الوسيط في المذهب

= كتاب الطَّلَاق = وَالنَّظَر فِي شطرين
أَحدهمَا فِي عُمُوم أَحْكَامه
وَالثَّانِي فِي التعليقات خَاصَّة أما الشّطْر الأول فَفِيهِ سِتَّة أَبْوَاب

(5/359)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي معنى السّنة والبدعة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان
الْفَصْل الأول فِي مواقع السّنة والبدعة

وَقد اتّفق الْعلمَاء على انقسام الطَّلَاق إِلَى سني وبدعي فالبدعي هُوَ الطَّلَاق الْمحرم إِيقَاعه وَإِن كَانَ نَافِذا والسني مَا لَا تَحْرِيم فِيهِ
والبدعي هُوَ الطَّلَاق الْوَاقِع بعد الْمَسِيس فِي الْحيض دون سؤالها وَالْوَاقِع فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَلم يتَبَيَّن حملهَا فهذان أصلان
أما الأول وَهُوَ الْحيض فَيحرم فِي الطَّلَاق بعد الْمَسِيس وَلَا بِدعَة فِي طَلَاق غير الممسوسة أصلا وَأما الممسوسة فَيحرم طَلاقهَا فِي الْحيض بِغَيْر سؤالها لما رُوِيَ أَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا طلق امْرَأَة فِي الْحيض فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمر رَضِي الله عَنهُ مره فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض ثمَّ تطهر ثمَّ إِن شَاءَ طَلقهَا وَإِن شَاءَ أمْسكهَا فَتلك الْعدة

(5/361)


الَّتِي أَمر الله تَعَالَى أَن تطلق لَهَا النِّسَاء وَأَرَادَ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} أَي لقبل عدتهن حَتَّى يشرعن عقيب الطَّلَاق فِي الْعدة المحسوبة فَإِن بقيت الْحيض لَا تحسب فتطول الْعدة ثمَّ أَمر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زَوْجَة ثَابت بالافتداء وَلم يستفصل أَهِي حَائِض أم لَا فَدلَّ على أَن الْخلْع مُسْتَثْنى وَلَا تَحْرِيم فِيهِ
فَمنهمْ من فهم ذَلِك لكَونهَا راضية فَكَأَنَّهُ جوز تَطْوِيل الْعدة بِرِضَاهَا وَقَالَ لَا حُرْمَة فِي الطَّلَاق بسؤالها وَإِن لم يكن بِمَال وَيحرم اختلاع الْأَجْنَبِيّ لعدم رِضَاهَا وَمِنْهُم من جعل ذَلِك من خاصبة الِابْتِدَاء لِأَنَّهُ لَا يبْذل إِلَّا لضَرُورَة فجوز اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَحرم الطَّلَاق وَإِن كَانَ بسؤالها وَيشْهد بذلك جَوَاز الطَّلَاق للمؤلي إِذا طُولِبَ بِهِ لِأَن ذَلِك

(5/362)


وَاجِب بِنَوْع ضَرُورَة فاتفقوا على جَوَاز الْخلْع وَطَلَاق المؤلي وترددوا فِي اختلاع الْأَجْنَبِيّ وَالطَّلَاق بِرِضَاهَا
وَأما قَوْله إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَلَا بِدعَة فِيهِ وَإِن جرى فِي الْحيض لَكِن ينظر إِن اتّفق الدُّخُول فِي الْحيض نفذ الطَّلَاق بدعيا وَفَائِدَته أَنه يُؤمر بالرجعة على سَبِيل الِاسْتِحْبَاب وَإِذا رَجَعَ فَهَل يجوز أَن يطلقهَا فِي الطُّهْر الأول بعده فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم إِذْ لَا معنى للْمَنْع فِي الطُّهْر وَقد ورد فِي بعض الرِّوَايَات مرّة فَلْيُرَاجِعهَا حَتَّى تطهر
وَالثَّانِي أَنه يصبر على الطُّهْر الثَّانِي لِأَن ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى أَن تكون الرّجْعَة لأجل الطَّلَاق وَذَلِكَ لَا يَلِيق بمحاسن الشَّرْع وَيشْهد لذالك حَدِيث ابْن عمر
وعَلى هَذَا ترددوا فِي أَنه هَل يسْتَحبّ أَن يُجَامِعهَا حَتَّى يظْهر مَقْصُود الرّجْعَة
أما إِذا طَلقهَا طَلَاقا غير بدعي ثمَّ رَاجعهَا فَلهُ أَن يطلقهَا فِي الْحَال إِذْ لَا بِدعَة حَتَّى تستدرك
وَأما الْجمع بَين الثَّلَاث فَلَا بِدعَة فِيهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله نعم الأولى أَن

(5/363)


يفرق كَيْلا يلْحقهُ نَدم
فرع إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الْحيض فَهَذَا طَلَاق يُصَادف الْحيض وَلَكِن يستعقب الْعدة فَمنهمْ من نظر إِلَى الْمَعْنى وَقَالَ هُوَ سني وَمِنْهُم من نظر إِلَى المظنة وَهُوَ الْحيض فَقَالَ هُوَ بدعي وَكَذَا الْخلاف فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ آخر جُزْء من الطُّهْر وَلَعَلَّ النّظر إِلَى المظنة أولى
الأَصْل الثَّانِي فِي بِدعَة الطَّلَاق فِي طهر جَامعهَا فِيهِ وَهُوَ بِدعَة إِلَّا إِن يكون عَالما بِكَوْنِهَا حَامِلا فَيحل الطَّلَاق لِأَن الْمَحْذُور لُحُوق النَّدَم بِسَبَب الْجَهْل بِالْوَلَدِ
واستدخالها مَاء الزَّوْج فِي معنى الْوَطْء لِأَنَّهُ يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد والإتيان فِي غير المأتى فِيهِ تردد فَإِنَّهُ وَإِن لم يتَوَقَّع مِنْهُ الْوَلَد فالعدة تجب بِهِ وترددوا فِيمَا لَو وَطئهَا فِي الْحيض ثمَّ طهرت أَنه هَل يحرم طَلاقهَا لِأَن بَقِيَّة الْحيض قد تدل على عدم الْوَلَد دلَالَة دون دلَالَة ابْتِدَاء الْحيض
وَالظَّاهِر أَنه لَا بِدعَة فِي خلاعها أَيْضا كَمَا فِي حَالَة الْحيض وَمِنْهُم من قَالَ السَّبَب

(5/364)


هَاهُنَا حذار الْوَلَد ورضاها لَا يُؤثر والمحذور ثمَّ طول الْعدة فَلَا يبعد أَن يُؤثر رِضَاهَا فِي حَقّهَا
وَقد خرج من هَذَا أَن خمْسا من النسْوَة لَا بِدعَة فِي طلاقهن وَلَا سنة
غير الممسوسة
وَالْحَامِل بِيَقِين
والآيسة وَالصَّغِيرَة إِذْ لاحيض لَهما وَلَا ولد
والمختلعة

(5/365)


الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى السّنة والبدعة تنجيزا وتعليقا

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ للحائض أَنْت طَالِق للبدعة وَقع فِي الْحَال وَإِذا قَالَ للسّنة من يَقع حَتَّى تطهر وَكَذَا إِن قَالَ للَّتِي طهرت قبل الْجِمَاع أَنْت طَالِق للسّنة وَقع الطَّلَاق فِي الْحَال وَإِن قَالَ للبدعة لم تطلق حَتَّى تجامع أَو تحيض
وَالْمَقْصُود أَن اللَّام للتأقيت فِيمَا يشبه الْأَوْقَات كالسنة والبدعة فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرمضان فَإِن تأقيت برمضان وَأما لَا يشبه الْأَوْقَات فَاللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضي فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال رَضِي فلَان أَو سخط وَقَوله أَنْت طَالِق لدُخُول الدَّار فَهُوَ تَعْلِيق يَقع فِي الْحَال بِخِلَاف قَوْله لقدوم زيد فَإِنَّهُ تأقيت بالقدوم لِأَن الْقدوم مِمَّا ينْتَظر كالحيض وَالطُّهْر
وَإِنَّمَا صَرِيح لفظ التَّعْلِيق إِن وَإِذا وَأما اللَّام فَهُوَ للتَّعْلِيل ظَاهرا إِلَّا فِيمَا يشبه الْأَوْقَات وَحَيْثُ حملنَا على التَّعْلِيل فَلَو قَالَ أردْت التَّأْقِيت فيدين فِي الْبَاطِن وَهل يقبل ظَاهرا فِي وَجْهَان وَهَذَا فِيمَا إِذا خَاطب متعرضة للسّنة والبدعة فَإِن خَاطب صَغِيرَة أَو آيسة أَو غير مَدْخُول بهَا فَهُوَ للتَّعْلِيل حَتَّى يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال سَوَاء قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة أَو للبدعة وَفِيه وَجه إِنَّه لَو قَالَ للسّنة وَقع فِي الْحَال فَإِن مَعْنَاهُ طَلَاق لَا تَحْرِيم فِيهِ وَلَو قَالَ للبدعة لم يَقع حَتَّى تحيض الصَّغِيرَة وَحَتَّى يدْخل بِغَيْر الْمَدْخُول بهَا

(5/366)


أما إِذا قَالَ لمتعرضة للحالتين إِذا قدم زيد فَأَنت طَالِق للسّنة فَإِن قدم وَهِي حَائِض لم يَقع حَتَّى تطهر وَإِن قَالَ للبدعة وَقدم وَهِي فِي طهر لم يُجَامع فِيهِ لم تطلق حَتَّى تحيض أَو يُجَامع
وَإِن علق بِمُجَرَّد الْقدوم فَقدم وَهِي حَائِض نفذ طَلَاقا بدعيا وَإِن لم تكن فِي حَالَة التَّعْلِيق من أهل السّنة والبدعة نظر إِلَى حَالَة الْوُقُوع لَا إِلَى التَّعْلِيق
فرع لَو قَالَ فِي طهر لم يُجَامِعهَا فِيهِ أَنْت طَالِق للبدعة فَإِذا جَامع وَقع الطَّلَاق كَمَا غَابَتْ الْحَشَفَة وَهل يلْزمه بدوام الْوَطْء إِن لم ينْزع فِي الْحَال مهر آخر من حَيْثُ يجب الْمهْر بابتداء وَطْء الرَّجْعِيَّة فِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن دوَام الْوَطْء هَل هُوَ كابتدائه وَالْأَظْهَر أَنه لَا يجب لِأَن مهر النِّكَاح تنَاول أول هَذَا الْوَطْء فَلَا يبعض حكمه وَإِن تغير الْحل فِي أَثْنَائِهِ
الثَّانِيَة إِن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا بَعضهنَّ للسّنة وبعضهن للبدعة فَإِن قَالَ أردْت إِيقَاع طَلْقَة وَنصف فِي الْحَال قبل وكملت طَلْقَتَانِ وَإِن قَالَ أردْت وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْحَال قبل وَلَو قَالَ أردْت إِيقَاع ثَلَاثَة أَنْصَاف فِي الْحَال وَقع الثَّلَاث فِي الْحَال وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة حمل على التشطير وَوَقع فِي الْحَال طَلْقَة وَنصف وَلَكِن تكمل طَلْقَتَانِ وَهُوَ كَمَا لَو قَالَ هَذِه الدَّار بَعْضهَا لزيد وَبَعضهَا لعَمْرو حمل مطلقه على التشطير لِأَن الْأَكْثَر لَا يُسمى بَعْضًا فِي الظَّاهِر فَلَو قَالَ أردْت وَاحِدَة فِي الْحَال وثنتين فِي الْمُسْتَقْبل فَالظَّاهِر أَنه يقبل وَفِيه وَجه أَنه لَا يقبل لِأَن تَسْمِيَة الثِّنْتَيْنِ من الثَّلَاث بَعْضًا بعيد
وَقَالَ الْمُزنِيّ قِيَاس قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن لَا يَقع فِي الْحَال لَا طَلْقَة إِذا لم ينْو

(5/367)


شَيْئا لِأَن الْبَعْض مُجمل فَيَنْبَغِي أَن ينزل على الْأَقَل إِذْ يحْتَمل الْوَاحِد وَيحْتَمل وَاحِدًا وَنصفا وليجعل هَذَا تخريجا مِنْهُ على مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ
الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق أحسن الطَّلَاق أَو أفضله أَو أجمله أَو غير ذَلِك من صِفَات الْمَدْح فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق للسّنة فَلَو كَانَت فِي حَال الْبِدْعَة لم يَقع فِي الْحَال وَإِن كَانَت فِي حَال سنة وَقع فِي الْحَال
وَلَو كَانَت فِي حَال بِدعَة فَقَالَ أردْت بِأَحْسَن الطَّلَاق أعجله وَقع فِي الْحَال لِأَنَّهُ إِظْهَار احْتِمَال فِي جَانب الْوُقُوع
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أقبح الطَّلَاق وأسمجه فَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق للبدعة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة حَسَنَة قبيحة أَو بدعية سنية وَقع فِيهِ الْحَال سَوَاء كَانَت متعرضة للحالتين أَو لم تكن لِأَنَّهُ وصف متناقض فَيلْغُو وَيبقى قَوْله أَنْت طَالِق وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع إِنَّه يَقع فِي الْحَال وَلَا نبالي بهذيانه
الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة فلهَا أَحْوَال خمس
إِحْدَاهَا أَن لَا تكون مَدْخُولا بهَا فَإِن كَانَت فِي الْحيض لم يَقع شَيْء لِأَن الْقُرْء عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ طهر محتوش بحيضتين فَإِذا طهرت أَو كَانَت فِي الطُّهْر وَقعت وَاحِدَة وَبَانَتْ وَلَا تلحقها الْأُخْرَى فَإِن طهرت طهرين ثمَّ جدد نِكَاحهَا فقد انحل الْيَمين فَلَا يعود وُقُوع الطَّلَاق وَإِن رَأينَا عود الْحِنْث لِأَنَّهُ مُعَلّق على الإقراء وَقد انْقَضتْ وَإِن جدد نِكَاحهَا قبل الِانْقِضَاء ابتنى على عود العنث

(5/368)


الثَّانِيَة أَن تكون صَغِيرَة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان مأخذهما أَن الِانْتِقَال من الطُّهْر إِلَى الْحيض هَل هُوَ قرء أَو الْقُرْء طهر محتوش بحيضتين
الثَّالِثَة أَن تكون آيسة فَهَل تقع فِي الْحَال وَاحِدَة فِيهِ أَيْضا وَجْهَان كَمَا فِي الصَّغِيرَة
الرَّابِعَة أَن تكون مَدْخُولا بهَا من ذَوَات الإقراء وَهِي حَائِل فَيَقَع فِي طهرهَا طَلْقَة وتشرع فِي الْعدة وتلحقها الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فِي الطهرين الآخرين وَهل يسْتَأْنف الْعدة أَو تبني على عدتهَا فِيهِ خلاف
الْخَامِسَة أَن تكون حَامِلا فَإِن كَانَت لَا ترى الدَّم أَو قُلْنَا دم الْحَامِل دم فَاسد وَقع فِي الْحَال وَاحِدَة وَتبين بِالْولادَةِ وَإِن كَانَت ترى الدَّم وقضينا بِأَنَّهُ حيض وَقعت وَاحِدَة وَهل يتَكَرَّر الطُّهْر فِي مُدَّة الْحمل فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ طهر بَين حيضتين
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقُرْء مَا يدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا دلَالَة لَهُ أصلا
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا للسّنة ثمَّ قَالَ أردْت التَّفْرِيق على الإقراء لم يقبل ظَاهرا لِأَنَّهُ لَا سنة فِي تَفْرِيق الطَّلَاق عندنَا وَاللَّفْظ لَا يُنبئ عَنهُ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلم يقل للسّنة ثمَّ فسرنا بِالتَّفْرِيقِ فَهَل يدين بَاطِنا فِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ إِن دخلت الدَّار ومأخذه أَن مُجَرّد النِّيَّة لَا تُؤثر فَإِن لَو طلق بِالنِّيَّةِ لم يَقع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَإِن ذكر لفظا وَنوى مَعَه أمرا وَلَو صرح بِهِ لَا نتظم

(5/369)


مَعَ الْمَذْكُور فَهَل يُؤثر فِي الْبَاطِن فِيهِ وَجْهَان كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ نَوَيْت إِن شَاءَ الله تَعَالَى أَو نَوَيْت إِن دخلت الدَّار والأقيس إِنَّه لَا يُؤثر لِأَنَّهُ لَيْسَ يحْتَملهُ اللَّفْظ وَلَا ذكر مَا يدل عَلَيْهِ فَهُوَ مُجَرّد نِيَّة وَلَيْسَ هَذَا كَمَا إِذْ قَالَ أَنْت طَالِق وَنوى طَلَاقا عَن وفَاق فَإِنَّهُ يدين فَإِن اللَّفْظ كالمجمل من حَيْثُ اللُّغَة لَوْلَا تَخْصِيص الشَّرْع وَلَا كَقَوْلِه نسَائِي طَوَالِق وعزل بَعضهنَّ بِالنِّيَّةِ فَإِن يدين لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ خلاف وَمَا يقاضي إِلَى أَنه يقبل
وَلَو عاتبت زَوجهَا بِنِكَاح جَدِيدَة فَقَالَ فِي جوابها كل امْرَأَة لي فَهِيَ طَالِق فَإِن لم يعزلها بنيته طلقت وَإِن عزلها بنيته فَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا يَقع لِأَن الْقَرِينَة دلّت على نِيَّته وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يقبل ظَاهرا وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ لَا يقبل لِأَنَّهُ قَوْله كل امْرَأَة صَرِيح فِي الِاسْتِغْرَاق وميل القَاضِي إِلَى قبُول ذَلِك ظَاهرا وَكَذَلِكَ فِي

(5/370)


قَوْله نسَائِي طَوَالِق وَإِن لم تكن قرينَة لِأَنَّهُ تَخْصِيص عُمُوم وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ وَهُوَ يحل عَنْهَا وثاقا أَنْت طَالِق فَقَالَ أردْت عَن الوثاق فِيهِ خلاف وميل القَاضِي إِلَى أَنه يقبل ظَاهرا وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ إِن كلمت زيدا فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت بِهِ شهرا وكلمته بعده لم يَقع الطَّلَاق بَاطِنا لِأَن اللَّفْظ كالعام فِي الْأَزْمَان كلهَا
وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت عَن الْوِفَاق لم يقبل ظَاهرا وَلَكِن يدين وَكَأن الْمُوجب للقبول ظَاهرا أما قُصُور فِي دلَالَة اللَّفْظ مثل أَن تكون دلَالَته بِالْعُمُومِ أَو قرينَة ظَاهِرَة كَمَا لَو كَانَ يحل الوثاق كَانَ يحل عَنْهَا الوثاق أَو كَانَت تنازعه فِي نِكَاح جَدِيدَة كَمَا ذَكرْنَاهُ وَأما الْمُوجب للقبول بَاطِنا فَكل احْتِمَال قرب أَو بعد

(5/371)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي بَيَان أَرْكَان الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَلَا بُد للطَّلَاق من أهل وَمحل وَلَفظ وَقصد إِلَى اللَّفْظ وَولَايَة على الْمحل فَهَذِهِ خَمْسَة أَرْكَان
الرُّكْن الأول الْأَهْل وَهُوَ الْمُطلق وَشَرطه أَن يكون مُكَلّفا فَلَا يَقع طَلَاق الصَّبِي وَالْمَجْنُون
الرُّكْن الثَّانِي اللَّفْظ وَمَا يسد مسده وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي بَيَان الصَّرِيح وَالْكِنَايَة

وصرائح الْأَلْفَاظ ثَلَاثَة الطَّلَاق والفراق والسراح أما الطَّلَاق فلشيوعه وتكرره فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَأما الْفِرَاق والسراح فلتكررهما فِي الْقُرْآن الْعَظِيم وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا صَرِيح إِلَّا الطَّلَاق وَقيل هُوَ قَول قديم للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ وَلَا بَأْس بِهِ

(5/372)


فَإِن قَوْله تَعَالَى {أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان} لم يرد مورد بَيَان اللَّفْظ وَفِي هَذِه الْقَاعِدَة مسَائِل
الأولى إِن كل مَا يشتق من لفظ الطَّلَاق كَقَوْلِه أَنْت مُطلقَة وطلقتك فَكل ذَلِك صَرِيح وَفِي قَوْله أَنْت الطَّلَاق وَجْهَان وَالْأَظْهَر أَنه كِنَايَة لِأَنَّهُ لَيْسَ بمستعمل على هَذَا الْوَجْه
وَأما قَوْله أطلقتك فَهُوَ كِنَايَة لِأَنَّهُ ظَاهر فِي رفع الْحَبْس وَحل الوثاق
الثَّانِيَة الْفِعْل من السراح والفراق كَقَوْل سرحتك وفارقتك صَرِيح
أما الِاسْم كَقَوْلِه أَنْت مُفَارقَة ومسرحة فَفِيهِ خلاف ومأخذه أَن الْوَارِد فِي الْقُرْآن الْعَظِيم مِنْهُ صِيغَة الْفِعْل فَقَط
الثَّالِثَة معنى هَذِه الْأَلْفَاظ سَائِر اللُّغَات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنَّهَا لَيست صَرِيحًا وَإِلَيْهِ ذهب الْإِصْطَخْرِي تَغْلِيبًا لِمَعْنى التَّعَبُّد
وَالثَّانِي هُوَ الْأَصَح أَنه صَرِيح لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ
ثمَّ معنى قَوْله أَنْت طَالِق توهشته أَي

(5/373)


وَمعنى قَوْله طَلقتك دشت بازداشتم ترا
وَمعنى قَوْله فارقتك ازتو جدا كردم
وَمعنى قَوْله سرحتك تراكسيل كردم
وَالثَّالِث قَالَ القَاضِي كل ذَلِك غير صَرِيح إِلَّا قَوْله توهشته أَي لِأَنَّهُ لَا يسْتَعْمل فِي الْعَادة إِلَّا فِي الطَّلَاق وَأما سَائِر الْأَلْفَاظ فشائع الِاسْتِعْمَال فِي غير الطَّلَاق
الرَّابِعَة إِذا شاع لفظ فِي الْعرف للطَّلَاق كَقَوْلِه حَلَال الله عَليّ حرَام فَهَل يصير صَرِيحًا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَقْصُود تعين جِهَة التفاهم وَقد حصل
وَالثَّانِي لَا بل مأخذه الْقُرْآن الْعَظِيم فَقَط

(5/374)


وَقَالَ الْقفال إِن صدر ذَلِك من فَقِيه يعرف الْكِنَايَة وَلم ينْو لم يَقع طَلَاقه وَإِن صدر من عَامي يُقَال لَهُ مَا الَّذِي يسْبق إِلَى فهمه إِذا سَمِعت هَذِه الْكَلِمَة من غَيْرك فَإِن كَانَ يفهم الطَّلَاق جعل مِنْهُ طَلَاقا
وَهَذَا إِن عَنى بِهِ الْقفال الِاسْتِدْلَال على نِيَّته وَأَنه إِذْ كَانَ يفهم ذَلِك فَلَا يَخْلُو ضَمِيره عَن مَعْنَاهُ وَإِن لم يشْعر بِهِ فَلهُ وَجه وَإِن عَنى وُقُوع الطَّلَاق مَعَ خلو قلبه عَن النِّيَّة بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَلَا وَجه لَهُ إِذْ لم يَجْعَل صَرِيحًا هَذَا حكم الصرائح
أما الْكِنَايَات فَهِيَ كل لَفْظَة مُحْتَملَة إِمَّا جلية كَقَوْلِه أَنْت خلية وبرية وبتة وبتلة وَإِمَّا خُفْيَة وَهِي الَّتِي لَا تنتظم إِلَّا بِتَقْدِير اسْتِعَارَة وأضمار كَقَوْلِه اعْتدي واستبرئي رَحمَه فَإِن مَعْنَاهُ طَلقتك فاعتدي وَكَذَا قَوْله الحقي بأهلك وحبلك على غاربك وَلَا أنده سربك

(5/375)


واعزبي واغربي واذهبي
وأخفى مِنْهَا كَقَوْلِه تجرعي أَي كأس الْفِرَاق وذوقي وتزودي وترددوا فِي قَوْله اشربي أَي كأس الْفِرَاق وَألْحق بِهِ بَعضهم كلي وَهُوَ أبعد وترددوا فِي قَوْله أَغْنَاك الله أخذا من قَوْله تَعَالَى {وَإِن يَتَفَرَّقَا يغن الله كلا من سعته}
وحد الْكِنَايَة مَا يحْتَمل الطَّلَاق وَلَو على بعد لَا الَّذِي لَا يحْتَمل كَقَوْلِه اقعدي واغزلي وَغَيره وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ لزوجته أَنْت حرَّة وَنوى الطَّلَاق وَقع وكنايات الطَّلَاق وَالْعتاق متداخلة متناسبة فِي الْأَكْثَر نعم لَو قَالَ لعَبْدِهِ اعْتد واستبرئ رَحِمك وَنوى الْعتْق لم ينفذ لِأَن ذَلِك غير مُتَصَوّر فِي حَقه وَلَو قَالَ ذَلِك لأمته فَفِيهِ وَجْهَان وَلَو قَالَ ذَلِك لزوجته قبل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان أَيْضا لِأَنَّهَا لَيست بصدد الْعدة كالأمة
الثَّانِيَة لفظ الظِّهَار لَيْسَ كِنَايَة فِي الطَّلَاق وَلَا الطَّلَاق فِي الظِّهَار مَعَ الِاحْتِمَال لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا وجد نفاذا فِي مَوْضُوعه الصَّرِيح فَلَا يعدل إِلَى غير مَوْضُوعه بِالنِّيَّةِ وَلَا يُمكن تنفيذهما جَمِيعًا لِأَن اللَّفْظ لم يوضع لَهما وضع الْعُمُوم فصرف إِلَى مَا هُوَ صَرِيح فِيهِ
الثَّالِثَة إِذا قَالَ لزوجته أَنْت عَليّ حرَام فَإِن نوى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا وَإِن نوى التَّحْرِيم

(5/376)


كَانَ يَمِينا وَتلْزَمهُ كَفَّارَة وَإِن نوى الطَّلَاق نفذ وَإِن أطلق فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أظهرها أَنه صَرِيح فِي إِيجَاب الْكَفَّارَة
وَالثَّانِي أَنه يَلْغُو لِأَنَّهُ مُحْتَمل لوجوه
وَالثَّالِث أَنه فِي الْأمة صَرِيح فِي الْكَفَّارَة لِأَن الْآيَة إِنَّمَا وَردت فِيهِ وَفِي الْمَنْكُوحَة كِنَايَة
قاعدتان

إِحْدَاهمَا إِن الْقَرِينَة عندنَا لَا تجْعَل الْكِنَايَة صَرِيحًا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله جعل الْكِنَايَة فِي الْغَضَب وَعند التخاصم وسؤال الْفِرَاق صَرِيحًا وَهُوَ ضَعِيف لِأَن اللَّفْظ مُحْتَمل وعدول الرجل عَن لفظ الطَّلَاق مشْعر بإضمار غير الطَّلَاق فَكيف يَنْقَلِب صَرِيحًا
الثَّانِيَة إِن النِّيَّة يَنْبَغِي أَن تقرن بِلَفْظ الْكِنَايَة فَلَو تقدّمت أَو تَأَخَّرت لم تُؤثر وَإِن نوى مَعَ ابْتِدَاء اللَّفْظ وَلَكِن انْقَطَعت قبل تَمام اللَّفْظ فَالظَّاهِر أَنه يَقع وَإِن خلا عَن النِّيَّة أول اللَّفْظ وَنوى فِي أَثْنَائِهِ فَفِيهِ وَجْهَان مشهوران

(5/377)


الْفَصْل الثَّانِي فِي الْأَفْعَال

اعْلَم أَن اللَّفْظ إِنَّمَا يُرَاد للتفهيم وَقد يحصل التفهيم بِالْإِشَارَةِ وَالْكِتَابَة فلنذكرهما
أما الْإِشَارَة فَهِيَ مُعْتَبرَة من الْأَخْرَس وتنقسم إِلَى صَرِيح وكناية
فالصريح مَا يتَّفق الكفة على فهمهه وَالْكِنَايَة مَا يفْطن لَهُ بعض النَّاس وَإِذا أَتَى بِالصَّرِيحِ لم يقبل بعد ذَلِك تأوليه كَمَا فِي النُّطْق وَالصَّحِيح أَنه إِن أَشَارَ بِالطَّلَاق فِي الصَّلَاة نفذ الطَّلَاق وَلم تبطل صلَاته
وَأما كِتَابَة الْأَخْرَس فَهُوَ طَلَاق لِأَنَّهَا أظهر من الْإِشَارَة وَمَعَ ذَلِك فَلَا نكلف الْأَخْرَس الْقَادِر على الْكِتَابَة بِأَن يكْتب الطَّلَاق بل نقنع بِالْإِشَارَةِ
وَأما الْقَادِر فإشارته وَإِن بَالغ فِيهَا لَا نَجْعَلهَا صَرِيحًا لِأَن عدوله إِلَيْهَا مَعَ الْقُدْرَة موهم نعم هَل تجْعَل كِنَايَة قَالَ الْقفال هُوَ فعل مترتب على الْكِتَابَة وَالْإِشَارَة أولى بِالِاحْتِيَاطِ لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْإِشَارَة من النَّاطِق غير مُعْتَادَة أما الْكِتَابَة فَلَيْسَ بِصَرِيح وَإِن كتب اللَّفْظ الصَّرِيح فَهَل هُوَ كِنَايَة اضْطَرَبَتْ فِيهِ النُّصُوص وحاصلة ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه كِنَايَة لِأَن الْكِتَابَة مُعْتَادَة وَالْمَقْصُود التفهيم

(5/378)


وَالثَّانِي أَنه لَغْو لِأَن الصِّيَغ اللفظية هِيَ الْمَوْضُوعَة للعقود فِي حق الْقَادِر
وَالثَّالِث أَنَّهَا تعْتَبر من الْغَائِب دون الْحَاضِر لأجل الْعَادة
وَفِي شرح التَّلْخِيص وَجه أَن كتبه صَرِيح الطَّلَاق صَرِيح من غير نِيَّة وَهُوَ بعيد
أما إِذا كتب قَوْله كل زَوْجَة لي فَهِيَ طَالِق وَقَرَأَ وَنوى عِنْد الْقِرَاءَة وَقع وَإِن قَرَأَ وَلم ينْو وَقَالَ قصدت الْقِرَاءَة فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ تردد كَمَا لَو حل الوثاق عَن زَوجته وَقَالَ عِنْد ذَلِك أَنْت طَالِق فَإِن فرعنا على اعْتِبَار الْكِتَابَة فيتصدى النّظر فِي أُمُور ثَلَاثَة
الأول فِي التَّصَرُّفَات فَتعْتَبر فِي كل مَا يسْتَقلّ بِهِ الْمُتَصَرف كَالْعِتْقِ وَالْعَفو وَالْإِبْرَاء أما مَا يفْتَقر إِلَى الْقبُول فَفِيهِ قَولَانِ وَفِي النِّكَاح قَولَانِ مرتبان وَأولى بألا ينْعَقد لما فِيهِ من التَّعَبُّد وَلِأَنَّهُ كِنَايَة وَالشَّاهِد لَا يطلع على النِّيَّة وَلَكِن من جوز ذَلِك رُبمَا احتمله لأجل الْحَاجة ثمَّ إِن كتب زوجت بِنْتي من فلَان وَأشْهد عَلَيْهِ عَدْلَيْنِ وشهدا هما بأعيانهما على قبُول الزَّوْج صَحَّ وَإِن شهد آخرَانِ فَوَجْهَانِ ثمَّ إِذا كتب بِعْت دَاري مِنْك فَبَلغهُ الْكتاب فَيَنْبَغِي أَن يَقُول على الْفَوْر اشْتريت أَو يكْتب على الْفَوْر لِأَن الِاتِّصَال بَين الْجَواب وَالْخطاب

(5/379)


شَرط وَهُوَ الِاتِّصَال اللَّائِق بِالْكِتَابَةِ وَإِن تخَلّل بَينهمَا شهور
الثَّانِي فِي أَلْفَاظ الْكَاتِب وَهُوَ ثَلَاث
إِحْدَاهمَا أَن يكْتب أما بعد فَأَنت طَالِق وَنوى فَيحكم بِوُقُوعِهِ فِي الْحَال
الثَّانِيَة أَن يكْتب إِذا بلغك كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع إِلَّا بِالْبُلُوغِ
الثَّالِثَة أَن يَقُول إِذا قَرَأت كتابي هَذَا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع مَا لم تقْرَأ
فَإِن كَانَت أُميَّة فَإِذا قرئَ عَلَيْهَا طلقت وَقيل لَا تطلق لِأَنَّهَا مَا قَرَأت وَكَأَنَّهُ علق على قرَاءَتهَا وَهُوَ محَال فَلَا يَقع وَهَذَا بعيد نعم لَو كَانَت قارئة فَقَرَأَ عَلَيْهَا غَيرهَا فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق وَقيل إِنَّهَا تطلق كَمَا إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق فَإِنَّهَا تطلق بِرُؤْيَة غَيرهَا وَهُوَ بعيد لِأَن الرُّؤْيَة قد يُرَاد بهَا الْعلم دون الْقِرَاءَة
الثَّالِث فِي الْمَكْتُوب عَلَيْهِ وكل مَا يثبت عَلَيْهِ الْخط من ثوب وَحجر وَعظم فَهُوَ كالبياض أما لَو كتب على المَاء أَو على الْهَوَاء لم يكن ذَلِك كِتَابَة بل هِيَ إِشَارَة من قَادر وَقد ذَكرْنَاهُ
وَلَو كتب على الْبيَاض وَلَكِن علق الطَّلَاق على الْبلُوغ فَبلغ وَقد امحت الْكِتَابَة لم يَقع لِأَنَّهُ بلغ الكاغد دون الْكتاب وَإِن لم ينمح إِلَّا السطر الَّذِي فِيهِ الطَّلَاق أَو سقط

(5/380)


ذَلِك الْقدر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يَقع لِأَن الْكتاب عبارَة عَن جَمِيع الْأَجْزَاء
وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَن الْكتاب قد بلغ
وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن بلغك كتابي هَذَا لم يَقع لِأَنَّهُ يتَنَاوَل جَمِيع الْأَجْزَاء وَإِن قَالَ إِن بلغك الْكتاب وَقع
أما إِذا امحى الْجَمِيع إِلَّا سطر الطَّلَاق فَالْخِلَاف مُرَتّب وَأولى بالوقوع وَإِن لم ينجح إِلَّا التَّسْمِيَة والصدر وَبقيت الْمَقَاصِد كلهَا فمرتب وَأولى بالوقوع وَإِن لم يسْقط إِلَّا الْحَوَاشِي فَأولى بالوقوع وَمِنْهُم من قطع فِي هَذِه الصُّورَة بالوقوع لِأَن الْحَاشِيَة غير مَقْصُودَة وَمن منع علل بِأَن الْحَاشِيَة من الْكتاب وَلذَلِك لَا يجوز للمحدث مَسّه فِي الْمُصحف
فرع إِذا قَالَ إِن بلغك نصف كتابي فَبلغ الْجَمِيع فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يَقع لِأَن فِي الْكل نصفا
وَالثَّانِي لَا لِأَن مَفْهُومه التَّخْصِيص بِالنِّصْفِ

(5/381)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّفْوِيض إِلَى الزَّوْجَة

وَالنَّظَر فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف
الأول أَلْفَاظه فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت طلقت نفذ وَلَو قَالَ أبيني نَفسك فَقَالَت أبنت ونويا وَقع وَإِن لم ينْو أَحدهمَا لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا تعْتَبر نيتهما بل تَكْفِي نِيَّة الرجل وَقَوْلها يبْنى على قَوْله
وَلَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك فَقَالَت أبنت ونوت فَالظَّاهِر الْوُقُوع وَفِيه وَجه أَنه لَا يَقع لمُخَالفَة اللَّفْظ وَقيل إِن ذَلِك يجْرِي أَيْضا فِي تَوْكِيل الْأَجْنَبِيّ
وَلَو قَالَ اخْتَارِي فَقَالَت اخْتَرْت نَفسِي وَقعت طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَو قَالَت اخْتَرْت زَوجي لم يَقع شَيْء وَهُوَ مَذْهَب عمر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُم وَقَالَ عَليّ وَزيد رَضِي الله عَنْهُمَا إِن اخْتَارَتْ نَفسهَا فطلقة بَائِنَة وَإِن اخْتَارَتْ زَوجهَا فرجعية وَاشْتَدَّ إِنْكَار عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَقَالَت خيرني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاخترته أَتَرَى أَن ذَلِك طَلَاق رَجْعِيّ

(5/382)


فرع
إِذا كَانَ التَّفْوِيض بِالْكِنَايَةِ وَأنكر الزَّوْج النِّيَّة فَالْقَوْل قَوْله وَكَذَلِكَ إِذا إِذا أنْكرت نِيَّتهَا فَالْقَوْل قَوْلهَا وَلَو قَالَت نَوَيْت أَنا وَأنكر الزَّوْج فَالْقَوْل قَوْلهَا وَفِيه وَجه بعيد أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل بَقَاء النِّكَاح وَهُوَ ضَعِيف
الطّرف الثَّانِي فِي حَقِيقَة التَّفْوِيض وَفِيه قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه تمْلِيك وَكَأَنَّهُ ملكهَا نَفسهَا
وَالثَّانِي أَنه تَوْكِيل كتوكيل الْأَجْنَبِيّ
ويبتنى عَلَيْهِ أَنَّهَا لَو طلقت نَفسهَا فِي مجْلِس آخر لَا على الِاتِّصَال لم يجز إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا لِأَن اتِّصَال الْقبُول لَا بُد مِنْهُ وقبولها هُوَ قَوْلهَا طلقت
وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا جَازَ وَقَالَ القَاضِي وَإِن جَعَلْنَاهُ توكيلا يحْتَمل أَن يشْتَرط ذَلِك فِي الْمجْلس لِأَن هَذِه الصِّيغَة تتاقضى جَوَابا ناجزا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَإِنَّهُ يخْتَص بمشيئتها فِي الْمجْلس وأجرى ذَلِك فِي قَوْله وَكلتك وفوض إِلَيْك طَلَاقك بِالْوكَالَةِ وَعبر الْمُحَقِّقُونَ عَن هَذَا بِأَنا إِن جعلنَا مُطلق التَّفْوِيض تَمْلِيكًا فَهَل للزَّوْج سَبِيل إِلَى توكيلها أَن ينزل توكيلها أَيْضا على التَّمْلِيك فِيهِ تردد
فرع لَو رَجَعَ عَن التَّفْوِيض قبل قبُولهَا جَازَ على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا وَقَالَ ابْن خيران لَا يجوز على قَول التَّمْلِيك وَكَأَنَّهُ يضمن التَّعْلِيق وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ لَيْسَ بأبلغ من قَوْله أَنْت طَالِق على ألف وَله الرُّجُوع قبل قبُولهَا
الطّرف الثَّالِث فِي حكم الْعدَد فَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك وَنوى الثَّلَاث فَإِن طلقت ونوت الثَّلَاث نفذ وَإِن لم تنو لم يَقع الثَّلَاث بل وَقعت وَاحِدَة وَفِيه وَجه أَنه يَقع لِأَن

(5/383)


الْبناء فِي الْعدَد أقرب من الْبناء فِي أصل النِّيَّة وَهَذَا يُقَوي مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله نعم لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَقَالَت طلقت وَلم تذكر الْعدَد وَلم تنو فَيظْهر الْبناء هَاهُنَا لِأَنَّهُ صرح بِهِ لَا سِيمَا إِن جَعَلْنَاهُ تَمْلِيكًا فَإِن مُجَرّد قَول الْقَائِل قبلت يَكْفِي وَإِن يعد تَمام الْكَلَام لِأَنَّهُ كالبناء على الْإِيجَاب
وَأما كَلَام الْوَكِيل فَلَا يبْنى على كَلَام الْمُوكل نعم إِن اشترطنا الْقبُول فِي الْمجْلس على قَول التَّوْكِيل فَلَا يبعد أَيْضا أَن يحْتَمل الْبناء
فرع لَو قَالَ طَلِّقِي نَفسك ثَلَاثًا فَطلقت وَاحِدَة طلقت بالِاتِّفَاقِ وَاحِدَة وَلَو قَالَ طَلِّقِي وَاحِدَة فَطلقت ثَلَاثًا وَقعت عندنَا وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع هَاهُنَا شَيْء أصلا وَالْفرق مُشكل عَلَيْهِ بَين الصُّورَتَيْنِ

(5/384)


الرُّكْن الثَّالِث الْقَصْد إِلَى لفظ الطَّلَاق وَمَعْنَاهُ

ويتوهم اختلال الْقَصْد بِخَمْسَة أَسبَاب سبق اللِّسَان والهزل وَالْجهل وَالْإِكْرَاه واختلال الْعقل
السَّبَب الأول سبق اللِّسَان

فَإِذا بدرت مِنْهُ كلمة الطَّلَاق فِي محاورته أَو فِي النّوم لم يَقع طَلَاقه وَلَكِن يعسر قبُول دَعْوَاهُ إِذا لم يكن قرينَة نعم يدين بَاطِنا وَإِن شهِدت قرينه قبل ظَاهرا مثل إِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَارق فَقَالَ يَا طَالِق وَزعم أَنه التف بِلِسَانِهِ الْكَلَام من غير قصد قبل قطعا لَا كَشَهَادَة حل الوثاق فَإِن فِيهِ خلافًا لِأَن كلمة الطَّلَاق مستنكر فِي غير النِّكَاح
وَإِن كَانَ اسْم امْرَأَته طَالِق وَاسم عَبده حر فَقَالَ يَا طَالِق وَيَا حر وَقصد النداء لم يَقع وَإِن قصد الْإِيقَاع وَقع وَإِن أطلق من غير قصد فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان
وَقد ظهر أَن قصد حُرُوف الطَّلَاق لايكفي بل لابد من قصد لفظ الطَّلَاق لِمَعْنى الطَّلَاق

(5/385)


السَّبَب الثَّانِي الْهزْل فَإِذا قَالَت الْمَرْأَة فِي ملاعبتها طَلقنِي ثَلَاثًا فَقَالَ نعم أَنْت طَالِق ثَلَاثًا كاللاعب المستهزىء وَقع الطَّلَاق لوُجُود فصد لفظ الطَّلَاق وَلم يعْدم إِلَّا الْقَصْد إِلَى الحكم وَلَا يشْتَرط بِدَلِيل أَنه لَو طلق بِشَرْط الْخِيَار لنَفسِهِ نفذ وَإِن كَانَ ذَلِك يعْدم الرِّضَا بالحكم وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاث جدهن جد وهزلهن جد الطَّلَاق وَالنِّكَاح وَالْعتاق
وَلم يحكم الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بانعقاد نِكَاح الهازل وَهُوَ خلاف ظَاهر الْخَبَر أما

(5/386)


البيع وَسَائِر التَّصَرُّفَات فتردد بعض الْأَصْحَاب فِي انْعِقَادهَا من الهازل
السَّبَب الثَّالِث الْجَهْل وَهُوَ أَن يُخَاطب امْرَأَة بِالطَّلَاق وَهُوَ يظنّ أَنَّهَا زَوْجَة غَيره فَإِذا هِيَ زَوجته وَقد رَآهَا فِي ظلمَة أَو فِي جِلْبَاب أَو كَانَ أَبوهُ زَوجهَا مِنْهُ فِي صغره وَهُوَ لَا يدْرِي فَالْمَشْهُور أَنه يَقع طَلاقهَا وَهَذَا فِيهِ احْتِمَال ظَاهر لِأَنَّهُ إِذا لم يعرف الزَّوْجِيَّة لم يقْصد إِلَى قطعهَا وَقد ذكرنَا فِي كتاب الْغَصْب وَجها فِي نَظِيره من الْعتْق أَنه لَا يَقع وَهُوَ منقدح وَبَيَانه أَنه الأعجمي إِذا لقن كلمة الطَّلَاق وَهُوَ لَا يفهم لم يَقع طَلَاقه بالِاتِّفَاقِ وَأما بيع الْجَاهِل فَظَاهر صِحَّته وَهُوَ إِذا مَا بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ وعَلى هَذَا قَالُوا نُفُوذ الطَّلَاق أولى والأقيس فِي البيع أَنه أَيْضا لَا ينعكس وَلِأَن الْقَصْد إِلَى الْمَعْنى الْمَجْهُول محَال
السَّبَب الرَّابِع الْإِكْرَاه وَطَلَاق الْمُكْره لَا يَقع عندنَا لِأَن قَصده مختل إِذْ الْإِكْرَاه بعث فِيهِ الْقَصْد وَكَأَنَّهُ فعل الْمُكْره وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع
ثمَّ نَحن أَيْضا نوقعه مهما زعم الْمُكْره أَنه كَانَ رَاضِيا أَو ظَهرت مِنْهُ مخايل الِاخْتِيَار وَذَلِكَ كمخالفته للمكره بِزِيَادَة أَو نُقْصَان أَو تَغْيِير لفظ
مِثَال الزِّيَادَة أَن يكرههُ على طَلَاق وَاحِد فَطلق ثَلَاث أَو على طَلَاق زَوْجَة وَاحِدَة فَطلق زَوْجَتَيْنِ

(5/387)


وَالنُّقْصَان أَن يكلفه طَلَاق زَوْجَتَيْنِ فَطلق وَاحِدَة أَو على الثَّلَاث فَطلق طَلْقَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو قَالَ قل طَلقتهَا فَقَالَ فارقتها أَو قَالَ طلق إِحْدَى زوجتيك فعين وَاحِدَة وَطَلقهَا فَإِن التَّعْلِيل دَلِيل تبرمه بالمطلقة أما إِذا ترك التورية وَهُوَ فَقِيه قَادر ومعترف بِأَن الْإِكْرَاه لم يدهشه عَن ذكر التورية فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه يَقع وَيجْعَل ذَلِك دَلِيل الِاخْتِيَار
وَالنَّظَر بعد هَذَا فِي طرفين
أَحدهمَا التَّصَرُّفَات المتأثرة بِالْإِكْرَاهِ وَالْإِكْرَاه يسْقط أثر التَّصَرُّفَات عندنَا قطعا إِلَّا فِي خَمْسَة مَوَاضِع
الأول الْإِسْلَام فَإِنَّهُ يجوز إِكْرَاه الْحَرْبِيّ عَلَيْهِ فَيصح إِسْلَامه وَإِلَّا فَتبْطل فَائِدَة الْإِكْرَاه وَفِي إِسْلَام الذِّمِّيّ الْمُكْره خلاف وَالأَصَح أَنه لَا يَصح
الثَّانِي الْإِرْضَاع وَلَا يُخرجهُ الْإِكْرَاه عَن كَونه محرما لِأَنَّهُ مَنُوط بوصول اللَّبن إِلَى الْجوف لَا بِالْقَصْدِ
الثَّالِث الْقَتْل على أحد الْقَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ يُوجب الْقصاص على قَول لِأَن الْإِكْرَاه لم يرفع الْإِثْم
الرَّابِع الْمُكْره على الزِّنَا على أحد الْقَوْلَيْنِ يحد لِأَن حُصُول الانتشار دلَالَة الِاخْتِيَار فَإِنَّهُ لَا يحصل بِالْإِكْرَاهِ ومأخذ الْقَوْلَيْنِ تردد فِي تصور الْإِكْرَاه
الْخَامِس إِذا علق الطَّلَاق على الدُّخُول فأكره على الدُّخُول فَفِيهِ قَولَانِ مأخذهما أَن الصّفة لَا يشْتَرط فِيهَا الْقَصْد بل يَكْفِي الِاسْم
أما البيع فَيبْطل بالإكره وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينْعَقد وَلَا يلْزم

(5/388)


وَاعْلَم أَن الِاسْتِثْنَاء بالتحقيق يرجع إِلَّا الْإِسْلَام فَقَط وَإِلَى الْقَتْل على قَول أما مَا عداهُ فسببه عدم تصور الْإِكْرَاه أَو عدم اشْتِرَاط الْقَصْد
الطّرف الثَّانِي فِي حد الْإِكْرَاه

وَفِيه مسلكان للأصحاب متباعدان
أَحدهمَا أَن يصير بِحَيْثُ لَا تبقى لَهُ طَاقَة فِي الْمُخَالفَة بل يكون مُضْطَرّا إِلَى اخْتِيَار الْمُوَافقَة شَاءَ أم أَبى كَالَّذي يفر من أَسد ضار فيتخطى النَّار والشوك وَلَا يُبَالِي وَمثل هَذَا لَا يحصل إِلَّا بِسيف مسلول أَو تخويف بالإلقاء فِي النَّار مثلا وَالشّرط أَن يصير كالمدهوش الَّذِي لَا تبقى لَهُ روية واستصواب
ثمَّ الجبان قد يدهش وَيسْقط اخْتِيَاره بِمَا لَا يسْقط بِهِ اخْتِيَار الشجاع فَالْمُعْتَبر سُقُوط خيرته فِي هَذِه الطَّرِيقَة أما من يخوف بِالْحَبْسِ المخلد أَو الْجُوع وَمَا لَا يَأْخُذهُ فِي الْحَال مِنْهُ أَمر لَا يطيقه فالطلاق بِهِ وَاقع بِنَاء لِلْأَمْرِ على الحزم والاستصواب وَذَلِكَ عين الِاخْتِيَار وَهَذِه الطَّرِيقَة أضم للنشر
المسلك الثَّانِي أَن ذَلِك لَا يعْتَبر بل إِذا خير بَين الطَّلَاق وَبَين أَمر لَا يحْتَملهُ الْعَاقِل لأجل الطَّلَاق فَطلق لم يَقع الطَّلَاق بِهِ كالحبس المخلد والتهديد بِالضَّرْبِ والجوع مِمَّن يعلم أَنه يُحَقّق ذَلِك وَكَذَلِكَ صفع ذَوي الْمُرُوءَة على مَلأ من النَّاس وَكَذَلِكَ التخويف بِإِتْلَاف المَال وَقتل الْوَلَد وَعند هَذَا ينشأ النّظر فِي الْمُكْره بِهِ وَالْمكْره عَلَيْهِ

(5/389)


فَإِذا أكره على الْقَتْل بِإِتْلَاف المَال أَو الْحَبْس فليحتمله وَإِن أكره على الطَّلَاق بذلك فَرُبمَا لَا يحْتَملهُ وَرُبمَا يُقَال يحْتَمل إِتْلَاف المَال فِي الطَّلَاق فَإِن أكره بِإِتْلَاف مَال على إِتْلَاف مَال فيتصدى النّظر فِي القله وَالْكَثْرَة وَضبط ذَلِك عسير وَلَا تَخْلُو طَرِيقه عَن غموض وَيحصل مِنْهُ أَن الْمُتَّفق عَلَيْهِ الْإِكْرَاه بِالْقَتْلِ أَو الْجرْح الَّذِي يخَاف الْمَوْت مِنْهُ كالقطع وَمَا عدا ذَلِك فَيخرج على الْخلاف
السَّبَب الْخَامِس زَوَال الْعقل وَذَلِكَ إِن كَانَ بإغماء أَو جُنُون أَو شرب دَوَاء فَيمْنَع نُفُوذ الطَّلَاق والتصرفات وَإِن كَانَ بمسكر تعدى بشربه وَلم يصب قهرا فِي حلقه فنصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَدِيما وحديثا وُقُوع الطَّلَاق وَنَصّ فِي الظِّهَار قَدِيما على قَوْلَيْنِ فَقَالَ بعض الْأَصْحَاب فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ ومعظم الْعلمَاء على وُقُوع طَلَاق السَّكْرَان وَمذهب عُثْمَان وَابْن عَبَّاس وَأبي يُوسُف وَزفر والمزني وَابْن سُرَيج رضوَان الله عَلَيْهِم أَجْمَعِينَ أَنه لَا يَقع الطَّلَاق وَفِي سَائِر تَصَرُّفَاته طرق مِنْهُم من

(5/390)


طرد الْقَوْلَيْنِ حَتَّى فِي أَفعاله وَمِنْهُم من قَالَ أَفعاله كأفعال الصاحي وَإِنَّمَا الْخلاف فِي أَقْوَاله
وَمِنْهُم من قَالَ مَا عَلَيْهِ ينفذ وَالْقَوْل فِيمَا لَهُ وَأشهر الطّرق طرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْكل
وَمن شرب البنج مُتَعَدِّيا فَزَالَ عقله مِنْهُم من ألحقهُ بالسكران لعدوانه وَمِنْهُم من ألحقهُ بالمجنون لِأَن ذَلِك لَا يشتهى
فَإِن قيل مَا حد السكر قُلْنَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا اخْتَلَط كَلَامه المنظوم وانكشف سره المكتوم وَالْمَقْصُود أَن يصير مثل الْمَجْنُون الَّذِي لَا تنتظم أُمُوره أما مَا دَامَ فِي ابْتِدَاء نشاطه فَهُوَ كالعاقل وَإِن سقط كالمغشي عَلَيْهِ فَهُوَ كالنائم والمغمى عَلَيْهِ وَيبعد طرد الْخلاف بِهِ وَقد قيل بِهِ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن ذَلِك يعْدم من أصل الْقَصْد
وَطَلَاق الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ كَطَلَاق الهازل وَالْجَاهِل وَإِنَّمَا لَا يَقع نظرا لَهما والسكران لَا يسْتَوْجب النّظر وَلذَلِك لَا يسْقط عَنهُ انْقِضَاء الْعِبَادَات بِخِلَاف الْمَجْنُون والأقيس مَذْهَب الْمُزنِيّ وَهُوَ إِلْحَاق السَّكْرَان بالمجنون فِي التَّصَرُّفَات

(5/391)


الرُّكْن الرَّابِع لنفوذ الطَّلَاق الْمحل وَهِي الْمَرْأَة
وَفِيه فصلان
أَحدهمَا

أَنه لَو أضَاف إِلَى بَعْضهَا نفذ وكمل وَلَو أضَاف إِلَى عُضْو معِين نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله ثمَّ لَهُ ثَلَاث دَرَجَات
إِحْدَاهَا أَن يضيف إِلَى جُزْء مُتَّصِل كَالْيَدِ وَالرَّأْس والكبد وَالظّهْر وَسَائِر الْأَعْضَاء الْبَاطِنَة وَلَا خلاف فِي وُقُوعه نعم الْأذن الْمُنْفَصِلَة إِذا عَادَتْ ملتحمة أَو الشعرة الساقطة إِذا انغرست فِي مَوضِع آخر فَفِي الْإِضَافَة إِلَيْهِ فِيهِ خلاف
الثَّانِيَة أَن يضيف إِلَى فضلات بدنهَا كالبول وَاللَّبن والعرق والدمع والمني فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع وَفِيه وَجه بعيد أَنه يَقع وَلم يطرد ذَلِك الْوَجْه فِي الْجَنِين لِأَنَّهُ كالمستقل نعم ترددوا فِي الدَّم والشحم أَنه يلْحق بالفضلات أَو بالأجزاء من حَيْثُ إِن الدَّم

(5/392)


كالقوام للروح والشحم يشبه السّمن وَلَو قَالَ سمنك طَالِق نفذ
الثَّالِثَة الْإِضَافَة إِلَى الصّفة كَقَوْلِه حسنك أَو لونك أَو بياضك طَالِق وَذَلِكَ لاغ لِأَن الصّفة تَابع لَا تقبل الْإِضَافَة دون الْمَوْصُوف نعم لَو قَالَ روحك أَو حياتك طَالِق قَالُوا إِنَّه يَقع لِأَن الرّوح جَوْهَر وأصل والحياة كَذَلِك وَلَا يحْتَمل نظر الْفُقَهَاء الْخَوْض فِي الْفرق بَين الرّوح والحياة
فرع لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فيمينك طَالِق فَقطع يَمِينهَا ثمَّ دخلت فَفِي الطَّلَاق وَجْهَان مبينات على أَن تَنْفِيذ الطَّلَاق الْمُضَاف إِلَى الْجُزْء بطرِيق التسرية مِنْهُ أَو بطرِيق جعل ذكر الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَفِيه خلاف فَإِن قيل بالتسرية فَلم يُصَادف الْيَمين حَتَّى تنفذ فِيهِ فَلَا يَقع وَإِن جعل عبارَة عَن الْكل نفذ
أما إِذا قَالَ لمقطوعة الْيَمين يَمِينك طَالِق فَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع على الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِن جعل عبارَة الْجَمِيع فَحَيْثُ تُوجد
وَلَا خلاف أَنه لَو قَالَ لَهَا ذكرك أَو لحيتك طَالِق لم يَقع لِأَن الْمَذْكُور مَفْقُود

(5/393)


الْفَصْل الثَّانِي فِي إِضَافَة الطَّلَاق إِلَى الزَّوْج

فَإِذا قَالَ أَنا مِنْك طَالِق وَنوى الطَّلَاق نفذ عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَضِي رَحمَه الله عَنهُ لَا من حَيْثُ إِن الرجل مَحل الطَّلَاق لَكِن من حَيْثُ إِنَّه قيد عَلَيْهَا والحل تَارَة يُضَاف إِلَى الْقَيْد وَتارَة إِلَى الْمُقَيد لِأَنَّهُ فِي حجر بِسَبَبِهَا عَن نِكَاح أُخْتهَا وَأَرْبع سواهَا وَفِي قيد من لَوَازِم النِّكَاح فيصلح ذَلِك للكناية وَمن الْأَصْحَاب من زعم أَن الرجل مَحل الطَّلَاق وَأَنه مقعود عَلَيْهِ كَالزَّوْجَةِ وَهُوَ ضَعِيف إِذْ لَو كَانَ كَذَلِك لما افْتقر إِلَى النِّيَّة ولحرم عَلَيْهِ أَن ينْكح غَيرهَا نعم إِذا نوى الطَّلَاق فَهَل يشْتَرط مَعَ ذَلِك أَن ينوى الْإِضَافَة إِلَيْهَا اخْتلفُوا فِيهِ قَالَ القَاضِي لَا يشْتَرط ذَلِك لِأَن الطَّلَاق يرد على العقد فَإِذا نَوَاه لم يفْتَقر إِلَى الْإِضَافَة إِلَيْهَا
فرع إِذا قَالَ اعْتد مِنْك واستبرأ رحمي مِنْك فَهَذَا لَيْسَ بكناية لِأَنَّهُ لَيْسَ يَنْتَظِم

(5/394)


إِضَافَته إِلَى الرجل بِخِلَاف سَائِر الْكِنَايَات كَقَوْلِه أبنت نَفسِي مِنْك وَأَنا خلي وبري عَنْك وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَظِم أَن يَقُول السَّيِّد أَنا مِنْك حر إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ حجر قيد بِسَبَب الرّقّ وَفِيه وَجه أَن ذَلِك أَيْضا كِنَايَة

(5/395)


الرُّكْن الْخَامِس الْولَايَة على الْمحل

فَإِذا قَالَ لأجنبية أَنْت طَالِق لم ينقص عدد طَلَاقه لَو نَكَحَهَا بعد ذَلِك وَلَو قَالَ ذَلِك للرجعية نقص الْعدَد لِأَن ولَايَة النِّكَاح بَاقِيه عَلَيْهَا
وَلَو قَالَ للمختلعة لم يَقع وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع وينتقص الْعدَد وَاكْتفى بِبَقَاء الْعدة عَلَيْهِ وَولَايَة على الْمحل
وَلَو وَقَالَ لأجنبية إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فنكحها فَدخلت الدَّار لم يَقع اتِّفَاقًا لعدم الْولَايَة حَالَة التَّلَفُّظ وَلَو قَالَ إِن نكحتك فَأَنت طَالِق فنكحها لم تطلق لعدم الْولَايَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تطلق لِأَن الْولَايَة ترَاد عِنْد النّفُوذ وَقد وجدت نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي أصلين

(5/396)


أَحدهمَا أَنه لَو قَالَ العَبْد لزوجته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَعتق وَدخلت الدَّار هَل تقع الثَّلَاث وَلم يكن يملك الثَّالِث عِنْد التَّعْلِيق فَمنهمْ من قَالَ لَا يَقع لعدم الْملك وَمِنْهُم من قَالَ يَقع لوُجُود النِّكَاح المنتج للطَّلَاق الثَّلَاث عِنْد الْعتْق وَكَأن ملك الأَصْل يقوم مقَام ملك الْفَرْع وَكَذَلِكَ الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ لجاريته إِذا ولدت فولدك حر لِأَنَّهُ ملك الأَصْل المنتج لملك الْوَلَد فَأشبه التَّصَرُّف فِيهِ التَّصَرُّف فِي مَنَافِع الدَّار عِنْد ملك الدَّار
الأَصْل الثَّانِي أَن دوَام الْولَايَة بَين التَّعْلِيق وَالصّفة هَل يشْتَرط بَيَانه أَنه لَو قَالَ لَهَا إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِعُود الْحِنْث
أَحدهمَا أَنه يَقع لوُجُود الْولَايَة عِنْد التَّعْلِيق وَالصّفة
وَالثَّانِي لَا لِأَن الْوَاقِع فِي هَذَا النِّكَاح طَلَاق يفِيدهُ هَذَا النِّكَاح وَذَلِكَ لم يملكهُ عِنْد التَّعْلِيق

(5/397)


وَلَو علق الثَّلَاث على الدُّخُول ثمَّ نجز الثَّلَاث ثمَّ جدد النِّكَاح فالمنصوص أَنه لَا يعود
وَفِي الْقَدِيم قَول ضَعِيف أَنه يعود وَهُوَ مُجَرّد نظر إِلَى وجود الْولَايَة فِي الطَّرفَيْنِ
أما إِذا علق طَلْقَة وَاحِدَة ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا وَدخلت فَمنهمْ من ألحق هَذَا بتنجيز الثَّلَاث وَمِنْهُم من قَالَ الطَّلَاق لَا يتَعَيَّن بتعينه فيلتحق هَذَا بِمحل الْقَوْلَيْنِ
هَذَا كُله إِذا لم تُوجد الصّفة حَالَة الْبَيْنُونَة فَلَو وجدت انْحَلَّت الْيَمين فَلَا يعود قولا وَاحِدًا
هَذَا تَمام النّظر فِي أَرْكَان الطَّلَاق واختتام الْبَاب بِذكر أصلين فِي ملك الطَّلَاق
أَحدهمَا أَن من طلق ثَلَاثًا حرمت عَلَيْهِ حَتَّى تنْكح زوجا غَيره فَلَو طلق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فنكحت زوجا آخر ثمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ لم تعد إِلَّا بِبَقِيَّة الطَّلَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَطْء الزَّوْج الثَّانِي يهدم الطلقات الْمَاضِيَة فتعود إِلَيْهِ بِثَلَاث
ثمَّ التَّحْلِيل إِنَّمَا يحصل بِوَطْء تَامّ فِي نِكَاح صَحِيح غير مختل

(5/398)


أما الْوَطْء فَيدْخل فِيهِ تغييب الْحَشَفَة من الْخصي وتغييب قدر الْحَشَفَة من الْمَجْبُوب بعضه ونزول الْمَرْأَة على الزَّوْج واستدخالها بالأصبع من غير انتشار إِلَّا فِي استدخال ذكر الْعنين فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه مُحَلل وَالصَّحِيح أَن وَطْء الصَّبِي مُحَلل والإيتيان فى غير المأتى غير مُحَلل وَكَذَا تغييب بعض الْحَشَفَة
وَأما النِّكَاح فَيخرج مِنْهُ الْوَطْء فِي ملك الْيَمين فَإِنَّهُ لَا يحلل وَكَذَا الْوَطْء فِي النِّكَاح الْفَاسِد على القَوْل الصَّحِيح وَفِيه قَول وَفِي الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يحصل ثمَّ ذَلِك إِذا ظن أَنَّهَا منكوحته فَإِن ظن أَنَّهَا مملوكته فَلَا يزِيد ظن الْملك على حَقِيقَته
وَأما غير المختل فاحترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بعد طَلَاق رَجْعِيّ ثبتَتْ الرّجْعَة فِيهِ باستدخال المَاء لَا بِالْوَطْءِ فالنص أَنه لَا يحلل لِأَنَّهُ محرم وَيحْتَمل التَّحْلِيل إِذا لم نوجب الْمهْر بِهِ وَإِن فرعنا على أَنه يحلل فِي النِّكَاح الْفَاسِد فَهُوَ أولى وَلَو وَطئهَا بعد الارتداد فالنص أَنه لَا يحلل وَلَيْسَ كَالنِّكَاحِ الْفَاسِد فَإِنَّهُ عَالم بِالتَّحْرِيمِ أما فِي حَال الْحيض وَالصَّوْم فَمحل لِأَنَّهُ لم يخْتل النِّكَاح وَكَذَا فِي حَال إحرامها خلافًا لمَالِك رَحمَه الله
ثمَّ مهما ادَّعَت أَن الْمُحَلّل وَطئهَا كَانَ للزَّوْج تصديقها بِغَيْر بَيِّنَة لِأَن بِنَاء الْعُقُود على قَول

(5/399)


الْعَاقِد وَلَكِن إِن كَانَ غلب على ظَنّه كذبهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا
فرع لَو طلق زَوجته الرقيقة ثَلَاثًا ثمَّ اشْتَرَاهَا لم يحل لَهُ وَطْؤُهَا إِلَى أَن يجْرِي التَّحْلِيل
وَفِيه وَجه أَن التَّحْرِيم يخْتَص بِالنِّكَاحِ وَلَا يحرم الْوَطْء بِملك الْيَمين بالطلقات الثَّلَاث
الأَصْل الثَّانِي أَن الرّقّ يُؤثر فِي نُقْصَان عدد الطَّلَاق فَيملك الْحر ثَلَاثًا وَيملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفه رَحمَه الله ينظر إِلَى جَانب النِّسَاء فَيملك الْحر وَالْعَبْد ثَلَاثًا وَلَكِن على الْحرَّة ويملكان ثِنْتَيْنِ وَلَكِن على الْأمة وَهَذَا يُخَالف قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام الطَّلَاق بِالرِّجَالِ وَالْعدة بِالنسَاء يَعْنِي الْعبْرَة فِي الطَّلَاق بِالرِّجَالِ ثمَّ يتَوَلَّد من الْأَصْلَيْنِ فروع ثَلَاثَة
الأول لَو طلق الذِّمِّيّ زَوجته الذِّمِّيَّة طَلْقَتَيْنِ ثمَّ الْتحق بدار الْحَرْب فاسترق قَالَ ابْن الْحداد لَهُ أَن ينحكها لِأَنَّهَا لم تحرم بالطلقتين فطرآن الرّقّ بعده لَا يُؤثر وَفِيه وَجه أَنه لَا ينْكِحهَا لِأَنَّهُ فِي الْحَال رَقِيق فَكيف يطلقهَا طَلْقَة ثَالِثَة لَو نَكَحَهَا

(5/400)


وَلَا خلاف أَنه لَو طلق طَلْقَة ثمَّ طَرَأَ الرّقّ فنكحها فَلَا يملك إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة ويحسب مَا مضى عَلَيْهِ
الثَّانِي لَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَة ثمَّ عتق فَيملك طَلْقَتَيْنِ فِي الْحُرِّيَّة لِأَنَّهُ لم يسْتَوْف عدد الرّقّ وَلَو طلق فِي الرّقّ طَلْقَتَيْنِ ثمَّ عتق لم يكن لَهُ نِكَاحهَا لِأَنَّهَا حرمت عَلَيْهِ فِي الرّقّ وَفِيه وَجه غَرِيب أَنه ينْكِحهَا
الثَّالِث إِذا طلق العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَعتق وَلم يذر السَّابِق هُوَ الطَّلَاق أَو الْعتْق قَالَ ابْن الْحداد يحرم نِكَاحهَا لِأَن الرّقّ مستيقن وَكَذَا الطَّلَاق وَالشَّكّ فِي تَقْدِيم الْعتْق على الطَّلَاق وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَهُوَ بعيد

(5/401)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث حكم طَلَاق الْمَرِيض - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
اعْلَم أَن طَلَاق الْمَرِيض كَطَلَاق الصَّحِيح فِي النّفُوذ وَإِنَّمَا النّظر فِي انْقِطَاع الْمِيرَاث بِهِ لما فِيهِ من الْفِرَار عَن التوريث قصدا وَفِيه قَولَانِ
الْجَدِيد وَهُوَ الْقيَاس وَالْمَشْهُور أَنه يَنْقَطِع الْمِيرَاث بِالطَّلَاق الْبَائِن كَمَا فِي حَالَة الصِّحَّة وعَلى هَذَا يَنْقَطِع التَّفْرِيع
وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيم أَنه يَجْعَل فَارًّا فيعارض بقيض قَصده ونورث زَوجته وَيدل عَلَيْهِ قصَّة عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ فَنَقُول الفار على هَذَا القَوْل من أنشأ تَنْجِيز طَلَاق زَوجته الوارثة بِغَيْر رِضَاهَا فقد أوردنا فِي الضَّابِط خَمْسَة قيود
الأول الْإِنْشَاء واحترزنا بِهِ عَن اقرار الْمَرِيض بِطَلَاق أسْندهُ إِلَى حَال الصِّحَّة فَهُوَ غير فار لِأَن الْإِقْرَار حجَّة وَكَذَلِكَ إِذا أسْند إِقْرَار الْعتْق إِلَى الصِّحَّة لم يحْسب من الثُّلُث وَكَذَلِكَ يجوز الْإِقْرَار للْوَارِث وَإِن لم يجز الْإِنْشَاء وَقَالَ القَاضِي لَا يبعد أَن يَجْعَل فَارًّا لِأَنَّهُ مَحْجُور على إنْشَاء الْقطع وَلَيْسَ مَحْجُورا فِي حق الْوَارِث عَن إنْشَاء استقراض

(5/402)


والتزام فَكَانَ لَهُ الْإِقْرَار
الْقَيْد الثَّانِي التَّنْجِيز فَلَو علق طَلَاق زَوجته على قدوم زيد فَقدم وَهُوَ مَرِيض فَفِيهِ قَولَانِ يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْعبْرَة بِحَالَة التَّعْلِيق أَو بِحَالَة وجود الصّفة وَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ فَارًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ يظْهر مِنْهُ قصد الْفِرَار أما إِذا علقه بِمَا لَا بُد من وجوده فِي الْمَرَض كَقَوْلِه أَنْت طَالِق إِذا ترددت الرّوح فِي شِرَاء سَيفي أَو قبل موتى بلحظة فَالصَّحِيح أَن هَذَا فار وَمِنْهُم من طرد الْخلاف نظرا إِلَى حَالَة التَّعْلِيق وَكَذَلِكَ لَو علق بِفعل من أَفعَال نَفسه ثمَّ أَتَى بِهِ فِي الْمَرَض فَالظَّاهِر أَنه فار وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ أما إِذا قَالَ أَنْت طَالِق قبل موتِي بِيَوْم ثمَّ مَاتَ فَجْأَة فقد نفذ الطَّلَاق فِي الصِّحَّة وَيظْهر فِي ذَلِك قصد الْفِرَار فَقِيَاس التُّهْمَة أَن يَجْعَل فَارًّا وَلَكِن يحْتَمل أَن ينظر إِلَى الصِّحَّة ونقطع الْمِيرَاث
الْقَيْد الثَّالِث الطَّلَاق فَلَو فسخ نِكَاحهَا بِعَيْب فِي الْمَرَض فَلَا يكون فَارًّا وَلَو قَذفهَا فِي الصِّحَّة ولاعن فِي الْمَرَض فَلَيْسَ بفار لِأَن اللّعان ضَرُورَة لدفع الْحَد وَالنّسب وَإِن أنشأ الْقَذْف وَاللّعان فِي الْمَرَض فَفِيهِ تردد للأصحاب وَالظَّاهِر أَنه غير فار
وَلَو ارْتَدَّ الزَّوْج ثمَّ عَاد فَالصَّحِيح أَنه لَيْسَ بفار لِأَنَّهُ لَيْسَ يقْصد بِالرّدَّةِ ذَلِك
وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن وطردوا ذَلِك فِي الْمَرْأَة إِذا ارْتَدَّت فِي الْمَرَض وجعلوها فارة عَن مِيرَاثه وَهَذَا بعيد
الْقَيْد الرَّابِع الزَّوْجَة الوارثة فَلَو طلق زَوجته الذِّمِّيَّة فَأسْلمت أَو الرقيقة فعتقت فَلَا يكون فَارًّا لِأَنَّهَا لم تكن وارثة عِنْد الطَّلَاق وَلَا يبعد تخيل خلاف من تبرع الرجل على أَخِيه فِي مَرضه وَهُوَ مَحْجُوب بولده ثمَّ مَاتَ وَلَده لِأَن فِيهِ قَوْلَيْنِ
الْقَيْد الْخَامِس قَوْلنَا بِغَيْر رِضَاهَا فَلَو خَالعهَا أَو طَلقهَا بسؤالها أَو علق الطَّلَاق بِفِعْلِهَا الَّذِي لَا ضَرُورَة لَهَا فِيهِ وَلَا حَاجَة فَفعلت فَلَيْسَ فَارًّا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَلم يَجْعَل لرضاها أثرا

(5/403)


أما إِذا علق الطَّلَاق بأكلها أَو مَا تحْتَاج إِلَيْهِ وتتضرر بِتَرْكِهِ فَهُوَ فار قطعا فَإِن قيل فَلَو تَمَادى الْمَرَض بعد الطَّلَاق فَإلَى مَتى يتمادى توريثها قُلْنَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يتمادى أبدا وَالثَّانِي أَنه إِلَى انْقِضَاء الْعدة
وَالثَّالِث إِلَى أَن تنْكح زوجا آخر

(5/404)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي تعديد الطَّلَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول
الْفَصْل الأول فِي نِيَّة الْعدَد

فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق أَو طَلقتك وَنوى عددا وَقع مَا نوى عندنَا لِأَن الْمصدر مُضْمر فِيهِ وَهُوَ مُحْتَمل للْجِنْس الشَّامِل للعدد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَسلم أَنه لَو قَالَ أَنْت بَائِن وَنوى ثَلَاثًا نفذ وَإِن نوى اثْنَيْنِ لَا ينفذ
فروع

الأول إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَنوى الثَّلَاث فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا لَا ينفذ لِأَن الْوَاحِدَة تنافى الْعدَد

(5/405)


وَالثَّانِي أَنه يَقع وَكَأَنَّهُ يصيرها وَاحِدَة بِالطَّلَاق الثَّلَاث
وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار الْقفال أَنه إِن بسط النِّيَّة على جَمِيع اللَّفْظ لم يَقع
وَإِن نوى الثَّلَاث بقوله أَنْت طَالِق وَذكر الْوَاحِدَة بعده وَقع الثَّلَاث وَلم يُؤثر ذكر الْوَاحِدَة وَهَذَا بِنَاء على الْمَذْهَب الصَّحِيح الذى ادّعى الْفَارِسِي الْإِجْمَاع فِيهِ وَهُوَ أَنه إِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَلم يكن فِي عزمه أَن يَقُول إِن شَاءَ الله ثمَّ قَالَ مُتَّصِلا بِهِ أَنه لَا يُؤثر وَمن الْأَصْحَاب من خَالف وَقَالَ إِذا اتَّصل الِاسْتِثْنَاء وقصده لم يَقع الطَّلَاق فعلى هَذَا لَا يتَّجه قَول الْقفال
الثَّانِي إِذا قَالَ أَنْت وَاحِدَة وَنوى بِهِ توحدها بِالطَّلَاق الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَإِن لم يخْطر بِبَالِهِ معنى التوحد وَلَكِن نوى الثَّلَاث فَفِيهِ احْتِمَال وَتردد
الثَّالِث إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا وَلَكِن وَقع قَوْله ثَلَاثًا فِي حَال مَوتهَا بِأَن مَاتَت مقترنا بِهِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَن الثَّلَاث كالتفسير والمفسر وجد فِي الْحَيَاة
وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة بقوله أَنْت طَالِق وَيَلْغُو الْعدَد
وَالثَّالِث أَنه لَا يَقع شيئ لِأَنَّهَا مَاتَت قبل تَمام الْكَلَام

(5/406)


الْفَصْل الثَّانِي فِي تَكْرِير الطَّلَاق

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ لمدخول أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق فَإِن قصد التّكْرَار نفذ الثَّلَاث وَإِن قصد التَّأْكِيد لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة وَإِن نوى بِالثَّانِيَةِ الْإِيقَاع وبالثالثة التَّأْكِيد للثَّانِيَة وَقع ثِنْتَانِ وَإِن نوى بالثالثة تَأْكِيد الأولى لم يقبل وَوَقع الثَّلَاث لِأَن تخَلّل الْفَصْل يمْنَع قصد التَّأْكِيد وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يحمل على التَّأْكِيد لِأَنَّهُ مُعْتَاد فِي لِسَان الْعَرَب فَلَا تقع إِلَّا وَاحِدَة
وَالثَّانِي أَنه يَقع الثَّلَاث لِأَنَّهُ تلفظ ثَلَاث مَرَّات وَإِنَّمَا يصرف الطَّلَاق بِقصد صَحِيح عَن جِهَته وَلم يقْصد صرفه إِلَى التَّأْكِيد
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق طَالِق فَلهُ أَن يقْصد التَّأْكِيد وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق لم يُمكن قصد التَّأْكِيد لتخلل الْوَاو الفاصلة إِذْ الْمُؤَكّد يَنْبَغِي أَن يُسَاوِي الْمُؤَكّد
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق وَقصد بالثالثة تَأْكِيد الثَّانِيَة جَازَ وَلَو قصد تَأْكِيد الأولى لم يجز لتخلل الْفَصْل
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَطَالِق بل طَالِق وَقع الثَّلَاث وَامْتنع قصد التَّأْكِيد لتغاير الْأَلْفَاظ وَكَذَلِكَ قَوْله أَنْت طَالِق وَطَالِق فطالق

(5/407)


وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَالِق أَنْت طَالِق فَيجوز أَن تجْعَل الثَّالِثَة تَأْكِيد للثَّانِيَة وَإِن تخَلّل قَوْله أَنْت لِأَن إِعَادَة أدوات الضَّمِير تحْتَمل فِي التَّأْكِيد
الثَّانِيَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة وطلقة نَص على وُقُوع ثِنْتَيْنِ فِي الْمَدْخُول بهَا وَجَمِيع هَذِه الْمسَائِل فِي الْمَدْخُول بهَا إِذْ لَا يتَصَوَّر تعاقب الطَّلَاق قبل الدُّخُول وَلَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم فدرهم نَص على أَنه يلْزمه دِرْهَم وَاحِد فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل الْفرق أَن التّكْرَار يتَطَرَّق إِلَى الْأَخْبَار وَلذَلِك لَو كرر فِي الْمجْلس لم يتَكَرَّر بِخِلَاف الْإِنْشَاء وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَمَانِ
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة بل طَلْقَتَيْنِ وَقع الثَّلَاث لِأَن الِاسْتِدْرَاك لايتطرك إِلَى ماسبق إنشاؤه ويتطرق إِلَى الْأَخْبَار الثَّالَّةِ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعَ طَلْقَة أَو مَعهَا طَلْقَة أَو تَحت طَلْقَة أَو تحتهَا طَلْقَة أَو فَوق طَلْقَة أَو فَوْقهَا طَلْقَة فَمُقْتَضى الْجَمِيع الْجمع بَين طَلْقَتَيْنِ فَيَقَع فِي الْمَدْخُول بهَا طَلْقَتَانِ وَفِي غير الْمَدْخُول بهَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَقع ثِنْتَانِ لِأَن الْجمع مُمكن كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه تقع وَاحِدَة لِأَن قَوْله طَلْقَة كَلَام تَامّ وَالْبَاقِي لَيْسَ تَفْسِيرا لَهُ بِخِلَاف قَوْله أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فَإِن الثَّلَاث تَفْسِير لطلاق
وَلَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق فطالق بَانَتْ بِالْأولَى ولغا قَوْله فطالق أَعنِي قبل الدُّخُول
وَلَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق وَطَالِق فَهَل تقع ثِنْتَانِ عِنْد الدُّخُول فِيهِ وَجْهَان

(5/408)


وَوجه أَن الدُّخُول يَجْعَل كالجامع للطلقتين المذكورتين
الرَّابِعَة إِذا قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة قبل طَلْقَة أَو قبلهَا طَلْقَة أَو بعد طَلْقَة أَو بعْدهَا طَلْقَة ينفذ طَلْقَتَانِ فِي الدُّخُول بهَا وَلَكِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة أَو مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى اللَّفْظ وَاللَّفْظ الأول قَوْله طَلْقَة وَفِي الثَّانِي ينظر إِلَى الْمَعْنى وَقَوله قبلهَا طَلْقَة وَإِن ذكره آخرا فقد قدمه بِالْمَعْنَى وَالْأَصْل اتِّبَاع الْمَعْنى فَيَقَع أَولا مضون قَوْله قبلهَا طَلْقَة وَكِلَاهُمَا يقعان بعد فَرَاغه من تَمام لَفظه
فعلى هَذَا إِذا خَاطب بذالك غير الْمَدْخُول بهَا فَإِن قُلْنَا إِن الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله طَلْقَة وَقعت وَاحِدَة وَلم تعقبها الثَّانِيَة وَإِن قُلْنَا الْوَاقِع أَولا مَضْمُون قَوْله قبلهَا طَلْقَة لم يتَصَوَّر أَن تقع تِلْكَ وَحدهَا وَلَا أَن يَقع بعْدهَا طَلْقَة فَيُؤَدِّي إِلَى الدّور فَقِيَاس مَذْهَب ابْن الْحداد أَنه لَا يَقع شيئ وَقِيَاس مَذْهَب أبي زيد أَنه يَلْغُو قَوْله قبلهَا طَلْقَة للبعد وَيبقى مَضْمُون قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَة فتنفذ وَاحِدَة

(5/409)


الْفَصْل الثَّالِث فِي الطَّلَاق بِالْحِسَابِ

وَهُوَ ثَلَاثَة أَقسَام
الأول حِسَاب الضَّرْب فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِد فِي اثْنَتَيْنِ أَو اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ وَأَرَادَ الْحساب بطرِيق الضَّرْب حمل عَلَيْهِ وَإِن أَرَادَ الْجمع حمل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قد يُرَاد بهَا مَعَ وَالِاحْتِمَال الْبعيد مَقْبُول فِي الْإِيقَاع وَإِن لم يقبل فِي نفي الطَّلَاق وَإِن أَرَادَ الظّرْف قبل وَلم يَقع مَا جعله ظرفا وَإِن أطلق فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يحمل على الْحساب لظُهُور ذَلِك فِي اللِّسَان
وَالثَّانِي يحمل على الظّرْف لِأَنَّهُ يحتملها والتنزيل على الْأَقَل المستيقن أولى
وَحكي قَول ثَالِث أَنه يَقع الثَّلَاث لتلفظه بِهِ وَهُوَ بعيد
وَمهما كَانَ جَاهِلا لَا يفهم معنى الْحساب قطع الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّهُ لَا يحمل سِيَاقه على الْحساب
فرع الْجَاهِل بِالْحِسَابِ إِذا قَالَ أردْت بذلك مَا يُرِيد الْحساب فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحْتَمل لإرادته

(5/410)


وَالثَّانِي لَا لِأَن إِرَادَة مَا لَا يفهم محَال
وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ طلقت زَوْجَتي مِثْلَمَا طلق فلَان زَوجته وَهُوَ لَا يدْرِي ذَلِك وَمهما احْتمل فِي الْإِحْرَام أَن يَقُول أَهلَلْت بأهلال كإهلال فلَان وَهُوَ لَا يدْرِي فَلَا يبعد أَن يحْتَمل فِي الطَّلَاق
الْقسم الثَّانِي تجزئة الطَّلَاق وَفِيه مسَائِل
إِحْدَاهَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة أَو ربع طَلْقَة نقذ وكمل لَا بطرِيق السَّرَايَة بل بِأَن يَجْعَل الْبَعْض عبارَة عَن الْكل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثَة أَنْصَاف طَلْقَة وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَن الْمُضَاف إِلَيْهِ وَاحِدَة
وَالثَّانِي أَنه تقع طَلْقَتَانِ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَلْقَة وَنصف
وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله خَمْسَة أَربَاع أَو أَرْبَعَة أَثلَاث وَمَا يزِيد أجزاؤه على الواحده
الثَّانِيَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق نصفي طَلْقَة فَالصَّحِيح أَنه تقع وَاحِدَة وَلَو قَالَ نصف طَلْقَتَيْنِ فَالصَّحِيح أَنه أَيْضا تقع وَاحِدَة لَا كَمَا لَو كَانَ فِي يَدهَا عَبْدَانِ فَقَالَ لفُلَان نصف الْعَبْدَيْنِ ثمَّ فسر بِأَحَدِهِمَا لم يقبل إِذْ نصف الِاثْنَيْنِ المتناسبين المطلقين وَاحِد أما الْمعِين فَإِنَّهُ لَا يتَّجه فِيهِ ذَلِك وَقد قيل تقع طَلْقَتَانِ
وَإِن فسر بِوَاحِدَة يدين وَهل يقبل ظَاهرا قَالُوا فِيهِ وَجْهَان
الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق سدس وَربع وَثلث طَلْقَة فَهِيَ طَلْقَة وَاحِدَة وَلَو كرر الطَّلقَة

(5/411)


فَقَالَ سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَمنهمْ من أوقع ثَلَاث وَمِنْهُم من رد جَمِيع ذَلِك إِلَى طَلْقَة وَاحِدَة وَجعل تكراره للتَّأْكِيد
الْقسم الثَّالِث فِي اشْتِرَاك نسْوَة فِي الطَّلَاق

وَفِيه مسَائِل
الأول لَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أوقعت عليكن طَلْقَة وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة طَلْقَة إِذْ يخص كل وَاحِدَة ربع طَلْقَة وَلَو قَالَ طَلْقَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا أَو أَرْبعا فَلَا تزيد كل وَاحِدَة على طَلْقَة مَا لم يزاوج الْأَرْبَع
فَإِن قَالَ أوقعت عليكن خمس طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثِنْتَيْنِ وَلَا تزيد إِلَى ثَمَانِيَة
فَإِذا قَالَ تسع طلقات طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا أما إِذا قَالَ أوقعت بينكن طَلْقَة فَهُوَ كَقَوْلِه أوقعت عليكن إِن أطلق وَإِن أظهر تَفْسِيرا يُخَالف ذَلِك فَهَل يقبل فِيهِ أَرْبَعَة أوجه
أَحدهمَا أَنه يقبل كل مَا يبديه من تَخْصِيص وإضمار للاحتمال
وَالثَّانِي أَنه لَا يقبل أصلا مَا يُخَالف الِاشْتِرَاك لِأَنَّهُ يصير الْكَلَام كالمستكره

(5/412)


الثَّالِث يقبل بِشَرْط أَن لَا تخرج وَاحِدَة مِنْهُنَّ عَن الطَّلَاق حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن ثَلَاث طلقات ثمَّ أَرَادَ تَخْصِيص زَيْنَب بطلقتين ويوزع وَاحِدَة على الْبَاقِيَات صَحَّ وَلَو أَرَادَ إِخْرَاج وَاحِدَة لم يجز
الرَّابِع أَنه يقبل التَّخْصِيص والإخراج بِشَرْط أَن لَا يعطل طَلَاقا حَتَّى لَو قَالَ أوقعت بينكن أَربع طلقات ثمَّ خصص زَيْنَب حَتَّى تتعطل الرَّابِعَة لم يجز نعم يقبل فِي اخْتِصَاص ثَلَاث بهَا وَتبقى الرَّابِعَة فتتوزع على البواتي وَتطلق كل وَاحِدَة طَلْقَة
الثَّانِيَة إِذا قَالَ أوقعت عليكن سدس طَلْقَة وَربع طَلْقَة وَثلث طَلْقَة فَإِن قُلْنَا أَن هَذَا فِي الْوَاحِدَة مَحْمُول على ثَلَاث طلقات قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا إِذْ يوزع كل جُزْء على الْجَمِيع وَيحْتَمل أَن يُقَال إِن ذَلِك كثلاث طلقات
وَلَو أوقع بَينهُنَّ ثَلَاثًا لم تطلق كل وَاحِدَة إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة
الثَّالِثَة إِذا قَالَ لثلاث نسْوَة أوقعت بينكن طَلْقَة ثمَّ قَالَ للرابعة أَشْرَكتك مَعَهُنَّ فَإِن لم ينْو لم يَقع شَيْء لِأَنَّهُ كِنَايَة وَإِن نوى الطَّلَاق وَلَكِن لم يخْطر بِبَالِهِ كَيْفيَّة الِاشْتِرَاك قَالَ الْقفال تقع عَلَيْهَا طَلْقَتَانِ لِأَن الشّركَة أَن يكون لَهَا نصف مَا لَهُنَّ ولهن ثَلَاث فنصفه وَاحِدَة وَنصف فتكمل طَلْقَتَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ تقع وَاحِدَة لِأَن مُطلق الِاشْتِرَاك لَا ينبأ عَن مُسَاوَاة الشَّرِيكَيْنِ

(5/413)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الْخَامِس فِي الِاسْتِثْنَاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَله شُرُوط ثَلَاثَة
أَحدهَا أَنه لَا يسْتَغْرق الْمُسْتَثْنى عَنهُ
وَالثَّانِي بِأَن يتَّصل بالمستثنى عَنهُ فَلَو انْفَصل وَلَو بِزَمَان يسير فَلم يَصح وَقَالَ ابْن عَبَّاس يَصح الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل وَهُوَ بعيد
وَالثَّالِث أَن يكون قصد الِاسْتِثْنَاء مَقْرُونا بِأول الْكَلَام فَإِن قَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ بدا لَهُ مُتَّصِلا بالفراغ أَن يَقُول إِن شَاءَ الله قَالَ أَبُو بكر الْفَارِسِي هُوَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَعزا ذَلِك إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق وَقَالَ شَرطه اتِّصَال اللَّفْظ أما اقتران النِّيَّة فَلَيْسَ بِشَرْط وَكَلَام الْفَارِسِي أصح وَشرح هَذِه الْمسَائِل فِي فصلين

(5/414)


الْفَصْل الأول فِي الِاسْتِثْنَاء الْمُسْتَغْرق

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا وَقع الثَّلَاث وَبَطل الِاسْتِثْنَاء ولاستغراقه وتناقضه وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجمع اسْتِثْنَاؤُهُ وَيجْعَل مُسْتَغْرقا فَيبْطل وَوَقع الثَّلَاث
وَالثَّانِي أَن الِاسْتِغْرَاق وَقع بقوله وَاحِدَة فيلغى هَذَا الْقدر وَيعْتَبر الْبَاقِي
وَكَذَا الْخلاف فِي قَوْله أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة فَإِن جمع الْمُسْتَثْنى عَنهُ صَحَّ الِاسْتِثْنَاء وَإِن فرق بَطل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة ووواحدة وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة إِلَّا وَاحِدَة وَوَاحِدَة وَوَاحِدَة وَقع الثَّلَاث على الْوَجْهَيْنِ لِأَن من جمع جمع من الْجَانِبَيْنِ وَمن فرق فَكَذَلِك وَهُوَ مُسْتَغْرق بِكُل حَال
الثَّانِيَة الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء صَحِيح وَمَعْنَاهُ نقيض الْمُسْتَثْنى عَنهُ فَهُوَ من النَّفْي إِثْبَات وَمن الْإِثْبَات نفي فَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ إِلَّا وَاحِدَة مَعْنَاهُ إِلَّا اثْنَتَيْنِ لَا تقع إِلَّا وَاحِدَة من الاثنتين تقع فَتَقَع اثْنَتَانِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالقا ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا إِلَّا وَاحِدَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه تقع الثَّلَاث لِأَن الأول مُسْتَغْرق فلغا والأخير اسْتثِْنَاء من لاغ
وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه يَقع وَاحِدَة لِأَن الْكَلَام بِآخِرهِ وَقد أخرجه عَن

(5/415)


الِاسْتِغْرَاق بالاستدراك
وَالثَّالِث أَن الِاسْتِثْنَاء الأول يَلْغُو وَيصير الْأَخير اسْتثِْنَاء عَن الأول وَهَذَا تحكم فَاسد
الثَّالِثَة قَالَ ابْن الْحداد إِذا قَالَ أَنْت طَالِق خمْسا إِلَّا ثَلَاثًا وَقعت ثِنْتَانِ وَكَأَنَّهُ زَاد لَهُ وسع الِاسْتِثْنَاء وَمِنْهُم من قَالَ الْخمس كالثلاث وَالِاسْتِثْنَاء مُسْتَغْرق فَيبْطل وَلَا نظر إِلَى الزِّيَادَة
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أَربع إِلَّا اثْنَتَيْنِ فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد تقع اثْنَتَانِ وعَلى الْوَجْه الآخر تقع وَاحِدَة وَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ
الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا نصف طَلْقَة وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ أبقى النّصْف فيكمل وَفِيه وَجه أَن اسْتثِْنَاء النّصْف كاستثناء الْكل كَمَا أَن إِيقَاع النّصْف كإيقاع الْكل

(5/416)


الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق على بِالْمَشِيئَةِ

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله أَو أَنْت حرَّة إِن شَاءَ الله لم يَقع الطَّلَاق وَالْعِتْق لِأَن مَشِيئَة الله غيب لَا يدرى فَصَارَ الْوَصْف الْمُعَلق بِهِ مَجْهُولا وَقَالَ مَالك رَحمَه الله لَا يَقع الطَّلَاق وَيَقَع الْعتْق
وَنَصّ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي إِن شَاءَ الله أَنه يكون مُظَاهرا فَمن الْأَصْحَاب من طرد هَذَا فِي الطَّلَاق وَسَائِر الْعُقُود وَمِنْهُم من فرق بِأَن الظِّهَار إِخْبَار وَتَعْلِيق الْإِخْبَار بِالْمَشِيئَةِ لَا يَصح وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ عشرَة إِن شَاءَ الله تلْزمهُ الْعشْرَة والإنشاء يحْتَمل التَّعْلِيق وَمِنْهُم من سوى بَين الْعُقُود وَالْإِقْرَار وَجوز الِاسْتِثْنَاء بِالْمَشِيئَةِ فِي الْجَمِيع وَعَلِيهِ التَّفْرِيع
الثَّانِيَة إِن قَالَ يَا طَالِق إِن شَاءَ الله الظَّاهِر أَنه يَقع لِأَن الِاسْتِثْنَاء عَن الِاسْم لَا يَنْتَظِم إِنَّمَا يَنْتَظِم الْإِنْشَاء وَفِيه نظر لِأَن هَذَا الِاسْم مَعْنَاهُ الْإِنْشَاء فَلذَلِك قَالَ بَعضهم إِنَّه لَا يَقع شَيْء

(5/417)


أما إِذا قَالَ يَا طَالِق أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِن شَاءَ الله انْصَرف الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وَوَقعت وَاحِدَة بقوله يَا طَالِق
الثَّالِثَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا طَالِق إِن شَاءَ الله قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن قَوْله يَا طَالِق لَا يعْمل الِاسْتِثْنَاء فِيهِ تَفْرِيعا على ظَهره وَيرجع الِاسْتِثْنَاء إِلَى الثَّلَاث وتخلل قَوْله يَا طَالِق لَا يدْفع الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ من جنس الْكَلَام وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق ثَلَاثًا يَا حَفْصَة إِن شَاءَ الله
الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن لم يَشَأْ الله أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله فموجب اللَّفْظَيْنِ وَاحِد وَمَعْنَاهُ التَّعْلِيق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة وكما لَا تعرف الْمَشِيئَة لَا يعرف عدمهَا فَقِيَاس ذَلِك أَن يَقع الطَّلَاق وَنَصّ عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بل هَاهُنَا أولى لِأَنَّهُ علق على محَال إِذْ يَسْتَحِيل أَن يَقع الطَّلَاق بِخِلَاف مَشِيئَة الله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن صعدت السَّمَاء وَقَالَ صَاحب التَّلْخِيص يحْتَمل أَن يُقَال يَقع بِخِلَاف التَّعْلِيق بالصعود لِأَن الصعُود مُمكن فِي نَفسه وَالطَّلَاق بِخِلَاف الْمَشِيئَة محَال فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع وَحكى عَن القَاضِي أَنه اخْتَار وُقُوع الطَّلَاق هَاهُنَا وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ إِن قَالَ أَنْت طَالِق طَلَاقا إِن اجْتمع السوَاد وَالْبَيَاض لم يَقع لِأَنَّهُ تَعْلِيق بمحال فَكَذَلِك قَوْله إِن خَالف طَلَاقك مَشِيئَة الله فَإِنَّهُ أَيْضا محَال وَنعم يحْتَمل لَهُ مَأْخَذ آخر وَهُوَ أَنه لَو قَالَ إنت طَالِق إِن لم يدْخل زيد الدَّار فَدخل لم يَقع فَإِن مَاتَ زيد قبل الدُّخُول تبين وُقُوعه وَقت الطَّلَاق فَإِن مَاتَ وأشكل الدُّخُول فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يَقع لِأَن الأَصْل عدم الْوُقُوع
وَالثَّانِي أَنه يَقع لِأَنَّهُ نجز الطَّلَاق واستثناه وَلم يثبت الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الْوَجْه أظهر فِي

(5/418)


قَوْله أَنْت طَالِق إِلَّا أَن يدْخل زيد الدَّار فَإِن هَذِه صِيغَة الِاسْتِثْنَاء وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين الصيغتين فعلى هَذَا لَا يبعد أَن يُقَال مَشِيئَة الله مستثنية فَيَقَع الطَّلَاق لذَلِك فَهَذَا وَجهه الْمُتَكَلف وَالصَّحِيح أَنه لَا يَقع إِذْ لَو وَقع لَكَانَ الله قد شَاءَ وُقُوعه وَهُوَ إِنَّمَا علق الطَّلَاق بِعَدَمِ الْمَشِيئَة إِلَّا أَنه إِذا لم يَقع تبين أَن الله لم يَشَأْ فقد تحقق الْوَصْف الَّذِي علق عَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَن يَقع ثمَّ بالوقوع يَنْتَفِي الْوَصْف فَالشَّرْط وَالْجَزَاء هَاهُنَا متضادان لَا يَجْتَمِعَانِ ومنشأ بَدو النّظر أَن التَّعْلِيق على هَذَا الْوَجْه هَل يَصح وَلَيْسَ كَمَا إِذا علق باجتماع السوَاد وَالْبَيَاض لَان التضاد بَين السوَاد وَالْبَيَاض لابين الِاجْتِمَاع وة الطَّلَاق فَلَا تضَاد بَين الْجَزَاء وَالشّرط ويستمد هَذَا من مَسْأَلَة الدّور فَإِن قَوْله لغير الْمَدْخُول بهَا إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله فِيهِ تضَاد بَين الشَّرْط وَالْجَزَاء فألغاه أَبُو زيد لذَلِك واعتبره ابْن الْحداد وَهَذِه الْمَسْأَلَة تلْتَفت إِلَيْهِ
فَإِن قيل إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شَاءَ الله مَا معنى التَّرَدُّد فِي مَشِيئَة ومشيئته قديمَة لَا يتَرَدَّد فِيهَا فَإِن أُرِيد تعلقهَا فَلَا يَخْلُو إِمَّا أَن يُرَاد تعلقهَا بِلَفْظ الطَّلَاق أَو بحكمة فَإِن أُرِيد بِاللَّفْظِ فقد شَاءَ اللَّفْظ لِأَنَّهُ قد جرى وَإِن أُرِيد الحكم فَالْحكم قديم والإرادة لَا تتَعَلَّق بالقديم لِأَن الحكم كَلَام الله تَعَالَى
فَنَقُول مَعْنَاهُ مَشِيئَة حكم الطَّلَاق والمشيئة قديمَة وَلَكِن المُرَاد أَن يحدث لَهَا عِنْد الْحُدُوث تعلق بالإرادة الْقَدِيمَة وَإِن كَانَ لَهَا قبل الْحُدُوث نوع تعلق على وَجه آخر وَذَلِكَ التَّعَلُّق المتجدد مَشْكُوك فِيهِ وَأما قَوْله الحكم قديم فَلَا يُرَاد فَهُوَ كَذَلِك وَلَكِن مصير الْمَرْأَة مُحرمَة وصف حَادث يَسْتَدْعِي تعلقا جَدِيدا للْكَلَام الْقَدِيم بِهِ فللخطاب الْقَدِيم تعلقات متجددة كَمَا للإرادة وَالْأَحْكَام تبنى على التعليقات المتجددة لَا على الأَصْل الْقَدِيم

(5/419)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب السَّادِس فِي الشَّك وَفِي الطَّلَاق وَفِي مَحَله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
أما الشَّك فِي الطَّلَاق فصورته أَن يتَرَدَّد فِي أَنه هَل طلق أم لَا فَالْأَصْل أَن لَا طَلَاق فنأخذ بالاستصحاب كَمَا إِذا تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث لِأَنَّهُ لَا مجَال للِاجْتِهَاد فِي الطَّلَاق وَالْحَدَث والاستصحاب يَكْفِي وَلَيْسَ ذَلِك كَطَلَاق يخْتَلف فِيهِ الْفُقَهَاء فَإِنَّهُ لَا يَجْعَل مشكوكا بل يجب الِاعْتِمَاد على مَا يَقْتَضِيهِ الِاجْتِهَاد وَكَذَلِكَ إِذا طَار طَائِر فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فامرأتي طَالِق وَشك لم يَقع الطَّلَاق إِلَّا إِذا تبين أَنه غراب فَلَو قَالَ آخر وَإِن لم يكن غرابا فامرأتي طَالِق لم يَقع طَلَاقه أَيْضا لِأَنَّهُ لَو تفرد بِهِ لم يَقع فَتقدم غَيره لَا يُفَسر حكمه
أما إِذا كَانَ لَهُ زوجتان فَقَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فعمرة طَالِق وَإِن لم يكن فزينب طَالِق حرمت وَاحِدَة وَعَلِيهِ أَن يجتنبها لِأَنَّهُ اتَّحد الشَّخْص فَيحصل الْيَقِين فِي حَقه
فرع لَو جرى ذَلِك فِي عَبْدَيْنِ من رجلَيْنِ فَلِكُل وَاحِد أَن يتَصَرَّف فِي عَبده فَلَو اشْترى أحدهم العَبْد الآخر حَتَّى اجْتمعَا فِي ملكه حجر عَلَيْهِ فِيمَا إِلَى أَن يتَبَيَّن وَفِيه وَجه أَنه يخْتَص الْحجر بالمشتري لِأَن الأول كَانَ يتَصَرَّف فِيهِ فَلَا يَنْقَلِب حكمه بشرَاء الآخر وَالصَّحِيح هُوَ الأول
وَلَو بَاعَ الأول ثمَّ اشْترى الثَّانِي فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهُ التَّصَرُّف فِي الثَّانِي لِأَن تيك وَاقعَة قد انْقَضتْ فَهُوَ كَمَا لَو صلى صَلَاة إِلَى جِهَة ثمَّ تغير اجْتِهَاده إِلَى جِهَة أُخْرَى صلى لجِهَة أُخْرَى وَلم يقْض الأولى وَيحْتَمل خِلَافه لِأَن الِاسْتِصْحَاب ضَعِيف بالاضافة إِلَى

(5/420)


الِاجْتِهَاد
وَأما إِذا شكّ فِي مَحل الطَّلَاق كَمَا إِذا طلق وَاحِدَة مِنْهُمَا ثمَّ نسي فَعَلَيهِ التَّوَقُّف إِلَى التَّذَكُّر
وَلَو قَالَ لزوجته وأجنبية إِحْدَاكُمَا طَالِق ثمَّ قَالَ أردْت الْأَجْنَبِيَّة فَهَل يقبل فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست محلا لطلاقه
وَالثَّانِي نعم وَهُوَ الأضهر لِأَن اللَّفْظ مُبْهَم فعلى هَذَا يُرَاجع حَتَّى يعين
وَلَو قَالَ لزوجتين إِحْدَاكُمَا طَالِق طُولِبَ بِالتَّعْيِينِ فَإِن كَانَ قد نوى وَاحِدَة مُعينَة طُولِبَ بالكشف وَالصَّحِيح أَن عدتهَا من وَقت الْإِبْهَام وَإِن لم ينْو طُولِبَ بِتَعْيِين وَاحِدَة للوقوع فَإِذا عين فَيَقَع الطَّلَاق بِالتَّعْيِينِ أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين أَو يتَبَيَّن وُقُوعه بالإبهام فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَقع بالإبهام وَالتَّعْيِين كالبيان لَهُ والتنصيص على مَحَله فتحسب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت على الصَّحِيح كَمَا إِذا نوى
الثَّانِي أَنه يَقع بِالتَّعْيِينِ لِأَنَّهُ لَو وَقع قبله لوقع على غير مَحل فَإِنَّهُ بَين الْمحل الْآن وَلَكِن لما أوقع من غير بَيَان مَحل ألزمناه بِبَيَان الْمحل
ثمَّ فِي التَّعْيِين نظر فِي حَالَة الْحَيَاة وَبعد الْمَوْت
النّظر الأول فِي الْحَيَاة وَفِيه مسَائِل
الأولى أَنه يلْزمه التَّعْيِين وَيُطَالب بِهِ وَيجب على الْفَوْر كَمَا لَو أسلم على عشر نسْوَة ويعصى بِالتَّأْخِيرِ وَلَو أبهم طَلْقَة رَجْعِيَّة فَفِي وجوب التَّعْيِين فِي الْحَال وَجْهَان لِأَن التَّحْرِيم قد حصل وَلَكِن النجاح لم يَنْقَطِع

(5/421)


الثَّانِيَة أَنه يلْزمه نقتهما قبل التَّعْيِين وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَكَذَلِكَ إِن نوى وَاحِدَة وَلَكِن لم يبين وَكَذَلِكَ فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِلَى أَن يتَبَيَّن لِأَن حجر النِّكَاح مطرد فَلَا بُد من النَّفَقَة
الثَّالِثَة إِذا وطئ إِحْدَاهمَا فَإِن قُلْنَا إِن الطَّلَاق يَقع بِالتَّعْيِينِ لم يكن ذَلِك تعينا وَإِن قُلْنَا إِنَّه كالبيان فَلَا يبعد أَن يَجْعَل ذَلِك بَيَانا للمنكوحة وَكَذَلِكَ الْخلاف إِذا وطئ إِحْدَى أمتيه وَقد أبهم الْعتْق بَينهمَا وَحَيْثُ جعلنَا الْوَطْء تعيينا فَلَا مهر لَهَا وَإِن لم نجعله تعيينا فعين الْأُخْرَى للنِّكَاح فَفِي وجوب الْمهْر وَجْهَان يبتنيان على وَقت وُقُوع الطَّلَاق
الرَّابِعَة إِذا ماتتا أَو إِحْدَاهمَا لم تسْقط الْمُطَالبَة بِالتَّعْيِينِ لأجل الْمِيرَاث وَهَذَا يُؤَيّد قَوْلنَا إِن الطَّلَاق يَقع بالإبهام وعَلى الْوَجْه الآخر اخْتلفُوا وَمِنْهُم من قَالَ هَاهُنَا للضَّرُورَة يحمل التَّعْيِين على الْبَيَان لَا على الْإِيقَاع وَمِنْهُم من قَالَ نتبين وُقُوع الطَّلَاق على الْمعينَة قبيل مَوتهَا وَهَذَا كَمَا نقُول فِي الْمَبِيع إِذا تلف فإننا نتبين الِانْفِسَاخ قبيل التّلف للضَّرُورَة
الْخَامِسَة فِي صِيغ التَّعْيِين وَفِيه صُورَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَن يَقُول نويتهما جَمِيعًا فَلَا يَقع عَلَيْهِمَا لِأَن اللَّفْظ لَا يحْتَملهُ وَلكنه إِقْرَار لَهما بِالطَّلَاق فَلِكُل وَاحِدَة مؤاخذته بذلك وَلَو قَالَ أردْت هَذِه ثمَّ هَذِه قَالَ القَاضِي تطلق الأولى دون الثَّانِيَة لِأَن لَفظه لَا يحْتَمل الْجمع وَقَالَ الإِمَام الْوَجْه أَن يكون إِقْرَارا للثَّانِيَة أَيْضا ويلغى قَوْله ثمَّ كَمَا إِذا قَالَ هَذِه الدَّار لزيد ثمَّ لعَمْرو فَإِن لعَمْرو مؤاخذته
وَلَو قَالَ أردْت هَذِه بعد هَذِه فَعِنْدَ القَاضِي يَقع على الثَّانِيَة لِأَنَّهَا مُقَدّمَة فِي الْمَعْنى وَإِن تَأَخَّرت فِي الذّكر وعَلى مَذْهَب الإِمَام يُؤَاخذ بهما
الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يبهم طَلَاقا بَين ثَلَاث نسْوَة ثمَّ يجلس اثْنَتَيْنِ فِي جَانب وَالثَّالِثَة فِي جَانب ثمَّ قَالَ أردْت هَذِه ووقف قَلِيلا ثمَّ قَالَ أَو هَذِه فَنَقُول لم يرفع الْإِبْهَام فَلَو عين الثَّالِثَة تعيّنت الأخيرتان للنِّكَاح وَلَو عين إِحْدَاهمَا شاركتها صاحبتها لِأَنَّهُ جمعهَا

(5/422)


إِلَيْهِ فِي الْإِقْرَار بقوله هَذِه أَو هَذِه وَإِنَّمَا تعين للشَّرِكَة صاحبتها لوقفته بالصيغة فَلَو قَالَ على السرد هَذِه أَو هَذِه وَهَذِه احْتمل أَن تكون الثَّالِثَة شريكة الأولى وشريكة الثَّانِيَة وَيرجع إِلَيْهِ وَيقبل فِي ذَلِك قَوْله
هَذَا كُله إِذا كَانَ قد نوى أما إِذا أبهم الطَّلَاق من غير نِيَّة فطالبناه فَقَالَ عينت هَذِه أَو هَذِه فبلغو قَوْله فَلَو قَالَ عينت هَذِه وَهَذِه تعيّنت الأولى ولغا قَوْله فِي الثَّانِيَة لِأَنَّهُ لَيْسَ إِقْرَارا حَتَّى يُؤَاخذ بِهِ هَل هُوَ إنْشَاء وَلَا يسْتَقلّ بِنَفسِهِ إنْشَاء إِذا لم يسْبق لفظ صَالح للْجَمِيع
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة فِي النزاع وَلها ثَلَاث صور
إِحْدَاهَا لَو كَانَ قد نوى فادعت وَاحِدَة أَنه أرادها وَأنكر فَالْقَوْل قَوْله فَإِن نكل حَلَفت وتعينت للطَّلَاق بِيَمِينِهَا وتعينت الْأُخْرَى بِإِقْرَار الزَّوْج لَهَا حَيْثُ أنكر الثَّانِيَة
وَالصُّورَة الثَّانِيَة أَن يكون قد طلق وَاحِدَة مُعينَة مِنْهُمَا لكنه نسي فَقَالَت وَاحِدَة طلقتنى فَلَا يقبل قَول الزَّوْج نسيت بل عَلَيْهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه مَا طَلقهَا فَإِن نكل حَلَفت على الْبَتّ وَحكم لَهَا وَلَو قبلنَا يَمِين الرجل عَليّ نفي الْعلم وَالنِّسْيَان للَزِمَ فِي الاستقراض وَسَائِر الدَّعَاوَى
الصُّورَة الثَّالِثَة فِي مَسْأَلَة الْغُرَاب إِذا قَالَت وَاحِدَة أَنه إِذا كَانَ غرابا فَأَنا طَالِق فَأنْكر الزَّوْج فَعَلَيهِ أَن يحلف على الْبَتّ أَنه لم يكن غرابا أَو ينكل حَتَّى تحلف على الْبَتّ أَنه كَانَ غرابا

(5/423)


وَلَو علق دُخُولهَا أَو دُخُول غَيرهَا فتنازعا اكْتفى مِنْهُ بِيَمِين على نفي الْعلم بِالدُّخُولِ هَكَذَا قَالَه إمامي وَلَيْسَ يتَبَيَّن لي فرق بَينهمَا أصلا بل يَنْبَغِي أَن يُقَال عَليّ يَمِين جازمة أم نُكُول فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا

(5/424)


النّظر الثَّانِي فِيمَا بعد الْمَوْت

وَفِيه ثَلَاث مسَائِل
إِحْدَاهَا إِذا مَاتَا جَمِيعًا فَعَلَيهِ التَّعْيِين فَإِن كَانَ قد نوى بقبله فَبين للْوَارِث تَحْلِيفه لأجل الْمِيرَاث وَإِن لم يكن قد نوى فعين لم يكن لَهُم التَّحْلِيف لِأَنَّهُ إنْشَاء مَنُوط بِاخْتِيَارِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ينحسم التَّعْيِين بِالْمَوْتِ وَللزَّوْج نصف حَقه من مِيرَاث كل وَاحِدَة
الثَّانِيَة أَن يَمُوت الزَّوْج أَيْضا فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين نظر فَإِن كَانَتَا فِي الْحَيَاة فَيُوقف مِيرَاث كل وَاحِدَة بَينهمَا حَتَّى يصطلحا وَلَيْسَ لوَارث الزَّوْج التَّعْيِين
وَإِن مَاتَت إِحْدَاهمَا ثمَّ مَاتَ الزَّوْج ثمَّ مَاتَت الْأُخْرَى فَإِن عين الْوَارِث الأولى للطَّلَاق فَهُوَ مقرّ على نَفسه إِذْ حرم مُوَرِثه عَن الْمِيرَاث فَيقبل وَإِن عين الْأَخِيرَة ليحرمها عَن مِيرَاث مُوَرِثه وليجوز مِيرَاث الأولى فَهَذَا مَحل غَرَضه فَفِي تَعْيِينه ثَلَاثَة أَقْوَال
أحدث أَنه يقبل لِأَنَّهُ خَليفَة الْمُورث فِي خِيَار الشُّفْعَة وَغَيره فَكَذَلِك فِي هَذِه
وَالثَّانِي أَنه لَا أثر لَهُ لِأَن حُقُوق النِّكَاح لَا تورث
وَالثَّالِث أَنه إِن قَالَ إِن الزَّوْج قد نوى هَذِه فَلهُ ذَلِك فَلَعَلَّهُ سَمعه أَو فهمه بِقَرِينَة وَإِن قَالَ لم ينْو وَلكنه أَرَادَ إنْشَاء التَّعْيِين لم يجز لِأَن هَذَا إِلَى الزَّوْج وَكَذَا الْخلاف فِي تعْيين الْوَارِث إِذا أبهم الْعتْق بَين عَبْدَيْنِ وَمَات لِأَن للْوَارِث غَرضا فِيهِ والعراقيون أرْسلُوا ذكر قَوْلَيْنِ فِي أَن الْوَارِث هَل يعين حَيْثُ يعين الزَّوْج لَو كَانَ حَيا وَلم يفرقُوا بَين أَن يكون لَهُ غَرَض أَو لَا غَرَض لَهُ وَهَذَا التَّفْصِيل ذكره الْقفال وَهُوَ أحسن

(5/425)


الثَّالِثَة إِذا قَالَ إِن كَانَ هَذَا غرابا فزوجتي طَالِق وَإِن لم يكن غرابا فَعَبْدي حر فيحجر عَلَيْهِ فيهمَا جَمِيعًا لِأَن الْمَالِك مُتحد وَإِن كَانَ الْجِنْس مُخْتَلفا فَإِن مَاتَ قبل التَّعْيِين فَهَل للْوَارِث التَّعْيِين فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي الْقطع بِأَن لَا يعين لِأَن لللقرعة مدخلًا لِلْعِتْقِ فَهُوَ أولى من التَّعْيِين وَإِن لم يكن لَهَا مدْخل فِي الطَّلَاق
وَإِذا وَقع الْإِبْهَام فِي مَحْض الإرقاق فَلَا خلاف فِي أَن الْمُحكم للقرعة فعلى هَذَا لَو أقرعنا فَخرج على الرَّقِيق عتق وتعينت الْمَرْأَة للنِّكَاح وورثت وَإِن خرج على الْمَرْأَة لم تطلق لِأَن الْقرعَة لَا تُؤثر فِي الطَّلَاق وَلَكِن هَل يتَعَيَّن الرَّقِيق للرق فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْقرعَة إِن قصرت عَن حكم الطَّلَاق فتستعمل فِي الرّقّ وَالْعِتْق
وَالثَّانِي لَا لِأَن تَعْيِينه للرق فرع تعْيين الْمَرْأَة للطَّلَاق بِالْقُرْعَةِ فَإِذا لم تعْمل الْقرعَة فِي محلهَا كَيفَ تعْمل فِيمَا يثبت ضمنا لَهُ فعل هَذَا يبْقى الْإِبْهَام إِذْ كُنَّا نتوقع بِالْقُرْعَةِ بَيَانا فَلم يحصل

(5/426)


الشّطْر االثاني من الْكتاب فِي التعليقات

وَالنَّظَر فِيهِ فِي فُصُول مُطَوَّلَة وَفِي فروع مُتعَدِّدَة موجزة فلنقدم الْفُصُول وَهِي سِتَّة
الْفَصْل الأول فِي التَّعْلِيق بالأوقات

وَهِي أَرْبَعَة
النَّوْع الأول فِي التَّعْلِيق بمجيء وَقت منتظر وَصِيغَة التَّعْلِيق إِن وَفِي مَعْنَاهُ إِذا فَلَا فرق بَين أَن يَقُول إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا طلعت الشَّمْس أَو إِن دخلت الدَّار أَو إِذا دخلت الدَّار فَالْكل تَعْلِيق وَقَالَ مَالك رَحمَه الله إِذا علق بِمَا يستيقن وُقُوعه كطلوع الشَّمْس وَقع فِي الْحَال وَهُوَ ضَعِيف
فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول شهر رَمَضَان طلقت كَمَا أهل الْهلَال مَقْرُونا بِأول جُزْء مِنْهُ وَلَا نقُول إِن فِي للظرف فَيَقْضِي وقتا محتوشا بوقتين من شهر رَمَضَان بل لَا يشْعر بالانطباق عَلَيْهِ وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي شهر رَمَضَان فكمثل وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي يَوْم السبت طلقت مَعَ طُلُوع الْفجْر وَلَو قَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يَقع فِي آخر النَّهَار وَآخر الشَّهْر التفاتا إِلَى أَن الْوُجُوب الْمُعَلق

(5/427)


بِوَقْت موسع يسْتَقرّ فِي آخِره
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر شهر رَمَضَان طلقت فِي آخر جُزْء مِنْهُ وَفِيه وَجه آخر أَنَّهَا تطلق فِي أول جُزْء من لَيْلَة السَّادِس عشر لِأَن النّصْف الْأَخير كُله آخر الشَّهْر وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي أول آخر الشَّهْر طلقت فِي أول يَوْم الْأَخير على وَجه وَفِي أول نصف الْأَخير على وَجه وَلَو قَالَ فِي آخر أول هَذَا الشَّهْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه آخر النّصْف الأول
وَالثَّانِي أَنه آخر اللَّيْلَة الأولى
وَالثَّالِث أَنه آخر يَوْم الأول
وَلَو قَالَ فِي سلخ الشَّهْر فَثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه آخر جُزْء من الشَّهْر إِذْ بِهِ الانسلاخ
وَالثَّانِي أَنه أول الْيَوْم الْأَخير
وَالثَّالِث أَنه أول جُزْء من الشَّهْر لِأَنَّهُ مِنْهُ يَأْخُذ فِي الانسلاخ وَهَذَا رَكِيك

(5/428)


وَلَو قَالَ عِنْد انسلاخ الشَّهْر لم يتَّجه إِلَّا فِي آخر جُزْء من الشَّهْر
النَّوْع الثَّانِي التَّعْلِيق بِمُضِيِّ الْأَوْقَات فَلَو قَالَ إِذا مضى يَوْم فَأَنت طَالِق وَهُوَ با اللَّيْل فَيَقَع مَعَ الْغُرُوب من الْغَد وَإِن كَانَ بِالنَّهَارِ فَإلَى أَن يعود النَّهَار إِلَى مثل وقته وَلَو قَالَ إِذا مَضَت السّنة فَتطلق مَعَ استهلال الْمحرم وَإِن لم يكن قد بَقِي إِلَّا يَوْم وَلَو قَالَ إِذا مَضَت سنة فَلَا بُد من اثْنَي عشر شهرا من وَقت الْيَمين وَيَكْفِي الْأَشْهر الْعَرَبيَّة لَكِن الشَّهْر الَّذِي هُوَ فِيهِ إِذا كَانَ فِي وَسطه يكمل ثَلَاثِينَ من آخر السّنة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِذا انْكَسَرَ شهر انْكَسَرَ جَمِيع الشُّهُور لِأَنَّهُ لَا بُد من التوالي
النَّوْع الثَّالِث التَّعْلِيق بِالزَّمَانِ الْمَاضِي فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق بالْأَمْس قصدت الْآن إِيقَاع الطَّلَاق بالْأَمْس قُلْنَا هَذَا محَال لِأَن حكم اللَّفْظ لَا يتَقَدَّم على اللَّفْظ وَهل يَقع فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن حكم لَفظه لَو تحقق شَمل الْوَقْت الْحَاضِر فَينفذ فِي الْقدر الْمُمكن
وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَن هَذَا لَغْو من الْكَلَام فَلَا يَقع بِهِ شيئ
وَلَو قَالَ أوقعت الْآن طَلْقَة ينتشر حكمهَا إِلَى الأمس لِأَنَّهُ محَال
وَالثَّانِي هُوَ اخْتِيَار الرّبيع أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ أوقع مَا يَتَّصِف بِهَذِهِ الصّفة وَمَا وَصفه بِهِ فَهُوَ محَال فَلَا يَقع شيئ
وَترجع حَقِيقَة الْخلاف إِلَى أَنه إِذا وصف الطَّلَاق بِوَصْف جعل محالا يلغى أصل الطَّلَاق أَو الْوَصْف وَاسْتدلَّ الرّبيع بقوله أَنْت طَالِق إِن أَحييت مَيتا أَو صعدت السَّمَاء فَإِنَّهُ لَا يَقع فَاخْتلف الْأَصْحَاب فِيهِ على ثَلَاثَة أوجه

(5/429)


مِنْهُم من وَافقه
وَمِنْهُم من قَالَ يَقع فِي مَسْأَلَة الصعُود والإحياء وَهُوَ كَقَوْلِه أَنْت طَالِق طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك
وَمِنْهُم من فرق بَين الْإِحْيَاء والصعود وَقَالَ الْإِحْيَاء محَال من الْمَخْلُوق فَهُوَ كَقَوْلِه طَلَاقا لَا يَقع عَلَيْك وَأما الصعُود فممكن فِي نَفسه
وَالصَّحِيح أَن هَذِه التعليقات صَحِيحَة وَالْمَقْصُود الإبعاد كَقَوْلِه تَعَالَى {حَتَّى يلج الْجمل فِي سم الْخياط} وَأما قَوْله طَلَاقا لَا يَقع فَهُوَ متناقض فِي ذَاته وَقَوله طَلَاقا ينعكس حكمه على مَا مضى لَيْسَ بمتناقض لكنه مُخَالف حكم الشَّرْع فينقدح فِيهِ التَّرَدُّد وَلَا بَأْس بِمَا ذكره الرّبيع فِيهِ
وَلَو قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله بِشَهْر صَحَّ فَإِن مَاتَ قبل مُضِيّ الشَّهْر لم يَقع الطَّلَاق لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى التَّقْدِيم على اللَّفْظ وَلَو مَاتَ بعد شهر تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبله بِشَهْر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ قبل قدوم زيد وَقبل دُخُول الدَّار بِشَهْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسْتَند الطَّلَاق فِي الْمَوْت دون الْقدوم وَالدُّخُول وَهُوَ تحكم
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق أمس غَدا أَو غَدا أمس وَقع فِي الْحَال لِأَن الْيَوْم هُوَ أمس غَدا وَغدا أمس وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي السّنة الْمَاضِيَة وَلم يبين فَالظَّاهِر الحكم بِالطَّلَاق لِأَن ظَاهره الْإِقْرَار بِوُقُوع الطَّلَاق وَلَو قَالَ أردْت أَو زوجا آخر طَلَّقَك أَو طَلقتك أَنا فِي نِكَاح آخر ثمَّ جددت فَإِن أَقَامَ بَيِّنَة قبل وَإِلَّا حكم بِالطَّلَاق فِي الْوَقْت وَلَو قَالَ أردْت طَلْقَة رَجْعِيَّة فَيقبل لِأَنَّهُ تَقْرِير للطَّلَاق فِي هَذَا النِّكَاح

(5/430)


النَّوْع الرَّابِع التَّعْلِيق بتكرير الْأَوْقَات وَفِيه مَسْأَلَتَانِ
أَحدهمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل سنة طَلْقَة طلقت طَلْقَة وَاحِدَة فِي الْحَال وَوَاحِدَة فِي أول محرم السّنة الثَّانِيَة إِن أَرَادَ السنين الْعَرَبيَّة وَالثَّالِثَة فِي أول محرم السّنة الثَّالِثَة إِن بقيت الْعدة وَإِن لم يرد السّنة الْعَرَبيَّة فَلَا تقع الثَّانِيَة مَا لم تنقض سنة كَامِلَة من الأولى
وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ على حسب الِاحْتِمَالَيْنِ
فَلَو أَبَانهَا ثمَّ جدد النِّكَاح فِي وسط الثَّانِيَة وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث طلقت كَمَا نَكَحَهَا وَإِن كَانَ أول السّنة قد مَا فَاتَ لِأَن جَمِيع السّنة وَقت وَإِنَّمَا عجلنا فِي أول السّنة عِنْد دوَام النِّكَاح لمصادفة الْوَقْت
الثَّانِيَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل يَوْم طَلْقَة طلقت طَلْقَة فِي الْحَال وَوَقعت الثَّانِيَة صَبِيحَة الْيَوْم الثَّانِي فَلَو قَالَ لَو أردْت أَن يَتَخَلَّل بَين كل طلاقين يَوْم كَامِل فيدين بَاطِنا وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان وَهَذَا يُخَالف السّنة لِأَن الْيَوْم مُقَدّر مَحْصُور لَا يُوجب الْحساب تداخله كَمَا يُوجب تدَاخل السنين

(5/431)


الْفَصْل الثَّانِي فِي التَّعْلِيق بالتطليق ونفيه

وَفِيه ثَلَاثَة صِيغ
الأولى أَن يَقُول إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق فَإِذا قَالَ ذَلِك بعد الدُّخُول فمهما طَلقهَا وَاحِدَة طلقت طَلْقَة أُخْرَى بِالتَّعْلِيقِ وَلَا يخْتَص ذَلِك بِالْمَجْلِسِ كَقَوْلِه مَتى مَا وَمهما وَإِذا فَكل ذَلِك لَا يَقْتَضِي فَوْرًا إِلَّا إِذا علق على مشيئتها أَو بإعطائها مَالا فَيخْتَص بِالْمَجْلِسِ لاقْتِضَاء الْقَرِينَة لَا للفظ
وَأما قبل الدُّخُول فَلَا تقع الطَّلقَة الْمُعَلقَة لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْأولَى وَلذَلِك نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو خَالعهَا لم يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق لِأَنَّهَا بَانَتْ بِالْخلْعِ فَلَا يلْحقهَا طَلَاق
وَقد ظن أَكثر الْأَصْحَاب أَن هَذَا يدل على أَن الْجَزَاء يَتَرَتَّب على الشَّرْط وَيَقَع بعده لِأَنَّهُ لوقع مَعَه لوقع قبل الدُّخُول وَيكون كَمَا لوقال أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ وَيشْهد لهَذَا أَيْضا أَنه لَو قَالَ لغانم مهما أَعتَقتك فسالم حر ثمَّ أعتق غانما فِي الْمَرَض وَالثلث لَا يَفِي بهما لم يعْتق من سَالم شَيْء بِخِلَاف مَا لَو أعتقهما جَمِيعًا فَإِنَّهُ يقرع بَينهمَا وَالصَّحِيح أَن الْجَزَاء مَعَ الشَّرْط لِأَن الشَّرْط جعل عِلّة بِالْوَضْعِ فَهُوَ كالعلة الْحَقِيقِيَّة والمعلول مَعَ الْعلَّة وَإِن كَانَ بَينهمَا تَرْتِيب عَقْلِي فِي السَّبَبِيَّة بل هُوَ كحركة الْخَاتم فَإِنَّهُ مَعَ حَرَكَة الْيَد وَإِن كَانَ معلولا لَهُ وَإِنَّمَا لم يَقع قبل الدُّخُول لِأَن مُقْتَضَاهُ وُقُوع الطَّلَاق مَعَ أول حَال الْبَيْنُونَة وَأول حَال الْبَيْنُونَة يضاد الطَّلَاق كَمَا فِي حَال الْبَيْنُونَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق طَلْقَة مَعهَا طَلْقَة لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة على أدق الْوَجْهَيْنِ بِخِلَاف مَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَتَيْنِ لِأَن الْبَيْنُونَة مَعْلُول مَجْمُوع الطلقتين وَقَوله طَلْقَتَيْنِ كالتفسير لقَوْله طَالِق وَكَذَا لَا يعْتق سَالم لِأَن عتقه مَعْلُول عتق غَانِم وَرُبمَا خرجت الْقرعَة على سَالم فَيعتق دون عتق غَانِم فَيكون الْمَعْلُول قد ثَبت دون الْعلَّة وَذَلِكَ محَال وَهَذَا كَلَام دَقِيق عَقْلِي رُبمَا يقصر نظر الْفَقِيه عَنهُ

(5/432)


النّظر الثَّانِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَن التَّعْلِيق هَل يكون تطليقا فَإِذا قَالَ إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت وَقعت طَلْقَة بِيَمِين الدُّخُول وَأُخْرَى بِيَمِين التَّعْلِيق لِأَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة تطليق نعم مُجَرّد التَّعْلِيق لَيْسَ بتطليق وَكَذَلِكَ لَو تقدم التَّعْلِيق وَلم يُوجد بعد يَمِينه إِلَّا مُجَرّد الصّفة لم يكن تطليقا إِلَّا إِذا قَالَ إِذا وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق وَكَأن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ مقدم على هَذَا التَّعْلِيق فَإِنَّهُ إِذا وَقع بِمُجَرَّد الصّفة وَقعت طَلْقَة أُخْرَى لِأَنَّهُ وُقُوع وَلَيْسَ بإيقاع وَعَن الْعِرَاقِيّين وَجه أَن التَّعْلِيق مَعَ الصّفة لَيْسَ أَيْضا بتطليق وَهُوَ بعيد لِأَن سِيمَا فِيمَا إِذا علق بِفعل نَفسه وأتى بِالْفِعْلِ
فرعان

الأول إِذا قَالَ إِن طَلقتك عمره فحفصة طَالِق ثمَّ قَالَ إِن طَلقتك حَفْصَة فعمرة طَالِق ثمَّ بَدَأَ بحفصة فَطلقهَا طلقت حَفْصَة بالتنجيز طَلْقَة وطلقة عمْرَة بِالتَّعْلِيقِ طَلْقَة وعادت طَلْقَة إِلَى حَفْصَة من طَلَاق عمْرَة لِأَنَّهُ تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة ترَاخى عَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة فَكَانَ تطليقا لَهَا وَقد علق طَلَاق حَفْصَة على تَعْلِيقهَا
وَلَا بَدَأَ بِعُمْرَة فَطلقهَا فَيرجع الطَّلَاق على حَفْصَة وَلم يرجع طَلَاق إِلَى عمْرَة لِأَن تَعْلِيق طَلَاق حَفْصَة سبق تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة فَكَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى تَعْلِيق طَلَاق عمْرَة وقوعا مَحْضا لَا إيقاعا نعم لَو أبدل لفظ الْإِيقَاع بالوقوع وَقع على الْمُطلقَة طَلْقَة تنجيزا وطلقة أُخْرَى تَعْلِيقا وَلم يَقع على الْأُخْرَى إِلَّا طَلْقَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ إِن حل الْيَمين لِأَن حرف إِن وَمهما لَا يَقْتَضِي التقرار بِخِلَاف كلما فينحل بِوُجُود الصّفة مرّة وَاحِدَة
الْفَرْع الثَّانِي إِذا قَالَ وَله نسْوَة وَعبيد إِذا طلقت وَاحِدَة فعبد من عَبِيدِي حر وَإِذا طلقت اثْنَتَيْنِ فعبدان حران وَإِذا طلقت ثَلَاثًا فَثَلَاثَة وَإِذا طلقت أَرْبعا فَأَرْبَعَة ثمَّ

(5/433)


طلق أَرْبَعَة نسْوَة عتق عشرَة أعبد لِأَنَّهُ حنث فِي الْإِيمَان الْأَرْبَعَة لِأَن فِي الْأَرْبَعَة أَرْبَعَة وَثَلَاثَة واثنتين وَوَاحِدَة وَذَلِكَ عشرَة
وَلَو أبدل إِذا بكلما عتق خَمْسَة عشر فَيعتق بِيَمِين الْوَاحِد أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا أَرْبَعَة آحَاد وبيمين الِاثْنَيْنِ أَرْبَعَة لِأَن فِيهَا اثْنَيْنِ مرَّتَيْنِ وبيمين الثَّلَاثَة ثَلَاثَة وبيمين الْأَرْبَع أَرْبَعَة وَذَلِكَ خَمْسَة عشر وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يعْتق سِتَّة عشر لِأَنَّهُ حسب الثَّلَاثَة مرّة فَبَقيَ الْوَاحِد فحسبه فِي يَمِين الْوَاحِد مرّة أُخْرَى وَهُوَ خطأ لِأَنَّهُ قد حسب مرّة فِي يَمِين الْآحَاد وَمن الْأَصْحَاب من ذَلِك يعْتق سَبْعَة عشر وَإِنَّمَا زَاد اثْنَيْنِ بِيَمِين الِاثْنَيْنِ لِأَنَّهُ زعم أَنه فِي الْأَرْبَعَة اثْنَيْنِ ثَلَاث مَرَّات لِأَنَّهُ حسب الثَّانِي وَالثَّالِث مرّة وَهَذَا خطأ لِأَنَّهُ لَو جَازَ هَذَا لجَاز أَن يصير ثَلَاثَة أَيْضا مرَّتَيْنِ فَإِن الثَّانِي وَالثَّالِث وَالرَّابِع ثَلَاثَة أخر سوى الأول وَالثَّانِي وَالثَّالِث وَلَا قَائِل بِهَذَا
الصِّيغَة الثَّانِيَة التَّعْلِيق بِنَفْي التَّطْلِيق فَإِذا قَالَ إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق لم تطلق فِي الْحَال وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ إِن لم أضربك فَإِنَّهُ يتَوَقَّع ذَلِك فِي الِاسْتِقْبَال وَلَا يَقْتَضِي الْفَوْر وَلَو قَالَ إِذا لم أطلقك وَمضى زمَان يسير يسع التَّطْلِيق وَلم يُطلق وَقع الطَّلَاق لِأَن إِذا ظرف زمَان وَمَعْنَاهُ أَي وَقت أطلقك فِيهِ فَأَنت طَالِق
وَقَوله مَتى وَمَتى مَا كَقَوْلِه إِذا فِي اقْتِضَاء الْفَوْر وَفِي الْأَصْحَاب من لم يَتَّضِح لَهُ الْفرق فَجعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَوْلَيْنِ وَهَذَا ضَعِيف إِذْ الْفرق ظَاهر نعم لَو قَالَ أردْت بإذا مَا يُريدهُ المريد بقوله إِن يدين وَهل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان
التَّفْرِيع إِذا قُلْنَا لَا يَقع فِي صِيغَة إِن على الْفَوْر فَإِنَّمَا يَقع عِنْد حُصُول الْيَأْس بخلو الْعُمر عَن الضَّرْب والتطليق ولليأس ثَلَاث صور

(5/434)


إِحْدَاهَا موت أحد الزَّوْجَيْنِ فَإِذا مَاتَ قبل الطَّلَاق وَالضَّرْب تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَكَانَ يحْتَمل أَن نتبين وُقُوعه عِنْد اللَّفْظ وَلَكِن اللَّفْظ مُطلق يحْتَمل الْأَمريْنِ وتنزيله على إخلاء الْعُمر مُحْتَمل وَالْأَصْل نفي الطَّلَاق من غير يَقِين مَا يوقعه وَإِنَّمَا يتَحَقَّق عدم الضَّرْب لانقضاء الْعُمر فَفِيهِ يَقع
الصُّورَة الثَّانِيَة طرآن الْجُنُون على الزَّوْج وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا يفِيق فَإِن اتَّصل بِالْمَوْتِ تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْجُنُون وَإِن كَانَ يُمكن أَن يُوقع قبل الْمَوْت إِذْ بِهِ يتَحَقَّق الْيَأْس وَلَكِن قبل الْجُنُون يثبت الْيَأْس إِلَّا بانتظار الْإِفَاقَة فَإِذا لم تقع الْإِفَاقَة فالجنون كالموت فِي الْيَأْس وَهَذَا فِي الطَّلَاق أما فِي الضَّرْب فَلَا يأس لِأَن ضرب الْمَجْنُون فِي تَحْقِيق الصّفة ونفيها كضرب الْعَاقِل على الصَّحِيح
الصُّورَة الثَّالِثَة انْفِسَاخ النِّكَاح وَذَلِكَ لَا يُوجب الْيَأْس لِأَنَّهُ رُبمَا ينْكِحهَا فيطلقها وَلَا يشْتَرط النِّكَاح الأول لتحقيق الصّفة فَإِن نَكَحَهَا وَطَلقهَا فقد تحققت الصّفة وَإِن لم يطلقهَا وَكَانَت فِي نِكَاحه عِنْد الْمَوْت وَقُلْنَا بِعُود الْحِنْث وَقع الطَّلَاق قبيل الْمَوْت وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث أَو لم تكن فِي نِكَاحه تَبينا وُقُوع الطَّلَاق قبيل الْفَسْخ ولتفرض فِي الطَّلَاق الرَّجْعِيّ حَتَّى لَا نقع فِي الدّور ونتصور الْجمع بَينه وَبَين الْفَسْخ
الصِّيغَة الثَّالِثَة أَن يَقُول أَن طَلقتك فَأَنت طَالِق وَأَن لم أطلقك فَأَنت طَالِق وَقع فِي الْحَال لِأَن أَن للتَّعْلِيل مَعْنَاهُ أَنْت اطلقك لِأَن لم أطلق وَيجوز فِي اللُّغَة الفصيحة حذف اللَّام وَاسْتِعْمَال أَن فَهُوَ إِذا كَقَوْلِه أَنْت طَالِق لرضا فلَان فَإِنَّهُ يَقع فِي الْحَال وَلَو سخط وَهَذَا فِي حق من يعرف اللُّغَة وَمن لَا يعرف اللُّغَة فَلَا فرق فِي حَقه بَين إِن وَأَن

(5/435)


الْفَصْل الثَّالِث فِي التَّعْلِيق بِالْحملِ والولادة

وَفِيه مسَائِل
الأولى إِذا قَالَ لَهَا إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَلَا يَقع فِي الْحَال لِأَن الْحمل لَا يعلم بِيَقِين فَلَو أَتَت بِولد لأَقل من سِتَّة أشهر تَبينا الْوُقُوع عِنْد الْيَمين وَإِن كَانَ لأكْثر من أَربع سِنِين تَبينا أَنه لم يَقع وَإِن كَانَ بَين المدتين فَإِن كَانَ يَطَؤُهَا فَلَا يَقع وَإِن امْتنع عَنْهَا فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا يَقع لِأَن النّسَب قد ثَبت فَيدل على وجود الْحمل
وَالثَّانِي لَا لِأَن لُحُوق النّسَب يَكْفِي فِيهِ الِاحْتِمَال وَلَا يَقع الطَّلَاق بِالِاحْتِمَالِ
وَاخْتلفُوا فِي أَنه هَل يحرم الْوَطْء قبل تحقق الْحَال فَقيل أَنه لَا يحرم بِالشَّكِّ كَمَسْأَلَة الْغُرَاب وَقيل إِنَّه يحرم لِأَن استكشافه مُمكن على قرب وعَلى هَذَا يجب الِاسْتِبْرَاء بِالْحيضِ وَيتَفَرَّع عَنهُ ثَلَاثَة فروع
أَحدهَا أَنه هَل يَكْتَفِي فِي الْحرَّة بقرء وَاحِد فِيهِ وَجْهَان

(5/436)


أَحدهمَا لَا كالعدة
وَالثَّانِي نعم لِأَن الْغَرَض مُجَرّد اسْتِدْلَال وَقد حصل
الثَّانِي إِذا استبرئها ثمَّ وَقَالَ مرّة أُخْرَى قبل الْوَطْء إِن كنت حَامِلا فَأَنت طَالِق فَالظَّاهِر أَنه لَا يجب إِعَادَة الِاسْتِبْرَاء وَقيل إِنَّه يجب لِأَن الْعدة الْمَاضِيَة لَا تُؤثر فَكَذَلِك هَذَا
الثَّالِث إِذا خَاطب بذلك صَغِيرَة وَهِي فِي سنّ الْحيض فيستبرئها بِشَهْر أَو أشهر وَإِن خَاطب آيسة فَهَل يَكْفِي سنّ الْيَأْس دلَالَة أَو لَا بُد من الِاسْتِبْرَاء فِيهِ وَجْهَان
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ إِن كنت حَائِلا فَأَنت طَالِق فَهَذِهِ كتلك الْمَسْأَلَة وَلَكِن حَيْثُ يحكم ثمَّ بالوقوع فهاهنا يحكم بِخِلَافِهِ لِأَن الشَّرْط هُوَ عدم الْحمل وَيزِيد هَاهُنَا أَن تَحْرِيم الْوَطْء هَاهُنَا أقرب لِأَن الأَصْل الحيال وَأَيْضًا أثر الِاسْتِبْرَاء ثمَّ فِي نفي الطَّلَاق وَهَاهُنَا فِي الْوُقُوع وَقد قطعُوا بِأَنَّهُ إِذا انْقَضى ثَلَاثَة أَقراء يَقع الطَّلَاق وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يُفِيد يَقِين الْبَرَاءَة وَالشّرط لَا بُد من استيفائة فَإِنَّهُ لَو علق على الاستيقان لم يَقع بالاستبراء وَالْمُطلق يَقْتَضِي الْحمل على الْيَقِين وَقد مَال إِلَيْهِ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ثمَّ قَالَ الْأَصْحَاب إِذا أوقعنا بعد الإقراء فَأَتَت بِولد لدوّنَ سِتَّة أشهر تَبينا أَنه لم يكن الطَّلَاق وَاقعا ونقضنا ذَلِك الحكم قطعا وَإِن كَانَ وَطئهَا وطئا يُمكن الإحالة عَلَيْهِ فَفِيهِ نقض ذَلِك الحكم وَجْهَان
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي صِيغ التَّعْلِيق بِالْحملِ فَإِذا قَالَ فَقَالَ إِن كنت حَامِلا بِذكر فَأَنت طَالِق طَلْقَة وَإِن كُنَّا حَامِلا بأنثى فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَأَتَت بذكرين وَقعت طَلْقَة وَاحِدَة وَلم نزد

(5/437)


وَإِن أَتَت بِذكر وَأُنْثَى وَقعت ثَلَاث لِأَنَّهُ حنث بِالْيَمِينِ وَإِن قَالَ إِن كَانَ حملك ذكرا فطلقه وَإِن كَانَ أُنْثَى فطلقتين لم يَقع شَيْء أصلا فَإِن لَفظه يَقْتَضِي حصر الْجِنْس وَلَو أَتَت بذكرين قَالَ القَاضِي تقع طَلْقَة لِأَن التنكير فِي لَفظه لتنكير الْجِنْس وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد لَا يَقع شَيْء لِأَنَّهُ لتنكير الْوَاحِد فَلَا يُسمى ذَلِك ذكرا
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَأَتَت بولدين طلقت بِالْأولِ وَانْقَضَت عدتهَا بِالثَّانِي فَإِن قَالَ كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَهَل يَقع الطَّلَاق بِالْوَلَدِ الثَّانِي وَبِه تَنْقَضِي الْعدة الْجَدِيد أَنه لَا يَقع لِأَنَّهُ يصادق أول وَقت الْبَيْنُونَة وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص فِي الْإِمْلَاء أَنه يلْحق الثَّانِيَة وَلَيْسَ لَهُ وَجه وتكلف الْقفال تَوْجِيهه فَقَالَ لَو قَالَ للرجعية أَنْت طَالِق مَعَ انْقِضَاء الْعدة فَيتَّجه قَولَانِ وَزعم أَنه يحْتَمل أَن يَقع مَعَ الِانْقِضَاء لَا فِي الْعدة وَلَا فِي الْبَيْنُونَة وَشبه ذَلِك بِمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق بَين اللَّيْل وَالنَّهَار فَلَا يَقع فِي اللَّيْل وَلَا فِي النَّهَار بل يَقع فِي الْآن الْفَاصِل بَينهمَا وَالطَّلَاق من جملَة مَا يَقع دَفعه فِي الْآن وَلَا يَقع فِي زمَان وَهَذَا لَهُ وَجه فِي التَّحْقِيق إِذْ فرق بَين الْآن وَبَين الزَّمَان الَّذِي يَنْقَسِم وَلَكِن فِي مَسْأَلَة الْولادَة غير منقدح لِأَن مقتدى اللَّفْظ أَن يَقع مَعَ الْولادَة والولادة تقارنها الْبَيْنُونَة والبينونة تضَاد الطَّلَاق فَالصَّحِيح هُوَ القَوْل الْجَدِيد
وَلَو قَالَ إِن ولدت ولدا فَأَنت طَالِق وَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت غُلَاما طلقت ثَلَاثًا لوُجُود الصفتين وَلَو قَالَ إِن ولدت أُنْثَى فَوَاحِدَة وَإِن ولدت ذكرا فاثنتين فَولدت خُنْثَى لم يَقع فِي الْحَال إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ المستيقن
فرع إِذا قَالَ وَله أَرْبَعَة نسْوَة حوامل كلما ولدت وَاحِدَة فصويحباتها طَوَالِق فولدن على التَّعَاقُب والتقارب طلقن جَمِيعًا أما الرَّابِعَة فَثَلَاث إِذْ ولدت قبلهَا ثَلَاث

(5/438)


نسْوَة وَأما الثَّالِثَة فثنتان إِذْ ولد قبلهَا اثْنَتَانِ وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها قبل ولادَة الرَّابِعَة أما الثَّانِيَة فَوَاحِدَة إِذْ طلقت بِوِلَادَة الأولى وَانْقَضَت عدتهَا بولادتها نَفسهَا فَلم يلْحقهَا طَلَاق بعده وَأما الأولى فَثَلَاث طلقات لِأَنَّهَا بقيت فِي الْعدة حَتَّى ولدن جَمِيع صواحباتها بعْدهَا

(5/439)


الْفَصْل الرَّابِع فِي التَّعْلِيق بِالْحيضِ

وَفِيه صور
إِحْدَاهَا فَلَو قَالَ إِن حِضْت حَيْضَة فَأَنت طَالِق فَلَا تطلق حَتَّى يَنْقَضِي حيض تَامّ
وَلَو قَالَ إِن حِضْت فَأَنت طَالِق فَإِذا انْقَضى يَوْم وَلَيْلَة وَقع الطَّلَاق تَبينا فِي أول الْحيض إِذْ بِهِ نتحقق أَنه لَيْسَ بِدَم فَاسد وَفِيه وَجه مَشْهُور ظَاهر إِنَّه يَقع فِي أول الْحيض وَلذَلِك يحرم الْوَطْء فِي أول الْحيض بِنَاء على الظَّاهِر وَلَكِن الْقَائِل الأول قد يتَوَقَّف فِي التَّحْرِيم وَهُوَ بعيد وَالْفرق أظهر إِذْ الطَّلَاق لَا يَقع إِلَّا بِيَقِين وَالتَّحْرِيم يثبت بِالظَّاهِرِ وَلَو قَالَ للحائض إِن حِضْت فَأَنت طَالِق لم تطلق إِلَّا بِحَيْضَة مستأنفة فَإِنَّهُ للإبتداء إِذْ لَا ابْتِدَاء فِي دوَام الْحيض
وَمهما قَالَت حِضْت فَالْقَوْل قَوْلهَا مَعَ يَمِينهَا بِخِلَاف مَا إِذا علق على الدُّخُول فَقَالَ دخلت فَإِنَّهَا تحْتَاج إِلَى الْبَيِّنَة لِأَن الْحيض يعصر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ من غَيرهَا إِذْ غايت غَيرهَا أَن تشاهد الدَّم وَذَلِكَ لَا يعرف إِذا لم تعرف عَادَتهَا وأدوارها فعله دم فَسَاد وَهُوَ كَقَوْلِه إِن أضمرت بغضي فَأَنت طَالِق فَقَالَت أضمرت فَالْقَوْل قَوْلهَا لعسر الِاطِّلَاع عَلَيْهِ وَالظَّاهِر أَنه تصدق فِي الزِّنَا وَفِيه وَجه وَفِي الْولادَة وَجْهَان أما

(5/440)


الْمُودع فَإِذا ادّعى هَلَاكًا فَيصدق كَانَ السَّبَب خفِيا أَو جليا وَلَا يُطَالب بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ ائتمنه فَلَزِمَهُ تَصْدِيقه بِخِلَاف الزَّوْج
وَلَو قَالَ إِن حِضْت فضرتك طَالِق فَلَا تصدق فِي حق الضرة إِذْ لَا تصدق إِلَّا بِيَمِين وَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهَا يَمِين لضرتها وَلَو قَالَ إِن حضتما فأنتما طالقتان فَقَالَتَا حضنا فَصدق إِحْدَاهمَا وَكذب الْأُخْرَى طلقت المكذبة دون المصدقة لِأَن المكذبة ثَبت حَيْضهَا بقولِهَا فِي حَقّهَا وَثَبت حيض صاحبتها بِتَصْدِيق الزَّوْج والمصدقة لم يثبت حيض صاحبتها فِي حَقّهَا فَإِن صاحبتها مكذبة وَطَلَاق كل وَاحِدَة مُعَلّق على حيضهما جَمِيعًا فَلَا يَكْفِي حيض وَاحِدَة
وَلَو قَالَ لأَرْبَع نسْوَة إِن حضتن فَأَنْتن طَوَالِق ثمَّ صدقهنَّ طلقن وَإِن كذبهن فَلَا وَإِن صدق ثَلَاثًا طلقت المكذبة دون المصدقات وَإِن كذب اثْنَتَيْنِ لم تطلق وَاحِدَة لِأَن حيض الْوَاحِدَة من المكذبتين لم يثبت فِي حق صاحبتها
وَلَو قَالَ أيتكن حَاضَت فصواحباتها طَوَالِق ثمَّ قُلْنَ حضنا وصدقهن طلقت كل وَاحِدَة ثَلَاثًا لِأَن لكل وَاحِدَة ثَلَاث صَوَاحِب وَإِن صدق وَاحِدَة طلقت كل وَاحِدَة من صواحباتها طَلْقَة وَاحِدَة وَإِن صدق اثْنَتَيْنِ طلقت كل وَاحِدَة من المصدقتين طَلْقَة طَلْقَة لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهما إِلَّا صَاحِبَة وَاحِدَة مصدقة

(5/441)


الْفَصْل الْخَامِس فِي التَّعْلِيق بِالْمَشِيئَةِ

فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت فِي الْحَال وَقع وَإِن تَأَخّر عَن الْمجْلس لم يَقع لِأَن الْخطاب يَقْتَضِي جَوَابا فِي الْحَال وَلِأَنَّهُ كالتملك للْمَرْأَة وَيَنْبَنِي على العلتين تردد فِي انه لَو قَالَ لأَجْنَبِيّ زَوْجَتي طَالِق إِن شِئْت أَنه هَل يَقْتَضِي الْفَوْر أَو قَالَ إِن شَاءَت زَوْجَتي فَهِيَ طَالِق إِذْ لَا خطاب وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت وَشاء أَبوك اخْتصَّ مشيئتها بِالْمَجْلِسِ وَهل تخْتَص مَشِيئَة أَبِيهَا للاقتران بمشيئتها فِيهِ خلاف
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت لم يَقع لِأَنَّهَا علقت بِالْمَشِيئَةِ والمشيئة لَا تقبل التَّعْلِيق وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فشاء أَبوهَا وَاحِدَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يَقع شَيْء وَكَأَنَّهُ اسْتثِْنَاء عَن أصل الطَّلَاق
وَالثَّانِي أَنه يَقع وَاحِدَة وَمَعْنَاهُ إِلَّا أَن يَشَاء أَبوك وَاحِدَة فَلَا تطلق ثَلَاثًا بل وَاحِدَة
وَهَذَا فِي الْمُطلق أما إِذا أَرَادَ الِاحْتِمَال الَّذِي فِيهِ الْإِيقَاع يَقع وَإِن قَالَ أردْت الِاحْتِمَال الآخر يدين وَهل يقبل ظَاهرا على هَذَا الْوَجْه فِيهِ وَجْهَان
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق إِن شِئْت فَقَالَت شِئْت وَهِي كارهة بَاطِنا نفذ الطَّلَاق ظَاهرا وَهل

(5/442)


يَقع بَاطِنا قَالَ الْقفال يَقع لِأَن هَذَا تَعْلِيق بِلَفْظ الْمَشِيئَة وَلَو كَانَ بَاطِنا لَكَانَ إِذا علق بِمَشِيئَة زيد لم يصدق زيد فِي حَقّهَا وَقَالَ أَبُو يَعْقُوب الأبيوردي لَا يَقع كَمَا لَو علقت بِالْحيضِ وكذبت فِي الْإِخْبَار وَإِلَيْهِ مَال القَاضِي وَهَذَا الْخلاف يُشِير إِلَى تردد فِيمَا لَو أَرَادَت بَاطِنا وَلم تنطق ظَاهرا
وَلَو قَالَ للصبية إِن شِئْت فَقَالَ شِئْت فَفِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه يُوجد مِنْهَا اللَّفْظ وَلَكِن لَا اعْتِمَاد على إرادتها الْبَاطِنَة
وَلَو قَالَ ذَلِك لمجنونة لم يَقع طَلاقهَا بقولِهَا شِئْت قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ وَإِن علق بِاللَّفْظِ فَلَا بُد من إِعْرَاب عَن ضمير صَحِيح والسكران يخرج على أَنه كالصاحي أَو الْمَجْنُون
وَلَو رَجَعَ الزَّوْج قبل مشيئتها لم يجز لِأَن ظَاهره تَعْلِيق وَإِن توهمنا فِي ضمنه تَمْلِيكًا

(5/443)


الْفَصْل السَّادِس فِي التَّعْلِيق فِي مسَائِل الدّور

فَإِذا قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا لم يَقع عِنْد ابْن الْحداد لِأَنَّهُ لَو وَقع لوقع الثَّلَاث قبله وَلَو وَقع الثَّلَاث قبله لما وَقع هَذَا وَلَو لم يَقع هَذَا لما وَقع الثَّلَاث قبله لِأَنَّهُ مُعَلّق بِهِ فَيُؤَدِّي إثْبَاته إِلَى نَفْيه وَقَالَ أَبُو زيد يَقع الْمُنجز وَلَا يَقع الْمُعَلق أصلا لِأَنَّهُ علق تَعْلِيقا محالا وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يَقع فِي الْمَدْخُول بهَا الثَّلَاث مهما نجز وَاحِدَة بالتنجيز وَاثْنَتَانِ بِالتَّعْلِيقِ لِأَن التَّعْلِيق إِنَّمَا صَار محالا بقوله قبله فيلغى قَوْله قبله وَيبقى الْبَاقِي فَكَأَنَّهُ قَالَ إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا وَالْمَسْأَلَة ذَات غور وَقد ذَكرْنَاهُ فِي كتاب غَايَة الْغَوْر فِي دراية الدّور فليطلب مِنْهَا
وَمن صور الدّور أَن يَقُول إِن طَلقتك طَلْقَة أملك بهَا الرّجْعَة فَأَنت طَالِق قبلهَا طَلْقَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن وَطئتك وطئا مُبَاحا فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَإِذا وطئ لم يَقع وَأَبُو زيد لَا يقدر على الْمُخَالفَة فِي هَذَا إِذْ الْيَمين الدائرة هِيَ الْبَاطِل عِنْده وَهَاهُنَا لم تُوجد الْيَمين الدائرة
وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِن أبنتك أَو فسخت نكاحك أَو ظَاهَرت مِنْك أَو رَاجَعتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فعلى تَصْحِيح الدّور تنحسم هَذِه التَّصَرُّفَات بِالْكُلِّيَّةِ

(5/444)


الْقسم الثَّانِي من التعليقات فِي فروع مُتَفَرِّقَة نذكرها أَرْسَالًا

وَهِي ثَلَاثَة وَعِشْرُونَ
الأول إِذا قَالَ إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ إِن دخلت فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال لِأَن التَّعْلِيق بِالدُّخُولِ حلف فِي الْحَال وَلَو قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس لم يكن هَذَا حلفا لِأَن الْحلف مَا يتَصَوَّر فِيهِ منع واستحثاث أما إِذا قَالَ إِن طلعت الشَّمْس أَو إِذا دخلت الدَّار فَهَل يكون هَذَا حلفا فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى صِيغَة التَّأْقِيت وَفِي الْأُخْرَى إِلَى الْمَعْنى وَاتِّبَاع الْمَعْنى أولى
الثَّانِي إِذا قَالَ إِن بدأتك بالْكلَام فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَت إِن بدأتك بالْكلَام فَعَبْدي حر ثمَّ كلمها وكلمته لم تطلق وَلم يعْتق العَبْد لِأَن الزَّوْج خرج عَن كَونه مبتدئا بقولِهَا إِن بدأتك فَعَبْدي حر وَهِي خرجت عَن الْبِدَايَة بِكَلَامِهِ
الثَّالِث إِذا قَالَ إِن أكلت رمانة وَإِن أكلت نصف رمانة فَأَنت طَالِق فَأكلت رمانة تَامَّة طلقت طَلْقَتَيْنِ لِأَن النّصْف أَيْضا مَوْجُود فِي الْوَاحِدَة وَلَو قَالَ كلما أكلت نصفا فَأَنت طَالِق طلقت ثَلَاثًا لِأَن فِيهَا نِصْفَيْنِ
الرَّابِع إِذا قَالَ إِن بشرتني بقدوم زيد فَأَنت طَالِق فَأخْبرهُ أَجْنَبِي ثمَّ أخْبرته لم تطلق لِأَن الْبشَارَة هِيَ الأولى وَإِن قَالَ ان بشرتماني فأنتما طالقتان فبشرتاه على التَّرْتِيب طلقت الأولى وَإِن بشرتاه مَعًا طلقتا وَإِن بشرت كَاذِبَة لم تطلق وَإِن

(5/445)


قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بِأَن زيدا قدم فَأخْبرت كَاذِبَة طلقت لِأَن الْكَذِب خبر وَلَو قَالَ إِن أَخْبَرتنِي بقدومه فَهَل تطلق بِالْكَذِبِ فِيهِ وَجْهَان وَالْأَظْهَر التَّسْوِيَة
الْخَامِس إِذا قَالَ يَا عمْرَة فَقَالَت حَفْصَة لبيْك فَقَالَ أَنْت طَالِق ثمَّ قَالَ حسبت بِأَن المجيبة عمْرَة قَالَ ابْن الْحداد لَا تطلق عمْرَة لِأَنَّهُ لم يُوجد فِي حَقّهَا إِلَّا النداء أما حَفْصَة المخاطبة بِالطَّلَاق فَهَل تطلق ذكرُوا وَجْهَيْن
أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ قَالَ أَنْت طَالِق
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لم يقْصد خطاب حَفْصَة
قَالَ الإِمَام لَو قَالَ حَفْصَة تطلق ظَاهرا وَهل تطلق عمْرَة على وَجْهَيْن لَكَانَ أقرب
السَّادِس إِذا قَالَ العَبْد لزوجته إِن مَاتَ سَيِّدي فَأَنت طَالِق طَلْقَتَيْنِ فَقَالَ السَّيِّد

(5/446)


للْعَبد إِن مت فإنت حر فَمَاتَ قَالَ ابْن الْحداد تقع طَلْقَتَانِ وَله الرّجْعَة لِأَنَّهُ عتق قبل حُصُول التَّحْرِيم بالطلقتين بل مَعَ الطلقتين وَمِنْهُم من خَالف لِأَنَّهُ لم يتَقَدَّم الْعتْق على الطلقتين بل جرى مَعَه
السَّابِع إِذا قَالَ من نكح جَارِيَة أَبِيه إِذا مَاتَ أبي فَأَنت طَالِق فَمَاتَ لم تطلق لِأَن الْملك ينْتَقل إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ وينفسخ النِّكَاح فيقارن الطَّلَاق أول وَقت الِانْفِسَاخ فيندفع وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ يَقع لِأَن الْملك يَتَرَتَّب على الْمَوْت والانفساخ على الْملك فيقارن الطَّلَاق وَقت الْملك لِأَنَّهُ أَيْضا مُرَتّب على الْمَوْت وَالْأول أغوص لِأَن وَقت الطَّلَاق وَالْملك وَالْفَسْخ وَاحِد إِذْ الْمُخْتَار أَن من اشْترى قَرِيبه انْدفع ملكه بِالْعِتْقِ لَا أَنه حصل ثمَّ انْقَطع وَهُوَ اخْتِيَار أبي إِسْحَاق الْمروزِي
الثَّامِن إِذا قَالَ أَنْت طَالِق يَوْم يقدم فلَان فَقدم ضحوة طلقت فِي الْحَال على وَجه وَقيل إِنَّه يتَبَيَّن وُقُوع الطَّلَاق أول الْيَوْم وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ حكم الْمِيرَاث لَو قدم وَقت الظّهْر وَمَات الزَّوْج ضحوة وَلَو قدم لَيْلًا لم تطلق وَقيل تطلق وَالْيَوْم كِنَايَة عَن الْوَقْت
التَّاسِع لَو قَالَ أَنْت طَالِق أَكثر الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث وَلَو قَالَ أعظم الطَّلَاق لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَا ينبىء عَن الْعدَد وَلَو قَالَ ملْء الْعَالم وملء الأَرْض لم تقع إِلَّا وَاحِدَة وَلَو قَالَ مثل الْبيُوت الثَّلَاثَة أَو ملْء السَّمَوَات وَقع الثَّلَاث
الْعَاشِر لَو قَالَ أَنْت طَالِق هَكَذَا وَأَشَارَ بأصابعه الثَّلَاث وَقع الثَّلَاث وَصلح إِشَارَة لتعريف الْعدَد فَإِنَّهُ كتفسير وَلَو أَشَارَ بالأصبع وَلم يقل هَكَذَا لم تقع إِلَّا وَاحِدَة
الْحَادِي عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِن دخلت الدَّار إِن كلمت زيدا وَلم يدْخل فِيهِ

(5/447)


وَاو الْعَطف فَهَذَا هُوَ تَعْلِيق وَمَعْنَاهُ إِن كلمت زيدا صَار طَلَاقك مُعَلّقا بِالدُّخُولِ

(5/448)


الثَّانِي عشر إِذا قَالَ أربعكن طَوَالِق إِلَّا فُلَانَة قَالَ القَاضِي لَا يَصح هَذَا الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ صرح بالأربع وأوقع عَلَيْهِنَّ وَلَو قَالَ أربعكن إِلَّا فُلَانَة طَوَالِق قَالَ يَصح الِاسْتِثْنَاء والمسالة مُحْتَملَة إِذْ لَيْسَ يلوح الْفرق بَين عدد المطلقات وَبَين عدد الطلقات وَلَا بَين التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير وَيلْزمهُ أَن يَقُول لَو قَالَ لفُلَان أَرْبَعَة أعبد إِلَّا وَاحِدًا يلْزمه الثَّلَاثَة وَلَا شكّ فِي أَنه لَو قَالَ لفُلَان هَؤُلَاءِ الْأَعْبد الْأَرْبَع إِلَّا هَذَا لم يَصح الِاسْتِثْنَاء لِأَن الاستناء فِي الْمعِين لَا يعْتَاد ويتأيد بذلك كَلَام القَاضِي
الثَّالِث عشر إِذا قَالَ من يلْتَمس من غَيره أَن يُطلق زَوجته أطلقت زَوجتك فَقَالَ نعم فَإِن نوى وَقع الطَّلَاق وَإِن لم ينْو فَقَوْلَانِ

(5/449)


أَحدهمَا لَا لِأَن قَوْله نعم لَيْسَ فِيهِ لفظ الطَّلَاق فَكيف يصير صَرِيحًا
وَالثَّانِي أَن الْخطاب كالمعاد فِي الْجَواب
إِمَّا إِذا كَانَ فِي معرض الاستخبار فَقَوله نعم فِي صَرِيح الْإِقْرَار وَلَو قَالَت الْمَرْأَة طَلَاق ده مرا فَقَالَ دادم قَالَ الْأَصْحَاب لَا يَقع شَيْء لِأَن هَذِه اللَّفْظَة لَا تصلح للإيقاع
وَقَالَ القَاضِي يَقع لِأَن الْمُبْتَدَأ يصير معادا فِي الْجَواب وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف
وَلَو قَالَ الدَّلال لمَالِك الْمَتَاع أبعت فَقَالَ نعم لم يصلح هَذَا أَن يكون إِيجَابا وَقَالَ بِعْت لم يصلح أَيْضا أَن يكون خطابا للْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ خطاب مَعَ الدَّلال وَلَو قيل لَهُ أَلَك زَوْجَة فَقَالَ لَا قَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا كِنَايَة فِي الْإِقْرَار وَقَالَ القَاضِي هُوَ صَرِيح فِي الْإِقْرَار
ثمَّ إِن كَانَ كَاذِبًا لم تطلق زَوجته فِي الْبَاطِن
الرَّابِع عشر لَو قَالَ إِن لم تذكري عدد الجوزات الَّتِي فِي الْبَيْت فَأَنت طَالِق فطريقها أَن تذكر كل عدد يحْتَمل أَن يكون فَلَا يزَال يجرى على لسانها الْوَاحِد بعد الآخر

(5/450)


وَلَو قَالَ إِن لم تعرفيني عدد الجوزات لَا يكفيها ذَلِك فَإِن التَّعْرِيف لَا يحصل بذلك وَقيل إِنَّه يكفيها وَهُوَ بعيد وَلَو قَالَ إِن لم تميزي نوى مَا أكلت عَن نوى مَا أكلت وَقد اخْتلطت النَّوَى فَأَنت طَالِق فسبيلها أَن تبدد النَّوَى بِحَيْثُ لَا يتماس اثْنَتَانِ فَيكون قد حصل التَّمْيِيز هَكَذَا قَالَه الْأَصْحَاب وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يظْهر إِطْلَاق التَّمْيِيز المفرق وَلَكِن إِذا لم يكن لَهُ نِيَّة اتبعُوا مُجَرّد وضع اللُّغَة
وَلَو كَانَ فِي فِيهَا تَمْرَة فَقَالَ أَنْت طَالِق إِن بلعتيها أَو قذفتيها أَو أمسكتيها فطريقها أَن تَأْكُل النّصْف وتقذف النّصْف وَهَذَا بَين
وَلَو قَالَ وَهِي على سلم أَنْت طَالِق إِن مكثت أَو صعدت أَو نزلت فطريقها أَن تطفر طفرة أَو تحمل أَو يوضع بجنبها سلم فتنتقل إِلَيْهِ وَلَو قَالَ إِن أكلت هَذِه الرمانة فَأَنت طَالِق فلتأكلها إِلَّا حَبَّة وَلَو حلف على رغيف فلتأكل إِلَّا الفتات
وَالضَّابِط فِي هَذَا الْجِنْس أَن نَنْظُر إِلَى الْعرف واللغة جَمِيعًا فَإِن تطابقا فَذَاك وَإِن اخْتلفَا فميل الْأَصْحَاب إِلَى اللَّفْظ وميل الإِمَام رَحمَه الله إِلَى أَن اتِّبَاع الْعرف أولى
الْخَامِس عشر إِذا شافهته بِمَا يكره من شتيمة وَسَب فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَإِن قصد الْمُكَافَأَة أَي إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق طلقت فِي الْحَال كَانَت تِلْكَ الصّفة مَوْجُودَة أَو لم تكن فَإِن قصد التَّعْلِيق فَطلب وجود تِلْكَ الصّفة وَعدمهَا بِالرُّجُوعِ إِلَى الْعرف فَإِن أطلق وَقد ظهر فِي الْعرف ذكر ذَلِك للمكافأة احْتمل وَجْهَيْن لِأَن اللَّفْظ بِالْوَضْعِ للتعليق وبالعرف للمكافأة وَلَعَلَّ اتِّبَاع اللَّفْظ أولى فَإِنَّهُ الأَصْل الْمَوْضُوع

(5/451)


وَالْعرْف يخْتَلف ويضطرب وَقد وَقع فِي الْفَتَاوَى أَن امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا يَا جهود روى فَقَالَ إِن كنت كَذَلِك فَأَنت طَالِق فَطلب الْمفْتُون تَحْقِيق هَذِه الصِّيغَة
فَقيل إِنَّه يحمل على صفار الْوَجْه وَقيل هُوَ ذلة وخساسة وَقَالَ الإِمَام هَذِه الصّفة لَا تتَصَوَّر فِي الْمُسلم فَلَا يَقع الطَّلَاق وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن الخيال قد يتَصَوَّر وَصفا لَا محَالة حَتَّى يصف بِهِ الْمُسلم فَتَارَة يصدق وَتارَة يكذب وَوَقع أَيْضا أَن قَالَ رجل لزوج ابْنَته فِي مخاصمته كم تحرّك لحيتك فقد رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فَقَالَ إِن رَأَيْت مثل هَذِه اللِّحْيَة كثيرا فابنتك طَالِق وَقد قصد التَّعْلِيق فَقلت لَا شكّ أَن اللِّحْيَة لَيست من ذَوَات الْأَمْثَال إِن نظر إِلَى شكلها ولونها وَعدد شعورها وَذَلِكَ هُوَ الْمثل الْمُحَقق وَلَكِن ذكر اللِّحْيَة فِي مثل هَذَا الْموضع كِنَايَة عَن الرجولية والجاه وَذَلِكَ مِمَّا يكثر أَمْثَاله فالبحري أَن نَمِيل هَاهُنَا إِلَى الْعرف ونوقع الطَّلَاق وَلَيْسَ يبعد أَيْضا الْميل إِلَى مُوجب اللَّفْظ وَنفي الطَّلَاق
السَّادِس عشر إِذا قَالَ إِن لم أطلقك الْيَوْم فَأَنت طَالِق الْيَوْم وَلم يطلقهَا حَتَّى انْقَضى الْيَوْم قَالَ ابْن سُرَيج لَا يَقع لِأَنَّهُ عِنْد تحقق الصّفة فَاتَ وَقت الطَّلَاق وَهَذَا يرد على قَوْله إِن لم أطلقك فَأَنت طَالِق فَإنَّا نتبين عِنْد مَوته وُقُوع الطَّلَاق فِي آخر الْعُمر والعمر فِي هَذَا الْمَعْنى كَالْيَوْمِ إِذْ فِيهِ يتَحَقَّق الطَّلَاق وَالصّفة جَمِيعًا وَلَا فرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ
السَّابِع عشر إِذا قَالَ أَنْت طَالِق بِمَكَّة وَأَرَادَ التَّعْلِيق بِدُخُولِهَا جَازَ وَإِن أطلق حمل على التَّعْلِيق على وَجه وَحكم بالتنجيز على وَجه إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَدَاة التَّعْلِيق
الثَّامِن عشر لَو قَالَ إِن خَالَفت أَمْرِي فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ لَا تكلمي زيدا فكلمت

(5/452)


قَالُوا لَا يَقع لِأَنَّهَا خَالَفت النهى دون الْأَمر لَو قَالَ إِن خَالَفت نهيي ثمَّ قَالَ قومِي فَقَعَدت قَالُوا وَقع لِأَن الْأَمر بالشَّيْء نهي عَن أضداده فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تقعدي فَقَعَدت وَهَذَا فَاسد إِذْ لَيْسَ الْأَمر بالشَّيْء نهيا عَن ضدده فِيمَا نختاره وَإِن كَانَ فاليمين لَا يبْنى عَلَيْهِ بل على اللُّغَة أَو الْعرف نعم فِي الْمَسْأَلَة الأولى نظر من حَيْثُ الْعرف
التَّاسِع عشر إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ نجزت تِلْكَ الطَّلقَة الْمُعَلقَة ثمَّ دخلت الدَّار فَفِي الْوُقُوع وَجْهَان حَاصله يرجع إِلَى أَن الْمُعَلقَة هَل يُمكن تَعْجِيلهَا بِعَينهَا
الْعشْرُونَ إِذا قَالَ أَنْت طَالِق إِلَى حِين أَو زمَان فَإِذا مضى لَحْظَة طلقت فَإِن اللحظة حِين وزمان وَلَو قَالَ إِذا مضى حقب فَأَنت طَالِق أَو عصر قَالَ الْأَصْحَاب يَقع بِمُضِيِّ لَحْظَة وَهَذَا بعيد وَتوقف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهُوَ مَحل التَّوَقُّف وَلَكِن إِيقَاعه بلحظة لَا وَجه لَهُ
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق الْيَوْم إِذا جَاءَ الْغَد قَالَ صَاحب التَّقْرِيب لَا يَقع غَدا لتصرم الْيَوْم وَلَا الْيَوْم لعدم مَجِيء الْغَد قَالَ الإِمَام يحْتَمل أَن يُقَال إِذا جَاءَ الْغَد تبين وُقُوع الطَّلَاق كَمَا إِذا قَالَ إِذا مَاتَ فلَان فَأَنت طَالِق قبله
الْحَادِي وَالْعشْرُونَ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِذا قَالَ إِن قدم فلَان فَأَنت طَالِق فَقدم بِهِ مَيتا لم تطلق وَهَذَا يلْتَفت على أَن الصّفة إِذا حصلت بِالْإِكْرَاهِ أَو مَعَ النسْيَان فَهَل يحصل الْحِنْث فِيهِ قَولَانِ وَاخْتَارَ الْقفال أَن الْيَمين بِاللَّه يُؤثر فِيهِ النسْيَان وَالْإِكْرَاه دون الطَّلَاق لِأَن ذَلِك تَعْلِيق بهتك حُرْمَة وَهَذَا يتَعَلَّق بِوُجُود الصُّورَة وَلَا خلاف فِي أَنه لَو قصد منعهَا عَن الْمُخَالفَة وعلق على فعلهَا فنسيت لَا تطلق وَإِن أكرهت فَيحْتَمل الْخلاف لِأَنَّهَا مختارة وَأما مَسْأَلَة الْقدوم على كل حَال فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله

(5/453)


عَنهُ لِأَن الْمَوْت يُنَافِي الْقدوم
وَلَو قَالَ إِن رَأَيْت فلَانا فَأَنت طَالِق فرأته مَيتا وَقع الطَّلَاق وَلَو رَأَتْهُ فِي مَاء يَحْكِي لَونه وَقع وَإِن رَأَتْهُ فِي الْمرْآة فَفِيهِ احْتِمَال وَلَو قَالَ ذَلِك لامْرَأَته العمياء فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا تطلق بمجالسته وَلَو قَالَ إِن مَسسْته طلقت بمسه حَيا وَمَيتًا وَلَا تطلق بالمس على حَائِل وَلَا بِمَسّ الشّعْر وَالظفر وَإِذا علق بِالضَّرْبِ لم يَحْنَث بضربه مَيتا وَلَا يَحْنَث بِضَرْب الْحَيّ بأنملته حَيْثُ لَا إيلام فِيهِ أصلا وَلَو قَالَ إِن قذفت فلَانا حنث بقذفه مَيتا وَلَو قَالَ إِن قذفت فِي الْمَسْجِد مَعْنَاهُ كَون الْقَاذِف فِي الْمَسْجِد وَلَو قَالَ إِن قتلت فِي الْمَسْجِد فَمَعْنَاه كَون الْمَقْتُول فِي الْمَسْجِد
الثَّانِي وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِن كلمت فلَانا فَأَنت طَالِق فكلمته وَلَكِن لم يسمع لعَارض لغط وَذُهُول قَالَ الْأَصْحَاب طلقت وَلَو كَانَ المكلم أَصمّ فَلم يسمع فَفِيهِ وَجْهَان وَلَا خلاف انه لَو كَلمته بهمس بِحَيْثُ لَا يسمع لَا يكون كلَاما نعم لَو كَانَ وَجههَا إِلَى الْمُتَكَلّم وَعلم أَنَّهَا تكَلمه وَكَانَ بِحَيْثُ لَو فرضت الإصاحة لسمعها فَيَنْبَغِي أَن يَقع الطَّلَاق
وَلَو كَلمته على مَسَافَة بعيدَة لَا يحصل الِاسْتِمَاع بِمثلِهِ لم يَحْنَث فَلَو حمل الرّيح الصَّوْت فَالظَّاهِر أَنه لَا يَحْنَث وَلَو كَلمته فِي جنونها فَذَلِك كالنسيان وَالْإِكْرَاه
الثَّالِث وَالْعشْرُونَ إِذا قَالَ إِذا رَأَيْت الْهلَال فَأَنت طَالِق طلقت بِرُؤْيَة غَيرهَا وَلَو فسر بالعيان فَهَل يقبل ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان قَالَ الْقفال هَذَا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة إِذْ الرُّؤْيَة يُرَاد بِهِ الْعلم أما فِي الفارسية فَلَا وَفِيه نظر إِذْ يُقَال بِالْفَارِسِيَّةِ رَأينَا الْهلَال ببلدة كَذَا وَلَا يُرَاد بِهِ العيان
ولنقتصر على هَذِه الْفُرُوع فَإِن هَذَا الْجِنْس لَا يتناهى إِنَّمَا ذكرنَا هَذَا الْقدر ليحصل التَّنْبِيه بِحسن التَّصَرُّف فِي تَحْقِيق الصِّفَات وَالله أعلم

(5/454)


كتاب الرّجْعَة وَفِيه بَابَانِ

(5/456)