الوسيط في المذهب

= كتاب الظِّهَار =
وَفِيه بَابَانِ الْبَاب الأول فِي أَرْكَانه وَمُوجب أَلْفَاظه
وَفِيه فصلان

(6/27)


الْفَصْل الأول فِي أَرْكَانه

وَهُوَ الْمظَاهر والمظاهر عَنْهَا وَاللَّفْظ والمشبه بِهِ
الرُّكْن الأول الْمظَاهر وكل من يَصح طَلَاقه يَصح ظِهَاره وَقد ذَكرْنَاهُ وَذَلِكَ لِأَن الظِّهَار كَانَ طَلَاقا فِي الْجَاهِلِيَّة فَجعله الشَّرْع محرما للزَّوْجَة وموجبا لِلْكَفَّارَةِ عِنْد الْعود إِلَيْهَا فَيصح ظِهَار الْمَجْبُوب والخصي وَالذِّمِّيّ ثمَّ على الذِّمِّيّ الْكَفَّارَة وَيصِح مِنْهُ الْإِعْتَاق مهما أسلم فِي ملكه عبد كَافِر وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لمُسلم أعتق عَبدك الْمُسلم عَن كفارتي جَازَ على وَجه فَإِن عجز فالصوم غير مُمكن فِي حَقه فيعدل إِلَى الْإِطْعَام وَقَالَ القَاضِي لَا يعدل فَإِنَّهُ قَادر فليسلم وليصم وَهُوَ بعيد لِأَنَّهُ مُقَرر على دينه فَلَا يُكَلف تَركه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يَصح ظِهَار الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ من أهل الْكَفَّارَة

(6/29)


الرُّكْن الثَّانِي الْمظَاهر عَنْهَا وَهِي كل من يلْحقهَا الطَّلَاق فَإِن ظَاهر عَن الرَّجْعِيَّة وَتركهَا لم يكن عَائِدًا فَإِن رَاجعهَا تعرض للُزُوم الْكَفَّارَة كَمَا سَيَأْتِي وَإِن ارْتَدَّت وَظَاهر عَنْهَا فَإِن رجعت إِلَى الْإِسْلَام انْعَقَد الظِّهَار فالإيلاء وَالظِّهَار وَالطَّلَاق مُتَسَاوِيَة إِلَّا فِي الْمَجْبُوب والرتقاء فَإِن الصَّحِيح أَن الْإِيلَاء فيهمَا لَا يَصح
الرُّكْن الثَّالِث اللَّفْظ وصريحه أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَو مثل ظهر أُمِّي وَلَا مناقشة فِي الصلات فَلَو قَالَ أَنْت مني أَو معي أَو عِنْدِي مثل ظهر أُمِّي فَكل ذَلِك صَرِيح وَكَذَا لَو ترك الصِّلَة وَقَالَ أَنْت كَظهر أُمِّي فَلَو قَالَ أردْت الْإِضَافَة إِلَى غَيْرِي لم يقبل كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق وَقَالَ أردْت من غَيْرِي لِأَن الشُّيُوع يمْنَع هَذَا التَّأْوِيل
ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي أَجزَاء الْأُم وأجزاء الْأُم قِسْمَانِ
أَحدهمَا مَا لَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه كبطن أُمِّي وشعرها ورجلها ويدها وَفِيه قَولَانِ
الْقَدِيم أَنه لَيْسَ بظهار اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة
وَالثَّانِي أَنه ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَنَّهُ كلمة زور تشعر بِالتَّحْرِيمِ كالظهر وَكَذَا لَو أضَاف إِلَى بعض الزَّوْجَة فَقَالَ يدك أَو رجلك عَليّ كَظهر أُمِّي يخرج

(6/30)


على الْقَوْلَيْنِ ومأخذه الإتباع أَو النّظر إِلَى الْمَعْنى فقد ظهر أَن التَّصَرُّفَات الْقَابِلَة للتعليق كَالطَّلَاقِ وَالظِّهَار وَالْعتاق تصح إضافتها إِلَى الْبَعْض أما النِّكَاح وَالرَّجْعَة فَلَا وَأما الْإِيلَاء فَإِذا قَالَ لَا أجامع فرجك أَو نصفك الْأَسْفَل فَهُوَ صَرِيح وَلَو اضاف إِلَى النّصْف الشَّائِع فِيهِ احْتِمَال لِأَن ترك الْجِمَاع فِي النّصْف من ضَرُورَته تَركه فِي الْكل
الْقسم الثَّانِي مَا يذكر فِي معرض الْكَرَامَة كَقَوْلِه أَنْت مثل أُمِّي أَو كأمي أَو كروح أُمِّي فَإِن أَرَادَ الْكَرَامَة فَلَيْسَ بظهار وَإِن قصد الظِّهَار فَهُوَ ظِهَار وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ لتعارض الإحتمالين وَلَو قَالَ كعين أُمِّي الْتفت إِلَى الْجَدِيد وَالْقَدِيم لِأَنَّهُ إِضَافَة إِلَى الْبَعْض وَاخْتلفُوا أَن الرَّأْس كالبطن وَالْعين وَالروح لِأَنَّهُ قد يذكر للكرامة
الرُّكْن الرَّابِع فِي الْمُشبه بِهِ فَلَو شبهها بمحللة أَو مُحرمَة تَحْرِيمًا مؤقتا كالأجنبية

(6/31)


أَو تَحْرِيمًا لَا محرمية فِيهَا كالكملاعن عَنْهَا لم يكن ظِهَارًا أما الْمُحرمَة على التأييد بِقرَابَة أَو مصاهرة أَو رضَاع فَفِيهِ أَقْوَال
أَحدهَا الإقتصار على الْأُم اتبَاعا لعادة الْجَاهِلِيَّة وَهُوَ مَأْخَذ الْقَدِيم
وَالثَّانِي أَن كل ذَلِك ظِهَار اتبَاعا للمعنى لِأَن التَّحْرِيم شَامِل
وَالثَّالِث الإقتصار على الْأُم وإلحاق الْجدّة بهَا لِأَنَّهَا فِي مَعْنَاهَا غير دونهَا
وَالرَّابِع إِلْحَاق كل مُحرمَة بِالنّسَبِ بِالْأُمِّ وَكَذَا كل مُحرمَة بِالرّضَاعِ لم نعهد تحليلها من أول وجودهَا دون من طَرَأَ التَّحْرِيم عَلَيْهَا وَدون الْمُحرمَة بالمصاهرة فَإِنَّهَا كَانَت محللة وَلِأَن الرَّضَاع يشبه النّسَب دون الْمُصَاهَرَة
أما إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أبي لم يكن ظِهَارًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَحل الإستحلال

(6/32)


الْفَصْل الثَّانِي فِي مُوجب الْأَلْفَاظ
وَفِيه مسَائِل
الأولى أَنه لَو قَالَ مهما ظَاهَرت عَن ضرتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي كَانَ كَمَا قَالَ لِأَن الظِّهَار يقبل التَّعْلِيق وَلَو أَشَارَ إِلَى أَجْنَبِيَّة وَقَالَ مهما ظَاهَرت عَنْهَا فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي صَحَّ وَتَنَاول ظِهَارًا عَنْهَا بعد نِكَاحهَا تَنْزِيلا لموجب اللَّفْظ على الصَّحِيح شرعا فَلَو أجْرى مَعَ الْأَجْنَبِيَّة لفظ ظِهَار لم يَحْنَث وَلَو صرح وَقَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة وَهِي أَجْنَبِيَّة فَهَذَا لَغْو عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَتَعْلِيق بمحال وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله ينزل ذَلِك على اللَّفْظ وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو قَالَ إِن بِعْت الْخمر فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ بَاعَ لم يَحْنَث عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع وَعند الْمُزنِيّ يحمل على الْمُسَمّى بيعا بِالْعَادَةِ أما إِذا قَالَ إِن ظَاهَرت عَن فُلَانَة الْأَجْنَبِيَّة فَيحْتَمل التَّعْرِيف وَيحْتَمل اشْتِرَاط كَونهَا أَجْنَبِيَّة فعلى أَيهمَا يحمل فِيهِ وَجْهَان

(6/33)


الثَّانِيَة أَن يظاهر عَن امْرَأَة ويقل لِلْأُخْرَى أَشْرَكتك مَعهَا وَنوى فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن الظِّهَار يغلب فِيهِ مشابه الْأَيْمَان أَو الطَّلَاق
الثَّالِثَة إِذا قَالَ أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَقع الطَّلَاق بقوله أَنْت طَالِق ثمَّ نراجعه فَإِن أَرَادَ بالبقية التَّأْكِيد قبل وَإِن أَرَادَ الظِّهَار لَغَا إِن كَانَ بَائِنا وَنفذ إِن كَانَ رَجْعِيًا
الرَّابِعَة أَن يَقُول أَنْت عَليّ حرَام كَظهر أُمِّي فَلهُ أَحْوَال
إِحْدَاهَا أَن يَنْوِي الطَّلَاق دون الظِّهَار وَقصد التَّأْكِيد فَهُوَ كَمَا نوى وَكَقَوْلِه أَنْت طَالِق كَظهر أُمِّي وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار هُوَ الْحَاصِل لِأَنَّهُ أَتَى بصريحه دون صَرِيح الطَّلَاق فَهُوَ أولى من الْكِنَايَة وَلَا يخفى أَنه لَو عَنى الظِّهَار دون غَيره فَلَا يحصل إِلَّا الظِّهَار
الْحَالة الثَّانِيَة أَن يَقُول نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَقْرُونا بِقَوْلِي أَنْت عَليّ حرَام فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَن الْجمع غير مُمكن فِي لفظ وَاحِد وَالطَّلَاق أقوى فَهُوَ الْوَاقِع
وَالثَّانِي أَن الظِّهَار أولى إِذْ أَتَى بصريحه

(6/34)


وَالثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار ابْن الْحداد أَن الرجل يُخَيّر حَتَّى يخْتَار أَحدهمَا إِذْ لَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر
الْحَالة الثَّالِثَة أَن يَقُول أردْت بِقَوْلِي عَليّ حرَام طَلَاقا وبقولى ظهر أُمِّي ظِهَارًا وَقع الطَّلَاق وَنفذ الظِّهَار إِن كَانَ رَجْعِيًا وَفِيه وَجه أَن الظِّهَار لَا يَصح لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي غير مُسْتَقل وَقد انْصَرف أول الْكَلَام إِلَى الطَّلَاق
أما لَو عكس وَقَالَ أردْت الظِّهَار بِالْأولِ وَالطَّلَاق بِالْآخرِ نفذ الظِّهَار دون الطَّلَاق لِأَنَّهُ نَوَاه بِلَفْظ الظِّهَار وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد ينفذ الطَّلَاق لِأَن قَوْله كَظهر أُمِّي لَيْسَ مُسْتقِلّا وَلم يحصل بِهِ ظِهَار فَيحصل بِهِ طَلَاق
الْحَالة الرَّابِعَة أَن يَقُول لم أقصد بالمجموع إِلَّا تَحْرِيم عينهَا فَتحرم عَلَيْهِ ولتزمه الْكَفَّارَة
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة لَو قَالَ أَنْت عَليّ حرَام وَقَالَ نَوَيْت الطَّلَاق وَالظِّهَار جَمِيعًا مَعَ اللَّفْظَة قَالَ ابْن الْحداد إِن نوى الظِّهَار أَولا يَصح وَيَقَع الطَّلَاق وَلم يكن عَائِدًا وَإِن نوى الطَّلَاق أَولا وَكَانَ رَجْعِيًا صَحَّ الظِّهَار
قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ هَذَا غلط لِأَن اللَّفْظ وَاحِد فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل كَمَا لَو نواهما مَعًا فَيخرج على الْخلاف فِي أَن الأولى أَيهمَا وَهَذَا يلْتَفت على أَن نِيَّة الْكِنَايَة إِذا اقترنت بِبَعْض اللَّفْظ مَا حكمه وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الطَّلَاق

(6/35)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الظِّهَار الصَّحِيح - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَله حكمان
أَحدهمَا تَحْرِيم الْجِمَاع على الإقتران بِهِ إِلَى أَن يكفر إِمَّا بِالْعِتْقِ أَو الصّيام أَو الْإِطْعَام وَجوز أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْوَطْء للمكفر بِالْإِطْعَامِ لِأَن الْآيَة مُطلقَة فِي حَقه

(6/36)


لَكِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ينزل الْمُطلق على الْمُقَيد فِي مثل ذَلِك
ثمَّ اخْتلف قَول الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي أَن التَّحْرِيم هَل يقْتَصر على الْجِمَاع فَقَالَ فِي الْمُخْتَصر أَحْبَبْت أَن يمْنَع الْقبْلَة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر رَأَيْت أَن تمنع الْقبْلَة فَقيل قَولَانِ
أَحدهمَا التريم لقَوْله تَعَالَى {من قبل أَن يتماسا} وَالْقَائِل الثَّانِي يحملهُ على الوقاع لقَوْله {من قبل أَن تمَسُّوهُنَّ} نعم

(6/37)


مسالك الْأَشْبَاه متعارضة فَنَقُول كل مَا يحرم الْوَطْء لخلل فِي الْملك كَالطَّلَاقِ وَالرِّدَّة والإستبراء عَن الْغَيْر كعدة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ أَو لإباحة الْغَيْر كتزويج السَّيِّد أمته فَكل ذَلِك يحرم اللَّمْس وَأما الصَّوْم وَالْحيض فَلَا وَقِيَاس الْإِحْرَام أَن يكون كَالصَّوْمِ وَلكنه يحرم اللَّمْس تعبدا وَأما الإستبراء فِي المسبية فَيحرم الْوَطْء وَفِيمَا دونه خلاف وَإِن كَانَ من جِهَة شِرَاء أَو تملك فَيحرم الإستمتاع مُطلقًا لِأَنَّهُ لَو ظهر الْحمل لحرم على الْإِطْلَاق بِخِلَاف جِهَة السَّبي وَالظِّهَار مردد بَين هَذِه الْأُصُول فَإِن لم نحرم إِلَّا الْوَطْء فَفِي الإستمتاع بِمَا دون السُّرَّة وَالركبَة خلاف مَبْنِيّ على أَنا إِن حرمنا ذَلِك فِي الْحَائِض عللنا بانتشار الْأَذَى أَو تخوف الْوُقُوع فِي الوقاع وَيظْهر تَشْبِيه الظِّهَار بِالْحيضِ لِأَنَّهُ يحرم مَعَ دوَام النِّكَاح لَكِن من حَيْثُ إِنَّه كَانَ طَلَاقا فأقت تَحْرِيمه بِالْكَفَّارَةِ فَيحْتَمل أَن يشبه بِتَحْرِيم الرَّجْعِيَّة
الحكم الثَّانِي وجوب الْكَفَّارَة وَهُوَ مَنُوط بِالْعودِ قَالَ الله تَعَالَى {ثمَّ يعودون لما قَالُوا} فَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ على خَمْسَة مَذَاهِب
قَالَ الثَّوْريّ هُوَ بِنَفس الظِّهَار عَائِد وَهُوَ فَاسد لقَوْله تَعَالَى {ثمَّ يعودون} وَقَالَ دَاوُد أَرَادَ تكْرَار لفظ الظِّهَار وَالْعود إِلَيْهِ وَقَالَ الزُّهْرِيّ

(6/38)


وَمَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِنَّه الوقاع إِذْ بِهِ يعود لنقض كَلَامه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك رحمهمَا الله فِي رِوَايَة إِنَّه الْعَزْم على الْإِمْسَاك وَقَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هُوَ نفس الْإِمْسَاك
وَمهما لم يُطلق عقيب الظِّهَار على الإتصال فَهُوَ مُمْسك وَلَا يَكْفِيهِ الْعَزْم على الطَّلَاق دون تَحْقِيقه لِأَن إِمْسَاكه عود لنقض كَلَامه فسبيله أَن يَقُول أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي أَنْت طَالِق مُتَّصِلا حَتَّى لَا يلْزمه كَفَّارَة وَيتَفَرَّع على هَذَا الأَصْل مسَائِل
الأولى إِذا مَاتَ عقيب الظِّهَار فَلَا كَفَّارَة إِذْ لم يتَحَقَّق الْإِمْسَاك فَإِنَّهُ يفْتَقر إِلَى زمَان الْقُدْرَة على الطَّلَاق وَلَو طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فَلَا عود فَإِن رَاجع فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نفس الرّجْعَة عود وَنَصّ أَنه لَو ارْتَدَّ وَعَاد لم يكن نفس الْإِسْلَام عودا وَكَذَا لَو أَبَانهَا وجدد النِّكَاح وَقُلْنَا بِعُود الظِّهَار والحنث لم يكن بِمُجَرَّدِهِ عَائِدًا لِأَن الْإِسْلَام يقْصد بِهِ تَبْدِيل الدّين وَالنِّكَاح يقْصد بِهِ تَجْدِيد الْملك وَالرَّجْعَة لَا معنى لَهَا إِلَّا إمْسَاك الزَّوْجَة وَمن أَصْحَابنَا من خرج وَجها إِلَى

(6/39)


الرّجْعَة من النِّكَاح وَإِلَى النِّكَاح وَالرِّدَّة من الرّجْعَة وطرد الْقَوْلَيْنِ لَكِن الْفرق وَتَقْرِير النَّص أظهر فَإِن قيل إِذا آلى ثمَّ أبان وجدد النِّكَاح لَزِمته الْكَفَّارَة بِالْوَطْءِ وَإِن لم نقل بِعُود الْحِنْث فَلم لَا تعود كفترة الظِّهَار قُلْنَا لِأَن الْيَمين يسْتَقلّ بِنَفسِهِ دون النِّكَاح وَالظِّهَار لَا يتَصَوَّر إِلَّا فِي النِّكَاح وَالْكَفَّارَة هَاهُنَا كالمطالبة بالفيئة عَن الْإِيلَاء فَإِنَّهَا من الْخَواص فَلَا تعود فِي نِكَاح ثَان
نعم لَو ظَاهر وَعَاد حَتَّى حرمت عَلَيْهِ اسْتَقَرَّتْ الْكَفَّارَة فَلَو طلق وجدد اسْتمرّ التَّحْرِيم إِلَى الْكَفَّارَة وَأما لَو كَانَت رقيقَة فاشتراها فَفِيهِ خلاف مَبْنِيّ على أَن تَحْرِيم الطَّلَاق وَاللّعان هَل يتَعَدَّى إِلَى ملك الْيَمين كَمَا ذَكرْنَاهُ
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا ظَاهر عَن زَوجته الرقيقة ثمَّ اشْتَرَاهَا على الْفَوْر فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن الشِّرَاء يَنْفِي الْعود كَالطَّلَاقِ لِأَنَّهُ قَاطع
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نَقله من حل إِلَى حل فَهُوَ عَائِد وَهَذَا يتَّجه إِذا قُلْنَا إِنَّه يتَعَدَّى تَحْرِيم الظِّهَار إِلَى ملك الْيَمين
ثمَّ قَالَ ابْن الْحداد لَا بُد وَأَن يتَّصل قَوْله اشْتريت بالظهار فَلَو تشاغل بأسبابه حصل الْعود وَقَالَ الْأَصْحَاب إِن كَانَت أَسبَابه متعذرة فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِن كَانَت متيسرة على الْقرب لم يكن عَائِدًا أما إِذا علق طَلاقهَا بعد الظِّهَار على الدُّخُول فَهُوَ عَائِد وَإِن كَانَ الدُّخُول متيسرا إِذْ لَا فَائِدَة فِي التَّعْلِيق وَهُوَ قَادر على التَّنْجِيز وَلَو كَانَ قد علق من قبل فَدخل على الإتصال فَلَا عود إِن كَانَ الدُّخُول متيسرا

(6/40)


وَلَو لَاعن عقيب الظِّهَار فَظَاهر النَّص أَنه يمْنَع الْعود ثمَّ اخْتلف فِي تَصْوِيره فَمنهمْ من قَالَ لَو قذف بعد الظِّهَار وَلم يقصر فِي البدار إِلَى الرّفْع إِلَى القَاضِي على الْعَادة فَلَا عود وَمِنْهُم من قَالَ يَنْبَغِي أَن تتصل كَلِمَات اللّعان بالظهار وَيكون الْقَذْف وَالرَّفْع سَابِقًا وَقَالَ ابْن الْحداد يَنْبَغِي أَن تتصل الْكَلِمَة الْأَخِيرَة بالظهار فَإِنَّهُ الْقَاطِع وألزم عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ عقيب الظِّهَار يَا زَيْنَب أَنْت طَالِق وَقيل قَوْله يَا زَيْنَب لَا يُوجب الْعود لِأَنَّهُ من جملَة الْكَلَام فَكَذَا كَلِمَات اللّعان
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة لَو علق الظِّهَار بِفعل غَيره فَوجدَ وَلم يعرف فَلَيْسَ بعائد فَكَمَا يعرف فَيَنْبَغِي أَن يُبَادر الطَّلَاق وَلَو علق بِفعل نَفسه فَفعل وَنسي الظِّهَار فَهُوَ عَائِد لِأَنَّهُ فِي نِسْيَان فعل نَفسه غير مَعْذُور
الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة إِذا قَالَ أَنْت عَليّ كَظهر أُمِّي خَمْسَة أشهر لم يَصح على الْقَدِيم لِخُرُوجِهِ عَن الْمُعْتَاد وعَلى الْجَدِيد يَصح إِن غلبنا مشابه الْأَيْمَان وَإِن غلبنا مشابه الطَّلَاق فَلَا لِأَن الطَّلَاق الْمُؤَقت أَبَد لغَلَبَة الطَّلَاق وَلم يظْهر ذَلِك للظهار وَقد قيل يَصح مُؤَبَّدًا تَشْبِيها بِالطَّلَاق
التَّفْرِيع إِن شبهناه بالأيمان صَحَّ مؤقتا وَيكون الْعود بِالْجِمَاعِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ينْتَظر تحليلا بعد الْأَشْهر وَإِنَّمَا يمسك لذَلِك فَلَا يكون مُجَرّد إِمْسَاكه مناقضا وَاعْترض الْمُزنِيّ رَحمَه الله على هَذَا وَقَالَ لَا فرق بَينه وَبَين الْمُطلق فَمن الْأَصْحَاب من قَالَ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْعود هُوَ الْجِمَاع فيطرد فِي الْمُطلق والمقيد وَهُوَ فَسَاد لِأَنَّهُ نَص عَلَيْهِ فِي الْجَدِيد وَالْفرق مَا ذَكرْنَاهُ

(6/41)


فعلى النَّص إِذا جَامع حرم الْجِمَاع فَعَلَيهِ النزع مُتَّصِلا بتغييب الْحَشَفَة وعَلى مَذْهَب ابْن خيران يحرم الْجِمَاع الأول أَيْضا كَذَلِك قَالَ الصيدلاني إِذا جَامع نتبين أَنه كَانَ عَائِدًا عقيب اللَّفْظ وَعَلِيهِ يحمل إِمْسَاكه وَفِيه فقه يُوَافق النَّص وَيدْفَع اعْتِرَاض الْمُزنِيّ رَحمَه الله فعلى هَذَا لَا نُبيح الْوَطْء الأول إِذْ هُوَ مُبين للتَّحْرِيم قبله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبل الْوَطْء فَإِنَّهُ يحرم الْوَطْء
الْمَسْأَلَة الْخَامِسَة إِذا قَالَ لأَرْبَع نسْوَة أنتن عَليّ كَظهر أُمِّي صَار مُظَاهرا عَن جَمِيعهنَّ وَلَكِن فِي تعدد الْكَفَّارَة واتحادها خلاف لِاتِّحَاد اللَّفْظ وَهُوَ كالخلاف فِيمَا لَو قذف جمَاعَة بِكَلِمَة وَاحِدَة أَن الْحَد هَل هُوَ مُتَعَدد ومشابه الْأَيْمَان تَقْتَضِي الإتحاد لِأَن الْكَلِمَة وَاحِدَة ومشابه الطَّلَاق التَّعَدُّد لتَعَدد الْمحل فَإِن قُلْنَا يَتَعَدَّد فَلَا يخفى وَإِن قُلْنَا يتحد فَلَو أمسكهن فَعَلَيهِ كَفَّارَة وَلَو طلق ثَلَاثًا وَأمْسك وَاحِدَة لزمَه كَفَّارَة لِأَن مناقضة الظِّهَار بِالْعودِ تتَحَقَّق بإمساك وَاحِدَة وَلَيْسَ كَمَا لَو قَالَ وَالله لَا أجامعكن فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَة بجماع وَاحِدَة لِأَن مُخَالفَته تتَحَقَّق بجماع الْجَمِيع وتحقيقه أَن الظِّهَار هَاهُنَا يتَعَلَّق بِطَلَاق الْجَمِيع
فَأَما إِذا ظَاهر عَنْهُن بِأَرْبَع كَلِمَات على التوالي فَتجب أَربع كَفَّارَات وَيكون بالظهار الثَّانِي عَائِدًا إِلَى الأول وبالثالث عَائِدًا إِلَى الثَّانِي وبالرابع عَائِدًا إِلَى الثَّالِث فَإِن قَالَ عقيب الرَّابِع أَنْت طَالِق فَعَلَيهِ ثَلَاث كَفَّارَات فَإِن لم يقل فأربع كَفَّارَات
الْمَسْأَلَة السَّادِسَة إِذا كرر لفظ الظِّهَار على الإتصال وَقَالَ قصدت بِالثَّانِي تَأْكِيد الأول قبل وَلَكِن هَل يكون عَائِدًا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن اشْتِغَاله بالتأكيد ترك للطَّلَاق

(6/42)


وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يكون بِهِ ممسكا لِأَن التَّأْكِيد فِي حكم تَمام الْكَلَام
وَإِن قصد ظِهَارًا آخر فَفِي تعدد الظِّهَار مَعَ اتِّحَاد الْمَرْأَة طَرِيقَانِ
أَحدهمَا طرد الْقَوْلَيْنِ فِي تعدد الْكَفَّارَة
وَالثَّانِي الْقطع بالتعدد وتغليبا لجَانب اللَّفْظ
وَلَا خلاف أَنه لَو قذف شخصا وَاحِدًا مرَّتَيْنِ فالحد وَاحِد ثمَّ إِن طلق عقيب الثَّانِي لم يكن عَائِدًا فِي الثَّانِي وَهل يكون عَائِدًا فِي الأول لاشتغاله بِالثَّانِي فِيهِ وَجْهَان مرتبان على صُورَة إِرَادَة التَّأْكِيد وَهَا هُنَا أولى بِأَن يكون عَائِدًا لِأَنَّهُ كَلَام مُسْتَقل بِنَفسِهِ أما إِذا تخَلّل زمَان فَهُوَ عَائِد فِي الأول وَالظِّهَار الثَّانِي مُنْعَقد إِن قُلْنَا بِتَعَدُّد الْكَفَّارَة وَإِلَّا فَلَا فَائِدَة فِيهِ
أما إِذا قُلْنَا تَتَعَدَّد فَقَالَ أردْت التَّأْكِيد مَعَ تخَلّل الْفَصْل هَل يقبل هَا هُنَا تردد فِيهِ جَوَاب الْقفال كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِيلَاء لِأَن فِيهِ مشابه الْإِخْبَار
الْمَسْأَلَة السَّابِعَة إِذا جن عقيب الظِّهَار فَلَيْسَ بعائد فَلَو أَفَاق لم تكن مُجَرّد الْإِفَاقَة عودا وَلَكِن إِن لم يُطلق عقيب الْإِفَاقَة صَار عَائِدًا وَلَو قَالَ إِن لم أَتزوّج عَلَيْك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي فَلَا ظِهَار فِي الْحَال فَإِن مَاتَ قبل التَّزْوِيج حصل الْيَأْس وَصَارَ مُظَاهرا عَائِدًا قبيل الْمَوْت هَكَذَا قَالَه ابْن الْحداد وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب الظِّهَار حَاصِل وَلَا عود لانه مَاتَ عقيب انْعِقَاد الظِّهَار وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَقِيم مَا قَالَه لَو اسْتندَ انْعِقَاد الظِّهَار إِلَى الأول وَمَا ذكره ابْن الْحداد أغوص فَلْيتَأَمَّل

(6/43)


فَإِن قيل الْوَطْء يحرم بِنَفس الظِّهَار أَو بِالْعودِ قُلْنَا بِالْعودِ إِذا لَو كَانَ بِمُجَرَّد الظِّهَار لَكَانَ تَسْتَقِر الْكَفَّارَة وَإِن طلق عَقِيبه حَتَّى لَو أَرَادَ وَطأهَا بِنِكَاح جَدِيد أَو ملك يَمِين لم يجز إِلَّا بكفارة وَلَيْسَ كَذَلِك لكنه إِذا عَاد حرم وَوَجَبَت الْكَفَّارَة واستقرت لَا لاجل استحلال الْوَطْء فَإِنَّهُ لَو أَبَانهَا بعد الْعود لم تسْقط الْكَفَّارَة لِأَنَّهَا اسْتَقَرَّتْ بِالْعودِ المناقض للظهار كَمَا يسْتَقرّ بِالْحِنْثِ فِي الْيَمين فالكفارة تجب بالظهار وَالْعود جَمِيعًا وَالظِّهَار أحد سببيها كاليمين وَلذَلِك قَالَ ابْن الْحداد لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي ثمَّ أعتق عَن الظِّهَار ثمَّ دخلت وَقع الْعتْق لتأخره عَن أحد السببين وَخَالفهُ بعض الْأَصْحَاب وَقَالُوا وزانه مَا لَو قَالَ إِن دخلت الدَّار فوَاللَّه لَا أُكَلِّمك ثمَّ أعتق قبل الدُّخُول لَا يجزىء لِأَنَّهُ إِنَّمَا يصير حَالفا عِنْد الدُّخُول وَلَكِن يحْتَمل أَن يُقَال السَّبَب صَيْرُورَته حَالفا ومظاهرا وَقد وجد فَيَكْفِي ذَلِك وَالله أعلم

(6/44)