والإنكاح وَفِيه ثَلَاثَة أوجه

وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يرد الْقُرْآن بِهِ فِي الرّجْعَة وَهُوَ مَأْخَذ الصَّرِيح فَهُوَ كِنَايَة
وَالثَّالِث أَنه لَيْسَ بكناية أَيْضا لِأَنَّهُ لَا يشْعر بِهِ
فَإِن قيل وَهل تَنْحَصِر صرائح الرّجْعَة بالتعبد كَالطَّلَاقِ وَالنِّكَاح أم لَا تَنْحَصِر حَتَّى تحصل بِمَا يدل على الْمَقْصُود كَقَوْلِه رفعت التَّحْرِيم الْعَارِض بِالطَّلَاق وأعدت الْحل الْكَامِل وَمَا يجْرِي مجْرَاه قُلْنَا حكم الْعِرَاقِيُّونَ بالانحصار وَزَعَمُوا أَن الْخلاف فِي لفظ الْإِمْسَاك وَالرَّدّ كالخلاف فِي لفظ المفاداة فِي الطَّلَاق وَالْخلاف فِي لفظ

(5/459)


التَّزْوِيج من حَيْثُ الأولى وَإِلَّا فَإِذا كَانَ الطَّلَاق لَا يَقع بقوله قطعت النِّكَاح ورفعته واستأصلته من غير نِيَّة الطَّلَاق فَلَا تحصل الرّجْعَة أَيْضا بقوله رفعت التَّحْرِيم بل أولى لِأَن الرّجْعَة اجتلاب حل فَهُوَ بالتعبد أَحْرَى وميل الشَّيْخ أبي عَليّ إِلَى أَنه لَا تَنْحَصِر صرائحه بِخِلَاف الطَّلَاق وَوجه أَن الرّجْعَة حكم ينبىء عَنهُ لفظ من حَيْثُ اللِّسَان فَيقوم مقَامه مَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ وَأما النِّكَاح وَالطَّلَاق فأحكامهما غَرِيبَة لَيْسَ فِي اللُّغَة مَا يدل عَلَيْهِمَا لِأَن للشَّرْع فِيهِ مَوْضُوعَات غَرِيبَة فَلَا تُؤْخَذ صرائحهما إِلَّا من الشَّرْع
فَإِن قيل هَل تتطرق الْكِنَايَة إِلَى الرّجْعَة قُلْنَا الصَّحِيح الْجَدِيد أَن الْإِشْهَاد لَا يشْتَرط فِي الرّجْعَة وَأَن الزَّوْج يسْتَقلّ بِهِ فتتطرق إِلَيْهِ الْكِنَايَة بِخِلَاف النِّكَاح وَإِن قُلْنَا يشْتَرط الْإِشْهَاد فالشاهد لَا يطلع على النِّيَّة فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا بُد من الصَّرِيح وَيحْتَمل خِلَافه أَيْضا لِأَن الْقَرِينَة قد تفهم
فرع فَإِن قَالَ مهما طَلقتك فقد رَاجَعتك فَطلقهَا لم تحصل الرّجْعَة
وَلَو قَالَ مهما رَاجَعتك فقد طَلقتك فَرَاجعهَا حصل الطَّلَاق لِأَن الرّجْعَة فِي حكم الْخِيَار فَلَا تقبل التَّعْلِيق وَإِن كَانَ يسْتَقلّ بِهِ
وَاعْلَم أَن الْفِعْل لَا يقوم مقَام اللَّفْظ فِي الرّجْعَة عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تحصل الرّجْعَة بِالْوَطْءِ وباللمس وبالنظر إِلَى الْفرج بالشهوة وَقَالَ

(5/460)


مَالك رَحمَه الله إِن قصد بِالْوَطْءِ الرّجْعَة حصل وَإِلَّا فَلَا
الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهِي الْمَرْأَة وَشَرطهَا أَمْرَانِ أَن تكون مُعْتَدَّة وَأَن تكون محلا للاستحلال
الشَّرْط الأول أَن لَا تحرم بردتها فَإِذا ارْتَدَّت فَرَاجعهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من اسْتِئْنَاف الرّجْعَة لِأَن الْمَقْصُود الْحل وَالْمحل غير قَابل وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله نتبين بعودها صِحَة الرّجْعَة إِذْ نتبين بِهِ بَقَاء النِّكَاح وَيشْهد لمذهبه أَن الظَّاهِر أَن إحرامها وإحرامه لَا يمْنَع الرّجْعَة بِخِلَاف ابْتِدَاء النِّكَاح إِلَّا أَن نقُول الْإِحْرَام عَارض منتظر الزَّوَال كَالصَّوْمِ وَالْحيض بِخِلَاف الرِّدَّة
الشَّرْط الثَّانِي بَقَاء الْعدة وَمهما انْقَضتْ الْعدة قبل الرّجْعَة انْقَطَعت وَإِذا رَأينَا الْخلْوَة

(5/461)


مُوجبَة للعدة على الْمَذْهَب الضَّعِيف ثبتَتْ الرّجْعَة فِي عدتهَا وَفِيه وَجه ضَعِيف أَنه لَا تثبت نعم إِذا أثبتنا الْعدة بالإتيان فِي غير المأتى فَفِي الرّجْعَة وَجْهَان لِأَن إِيجَاب الْعدة بِهِ نوع تَغْلِيظ
ثمَّ انْقِضَاء الْعدة يخْتَلف باخْتلَاف أَنْوَاع الْعدة وَهِي ثَلَاثَة

الأول الْحمل وتنقضي الْعدة بِوَضْع الْوَلَد حَيا وَمَيتًا وناقصا وكاملا إِن كَانَت الصُّورَة والتخطيط قد ظهر عَلَيْهِ فَإِن كَانَ قِطْعَة لحم فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ قَولَانِ وَالْقَوْل قَول الْمَرْأَة إِذا ادَّعَت الْوَضع على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يلْزمهَا الْبَيِّنَة لِأَن القوابل يشهدن الْولادَة وَرُبمَا صدقهَا فِي إجهاض السقط النَّاقِص إِذْ القوابل لَا يشهدن
ثمَّ نَحن إِذا صدقناها فَإِنَّمَا نصدق فِي مَظَنَّة الْإِمْكَان وَإِن كَانَ الْوَلَد الْكَامِل بعد سِتَّة أشهر من وَقت إِمْكَان الْوَطْء وَإِمْكَان الصُّورَة بعد مائتة وَعشْرين يَوْمًا وَإِمْكَان قِطْعَة لحم بعد ثَمَانِينَ يَوْمًا وَذَلِكَ لما رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ بَدَأَ خلق أحدكُم فِي بطن أمه أَرْبَعُونَ يَوْمًا نُطْفَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا علقَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا مُضْغَة ثمَّ يبْعَث إِلَيْهِ ملك فينفخ فِيهِ الرّوح وَيكْتب أَجله ورزقه وَيكْتب أشقي هُوَ أم سعيد

(5/462)


النَّوْع الثَّانِي الْعدة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ لَا يتَصَوَّر فِيهِ نزاع فَإِن فرض النزاع فَيرجع إِلَى وَقت الطَّلَاق وَيكون القَوْل فِيهِ قَول الرجل
النَّوْع الثَّالِث الْحيض فَإِن طَلقهَا فِي الطُّهْر فَأَقل مُدَّة تصدق فِيهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وساعتان لأَنا نقدر كَأَن لم يبْق من الطُّهْر إِلَّا سَاعَة فَيحصل قرء بِتِلْكَ السَّاعَة وَإِن قُلْنَا مُجَرّد الإنتقال قرء فَلَا تعْتَبر هَذِه السَّاعَة ونقدر اقتران الطَّلَاق بآخر جُزْء من الطُّهْر وَأما ثَلَاثُونَ يَوْمًا فلطهرين آخَرين لِأَن أقل مُدَّة الطُّهْر خَمْسَة عشر يَوْمًا ويومان وَلَيْلَتَانِ بحيضتين والساعة الثَّانِيَة للشروع فِي الْحيض حَتَّى نتبين تَمام الْقُرْء لَا من نفس الْعدة
وَإِن طَلقهَا فِي الْحيض لم تحسب بَقِيَّة الْحيض فلنقدر أَنه وَقع فِي آخر جُزْء فَأَقل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ ثَلَاثَة أطهار وَهِي خَمْسَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وحيضتان وَهِي فِي يَوْمَيْنِ وليلتين وَلَا بُد من ساعتين كَمَا سبق وَجُمْلَته سَبْعَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتان وَإِن طَلقهَا وَهِي صبية لم تَحض بعد وَادعت الْحيض فَأَقل مدَّتهَا اثْنَان وَثَلَاثُونَ يَوْمًا ولحظتان إِلَّا إِذا قُلْنَا إِن الْقُرْء هُوَ طهر محتوحش بدمين فَتكون أقل مدَّتهَا ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا ولحظتين إِذْ لَا بُد من ثَلَاث حيض وَثَلَاثَة أطهار
هَذَا كُله فِي المضطربة الْعَادة أَو المستقيمة على الْأَقَل فَإِن كَانَت لَهَا عَادَة مُسْتَقِيمَة على

(5/463)


غير الْأَقَل فَهَل تصدق فِيمَا ينقص من عَادَتهَا فِيهِ وَجْهَان وَالظَّاهِر أَنه يقبل لِأَن تغير الْعَادة مُمكن وَهِي مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا
فرع

إِذا وَطئهَا قبل الرّجْعَة لَزِمَهَا اسْتِئْنَاف عدَّة وتندرج بَقِيَّة الْعدة تَحْتَهُ فَإِن كَانَ قد بَقِي قرء وَاحِد فَلهُ الرّجْعَة إِلَى تَمام ذَلِك الْقُرْء وَإِن أحبلها بِالْوَطْءِ فَفِي اندراج بَقِيَّة الْعدة تَحت عدَّة الْحمل خلاف فَإِذا ادرجنا امتدت الرّجْعَة إِلَى وضع الْحمل وَإِن لم تندرج شرعت فِي عدَّة الْحمل إِذْ لم يقبل ذَلِك تَأْخِيرا فَإِذا وضعت الْحمل شرعت فِي عدَّة الرّجْعَة بِبَقِيَّة الْأَقْرَاء وَتثبت فِيهِ الرّجْعَة وَهل تثبت فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان

(5/464)


الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْكَام الرَّجْعِيَّة

وَهِي مترددة بَين الْمَنْكُوحَة والبائنة لِأَن الطَّلَاق أوجب خللا فِي الْملك وَلم يُوجب زَوَاله فلاختلاله قُلْنَا إِنَّه يحرم وَطْؤُهَا وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يلزما الْمهْر بِالْوَطْءِ رَاجعهَا أَو لم يُرَاجِعهَا وَنَصّ فِي الْمُرْتَدَّة إِذا وَطئهَا ثمَّ عَادَتْ إِلَى الْإِسْلَام أَنه لَا مهر
فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَالْفرق مُشكل وغايته أَن الرّجْعَة فِي حكم ابْتِدَاء أَو اسْتِدْرَاك وعودها إِلَى الْإِسْلَام يُعِيد الْحل السَّابِق وَلَيْسَ فِي حكم الِابْتِدَاء
وَالصَّحِيح أَنه لَا يجب الْحَد وَإِن وَجب الْمهْر لِأَن الْملك بِالْكُلِّيَّةِ لم يزل وشبب بعض الْأَصْحَاب بِخِلَاف فِي وعَلى الْجُمْلَة يحرم الْوَطْء وَقطع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِوُجُوب الْمهْر يدل على اختلال أصل الْملك إِن لم يدل على زَوَاله وَيدل على بَقَاء أصل الْملك صِحَة الطَّلَاق وَصِحَّة الْخلْع وَالظِّهَار وَالْإِيلَاء وَاللّعان وجريان الْمِيرَاث وَلُزُوم النَّفَقَة وَفِي الْخلْع قَول قديم أَنه لَا يَصح
وَلَو قَالَ زوجاتي طَوَالِق اندرجت الرَّجْعِيَّة تَحْتَهُ وَطلقت على الْأَصَح لِأَنَّهَا زوجه فِي خمس آي من كتاب الله تَعَالَى هَذَا لفظ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَأَرَادَ بِهِ آياة الْإِيلَاء وَالظِّهَار وَغَيرهمَا

(5/465)


وَلَا خلاف فِي لَو أَنه اشْترى زَوجته الرَّجْعِيَّة لزمَه الِاسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا كَانَت مُحرمَة وَإِن استبرئها فِي صلب النِّكَاح فَلَا اسْتِبْرَاء على الْأَظْهر وَقيل إِنَّه يجب لتبدل جِهَة الْحل وَقد قَالَ بعض الْأَصْحَاب تردد قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْخلْع يدل على اخْتِلَاف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن الْملك زائل أم لَا وَقَول بعض الْأَصْحَاب إِنَّه إِن رَاجع بعد الْوَطْء فَلَا مهر وَإِن لم يُرَاجع يجب الْمهْر يدل على أَن الْملك مَوْقُوف فَتحصل فِي زَوَال الْملك ثَلَاثَة أَقْوَال

(5/466)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَله صور خمس
الأولى أَن يتَّفقَا على انْقِضَاء الْعدة يَوْم الْجُمُعَة لَكِن الزَّوْج قَالَ راجعت يَوْم الْخَمِيس وَقَالَت بل يَوْم السبت فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا وَهُوَ الَّذِي ذكره المراوزة من عِنْد آخِرهم وَهُوَ الْقيَاس أَن القَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهُمَا إِذا اتفقَا على الطَّلَاق وانقضاء الْعدة فَالْأَصْل انْقِطَاع النِّكَاح وَالزَّوْج يُرِيد دَفعه بِدَعْوَى الرّجْعَة فَعَلَيهِ الْإِثْبَات
وَالْوَجْه الثَّانِي ذكره الْعِرَاقِيُّونَ أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَالرَّجْعَة إِلَى الزَّوْج وَلَيْسَ لَهَا قَول إِلَّا فِي انْقِضَاء صُورَة الْأَقْرَاء وَالزَّوْج يُنكر بَقَاء الْعدة بعد يَوْم الْخَمِيس إِذْ الرّجْعَة تقطع الْعدة ويحققه أَن الزَّوْج لَو ادّعى الْوَطْء فِي مُدَّة الْعنَّة يصدق مَعَ أَن الأَصْل عَدمه لتقرير النِّكَاح فَهَذَا أولى
وَالثَّالِث ذكره صَاحب التَّقْرِيب أَن الْمُصدق هُوَ السَّابِق إِلَى الدَّعْوَى فَإِذا سبقت بِدَعْوَى الإنقضاء الِانْقِضَاء فقد حكم الشَّرْع بقولِهَا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا يرْتَفع بِدَعْوَاهُ من غير بَيِّنَة وَكَذَلِكَ إِذا سبق الزَّوْج فعلى هَذَا إِن تساوقا رَجَعَ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ زَالَ الْمُرَجح لَهُ
الصُّورَة الثَّانِيَة أَلا يَقع التَّعَرُّض لوقت الْعدة وَالرَّجْعَة وَلَكِن اتفقَا على جَرَيَان الْأَمريْنِ وَاخْتلفَا فِي التَّقَدُّم فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه الْمُصدق لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح

(5/467)


وَالثَّانِي أَنَّهَا المصدقة لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا عاجزة عَن الْإِشْهَاد وَالزَّوْج على قَادر على الْإِشْهَاد على الرّجْعَة
الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يَقع الْوِفَاق على أَن الرّجْعَة جرت يَوْم الْجُمُعَة وَلَكِن قَالَت كَانَت الْعدة قد انْقَضتْ يَوْم الْخَمِيس وَقَالَ الزَّوْج بل يَوْم السبت فَهَذَا كصورة الأولى فترجع الْوُجُوه الثَّلَاثَة
الصُّورَة الرَّابِعَة أَن يَقع الْوِفَاق من وَقت انْقِضَاء الْعدة ويدعى الزَّوْج رَجْعَة قبلهَا وَأنْكرت أصل الرّجْعَة قَالَ صَاحب التَّقْرِيب هِيَ المصدقة بِلَا خلاف وَالْأَظْهَر جَرَيَان الْأَوْجه إِذْ لم تفارق هَذِه الصُّورَة مَا قبلهَا إِلَّا أَنَّهَا أنْكرت لفظ الرّجْعَة وَهُنَاكَ إِنَّمَا أقرَّت بِلَفْظ الرّجْعَة لَا بِحَقِيقَة الرّجْعَة
الصُّورَة الْخَامِسَة النزاع مَعَ قيام الْعدة فَإِذا قَالَ رَاجَعتك أمس فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله لِأَنَّهُ قَادر على الْإِنْشَاء فَيقبل قَوْله كَقَوْل الْوَكِيل قبل الْعَزْل وَقيل الأَصْل عدم الرّجْعَة فَالْقَوْل قَوْلهَا فَإِن أَرَادَ الْإِنْشَاء فلينشأ وَالصَّحِيح أَن إخْبَاره لَا يَجْعَل إنْشَاء وَحكي عَن الْقفال إِنَّه إنْشَاء وَهُوَ بعيد لِأَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ إِن من أقرّ بِالطَّلَاق كَاذِبًا لم يكن إِن شَاءَ
فرع إِذا أنْكرت الرّجْعَة ثمَّ أقرَّت قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لم تمنع عَنهُ فَهُوَ كمن أقرّ بِحَق بعد الْجُحُود وَهَذَا فِيهِ إِشْكَال لِأَنَّهَا أقرَّت بِالتَّحْرِيمِ على نَفسهَا ثمَّ رجعت
وَلَو أقرَّت بِتَحْرِيم رضَاع أَو نسب لم تمكن من الرُّجُوع وَلَكِن الْفرق أَن الرّجْعَة تصح دونهَا

(5/468)


فلعلها أنْكرت إِذْ لم تعرف وَلَا تقر بِالرّضَاعِ وَالنّسب وَهُوَ إِثْبَات إِلَّا على بَصِيرَة نعم من قَالَ مَا أتلف فلَان مَالِي ثمَّ رَجَعَ إِلَى الدَّعْوَى لم يُمكن لِأَنَّهُ أقرّ على نَفسه وَهَاهُنَا جحدت حق الزَّوْج فَإِذا توافقا لم يبطل حق الزَّوْج وَلَو قَالَت مَا رضيت فِي النِّكَاح ثمَّ رجعت فَهَذَا مُحْتَمل لِأَنَّهَا تحقق رضَا نَفسهَا وَلذَلِك تحلف على الْبَتّ وَلكنهَا جحدت حق الزَّوْج فَالْأَظْهر أَنه يغلب جَانب الزَّوْج وَتمكن الْمَرْأَة من الرُّجُوع

(5/469)