تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -438-      كتاب الإجارة
بتثليث الهمزة والكسر أفصح من آجره بالمد إيجارا وبالقصر يأجره بكسر الجيم وضمها أجرا هي لغة اسم للأجرة ثم اشتهرت في العقد وشرعا تمليك منفعة بعوض بالشروط الآتية منها علم عوضها وقبولها للبذل والإباحة، فخرج بالأخير نحو منفعة البضع على أن الزوج لم يملكها وإنما ملك أن ينتفع بها وبالعلم المساقاة والجعالة كالحج بالرزق فإنه لا يشترط فيهما علم العوض وإن كان قد يكون معلوما كمساقاة على ثمرة موجودة وجعالة على معلوم فاندفع ما للشارح هنا والأصل فيها قبل الإجماع آيات منها {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}[الطلاق: 6] ومنازعة الإسنوي في الاستدلال بها مردودة إذ مفادها وقوع الإرضاع للآباء وهو يستلزم الإذن لهن فيه بعوض وإلا كان تبرعا، وهذا الإذن بالعوض هو الاستئجار الذي هو تملك المنفعة بعوض إلخ ويدل له أيضا: {وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى} [الطلاق:6]  إلى آخر الآية ولك أن تقول إن أراد المنازعة على أصل الإيجار فرده بما ذكروا واضح أو مع الإيجاب والقبول لم يصلح ذلك لرده إذ لا دلالة فيها على القبول لفظا بوجه وكون ما مر من الدليل على الصيغة في البيع يأتي هنا؛ لأنها نوع منه لا يمنع النزاع في الاستدلال بها وحدها على ذلك وأحاديث منها استئجاره صلى الله عليه وسلم هو والصديق دليلا في الهجرة وأمره صلى الله عليه وسلم بالمؤاجرة. والحاجة بل الضرورة داعية إليها وأركانها صيغة وأجرة ومنفعة وعاقد ولكونه الأصل بدأ به فقال:
"شرطهما" أي المؤجر والمستأجر الدال عليهما لفظ الإجارة "كبائع ومشتر" لأنها صنف من البيع فاشترط في عاقدها ما يشترط في عاقده مما مر كالرشد وعدم الإكراه بغير حق نعم يصح استئجار كافر لمسلم ولو إجارة عين لكنها مكروهة ومن ثم أجبر فيها على إيجاره لمسلم وإيجار سفيه نفسه لما لا يقصد من عمله كالحج؛ لأنه لا يجوز له التبرع به على ما مر فيه ويصح بيع السيد قنه نفسه لا إجارته إياها؛ لأن بيعه يؤدي لعتقه فاغتفر فيه ما لا يغتفر في الإجارة إذ لا تؤدي لذلك، ولو كان للوقف ناظران فآجر أحدهما الآخر أرضا للوقف صح إن استقل كل منهما وإلا فلا كما بحثه أبو زرعة وفرق بينه وبين وصيين اشترط اجتماعهما على التصرف في مال محجوريهما لأحدهما أن يشتري من الآخر لمحجوره عينا للآخر بوجود الغرض هنا من اجتماعهما مع عدم التهمة بوقوع التصرف للغير بخلافه ثم فإنه يقع للمباشر مع اتحاد الموجب والقابل لتوقف الإيجاب على مباشرته أو إذنه. "والصيغة" لا بد منها هنا كالبيع فيجرى فيها خلاف المعاطاة ويشترط فيها جميع ما مر في صيغة البيع إلا عدم التوقيت وهي إما صريح أو كناية فمن الصريح "آجرتك هذا أو أكريتك" هذا "أو ملكتك منافعه سنة" ليس ظرفا لآجر وما بعده؛ لأنه إنشاء وهو ينقضي بانقضاء لفظه بل لمقدر نحو انتفع به سنة ونظيره في التقدير على القول به في الآية قوله
 

 

ج / 2 ص -439-      تعالى: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة: 259] أي وألبثه مائة عام فإن قلت يصح جعله ظرفا لمنافعه المذكورة فلا يحتاج لتقدير وليس كالآية كما هو واضح قلت المنافع أمر موهوم الآن والظرفية تقتضي خلاف ذلك فكان تقدير ما ذكر أولى أو متعينا "بكذا" وتختص إجارة الذمة بنحو ألزمت ذمتك أو أسلمت إليك هذه الدراهم في خياطة هذا وفي دابة صفتها كذا أو في حملي إلى مكة "فيقول" المخاطب متصلا "قبلت أو استأجرت أو اكتريت" ومن الكناية اسكن داري شهرا بكذا أو جعلت لك منفعتها سنة بكذا ومنها الكتابة وتنعقد باستيجاب وإيجاب وبإشارة أخرس مفهمة وأفهم كلامه أنه لا بد من التأقيت وذكر الأجرة لانتفاء الجهالة حينئذ ولا يشترط عندهما وإن نوزعا فيه أن يقول من الآن ومورد إجارة العين والذمة المنافع؛ لأنها المقصودة لا العين التي هي محلها عند الجمهور وقول الشيخين الخلاف غير محقق إذ لا بد من النظر لكل منهما اتفاقا نازعوهما فيه بأن له فوائد لكن نظر في أكثرها ومن جملتها الذي لم ينظر فيه قوله "والأصح انعقادها" أي الإجارة "بقوله آجرتك" أو أكريتك "منفعتها" أي الدار سنة مثلا بكذا؛ لأن المنفعة هي المقصودة منها فيكون ذكرها تأكيدا وادعاء أن لفظها إنما وضع مضافا للعين فلا يضاف للمنفعة ممنوع وقوله "و" الأصح "منعها" أي منع انعقادها "بقوله بعتك" أو اشتريت "منفعتها" لأن لفظ البيع موضوع لتمليك العين فلا يستعمل في المنفعة كما لا ينعقد بلفظ الإجارة واختار جمع المقابل اعتبارا بالمعنى فإنها صنف منه إذ هي بيع للمنافع ومن ثم كان الأوجه على الأول أن ذلك كناية، قيل هذا كله في إجارة العين دون إجارة الذمة كألزمت ذمتك كذا ا هـ، وفيه نظر بل يجري ذلك في إجارة الذمة كآجرتك أو بعتك منفعة دابة صفتها كذا. "وهي قسمان واردة على العين كإجارة العقار" لم يقيده بما بعده ليفيد أنه لا يتصور فيه إجارة الذمة؛ لأنه لا يثبت فيها "ودابة أو شخص" أي آدمي ولكونه ضد الدابة اتضحت التثنية المغلب فيها المذكر لشرفه في قوله "معينين" فيتصور فيهما إجارة العين والذمة وبحث الجلال البلقيني إلحاق السفن بهما لا بالعقار والمراد بالعين هنا مقابل الذمة وهو محسوس يتقيد العقد به وفي صورة الخلاف السابقة آنفا مقابل المنفعة وهو محلها الذي يستوفى منه، ولو أذن أجير العين لغيره في العمل بأجرة فعمل فلا أجرة للأول مطلقا ولا للثاني إن علم الفساد وإلا فله أجرة المثل أي على الأول كما هو ظاهر "و" واردة "على الذمة كاستئجار دابة" مثلا "موصوفة" بالصفات الآتية "و" يتصور أيضا "بأن يلزم ذمته" عملا ومنه أن يلزمه حمله إلى كذا أو "خياطة أو بناء" بشرطهما الآتي أو يسلم إليه في أحدهما أو في دابة موصوفة لتحمله إلى مكة مثلا بكذا "ولو قال استأجرتك" أو اكتريتك "لتعمل كذا" أو لكذا أو لعمل كذا فلا فرق بين هذه الصيغ وزعم فرق بينهما كالوصية بالسكنى وأن تسكن ليس في محله؛ لأن الخطاب هنا معين للعين فلم يفترق الحكم بذينك ولا كذلك ثم "فإجارة عين" لأن الخطاب دال على ارتباطها بعين المخاطب كاستأجرت عينك "وقيل" إجارة "ذمة" لأن القصد حصول العمل من غير نظر لعين فاعله ويرد بمنع ذلك نظرا لما دل عليه الخطاب "و يشترط في إجارة الذمة" إن عقدت بلفظ

 

ج / 2 ص -440-      إجارة أو سلم "تسليم الأجرة في المجلس" كرأس مال السلم؛ لأنها سلم في المنافع فيمتنع فيها تأجيل الأجرة سواء أتأخر العمل فيها عن العقد أم لا والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها وإنما اشترطوا ذلك في العقد بلفظ الإجارة ولم يشترطوه في العقد على ما في الذمة بلفظ البيع مع أنه سلم في المعنى أيضا لضعف الإجارة بورودها على معدوم وتعذر استيفائها دفعة ولا كذلك بيع ما في الذمة فيهما فجبروا ضعفها باشتراط قبض الأجرة في المجلس. "وإجارة العين" الأجرة فيها كالثمن في البيع فحينئذ "لا يشترط ذلك" أي قبض الأجرة المعينة والتي في الذمة في المجلس "فيها" كثمن المبيع نعم يتعين محل العقد لتسليمها على ما مر فيه في السلم "ويجوز" في الأجرة "فيها" أي إجارة العين "التعجيل والتأجيل" للأجرة لكن "إن كانت" الأجرة "في الذمة" إذ الأعيان لا تؤجل والاستبدال عنها والحوالة بها وعليها والإبراء منها مطلقا كما يأتي "وإذا أطلقت" الأجرة عن ذكر تأجيل أو تعجيل "تعجلت" كثمن المبيع المطلق ولأن المؤجر يملكها بالعقد، لكن لا يستحق استيفاءها إلا بتسليم العين فإن تنازعا في البداءة فكما مر في البيع "وإن كانت" الأجرة "معينة" بأن ربطها بعين أو مطلقة أو في الذمة "ملكت في الحال" بنفس العقد وإن كانت مؤجلة كما يملك المستأجر المنفعة به في إجارة العين لكنه ملك مراعى كلما مضى جزء من الزمان على السلامة بان أن ملك المؤجر استقر على ما يقابل ذلك وسيذكر أنها لا تستقر إلا باستيفاء المنافع أو تفويتها وقضية ملكها حالا ولو مؤجلة صحة الإبراء منها ولو في مجلس العقد؛ لأنه لا خيار فيها فكان كالإبراء من الثمن بعد لزومه بخلافه قبله؛ لأن زمن الخيار كزمن العقد فكأنه باعه بلا ثمن.
"ويشترط" لصحة الإجارة "كون الأجرة معلومة" جنسا وقدرا وصفة إن كانت في الذمة وإلا كفت معاينتها في إجارة العين والذمة نظير ما مر في الثمن، وجواز الحج بالرزق مستثنى إن قلنا إنه إجارة توسعة في تحصيل هذه العبادة "فلا تصح" الإجارة لدار "بالعمارة" لها "و" لا لدابة بصرف أو بفعل "العلف" لها بفتح اللام المعلوف به وبإسكانه كما بخطه المصدر للجهل بهما كآجرتكها بعمارتها أو بدينار على أن تصرف في عمارتها أو علفها للجهل بالمصرف فتصير الأجرة مجهولة فإن صرف وقصد الرجوع بها رجع للإذن مع عدم قصد التبرع وإلا فلا والأوجه أن التعليل بالجهل للأغلب وأن الحكم كذلك وإن علم المصرف كبيع زرع بشرط أن يحصده البائع فالحاصل أنه حيث كان هناك شرط بطلت مطلقا وإلا كآجرتكها بعمارتها فإن عينت صحت وإلا فلا أما إذا أذن له في صرفها بعد العقد من غير شرط فيه وتبرع به المستأجر فيجوز واغتفر اتحاد القابض والمقبض فيه للحاجة على أنه في الحقيقة لا اتحاد تنزيلا للقابض من المستأجر وإن لم يكن معينا منزلة الوكيل على المؤجر وكالة ضمنية ويصدق المستأجر في أصل الإنفاق وقدره كما رجحه السبكي؛ لأنه ائتمنه ويتعين تقييده بما إذا ادعى قدرا لائقا عادة نظير ما يأتي في الوصي بل أولى وإلا احتاج لبينة على أنه اعترض بقولهم لو قال الوكيل أتيت بالتصرف المأذون فيه وأنكر الموكل صدق الموكل، ويرد بأنه ثم لا خارج يصدق الوكيل والأصل عدمه وهنا

 

ج / 2 ص -441-      الخارج وهو وجود العمارة واستغناء الدابة مدة عن إنفاق مالكها عليها يصدق المستأجر فلا جامع بين البابين ولا تكفي شهادة الصناع له أنه صرف على أيديهم كذا لأنهم وكلاؤه، ولو اكترى نحو حمام مدة يعلم عادة تعطلها فيها لنحو عمارة فإن شرط احتساب مدة التعطيل من الإجارة وجهلت فسدت وإلا ففيها وفيما بعدها "ولا" الإيجار "ليسلخ" مذبوحة "بالجلد ويطحن" برا "ببعض الدقيق أو بالنخالة" الخارج منه كثلثه للجهل بثخانة الجلد ورقته ونعومة أحد الأخيرين وخشونته ولعدم القدرة عليهما حالا ولخبر الدارقطني وغيره أنه صلى الله عليه وسلم: نهى على قفيز الطحان. أي أن يجعل أجرة الطحن بحب معلوم قفيزا مطحونا منه وصورة المسألة أن يقول لتطحن الكل بقفيز منه أو يطلق فإن قال استأجرتك بقفيز من هذا لتطحن ما عداه صح فضابط ما يبطل أن تجعل الأجرة شيئا يحصل بعمل الأجير وجعل منه السبكي ما اعتيد من جعل أجرة الجابي العشر مما يستخرجه قال فإن قيل لك نظير العشر مما تستخرجه لم تصح الإجارة أيضا وفي صحته جعالة نظر ا هـ. ويتجه صحته جعالة، لكن له أجرة مثله للجهل بقدر ما يستخرجه.
"ولو استأجرها" أي امرأة مثلا "لترضع رقيقا" له أي حصته منه الباقية له بعدما جعله منه أجرة المذكور في قوله "ببعضه" المعين كثلثه "في الحال جاز على الصحيح" للعلم بالأجرة ولا أثر لوقوع العمل المكتري له في ملك غير المكتري؛ لأنه بطريق التبع كمساقاة شريكه إذا شرط له زيادة من الثمر وانتصر للمقابل بما يرده ما تقرر من التفصيل ومن ثم قال السبكي التحقيق أن الاستئجار أي ببعضه حالا إن وقع على الكل أو أطلق ولم تدل قرينة على أن المراد حصته فقط لم يصح وعليه يحمل النص لوقوع العمل في ملك غير المكتري قصدا أو على حصة المستأجر فقط جاز، وفي الحال متعلق ببعضه احترازا عما لو استأجرها ببعضه بعد الفطام مثلا فلا يصح قطعا لما مر أن الأجرة المعينة لا تؤجل وللجهل بها إذ ذاك وخرج بنحو المرأة استئجار شاة مثلا لإرضاع طفل قال البلقيني أو سخلة فلا يصح لعدم الحاجة مع عدم قدرة المؤجر على تسليم المنفعة كالاستئجار لضرب الفحل بخلاف المرأة لإرضاع سخلة.
"و" يشترط لصحتها أيضا "كون المنفعة" معلومة كما يأتي "متقومة" أي لها قيمة ليحسن بذل المال في مقابلتها وإلا بأن كانت محرمة أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفها وكونها واقعة للمكتري وكون العقد عليها غير متضمن لاستيفاء عين قصدا كاستئجار بستان لثمره بخلاف نحو استئجارها للإرضاع وإن نفى الحضانة الكبرى؛ لأن اللبن تابع لما تناوله العقد نعم يصح استئجار قناة أو بئر للانتفاع بمائها للحاجة وكونها تستوفى مع بقاء العين وكونها مباحة مملوكة مقصودة لا كتفاحة للشم بخلاف تفاح كثير كما يجوز استئجار مسك ورياحين للشم كذا ذكره الرافعي، لكن نازع فيه السبكي وغيره؛ لأن هذين القصد منهما الشم وذاك القصد منه الأكل قل أو كثر تضمن بالبدل لا ككلب وتباح بالإباحة لا كبضع وأكثر هذه القيود تؤخذ من كلامه "فلا يصح استئجار بياع على" نحو "كلمة" ومعلم على حروف من قرآن أو غيره "لا تتعب" أي عادة فيما يظهر "وإن روجت

 

ج / 2 ص -442-      السلعة" إذ لا قيمة لها ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد كالخبر بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه فيختص بيعه من البياع بمزيد نفع فصح استئجاره عليه وحيث لم يصح فإن تعب بكثرة تردد أو كلام فله أجرة مثل وإلا فلا وبحث فيه الأذرعي بأن الغرض أنه استأجره على ما لا تعب فيه فتعبه غير معقود عليه فيكون متبرعا به ورد بأنه لا يتم عادة إلا بذلك فكان كالمعقود عليه فإن لم تكن الصورة ذلك كاستأجرتك على بيع هذا بكذا صح و كبعه وأنا أرضيك فسد وله أجرة المثل وفي الإحياء يمتنع أخذ طبيب أجرة على كلمة بدواء ينفرد به لعدم المشقة بخلاف ما هو عرف إزالة اعوجاج نحو سيف بضربة واحدة أي وإن لم يكن عليه فيها مشقة؛ لأن هذه الصناعات يتعب في تعلمها ليتكسب بها ويخفف عن نفسه التعب، وخالفه البغوي في هذه ورجح الأذرعي الأول "وكذا دراهم ودنانير للتزيين" أو الوزن بها أو الضرب على سكتها ومر في الزكاة خلاف في حل التزيين بالمعراة والمثقوبة فعلى التحريم لا يصح استئجارها للتزين بها "و" نحو "كلب للصيد" أو الحراسة به فإن ذلك لا يصح استئجاره "في الأصح" لأن منفعة التزين بهما لا تقصد غالبا ومن ثم لم يضمن غاصبهما أجرتهما ونحو الكلب لا قيمة لعينه ولا لمنفعته، ولو لم يقل للتزيين ونحوه لم يصح قطعا كما لو كان نحو الكلب غير معلم وأجرى البغوي الخلاف في استئجار طائر للاستئناس بصوته أو لونه وقطع المتولي بالجواز. "وكون المؤجر قادرا على تسليمها" أي المنفعة بتسليم محلها حسا وشرعا والمستأجر قادرا على تسلمها كذلك أخذا مما مر في البيع ليتمكن المستأجر منها ومن القادر على التسليم المقطع فإن أقطع رقبتها صحت إجارته اتفاقا أو منفعتها فكذلك كما أفتى به المصنف؛ لأنه مستحق للمنفعة وإن جاز للسلطان الاسترداد كما أن للزوجة إيجار الصداق قبل الدخول وإن كان متعرضا لزواله عنها إلى الزوج بانفساخ النكاح، لكن خالفه علماء عصره محتجين بأنه لم يملك المنفعة بل أن ينتفع فهو كالمستعير والزوجة ملكت ملكا تاما قال الزركشي والحق أن الإمام إذا أذن له في الإيجار أو جرى به عرف عام كديار مصر صح وإلا امتنع ا هـ، وبه يعلم أنه معتمد لعدم ملكه المنفعة وتوجه صحة إيجاره مع ذلك في الأخيرة بأن اطراد العرف بذلك منزل منزلة الإذن من الإمام وحينئذ فقد يجمع بما قاله بين الكلامين. "فلا يصح استئجار" أبنية منى لعجز مالكها عن تسليمها شرعا؛ لأنها مستحقة الإزالة فورا وكذا يقال في كل بناء كذلك كالأبنية التي في حريم النيل مثلا ولا من نذر عتقه أو شرط في بيعه ولا استئجار "آبق ومغصوب" لغير من هو بيده ولا يقدر هو أو المؤجر على انتزاعه عقب العقد أي قبل مضي مدة لها أجرة مثلا أخذا مما يأتي في التفريع من نحو الأمتعة وذلك كبيعهما، وألحق الجلال البلقيني بذلك ما لو تبين أن الدار مسكن الجن وأنهم يؤذون الساكن برجم أو نحوه وهو ظاهر إن تعذر دفعهم وعليه فطرو ذلك بعد الإجارة كطرو الغصب بعدها "و" لا استئجار "أعمى للحفظ" بالنظر وأخرس للتعليم إجارة عين لاستحالته بخلاف الحفظ بنحو يد وإجارة الذمة مطلقا. "و" لاستئجار "أرض للزراعة" أو مطلقا والزراعة فيها متوقعة "لا

 

ج / 2 ص -443-      ماء لها دائم ولا يكفيها المطر المعتاد" أو نحوه كنداوة أو ماء ثلج لعدم القدرة على منفعتها حينئذ واحتمال نحو سيل نادر لا يؤثر نعم إن قال مكر، ولو قبل العقد فيما يظهر إذ لا ضرر عليه؛ لأنه إن لم يف له به تخير في فسخ العقد أنا أحفر لك بئرا لتسقيها منها أو أسوق الماء إليها من موضع آخر صحت أي إن كان قبل مضي مدة من وقت الانتفاع بها لها أجرة وخرج ب للزراعة استئجارها لما شاء أو لغير الزراعة فيصح وكذا لها وشرط أن لا ماء لها على ما صرح به الجوري مخالفا لإطلاقهم البطلان وبحث السبكي أنه إن أمكن إحداث ماء لها بنحو حفر بئر، ولو بكلفة صح وإلا فلا وفيه نظر لما مر في البيع أن القدرة على التسليم أو التسليم بكلفة لها وقع لا أثر لها فليقيد قوله بكلفة بما إذا لم يكن لها وقع ولم يكن لمدة التعطيل أجرة "ويجوز" إيجارها "إن كان لها ماء دائم" من نحو عين أو نهر لسهولة الزراعة حينئذ ثم إن شرط أو اعتيد في شربها دخول أو عدمه عمل به وإلا لم يدخل؛ لأن اللفظ لم يشمله ومع دخوله لا يملك المستأجر الماء بل يسقي به على ملك المؤجر كما رجحه السبكي وبحث ابن الرفعة أن استئجار الحمام كاستئجار الأرض للزراعة "وكذا" يجوز إيجارها "إن كفاها المطر المعتاد أو ماء الثلوج المجتمعة والغالب حصولها في الأصح" لأن الظاهر حصول الماء حينئذ ويجوز استئجار أراضي نحو البصرة ومصر للزراعة بعد انحسار الماء عنها إن كان يكفيها السنة وقبل انحساره إن رجي وقتها عادة وقبل أن يعلوها إن وثق به كالمد بالبصرة وكالتي تروى من زيادة النيل الغالبة كخمسة عشر ذراعا فأقل وألحق بها السبكي ستة عشر وسبعة عشر لغلبة حصولهما، ولكن تطرق الاحتمال للأولى قليل وللثانية كثير ويظهر أن ثمانية عشر كذلك لغلبة حصولها أيضا كما هو مشاهد، ولو آجرها مقيلا ومراحا وللزراعة لم تصح إلا إن بين عين ما لكل ومن ثم قال القفال لو آجره ليزرع النصف ويغرس النصف لم يصح إلا إن بين عين كل منهما. "والامتناع" للتسليم "الشرعي كالحسي" السابق "فلا يصح استئجار لقلع" أو قطع ما يحرم قلعه أو قطعه من نحو "سن صحيحة" وعضو سليم ولو من غير آدمي للعجز عنه شرعا بخلافه لنحو قود أو علة صعب معها الألم عادة وقال الخبراء إن القلع أو القطع يزيله نظير ما يأتي في السلعة، ولو صح نحو السن، لكن انصب تحته مادة من نحو نزلة قالوا لا تزول إلا بقلعه جاز كما بحثه الأذرعي للضرورة واستشكل الأذرعي صحتها لنحو الفصد دون نحو كلمة البياع وأجاب غيره بأن هذا في معنى إصلاح عوج السيف بضربة لا تتعب وأقول بل فيه تعب بتمييز العرف وإحسان ضربه وتنفسخ الإجارة لقلع سن عليلة بسكون ألمها لتعذر القلع ولا يجبر عليه مستأجر إياه، لكن عليه للأجير أجرته إن سلم نفسه ومضى زمن إمكان القلع. "ولا" استئجار "حائض" أو نفساء مسلمة "لخدمة مسجد" أو تعليم قرآن إجارة عين وإن أمنت التلويث لاقتضاء الخدمة المكث وهي ممنوعة منه بخلاف الذمية على ما مر وبطرو نحو الحيض ينفسخ العقد كما يأتي "وكذا" حرة "منكوحة لرضاع أو غيره" مما لا يؤدي إلى خلوة محرمة فلا يجوز استئجارها إجارة عين "بغير إذن الزوج على الأصح" لاستغراق أوقاتها بحقه ومنه يؤخذ ترجيح ما بحثه

 

ج / 2 ص -444-      الأذرعي أنه لو كان غائبا أو طفلا فآجرت نفسها لعمل ينقضي قبل قدومه وتأهله للتمتع جاز واعتراض الغزي له بأن منافعها مستحقة له بعقد النكاح مردود بأنه لا يستحقها بل يستحق أن ينتفع وهو متعذر منه أما الأمة فلسيدها إيجارها الوقت الذي لا يجب تسليمها للزوج فيه بغير إذنه، وأما مع إذنه فيصح وليس للمستأجر منعه من وطء المرضعة خوف الحبل وانقطاع اللبن كما في الروضة وعن الأصحاب المنع كمنع الراهن من وطء المرهونة ويفرق بأن الراهن هو الذي حجر على نفسه بتعاطيه لعقد الرهن بخلاف الزوج وإذنه ليس كتعاطي العقد كما هو ظاهر وله استئجار زوجته لإرضاع ولده منها أو من غيرها وأفتى السبكي بمنع استئجار العكامين للحج والأوجه خلافه إذ لا مزاحمة بين الحج والعكم؛ لأنه لا يستغرق الأزمنة.
"ويجوز تأجيل المنفعة في إجارة الذمة كألزمت ذمتك الحمل" لكذا "إلى مكة أول شهر كذا" لأنها دين إذ هي سلم كما مر ومن ثم يأتي في تأجيلها ما مر ثم وكان مراد المتن بأول الشهر هنا مستهله لما مر ثم إن التأجيل به باطل لوقوعه على جميع نصف الشهر الأول.
"ولا يجوز إجارة عين لمنفعة مستقبلة" بأن صرح في العقد بذلك أو اقتضاه الحال كإجارة هذه سنة مستقبلة أو سنة أولها من غد وكذا إن قال أولها أمس وكإجارة أرض مزروعة لا يتأتى تفريغها قبل مضي مدة لها أجرة، وذلك كما لو باعه عينا على أن يسلمها له بعد ساعة بخلاف إجارة الذمة كما مر، ولو قال وقد عقد آخر النهار أولها يوم تاريخه لم يضر كما هو ظاهر؛ لأن القرينة ظاهرة في أن المراد باليوم الوقت أو في التعبير باليوم عن بعضه وكل منهما سائغ شائع، ولو قالا بقسطين متساويين في السنة فإن أراد النصف في أول أو آخر نصفها الأول والنصف في أول أو آخر نصفها الثاني صح كما هو ظاهر أيضا لاستغراقهما السنة حينئذ مع احتمال اللفظ له وإن اختلفا بطل للجهل به إذ يصدق تساويهما بثلاثة أشهر وثلاثة أشهر مثلا من السنة، وذلك مجهول ويستثنى من المنع في المستقبلة مسائل منها ما لو آجره ليلا لما يعمل نهارا وأطلق نظير ما مر في إجارة أرض للزراعة قبل الري وإجارة عين الشخص للحج عند خروج قافلة بلدة أو تهيئها للخروج، ولو قبل أشهره إذا لم يتأت الإتيان به من بلد العقد إلا بالسير في ذلك الوقت وفي أشهره قبل الميقات ليحرم منه وإجارة دار ببلد غير بلد العاقدين ودار مشغولة بأمتعة وأرض مزروعة يتأتى تفريغهما قبل مضي مدة لها أجرة ومنها قوله "فلو آجر السنة الثانية لمستأجر الأولى" أو مستحقها بنحو وصية أو عدة بالأشهر "قبل انقضائها جاز في الأصح" لاتصال المدتين واحتمال طرو عدمه بطرو مقتض لانفساخ الأولى لا يؤثر؛ لأن الأصل عدمه فإن وجد ذلك لم يقدح في الثاني كما صرح به في العزيز وللمؤجر حينئذ إيجار ما انفسخت فيه لغير مستأجر الثانية؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء وقضية المتن أن مستأجر الأولى لو آجرها من غيره صحت إجارة الثانية له لما بينهما من المعاقدة لا للمستأجر منه إذ لا معاقدة بينهما وإن وجد اتصال المدتين ومن ثم لو باعها المالك

 

ج / 2 ص -445-      لم يكن للمشتري منه إيجارها من مستأجر الأولى وبذلك كله أفتى القفال بل قال إن الوارث لا يقوم مقام المورث في ذلك نظرا لما ذكره من انتفاء المعاقدة بينهما وعكس ذلك القاضي والبغوي فقالا يجوز حتى للوارث إيجارها ممن هي في يده مدة تلي مدته دون من خرجت عنه قال السبكي وكلام الرافعي يشبه أن يكون مائلا إليه، لكن الأول أعوص ا هـ، والثاني هو المعتمد وقضية المتن أيضا أنه لو قال آجرتكها سنة فإذا انقضت فقد آجرتكها سنة أخرى لم يصح؛ لأنه لم يحصل إيجار الثانية مع كونه مستأجرا للأولى بل مع انقضائها وعجيب إيراد بعضهم لهذه على المتن ومنها قوله: "ويجوز كراء العقب" بضم العين جمع عقبة أي نوبة؛ لأن كلا يعقب صاحبه وفي حديث البيهقي "من مشى عن راحلته عقبة فكأنما أعتق رقبة" وفسروها بستة أميال ولعله وضعها لغة ولا يتقيد ما هنا بذلك "وفي الأصح" وخرج بإجارة العين التي الكلام فيها إجارة الذمة فتصح اتفاقا لما مر أن التأجيل فيها جائز "وهو أن يؤجر دابة رجلا ليركبها بعض الطريق" ويمشي بعضها أو يركبها المالك تناوبا "أو" يؤجرها "رجلين ليركب هذا أياما وذا أياما" تناوبا ومن ذلك آجرتك نصفها لمحل كذا أو كلها لتركبها نصف الطريق فيصح كبيع المشاع "ويبين البعضين" في الصورتين كنصف أو ربع ما لم تكن هناك عادة معروفة مضبوطة بالزمن أو المسافة كيوم ويوم أو فرسخ وفرسخ وإلا حمل عليها والمحسوب في الزمن زمن السير لا زمن النزول لنحو استراحة أو علف "ثم" بعد صحة الإجارة "يقتسمان" البعضين بالتراضي فإن تنازعا في البادئ أقرع، وذلك لملكهما المنفعة معا ويغتفر التأخير الواقع لضرورة القسمة نعم شرط الأولى أن يتقدم ركوب المستأجر وإلا بطلت لتعلقها بالمستقبل والقن كالدابة واغتفر فيهما ذلك دون نظيره في نحو دار وثوب لإطاقتهما دوام العمل وقضية قوله أياما جواز جعل النوبة ثلاثة أيام فأكثر كأن يتفقا على ذلك وإن خالف العادة أو ما اتفقا عليه في العقد وهو كذلك ما لم يضر بالبهيمة وعليه يحمل كلام الروضة وغيرها أو بالماشي وفي توجيه النص المنع عند طلب أحدهما للثلاث ما يوافق ذلك فإنه قال إن ذلك إضرار بالماشي والمركوب؛ لأنه إذا ركب وهو غير تعب خف على المركوب، وإذا ركب بعد كلال وتعب وقع على المركوب كالميت ا هـ ويؤخذ منه أنه لا بد من رضا مالك الدابة بذلك أخذا من قولهم لا يجوز النوم على الدابة في غير وقته؛ لأن النائم يثقل وأنه لو مات المحمول لم يجبر مالك الدابة على ما يأتي، ولو استأجراها ولم يتعرضا للتعاقب فإن احتملتهما ركباها معا وإلا تهايآ فإن تنازعا فيمن يبدأ أقرع.

فصل في بقية شروط المنفعة وما تقدر به وفي شروط الدابة المكتراة ومحمولها
"يشترط كون" المعقود معلوم العين في إجارة العين والصفة في إجارة الذمة وكون "المنفعة معلومة" بالتقدير الآتي كالبيع في الكل، لكن مشاهدة محل المنفعة لا تغني عن تقديرها وإنما أغنت مشاهدة العين في البيع عن معرفة قدره؛ لأنها تحيط به ولا كذلك

 

ج / 2 ص -446-      المنفعة لأنها أمر اعتباري يتعلق بالاستقبال فعلم أنه يشترط تحديد جهات العقار وأنه لا تصح إجارة أحد عبديه وغائب ومدة مجهولة أو عمل كذلك وفيما له منفعة واحدة كالبساط يحمل الإطلاق عليها وغيره لا بد من بيانها نعم يجوز دخول الحمام بأجرة إجماعا مع الجهل بقدر المكث وغيره، لكن الأجرة في مقابلة الآلات لا الماء فعليه ما يسكب به الماء غير مضمون على الداخل وثيابه غير مضمونة على الحمامي ما لم يستحفظه عليها ويجيبه لذلك، ولو بالإشارة برأسه كما يعلم مما يأتي في الوديعة ولا يجب بيان ما يستأجر له في الدار لقرب التفاوت بين السكنى ووضع المتاع ومن ثم حمل العقد على المعهود في مثلها من سكانها ولم تشترط معرفة عدد من يسكن اكتفاء بما اعتيد في مثلها "ثم" إذا وجدت الشروط في المنفعة "تارة تقدر" المنفعة "بزمان" فقط وضابطه كل ما لا ينضبط بالعمل وحينئذ يشترط علمه كرضاع هذا شهرا وتطيين أو تجصيص أو اكتحال أو مداواة هذا يوما و "كدار" وأرض وآنية وثوب ويقول في دار تؤجر للسكنى لتسكنها فلا يصح على أن تسكنها؛ لأنه صريح في الاشتراط بخلاف ما قبله إذ ينتظم معه إن شئت قال بعض الأصحاب ولا لتسكنها وحدك "سنة" بمائة وأولها من فراغ العقد إذ يجب اتصالها بالعقد فإن لم تعلم كآجرتكها كل شهر بدينار لم يصح، ولو من إمام استأجر للأذان من ماله بخلافه من بيت المال فإن قال هذا الشهر وكل شهر بدينار صح في الأول فقط قال الماوردي مرة وتبعه الروياني وأقل مدة تؤجر للسكنى يوم فأكثر ومرة أقلها ثلاثة أيام وفي كل منهما نظر بل الأوجه ما قاله الأذرعي من جواز بعض يوم معلوم فقد يتعلق به غرض مسافر ونحوه، والضابط كون المنفعة في تلك المدة متقومة عند أهل العرف أي لذلك المحل، لكن هل يعتبر كونهم يعتادون إيجار مثله بالفعل أو بالقوة كل محتمل ليحسن بذلك المال في مقابلتها "وتارة" تقدر "بعمل" أي بمحله كما بأصله أو بزمن "كدابة" معينة أو موصوفة للركوب أو لحمل شيء عليها "إلى مكة" أو ليركبها شهرا بشرط بيان الناحية التي يركب إليها ومحل تسليمها للمؤجر أو نائبه ولا ينافي هذين جواز الإبدال والتسليم للقاضي أو نائبه؛ لأن ذلك لا يعرف إلا بعد بيان الناحية ومحل التسليم حتى يبدلان بمثلهما "وكخياطة ذا الثوب" أو ثوب صفته كذا كاستأجرتك لخياطته أو ألزمت ذمتك خياطته لتميز هذه المنافع في نفسها من غير تقدير مدة و كاستأجرتك للخياطة شهرا ويشترط في هذه بيان ما يخيطه وفي الكل كما سيعلم من كلامه بيان كونه قميصا أو غيره وطوله وعرضه ونوع الخياطة أي رومية أو غيرها هذا إن اختلفت العادة وإلا حمل المطلق عليها وبما تقرر يعلم أنه لا يتأتى التقدير بالزمن في إجارة الذمة فلو قال ألزمت ذمتك عمل الخياطة شهرا لم يصح؛ لأنه لم يعين عاملا ولا محلا للعمل وقيده ابن الرفعة بحثا وسبقه إليه القفال بما إذا لم يبين صفة العمل ولا محله وإلا بأن بين صفته أو محله صح قال القفال؛ لأنه لا فرق بين الإشارة إلى الثوب أو وصفه وتارة تقدر بعمل فقط كبيع كذا وقبضه وكالحج "فلو جمعهما" أي العمل والزمان "فاستأجره ليخيطه" أي هذا الثوب يوما معينا أو ليحرث هذه الأرض أو يبني هذا الحائط "بياض

 

ج / 2 ص -447-      النهار" المعين "لم يصح في الأصح" للغرر إذ قد يتقدم العمل، وقد يتأخر نعم إن قصد التقدير بالعمل فقط وإن ذكر الزمن إنما هو للحمل على التعجيل صح على الأوجه قال السبكي وغيره أخذا من نص البويطي ويصح أيضا فيما لو صغر الثوب بحيث يفرغ منه عادة في دون النهار ا هـ، ولا يخلو عن نظر؛ لأنه قد يعرض له عائق عن إكماله في ذلك النهار إلا أن يجاب بأنه خلاف الأصل بل والغالب فلم يلتفت إليه ويظهر أنه إذا عرض ذلك تخير المستأجر.
فرع: يستثنى من زمن الإجارة فعل المكتوبة ولو جمعة لم يخش من الذهاب إليها على عمله وطهارتها وراتبتها وزمن الأكل وقضاء الحاجة وظاهر أن المراد أقل زمن يحتاج إليه فيهما وهل زمن شراء ما يحتاجه لأكله كذلك فيه نظر، ويتجه أنه إن أمكن إعداده قبل العمل أو إنابة من يشتريه له تبرعا لم يغتفر له زمنه ولا نظر للمنة في الثانية لقولهم إن الإنسان يستنكف من الاستعانة بمال الغير لا ببدنه وإلا اغتفر له بأقل ما يمكن أيضا وهل يجري ذلك في شراء قوت ممونه المحتاج إليه فيه نظر ظاهر دون نحو الذهاب للمسجد إلا إن قرب جدا وإمامه لا يطيل على احتمال ويلزمه تخفيفها مع إتمامها أي بأن يقتصر على أقل الكمال ولا يستوفي الكمال كما علم مما مر في رضا المحصورين بالتطويل نعم تبطل إجارة أيام معينة باستثناء زمن ذلك على ما في قواعد الزركشي من تفرده استثناء من قاعدة أن الحاصل ضمنا لا يضر التعرض له ووجه بأن فيه الجهل بمقدار الوقت المستثنى مع إخراجه عن مسمى اللفظ وإن وافق الاستثناء الشرعي ا هـ، وفيه نظر ظاهر كما ترى بل الأوجه خلافه ثم رأيت من وجهه بما ذكر ثم قال لو قيل يصح وتحمل الأوقات على العادة الغالبة لم يبعد.
"ويقدر تعليم" نحو "القرآن بمدة" كشهر ونظير ما مر في نحو الخياطة ولا نظر لاختلاف صعوبته وسهولته؛ لأنه ليس عليه قدر معين حتى يتعب نفسه في تحصيله هذا إن لم يريدا القرآن جميعه بل ما يسمى قرآنا فإن أراد جميعه كان من الجمع بين التقدير بالعمل والزمن وكذا إن أطلقا لقول الشافعي إن القرآن بأل لا يطلق إلا على الكل وفي دخول الجمع في المدة تردد كما لو استأجر ظهرا ليركبه في الطريق واعتيد نزول بعضهما هل يلزم المكتري ذلك والذي رجحه البلقيني عدم الدخول كالأحد للنصارى أخذا من إفتاء الغزالي أن السبت لا يدخل في استئجار يهودي شهرا لاطراد العرف به، قيل وفيه نظر وكان وجهه أن عرف اليهود محرم للاشتغال يوم السبت ومثلهم النصارى في الأحد بخلاف عرفنا في الجمع "أو تعيين سور" كاملة أو آيات كعشر من أول سورة كذا للتفاوت وشرط القاضي أن يكون في التعليم كلفة كأن لا يتعلم الفاتحة مثلا إلا في نصف يوم فإن تعلمها في مرتين لم يصح الاستئجار وبه جزم الرافعي بالنسبة للصداق والذي يتجه أن المدار على الكلفة عرفا كإقرائها، ولو مرة خلاف ما يوهمه قوله نصف يوم وجزم الماوردي بأنه لا يصح الاستئجار لدون ثلاثة آيات لأن تعين القرآن يقتضي الإعجاز ودونها لا إعجاز فيه وفيه نظر ظاهر بل الذي يتجه خلافه؛ لأن المدار هنا على من ينتفع

 

ج / 2 ص -448-      به وما دون الثلاث ينتفع به، وأما الإعجاز فاعتباره إنما هو لرد عناد أو نحوه فلا مدخل له هنا على أن التحقيق أن ما دونها معجز كما قاله جمع ولا يشترط تعيين قراءة نافع مثلا؛ لأن الأمر في ذلك قريب فإن عين شيئا تعين فإن أقرأه غيره فالذي يتجه أن له أجرة المثل؛ لأنه أتى بأصل العمل المقصود كما أفهمه التعليل المذكور، ولو كان ينسى ما يتعلمه لوقته ففيه وجوه أصحها اعتبار العرف الغالب في إعادة التعليم أنسي قبل انقضاء المجلس أو بعده فإن لم يكن غالب فالذي يظهر وجوب البيان في العقد فإن طرأ كونه ينسى بعده احتمل أن يقال يتخير الأجير وأن يقال لا يلزمه التجديد لما حفظ سواء فيما ذكر أنسيه قبل كمال الآية أم بعدها ثم رأيت شيخنا قال فإن لم يكن عرف غالب فالأوجه اعتبار ما دون الآية فإذا علمه بعضها فنسيه قبل أن يفرغ من باقيها لزم الأجير إعادة تعليمها ا هـ، وفي البيان محل الخلاف فيما إذا علمه آية فأكثر وإلا وجبت الإعادة قطعا؛ لأن بعض الآية لا يقع به الإعجاز ا هـ. ولعل شيخنا أخذ ما ذكره من هذا وإن كان ما قاله فيما إذا لم يغلب عرف وما في البيان فيما غلب وفيه نظر؛ لأنا إن اعتبرنا الإعجاز فدون ثلاث آيات لا إعجاز فيه على الأصح أو لم نعتبره وهو الوجه كما مر آنفا أدرنا الأمر على العرف الغالب في الآية ودونها وعند عدم الغلبة هناك إبهام فاحتيج لبيانه في العقد وإلا بطل وبه يتجه ما ذكرته ويشترط تعيين المتعلم وإسلامه أو رجاء إسلامه ويفرق بينه وبين عدم جواز بيع نحو مصحف ممن يرجى إسلامه بأن ما يترتب على خلف الرجاء فيه من الامتهان أفحش مما يترتب على التعليم هنا لا رؤيته ولا اختبار حفظه نعم إن وجد فيه خارجا عن عادة أمثاله تخير كما بحثه ابن الرفعة وعلمهما بما عقد عليه وإلا وكلا من يعلمه ولا يكفي أن يفتحا المصحف ويعينا قدرا منه لاختلاف المشار إليه صعوبة وسهولة وفارق الاكتفاء بمشاهدة الكفيل في البيع كما مر بأنه توثقة للعقد لا معقود عليه ويسهل السؤال عنه فخف أمره.
فرع: يصح الاستئجار للخدمة ثم إن عينا شيئا اتبع وإلا اتبع العرف اللائق بالأجير والمستأجر وكان الهروي بينه بقوله يدخل فيها إذا أطلقت غسل ثوب وخياطته وخبز وطحن وعجن وإيقاد نار في تنور وعلف دابة وحلب حلوبة وخدمة زوجة وفرش في دار وحمل ماء ليشرب المستأجر أو يتطهر ا هـ. لكن نقل الصعلوكي عن شيوخه أنه لا يدخل علف الدابة وحلب الحلوبة ويأتي أوائل الوصية بالمنافع أنه لا تجب كتابة وبناء.
"وفي" استئجار شخص لفعل "البناء" على أرض أو نحو سقف "يبين الوضع" الذي يبني فيه الجدار "والطول" له وهو الامتداد من إحدى الراويتين إلى الأخرى "والعرض" وهو ما بين وجهي الجدار "والسمك" بفتح أوله وهو الارتفاع إن قدر بالعمل "وما يبني به" من حجر أو غيره "وكيفية البناء" أهو منضد أو مسنم أو مجوف "إن قدر بالعمل" أو بالزمن كما صرح به العمراني وغيره لاختلاف الغرض به واعتمده الأذرعي أخذا مما مر في خياطة قدرت بزمن أنه لا بد أن يعين ما يخيطه وفارق ما ذكر تقدير الحفر بالزمن فإنه لا يشترط فيه بيان شيء من ذلك بأن الغرض يختلف في الخياطة والبناء بخلاف الحفر ولو

 

ج / 2 ص -449-      استأجر محلا للبناء عليه وهو نحو سقف اشترط جميع ذلك أو أرض اشترط غير الارتفاع وما يبني به وصفة البناء؛ لأنها تحمل كل شيء وأفتى ابن الرفعة في استئجار علو دكان موقوفة للبناء عليه بجوازه إن كان عليه حالة الوقف بناء وتعذرت إعادته حالا ومآلا ولم يضر بالسفل قال وإن لم يكن عليه بناء واعتيد انتفاع المستأجر بسطحه وكان البناء عليه يمنع من ذلك وتنقص بسببه أجرته لم يجز وإن زادت أجرة البناء على ما نقص من أجرته؛ لأن ذلك تغيير للوقف مع إمكان بقائه وإن لم يوجد ذلك جاز واعترض السبكي ما قاله من الجواز بأنه خلاف المنقول لقولهم لو انقلع البناء والغراس لم يؤجر الأرض ليبني فيها غير ما كانت عليه بل ينتفع بها بزرع أو نحوه إلى أن تعاد لما كانت عليه وخلاف المدرك؛ لأن الباني قد يستولي عليه ويدعي ملك السفل ويعجز الناظر عن بينة تدفعه.
"وإذا صلحت" بفتح اللام وضمها "الأرض لبناء وزراعة وغراس" أو لاثنين من ذلك "اشترط" في صحة إجارتها "تعيين" نوع "المنفعة" المستأجر لها لاختلاف ضررها "ويكفي تعيين الزراعة" بأن يقول للزراعة أو لتزرعها "عن ذكر ما يزرع في الأصح" فيزرع ما شاء لقلة تفاوت أنواع الزرع ومن ثم لم ينزل على أقلها ضررا وأجريا ذلك في لتغرس أو لتبني فلا يشترط بيان أفرادهما فيغرس أو يبني ما شاء واعترضا بكثرة التفاوت في أنواع هذين ويرد بمنع ذلك فإيهام المتن اختصاص ذلك بالزراعة غير مراد وخرج بصلحت لذلك ما لو لم تصلح إلا لأحدهما فلا يشترط تعيينه وفيما إذا لم تصلح إلا للزراعة يلزم غاصبها في سني الجدب أجرة مثلها في مدة الاستيلاء عليها لإمكان الانتفاع بها بنحو ربط الدواب فيها، وأما إفتاء بعضهم بخلاف ذلك معللا له بأنه لا أجرة لها في ذلك الوقت وعداه غيره إلى بيوت منى من حيث الانتفاع بالآلة في غير أيام الموسم فليس في محله؛ لأنا لا نعتبر في تغريم الغاصب أن للمغصوب أجرة بالفعل بل بالإمكان حيث أمكن الانتفاع به وجبت أجرته على أنه لو قيل في آلات منى لا أجرة فيها مطلقا لم يبعد؛ لأن مالكها متعد بوضعها ثم، فلم يناسب وجوب أجرة لها؛ لأن فيه منع الناس من استيفاء منافع أرضها المباحة لهم "ولو قال" آجرتكها "لتنتفع بها بما شئت صح" ويصنع ما شاء لرضاه به، لكن شرط ابن الصباغ في أرض الزراعة عدم الإضرار فيجب إراحتها إذا اعتيدت كالدابة، وقد يفرق بأن إتعاب الدابة المضر بها حرام حتى على مالكها بخلاف الأرض، وظاهر أن الآدمي ليس مثلهما في ذلك فلا تصح إجارته لينتفع به المؤجر ما شاء "وكذا" تصح "لو قال" له "إن شئت فازرع" ها "إن شئت فاغرس" ها "في الأصح" ويتخير بينهما فيصنع ما شاء من زرع أو غرس؛ لأنه رضي بالأضر ولا يصح لتزرع وتغرس ولا ازرعها واغرسها لأنه لم يبين قدر كل منهما بل قال القفال لا يصح ازرع النصف واغرس النصف حتى يبين جانب كل "ويشترط في إجارة دابة لركوب" عينا أو ذمة "معرفة الراكب بمشاهدة أو وصف تام" له بنحو ضخامة أو نحافة ليعرف زنته تخمينا وقول الجلال البلقيني لا بد من الوزن مع الوصف ضعيف وإنما اعتبروا في نحو المحمل الوصف مع الوزن؛ لأنه إذا عين لا يتغير والراكب قد يتغير بسمن أو هزال فلم يعتبر جميعهما فيه.

 

ج / 2 ص -450-      "وقيل لا يكفي الوصف" وتتعين المشاهدة للخبر السابق: "ليس الخبر كالمعاينة" ولما يأتي أنه لا يكفي وصف الرضيع وأطالوا في ترجيحه؛ لأنه الذي عليه الأكثرون بل الأول بحث لهما فقط "وكذا الحكم فيما" معه من زاملة ونحوها كما بأصله ولا ترد عليه خلافا لمن زعمه؛ لأن كلامه الآتي في المحمل يفيده وفيما "يركب عليه من محمل وغيره" كسرج أو إكاف "إن" فحش تفاوته ولم يكن هناك عرف مطرد و "كان" ذلك "له" أي تحت يده ولو بعارية يشترط أحدهما إن ذكر في العقد، لكن المعتمد أنه لا بد هنا من الرؤية مع الامتحان باليد إن أمكن وألحقوا نحو المحمل بالزاملة لا بالمحمول الآتي الاكتفاء فيه بأحد هذين؛ لأن الفرض كما تقرر أنه لا عرف مطرد ثم مع فحش تفاوته إذ نحو الخشب يتفاوت ثقله فلا يحيط به العيان وبه يرد تنظير ابن الرفعة في ذلك أو من الوصف مع الوزن أما لو اطرد بما يركب عليه عرف أو لم يكن للراكب فلا يحتاج لمعرفته ويحمل في الأولى على العرف ويركبه المؤجر في الثانية على ما يليق بالدابة كما يأتي وإن أحضر الراكب ما يركب عليه ولا بد في نحو المحمل من وطاء فيه يجلس عليه وكذا غطاء له إن شرط في العقد ويعرف أحدهما بأحد ذينك ما لم يكن فيه عرف مطرد فيحمل الإطلاق عليه "ولو شرط" في عقد الإجارة "حمل المعاليق" جمع معلوق بضم الميم، وقيل معلاق كسفرة وقدر وصحن وإبريق وإداوة وقصعة فارغة أو فيها نحو ماء أو زاد قال الماوردي ومضربة ومخدة "مطلقا" عن الرؤية مع الامتحان باليد وعن الوصف مع الوزن "فسد العقد في الأصح" لاختلاف الناس فيها قلة وكثرة ولا يشترط تقدير ما يأكله كل يوم "وإن لم يشترطه" أي حمل المعاليق "لم يستحق حملها" ولا حمل بعضها وإن خف كإداوة اعتيد حملها على ما اقتضاه إطلاقهم وذلك لاختلاف الناس فيها.
"ويشترط في إجارة العين" لدابة لركوب أو حمل "تعيين الدابة" أي عدم إبهامها فلا يكفي أحد هذين وزعم أن هذا معلوم من أول الفصل بتسليمه لا يمنع التصريح به "وفي اشتراط رؤيتها الخلاف في بيع الغائب" والأظهر اشتراطه وكذا يشترط قدرتها على ما استؤجرت لحمله "و" يشترط "في إجارة الذمة" للركوب "ذكر الجنس والنوع" وقد يغني عن الجنس "والذكورة والأنوثة" كبعير بختي ذكر لاختلاف الغرض بذلك ووجهه في الأخير أن الذكر أقوى والأنثى أسهل ويشترط أيضا ذكر كيفية سيرها ككونها بحرا أو قطوفا "ويشترط فيهما" أي إجارة العين والذمة للركوب "بيان قدر السير كل يوم" وكونه ليلا أو نهارا والنزول في عامر أو صحراء لتفاوت الغرض بذلك ويجوز مجاوزة المحل المشروط والنقص عنه لخوف ظن منه ضرر دون غيره كما لو استأجر دابة لبلد ويعود عليها فإنه لا يحسب عليه مدة إقامتها لخوف "إلا أن يكون بالطريق منازل مضبوطة" بالعادة "فينزل" قدر السير "عليها" ما لم يشرط خلافه فإن لم ينضبط اشترط بيان المنازل أو التقدير بالزمن وحده هذا كله إن كانت الطريق آمنة وإلا لم يجز تقدير السير فيه؛ لأنه لا يتعلق بالاختيار ذكره جمع قالا ومقتضاه امتناع التقدير بالزمان أيضا وحينئذ يتعذر الاستئجار في طريق تخوفه لا منازل بها مضبوطة ا هـ. وقال الأذرعي قضية كلام الشامل

 

ج / 2 ص -451-      صحة التقدير من بلد كذا إلى بلد كذا للضرورة.
"ويجب في الإيجار للحمل" إجارة عين أو ذمة "أن يعرف المحمول" لاختلاف تأثيره وضرره "فإن أحضر رآه" إن ظهر "وامتحنه بيده إن" لم يظهر كأن كان في ظلمة أو "كان في ظرف" وأمكن تخمينا لوزنه "وإن غاب" أو حضر "قدر بكيل" إن كان مكيلا "أو وزن" إن كان موزونا أو مكيلا؛ لأن ذلك طريق معرفته والوزن في كل شيء أولى لأنه أضبط "و" أن يعرف "جنسه" أي المحمول المكيل لاختلاف تأثيره في الدابة وإن اتحد كيله كما في الملح والذرة أما الموزون كآجرتكها لتحمل عليها مائة رطل وإن لم يقل مما شئت فلا يشترط ذكر جنسه؛ لأنه رضا منه بأضر الأجناس بخلاف عشرة أقفزة مما شئت فإنه لا يغني عن ذكر الجنس لكثرة الاختلاف مع اتحاد الكيل وأين ثقل الملح من ثقل الذرة وقلته مع اتحاد الوزن ولا يصح لتحمل عليها ما شئت بخلاف لتزرعها ما شئت؛ لأن الأرض تطيق كل شيء ومتى قدر بوزن للمحمول كمائة رطل حنطة أو كيله لم يدخل الظرف فيشترط رؤيته كحباله أو وصفهما ما لم يطرد العرف ثم بغرائر متماثلة أي قريبة التماثل عرفا كما هو ظاهر ويأتي ذلك فيما إذا أدخل الظرف في الحساب ففي مائة من بظرفها لا بد أن يذكر جنس الظرف أو يقول مائة من مما شئت وفي مائة قدح بر بظرفها لا بد أن يكون مما لا يختلف عرفا كما ذكر أما لو قال مائة رطل فالظرف منها "لا جنس الدابة وصفتها" فلا يشترط معرفتهما في الإجارة للحمل "إن كانت إجارة ذمة" لأن الغرض مجرد نقل متاع الملتزم في الذمة وهو لا يختلف باختلاف الدواب "إلا أن يكون" في الطريق نحو وحل أو يكون "المحمول" الذي شرط في العقد "زجاجا" بتثليث أوله "ونحوه" مما يسرع انكساره كالخزف فيشترط معرفة جنس الدابة وصفتها كما في الإجارة للركوب مطلقا لاختلاف الغرض باختلافها في ذلك وإنما لم يشترطوا في المحمول التعرض لسير الدابة مع اختلاف الغرض به سرعة وإبطاء عن القافلة؛ لأن المنازل تجمعهم والعادة تبين والضعف في الدابة عيب وبحث الزركشي وجوب تعيينها في التقدير بالزمن لاختلاف السير باختلاف الدواب.

فصل في منافع لا يجوز الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها
"لا تصح إجارة مسلم لجهاد" وإن قصد إقامة هذا الشعار وصرف عائدته للإسلام على الأوجه؛ لأنه يتعين عليه بحضور الصف مع وقوعه عن نفسه وبه فارق حل أخذ الأجرة على نحو تعليم تعين عليه أما الذمي فيصح، لكن من الإمام فقط استئجاره للجهاد كما يأتي في بابه "ولا" لفعل "عبادة تجب لها" أي فيها "نية" لها أو لمتعلقها بحيث يتوقف أصل حصولها عليها فالمراد بالوجوب ما لا بد منه؛ لأن القصد امتحان المكلف بها بكسر نفسه بالامتثال وغيره لا يقوم مقامه فيه ولا يستحق الأجير شيئا وإن عمل طامعا لقولهم كل ما لا يصح الاستئجار له لا أجرة لفاعله وإن عمل طامعا وألحقوا بتلك الإمامة

 

ج / 2 ص -452-      ولو في نفل؛ لأنه مصل لنفسه فمن أراد اقتدى به وإن لم ينو الإمامة، وتوقف فضل الجماعة على نيتها فائدة تختص به فلا يعود على المستأجر منها شيء أما ما لا تجب له نية كالأذان فيصح الاستئجار عليه والأجرة مقابلة لجميعه مع نحو رعاية الوقف ودخل في تجب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للوقوف عنده ومشاهدته فلا يصح الاستئجار لها كما قاله الماوردي وغيره فزيارة قبر غيره أولى بخلاف الدعاء عند زيارة قبره المكرم؛ لأنه مما تدخله النيابة وبخلاف السلام عليه صلى الله عليه وسلم فتدخلهما الإجارة والجعالة ومر أوائل الحج ما له تعلق بذلك فراجعه واختار أبو عبد الله الأصبحي جواز الاستئجار للزيارة ونقله عن ابن سراقة "إلا الحج" والعمرة فيجوز الاستئجار لهما ولأحدهما عن ميت أو معضوب كما مر ويتبعهما صلاة ركعتي نحو الطواف لوقوعهما عن المستأجر "وتفرقة زكاة" وكفارة وذبح وتفرقة أضحية وهدي وصوم عن ميت وسائر ما يقبل النيابة وإن توقف على النية لما فيها من شائبة المال. "وتصح" الإجارة لكل ما لا تجب له نية كما أفهمه كلامه، ومن ثم فصله عما قبله المستثنى من المنطوق فتصح لتحصيل مباح كصيد و "لتجهيز ميت ودفنه" عطف خاص على عام وإن تعين عليه؛ لأن مؤن ذلك في تركته أصالة في مال ممونه ثم المياسير فلم يقصد الأجير لفعله حتى يقع عنه "وتعليم القرآن" كله أو بعضه وإن تعين عليه للخبر الصحيح: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله" وصرح به مع علمه مما قدمه في تقريره نظرا لاستثنائه من العبادة واهتماما به لشهرة الخلاف فيه وكثرة الأحاديث الدالة بظاهرها على امتناعه كما بينتها مع ما يعارضها ومع مسائل عزيزة النقل تتعلق بالتعليم والمعلمين في تأليف مستقل، ولو قال سيد قن صغير لمعلمه لا تدعه يخرج لقضاء الحاجة إلا مع وكيل ووكل به صغيرا فهرب منه ضمنه؛ لأنه مفرط ولا تصح بقضاء ولا لتدريس علم أو إعادته إلا إن عين المتعلم وما يعلمه وكذا القضاء على الأوجه ويصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع الدعاء بمثل ما حصل من الأجر له أو بغيره عقبها عين زمانا أو مكانا أو لا. ونية الثواب له من غير دعاء لغو خلافا لجمع وإن اختار السبكي ما قالوه وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا أو بحضرة المستأجر أي أو نحو ولده فيما يظهر ومع ذكره في القلب حالتها كما ذكره بعضهم، وذلك لأن موضعها موضع بركة وتنزل رحمة والدعاء بعدها أقرب إجابة وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا تنزلت على قلب القارئ وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر والدعاء عقبه وما اعتيد في الدعاء بعدها من جعل ثواب ذلك أو مثله مقدما إلى حضرته صلى الله عليه وسلم أو زيادة في شرفه جائز كما قاله جماعات من المتأخرين بل حسن مندوب إليه خلافا لمن وهم فيه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أذن لنا بأمره بنحو سؤال الوسيلة له في كل دعاء له بما فيه زيادة تعظيمه وحذف مثل في الأولى كثير شائع لغة واستعمالا نظير ما مر في بما باع به فلان فرسه وليس في الدعاء بالزيادة في الشرف ما يوهم النقص خلافا لمن وهم فيه أيضا كما بينته في الفتاوى وفي حديث أبي المشهور "كم أجعل لك من صلاتي" أي دعائي أصل عظيم في الدعاء له عقب القراءة وغيرها ومن الزيادة في شرفه أن يتقبل الله عمل الداعي بذلك ويثيبه

 

ج / 2 ص -453-      عليه وكل من أثيب من الأمة كان له صلى الله عليه وسلم مثل ثوابه مضاعفا بعدد الوسائط التي بينه وبين كل عامل مع اعتبار زيادة مضاعفة كل مرتبة عما بعدها ففي الأولى ثواب إبلاغ الصحابي وعمله وفي الثانية هذا وإبلاغ التابعي وعمله وفي الثالثة ذلك كله وإبلاغ تابع التابعي وعمله وهكذا وذلك شرف لا غاية له.
فرع: استؤجر لقراءة فقرأ جنبا ولو ناسيا لم يستحق شيئا؛ لأن القصد بالاستئجار لها حصول ثوابها لأنه أقرب إلى نزول الرحمة وقبول الدعاء عقبها والجنب لا ثواب له على قراءة بل على قصده في سورة النسيان كمن صلى بنجاسة ناسيا لا يثاب على أفعال الصلاة المتوقفة على الطهارة بل على ما لا يتوقف عليها كالقراءة والذكر والخشوع وقصده فعل العبادة مع عذره فمن أطلق إثابة الجنب الناسي يحمل كلامه على إثابته على القصد لا غيره وإثابته عليه لا تحصل غرض المستأجر المذكور ويؤيد عدم الاعتداد بقراءته عدم ندب سجود التلاوة لها كما مر وقولهم لو نذرها فقرأ جنبا لم يجزئه؛ لأن القصد من النذر التقرب والمعصية أي ولو في الصورة لتدخل قراءة الناسي لا يتقرب بها وبه فارق البر بقراءة الجنب سواء أنص في حلفه على القراءة وحدها أو مع الجنابة ولغا النذر إن نص فيه عليها مع الجنابة ويظهر أن المستأجر لتعليم القرآن مستحق وإن كان جنبا؛ لأن الثواب هنا غير مقصود بالذات وإنما المقصود التعليم وهو حاصل مع الجنابة وأفتى بعضهم بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات لزمه قراءة ما تركه ولا يلزمه استئناف ما بعده وبأن من استؤجر لقراءة على قبر لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه أي بل الشرط عدم الصارف فإن قلت صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه قلت هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له ولا كذلك ثم ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة وصححناه احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها كالقراءة بحضرته لم يحتج لها فذكر القبر مثال.
"و" تصح الإجارة من الزوج وغيره لحرة أو أمة ولو كافرة إن أمنت على الأوجه "لحضانة" وهي الكبرى الآتية في كلامه من الحضن وهو من الإبط إلى الكشح؛ لأن الحاضنة تضمه إليه "وإرضاع" ولو للبإ "معا" وحينئذ المعقود عليه كلاهما؛ لأنهما مقصودان "ولأحدهما فقط" لأن الحضانة نوع خدمة. ولآية الإرضاع السابقة أول الباب وتدخل فيه الحضانة الصغرى وهي وضعه في الحجر وإلقامه الثدي وعصره له لتوقفه عليها ومن ثم كانت هي المعقود عليها واللبن تابع إذ الإجارة موضوعة للمنافع وإنما الأعيان تتبع للضرورة وإنما صحت له مع نفيها توسعة فيه لمزيد الحاجة إليه ويجب في ذلك تعيين مدة الرضاع ومحله أهو بيته؛ لأنه أحفظ له أو بيت المرضعة لأنه أسهل فإن امتنعت من ملازمة ما عين أو سافرت تخير ولا أجرة لها من حين الفسخ. والصبي برؤيته أو وصفه على ما في الحاوي لاختلاف شربه باختلاف نحو سنه وتكلف المرضعة أكل وشرب كل ما يكثر اللبن وترك ما يضره كوطء حليل يضر وإلا تخير وعدم استمراء الطفل لبنها لعلة فيه عيب يتخير به المستأجر، ولو سقته لبن غيرها في إجارة ذمة استحقت الأجرة أو عين

 

ج / 2 ص -454-      فلا "والأصح أنه" أي الشأن "لا يستتبع أحدهما" أي الإرضاع والحضانة الكبرى "الآخر" لاستقلالهما مع جواز استقلال كل منهما بالإجارة "والحضانة" الكبرى "حفظ صبي" أي جنسه الصادق بالأنثى والخنثى "وتعهده بغسل رأسه وبدنه وثيابه ودهنه" بفتح الدال "وكحله وربطه في المهد وتحريكه لينام ونحوها" لاقتضاء اسم الحضانة ذلك عرفا أما الدهن بالضم، فقيل على الأب وقيل تتبع فيه العادة والذي يتجه الأول إذ العادة في ذلك لا تنضبط "ولو استأجر لهما" أي الحضانة الكبرى والإرضاع "فانقطع اللبن فالمذهب انفساخ العقد في الإرضاع" فيسقط قسطه من الأجرة "دون الحضانة" لما مر أن كلا منهما مقصود معقود عليه "والأصح أنه لا يجب حبر وخيط وكحل" وصبغ وطلع "على وراق" وهو الناسخ "وخياط وكحال" وصباغ وملقح اقتصارا على مدلول اللفظ مع أن وضع الإجارة أنه لا يستحق بها عين "قلت صحح الرافعي في الشرح" الكبير "الرجوع فيه إلى العادة" إذ لا ضابط له لغة ولا شرعا.
تنبيه: غالب استدراكات المتن على أصله من الشرح وحينئذ فقد يقال ما حكمة الإسناد إليه في هذا الموضع لا غير، وقد يجاب بأنه هنا لم يترجح له أحد الموضعين المتناقضين فأرسلهما بخلاف البقية ثم رأيت للشارح ما قد يخالف ذلك وليس كما قال.
"فإن اضطربت" العادة "وجب البيان" نفيا للغرض "وإلا" يبين في العقد من عليه ذلك "فتبطل الإجارة والله أعلم" لما فيها من الغرر المؤدي إلى التنازع لا إلى غاية وأفهم كلام الإمام أن الخلاف في إجارة الذمة أما العين فلا يجب فيها غير العمل وقطع ابن الرفعة فيما إذا كانت على مدة وجوز التردد فيما إذا كانت على عمل.
فرع: اقتضى كلامهم وصرح به بعضهم أن الطبيب الماهر أي بأن كان خطؤه نادرا وإن لم يكن ماهرا في العلم فيما يظهر؛ لأنا نجد بعض الأطباء استفاد من طول التجربة والعلاج ما قل به خطؤه جدا وبعضهم لعدم ذلك ما كثر به خطؤه فتعين الضبط بما ذكرته لو شرطت له أجرة وأعطي ثمن الأدوية فعالجه بها فلم يبرأ استحق المسمى إن صحت الإجارة وإلا فأجرة المثل وليس للعليل الرجوع عليه بشيء؛ لأن المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء بل إن شرط بطلت الإجارة؛ لأنه بيد الله لا غير نعم إن جاعله عليه صح ولم يستحق المسمى إلا بعد وجوده كما هو ظاهر أما غير الماهر المذكور فقياس ما يأتي أوائل الجراح والتعازير من أنه يضمن ما تولد من فعله بخلاف الماهر أنه لا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الأدوية لتقصيره بمباشرته لما ليس هو له بأهل ومن شأن هذا الإضرار لا النفع.

فصل فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة
"يجب" يعني يتعين لدفع الخيار الآتي على المكري "تسليم مفتاح" ضبة "الدار" معها "إلى المكتري" لتوقف الانتفاع عليه وهو أمانة بيده فإذا تلف بتقصيره ضمنه أو عدمه فلا وفيهما يلزم المكري تجديده فإن أبى لم يجبر ولم يأثم لكن يتخير المكتري وكذا في

 

ج / 2 ص -455-      جميع ما يأتي قال القاضي وتنفسخ في مدة المنع ا هـ وفيه نظر لأنه المقصر بعدم الفسخ مع ثبوت الخيار له نعم إن جهل الخيار وعذر فيه احتمل ما قاله وخرج بالضبة القفل فلا يجب تسليمه فضلا عن مفتاحه لأنه منقول وليس بتابع "وعمارتها" الشاملة لنحو تطيين سطح وإعادة رخام قلعه هو أو غيره كما هو ظاهر ولا نظر لكون الفائت به مجرد الزينة؛ لأنها غرض مقصود ومن ثم امتنع "على المؤجر" قلعه ابتداء ودواما وإن احتاجت لآلات جديدة "فإن بادر" أي قبل مضي مدة لها أجرة كما هو ظاهر "وأصلحها" أو سلم المفتاح فذاك "وإلا" يبادر "فللمكتري" قهرا "على المؤجر الخيار" إن نقصت المنفعة بين الفسخ والإبقاء لتضرره ومن ثم زال بزواله فإذا وكف السقف تخير حالة الوكف فقط ما لم يتولد منه نقص وبحث أبو زرعة سقوطه بالبلاط بدل الرخام لأن التفاوت بينهما ليس فيه كبير وقع ا هـ وفي إطلاقه ما فيه فالذي يتجه أنهما إن تفاوتا أجرة لها وقع تخير وإلا فلا وأنه لو شرط إبقاء الرخام فسخ بخلف الشرط هذا في حادث أما مقارن علم به المكتري فلا خيار وإن علم أنه من وظيفة المكري لتقصيره بإقدامه مع علمه به ومحل ما ذكر في المتصرف لنفسه وفي الطلق أما المتصرف عن غيره وفي الوقف فتجب العمارة لكن لا من حيث الإجارة ويلزم المؤجر أيضا انتزاع العين ممن غصبها ودفع نحو حريق ونهب عنها إن أراد دوام الإجارة وإلا تخير المستأجر ولو قدر عليه المستأجر من غير خطر لزمه كالوديع ويؤخذ منه أنه لو قصر ضمن وأنه لا يكلف النزع من الغاصب المتوقف على خصومة بل لا يجوز كالوديع؛ لأنهما لا يخاصمان وإن سمعت الدعوى عليهما لكون العين في يدهما كما يأتي أوائل الدعاوى. "وكسح الثلج" أي كنسه "عن السطح" الذي لا ينتفع به الساكن كالجملون "على المؤجر" بالمعنى السابق "وتنظيف عرصة الدار" وسطحها الذي ينتفع به ساكنها كما بحثه ابن الرفعة "عن ثلج" وإن كثر "وكناسة" حصلا في دوام المدة وهي ما يسقط من نحو قشر وطعام ومثلها رماد الحمام وغيره "على المكتري" بمعنى أنه لا يلزم به المكري لتوقف كمال انتفاعه لا أصله على الثلج؛ ولأن الكناسة من فعله والتراب الحاصل بالريح لا يلزم واحدا منهما نقله وبعد انقضاء المدة يجبر المكتري على نقل الكناسة بل وفي أثنائها إن أضرت بالسقوف كما هو ظاهر وعليه بالمعنى السابق تنقية بالوعة وحش مما حصل فيهما بفعله ولا يجبر على تنقيتهما بعد المدة وفارقا الكناسة بأنهما نشآ عما لا بد منه بخلافها وبأن العرف فيها رفعها أولا فأولا بخلافهما ويلزم المؤجر تنقيتهما عند العقد بأن يسلمهما فارغين وإلا تخير المستأجر ومحله إن لم يعلم به أخذا مما مر ويحتمل الفرق بخفة المؤنة واعتياد المسامحة هنا لا ثم. "وإن آجر دابة لركوب" عينا أو ذمة "فعلى المؤجر" عند الإطلاق "إكاف" بكسر أوله وضمه وهو للحمار كالسرج للفرس وكالقتب للبعير وفسره غير واحد بالبرذعة ولعله مشترك وفي المطلب أنه يطلق في بلادنا على ما يوضع فوق البرذعة ويشد عليه بالحزام ا هـ والمراد هنا ما تحت البرذعة "وبرذعة" بفتح أوله ثم ذال معجمة أو مهملة وهي الحلس الذي تحت الرحل كذا في الصحاح في موضع كالمشارق، وقال في حلس: الحلس للبعير وهو

 

ج / 2 ص -456-      كساء رقيق يكون تحت البرذعة وهي الآن ليست واحدا من هذين بل حلس غليظ محشو ليس معه شيء آخر غالبا "وحزام" وهو ما يشد به الإكاف "وثفر" بمثلثة وفاء مفتوحة وهو ما يجعل تحت ذنب الدابة "وبرة" بضم أوله وتخفيف الراء حلقة تجعل في أنف البعير "وخطام" بكسر أوله خيط يشد في البرة ثم يشد بطرف المقود بكسر الميم لتوقف التمكن اللازم له عليها مع اطراد العرف به كما قالوه وبه يندفع بحث الزركشي أن محل ذلك إن اطرد العرف به وإلا وجب البيان كما مر في نحو الجبر أما إذا شرط أنه لا شيء عليه من ذلك فلا يلزمه.
"وعلى المكتري محمل ومظلة" أي ما يظلل به على المحمل "ووطاء" وهو ما يفرش في المحمل ليجلس عليه "وغطاء" بكسر أولهما "وتوابعهما" كحبل يشد به المحمل على البعير أو أحد المحملين إلى الآخر لأن ذلك يراد لكمال الانتفاع فلم يستحق بالإجارة ونقل الماوردي عن اتفاقهم أن الحبل الأول على الجمال؛ لأنه من آلة التمكين وهو متجه لأنه كالحزام وفارق الثاني بأن الثاني لإصلاح ملك المكتري "والأصح في السرج" للفرس المستأجر عند الإطلاق "اتباع العرف" قطعا للنزاع هذا إن اطرد بمحل العقد وإلا وجب البيان نظير ما مر ولو اطرد العرف بخلاف ما نصوا عليه فهل يعمل به يظهر بناؤه على أن الاصطلاح الخاص هل يرفع الاصطلاح العام. وقضية كلامهم في مواضع الرفع وفي أخرى عدمه والذي يتجه هنا الأول لأن العرف هنا مع اختلافه باختلاف المحال كثيرا هو المستقل بالحكم فوجبت إناطته به مطلقا وبه يفرق بينه وبين ما مر في المساقاة ويأتي في الإحداد "وظرف المحمول على المؤجر في إجارة الذمة" لالتزامه النقل "وعلى المكتري في إجارة العين" إذ ليس عليه إلا تسليم الدابة مع نحو إكافها وحفظ الدابة على صاحبها ما لم يسلمها له ليسافر عليها وحده فيلزمه حفظها صيانة لها لأنه كوديع "وعلى المؤجر في إجارة الذمة الخروج مع الدابة" بنفسه أو نائبه "لتعهدها و" عليه أيضا "إعانة الراكب في ركوبه ونزوله بحسب الحاجة" والعرف في كيفية الإعانة فينيخ البعير لنحو امرأة وضعيف حالة الركوب وإن كان قويا عند العقد ويقرب نحو الحمار من مرتفع ليسهل ركوبه وينزله لما لا يتأتى فعله عليها كطهر وصلاة فرض لا نحو أكل وينتظر فراغه ولا يلزمه مبالغة تخفيف ولا قصر ولا جمع وليس له التطويل على قدر الحاجة أي بالنسبة للوسط المعتدل من فعل نفسه فيما يظهر فإن طول فللمكري الفسخ قاله الماوردي وله النوم عليها وقت العادة دون غيره؛ لأن النائم يثقل ولا يلزمه النزول عنها للإراحة بل للعقبة إن كان ذكرا قويا ليس له وجاهة ظاهرة بحيث يخل المشي بمروءته عادة ويجب الإيصال إلى أول البلد المكرى إليها لا إلى مسكنه. "و" عليه أيضا "رفع الحمل" بكسر الحاء أي المحمول وأما مفتوحها فهو نحو حمل البطن والشجر من كل متصل.
"وحطه وشد المحمل وحله" وشد أحد المحملين إلى الآخر وهما بالأرض وأجرة دليل وخفير وسائق وقائد وحفظ متاع في المنزل وكذا نحو دلو ورشاء في استئجار لاستقاء لاقتضاء العرف ذلك كله "وليس عليه في إجارة العين إلا التخلية بين المكتري والدابة"،

 

ج / 2 ص -457-      فلا يلزمه شيء مما مر لأنه لم يلتزم سوى التمكين منها المراد بالتخلية وظاهر عبارته أن مجرد التمكين كاف في استقرار الأجرة بمضي مدة الإجارة إن قدرت المنفعة بوقت وبمضي مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بعمل وإن لم يضع يده عليها ولا ينافيه تعليلهم لذلك بقولهم لتلف المنفعة تحت يده كالمبيع إذا تلف تحت يد المشتري لما قرروه فيه وفيما يأتي إن عرضه عليه كقبضه له وله قبله إيجارها من المؤجر كما صححه في الروضة هنا لا من غيره وإذا وصل المحل المعين المستأجر له سلمها لمن يأتي فإن فقد استصحبها ولا يركبها إلا إذا كانت جموحا كالوديعة. "وتنفسخ إجارة العين" بالنسبة للمستقبل كما يأتي وذكرها هنا لضرورة التقسيم "بتلف الدابة" مثلا المستأجرة ولا تبدل لفوات المعقود عليه وبه فارق إبدالها في إجارة الذمة ولو كان تلفها أثناء الطريق استحق مالكها القسط من الأجرة بخلاف ما لو تلف العين المستأجر لحملها أثناء الطريق أخذا من قولهما لو احترق الثوب بعد خياطة بعضه بحضرة المالك أو في ملكه استحق القسط لوقوع العمل مسلما له ولو اكتراه لحمل جرة فانكسرت في الطريق لا شيء له والفرق أن الخياطة تظهر على الثوب فوقع العمل مسلما لظهور أثره على المحل والحمل لا يظهر أثره على الجرة ا هـ قال بعضهم وبما قالاه علم أنه يعتبر في وجوب القسط في الإجارة وقوع العمل مسلما وظهور أثره على المحل ولو أبرأه المؤجر من الأجرة ثم تقايلا العقد لم يرجع المكترى عليه بشيء ولو أقر بعد دفع الأجرة بأنه لا حق له على المؤجر ثم بان فساد الإجارة رجع بها لأنه إنما أقر بناء على الظاهر من صحة العقد "ويثبت الخيار" على التراخي على القول المعتمد؛ لأن الضرر يتجدد بمرور الزمان "بعيبها" المقارن إذا جهله والحادث لتضرره وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت أجرتها ككونها تعثر أو تتخلف عن القافلة لا خشونة مشيها كما جزما به لكن صوب الزركشي قول ابن الرفعة إنه كصعوبة ظهرها عيب ولا تخالف لقولهم في البيع إنه عيب إن خشي منه السقوط وعليه يحمل الثاني وإذا علم بالعيب بعد المدة وجب له الأرش أو في أثنائها وفسخ وجب لما مضى وإن لم يفسخ لم يجب للمستقبل وتردد السبكي فيما مضى ورجح الغزي وجوبه "ولا خيار في إجارة الذمة" بعيب الدابة المحضرة ولا بتلفها "بل يلزمه الإبدال" لأنه لا يثبت فيها إلا السليم فإذا لم يرض بالمعيب رجع لما فيها فإن عجز عن الإبدال تخير المستأجر كما بحثه الأذرعي ويختص المستأجر بما تسلمه فله إيجارها ولا يجوز إبدالها إلا برضاه ويقدم بمنفعتها على الغرماء "والطعام المحمول ليؤكل" في الطريق إذا لم يتعرض في العقد لإبداله ولا لعدمه "ويبدل إذا أكل في الأظهر" عملا بمقتضى اللفظ لتناوله حمل كذا إلى كذا وكأنهم إنما قدموه على العادة أنه لا يبدل لعدم اطرادها ولو لم يجده فيما بعد محل الفراغ بسعره فيه أبدل قطعا. واختار السبكي أنه لا يجوز الإبدال إلا إن شرط قدرا يعلم أنه لا يكفيه وإذا قلنا لا يبدل فلم يأكل منه شيئا فهل للمؤجر مطالبته بتنقيص قدر أكله الذي بحثه السبكي فيما إذا لم يقدره وحمل ما يحتاجه أن له ذلك؛ لأنه العرف وفيما إذا قدره أنه ليس له ذلك اتباعا للشرط ثم مال إلى أنه كالأول واعتمده

 

ج / 2 ص -458-      الأذرعي وخرج بقوله ليؤكل ما حمل ليوصل فيبدل قطعا وبقوله إذا أكل ما تلف بسرقة أو غيرها فيبدل قطعا على نزاع فيه وبفرضه الكلام في المأكول المشروب فيبدل قطعا لأنه العرف.

فصل في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبا وكون يد الأجير يد أمانة وما يتبع ذلك
"يصح عقد الإجارة" على العين "مدة تبقى فيها" تلك "العين" بصفاتها المقصودة كما هو ظاهر "غالبا" ليوثق باستيفاء المعقود عليه ولا يتقدر بمدة إذ لا توقيف فيه بل يرجع فيه لأهل الخبرة فيؤجر القن ثلاثين سنة والدابة عشر سنين والثوب سنتين أو سنة والأرض مائة سنة أو أكثر كذا قالاه كالجمهور وقولهم على ما يليق بكل يعلم به أن ذكر ذلك القدر للتمثيل لا للتقييد وأن ما ذكروه من المدد لا يحسب جميعه من حين عقد الإجارة؛ لأنه يلزم عليه في القن مثلا إذا بلغ تسعين سنة مثلا يؤجر ثلاثين سنة من حينئذ وليس كذلك إذ العين لا تبقى هنا غالبا سنة فضلا عما زاد عليها وإنما المراد حسبان ما مضى من الولادة ومدة الإجارة فإن بلغ المجموع ثلاثين جاز وإلا فلا ثم هذا ظاهر فيما قبل الثلاثين وإلا فقياس ما يأتي أنه لا يعطى من الزكاة حينئذ إلا لسنة؛ لأن العمر الغالب قد مضى أنه هنا كذلك؛ لأن ما يغلب فيه بقاء العين قد مضى فإن قلت فلم اعتبروا العمر الغالب ثم لا هنا قلت لأن الكلام ثم في مطلق البقاء وهنا في بقاء مخصوص وهو ما أشرت إليه بقولي بصفاتها المقصودة وقال الشيخ أبو حامد يجوز في القن ستون سنة أي هي منتهاها وكذا الآتي لخبر الترمذي: "أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين" أي الغالب فيهم ذلك وجوز ابن كج فيه مائة وعشرين وفي الدابة عشرون والدار مائة وخمسون والأرض خمسمائة فأكثر وجوز في الشامل كالقفال بلوغها فيها ألفا واعترض بما مر في البيع أنه لا يجوز التأجيل بها لبعد بقاء الدنيا إليها ويجري ذلك في الوقف لكن إن وقع على وفق الحاجة والمصلحة لعين الوقف بأن توقفت عمارته على تلك المدة الطويلة لا للموقوف عليهم كما بينته في كتاب حافل سميته الإتحاف ببيان حكم إجارة الأوقاف. واصطلاح الحكام على أنه لا يؤجر أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس استحسان منهم، وإن رد بأنه لا معنى له على أنه لم ينقل عن مجتهد شافعي منهم وإنما اشترطنا ذلك لفساد الزمان بغلبة الاستيلاء على الوقف عند طول المدة وأيضا فشرطها في غير ناظر مستحق وحده أن يكون بأجرة المثل وتقويم المدة المستقبلة البعيدة صعب وأيضا ففيها منع الانتقال للبطن الثاني وضياع الأجرة عليهم غالبا إذا قبضت وسيأتي أنه يتبع شرط الواقف أن لا يؤجر إلا سنة مثلا وأن الولي لا يؤجر موليه أو ماله إلا مدة لا يبلغ فيها بالسن وإلا بطلت في الزائد ومر أن الراهن لا يؤجر المرهون لأجنبي إلا مدة لا تجاوز حلول الدين ولا يجوز إجارة الإقطاع أكثر من سنة كما نقله البدر بن جماعة عن المحققين، وبحث البلقيني في منذور عتقه بعد سنة من شفاء مريضه

 

ج / 2 ص -459-      أنه لا يجوز إيجاره أكثر منها لئلا يؤدي إلى دوامها عليه بعد عتقه لما يأتي أنها لا تنفسخ بطرو العتق "وفي قول لا يزاد" فيها "على سنة" مطلقا لاندفاع الحاجة بها وقول السرخسي إنه المذهب في الوقف شاذ، بل قيل غلط "وفي قول" لا تزاد على "ثلاثين" سنة لأن الغالب تغير الأشياء بعدها ورد بأن ذكرها في النص للتمثيل وإذا زيد على سنة لم يجب بيان حصة كل بل توزع الأجرة على قيمة منافع السنين ومر بيان أقل ما يؤجر له العقار، وقد لا يجب تقدير المدة كما يأتي في سواد العراق وليس مثله إيجار وكيل بيت المال أراضيه لبناء أو زرع من غير تقدير مدة بل هو باطل إذ لا مصلحة كلية يغتفر لأجلها ذلك وكاستئجار الإمام من بيت المال للأذان أو لذمي للجهاد وكالاستئجار للعلو للبناء أو إجراء الماء. "وللمكتري استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره" الأمين لأنها ملكه فإن شرط عليه أن يستوفيها بنفسه فسد العقد كالشرط على مشتر أن لا يبيع "فيركب ويسكن" ويلبس "مثله" في الضرر اللاحق للعين ودونه بالأولى؛ لأن ذلك استيفاء للمنفعة المستحقة من غير زيادة "ولا يسكن حدادا و" لا "قصارا" إذا لم يكن هو كذلك لزيادة الضرر قال جمع إلا إذا قال لتسكن من شئت كازرع ما شئت ونظر فيه الأذرعي بأن مثل هذا إنما يراد به التوسعة لا الإذن في الإضرار وفيه نظر ولا يجوز إبدال حمل بإركاب ونحو قطن بحديد وحداد بقصار والعكوس وإن قال الخبراء لا يتفاوت الضرر "وما يستوفى منه كدار ودابة معينة" قيد للدابة فقط لما قدمه أن الدار لا تكون إلا معينة "لا يبدل" أي لا يجوز إبداله؛ لأنهما المعقود عليه ومن ثم انفسخ العقد بتلفهما وتخير بعيبهما أما في إجارة الذمة فيجب الإبدال لتلف أو تعيب ويجوز عند عدمهما لكن برضا المكتري؛ لأنه بالقبض اختص به كما مر "وما يستوفى به كثوب وصبي عين" الأول "للخياطة و" الثاني لفعل "الارتضاع" بأن التزم في ذمته خياطة أو إرضاع موصوف ثم عين وأفرد الضمير لأن القصد التنويع كما قررته فاندفع ما قيل إيقاع ضمير المفرد موقع ضمير المثنى شاذ "يجوز إبداله" بمثله "في الأصح" وإن أبى الأجير؛ لأنه طريق للاستيفاء لا معقود عليه فأشبه الراكب والمتاع المعين للحمل وانتصر للمقابل بأنه الذي عليه الأكثرون وبأنه كالمستوفى منه بجامع وجوب تعيين كل وما وجب تعيينه لا يجوز إبداله وبأن القفال حكى الإجماع في ألزمت ذمتك خياطة هذا على أنه يتعين ومحل الخلاف في إبداله بغير معاوضة وإلا جاز قطعا كما يجوز لمستأجر دابة أن يعاوض عنها بسكنى دار وفي ملتزم في الذمة كما قدمته أما لو استأجر لحمل معين فيجوز إبداله بمثله قطعا ويجوز إبدال المستوفى فيه كطريق بمثلها مسافة وأمنا وسهولة أو حزونة بشرط أن لا يختلف محل التسليم إذ لا بد من بيان موضعه على ما نقله القمولي واعتمده ورد بقول الروضة لو استأجر دابة ليركبها إلى موضع فعن صاحب التقريب له ردها إلى المحل الذي سار منه إن لم ينهه صاحبها وقال الأكثرون ليس له ردها بل يسلمها ثم لوكيل المالك ثم الحاكم ثم الأمين فإن لم يجده ردها للضرورة ا هـ ومر في شرح قوله وتارة بعمل ما يعمل منه أنه إنما وجب بيان محل التسليم ليعلم حتى يبدل بمثله وحينئذ فلا تنافي بين جواز الإبدال واشتراط بيان محل التسليم وحاصل ما

 

ج / 2 ص -460-      مر أنه يجوز إبدال المستوفى كالراكب والمستوفى به كالمحمول والمستوفى فيه كالطريق بمثلها أو دونها ما لم يشرط عدم الإبدال في الأخيرين بخلافه في الأول؛ لأنه يفسد العقد كما مر ومحل جوازه فيهما إن عينا في العقد أو بعده وبقيا فإن عينا بعده ثم تلفا وجب الإبدال برضا المكتري أو عينا فيه ثم تلفا انفسخ العقد لا المستوفى منه بتفصيله السابق ويجب في الاستيفاء ومثله الخدمة كما مر ويأتي قبيل النذر اتباع العرف فما استأجره للبس المطلق لا يلبسه وقت النوم ليلا وإن اطردت عادتهم بخلافه على ما اقتضاه إطلاقهم بخلاف ما عداه ولو وقت النوم نهارا وعليه نزع الأعلى في غير وقت التجمل. "ويد المكتري على" العين المكتراة نحو "الدابة والثوب يد أمانة" فيأتي فيه ما سيذكره في الوديع "مدة الإجارة" إن قدرت بزمن أو مدة إمكان استيفاء إن قدرت بمحل عمل إذ لا يمكن استيفاء المنفعة بدون وضع يده وبه فارق كون يده يد ضمان على ظرف مبيع قبضه فيه لتمحض قبضه لغرض نفسه وله السفر بالعين المؤجرة حيث لا خطر في السفر؛ لأنه ملك المنفعة فيستوفيها حيث شاء كذا أطلقوه وظاهره أنه لا فرق بين إجارة العين وهو ظاهر والذمة وهو محتمل نعم سفره بها بعد المدة ينبغي أن يتأتى فيه ما يأتي في سفر الوديع "وكذا بعدها في الأصح" ما لم يستعملها استصحابا لما كان ولأنه لا يلزمه الرد ولا مؤنته بل لو شرط أحدهما عليه فسد العقد وإنما الذي عليه التخلية كالوديع ورجح السبكي أنه كالأمانة الشرعية فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا وإلا ضمن والمعتمد خلافه ويفرق بأن هذا وضع يده بإذن المالك أولا بخلاف ذي الأمانة الشرعية وإذا قلنا بالأصح إنه ليس عليه بعد المدة إلا التخلية فقضيته أنه لا يلزمه إعلام المؤجر بتفريغ العين بل الشرط أن لا يستعملها ولا يحبسها لو طلبها وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه وأن لا، لكن قال البغوي لو استأجر حانوت شهرا فأغلق بابه وغاب شهرين لزمه المسمى للشهر الأول وأجرة المثل للشهر الثاني، قال وقد رأيت الشيخ القفال قال لو استأجر دابة يوما فإذا بقيت عنده ولم ينتفع بها ولا حبسها عن مالكها لا تلزمه أجرة المثل لليوم الثاني؛ لأن الرد ليس واجبا عليه وإنما عليه التخلية إذا طلب مالكها بخلاف الحانوت؛ لأنه في حبسه وعلقته وتسليم الحانوت والدار لا يكون إلا بتسليم المفتاح ا هـ. وما قاله في الدابة واضح وفي الحانوت والدار من توقف التخلية فيهما على عدم غلقه لبابهما فيه نظر ولا نسلم له ما علل به؛ لأن التسليم لهما هنا يحصل وإن لم يدفع المؤجر له مفتاحهما كما يصرح به قولهم لو لم يسلمه له تخير في الفسخ المستلزم أنه إذا مضت مدة قبل الفسخ استقرت عليه أجرتها ومما يصرح بذلك أيضا جزم الأنوار بأن مجرد غلق باب دار لا يكون غصبا لها، فالذي يتجه خلاف ما قاله القفال؛ لأن التقصير من المالك بعدم وضعه ليده عقب المدة وأما غلق المستأجر فهو محسن به لصونه له بذلك عن مفسد نعم ما ذكره البغوي في مسألة الغيبة متجه؛ لأن التقصير حينئذ من الغائب؛ لأن غلقه مع غيبته مانع للمالك من فتحه لاحتمال أن له فيه شيئا وفيما إذا انقضت والإجارة لبناء أو غرس ولم يختر المستأجر

 

ج / 2 ص -461-      القلع يتخير المؤجر بين الثلاثة السابقة في العارية ما لم يوقف وإلا ففيما عدا التملك ولو استعمل العين بعد المدة في غير نحو اللبس لدفع الدود كما يعلم مما يأتي في الوديعة لزمه أجرة المثل من نقد البلد الغالب في تلك المدة ولا نظر لما يتجدد بعدها لاستقرار الواجب بمضيها واستشهد لذلك بقولهما لو غصب مثليا ثم تلف ثم فقد المثل غرم القيمة ويعتبر أكثر القيم من حين الغصب إلى الفقد فإذا صححا هذا مع أن القيمة لم تجب إلا بعد الطلب وقبله الواجب المثل فهنا أولى؛ لأن وجوب أجرة المثل تستقر قبل الطلب.
"ولو ربط دابة اكتراها لحمل أو ركوب" مثلا "ولم ينتفع بها" وتلفت في المدة أو بعدها "لم يضمن" ها لأن يده يد أمانة وتقييده بالربط ليس قيدا في الحكم بل يستثنى منه قوله "إلا إذا انهدم عليها إصطبل في وقت" للانتفاع "لو انتفع بها" فيه "لم يصبها الهدم" لنسبته إلى تقصير حينئذ إذ الفرض أنه لا عذر له كما بحثه الأذرعي وقيد السبكي ذلك أخذا من تمثيلهما لما لا ينتفع بها فيه بجنح ليل شتاء بما إذا اعتيد الانتفاع بها في ذلك الوقت إذ لا يكون الربط سببا للتلف إلا حينئذ ورجح أيضا وتبعه الزركشي أن الضمان الحاصل بالربط ضمان يد فتصير مضمونة عليه بعد وإن لم تتلف؛ لأن الربط في وقت لم يعتد ربطها فيه وفي محل معرض للتلف تضييع ولو اكتراها ليركبها اليوم ويرجع غدا فأقامه بها ورجع في الثالث ضمنها فيه فقط؛ لأنه استعملها فيه تعديا ولو اكترى عبدا لعمل معلوم ولم يبين موضعه فذهب به من بلد العقد إلى آخر فأبق ضمنه مع الأجرة "ولو تلف المال في يد أجير بلا تعد كثوب استؤجر لخياطته أو صبغه" بفتح أوله كما بخطه مصدرا "لم يضمن إن لم ينفرد باليد بأن قعد المستأجر معه" يعني كان بحضرته ويظهر الضبط هنا بما مر في ضبط مجلس الخيار "أو أحضره منزله" وإن لم يقعد معه أو حمل المتاع ومشى خلفه لثبوت يد المالك عليه حكما بل نقل عن قضية كلامهم أنه لا يد للأجير عليه وينبغي حمله على أنه لا يد له عليه مستقلة "وكذا إن انفرد" باليد بأن انتفى ما ذكر فلا يضمن أيضا "في أظهر الأقوال" لأنه إنما أثبت يده لغرضه وغرض المالك فأشبه عامل القراض والمستأجر فإنهما لا يضمنان إجماعا "و" القول الثاني يضمن كالمستعير و "الثالث يضمن" الأجير "المشترك" بين الناس بقيمة يوم التلف "وهو من التزم عملا في ذمته" كخياطة سمي بذلك؛ لأنه يمكنه التزام عمل آخر لآخر وهكذا "لا المنفرد وهو من آجر نفسه" أي عينه "مدة معينة لعمل" أو آجر عينه وقدر بالعمل لاختصاص منافع هذا بالمستأجر فكان كالوكيل بخلاف الأول ولا تجري هذه الأقوال في أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها فلا يضمنه قطعا قال القفال؛ لأنه لم يسلم إليه المتاع وإنما هو بمنزلة حارس سكة سرق بعض بيوتها قال الزركشي ومنه يعرف أن الخفير لا ضمان عليه وهي مسألة يعز النقل فيها وخرج بقوله بلا تعد ما إذا تعدى كأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما والقرار على من تلفت في يده وكأن أسرف خباز في الوقود أو مات المتعلم من ضرب المعلم فإنه يضمن ويصدق أجير أنه لم يتعد ما لم يشهد خبيران بخلافه "ولو" عمل لغيره عملا بإذنه كأن "دفع ثوبه إلى قصار

 

ج / 2 ص -462-      ليقصره أو" إلى "خياط ليخيطه ففعل ولم يذكر" أحدهما "أجرة" ولا ما يفهمها بحضرة الآخر فيسمعه ويجيب أو يسكت كما شمله إطلاقهم "فلا أجرة له" لأنه متبرع قال في البحر ولأنه لو قال أسكني دارك شهرا فأسكنه لا يستحق عليه أجرة إجماعا وبحث الأذرعي وجوبها في قن ومحجور سفه؛ لأنهما ليسا من أهل التبرع ومثلهما بالأولى غير مكلف "وقيل له" أجرة مثله لاستهلاكه منفعته "وقيل إن كان معروفا بذلك العمل" بالأجرة "فله" أجرة مثله وقال ابن عبد السلام بل الأجرة المعتادة بمثل ذلك العمل "وإلا فلا وقد يستحسن" ترجيحه لوضوح مدركه إذ هو العرف وهو يقوم مقام اللفظ كثيرا ومن ثم نقل عن الأكثرين وأفتى به كثيرون أما إذا ذكر أجرة فيستحقها قطعا إن صح العقد وإلا فأجرة المثل وأما إذا عرض بها كأرضيك أو لا أخيبك أو ترى ما يسرك أو أطعمك فتجب أجرة المثل نعم في الأخيرة يحسب على الأجير ما أطعمه إياه كما هو ظاهر؛ لأنه لا تبرع من المطعم، وقد تجب من غير تسميتها ولا تعريض بها كما في عامل الزكاة اكتفاء بثبوتها له بالنص فكأنها مسماة شرعا وكعامل مساقاة عمل غير لازم له بإذن المالك اكتفاء بذكر المقابل له في الجملة وكقاسم بأمر الحاكم على ما قاله جمع لكن أطال في رده في التوشيح ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام أو راكب سفينة مثلا بلا إذن لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه. "ولو تعدى المستأجر" في ذات العين المؤجرة "بأن" أي كأن "ضرب الدابة أو كبحها" بموحدة فمهملة أي جذبها بلجامها "فوق العادة" فيهما أي بالنسبة لمثل تلك الدابة كما هو ظاهر "أو أركبها أثقل منه أو أسكن حدادا أو قصارا" دق وهما أشد ضررا مما استؤجر له "ضمن العين" المؤجرة أي دخلت في ضمانه لتعديه أما ما هو العادة فلا يضمن به وإنما ضمن بضرب زوجته ومعلمه لإمكان تأديبهما باللفظ، وظن توقف إصلاحهما على الضرب إنما يبيحه فقط وفيما إذا أركب أثقل منه الضامن مستقرا الثاني إن علم وإلا فالأول وقيده الإسنوي بما إذا لم يضمن الثاني كالمستأجر وإلا كالمستعير ضمن مستقرا مطلقا؛ لأن المستأجر هنا لما تعدى بإركابه صار كالغاصب وأيد بقولهم لو لم يتعد بأن أركبها مثله فضربها فوق العادة ضمن الثاني فقط وخرج بذات العين منفعتها كأن استأجر لبر فزرع ذرة فلا يضمن الأرض؛ لأنه لم يتعد إلا في منفعتها بل تلزمه أجرة مثل الذرة ولو ارتدف ثالث وراء مكتريين بغير إذنهما ضمن الثلث، وقيل بقسط وزنه من أوزانهم واختير "وكذا" يضمن وإن تلفت بسبب آخر "لو اكترى لحمل مائة رطل حنطة فحمل مائة شعيرا أو عكس" لأنها لثقلها تجمع بمحل واحد وهو لخفته يأخذ من ظهر الدابة أكثر فاختلف ضررهما وكذا كل مختلفي الضرر كحديد وقطن ونازع فيه الأذرعي وأطال إذ لا فرق بينهما عرفا "أو" اكترى "لعشرة أقفزة شعير" جمع قفيز مكيال يسع اثني عشر صاعا "فحمل" عشرة أقفزة "حنطة" لأنها أثقل "دون عكسه" بأن اكتراه لحمل عشرة أقفزة حنطة فحمل عشرة أقفزة شعيرا من غير زيادة أصلا فلا يضمن لاتحاد جرمهما باتحاد كيلهما مع أن الشعير أخف.

 

ج / 2 ص -463-      "ولو اكترى لحمل مائة فحمل" بالتشديد "مائة وعشرة لزمه" مع المسمى "أجرة المثل للزيادة" لتعديه بها ومثل لها بالعشرة ليفيد اغتفار نحو الاثنين مما يقع التفاوت به بين الكيلين "وإن تلفت بذلك" المحمول أو بسبب آخر "ضمنها" ضمان يد "إن لم يكن صاحبها معها" لأنه صار غاصبا لها بحمل الزيادة "فإن كان" صاحبها معها وتلفت بسبب الحمل دون غيره؛ لأن اليد هنا للمالك فكان الضمان للجناية فقط "ضمن قسط الزيادة" لاختصاص يده بها ومن ثم لو سخره مع دابته فتلفت لم يضمنها المسخر لتلفها في يد صاحبها "وفي قول" يضمن "نصف القيمة" توزيعا على الرءوس كجرح من واحد وجراحات من آخر وأجيب بتيسر التوزيع هنا لا ثم لاختلاف نكاياتها باطنا "ولو سلم المائة والعشرة إلى المؤجر فحملها" بالتشديد "جاهلا" بالزيادة كأن قال له هي مائة فصدقه "ضمن المكتري" القسط نظير ما مر وأجرة الزيادة "على المذهب" إذ المكري لجهله صار كالآلة له أما العالم فكما في قوله "ولو" وضع المكتري ذلك بظهرها فسيرها المؤجر أو "وزن المؤجر وحمل" بالتشديد "فلا أجرة للزيادة" وإن غلط وعلم بها المستأجر؛ لأنه لم يأذن في حملها بل له مطالبة المؤجر بردها لمحلها وليس له ردها بدون إذن وإذا تلفت ضمنها ولو وزن المؤجر أو كال وحمل المستأجر فكما لو كال بنفسه إن علم وكذا إن جهل كما اقتضاه كلام المتولي "ولا ضمان" على المستأجر "إن تلفت" الدابة إذ لا يد ولا تعدي بنقل ولو قال له المستأجر احمل هذا الزائد فكمستعير فيضمن القسط من الدابة إن تلفت بغير المحمول دون منفعتها. "ولو أعطاه ثوبا ليخيطه" بعد قطعه "فخاطه قباء وقال أمرتني بقطعه قباء فقال بل قميصا فالأظهر تصديق المالك بيمينه" أنه لم يأذن له في قطعه قباء؛ لأنه المصدق في أصل الإذن فكذا في صفته والثاني يتحالفان وأطال الإسنوي في الانتصار له نقلا ومعنى ومنه أنهما لو اختلفا قبل قطعه تحالفا اتفاقا وكل ما أوجب التحالف مع بقائه أوجبه مع تغير أحواله وعليه يبدأ بالمالك كما قالاه وقال الإسنوي بل بالخياط؛ لأنه بائع المنفعة "ولا أجرة عليه" بعد حلفه؛ لأنها إنما تجب بالإذن، وقد ثبت عدمه بيمينه "وعلى الخياط أرش النقص" لما ثبت من انتفاء الإذن والأصل الضمان وقضية ما تقرر من انتفاء الإذن من أصله أن المراد بالأرش ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا وهو ما رجحه الإسنوي كابن أبي عصرون وغيره وهو أوجه من ترجيح السبكي أنه ما مقطوعا قميصا ومقطوعا قباء؛ لأن أصل القطع مأذون فيه ويجاب بأنه لا نظر لهذا مع ثبوت المخالفة المقتضية لانتفاء الإذن من أصله بدليل عدم الأجرة له ويؤخذ من هذا ومن تفصيلهم المذكور في الروضة وغيرها في المخالفة في النسخ المستأجر له ومن قولهم لو استؤجر لنسخ كتاب فغير ترتيب أبوابه فإن أمكن البناء على بعض المكتوب كأن كتب الباب الأول منفصلا بحيث يبني عليه استحق بقسطه من الأجرة وإلا فلا شيء له أن من استؤجر لتضريب ثوب بخيوط معدودة وقسمة بينة متساوية فخاطه بأنقص وأوسع في القسمة لم يستحق شيئا لمخالفته المشروط إلا إن تمكن من إتمامه كما شرط وأتمه فيستحق الكل أو من البناء على بعضه فيستحق أجرة ذلك البعض.

 

ج / 2 ص -464-      فصل فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخير في فسخها وعدمهما وما يتبع ذلك
"لا تنفسخ إجارة" عينية أو في الذمة بنفسها ولا بفسخ أحد العاقدين "بعذر" لا يوجب خللا في المعقود عليه "كتعذر وقود" بفتح الواو كما بخطه ما يوقد به وبضمها المصدر "حمام" على مستأجره ومثله على الأوجه ما لو عدم دخول الناس له لفتنة أو خراب ما حوله كما لو خرب ما حول الدار أو الدكان والفرق بينهما غير صحيح، ومن ثم قيل لم يقل أحد فيمن استأجر رحا فعدم الحب لقحط أنه يتخير "و" تعذر "سفر" بفتح الفاء بالدابة المستأجرة لطرو خوف مثلا وبسكونها جمع مسافر أي رفقة يخرج معهم ويصح عطفه على بعذر أي وكسفر أي طروه لمكتري دار مثلا "و" نحو "مرض مستأجر دابة لسفر" ومؤجرها الذي يلزمه الخروج معها إذ لا خلل في المعقود عليه والاستنابة ممكنة نعم التعذر الشرعي يوجب الانفساخ كأن استأجره لقلع سن مؤلم فزال ألمه وإمكان عوده لا نظر إليه؛ لأنه خلاف الأصل وكذا الحسي إن تعلق بمصلحة عامة كأن استأجر الإمام ذميا لجهاد فصالح قبل المسير أما إذا أوجب خللا في المعقود عليه فإن كان في إجارة العين فإن أزال منفعته بالكلية انفسخت وإن عيبه بحيث أثر في منفعته تأثيرا يظهر به تفاوت الأجرة تخير المكتري وسيذكر أمثلة للنوعين. "ولو استأجر أرضا للزراعة فزرع فهلك الزرع بجائحة" كسيل أو جراد "فليس له الفسخ ولا حط شيء من الأجرة" إذ لا خلل في منفعة الأرض كما لو احترق بز مستأجر دكان "وتنفسخ" الإجارة بتلف مستوفى منه عين في عقدها شرعا كمسلمة استؤجرت عينها مدة لخدمة مسجد فحاضت فيها أو حسا كالموت فتنفسخ "بموت" نحو "الدابة والأجير المعينين" ولو بفعل المستأجر لفوات المنفعة المعقود عليها قبل قبضها كالمبيع قبل قبضه وإنما استقر بإتلاف المشتري له ثمنه؛ لأنه وارد على العين وبإتلافها صار قابضا لها بخلاف المنفعة هنا؛ لأن الانفساخ إنما هو "في" الزمان "المستقبل" ومنافعه معدومة لا يتصور ورود الإتلاف عليها "لا" في الزمن "الماضي" بعد القبض الذي لمثله أجرة فلا تنفسخ "في الأظهر" لاستقراره بالقبض ومن ثم لم يثبت فيه خيار "فيستقر قسطه من المسمى" بالنظر لأجرة المثل بأن تقوم منفعة المدة الماضية والباقية ويوزع المسمى على نسبة قيمتهما حالة العقد دون ما بعده فإذا كانت مدة الإجارة سنة ومضى نصفها وأجرة مثله مثلا أجرة النصف الباقي وجب من المسمى ثلثاه وإن كان بالعكس فثلثه لا على نسبة المدتين لاختلافها إذ قد تزيد أجرة شهر على شهور وخرج بالمستوفى منه المستوفى به وغيره مما مر فلا انفساخ بتلفه على ما مر فيه.
"ولا تنفسخ" الإجارة بنوعيها "بموت العاقدين" أو أحدهما للزومها كالبيع فتترك العين بعد موت المؤجر عند المستأجر أو وارثه ليستوفي منها المنفعة وفي الذمة ما التزمه دين عليه فإن كان في التركة وفاء استؤجر منها وإلا تخير الوارث فإن وفى

 

ج / 2 ص -465-      استحق الأجرة وإلا فللمستأجر الفسخ واستثنى مسائل بعضها الانفساخ فيه لكونه مورد العقد لا؛ لأنه عاقد كموت الأجير المعين وبعضها الانفساخ فيه لغير الموت كأن آجر من أوصي له بمنفعة دار حياته فانفساخها بموته إنما هو لفوات شرط الموصي ولو لم يقل بمنافعه وإنما قال بأن ينتفع امتنع عليه الإيجار؛ لأنه لم يملكه المنفعة وإنما أباح له أن ينتفع كما يأتي وكأن آجر المقطع كما أفتى به المصنف، ومراده المقطع للانتفاع لا للتملك وبعضها مبني على مرجوح. "و" لا تنفسخ أيضا بموت "متولي الوقف" أي ناظره بشرط الواقف ولو بوصف كأن شرطه للأرشد من الموقوف عليهم ولم يقيده بما يأتي أو بغير شرطه مستحقا كان أو أجنبيا إذا آجره للمستحقين أو غيرهم؛ لأنه لما شمل نظره جميع الموقوف عليهم ولم يختص بوصف استحقاق ولا زمنه كان بمنزلة ولي المحجور نعم إن كان هو المستحق وآجر بدون أجرة المثل وجوزناه تبعا للإمام وغيره انفسخت بموته أثناء المدة على ما قاله ابن الرفعة ولا يجوز للناظر إذا آجر سنين أن يدفع جميع أجرتها للبطن الأول مثلا بل يعطيهم بقدر ما مضى وإلا ضمن الزائد كما قاله القفال وابن دقيق العيد واعتمده الإسنوي لكن الذي ارتضاه ابن الرفعة أن له صرف الكل للمستحق حالا واستظهره غيره بأنه ملك الموقوف عليه ظاهرا وعدم الاستقرار لا ينافي جواز التصرف كما مر أول الباب وفي إجارة أربع سنين بثمانين دينارا السابقة في الزكاة وبأنه يلزم على الأول منع الشخص من التصرف في ملكه مع عدم تقدم حجر عليه وبأنه إذا بقي في يد الناظر فإن ضمن فهو خلاف القاعدة وإلا أضر ذلك بالمالك، والذي يتجه الأول ويجاب عما ذكر بأن الناظر يلزمه التصرف بالأصلح للوقف والمستحق ولا أصلحية بل لا صلاح في دفع الكل له حالا مع غلبة تضييعه له المترتب عليه ضياع الوقف من العمارة ومن بعده من المستحقين من الصرف إليه ومع ذلك فلا نظر لما يلزم مما ذكر؛ لأن الملك هنا مراعى فليس على حقيقة الأملاك وبقاؤه في يد الناظر بشروطه وإلا فالقاضي الأمين أصلح من تمكين من يذهبه بالكلية لا سيما إن كان معسرا.
"ولو آجر البطن الأول" مثلا أو بعضهم الوقف، وقد شرط له النظر لا مطلقا بل مقيدا بنصيبه أو بمدة استحقاقه "مدة" لمستحق أو غيره "ومات قبل تمامها أو" آجر "الولي صبيا" أو ماله مدة لا يبلغ فيها "بالسن فبلغ" رشيدا "بالاحتلام" أو غيره "فالأصح انفساخها في الوقف" لأنه لما تقيد نظر من جهة الواقف بمدة استحقاقه لم يكن له ولاية على المنافع المنتقلة لغيره وبه فارق الناظر السابق؛ لأنه لما كان له النظر وإن لم يستحق كانت ولايته غير مقيدة بشيء فسرى أثرها على غيره ولو بعد موته وبهذا الذي قررته هنا وبسطته في الفتاوى بما لا يستغنى عن مراجعته اندفع ما للشراح هنا فتأمله وخرج بما ذكرناه موقوف عليه لم يشرط له نظر عام ولا خاص فلا يصح إيجاره وكلامهما لا يخالفه خلافا لمن زعمه وبحث الزركشي أنه لو آجره الناظر ولو حاكما للبطن الثاني فمات البطن الأول انفسخت لانتقال استحقاق المنافع إليهم والشخص لا يستحق على

 

ج / 2 ص -466-      نفسه شيئا ا هـ ويمكن بناؤه على ما قاله شيخه الأذرعي كالسبكي وغيره أن من استأجر من أبيه وأقبضه الأجرة ثم مات الأب والابن حائز سقط حكم الإجارة فإن كان على أبيه دين ضارب مع الغرماء ولو كان معه ابن آخر انفسخت الإجارة في حق المستأجر ورجع بنصف الأجرة في تركة أبيه ورد بأن هذا مبني على مرجوح والأصح عند الشيخين هنا أن الإجارة لا تنفسخ وقياسه عدم الانفساخ في صورة الزركشي "لا" في "الصبي" فلا تنفسخ لبناء الولي تصرفه على المصلحة مع عدم تقييد نظره وإفاقة مجنون ورشد سفيه كبلوغ الصبي بالإنزال أما إذا بلغ بالاحتلام سفيها فلا تنفسخ قطعا، وأما إذا آجره مدة يبلغ فيها بالسن فتبطل في الزائد إن بلغ رشيدا. "و" الأصح "أنها تنفسخ بانهدام الدار" كلها ولو بفعل المستأجر لزوال الاسم وفوات المنفعة قبل الاستيفاء عليها إذ لا تحصل إلا شيئا فشيئا وإنما حكمنا فيها بالقبض ليتمكن المستأجر من التصرف فتنفسخ بالكلية إن وقع ذلك قبل القبض أو بعده وقبل مضي مدة لها أجرة وإلا ففي الباقي منها دون الماضي فيأتي فيه ما مر من التوزيع أما انهدام بعضها فيتخير به المستأجر ما لم يبادر المؤجر ويصلحها قبل مضي زمن لا أجرة له وعلى هذا الانهدام يحمل ما قالاه إن تخريب المستأجر يخيره فأراد تخريبا يحصل به تعيب فقط وتعطل الرحا بانقطاع مائها والحمام لنحو خلل أبنيتها أو نقص ماء بئرها يفسخها على ما قالاه واعترضا بأنه مبني على الضعيف في المسألة بعده ويجاب بحمل هذا على ما إذا تعذر سوق الماء إليها من محل آخر كما يرشد لذلك قولهم الآتي لإمكان سقيها بماء آخر وأما نقلهما عن إطلاق الجمهور فيما لو طرأت أثناء المدة آفة بساقية الحمام المؤجرة عطلت ماءها التخير مضت مدة لمثلها أجرة أو لا وعن المتولي عدمه إذا بان العيب، وقد مضت مدة لمثلها أجرة وقالا إنه الوجه؛ لأنه فسخ في بعض المعقود عليه فمعترض بأن الوجه ما أطلقه الجمهور وصرحا بنظيره في مواضع تبعا لهم منها قولهم لو عرض أثناء المدة ما ينقص المنفعة كخلل يحتاج لعمارة وحدوث ثلج بسطح حدث من تركه عيب ولم يبادر المؤجر لإصلاحه تخير المستأجر وقولهم لو اكترى أرضا فغرقت وتوقع انحسار الماء في المدة تخير وغير ذلك مع تصريحهم بأن الخيار على التراخي فيما إذا كان العيب بحيث يرجى زواله كما في مسألتنا فهذا منهم كالصريح في التخير وإن مضت مدة لمثلها أجرة بل صرحا في الكلام على فوات المنفعة وعلى ما إذا آجر أرضا فغرقت بسيل على أن ما مر عنهما في نقص ماء بئر الحمام يقتضي الانفساخ في مسألتنا فضلا عن التخيير فقولهما عن مقالة المتولي إنها الوجه أي من حيث المعنى على ما فيه أيضا لا من حيث المذهب "لا انقطاع ماء أرض استؤجرت لزراعة" فلا تنفسخ به لبقاء اسم الأرض مع إمكان سقيها بماء آخر ومن ثم لو غرقت هي أو بعضها بماء لم يتوقع انحساره مدة الإجارة أو أوان الزرع انفسخت في الكل في الأولى وفي البعض في الثانية ويتخير حينئذ على التراخي ووهم من قال على الفور وألحق بذلك أخذا من العلة أنه لو لم يمكن سقيها بماء أصلا انفسخت وهو ظاهر مؤيد لما قررته في نقص ماء

 

ج / 2 ص -467-      بئر الحمام "بل يثبت" به "الخيار" للعيب ما لم يبادر المؤجر قبل مضي ما مر ويسوق إليها ما يكفيها ولا يكفي وعده بذلك على الأوجه قال الماوردي وحيث ثبت الخيار هنا فهو على التراخي؛ لأن سببه تعذر قبض المنفعة أي أو بعضها وذلك يتكرر بتكرر الزمان ومما يتخير به أيضا ما لو استأجر محلا لدوابه فوقفه المؤجر مسجدا فيمتنع عليه تنجيسه وكل مقذر له من حينئذ ويتخير فإن اختار البقاء انتفع به إلى مضي المدة أي إن كانت المنفعة المستأجر لها تجوز فيه وإلا كاستئجاره لوضع نجس به تعين إبداله بمثله من الطاهر وامتنع على الواقف وغيره الصلاة ونحوها فيه بغير إذن المستأجر وحينئذ يقال لنا مسجد منفعته مملوكة ويمتنع نحو صلاة واعتكاف به من غير إذن مالك منفعته. "وغصب" غير المؤجر لنحو "الدابة وإباق العبد" في إجارة عين قدرت بمدة من غير تفريط من المستأجر وكان الغصب على المالك "يثبت الخيار" ما لم يبادر بالرد كما مر وذلك لتعذر الاستيفاء فإن فسخ فواضح وإن أجاز ولم يرد حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة فيستقر قسط ما استوفاه من المسمى أما إجارة الذمة فيلزم المؤجر الإبدال فيها فإن امتنع استأجر الحاكم عليه وليس المعين عما فيها كمعين العقد فبتلفه ينفسخ التعيين لا أصل العقد وقيده الماوردي بما إذا لم يقدر بزمن وإلا انفسخت بمضيه وأما إجارة عين قدرت بعمل فلا تنفسخ بنحو غصبه بل يستوفيه متى قدر عليه كثمن حال أخر قبضه وأما وقوع ذلك بتفريط المستأجر فيسقط خياره ويلزمه المسمى قاله الماوردي وأما لو غصبها على المستأجر من يده فلا خيار ولا فسخ على ما بحثه ابن الرفعة أخذا من النص واستشهد له الغزي بما فيه نظر وقال الأذرعي إنه مشكل وما أظن الأصحاب يسمحون به وأما غصب المؤجر لها بعد القبض أو قبله بأن امتنع من تسليمها فيفسخها كما يأتي.
تنبيه: سئلت عمن اكتري لحمل مريض من الطائف إلى مكة، وقد عين في العقد فمات أثناء الطريق فهل يلزمه حمله ميتا إليها ؟ فتوقفت إلى أن رأيت نص البويطي السابق قبيل أول فصل من هذا الكتاب المصرح بأن الميت أثقل من الحي فأخذت منه أن لمن استؤجر لحمل حي مسافة معلومة فمات في أثنائها وأراد وارثه نقله إليها وجوزناه كأن كان بقرب مكة وأمن تغيره فسخ الإجارة لطرو ما يشبه العيب في المحمول وهو مزيد ثقله الحسي أو المعنوي على الدابة ويوافقه قولهم لا يجوز النوم عليها في غير وقت النوم من غير شرط؛ لأن النائم يثقل ولا ينافيه تفصيلهم السابق في تلف المستوفى به؛ لأن ما هنا ليس من التلف لإمكان حمل الميت وإنما حدث فيه وصف لم يكن حال العقد فاقتضى التخير لا غير فتأمله.
"ولو أكرى جمالا" عينا أو ذمة "وهرب وتركها عند المكتري" فلا خيار لإمكان الاستيفاء بما في قوله "راجع" حيث لم يتبرع بمؤنتها "القاضي ليمونها" بإنفاقها وأجرة متعهدها كمتعهد أحمالها إن لزم المؤجر "من مال الجمال فإن لم يجد له مالا" بأن لم يكن له غيرها وليس فيها زيادة على حاجة المستأجر وإلا باع الزائد من غير اقتراض

 

ج / 2 ص -468-      "اقترض عليه"؛ لأنه الممكن قال السبكي واستئذانه الحاكم إنما هو لحق المكتري وحرمة الحيوان فلو وجد ثوبا ضائعا أو عبدا لغائب واحتاج في حفظه لمؤنة فله بيعه حالا وحفظ ثمنه إلى أن يظهر ا هـ. وقد يؤيده ما يأتي في ملتقط نحو حيوان، لكن لو قيل يلزمه استئذان الحاكم إن أمن عليه منه وإعطاؤه له إن كان أمينا وقبله لكان متجها بل متعينا ويفرق بينه وبين الملتقط بأنه يجوز له التملك فالبيع أولى بخلاف ذي الأمانة الشرعية "فإن وثق" القاضي "بالمكتري دفعه" أي المقترض منه أو من غيره "إليه" ليصرفه فيما ذكر "وإلا" يثق به "جعله عند ثقة" يصرفه لذلك والأولى له تقدير النفقة وإن كان القول قول المنفق بيمينه إن ادعى لائقا بالعرف "وله" أي القاضي عند تعذر الاقتراض ومنه أن يخشى أن لا يتوصل بعد إلى استيفائه وكذا إن لم يتعذر لكنه لم يره "أن يبيع منها" بنفسه أو وكيله غير المستأجر لامتناع وكالته في حق نفسه "قدر النفقة" والمؤنة المذكورة للضرورة ومن ثم لم يأت هنا الخلاف في بيع المستأجر وبعد البيع تبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة كذا صرحوا به وهو صريح في أن الإجارة هنا لا تنفسخ بالبيع ذمية كانت أو عينية؛ لأن الفرض أنه لم يهرب بالجمال وعليه فلو لم يجد مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة فهل للحاكم فسخها كما لو هرب ولم يترك جمالا فإن للمستأجر فسخ العينية للضرورة أو يفرق بإمكان البيع هنا ولو على ندور بخلافه ثم محل نظر والأول أقرب؛ لأن النظر لإمكان وجود النادر مع عدم وجوده لا يفيد هنا شيئا ومحل ذلك في الذمية ما إذا لم ير الحاكم بيع الكل وإلا باع وانفسخت الإجارة كما يصرح به بحث الأذرعي أن الحاكم في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها والاكتراء للمستأجر ببعض أثمانها جاز له ذلك جزما حيث يجوز له بيع مال الغائب بالمصلحة ا هـ فقوله والاكتراء له إلخ صريح في انفساخ الإجارة به وعليه فيفرق بينها وبين العينية بأن تعلق حق المستأجر بالعين فيها أقوى منه في الذمية كما علم مما مر فيهما وعليه أيضا يظهر أنه لو رأى مشتريا لها مسلوبة المنفعة مدة الإجارة لزمه أن يبيعه ما يحتاج لبيعه منها مقدما له على غيره؛ لأنه الأصلح وخرج بمنها كلها فليس له بيعه ابتداء خشية أن يأكل أثمانها كما صرح به جمع متقدمون لتعلق حق المستأجر بأعيانها ونازع فيه محلي بأنه لا يفوت حقه إذ لا تنفسخ به الإجارة وفيه نظر؛ لأن الإجارة وإن لم تنفسخ بالبيع لكن البيع لا يجوز إلا لضرورة وفي الابتداء لا ضرورة إلا أن يحمل على ما بحثه الأذرعي أن الحاكم في إجارة الذمة إذا رأى المصلحة في بيعها والاكتراء للمستأجر ببعض الثمن جاز له ذلك جزما حيث يجوز له بيع مال الغائب بالمصلحة "ولو أذن للمكتري في الإنفاق من ماله ليرجع جاز في الأظهر" لأنه محل ضرورة، وقد لا يرى الاقتراض وأفهم كلامه أنه لا يرجع بما أنفقه بغير إذن الحاكم ومحله إن وجد وأمكن إثبات الواقعة عنده وإلا أشهد على أنه أنفق بشرط الرجوع ثم رجع فإن تعذر الإشهاد فقضية ما مر في المساقاة أنه لا يرجع وإن نوى الرجوع؛ لأنه نادر، وقد يفرق بأن سبب الندرة ثم كون المساقى عليه بين الناس غالبا ولا كذلك المستأجر عليه هنا؛

 

ج / 2 ص -469-      لأنه كثيرا ما يقع الهروب هنا في الأسفار التي من شأنها ندرة فقد الشهود فيها فينبغي حينئذ الاكتفاء بنية الرجوع وخرج بتركها ما لو هرب بها ففي إجارة العين يتخير نظير ما مر في الإباق، وكما لو شردت الدابة وفي إجارة الذمة يكتري عليه الحاكم أو يقترض نظير ما مر ولا يفوض ذلك للمستأجر لامتناع توكله في حق نفسه فإن تعذر الاكتراء فله الفسخ، "ومتى قبض المكتري" العين المؤجرة ولو الحر المؤجرة عينه أو "الدابة والدار وأمسكها" الظاهر أنه زيادة إيضاح للعلم به من قوله قبض وكقبضها امتناعه منه بعد عرضها عليه قال القاضي أبو الطيب إلا فيما يتوقف قبضه على النقل أي فيقبضه الحاكم فإن صمم آجره قاله في البيان وفيه نظر؛ لأنه حاضر ولم يتعلق بالعين حق للغير حتى يؤجرها لأجله وإيجار الحاكم إنما يكون لغيبة أو تعلق حق فالذي يتجه أنه بعد قبضها وتصميمه على الامتناع يردها لمالكها "حتى مضت مدة الإجارة استقرت الأجرة" عليه "وإن لم ينتفع" ولو لعذر كخوف مرض لتلف المنافع تحت يده حقيقة أو حكما فاستقر عليه بدلها ومتى خرج بها مع الخوف ضمنها قال القاضي إلا إذا ذكر ذلك حالة العقد وليس له فسخ ولا إلزام مكر أخذها إلى الأمن؛ لأنه يمكنه أن يسير عليها مثل تلك المسافة إلى بلد آخر ومن ثم بحث ابن الرفعة أنه لو عم الخوف كل الجهات وكان الغرض الأعظم ركوبها في السفر وركوبها في الحضر نافع بالنسبة إليه لم يلزم المستأجر أجرة وفيه نظر واضح إلا أن يكون مراده أنه يخير بذلك؛ لأنه نظير ما مر في نحو انقطاع ماء الأرض ومتى انتفع بعد المدة لزمه مع المسمى المستقر عليه أجرة مثل ذلك الانتفاع. "وكذا" تستقر الأجرة "لو اكترى دابة لركوب إلى موضع" معين "وقبضها" أو عرضت عليه "ومضت مدة إمكان السير إليه" لتمكنه من الاستيفاء وعلم من كلامه أن هذه غير الأولى؛ لأن تلك مقدرة بزمن وهذه بعمل فتستقر بمضي مدة العمل الذي ضبطت به المنفعة "وسواء فيه" أي التقدير بمدة أو عمل "إجارة العين والذمة إذا سلم" المؤجر في إجارة الذمة "الدابة" مثلا "الموصوفة" للمستأجر لتعين حقه بالتسليم بخلاف ما إذا لم يسلمها فإنه لا يستقر عليه أجرة لبقاء المعقود عليه في الذمة وكالتسليم العرض كما مر. "ويستقر في الإجارة الفاسدة أجرة المثل" زادت على المسمى أو نقصت "بما يستقر به المسمى في الصحيحة" مما ذكر وإن لم ينتفع لما مر أن لفاسد العقود حكم صحيحها ضمانا وعدمه غالبا نعم تخلية العقار والوضع بين يديه والعرض عليه وإن امتنع لا يكفي هنا بل لا بد من القبض الحقيقي "ولو أكرى عينا مدة ولم يسلمها" أو غصبها أو حبسها أجنبي ولو كان حبسه لها لقبض الأجرة "حتى مضت" تلك المدة "انفسخت" الإجارة لفوات المعقود عليه قبل قبضه فإن حبسها بعضها انفسخت فيه فقط ويخير في الباقي ولا يبدل زمان بزمان "ولو لم يقدر مدة و" إنما قدرت بعمل كأن "آجر" دابة "لركوب إلى موضع معين ولم يسلمها حتى مضت مدة" إمكان "السير" إليه "فالأصح أنها" أي الإجارة "لا تنفسخ" ولا يخير المكتري لتعلقها بالمنفعة دون الزمان ولم يتعذر استيفاؤها ولا فسخ ولا خيار بذلك في إجارة الذمة قطعا؛ لأنه دين ناجز إيفاؤه تأخر.
 

 

ج / 2 ص -470-      تنبيه: علم مما مر أنه حيث صحت الإجارة لزم المسمى وإلا فأجرة المثل، قيل إلا في صورة وهي ما لو سكن كافر دارا بإيجار فيلزمه المسمى؛ لأنه لا مثل له ا هـ وليس في محله حكما وتعليلا كما هو ظاهر؛ لأن معنى أجرة المثل أن ذلك المحل يرغب فيه تلك المدة بماذا وهذا لا يحتاج إلى أن له مثلا أو لا كما أن ثمن المثل كذلك فتأمله
"ولو آجر عبده ثم أعتقه" أو وقفه مثلا أو أمته ثم استولدها ثم مات "فالأصح أنها" أي القصة في ذلك "لا تنفسخ الإجارة" لأن نحو العتق لم يصادف إلا رقبة مسلوبة المنافع لا سيما والأصح أنها تحدث على ملك المستأجر وخرج بثم أعتقه ما لو علق عتقه بصفة ثم آجره ثم وجدت الصفة أثناء مدة الإجارة فإنها تنفسخ لسبق استحقاق العتق على الإجارة ومثله ما لو آجر أم ولده ثم مات كما اقتضاه كلامهما هنا واعتمده السبكي وغيره "و" الأصح "أنه" أي الشأن "لا خيار للعبد" في فسخ الإجارة بعد العتق وفارق عتق الأمة تحت عبد بأن سبب الخيار وهو نقصه موجود ولا سبب للخيار هنا لما تقرر أن المنافع تحدث مملوكة للمستأجر "والأظهر أنه لا يرجع على سيده بأجرة ما" أي المنافع التي تستوفى منه "بعد العتق" إلى انقضاء المدة لتصرفه في منافعه حين كان يملكها بعقد لازم كما لو زوج أمته ثم أعتقها بعد الوطء لا شيء لها فيما يستوفيه الزوج ولما مر أن المنافع ملك المستأجر ونفقته في بيت المال ثم على مياسير المسلمين وأفهم فرضه الكلام فيما إذا آجره ثم أعتقه أنه لا يرجع بشيء على وارث أعتق قطعا إذ لم ينقض ما عقده وأنه لو أقر بعتق قبل الإجارة غرم له بعد مضيها أجرة مثله لتعديه بها ولو فسخت الإجارة بعد العتق بعيب ملك منافع نفسه كما في الروضة وإن أطال الإسنوي في رده.
تنبيه: سيذكر في الوقف أن إجارته لا تنفسخ بزيادة الأجرة ولا بظهور طالب بالزيادة ولا يختص ذلك بالوقف لجريانها بالغبطة في وقتها كما لو باع مال موليه ثم زادت القيمة أو ظهر طالب بالزيادة.
"ويصح بيع" العين "المستأجرة" حال الإجارة "للمكتري" قطعا إذ لا حائل كبيع مغصوب من غاصبه وإنما لم يصح بيع المشترى قبل قبضه للبائع لضعف ملكه "ولا تنفسخ الإجارة في الأصح" لأنها واردة على المنفعة، والملك على الرقبة فلا تنافي وبه فارق انفساخ نكاح من اشترى زوجته ولو رد المبيع بعيب استوفى بقية المدة أو فسخ الإجارة بعيب أو تلفت العين رجع بأجرة باقي المدة "فلو باعها لغيره" وقد قدرت بزمن "جاز في الأظهر" ولو بغير إذن المستأجر لما تقرر من اختلاف الموردين ويد المستأجر لا تعد حائلة في الرقبة؛ لأنها عليها يد أمانة، ومن ثم لم يمنع المشتري من تسلمها لحظة لطيفة ليستقر ملكه ثم ترجع للمستأجر ويعفى عن هذا القدر اليسير للضرورة وتردد الأذرعي فيما لو كثرت أمتعة الدار ولم يمكن تفريغها إلا في زمن يقابل بأجرة بين الاكتفاء بالتخلية فيها للضرورة وعدم صحة البيع، قال: وقد أشعر كلام بعضهم أن

 

ج / 2 ص -471-      التسليم والتسلم إنما يكونان بعد انقضاء المدة لا قبلها وهو مشكل ا هـ وقد يقال لا إشكال فيه فيؤخران في هذه الصورة لعدم إضرار المستأجر ولا ضرورة بالمشتري إلى التسلم حينئذ؛ لأن التلف قبله يفسخ العقد ويرجع إليه الثمن أما إذا قدرت بعمل كركوب لبلد كذا فيمتنع البيع كما قاله الزاز وارتضاه البلقيني لجهالة مدة السير "ولا تنفسخ" الإجارة قطعا كما لا ينفسخ النكاح ببيع الأمة المزوجة من غير الزوج فتبقى في يد المستأجر إلى انقضاء المدة ويخير المشتري إن جهل ولو مدة الإجارة كما اقتضاه إطلاقهم لكن بحث الأذرعي وغيره بطلان البيع عند جهله المدة فإن أجاز فلا أجرة له لبقية المدة ولو علمها وظن أن له الأجرة تخير عند الغزالي ورجحه الزركشي؛ لأنه مما يخفى وقال الشاشي لا يتخير ولو انفسخت الإجارة، فقيل منفعة بقية المدة للبائع ورجحه ابن الرفعة، وقيل للمشتري ورجحه السبكي والأول أوجه كما بينته في شرح الإرشاد ولو آجر داره مدة ثم استأجرها تلك المدة ثم باعها فهل تدخل المنفعة في البيع اختلف فيه جمع متأخرون والأوجه نعم قياسا على ما قاله الجلال البلقيني إن الموصى له بالمنفعة لو اشترى الرقبة ثم باعها انتقلت بمنافعها للمشتري فكذا هنا كما هو واضح وكذا الحكم فيما لو استأجر دارا مدة ثم اشتراها ثم باعها والمدة باقية فتنتقل بجميع منافعها للمشتري فإن استثنى البائع المنفعة التي له بالإجارة بطل البيع في المسألتين ولو آجر لغراس أو بناء ثم انقضت المدة فآجر لآخر قبل وقوع التخيير السابق نظيره في العارية لم يصح فيما يضر الانتفاع به الشجر أو البناء كما هو ظاهر لبقاء احترام مال المستأجر الأول ويصح في غير المضر إن خصه بالعقد وكذا إن لم يخصه وأمكن التوزيع على المضر وغيره وعلى هذا يحمل قول بعضهم يصح إن أمكن تفريغها منه في مدة لا أجرة لمثلها ولم يسترها الغراس ويعمل فيه بما ذكروه في باب الإجارة والعارية ا هـ وسئل البلقيني عمن آجر أرضه بأجرة مؤجلة ثم توفي المستأجر قبل أوان الزرع فاستولى آخر وزرع عدوانا فأجاب بأن الأجرة تحل بموته ولا تنفسخ الإجارة هذا إن لم يضع المتعدي يده وإلا ارتفع الحلول الذي سببه موت المستأجر؛ لأن الحلول إنما يدوم حكمه ما دامت الإجارة بحالها فإذا مضت المدة ويد المتعدي قائمة بعد انفسخت الإجارة في الجميع وارتفع الحلول ويلزم المؤجر رد ما أخذه من تركة الميت على ورثته قال وهذه مسألة نفيسة لم تقع لي قط ويستحق المؤجر أجرة المثل على المتعدي وليس للورثة تعلق به ا هـ ويؤيده ما مر في الغصب ولو آجر بأجرة مقسطة فكتب الشهود الأجرة إجمالا ثم تقسيطها بما لا يطابق الإجمال فإن لم يمكن الجمع تحالفا؛ لأن تعارض ذينك أوجب سقوطهما وإن أمكن كأن قالوا أربع سنين بأربعة آلاف كل شهر مائتا درهم وعشرة دراهم حمل على تقسيط المبلغ على أول المدة فيفضل بعد تسعة عشر شهرا عشرة دراهم تقسط على ما يخصها من الشهر وهو يوم من أول الشهر العشرين وثلاثة أسباع يوم؛ لأن حصة كل يوم سبعة ومر أول خامس شروط البيع عن ابن الصلاح ما يوافق هذا عند صدق التأمل فتنبه له ومر أوائل البيع قبل قبضه

 

ج / 2 ص -472-      أن للمستأجر حبس ما استؤجر عليه للعمل فيه ثم لاستيفاء أجرته ومحله كما يعلم مما مر في تعدد الصفقة ما إذا لم يتعدد هنا وإلا كاستأجرتك لكتابة كذا كل كراس بكذا فليس له حبس كراس على أجرة آخر؛ لأن الكراريس حينئذ بمنزلة أعيان مختلفة.