الوسيط في المذهب

= كتاب الْجِنَايَات الْمُوجبَة للعقوبات =
وَهِي سَبْعَة
الْبَغي وَالرِّدَّة وَالزِّنَا وَالْقَذْف وَالشرب وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق

(6/413)


الْجِنَايَة الأولى الْبَغي وَالنَّظَر فِي صفة الْبُغَاة وأحكامهم وقتالهم

الطّرف الأول فِي صفاتهم وَيعْتَبر فيهم ثَلَاثَة شُرُوط الشَّوْكَة والتأويل وَنصب إِمَام فِيمَا بَينهم
الشَّرْط الأول الشَّوْكَة وَهُوَ أَن يجْتَمع قوم ذُو نجدة على مُخَالفَة الإِمَام وَلَا يعْتَبر مُسَاوَاة عَددهمْ لجند الإِمَام كم من فِئَة قَليلَة غالبة لَكِن يَكْفِي أَن يكون الظفر مرجوا ثمَّ إِن كَانُوا فِي مَوضِع محفوف بِولَايَة الإِمَام فَلَا بُد من زِيَادَة نجدة كَمَا إِذا كَانُوا على طرف من أَطْرَاف الْولَايَة ثمَّ لَا يخفى أَن الشَّوْكَة لَا تتمّ مَا لم

(6/415)


يكن فيهم وَاحِد مُطَاع
الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون بغيهم عَن تَأْوِيل فَلَو اجْتمع جمَاعَة مِمَّن توجه عَلَيْهِم حُدُود أَو حُقُوق من زَكَاة أَو غَيرهَا وخالفوا الإِمَام قَاتلهم الإِمَام كَمَا قَاتل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مانعي الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُم حكم الْبُغَاة
والمرتدون إِذا اجْتَمعُوا لشُبْهَة فِي دينهم فَلَا يعد ذَلِك تَأْوِيلا مُعْتَبرا
وَلَو كَانَ لَهُم تَأْوِيل بَاطِل قطعا لكِنهمْ غلطوا فِيهِ فَفِي اعْتِبَاره وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يعْتَبر كتأويل أهل الرِّدَّة وَمُعَاوِيَة رَحمَه الله عِنْد هَذَا الْقَائِل لم يكن مُبْطلًا قطعا بل بِالظَّنِّ
وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن الْغَلَط فِي القطعيات كثير وَمُعَاوِيَة كَانَ مُبْطلًا على الْقطع عِنْد هَذَا الْقَائِل لكنه لم يعرف ذَلِك
وَأما الْخَوَارِج ففيهم على رَأْي الإمتناع من تكفيرهم وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم

(6/416)


بِأَهْل الرِّدَّة وَلم يكترث بتأويلهم لظُهُور فَسَاده
الشَّرْط الثَّالِث نصب الإِمَام فِيمَا بَينهم وَفِي اشْتِرَاطه خلاف وَمن شَرطه علل بِأَن هَذِه الشُّرُوط تعْتَبر لتنفيذ قَضَاء قاضيهم وَلَا ينْتَصب القَاضِي إِلَّا بالتبعية فَلَا بُد لَهُم من إِمَام يولي الْقُضَاة وَمن لَا يشْتَرط ذَلِك يَقُول رُبمَا لَا يصادفون مَوْصُوفا بِصِفَات الْأَئِمَّة وَلَا يُمكن تَعْطِيل أحكامهم

(6/417)


الطّرف الثَّانِي فِي أَحْكَام الْبُغَاة فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْغُرْم

أما شهاداتهم فمقبولة لجهلهم بالتأويل وَأما قَضَاء قاضيهم فنافذ على وفْق الشَّرْع
وَمَا يَسْتَوْفِيه من زَكَاة وجزية وحد ويصرفه إِلَى مصرفه فواقع موقعه وَلَو صرفُوا السهْم المرصد لمرتزقة الْإِسْلَام إِلَى جندهم فَفِيهِ اخْتِلَاف مَشْهُور لِأَنَّهُ وَإِن كَانُوا جند الْإِسْلَام لكِنهمْ فِي الْحَال على الْبَاطِل وَتَصْحِيح ذَلِك إِعَانَة لَهُم
وَإِذا كتبُوا الْكتاب إِلَى قاضينا بعد إبرام الحكم أمضي وَإِن سمع الْبَيِّنَة وَالْتمس الحكم فَقَوْلَانِ

(6/418)


أقيسهما الحكم كي لَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حُقُوق الرعايا
وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مساعدة لَهُم على بغيهم وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا أبرموه واستعانوا بقاضينا فِي الإستيفاء وَالْقِيَاس الْإِمْضَاء
هَذَا فِيمَن لَهُ الشَّوْكَة والتأويل فَإِن عدمت الشَّوْكَة فَلَا ينفذ حكمهم إِذْ يرجع ذَلِك إِلَى محاورات فِي خلوات وَإِن عدم التَّأْوِيل دون الشَّوْكَة لم ينفذ قضاؤهم على الظَّاهِر وَيحْتَمل أَن يخرج ذَلِك على مَا إِذا شعز الزَّمَان عَن الإِمَام فَإِن أَحْكَام الرعايا لَا يُمكن تعطيلها فَلذَلِك ينفذ الْقَضَاء بِحكم الْحَاجة
أما الْغرم فَهُوَ وَاجِب بِالْإِتْلَافِ فِي غير الْقِتَال على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أما فِي الْقِتَال فَلَا غرم على الْعَادِل وَمَا يتلفه الْبَاغِي فِي الْقِتَال فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أتلف مَالا مَعْصُوما بِغَيْر حق
وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يجب كَمَا فِي أهل الْحَرْب لِأَن الْمُؤَاخَذَة بتبعات الْقِتَال تمنع من الْفَيْئَة

(6/419)


وَالطَّاعَة وَلذَلِك أتلفت أَمْوَال وأريقت دِمَاء فِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعرف الْقَاتِل وَمَا اقْتصّ من أحد وَلَا غرم
وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط الإهدار كَمَا فِي أهل الْحَرْب فَإِن قُلْنَا يجب الضَّمَان فَفِي الْقصاص وَجْهَان لأجل الشُّبْهَة فَإِن لم نوجب الْقصاص فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة أَو على الْجَانِي فِيهِ خلاف كَمَا لَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه كَافِر
هَذَا إِذا وجد الشَّوْكَة والتأويل فَإِن وجد تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة وَجب الضَّمَان قتل ابْن ملجم أَخْزَاهُ الله عليا كرم الله وَجهه فأقيد بِهِ وَكَانَ من تَأْوِيله أَن امْرَأَة زعمت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قتل أقاربها فَوَكَّلَتْهُ بِاسْتِيفَاء الْقصاص
وَأما الشَّوْكَة دون التَّأْوِيل فطريقان مِنْهُم من قطع بِوُجُوب الضَّمَان كَمثل وَاقعَة مانعي الزَّكَاة وَمِنْهُم من أجْرى الْقَوْلَيْنِ لِأَن إِسْقَاط الْقصاص وَإِسْقَاط التّبعِيَّة للترغيب فِي الطَّاعَة وأجرى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ترديد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُرْتَدين إِذا أتلفوا فِي الْقِتَال وَقيل هُوَ أولى بالسقوط لمشابهة أهل الْحَرْب
فَأَما وجود الإِمَام فَلَيْسَ بِشَرْط لسُقُوط الضَّمَان

(6/420)


الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْقِتَال

ويرعى فِيهِ أُمُور
الأول أَنا لَا نغتالهم بل نقدم النذير أَولا فَإِن لم يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة قاتلناهم وَفِي أَوَاخِر الْقِتَال لَا نتبع مدبرهم وَلَا نذفف على جريحهم لِأَن قِتَالهمْ مثل الدّفع عَن منع الطَّاعَة وَالْمُدبر من سَقَطت شوكته وَأمن غائلته لَا من يتحرف من جَانب إِلَى جَانب فَلَو تبددوا سَقَطت شوكتهم وَلَكِن يتَوَهَّم اجْتِمَاعهم فَهَل يجوز اتباعهم بِالْقَتْلِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى غائلة الْمَآل وَكَذَا من انهزم على أَن يتَّصل بفئة أُخْرَى
الثَّانِي أَن أسيرهم لَا يقتل وَلَا يُطلق مَا داموا على شوكتهم فَإِذا بطلت الشَّوْكَة وَكَانَ اجْتِمَاعهم فِي الْمَآل متوقعا فَفِي إِطْلَاقه وَجْهَان
فَأَما نِسَاؤُهُم وذراريهم فيخلى سبيلهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله نحبسهم فَفِي ذَلِك كسر قُلُوبهم
وَأما أسلحتهم وخيولهم فَلَا يحل اسْتِعْمَالهَا فِي الْقِتَال خلافًا

(6/421)


لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن إِنَّمَا ترد إِلَيْهِم إِذا جَازَ إِطْلَاق أسيرهم وَالصَّبِيّ الْمُرَاهق وَالْعَبْد كالخيل وَالصَّغِير كالنسوان
الثَّالِث لَا ننصب عَلَيْهِم المجانيق وَلَا نوقد عَلَيْهِم النيرَان وَلَا نرسل السُّيُول الجارفة وَكَذَا كل سَبَب يعم إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ نصطلم لَو لم نَفْعل لِأَن هَذِه الْأَسْبَاب لَا يُمكن حسمها وَرُبمَا يرجعُونَ فِي أَثْنَائِهَا
وَإِن تحَصَّنُوا بقلعة وَلم يتَوَصَّل إِلَّا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فَإِن كَانَ فيهم رعايا لم يجز وَإِن لم يكن إِلَّا الْمُقَاتلَة فَفِيهِ نظر وَالْأولَى مَنعه والإقتصار على المحاصرة والتضييق

(6/422)


الرَّابِع لَا يَنْبَغِي أَن يقتل الْعَادِل وَاحِدًا من أرحامه وَلَا يَنْبَغِي أَن يَسْتَعِين الإِمَام بِأَهْل الشّرك عَلَيْهِم وَلَا بِمن يرى قتل مدبرهم
الْخَامِس إِن اسْتَعَانَ الْبُغَاة علينا بِأَهْل الْحَرْب لم ينفذ أمانهم علينا وَاتَّبَعنَا مُدبر أهل الْحَرْب وَهل ينفذ الْأمان فِي حق أهل الْبَغي فِيهِ وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا ينفذ لِأَنَّهُ بني على الْفساد لَكِن لَا يجوز لَهُم الاغتيال بِكُل أَمَان فَاسد وَيجوز لنا اغتيالهم وَقيل إِنَّه لَا يجوز إِذا انْعَقَد لَهُم أَمَان فَاسد وَهُوَ ضَعِيف نعم لَو قَالَ أهل الْحَرْب ظننا أَنهم المحقون فَفِي إلحاقهم بمأمنهم خلاف وَمِنْهُم من قَالَ لَا نبالي بظنونهم
وَلَو استعانوا بطَائفَة من أهل الذِّمَّة انْتقض عَهدهم فنقتل مدبرهم ونغنم مَالهم وَفِيه وَجه أَنهم إِذا انْهَزمُوا ألحقاهم بمأمنهم فَإِن كَانُوا مكرهين لم ينْتَقض عَهدهم فَلَا نتبع مدبرهم فَإِن قَالُوا ظننا انهم الفئة المحقة فَفِي انْتِقَاض الْعَهْد قَولَانِ
التَّفْرِيع حَيْثُ ألحقناهم بِأَهْل الْحَرْب غنمنا مَالهم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيمَا يتلفون فَإِن قُلْنَا لَا بُد من تبليغهم مأمنهم فَمَا أتلفوه مَضْمُون عَلَيْهِم إِذْ بَقِي فِي حَقنا عُهْدَة الْأمان فَيبقى عَلَيْهِم عُهْدَة الضَّمَان فَإِن فرعنا على أَن الْعَهْد لَا ينْتَقض فِي بعض الصُّور قطع الْأَصْحَاب بِوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِم لِأَن الْإِسْقَاط عَن الْبُغَاة لترغيبهم فِي الطَّاعَة وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الذِّمِّيّ
السَّادِس من يُوجد مِنْهُم قَتِيلا يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَهِيد وَقَالَ

(6/423)


أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إهانة لَهُم
والعادل إِذا قتل فِي المعترك فَقَوْلَانِ فِي كَونه شَهِيدا
وَلَا يَنْقَطِع التَّوَارُث بَينهم بَين أهل الْعدْل

(6/424)


الْجِنَايَة الثَّانِيَة الرِّدَّة

وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الرِّدَّة وأحكامها
الطّرف الأول فِي الرِّدَّة وَهُوَ عبارَة عَن قطع الْإِسْلَام من مُكَلّف
احترزنا بِالْقطعِ عَن الْكفْر الْأَصْلِيّ وبالمكلف عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَفِي السَّكْرَان قَولَانِ لتردده بَين الصاحي وَالْمَجْنُون وعَلى طَرِيق يَصح تنفيذا لما عيه دون مَا لَهُ وعَلى هَذَا لَو أسلم فِي السكر لَا يَصح فليعد الْإِسْلَام إِذا أَفَاق فَلَو قتل قبل الْإِفَاقَة فمهدر وَإِن قُلْنَا تصح ردته لِأَنَّهُ كالصاحي فَيصح إِسْلَامه لَكِن إِذا أَفَاق جددنا عَلَيْهِ التَّوْبَة فَلَو قتل قبل التَّجْدِيد فَالصَّحِيح وجوب الضَّمَان وَقيل لَا يجب أخذا من اللَّقِيط إِذا قتل بعد الْبلُوغ وَقبل أَن ينْطق بِالْإِسْلَامِ وَوجه الشُّبْهَة أَنه إِسْلَام حكمي لَا عَن قصد صَحِيح وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرِّدَّة أَيْضا كَانَ كَذَلِك فَيَكْفِي لتِلْك الرِّدَّة هَذَا الْإِسْلَام إِلَّا أَن يخصص ذَلِك الْوَجْه بِأَن يرْتَد صَاحِيًا ثمَّ أسلم فِي السكر
وَأما نفس الرِّدَّة فَهُوَ نطق بِكَلِمَة الْكفْر استهزاء أَو اعتقادا أَو عنادا وَمن الْأَفْعَال عبَادَة الصَّنَم وَالسُّجُود للشمس وَكَذَلِكَ إِلْقَاء الْمُصحف فِي القاذورات وكل فعل هُوَ صَرِيح فِي الإستهزاء بِالدّينِ وَكَذَلِكَ السَّاحر يقتل إِن كَانَ مَا سحر بِهِ كفرا بِأَن كَانَ فِيهِ عبَادَة شمس أَو مَا يضاهيه

(6/425)


فروع

الأول إِذا شهد اثْنَان على أَنه ارْتَدَّ فَقَالَ كذبا لم يَنْفَعهُ التَّكْذِيب لكنه يَنْفَعهُ تَجْدِيد الْإِسْلَام فِي رد الْقَتْل وَلَا ينفع فِي بينونة زَوجته
وَلَو قَالَ صدقا ولكنني كنت مكْرها فَإِن ظهر مخايل الْإِكْرَاه بِأَن كَانَ أَسِيرًا بَين الْكفَّار فَالْقَوْل قَوْله وَإِن لم تكن مخايل الْإِكْرَاه حكم بالبينونة وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يخصص بِمَا إِذا حكى الشَّاهِد كلمة الرِّدَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تقبل الشَّهَادَة مُطلقًا لِأَن للنَّاس فِي التَّكْفِير مَذَاهِب مُخْتَلفَة فَإِذا نقل الشَّاهِد كلمة هِيَ ردة وَلم يقل ارْتَدَّ وَلكنه قَالَ قَالَ كَذَا فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ صدق وَلَكِن كنت مكْرها قَالَ الشيح أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يصدق إِذْ لَيْسَ فِي تَصْدِيقه تَكْذِيب الشُّهُود بِخِلَاف مَا إِذا شهدُوا على الرِّدَّة فَإِن كَونه مكْرها يدْفع الرِّدَّة وَلَكِن الْجَزْم أَن يجدد الْإِسْلَام فَلَو قَتله مبادر قبل التَّجْدِيد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مأخوذان من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ عدم الْإِكْرَاه وَبَرَاءَة الذِّمَّة
الثَّانِي إِذا خلف الْمُسلم ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا مَاتَ أبي كَافِرًا وَأنكر الآخر فَفِي حِصَّة الْمقر قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه للفيء مؤاخذاة لَهُ بِإِقْرَارِهِ
الثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِ لِأَن للنَّاس أغراضا فِي التَّكْفِير ومذاهب

(6/426)


وَهُوَ لم يُصَرح بِهِ 3 وَالصَّحِيح أَن يستفصل فَإِن فسر بِمَا هُوَ كفر صرف إِلَى الْفَيْء وَإِلَّا صرف إِلَيْهِ فَإِن لم يُفَسر توقف
الثَّالِث الْأَسير إِذا ارْتَدَّ مكْرها فَإِذا أفلت أمرناه بالتجديد وَإِن أَبى تبين أَنه كَانَ مُرْتَدا بِالِاخْتِيَارِ هَكَذَا قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيه نظر لِأَن الْمُسلم لَا يكفر بِمُجَرَّد الِامْتِنَاع عَن تَجْدِيد الْإِسْلَام وَحكم الْإِسْلَام كَانَ دَائِما لَهُ ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا ارْتَدَّ الْأَسير مُخْتَارًا ثمَّ رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي صَلَاة الْمُسلمين حكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَفِي الْفرق إِشْكَال

(6/427)


الطّرف الثَّانِي فِي حكم الرِّدَّة
وَذَلِكَ يظْهر فِي نفس الْمُرْتَد وَولده وَمَاله وَفِي أُمُور أخر ذَكرنَاهَا فِي موَاضعهَا
أما نَفسه فتهدر فِي الْحَال وَيجب قَتله إِن لم يتب فَإِن تَابَ تقبل إِلَّا إِذا كَانَ زنديقا فَفِي قبُول تَوْبَته أَرْبَعَة أوجه
الظَّاهِر أَنه تقبل إِذْ بَاب الْهِدَايَة غير محسوم فَلَعَلَّهُ اهْتَدَى وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هلا شققت عَن قلبه تَنْبِيها على أَن النّظر إِلَى الظَّاهِر دون السرائر
وَالثَّانِي لَا تقبل لِأَن التقية عِنْد الْخَوْف عين الزندقة
وَالثَّالِث أَنه إِن أسلم ابْتِدَاء من غير مُطَالبَة قبل وَإِن كَانَ تَحت السَّيْف فَلَا
وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ دَاعيا إِلَى الضلال لم تقبل وَإِلَّا فَتقبل
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله إِنَّمَا تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد مرّة وَاحِدَة وَإِن أعَاد ثَانِيًا لم تقبل وَهُوَ بعيد إِذْ من يتَصَوَّر أَن يخطىء مرّة يتَصَوَّر أَن يخطىء مرَّتَيْنِ

(6/428)


وَفِي الْمُبَادرَة إِلَى قتل الْمُرْتَد قَولَانِ
أَحدهمَا يُبَادر إِلَى ذَلِك لِأَن جِنَايَته قد تمت
وَالثَّانِي يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مُرْتَد بَادر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَتله اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا فعله أَبُو مُوسَى هلا حبستموه ثَلَاثًا تلقونَ إِلَيْهِ كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب
التَّفْرِيع إِن قُلْنَا الْإِمْهَال لَا يجب فَيُسْتَحَب أَو يمْنَع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يمْنَع فَإِن قَالَ أمهلوني ريثما تجلو شبهتي بالمناظرة فَهَل يناظر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا نعم لِأَن الْحجَّة مُقَدّمَة على السَّيْف
وَالثَّانِي لَا لِأَن الخيالات الْفَاسِدَة لَا حصر لَهَا فليقبل الْإِسْلَام ظَاهرا ثمَّ يبْحَث
وَأما ولد الْمُرْتَد فَإِن تراخت الرِّدَّة عَن الْولادَة فَالْوَلَد مُسلم فَإِن علقت مرتدة من مُرْتَد فَفِي الْوَلَد ثَلَاثَة أَقْوَال

(6/429)


أَحدهَا أَنه كَافِر أُصَلِّي
وَالثَّانِي أَنه مُرْتَد يردد بعد الْبلُوغ بَين الْإِسْلَام وَالسيف وَيكون أُسْوَة أَبَوَيْهِ
وَالثَّالِث أَنه مُسلم لِأَن علقَة الْإِسْلَام بَاقِيَة فِي الْمُرْتَد وَالْإِسْلَام يَعْلُو
وَلَو خلف المعاهدون أَوْلَادًا فِيمَا بَيْننَا فإمَّا أَن نقبل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو نلحقهم بمأمنهم وَأما أهل الرِّدَّة فَإِن التحقوا بدار الْحَرْب فَلَا يثبت لَهُم حكم أهل الْحَرْب فِي الإسترقاق خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله
وَأما مَال الْمُرْتَد فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يَزُول ملكه فِي الْحَال كملك النِّكَاح
وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا إهانة فِيهِ على الْمُسلم بِخِلَاف النِّكَاح
وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة تبين زَوَال ملكه إِلَى أهل الْفَيْء وَإِن عَاد تبين اسْتِمْرَار ملكه

(6/430)


التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بِزَوَال ملكه فَكل دين كَانَ لزمَه قبل الرِّدَّة يقْضِي من مَاله كَمَا يقْضِي من تَرِكَة الْمَيِّت وَلَا خلاف أَنه ينْفق عَلَيْهِ من مَاله وَهل ينْفق على أَقَاربه الْمُسلمين وَهل تقضى دُيُونه الَّتِي التزمها فِي الرِّدَّة بإتلافه فِيهِ وَجْهَان فَلَو احتطب حصل الْملك للفيء كَمَا يحصل باحتطاب العَبْد للسَّيِّد وَكَذَا فِي اتهابه وشرائه من الْخلاف مَا فِي العَبْد وَلَا خلاف أَنه إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام عَاد ملكه وَرَهنه كَمَا يعود إِن صَار الْخمر خلا
وَإِن فرعنا على بَقَائِهِ فللسلطان ضرب الْحجر عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف نظرا للفيء
ثمَّ هَل يتحجر بِالرّدَّةِ أم يحْتَاج إِلَى حجر السُّلْطَان فِيهِ خلاف ثمَّ ذَلِك الْحجر كحجر السَّفِيه أَو الْمُفلس فِيهِ خلاف وحكمهما مَذْكُور فِي مَوْضِعه
فَإِن قُلْنَا يحْتَاج إِلَى ضرب الْحجر نفذ تصرفه قبله وَقيل هُوَ كتصرف الْمَرِيض وَتَكون حُقُوق أهل الْفَيْء كحقوق الْغُرَمَاء حَتَّى لَا ينفذ مَعَه التَّبَرُّعَات وَلَا فِي الثُّلُث

(6/431)


وَإِن فرعنا على الْوَقْف لم ينفذ مِنْهُ إِلَّا كل تصرف قَابل للْوَقْف

(6/432)