تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -473-      كتاب إحياء الموات
هو "الأرض التي لم تعمر قط" أي لم تتيقن عمارتها في الإسلام من مسلم أو ذمي وليست من حقوق عامر ولا من حقوق المسلمين وأصله الخبر الصحيح: "من عمر أرضا ليست لأحد فهو أحق بها" وصح أيضا "من أحيا أرضا ميتة فهي له" ولهذا لم يحتج في الملك هنا إلى لفظ؛ لأنه إعطاء عام منه صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله تعالى أقطعه أرض الدنيا كأرض الجنة ليقطع منهما من شاء ما شاء ومن ثم أفتى السبكي بكفر معارض أولاد تميم رضي الله تعالى عنهم فيما أقطعه صلى الله عليه وسلم له بأرض الشام لكن في إطلاقه نظر ظاهر وأجمعوا عليه في الجملة ويسن التملك به للخبر الصحيح "من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر وما أكلت العوافي". أي طلاب الرزق "منها فهو له صدقة". ثم تلك الأرض "إن كانت ببلاد الإسلام فللمسلم" ولو غير مكلف كمجنون فيما لا يشترط فيه القصد مما يأتي "تملكها بالإحياء" ويسن استئذان الإمام وعبر بذلك المشعر بالقصد؛ لأنه الغالب "وليس هو" أي تملك ذلك "لذمي" وإن أذن الإمام لخبر الشافعي وغيره مرسلا "عادي الأرض" أي قديمها ونسب لعاد لقدمهم وقوتهم لله ورسوله ثم هي لكم مني وإنما جاز لكافر معصوم نحو احتطاب واصطياد بدارنا لغلبة المسامحة بذلك. "وإن كانت ببلاد كفار" أهل ذمة "فلهم" ولو غير مكلفين "إحياؤها" لأنه من حقوق دارهم "وكذا المسلم" له ذلك "إن كانت مما لا يذبون" بكسر المعجمة وضمها أي يدفعون "المسلمين عنه" كموات دارنا بخلاف ما يذبون عنه، وقد صولحوا على أن الأرض لهم فليس له إحياؤه أما ما بدار الحرب فيملك بالإحياء مطلقا؛ لأنه يجوز تملك عامرها فمواتها أولى ولو لغير قادر على الإقامة بها وكان ذكرهم للإحياء؛ لأن الكلام فيه وإلا فالقياس ملكه بمجرد الاستيلاء عليه بقصد تملكه كما يعلم من صريح كلامهم الآتي في السير فما اقتضاه كلام شارح أنه بالاستيلاء يصير كالمتحجر غير صحيح؛ لأن العامر إذا ملك بذلك فالموات أولى
"وما" عرف أنه "كان معمورا" في الماضي وإن كان الآن خرابا "فلمالكه" إن عرف ولو ذميا إلا إن أعرض عنه الكفار قبل القدرة فإنه يملك بالإحياء "فإن لم يعرف" مالكه دارا كان أو قرية بدارنا "والعمارة إسلامية" يقينا "فمال ضائع" أمره للإمام في حفظه أو بيعه وحفظ ثمنه أو استقراضه على بيت المال إلى ظهور مالكه إن رجي وإلا كان ملكا لبيت المال فله إقطاعه كما في البحر وجرى عليه في شرح المهذب في الزكاة فقال للإمام إقطاع أرض بيت المال وتمليكها وفي الجواهر يقال له إقطاعها إذا رأى فيه مصلحة ولا يملكها أحد إلا بإقطاعه ثم إن أقطع رقبتها ملكها المقطع كما في الدراهم أو منفعتها استحق الانتفاع بها مدة الإقطاع خاصة ا هـ وما في الأنوار مما يخالف ذلك ضعيف "وإن كانت" العمارة "جاهلية" وجهل دخولها في أيدينا أو شك في كونها جاهلية فكالموات وحينئذ "فالأظهر

 

ج / 2 ص -474-      أنه" أي المعمور "يملك بالإحياء" كالركاز لأنه لا حرمة لملك الجاهلية نعم إن كان بدارهم وذبونا عنه، وقد صولحوا على أنه لهم لم يملك بالإحياء كما علم مما مر وانتصر جمع للمقابل نقلا ومعنى، "ولا يملك بالإحياء حريم معمور" لأنه ملك لمالك المعمور نعم لا يباع وحده كشرب الأرض وحده وبحث ابن الرفعة جوازه ككل ما ينقص قيمة غيره وفرق السبكي بأن هذا تابع فلا يفرد "وهو" أي الحريم "ما تمس الحاجة إليه لتمام الانتفاع" بالمعمور وإن حصل أصله بدونه "فحريم القرية" المحياة "النادي" وهو ما يجتمعون فيه للتحدث "ومرتكض" نحو "الخيل" إن كانوا خيالة وهو بفتح الكاف مكان سوقها "ومناخ الإبل" إن كانوا أهل إبل وهو بضم أوله ما تناخ فيه "ومطرح الرماد" والقمامات "ونحوها" كمراح الغنم وملعب الصبيان ومسيل الماء وطرق القرية لاطراد العرف بذلك والعمل به خلفا عن سلف ومنه مرعى البهائم إن قرب منها عرفا واستقل وكذا إن بعد ومست حاجتهم له ولو في بعض السنة على الأوجه، ومثله في ذلك المحتطب وليس لأهل القرية منع المارة من رعي مواشيهم في مراتعها المباحة "وحريم" النهر كالنيل ما تمس حاجة الناس إليه لتمام الانتفاع بالنهر وما يحتاج لإلقاء ما يخرج منه فيه لو أريد حفره أو تنظيفه فلا يحل البناء فيه ولو لمسجد ويهدم ما بني فيه كما نقل عليه إجماع المذاهب الأربعة، ولقد عم فعل ذلك وطم حتى ألف العلماء في ذلك وأطالوا لينزجر الناس فلم ينزجروا قال بعضهم ولا يغير هذا الحكم وإن تباعد عنه الماء بحيث لم يصر من حريمه أي لاحتمال عوده إليه ويؤخذ منه أن ما صار حريما لا يزول وصفه بذلك بزوال متبوعه وهو محتمل. وحريم "البئر" المحفورة "في الموات" للتملك وذكره الموات لبيان الواقع إذ لا يتصور الحريم إلا فيه كما يفهمه قوله الآتي والدار المحفوفة إلى آخره ويصح أن يحترز به عن المحفورة في الملك وإن علم أنه لا يكون فيه "موقف النازح" للدلاء منها بيده إن قصدت لذلك وفي الموات متعلق بما قدرته الدال عليه لفظ البئر للزومه له أو حال منها؛ لأن المضاف كالجزء من المضاف إليه.
تنبيه: ظاهر قولهم موقف النازح أنه لا يعتبر قدره من سائر جوانب البئر بل من أحدها فقط والذي يتجه اعتبار العادة في مثل ذلك المحل.
"والحوض" يعني مصب الماء؛ لأنه كما يطلق على مجتمعه الآتي يطلق عرفا أيضا على مصبه الذي يذهب منه إلى مجتمعه كما هو عرف بلادنا فلا تكرار في كلامه وليس مخالفا لما في الروضة وأصلها ولا مناقضا لما في أصله خلافا لزاعمي ذلك "والدولاب" بضم أوله أشهر من فتحه فارسي معرب، قيل وهو على شكل الناعورة أي موضعه إن كان الاستقاء به ويطلق على ما يستقي به النازح وما تستقي به الدابة "ومجتمع الماء" لسقي الماشية أو الزرع "وبئر الدابة" إن كان الاستقاء بها وملقى ما يخرج من نحو حوضها لتوقف الانتفاع بالبئر على ذلك ولا حد لشيء مما ذكر ويأتي بل المدار في قدره على ما تمس الحاجة إليه إن امتد الموات إليه وإلا فإلى انتهاء الموات إن كان وإلا فلا حريم كما تقرر. "وحريم الدار" المبنية "في الموات" في ذكره ما مر ويصح أن

 

ج / 2 ص -475-      يحترز به عن المحفوفة بملك وستأتي فناؤها وهو ما حوالي جدرها ومصب ميازيبها قال ابن الرفعة إن كان بمحل تكثر فيه الأمطار ا هـ وفيه نظر بل الذي يتجه أنه لا فرق لمس الحاجة إليه وإن ندر المطر نعم مصب ماء الغسالة لا يعتبر كما هو ظاهر مما مر في الصلح و "مطرح الرماد وكناسة وثلج" في بلده "وممر في صوب الباب" أي جهته لكن لا إلى امتداد الموات إذ لغيره إحياء ما قبالته إذا أبقى له ممرا وإن احتاج لانعطاف وازورار ونظر فيه الزركشي إذا تفاحشا للإضرار "وحريم آبار" بالهمز بعد الموحدة الساكنة كما بخطه وهو الأصل ويجوز تقديم الهمزة وقلبها ألفا وفي القاموس جمعها أبآر وآبار وأبؤر وآبر "القناة" المحياة لا للاستقاء منها "ما لو حفر فيه نقص" بالتخفيف كما هو الأفصح "ماؤها أو خيف الانهيار" أي السقوط ويختلف باختلاف لين الأرض وصلابتها وهذا معتبر أيضا في بئر الاستقاء خلافا لما يوهمه صنيعه وإنما لم يعتبر هنا ما مر ثم؛ لأن المدار على حفظها وحفظ مائها لا غير ومن ثم بحث الزركشي جواز البناء في حريمها؛ لأنه لا ينافي حفظها بخلاف حفر البئر فيه ولا يمنع من حفر بئر بملكه ينقص ماء بئر جاره لتصرفه في ملكه بخلاف ذلك فإنه ابتداء تملك. "والدار المحفوفة بدور" أو شارع بأن أحيي الكل معا أي أو جهل كما هو ظاهر "لا حريم لها" إذ لا مرجح لها على غيرها نعم أشار البلقيني واعتمده غيره إلى أن كل دار لها حريم أي في الجملة، قال وقولهم هنا لا حريم لها أرادوا به غير الحريم المستحق أي وهو ما يتحفظ به عن يقين الضرر.
"ويتصرف كل واحد" من الملاك "في ملكه على العادة" وإن أضر جاره كأن سقط بسبب حفره المعتاد جدار جاره أو تغير بحشه بئره؛ لأن المنع من ذلك ضرر لا جابر له "فإن تعدى" في تصرفه بملكه العادة "ضمن" ما تولد منه قطعا أو ظنا قويا كأن شهد به خبيران كما هو ظاهر لتقصيره "والأصح أنه يجوز أن يتخذ داره المحفوفة بمساكن حماما وإصطبلا" وطاحونا وفرنا ومدبغة "وحانوته في البزازين حانوت حداد" وقصار "إذا احتاط وأحكم الجدران" إحكاما يليق بما يقصده بحيث يندر تولد خلل منه في أبنية الجار؛ لأن في منعه إضرارا به. واختار جمع المنع من كل مؤذ لم يعتد والروياني أنه لا يمنع إلا إن ظهر منه قصد التعنت والفساد وأجرى ذلك في نحو إطالة البناء وأفهم المتن أنه يمنع مما الغالب فيه الإخلال بنحو حائط الجار كدق عنيف يزعجها وحبس ماء بملكه تسري نداوته إليها قال الزركشي والحاصل منع ما يضر الملك دون المالك ا هـ. واعترض بما مر في قولنا ولا يمنع من حفر بئر بملكه ويرد بأن ذاك في حفر معتاد وما هنا في تصرف غير معتاد فتأمله، ثم رأيت بعضهم نقل ذلك عن الأصحاب فقال قال أئمتنا وكل من الملاك يتصرف في ملكه على العادة ولا ضمان إذا أفضى إلى تلف ومن قال يمنع مما يضر الملك دون المالك محله في تصرف يخالف فيه العادة لقولهم لو حفر بملكه بالوعة أفسدت ماء بئر جاره أو بئرا نقصت ماءها لم يضمن ما لم يخالف العادة في توسعة البئر أو تقريبها من الجدار أو تكن الأرض خوارة تنهار إذا لم تطو فلم يطوها فيضمن في هذه

 

ج / 2 ص -476-      كلها ويمنع منها لتقصيره، ولو حفر بئرا في موات فحفر آخر بئرا بقربها فنقص ماء بئر الأول منع الثاني منه، قيل والفرق ظاهر ا هـ وكأنه أن الأول استحق حريما لبئره قبل حفر الثاني فمنع لوقوع حفره في حريم ملك غيره ولا كذلك فيما مر ولو اهتز الجدار بدقه وانكسر ما علق فيه ضمنه إن سقط حالة الضرب وإلا فلا قاله العراقيون وقال القاضي لا يضمن مطلقا ويظهر على الأول أن سقوطه عقب الضرب بحيث ينسب إليه عادة كسقوطه حالة الضرب بل قد يقال إن مرادهم بحالة الضرب ما يشمل ذلك.
تنبيه: ينبغي أن يستثنى من قولهم لا يمنع مما يضر المالك ما لو تولد من الرائحة مبيح تيمم كمرض فإن الذي يظهر أنه إن غلب تولده وإيذاؤه المذكور منع منه وإلا فلا.
"ويجوز" قطعا "إحياء موات الحرم" بما يفيد ملكه كما يملك عامره بالبيع وغيره بل يسن وإن قلنا بكراهة بيع عامره "دون عرفات" وإن لم يكن منه إجماعا فلا يجوز إحياؤها ولا تملك به "في الأصح" لتعلق حق النسك بها وإن اتسعت ولم تضق به وقياس ما يأتي في المحصب بل أولى أن نمرة كذلك؛ لأن الإقامة بها قبل زوال يوم عرفة من سنن الحج الأكيدة "قلت ومزدلفة" وإن قلنا المبيت بها سنة "ومنى كعرفة والله أعلم" لذلك مع الخبر الصحيح: قيل يا رسول الله ألا نبني لك بيتا بمنى يظلك فقال:
"لا منى مناخ من سبق". وبحث ابن الرفعة فيهما القطع بالمنع لضيقهما وألحق بهما المحصب؛ لأنه يسن للحاج إذا نفروا أن يبيتوا فيه واعترض بأنه ليس من مناسك الحج ويرد بأنه تابع لها "ويختلف الإحياء بحسب الغرض" المقصود منه، وقد أطلقه الشرع ولا حد له لغة فوجب الرجوع فيه للعرف كالحرز والقبض وضابطه أن يهيأ كل شيء لما يقصد منه غالبا "فإن أراد مسكنا" أو مسجدا "اشترط" لحصوله "تحويط البقعة" ولو بقصب أو جريد أو سعف اعتيد، ومن ثم قال الماوردي والروياني إن ذلك يختلف باختلاف البلاد واعتمده الأذرعي وفي نحو الأحجار خلاف في اشتراط بنائها ويتجه الرجوع فيه لعادة ذلك المحل، وحمل اشتراطه في كلام الشيخين في الزريبة على محل اعتيد فيه دون مجرد التحويط كما تدل عليه عبارتهما وهي لا يكفي في الزريبة نصب سعف وأحجار من غير بناء؛ لأن المتملك لا يقتصر عليه في العادة وإنما يفعله المجتاز انتهى فأفهم التعليل أن المدار في ذلك وغيره على العادة ومن ثم قال المتولي وأقره ابن الرفعة والأذرعي وغيرهما لو اعتاد نازلو الصحراء تنظيف الموضع عن نحو شوك وحجر وتسويته لضرب خيمة وبناء معلف ومخبز ففعلوا ذلك بقصد التملك ملكوا البقعة وإن ارتحلوا عنها أو بقصد الارتفاق فهم أولى بها إلى الرحلة "وسقف بعضها وتعليق باب" من خشب أو غيره أي نصبه؛ لأنه العادة فيهما "وفي" تعليق "الباب وجه" أنه لا يشترط وكذا فيما قبله؛ لأن فقدهما لا يمنع السكنى والأوجه في مصلى العيد أنه لا يشترط تسقيف بعضه كما هو العادة فيه "أو زريبة دواب" أو نحو ثمر أو حطب "فتحويط" بما اعتيد بحيث يمنع الطارق "لا سقف" كما هو العادة "وفي" تعليق "الباب الخلاف" السابق "في المسكن" والأصح اشتراطه "أو مزرعة" بتثليث الراء والفتح أفصح "فجمع" نحو "التراب" أو الشوك "حولها" كجدار الدار "وتسوية

 

ج / 2 ص -477-      الأرض" بطم المنخفض وكسح العالي وحرثها إن توقف زرعها عليه مع سوق ماء توقف الحرث عليه "وترتيب ماء لها" بشق ساقية مثلا وإن لم يحفر طريقه إليها "إن لم يكفها المطر المعتاد" لتوقف مقصودها عليه بخلاف ما إذا كفاها نعم بطائح العراق لا بد من حبسه عنها عكس غيرها وأراضي الجبال التي لا يمكن سوق ماء إليها ولا يكفيها المطر تكفي الحراثة وجمع التراب كما اقتضاه كلامهما وجزم به غيرهما "لا الزراعة" فلا يشترط في إحيائها "في الأصح" كما لا يشترط سكنى الدار؛ لأن استيفاء المنفعة خارج عن الإحياء "أو بستانا فجمع التراب" حولها إن اعتادوا الاكتفاء به عن التحويط بغيره "و" إلا اشترط "التحويط" ولو بنحو قصب اعتيد؛ لأنه "حيث جرت العادة به" لا يتم الإحياء بدونه وما حملت عليه المتن من التنويع المذكور هو مؤدى عبارة الروضة وأصلها خلافا لبعضهم "وتهيئة ماء" له إن لم يكفه مطر كالمزرعة "ويشترط" نصب باب له و "الغرس" ولو لبعضه بحيث يسمى معه بستانا "على المذهب" إذ لا يتم اسمه بدونه بخلاف المزرعة بدون الزرع ولا يشترط أن يثمر.
تنبيه: ما لا يفعل عادة إلا للتملك كبناء دار لا يشترط فيه قصده وما يفعل له ولغيره كحفر بئر يتوقف ملكه على قصد تملكه.
"ومن شرع في عمل إحياء ولم يتمه" كحفر الأساس "أو أعلم على بقعة بنصب أحجار أو غرز خشبا" أو جمع ترابا أو خط خطوطا "فمتحجر" عليه أي مانع لغيره منه بما فعله بشرط كونه بقدر كفايته وقادرا على عمارته حالا "و" حينئذ "هو أحق به" من غيره اختصاصا لا ملكا والمراد ثبوت أصل الحقية له إذ لا حق لغيره فيه لخبر أبي داود
"من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به" فظهر أنه لا يبطل حقه بنحو غرقه وتعذر الانتفاع به فيعود الانتفاع به أما ما زاد على كفايته فلا حق له فيه بخلاف ما عداه وإن كان شائعا فيبقى تحجره فيه وأما ما لا يقدر عليه حالا بل مآلا فلا حق له فيه ولما كان إطلاق الأحقية يقتضي الملك المستلزم لصحة البيع وعدم ملك الغير له استدركه بقوله "لكن الأصح أنه لا يصح بيعه" لما تقرر أنه غير مالك له وحق التملك لا يباع كحق الشفعة ومنه يؤخذ أنه لا تصح هبته وبما وطأت به لهذا الاستدراك اندفع التوقف فيه "و" الأصح "أنه لو أحياه آخر ملكه" وإن أثم؛ لأنه حقق الملك كشراء ما سامه غيره هذا إن لم يعرض وإلا ملكه المحيي قطعا ويحرم عليه نحو نقل آلات المتحجر مطلقا "ولو طالت مدة التحجر" عرفا بلا عذر ولم يحي
"قال له السلطان" أو نائبه وجوبا كما هو ظاهر "أحي أو اترك" ذلك برفع يدك عنه لتضييقه على الناس في حق مشترك بينهم ويؤخذ منه حرمة ذلك عليه وحينئذ فللآحاد أمره بذلك أيضا؛ لأنه من باب الأمر بالمعروف وهو لا يتقيد بإمام ولا نائبه وذكرهم لهما إنما هو لتوقف الإمهال على أحدهما "فإن استمهل" وأبدى عذرا "أمهل مدة قريبة" في رأي الإمام رفقا به ودفعا لضرر غيره فإن مضت ولم يفعل شيئا بطل حقه أما إذا لم يذكر عذرا أو علم منه الإعراض فله أن ينزعها منه حالا ولا يمهله. "ولو أقطعه الإمام" أظهره بوصف آخر تفننا ولو حذفه

 

ج / 2 ص -478-      لاستغني عنه ويصح أن يشير بذلك إلى أن الإمام أخص من السلطان؛ لأن من شأنه أنه يحكم على السلاطين المختلفة وأن الإقطاع إنما هو من وظيفة الإمام دون غيره بخلاف قول ما مر "مواتا" لتمليك رقبته ملكه بمجرد إقطاعه له أو ليحييه وهو يقدر عليه "صار أحق بإحيائه" بمجرد الإقطاع أي مستحقا له دون غيره وصار "كالمتحجر" في أحكامه السابقة وذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير رضي الله عنه أرضا من أموال بني النضير. رواه الشيخان وبحث الزركشي أن ما أقطعه صلى الله عليه وسلم لا يملكه الغير بإحيائه كما لا ينقض حماه ولا ينافي ما تقرر أن المقطع لا يملك قول الماوردي إنه يملك؛ لأنه محمول كما في شرح المهذب على ما إذا أقطعه الأرض تمليكا لرقبتها كما مر وأفهم قوله مواتا أنه ليس له إقطاع غيره ولو مندرسا لكن العمل على خلافه كذا قيل وفيه نظر؛ لأنه إن كان ملكا لمرجو لم يجز له أو لغير مرجو فهو ملك لبيت المال فيجوز له كما مر بل قد يجب عليه ونقل الأذرعي عن الفارقي وقال لا أحسب فيه خلافا جواز الإقطاع للاستغلال إذا وقع لمن هو من أهل النجدة على ما يليق بحاله ا هـ وفيه نظر بل الوجه ما علم مما مر آنفا عن المجموع وغيره أن للإمام الإقطاع لتمليك الرقبة ولتمليك المنفعة فقط بحسب ما يراه من المصلحة سواء أهل النجدة وغيرهم.
"ولا يقطع" الإمام أي لا يجوز له أن يقطع "إلا قادرا على الإحياء" حسا وشرعا دون ذمي بدارنا "وقدرا يقدر عليه" أي على إحيائه؛ لأنه اللائق بفعله المنوط بالمصلحة "وكذا التحجر" لا ينبغي أن يقع من مريده إلا فيما يقدر على إحيائه وإلا جاز لغيره إحياء الزائد كما مر وهل يحرم تحجر الزائد على ما يقدر عليه الوجه نعم؛ لأن فيه منعا لمريدي الإحياء من غير حاجة له فيه ولو قال المتحجر لغيره آثرتك به أو أقمتك مقامي صار الثاني أحق به قال الماوردي وليس ذلك هبة بل هو تولية وإيثار "والأظهر أن للإمام" ونائبه ولو والي ناحية "أن يحمي" بفتح أوله أي يمنع وبضمه أي يجعل حمى "بقعة موات" بأن يمنع من عدا من يريد الحمى له من رعيها "لرعي" خيل جهاد "ونعم جزية" وفيء "وصدقة و" نعم "ضالة و" نعم إنسان "ضعيف عن النجعة" بضم النون وهو الإبعاد في الذهاب لطلب الرعي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم حمى النقيع بالنون، وقيل بالباء لخيل المسلمين وهو بقرب وادي العقيق على عشرين ميلا من المدينة، وقيل على عشرين فرسخا ومعنى خبر البخاري
"لا حمى إلا لله ولرسوله" لا حمى إلا مثل حماه صلى الله عليه وسلم بأن يكون لما ذكر ومع كثرة المرعى بحيث يكفي المسلمين ما بقي وإن احتاجوا للتباعد للرعي وذكر النعم فيما عدا الصدقة للغالب والمراد مطلق الماشية ويحرم ولو على الإمام بلا خلاف أخذ عوض ممن يرعى في حمى أو موات "و" الأظهر "أن له نقض حماه" وحمى غيره إذا كان النقض "للحاجة" بأن ظهرت المصلحة فيه بعد ظهورها في الحمى رعاية للمصلحة نعم حماه صلى الله عليه وسلم نص فلا ينقض ولا يغير بحال بخلاف حمى غيره ولو الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. "ولا يحمي" الإمام ونائبه "لنفسه" قطعا لأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم وإن لم يقع منه خلافا لمن وهم فيه وليس للإمام أن يدخل مواشيه ما

 

ج / 2 ص -479-      حماه للمسلمين؛ لأنه قوي لا ضعيف ولو رعى الحمى غير أهله فلا غرم عليه قال أبو حامد ولا تعزير وليس للإمام أن يحمي الماء العد بكسر أوله أي الذي له مادة لا تنقطع كماء عين أو بئر لنحو نعم الجزية.

فصل في بيان حكم منفعة الشارع وغيرها من المنافع المشتركة
"منفعة الشارع" الأصلية "المرور" فيه لأنه وضع له "ويجوز الجلوس" والوقوف "به" ولو لذمي "لاستراحة ومعاملة ونحوهما" كانتظار "إذا لم يضيق على المارة" لخبر "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" وصح النهي عن الجلوس فيه لنحو حديث "إلا أن يعطيه حقه من غض بصر وكف أذى وأمر بمعروف" "ولا يشترط" في جواز الانتفاع به ولو لذمي "إذن الإمام" لإطباق الناس عليه بدون إذنه من غير نكير وسيأتي في المسجد أنه إذا اعتيد إذنه تعين فيحتمل أن هذا كذلك ويحتمل الفرق بأن من شأن الإمام النظر في أحوال العلماء ونحوهم دون الجالسين في الطرق ولا يجوز لأحد أخذ عوض ممن يجلس به مطلقا ومن ثم قال ابن الرفعة فيما يفعله وكلاء بيت المال من بيع بعضه زاعمين أنه فاضل عن حاجة الناس لا أدري بأي وجه يلقى الله تعالى فاعل ذلك وشنع الأذرعي أيضا على بيعهم حافات الأنهار وعلى من يشهد أو يحكم بأنها لبيت المال قال أعني الأذرعي وكالشارع فيما ذكر الرحاب الواسعة بين الدور فإنها من المرافق العامة كما في البحر وقد أجمعوا على منع إقطاع المرافق العامة كما في الشامل ويتعين حمله على إقطاع التمليك؛ لأن الأصح عندنا جواز إقطاع الارتفاق بالشارع أي بما لا يضر منه بوجه فيصير كالمتحجر وكالشارع حريم مسجد لم يضر الارتفاق به أهله بخلاف رحبته؛ لأنها منه وحكى الأذرعي قولين في حل الجلوس في أفنية المنازل وحريمها بغير إذن ملاكها ثم قال وهذا إنما يأتي إن علم الحريم، أما في وقتنا هذا في الأمصار ونحوها التي لا يدرى كيف صار الشارع فيها شارعا فيجب الجزم بجواز القعود في أفنيتها وأنه لا اعتراض لأربابها إذا لم يضر بهم. وعليه الإجماع الفعلي. ا هـ. واعتمدوه بل قال شيخنا: إنه في الحقيقة كلام أئمتنا ولا إشكال في أن خرق الإجماع ولو فعليا محرم على مفتي زماننا وحاكمه لانتفاء الاجتهاد عنهما، فإن فرض وجود مجتهد فظاهر كلامهم أنه يحرم أي الخرق في الإجماع الفعلي كالقولي وهو الوجه. ا هـ. وإنما يتجه ذلك في إجماع فعلي علم صدوره من مجتهدي عصر فلا عبرة بإجماع غيرهم، وإنما ذكرت هذا؛ لأن الأذرعي وغيره كثيرا ما يعترضون الشيخين والأصحاب بأن الإجماع الفعلي على خلاف ما ذكروه فإذا علمت ضابطه الذي ذكرته لم يرد عليهم الاعتراض بذلك؛ لأنه لا يعلم أن ذلك إجماع مجتهدي عصر أو لا، نعم ما ثبت فيه أن العامة تفعله وجرت أعصار المجتهدين عليه مع علمهم به وعدم إنكارهم له يعطي حكم فعلهم كما هو ظاهر فتأمله. "وله تظليل مقعده" فيه "ببارية" بتشديد الياء منسوج بقصب كالحصير "وغيرها" مما لا ضرر فيه أي عرفا كما هو ظاهر على المارة كثوب لاعتياده دون نحو بناء ويتجه جواز وضع سرير لم يضيق به، "ولو

 

ج / 2 ص -480-      سبق إليه" أي موضع من الشارع "اثنان" وتنازعا ولم يسعهما معا كما هو ظاهر "أقرع" بينهما وجوبا إذ لا مرجح ومن ثم لو كان أحدهما مسلما قدم؛ لأن انتفاع الذمي بدارنا إنما هو بطريق التبع لنا، وإن ترتبا قدم السابق "وقيل: يقدم الإمام" أحدهما "برأيه" أي اجتهاده كمال بيت المال "ولو جلس" في الشارع لنحو استراحة بطل حقه بمجرد مفارقته وإن نوى العود أو "لمعاملة" أو صناعة بمحل وإن ألفه "ثم فارقه تاركا الحرفة أو منتقلا إلى غيره بطل حقه" منه ولو مقطعا كما بحثه الأذرعي لإعراضه عنه.
تنبيه: ما أفهمه من جواز الإعراض للمقطع مطلقا فيه نظر والوجه أن هذا خاص بإقطاع المنفعة فقط، أما مقطع الرقبة فهو بالقبول أي عدم الرد فيما يظهر أخذا مما يأتي في النذر ملكه فلا يزول ملكه بالإعراض عنه.
"وإن فارقه" أي محل جلوسه الذي ألفه ولو بلا عذر "ليعود" إليه وألحق به ما لو فارقه بلا قصد عود ولا عدمه "لم يبطل" حقه لخبر مسلم
"إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به" ويجري هذا في السوق الذي يقام في كل شهر مرة مثلا ولغيره الجلوس في مقعده مدة غيبته ولو لمعاملة "إلا أن تطول مفارقته" ولو لعذر وإن ترك فيه متاعه "بحيث ينقطع معاملوه عنه ويألفون غيره" هو لازم لما قبله فيبطل حقه حينئذ ولو مقطعا كما في أصل الروضة وإن أطالوا في رده لانتفاء غرض تعين الموضع من كونه يعرف فيعامل "ومن ألف من المسجد موضعا يفتي فيه ويقرئ" فيه قرآنا وعلما شرعيا أو آلة له والواو بمعنى أو "كالجالس في شارع لمعاملة" ففيه ما مر في التفصيل؛ لأن له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس "وقيل يبطل حقه" بقيامه وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى وأفهم المتن أنه لا يشترط إذن الإمام، ومحله إن لم يعتد وإلا اشترط، وجلوس الطالب بمحل بين يدي المدرس كذلك إن أفاد أو استفاد فيختص به وإلا فلا "ولو جلس فيه" جلوسا جائزا لا كخلف المقام المانع للطائفين من فضيلة سنة الطواف ثم فإنه حرام على الأوجه وبه جزم غير واحد وألحقوا به بسط السجادة وإن لم يجلس قالوا ويعزر فاعل ذلك مع العلم بمنعه. ونوزع في تحريم الجلوس بما لا يجدي ومنه الترديد في المراد بخلف المقام ويرد بأن المراد به ما يصدق عليه ذلك عرفا كما هو ظاهر وأنه موضع من المسجد فكيف يعطل عما وضع المسجد له وإن صلاة سنة الطواف لا تختص به ؟ ويرد بأنه امتاز عن بقية أجزاء المسجد بكون الشارع عينه من حيث الأفضلية لهذه الصلاة ووقوف إمام الجماعة فيه فلم يجز لأحد تفويته بجلوس بل ولا صلاة لم يعينه الشارع لهما من حيث الأفضلية وأنه يلزم عليه تعطيل محل من المسجد عن العبادة فيه لاحتمال فعل عبادة أخرى ويرد بأن محل التحريم كما تقرر في الجلوس فيه في وقت يحتاج الطائفون لصلاة سنة الطواف فيه، والكلام في جلوس لغير دعاء عقب سنة الطواف؛ لأنه من توابعها "لصلاة" ولو قبل دخول وقتها وظاهر أن مثلها كل عبادة قاصر نفعها عليه كقراءة أو ذكر صار أحق به فيها ولو صبيا في الصف الأول و "لم يصر أحق به في" صلاة "غيرها"؛ لأن لزوم بقعة معينة للصلاة غير مطلوب بل ورد النهي عنه وحينئذ فلا نظر

 

ج / 2 ص -481-      لأفضلية الصف الأول؛ لأن ذلك لم ينحصر في بقعة بعينها ولا لأفضلية القرب من الإمام أو جهة اليمين وإن انحصر في موضع بعينه لما تقرر من النهي الشامل لهذه الصورة فزال اختصاصه عنها لمفارقتها بعد الصلاة حتى لا يألفها فيقع في رياء ونحوه وبه يفرق بين هذا وما مر في مقاعد الأسواق إذ أعيان البقع فيها مقصودة يختلف بها الغرض ولا كذلك هنا وأما الجواب بأنه لو ترك له موضعه لزم إدخال نقص بقطع الصف لو لم يأت إلا بعد الإحرام فيرد بأنه يلزم قائله التفرقة بين مجيئه قبل الإقامة فيبقى حقه وبين أن يتأخر عنها فيبطل حقه وهم لم يقولوا بذلك "فلو فارقه" ولو قبل دخول الوقت على الأوجه "لحاجة" كإجابة داع وتجديد وضوء "ليعود" أو لا بقصد شيء فيما يظهر أخذا مما مر ويحتمل الفرق "لم يبطل اختصاصه في تلك الصلاة في الأصح" فيحرم على غيره العالم به الجلوس فيه بغير إذنه أو ظن رضاه كما هو ظاهر "وإن لم يترك إزاره" فيه لخبر مسلم السابق آنفا نعم إن أقيمت الصلاة واتصلت الصفوف فالوجه كما بحثه الأذرعي سد الصف مكانه أي وإن كان له سجادة فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الأرض لئلا تدخل في ضمانه كما يفهمه بالأولى قول البغوي أنه لو وضع رجليه على شيء مطروح متحاملا ضمنه لقوة استيلائه عليه حينئذ لكن خالفه المتولي. فقال لو رفعه برجله ليعرف جنسه ولم يأخذه فضاع لم يضمنه؛ لأنه لم يحصل في يده وأيد شارح هذا بأن رفع السجادة برجله غير مضمن. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن صورتها من جزئيات ما قاله المتولي إلا أن يثبت عن الأصحاب أنهم صرحوا بما ذكر فيها فيكون مضعفا لما أفهمه كلام البغوي، أما إذا فارقه لا لعذر أو به لا ليعود فيبطل حقه مطلقا وخرج بالصلاة جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه ولو لحاجة وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة.
فائدة: أفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المسجد؛ لأن الغالب إضرارهم به وكأنه في غير كاملي التمييز إذا صانهم المعلم عما لا يليق بالمسجد ويمنع جالس به اتخذه لنحو بيع أو حرفة ومستطرق لحلقة علم.
"ولو سبق رجل إلى موضع من رباط" وهو ما يبنى لنحو سكنى المحتاجين فيه واشتهر عرفا في الزاوية وأنها قد ترادف المسجد وقد ترادف المدرسة وقد ترادف الرباط فيعمل فيها بعرف محلها المطرد وإلا فبعرف أقرب محل إليه كما هو قياس نظائره "مسبل" وفيه شرط من يدخله وكذا الباقي "أو فقيه إلى مدرسة" أو متعلم قرآن إلى ما بني له "أو صوفي إلى خانقاه" وهي بالعجمية ديار الصوفية "لم يزعج ولم يبطل حقه بخروجه لشراء حاجة ونحوه" من الأعذار وإن لم يترك متاعا ولا نائبا لعموم خبر مسلم وقيده ابن الرفعة بما إذا لم يكن لذلك ناظرا واستأذنه وإلا فلا حق له عملا بالعرف في ذلك ويوافقه اعتبار المصنف كابن الصلاح إذنه في سكنى بيوت المدرسة ولم يعتبر المتولي إذنه في ذلك وينبغي حمله على ما إذا اعتيد عدم اعتباره. ومتى عين الواقف مدة لم يزد عليها إلا إذا لم يوجد في البلد من هو بصفته؛ لأن العرف يشهد بأن الواقف لم يرد شغور مدرسته وكذا كل شرط شهد العرف بتخصيصه قاله ابن عبد السلام وعند الإطلاق ينظر إلى

 

ج / 2 ص -482-      الغرض المبني له ويعمل بالمعتاد المطرد في مثله حالة الوقف؛ لأن العادة المطردة في زمن الواقف إذا علم بها تنزل منزلة شرطه فيزعج متفقه ترك التعلم وصوفي ترك التعبد ولا يزاد في رباط مارة على ثلاثة أيام إلا إن عرض نحو خوف أو ثلج فيقيم لانقضائه ولغير أهل المدرسة ما اعتيد فيها من نحو نوم بها وشرب وطهر من مائها ما لم ينقص الماء عن حاجة أهلها على الأوجه وأفهم ما ذكر في العادة أن بطالة الأزمنة المعهودة الآن في المدارس حيث لم يعلم فيها شرط واقف تمنع استحقاق معلومها إلا إن عهدت تلك البطالة في زمن الواقف حالة الوقف وعلم بها، أما خروجه لغير عذر فيبطل به حقه كما لو كان لعذر وطالت غيبته عرفا ولغيره الجلوس محله حتى يحضر.

فصل في بيان حكم الأعيان المشتركة
"المعدن" هو حقيقة البقعة التي أودعها الله تعالى جوهرا ظاهرا وباطنا سميت بذلك لعدون أي إقامة ما أثبته الله فيها، والمراد ما فيها "الظاهر وهو ما يخرج" جوهره "بلا علاج" في بروزه وإنما العلاج في تحصيله "كنفط" بكسر أوله ويجوز فتحه دهن معروف "وكبريت" بكسر أوله أصله عين تجري فإذا جمد ماؤها صار كبريتا وأعزه الأحمر ويقال إنه من الجوهر ولهذا يضيء في معدنه "وقار" أي زفت "ومومياء" بضم أوله وبالمد وحكي القصر: شيء يلقيه الماء في بعض السواحل فيجمد ويصير كالقار وقيل حجارة سود باليمن ويؤخذ من عظام موتى الكفار شيء يسمى بذلك وهو نجس "وبرام" بكسر أوله حجر يعمل منه قدور الطبخ "وأحجار رحا" وجص ونورة ومدر ونحو ياقوت وكحل وملح مائي وجبلي لم يحوج إلى حفر وتعب وألحق به قطعة نحو ذهب أظهرها السيل من معدن "لا يملك" بقعة ونيلا "بالإحياء" لمن علمه قبل إحيائه "ولا يثبت فيه اختصاص بتحجر ولا إقطاع" بالرفع من سلطان بل هو مشترك بين المسلمين وغيرهم كالماء والكلأ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أقطع رجلا ملح مأرب أي مدينة قرب صنعاء كانت بها بلقيس فقال رجل: يا رسول الله إنه كالماء العد أي بكسر أوله لا انقطاع لمنبعه قال:
"فلا إذن". وللإجماع على منع إقطاع مشارع الماء وهذا مثلها بجامع الحاجة العامة وأخذها بغير عمل ويمتنع أيضا إقطاع وتحجر أرض لأخذ نحو حطبها أو صيدها وبركة لأخذ سمكها وفي الأنوار ومن المشترك بين الناس الممتنع على الإمام إقطاعه الأيكة وثمارها أي وهي الأشجار النابتة في الأراضي التي لا مالك لها وصيد البر والبحر وجواهره قال غيره ومنه ما يلقيه البحر من العنبر فهو لآخذه لا حق لولي الأمر فيه خلاف ما يتوهمه جهلة الولاة. ا هـ. ويأتي في اللقطة تفصيل في العنبر وينافي ما ذكره في الأيكة وثمارها ما في التنبيه من أن من أحيا مواتا ملك ما فيه من النخل وإن كثر لكن أشار بعضهم إلى الجمع بقوله ما فيه مقر وجرى عليه الأصحاب وعللوه بأنه تابع وفارق المعدن الظاهر بأنه مشترك بين الناس كالمناهل والكلأ والحطب. والإجماع منعقد على منع إقطاع مشارع الماء فكذا المعدن الظاهر بجامع الحاجة العامة وأخذها بغير عمل. ا هـ. فالأول محمله ما

 

ج / 2 ص -483-      إذا قصد الأيكة لا محلها والثاني محمله ما إذا قصد إحياء الأرض المشتملة على ذلك فعلم أن من ملك أرضا بالإحياء ملك ما فيها حتى الكلأ وإطلاقهما أنه لا يملك ينبغي حمله على ما ليس في مملوك وعلى عدم ملكه هو أحق به، أما إذا لم يعلم به إلا بعد الإحياء فيملكه بقعة ونيلا إجماعا على ما حكاه الإمام وأما ما فيه علاج كأن كان بقرب الساحل بقعة لو حفرت وسيق الماء إليها ظهر الملح فيملك بالإحياء وللإمام إقطاعها "فإن ضاق نيله" أي الحاصل منه عن اثنين تسابقا إليه ومثله في هذا الباطن الآتي "قدم السابق" منهما إليه لسبقه وإنما يقدر "بقدر حاجته" عرفا فيأخذ ما تقتضيه عادة أمثاله ويبطل حقه بانصرافه وإن لم يأخذ شيئا "فإن طلب زيادة" على حاجته "فالأصح إزعاجه" لشدة الحاجة إلى المعادن وبه فارق ما مر في نحو مقاعد الأسواق، ومحل الخلاف إن لم يضر الغير وإلا أزعج جزما "فلو جاءا" إليه "معا" أو جهل السابق "أقرع" بينهما وإن كان أحدهما غنيا "في الأصح" إذ لا مرجح وإن وسعهما اجتمعا، وليس لأحدهما أن يأخذ أكثر من الآخر إلا برضاه كذا في الجواهر وحمل على أخذ الأكثر من البقعة لا النيل فله أخذ الأكثر منه "والمعدن الباطن وهو ما لا يخرج إلا بعلاج كذهب وفضة وحديد ونحاس" وفيروزج وياقوت كما قالاه "وسائر الجواهر المبثوثة في الأرض لا يملك" محله "بالحفر والعمل" مطلقا ولا بالإحياء في موات على ما يأتي "في الأظهر" كالظاهر وفارق الموات بأن إحياءها متوقف على العمار وهي مناسبة لها وإحياؤه متوقف على تخريبه بالحفر وهو غير مناسب له ومن ثم لو استدل بالإحياء لم يملك مطلقا كما عليه السلف والخلف وخرج بمحله نيله فيملك بغير إذن الإمام بالأخذ قطعا لا قبل الأخذ على المعتمد وأفهم سكوته عن الإقطاع هنا جوازه وهو الأظهر للاتباع لكن إقطاع إرفاق لا تمليك نعم لا يثبت فيه اختصاص بتحجر كالظاهر.
"ومن أحيا مواتا فظهر فيه معدن باطن ملكه" بقعة ونيلا؛ لأنه من أجزاء الأرض التي ملكها بالإحياء بخلاف الركاز ومع ملكه للبقعة لا يملك ما فيها قبل أخذه على ما قاله الجوزي وقضية كلام السبكي تضعيفه وهو الأوجه وخرج بقوله فظهر المشعر بأنه لم يعلمه حال الإحياء ما لو علمه وبنى عليه دارا مثلا فيملكه دون بقعته؛ لأن المعدن لا يتخذ دارا ولا مزرعة فالقصد فاسد ومع ملكه له لا يجوز له بيعه؛ لأن مقصوده النيل وهو مجهول وبما قررته في المعدنين وبقعتيهما من ملكه للنيل عند العلم في الباطن وللبقعة عند الجهل فيهما على المعتمد من اضطراب في ذلك يعلم أن في تقييده بالباطن هنا فائدة لما بينهما من التخالف في النيل عند العلم فلا اعتراض عليه. "والمياه المباحة" بأن لم تملك "من الأودية" كالنيل "والعيون في الجبال" ونحوها من الموات وسيول الأمطار "يستوي الناس فيها" لخبر أبي داود:
"الناس شركاء في ثلاثة الماء والكلأ والنار" وصح: "ثلاثة لا يمنعن: الماء والكلأ والنار" فلا يجوز لأحد تحجرها ولا للإمام إقطاعها إجماعا وعند الازدحام وقد ضاق الماء أو مشرعه يقدم السابق وإلا أقرع وعطشان على غيره وطالب شرب على طالب سقي وليس من المباح ما جهل أصله وهو تحت يد واحد أو جماعة؛

 

ج / 2 ص -484-      لأن اليد دليل الملك قال الأذرعي: ومحله إن كان منبعه من مملوك لهم بخلاف ما منبعه بموات أو يخرج من نهر عام كدجلة فإنه باق على إباحته ويعمل فيما جهل قدره ووقته وكيفيته في المشارب والمساقي وغيرها بالعادة المطردة؛ لأنها محكمة في هذا وأمثاله وأفتى بعضهم فيمن لأرضه شرب من ماء مباح فعطله آخر بأن أحدث ما ينحدر به الماء عنه بأنه يأثم وعليه أجرة منفعة الأرض مدة تعطيلها لو سقيت بذلك الماء. قال وجرى على ذلك جمع متأخرون في نظيره. ا هـ. وليس بصحيح بالنسبة للأجرة لقولهم لو منعه عن سوق ماء إلى أرضه فتلف لا ضمان عليه. ا هـ. وما هنا مثله بجامع أنه لم يستول فيهما على الأرض بوجه وإنما ضمن فرخ حمامة ذبحها فهلك لأنه كالجزء منها. وفي ثلاثة لهم ثلاث مساقي من ماء مباح أعلى وأوسط وأسفل فأراد ذو الأعلى أن يسقي من الأوسط برضا صاحبه بأن لذي الأسفل منعه لئلا يتقادم ذلك فيستدل به على أن له شربا من الأوسط. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن الشريكين ثم ورثتهما يمنعان تلك الدعوى نظير ما مر في السكة غير النافذة على أن التقادم هنا لا يدل على ذلك لما يأتي عن الروضة أنه إنما يدل إذا لم يكن لها شرب من محل آخر وفيمن له أرضان عليا فوسطى فسفلى لآخر تشرب من ماء مباح كذلك فأراد أن يجعل للثانية شربا مستقلا ليشربا معا ثم يرسل لمن هو أسفل منه وأراد هذا منعه بأنه ليس له منعه إذ لا ضرر عليه وليس فيه تأخير لسقي أرضه بل ربما يكون وصول الماء إليه إذا شربا معا أسرع منه إذا شربا مرتبا، "فإن أراد قوم سقي أرضيهم" بفتح الراء بلا ألف من ماء مباح "فضاق سقى الأعلى" مرة أو أكثر؛ لأن الماء ما لم يجاوز أرضه فهو أحق به ما دامت له به حاجة "فالأعلى" أي الأقرب للنهر فالأقرب وإن هلك زرع الأسفل قبل انتهاء النوبة إليه، أما إذا اتسع فيسقي كل متى شاء. هذا كله إن أحيوا معا أو جهل الحال.: أما لو كان الأسفل أسبق إحياء فهو المقدم بل له منع من أراد إحياء أقرب منه إلى النهر كما صرح به جمع واقتضاه كلام الروضة لئلا يستدل بقربه بعد على أنه مقدم عليه ولا ينافيه ما مر آنفا؛ لأن ما هنا يتعذر رفعه فيقوى الاستدلال به بخلاف رضا المالك فإن الغالب الرجوع عنه من المالك أو من وارثه فلم يوجد ما يستدل به من أصله، وأيضا فالأرض هنا لا شرب لها من محل آخر بخلافها فيما مر كما سبق ثم من وليه في الإحياء وهكذا. ولا عبرة حينئذ بالقرب من النهر ولو استوت أرضون في القرب للنهر وجهل المحيي أولا أقرع للتقدم ولهم منع من أراد إحياء موات وسقيه منه إن ضيق عليهم كما يأتي "وحبس كل واحد الماء حتى يبلغ الكعبين" لما صح من قضائه صلى الله عليه وسلم بذلك وبحث الأذرعي أن المراد جانب الكعب الأسفل وخالفه غيره احتجاجا بآية الوضوء ويرد بأن الدال على دخول المغيا في تلك خارجي وجد ثم لا هنا التقدير بهما هو ما عليه الجمهور واعترضوا بأن الوجه أنه يرجع في قدر السقي للعدد والحاجة لاختلافهما زمنا ومكانا فاعتبرت في حق أهل كل محل بما هو المتعارف عندهم والخبر جار على عادة الحجاز وقيل النخل إن أفردت كل بحوض فالعادة ملؤه وإلا اتبعت عادة تلك الأرض انتهى ولا حاجة لهذا التفصيل؛ لأن كلا من قسميه لم يخرج عن العادة في مثله فشمله كلامهم "فإن

 

ج / 2 ص -485-      كان في الأرض" الواحدة "ارتفاع" من طرف "وانخفاض" من طرف "أفرد كل طرف بسقي" لئلا يزيد الماء في المنخفضة على الكعبين لو سقيا معا فيسقي أحدهما حتى يبلغهما ثم يسد عنها ويرسله إلى الآخر.
"وما أخذ من هذا الماء" المباح "في إناء ملك على الصحيح" بل حكى ابن المنذر فيه الإجماع ولا يصير شريكا بإعادته إليه اتفاقا وكأخذه في إناء سوقه لنحو بركة وحوض له مسدود وكذا دخوله في كيزان دولابه كما أفتى به ابن الصلاح وخرج بذلك دخوله في ملكه بنحو سيل وإن حفر نهرا حتى دخل فإنه لا يملكه بدخوله لكنه يكون أحق به بل جريا في موضع على أنه يملكه وينبغي حمله على ما إذا أحرز محله بالفعل عليه ونحوه "وحافر بئر بموات للارتفاق" لنفسه لشربه وشرب دوابه منه لا للتملك "أولى بمائها" الذي يحتاجه ولو لزرعه "حتى يرتحل" لسبقه إليه فإن ارتحل بطلت أحقيته وإن عاد قال الأذرعي: ما لم يرتحل لحاجة بنية العود ولم تطل غيبته، وأما إذا حفرها لارتفاق المارة أو لا بقصد نفسه ولا المارة فهو كأحدهم فيشترك الناس فيها وإن لم يتلفظ بوقفها وليس له سدها، وإن حفرها لنفسه لتعلق حق الناس بها "والمحفورة" في الموات "للتملك أو" المحفورة بل النابعة بلا حفر "في ملك يملك" حافرها ومالك محلها "ماءها في الأصح"؛ لأنه نماء ملكه وإنما جاز لمكتري دار الانتفاع بماء بئرها؛ لأن عقد الإجارة قد يملك به عين تبعا كاللبن وقضية المعلل منع البيع والتعليل جوازه إلا أن يقال هو ملك ضعيف ملحظه التبعية فقصر على انتفاعه هو بعينه للحاجة فلا يتعدى ذلك لبيعه وهذا هو الوجه ومن ثم أفتيت في مستأجر حمام أراد بيع ماء من بئرها بمنعه لما ذكر؛ ولأن البيع قد يؤدي لتعطيلها فيضر ذلك بمؤجرها "وسواء ملكه أم لا لا يلزمه بذل ما فضل عن حاجته" ولو لزرعه "لزرع" وشجر لغيره، أما على الملك فكسائر المملوكات وأما على مقابله؛ فلأنه أولى به لسبقه. "ويجب" بذل الفاضل عن حاجته الناجزة كما قيد به الماوردي قال الأذرعي: محله إن كان ما يستخلف منه يكفيه لما يطرأ بلا عوض قبل أخذه في نحو إناء "لماشية" إذا كان بقربه كلأ مباح ولم يجد صاحبها ماء آخر مباحا "على الصحيح" بأن يمكنه من سقيها منه حيث لم يضر زرعه ولا ماشيته وإلا فمن أخذه أو سوقه إليها حيث لا ضرر على الأوجه للأحاديث في ذلك ولحرمة الروح هذا إن لم يوجد اضطرار وإلا وجب بذله لذي روح محترمة كآدمي وإن احتاجه لماشيته وماشية وإن احتاجه لزرع. وجوز ابن عبد السلام الشرب وسقي الدواب من نحو جدول مملوك لم يضر بمالكه إقامة للإذن العرفي مقام اللفظي ثم توقف فيما إذا كان لنحو يتيم أو وقف عام ثم قال ولا أرى جواز ورود ألف إبل جدولا ماؤه يسير انتهى، وهذا معلوم من قوله أولا لم يضر بمالكه "والقناة المشتركة" بين جماعة لا يقدم فيها أعلى على أسفل ولا عكسه بل "يقسم ماؤها" المملوك الجاري من نهر أو بئر قهرا عليهم إن تنازعوا وضاق لكن على وجه لا يتقدم شريك على شريك وإنما يحصل ذلك "بنصب خشبة" مثلا مستو أعلاها وأسفلها بمحل مستو وألحق بالخشبة ونحوها بناء جدار به ثقب محكمة بالجص "في عرض النهر" أي فم المجرى "فيها ثقب متساوية أو متفاوتة على قدر الحصص" من القناة؛

 

ج / 2 ص -486-      لأنه طريق إلى استيفاء كل حقه وعند تساوي الثقب وتفاوت الحقوق أو عكسه يأخذ كل بقدر حصته فإن جهل قدر الحصص قسم على قدر الأراضي؛ لأن الظاهر أن الشركة بحسب الملك وقيل يقسم بينهم سواء، وأطال البلقيني في ترجيحه هذا إن اتفقوا على ملك كل منهم والأرجح بالقرينة والعادة المطردة في ذلك كما مر فإن قلت ينافي ما رجحه المصنف ما ذكره كالرافعي في مكاتبين خسيس ونفيس كوتبا على نجوم متفاوتة بحسب قيمتهما فأحضرا مالا وادعى الخسيس أنه بينهما والنفيس أنه متفاوت على قدر النجوم صدق الخسيس عملا باليد قلت لا ينافيه لإمكان الفرق إذ المدار هنا على اليد وهي متساوية وفي مسألتنا على الأرض المسقية وهي متفاوتة فعمل في كل من المحلين بما يناسبه فتأمله. وفي الروضة وأصلها كل أرض أمكن سقيها من هذا النهر إذا رأينا لها ساقية منه ولم نجد لها شربا من موضع آخر حكمنا عند التنازع بأن لها شربا منه انتهى، وأفهم كلامهما أن ما عد لإجراء الماء فيه عند وجوده إلى أرض مملوكة دال على أن اليد فيه لصاحب الأرض التي يمكن سقيها منها سواء اتسع المجرى وقلت الأرض أو عكسه وسواء المرتفع والمنخفض وليس لأحدهم أن يسقي بمائه أرضا له أخرى لا شرب لها منه سواء أحياها أم لا؛ لأنه يجعل لها رسم شرب لم يكن كما في الروضة وفيها أيضا لو أراد إحياء موات وسقيه من هذا النهر أي المباح فإن ضيق على السابقين منع؛ لأنهم استحقوا أراضيهم بمرافقها والماء من أعظم مرافقها وإلا فلا منع انتهى وإذا منع من الإحياء فمن السقي بالأولى، ولو زاد نصيب أحدهم من الماء على ري أرضه لم يلزمه بذله لشركائه بل له التصرف فيه كيف شاء قال بعضهم: بل تحرم إعادته للوادي؛ لأنه إضاعة مال انتهى. وفي كون ذلك إضاعة نظر ظاهر وأفتى بعضهم في أرض لواحد علوها ولآخر سفلها فأخرب السيل أحدهما فأعاده مالكه على وجه تنقص به الأخرى عن شربها المعتاد بأنه يجبر على إعادته كما كان. فإن تعذر ذلك وقف الأمر حتى يصطلحا "ولهم" أي الشركاء "القسمة مهايأة" مياومة مثلا كأن يسقي كل منهم يوما كسائر الأملاك المشتركة ولا نظر لزيادة الماء ونقصه مع التراضي على أن لهم الرجوع عن ذلك قال الزركشي: وتتعين المهايأة إذا تعذر ما مر لبعد أرض بعضهم من المقسم ونحو الخشبة إذا كانت القناة تارة يكثر ماؤها وتارة يقل فتمتنع المهايأة حينئذ كما منعوها في لبون ليحلب هذا يوما وهذا يوما لما فيه من التفاوت الظاهر انتهى. وليس لأحد الشركاء أن يحفر ساقية قبل المقسم؛ لأن حافة النهر مشتركة بينهم ولكل حرث أرضه وخفضها ورفعها وحينئذ يفرد كل أرضه بساقية يجري الماء فيها إليها ومؤنة ما يخص كلا عليه بخلاف عمارة النهر الأصلية فإنها على جميعهم بقدر الحصص فإن عمرها بعضهم فزاد الماء لم يختص به؛ لأنه متبرع وإن كان إنما عمرها بعد امتناع الآخرين ولصاحب السفل أن يحرث ويحفر في أرضه ما يدفع به ضررها من غير أن يضر العليا وليس للأعلى ذلك كما أفتى به جمع أي؛ لأنه به يأخذ أكثر من حقه هذا إن كانا يشربان معا وإلا بأن كان شرب السفلى من ماء العليا فلا منع أي حيث لا ضرر، ومن ثم امتنع عليه أن يحدث في أرضه شجرا أو نحوه

 

ج / 2 ص -487-      إن أضر بالسفلى لحبسه الماء وأخذه منه فوق ما كان يعتاد قبل إحداث ما ذكر وأفتى الغزالي بأن لصاحب السفلى إجراء الماء المستحق لإجرائه في العليا وإن أضر بنخلها أو زرعها ولا غرم عليه لتقصير صاحبها بالزرع أو الغرس في المجرى المستحق للأسفل.