تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 2 ص -520-      كتاب الهبة
من هب مر لمرورها من يد إلى أخرى، أو استيقظ؛ لأن فاعلها استيقظ للإحسان، والأصل في جوازها بل ندبها بسائر أنواعها الآتية قبل الإجماع الكتاب، والسنة وورد
"تهادوا تحابوا" أي: بالتشديد من المحبة وقيل بالتخفيف من المحاباة وصح "تهادوا فإن الهدية تذهب بالضغائن" وفي رواية "فإن الهدية تذهب وحر الصدر" وهو بفتح المهملتين ما فيه من نحو حقد وغيظ نعم يستثنى من ذلك أرباب الولايات والعمال فإنه يحرم عليهم قبول الهبة والهدية بتفصيله الآتي في القضاء وقد بسطت ذلك في تأليف حافل ويحرم الإهداء لمن يظن فيه صرفها في معصية.
"التمليك" لعين أو دين بتفصيله الآتي أو منفعة على ما يأتي "بلا عوض هبة" بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة وقسيمهما ومن ثم قدم الحد على خلاف الغالب نعم هذا هو الذي ينصرف إليه لفظ الهبة عند الإطلاق وسيأتي أواخر الأيمان ما يعلم بتأمله أنه لا ينافي هذا، فخرج بالتمليك العارية والضيافة فإنها إباحة، والملك إنما يحصل بالازدراد، والوقف فإنه تمليك منفعة لا عين كذا قيل والوجه أنه لا تمليك فيه وإنما هو بمنزلة الإباحة، ثم رأيت السبكي صرح به حيث قال لا حاجة للاحتراز عن الوقف فإن المنافع لم يملكها الموقوف عليه بتمليك الواقف بل بتسليمه من جهة الله تعالى، ولا تخرج الهدية من الأضحية لغني فإن فيه تمليكا وإنما الممتنع عليه نحو البيع لأمر عرضي هو كونه من الأضحية الممتنع فيه ذلك، وبلا عوض نحو البيع كالهبة بثواب وسيأتي وزيد في الحد في الحياة لتخرج الوصية فإن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت واعترضه شارح بما لا يصح، وتطوعا ليخرج نحو الزكاة، والنذر، والكفارة ورد بأن هذه لا تمليك فيها بل هي كوفاء الدين وفيه نظر؛ لأن كونها كوفائه لا يمنع أن فيها تمليكا. "فإن ملك" أي: أعطى شيئا بلا عوض "محتاجا" وإن لم يقصد الثواب، أو غنيا "لثواب الآخرة" أي: لأجله "فصدقة" أيضا وهي أفضل الثلاثة "فإن" قيل الأولى قول أصله وإن لإيهام الفاء أن الهدية قسم من الصدقة نعم إيهامه أنه إذا اجتمع النقل والقصد كان صدقة وهدية صحيح انتهى والذي رأيته في نسخ الواو فلا اعتراض "نقله" أي المملك بلا عوض "إلى مكان الموهوب له إكراما" ليس بقيد وإنما ذكر؛ لأنه يلزم غالبا من النقل إلى ذلك كذا قاله السبكي وهو مردود بل احترز به عما ينقل للرشوة، أو لخوف الهجو مثلا "فهدية" أيضا فلا دخل لها فيما لا ينقل ولا ينافيه صحة نذر إهدائه؛ لأن الهدي اصطلاحا غير الهدية خلافا لمن زعم ترادفهما ويؤيده اختلاف أحكامهما وبه يندفع ما للشارح هنا.
"وشرط الهبة" الذي لا بد منه في تحقق وجودها في الخارج فالشرط هنا بمعنى

 

ج / 2 ص -521-      الركن وركنها الثاني العاقدان، والثالث الموهوب وهي هنا بالمعنى الثاني "إيجاب" كوهبتك ومنحتك وملكتك وعظمتك وأكرمتك ونحلتك هذا وكذا أطعمتك ولو في غير الطعام كما نقل عن النص "وقبول" كقبلت واتهبت ورضيت "لفظا" في حق الناطق وإشارة في حق الأخرس؛ لأنها تمليك في الحياة كالبيع ومن ثم انعقدت بالكناية مع النية كلك أو كسوتك هذا وبالمعاطاة على قول اختير واشترط هنا في الأركان الثلاثة جميع ما مر فيها ثم ومنه موافقة القبول للإيجاب خلافا لمن زعم عدم اشتراطها هنا فلو قال وهبتك هذا، أو وهبتكما فقبل الأول، أو أحد الاثنين نصفه لم يصح لما تقرر أن الهبة ملحقة بالبيع أي: من حيث إنها عقد مالي مثله فأعطيت أحكامه وإن تخلف بعضها فيه كما هنا إذ المانع ثم أن الإيجاب لما اشتمل على الكل المقابل بالثمن الذي ذكره كان قبول البعض ببعض للثمن قبولا لغير ما أوجبه من كل وجه وإنما لم ينظروا لهذا بل سووا بينهما في البطلان نظرا لما هو أقوى من ذلك وهو الإلحاق المذكور إذ لو أبطل بهذا سرى بطلانه إلى البقية إذ لا مرجح فوجب التعميم طردا للباب فتأمله ومنه أيضا اشتراط الفورية في الصيغة وأنه لا يضر الفصل إلا بأجنبي واختلفوا في وهبتك وسلطتك على قبضه فقيل إن سلطتك على قبضه فصل مضر؛ لأن الإذن في القبض إنما يدخل وقته بعد تمام الصيغة فكان أجنبيا وقيل غير مضر لتعلقه بالعقد والذي يتجه الثاني، ثم رأيت الأذرعي رجحه، ثم نظر في الاكتفاء بالإذن قبل وجود القبول ,. وقياس ما مر في مزج الرهن بالرهن الاكتفاء إلا أن يفرق وقد لا تشترط صيغة كما لو كانت ضمنية كأعتق عبدك عني فأعتقه وإن لم يقل مجانا وكما لو زين ولده الصغير بحلي بخلاف زوجته؛ لأنه قادر على تمليكه بتولي الطرفين قاله القفال وأقره جمع لكن اعترض بأن كلامهما يخالفه حيث اشترطا في هبة الأصل تولي الطرفين بإيجاب وقبول وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه ونقلوا عن العبادي وأقروه أنه لو غرس أشجارا و قال عند الغرس اغرسها لابني مثلا لم يكن إقرارا بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني أو لفلان الأجنبي فإنه إقرار ولو قال جعلت هذا لابني لم يملكه إلا إن قبل وقبض له انتهى، والفرق بأن الحلي صار في يد الصبي دون الغرس لا يجدي؛ لأن صيرورته في يده بغير لفظ مملك لا يفيد شيئا على أن كون هذه الصيرورة تفيد الملك هو محل النزاع فلا فرق، ثم رأيت الأذرعي قال إنه لا يتمشى على قواعد المذهب والسبكي والأذرعي وغيرهما ضعفوا قول الخوارزمي وغيره أن إلباس الأب الصغير حليا يملكه إياه ورأيت آخرين نقلوا عن القفال نفسه أنه لو جهز بنته بأمتعة بلا تمليك يصدق بيمينه في أنه لم يملكها إن ادعته وهذا صريح في رد ما سبق عنه وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه إن قال هذا جهاز بنتي فهو ملك لها وإلا فهو عارية ويصدق بيمينه وكخلع الملوك لاعتياد عدم اللفظ فيها، ولا قبول كهبة النوبة من الضرة ولو قال اشتر لي بدرهمك خبزا فاشترى له كان الدرهم قرضا لا هبة على المعتمد كما مر.

 

ج / 2 ص -522-      "ولا يشترطان" أي: الإيجاب، والقبول "في" الصدقة بل يكفي الإعطاء، والأخذ؛ لأن كونه محتاجا، أو قصده الثواب يصرف الإعطاء للتمليك حينئذ ولا في "الهدية" ولو لغير مأكول "على الصحيح بل يكفي البعث من هذا" ويكون كالإيجاب "والقبض من ذاك" ويكون كالقبول؛ لأن ذلك هو عادة السلف بل الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كانوا يتصرفون فيه تصرف الملاك فاندفع ما توهم أنه كان إباحة وشرط الواهب أهلية التبرع، والمتهب أهلية الملك فلا تصح هبة ولي ولا مكاتب بغير إذن سيده ولا تصح الهبة بأنواعها مع شرط مفسد كأن لا تزيله عن ملكك ولا مؤقتة ولا معلقة إلا في مسائل العمرى، والرقبى كما قال "ولو قال" عالم بمعنى هذه الألفاظ أو جاهل بها كما اقتضاه إطلاقهم لكن استشكله الأذرعي قال وفي الروضة في الكتابة عن المروزي أن قريب الإسلام وجاهل الأحكام لا يصح تدبيره بلفظه حتى تنضم إليه نية، أو زيادة لفظ انتهى والذي يتجه أخذا من قولهم في الطلاق لا بد من قصد اللفظ لمعناه أنه لا بد من معرفة معنى اللفظ ولو بوجه حتى يقصده نعم لا يصدق من أتى بصريح في أنه جاهل بمعناه إلا إن دلت قرينة حاله على ذلك كعدم مخالطته لمن يعرف ذلك، ثم رأيت الأذرعي صرح به. "أعمرتك هذه الدار، أو هذا الحيوان" مثلا أي: جعلتها لك عمرك "فإذا مت فهي لورثتك"، أو لعقبك "فهي" أي: الصيغة المذكورة "هبة" أي: صيغة هبة طول عبارتها فيعتبر قبولها وتلزم بالقبض وتكون لورثته ولا تختص بعقبه إلغاء لظاهر لفظه عملا بالخبر الآتي ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم "أيما رجل أعمر عمرى فإنها للذي أعطيها لا ترجع إلى الذي أعطاه"، "ولو اقتصر على أعمرتك" كذا ولم يتعرض لما بعد الموت "فكذا" هو هبة "في الجديد" لخبر الشيخين "العمرى ميراث لأهلها" وجعلها له مدة حياته لا ينافي انتقالها لورثته فإن الأملاك كلها مقدرة بحياة المالك وكأنهم إنما لم يأخذوا بقول جابر رضي الله عنه إنما العمرى التي أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هي لك ولعقبك فإذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها؛ لأنه قاله بحسب اجتهاده "ولو قال" أعمرتك هذه، أو جعلتها لك عمرك وألحق به السبكي وهبتك هذه عمرك "فإذا مت عادت إلي"، أو إلى ورثتي إن كنت مت "فكذا" هو هبة "في الأصح" إلغاء للشرط الفاسد وإن ظن لزومه لإطلاق الأخبار الصحيحة ومن ثم عدلوا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة إذ ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجوب الشرط الفاسد المنافي لمقتضاه إلا هذا ووجه خروج هذا عن نظائره بتوجيهات كلها مدخولة كما يعلم بتأملها، وخرج بعمرك عمري، أو عمر زيد فتبطل؛ لأنه تأقيت حقيقة إذ قد يموت هذا، أو الأجنبي أولا. "ولو قال أرقبتك" هذه من الرقوب؛ لأن كل واحد يرقب موت صاحبه "أو جعلتها لك رقبى" واقتصر على ذلك، أو ضم إليه ما بعد أي: التفسيرية في قوله "أي إن مت قبلي عادت إلي وإن مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين الجديد، والقديم" فعلى الجديد الأصح تصح ويلغو الشرط الفاسد فيشترط قبولها والقبض وذلك لخبر أبي داود، والنسائي: "لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا،

 

ج / 2 ص -523-      أو أعمره فهو لورثته" أي: لا ترقبوا ولا تعمروا طمعا في أن يعود إليكم فإن سبيله الميراث وبحث السبكي تحريمهما لهذا النهي وإن صحا لأحاديث أخر وفيه نظر بل يؤخذ من أحاديث الصحة؛ لأن الأصل فيما صح جواز فعله أن النهي للتنزيه. "وما جاز بيعه جاز" لم يؤنثه ليشاكل ما قبله، أو؛ لأن تأنيث فاعله غير حقيقي "هبته" بالأولى؛ لأنها أوسع، نعم المنافع يصح بيعها بالإجارة وفي هبتها وجهان أحدهما أنها ليست بتمليك بناء على أن ما وهبت منافعه عارية وقضية كلامهما كما قاله الإسنوي ترجيحه وبه جزم الماوردي وغيره ورجحه الزركشي ثانيهما أنها تمليك بناء على أن ما وهبت منافعه أمانة ورجحه جمع منهم ابن الرفعة والسبكي والبلقيني وعليه فلا يلزم إلا بالقبض وهو بالاستيفاء لا بقبض العين وفارقت الإجارة بالاحتياج فيها لتقرر الأجرة والتصرف في المنفعة، و في ذلك بسط ذكرته في شرح الإرشاد، وما في الذمة يصح بيعه لا هبته فوهبتك ألف درهم في ذمتي باطل وإن عينه في المجلس وقبضه، والمريض يصح بيعه لوارثه بثمن المثل لا هبته له بل يكون وصية، والولي والمكاتب يجوز بيعهما لا هبتهما، والمرهونة إذا أعتقها معسرا، أو استولدها يجوز بيعها للضرورة لا هبتها ولو للمرتهن وقد يقال استثناء ذلك كله غير صحيح؛ لأن المانع من الهبة أمر خارجي في العاقد، أو طرأ في المعقود عليه "وما لا" يجوز بيعه "كمجهول ومغصوب" لغير قادر على انتزاعه "وضال و" وآبق "فلا" تجوز هبته بجامع أن كلا منهما تمليك في الحياة ولا يرد خبر "زن وأرجح"؛ لأن الرجحان المجهول وقع تابعا لمعلوم على أن الذي يتجه أن المراد بأرجح تحقق الحق حذرا من التساهل فيه ولا قوله صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه في المال الذي جاء من البحرين بناء على أنه ملكه: "خذ منه" الحديث؛ لأن الظاهر أن ما ذكر في المجهول إنما هو في الهبة بالمعنى الأخص بخلاف هديته وصدقته فيصحان فيما يظهر وإعطاء العباس الظاهر أنه صدقة لا هبة وإلا فهو لكونه من جملة المستحقين وللمعطي أن يفاوت بينهم "إلا" في مال وقف بين جمع للجهل بمستحقه فيجوز الصلح بينهم فيه على تساو، أو تفاوت للضرورة قال الإمام ولا بد أن يجري بينهم تواهب ولبعضهم إخراج نفسه من البين لكن إن وهب لهم حصته على ما قاله الإمام أيضا بخلاف أعراض الغانم أي :؛ لأنه لم يملك ولا على احتمال بخلاف هذا، ولولي محجور الصلح له بشرط أن لا ينقص عما بيده كما يعلم مما يأتي قبيل خيار النكاح وإلا فيما إذا اختلط متاعه بمتاع غيره فوهب أحدهما نصيبه لصاحبه فيصح مع جهل قدره وصفته للضرورة وإلا فيما لو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي، أو تأكل من مالي فله الأكل فقط؛ لأنه إباحة وهي تصح بمجهول بخلاف الأخذ والإعطاء قاله العبادي قال وفي خذ من عنب كرمي ما شئت لا يزيد على عنقود؛ لأنه أقل ما يقع عليه الاسم واستشكل ويرد بأن الاحتياط المبني عليه حق الغير أوجب ذلك التقدير وأفتى القفال في أبحت لك أن تأخذ من ثمار بستاني ما شئت بأنه إباحة وظاهره أن له أخذ ما شاء، وما قاله العبادي أحوط وفي الأنوار لو قال أبحت لك ما في داري، أو ما في كرمي من العنب فله أكله

 

ج / 2 ص -524-      دون بيعه وحمله وإطعامه لغيره وتقتصر الإباحة على الموجود أي: عندها في الدار، والكرم ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الإباحة ا هـ. وبعض ما ذكره في فتاوى البغوي وقوله وتقتصر إلخ موافق لكلام القفال لا العبادي، وما ذكره آخرا لا ينافي ما مر من صحة الإباحة بالمجهول؛ لأن هذا مجهول من كل وجه بخلاف ذاك وجزم بعضهم بأن الإباحة لا ترد بالرد وإلا "حبتي الحنطة ونحوهما" من المحقرات فإنه يمتنع بيعها لا هبتها اتفاقا كما في الدقائق فبحث الرافعي أنه لا تصح هبتها ضعيف وإن سبقه إليه الإمام إذ لا محذور أن يتصدق الإنسان بالمحقر كما في الخبر وفارق نحو الكلب بأن هنا ملكا إذ غير المتمول مال مملوك كما صرحوا به لا ثم على أنه نص في الأم على صحة هبته وكذا جلد نجس على تناقض فيه في الروضة جمع بينه بحمل الصحة على معنى نقل اليد كما صرحوا به في الكلب وعدمها على الملك الحقيقي وكذا يقال في دهن نجس وإلا جلد الأضحية ولحمها لا يصح نحو بيعه بخلاف التصدق به وهو نوع من الهبة، والأحق التحجر لا يصح نحو بيعه وتصح هبته أي: بمعنى نقل اليد أيضا حتى يصير الثاني أحق به وكذا طعام الغنيمة بدار الحرب فمن أطلق صحة هبته يتعين حمله على أن المراد بها نقل اليد لتصريحهم بأنه مباح لهم لا مملوك وإلا الثمر ونحوه قبل بدو صلاحه تصح هبته من غير شرط قطع وإلا هبة أرض مع بذر، أو زرع لا يفرد بالبيع فتصح في الأرض لانتفاء مبطل البيع فيهما من الجهل بما يخصها من الثمن عند التوزيع.
"وهبة الدين" المستقر "للمدين"، أو التصدق به عليه "إبراء" فلا تحتاج إلى قبول نظرا للمعنى "و" هبته "لغيره" أي: المدين "باطلة في الأصح" بناء على ما قدمه من بطلان بيع الدين لغير من هو عليه، أما على مقابله الأصح كما مر فتصح هبته بالأولى وكأنه في الروضة إنما جرى هنا على بطلان هبته مع ما قدمه أنه يصح بيعه اتكالا على معرفة ضعف هذا من ذاك بالأولى كما تقرر وعلى الصحة قيل لا تلزم إلا بالقبض وقيل لا تتوقف عليه فعليه قيل تلزم بنفس العقد وقيل لا بد بعد العقد من الإذن في القبض ويكون كالتخلية فيما لا يمكن نقله والذي يتجه الأول أخذا من اشتراطهم القبض الحقيقي هنا فلا يملكه إلا بعد قبضه بإذن الواهب وعلى مقابليه للوالد الواهب الرجوع فيه تنزيلا له منزلة العين ولو تبرع موقوف عليه بحصته من الأجرة لآخر لم يصح؛ لأنها قبل قبضها إما غير مملوكة له أو مجهولة فإن قبض هو أو وكيله منها شيئا قبل التبرع وعرف حصته منه ورآه هو أو وكيله وأذن له في قبضه وقبضه صح وإلا فلا ولا يصح إذنه لجابي الوقف لأنه إذا قبضه يعطيه للمتبرع عليه؛ لأنه توكيل قبل الملك على أنه في مجهول وإنما صح تبرع أحد الورثة بحصته؛ لأن محله في أعيان رآها وعرف حصته منها "ولا يملك" في غير الهبة الضمنية "موهوب" بالمعنى الأعم الشامل لجميع ما مر ولو من أب لولده الصغير ونقل ابن عبد البر إجماع الفقهاء أنه يكفي هنا الإشهاد لعله يريد فقهاء مذهبه "إلا بقبض" كقبض المبيع فيما مر بتفصيله نعم لا يكفي هنا الإتلاف ولا الوضع بين يديه

 

ج / 2 ص -525-      بلا إذن؛ لأن قبضه غير مستحق كالوديعة فاشتراط تحققه بخلاف المبيع وبحث بعضهم الاكتفاء به في الهدية فيه نظر وإن تسومح فيها بعدم الصيغة للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكا فمات قبل أن تصل إليه فقسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه. ويقاس بالهدية الباقي وقال به كثيرون من الصحابة رضي الله عنهم ولا يعرف لهم مخالف والهبة الفاسدة المقبوضة كالصحيحة في عدم الضمان لا الملك وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب، أو "بإذن الواهب"، أو وكيله فيه أو فيما يتضمنه كالإعتاق وكذا نحو الأكل خلافا للقاضي على ما قاله شارح لكن جزم غير واحد بما قاله القاضي وإن كان في يد المتهب فلو قبضه من غير إذن ضمنه ولو أذن ورجع عن الإذن أو جن، أو أغمي، أو حجر عليه، أو مات أحدهما قبل القبض بطل الإذن ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الإذن قبله وقال المتهب بعده صدق الواهب على ما استظهره الأذرعي من تردد له في ذلك وله احتمال بتصديق المتهب؛ لأن الأصل عدم الرجوع قبله وهو قريب، ثم رأيت أن هذا هو المنقول كما ذكرته في شرح الإرشاد في باب الرهن مع فروع أخرى يتعين استحضارها هنا ويكفي الإقرار بالقبض كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته فقال نعم، والإقرار أو الشهادة بمجرد الهبة لا يستلزم القبض نعم يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما كما مر، أو أخر الإقرار قال بعضهم وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه لئلا يتنبه له، والهبة ذات الثواب بيع فإذا أقبض الثواب استقل بالقبض "فلو مات أحدهما" أي: الواهب، والمتهب بالمعنى الأعم الشامل للهدية، والصدقة على الأوجه "بين الهبة، والقبض قام وارثه مقامه" في القبض، والإقباض؛ لأنه خليفته. "وقيل ينفسخ العقد" بالموت لجوازه كالشركة وفرق الأول بأنها تئول للزوم بخلاف نحو الشركة ويؤخذ منه تضعيف ما في تحرير الجرجاني أن الهدية تنفسخ بالموت قبل وصولها قولا واحدا لعدم القبول ا هـ ووجه ضعفه أن المدار ليس على القبول بل على الأيلولة للزوم وهو جار في الهدية والصدقة أيضا ولا تبطل الهبة بجنون الواهب وإغمائه فيكفي إقباضه بعد إفاقته لا إقباض وليه قبلها وكذا المتهب نعم لوليه القبض قبل إفاقته.
"ويسن للوالد" أي: الأصل وإن علا "العدل في عطية أولاده" أي: فروعه وإن سفلوا ولو الأحفاد مع وجود الأولاد على الأوجه وفاقا لغير واحد وخلافا لمن خصص الأولاد سواء أكانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا أم تبرعا آخر فإن لم يعدل لغير عذر كره عند أكثر العلماء وقال جمع يحرم، والأصل في ذلك خبر البخاري
"اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" وخبر أحمد أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن أراد أن يشهده على عطية لبعض أولاده: "لا تشهدني على جور لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم". وفي رواية لمسلم: "أشهد على هذا غيري"، ثم قال: "أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟"، قال بلى، قال: "فلا إذن" فأمره بإشهاد غيره صريح في الجواز وأن تسميته جورا باعتبار ما فيه من عدم العدل المطلوب فإن فضل البعض أعطى الآخرين ما يحصل به العدل

 

ج / 2 ص -526-      وإلا رجع ندبا للأمر به في رواية نعم الأوجه أنه لو علم من المحروم الرضا وظن عقوق غيره لفقره ورقة دينه لم يسن الرجوع ولم يكره التفضيل كما لو أحرم فاسقا لئلا يصرفه في معصية، أو عاقا، أو زاد أو آثر الأحوج، أو المتميز بنحو فضل كما فعله الصديق مع عائشة رضي الله تعالى عنهما، والأوجه أن تخصيص بعضهم بالرجوع في هبته كهو بالهبة فيما مر وأفهم قوله كغيره عطية أنه لا يطلب منه التسوية في غيرها كالتودد بالكلام وغيره. لكن وقع في بعض نسخ الدميري لا خلاف أن التسوية بينهم مطلوبة حتى في القيل أي: للمميزين وله وجه إذ كثيرا ما يترتب على التفاوت في ذلك ما مر في الإعطاء ومن ثم ينبغي أن يأتي هنا أيضا استثناء التمييز لعذر ويسن للولد أيضا العدل في عطية أصوله فإن فضل كره خلافا لبعضهم نعم في الروضة عن الدارمي فإن فضل فالأولى أن يفضل الأم وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر وقضيته عدم الكراهة إذ لا يقال في بعض جزئيات المكروه إنه أولى من بعض بل في شرح مسلم عن المحاسبي الإجماع على تفضيلها في البر على الأب وإنما فضل عليها في الإرث لما يأتي أن ملحظه العصوبة، والعاصب أقوى من غيره، وما هنا ملحظه الرحم وهي فيه أقوى؛ لأنها أحوج وبهذا فارق ما مر أنه يقدم عليها في الفطرة؛ لأن ملحظها الشرف كما مر ويسن على الأوجه العدل بين نحو الإخوة أيضا لكنها دون طلبها في الأولاد وروى البيهقي خبر: "حق كبير الإخوة على صغيرهم كحق الوالد على ولده" وفي رواية: "الأكبر من الإخوة بمنزلة الأب" وإنما يحصل العدل بين من ذكر "بأن يسوي بين الذكر، والأنثى" لرواية ظاهرة في ذلك في الخبر السابق ولخبر ضعيف متصل وقيل الصحيح إرساله: "سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء"، وفي نسخة: "البنات". "وقيل كقسمة الإرث" وفرق الأول بأن ملخص هذا العصوبة وهي مختلفة مع عدم تهمة فيه وملحظ ذاك الرحم وهما فيه سواء مع التهمة فيه وعلى هذا، وما مر في إعطاء أولاد الأولاد مع الأولاد تتصور التسوية بأن يفرض الأسفلون في درجة الأعلين نظير ما يأتي في ميراث الأرحام على قول.
فرع: أعطى آخر دراهم ليشتري بها عمامة مثلا ولم تدل قرينة حاله على أن قصده مجرد التبسط المعتاد لزمه شراء ما ذكر وإن ملكه؛ لأنه ملك مقيد يصرفه فيما عينه المعطي ولو مات قبل صرفه في ذلك انتقل لورثته ملكا مطلقا كما هو ظاهر لزوال التقييد بموته كما لو ماتت الدابة الموصى بعلفها قبل الصرف فيه فإنه يتصرف فيه مالكها كيف شاء ولا يعود لورثة الموصي، أو بشرط أن يشتري بها ذلك بطل الإعطاء من أصله؛ لأن الشرط صريح في المناقضة لا يقبل تأويلا بخلاف غيره.
"وللأب الرجوع في هبة ولده" عينا بالمعنى الأعم الشامل للهدية والصدقة بل يوجد هذا في بعض النسخ وتناقضا في الصدقة لكن المعتمد كما قاله جمع ما ذكر وإن كان الولد فقيرا صغيرا مخالفا له دينا للخبر الصحيح:
"لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده" واختص بذلك لانتفاء التهمة فيه إذ ما طبع

 

ج / 2 ص -527-      عليه من إيثاره لولده على نفسه يقضي بأنه إنما رجع لحاجة أو مصلحة، ويكره له الرجوع إلا لعذر كأن كان الولد عاقا أو يصرفه في معصية فلينذره به فإن أصر لم يكره كما قالاه وبحث الإسنوي ندبه في العاصي وكراهته في العاق إن زاد عقوقه وندبه إن أزاله وإباحته إن لم يفد شيئا والأذرعي عدم كراهته إن احتاج الأب له لنفقة، أو دين بل ندبه إن كان الولد غنيا عنه ووجوبه في العاصي إن تعين طريقا في ظنه إلى كفه عن المعصية والبلقيني امتناعه في صدقة واجبة كزكاة ونذر وكفارة وكذا في لحم أضحية تطوع؛ لأنه إنما يرجع ليستقل بالتصرف وهو فيه ممتنع وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه وردوا على من أفتى بجواز الرجوع في النذر بكلام الروضة وغيرها وقول بعضهم محله إن وجدت صيغة نذر صحيحة غير محتاج إليه؛ لأن النذر حيث أطلق إنما يراد به ذلك ولا نظر لكونه تمليكا محضا؛ لأن الشرع أوجب الوفاء به على العموم من غير مخصص وقياس الواجب على التبرع ممتنع ولا رجوع في هبة بثواب بخلافها بلا ثواب وإن أثابه عليها كما قاله القاضي ولا فيما لو وهبه دينا عليه إذ لا يمكن عوده بعد سقوطه ولا فيما وهبه لفرعه المكاتب إذا رق؛ لأن سيده ملكه ويجوز الرجوع في بعض الموهوب ولا يسقط بالإسقاط وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه كما أفتى به المصنف وسبقه إليه جمع متقدمون واعتمده جمع متأخرون قال الجلال البلقيني عن أبيه وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة وهو فرض لا بد منه ا هـ قال المصنف لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض، والمتهب كونه في الصحة صدق ا هـ ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث؛ لأن معها زيادة علم "وكذا لسائر الأصول" من الجهتين وإن علوا الرجوع كالأب فيما ذكر "على المشهور" كما في عتقهم ونفقتهم وسقوط القود عنهم وخرج بهم الفروع والحواشي كما يأتي وأفهم كلامه اختصاص الرجوع بالواهب فلا يجوز لأبيه لو مات ولم يرثه فرعه الموهوب له "وشرط رجوعه بقاء الموهوب في سلطنة المتهب" أي استيلائه ليشمل ما يأتي في التخمر ثم التخلل غير متعلق به حق لازم يمنع البيع وإن طرأ عليه حجر سفه "فيمتنع" الرجوع "ببيعه" كله وكذا بعضه بالنسبة لما باعه وإن كان الخيار باقيا للولد كما اقتضاه إطلاقهم لكن بحث الأذرعي جوازه إن كان البيع من أبيه الواهب وخياره باق وهو ظاهر ولو وهبه مشاعا فاقتسمه، ثم رجع بما يخص ولده بالقسمة جاز إن كانت القسمة إفرازا وإلا لم يرجع إلا فيما لم يخرج عن ملكه فلو كانت الشركة بالنصف رجع في نصفه فقط ولا تنقض القسمة "ووقفه" مع القبول إن شرطناه فيما يظهر؛ لأنه قبله لم يوجد عقد يفضي إلى خروجه عن ملكه وبه يفرق بينه وبين البيع في زمن الخيار ويمتنع أيضا بتعلق أرش جناية برقبته ما لم يؤده الراجع وإنما لم يجب لأداء قيمة الرهن الناقصة عن الدين حتى يرجع فيه؛ لأن أداءها يبطل تعلق المرتهن به لو خرجت مستحقة فيتضرر وأداء الأرش لا يبطل تعلق المجني عليه به لو بان مستحقا، والفرق أن الرهن عقد وفسخه لا يقبل وقفا بخلاف أرش الجناية فإنه يقبله ويحجر القاضي على المتهب لإفلاسه ما لم ينفك الحجر والعين باقية وبتخمر عصير ما

 

ج / 2 ص -528-      لم يتخلل؛ لأن ملك الخل سببه ملك العصير وألحق به الأذرعي دبغ جلد الميتة وبتعفن بذر ما لم ينبت وصيرورة بيض دما ما لم يصر فرخا كما اقتضاه كلام البغوي. لكن المعتمد أنه لا رجوع وإن نبت، أو تفرخ وإنما رجع المالك فيما نبت وتفرخ عند الغاصب؛ لأن استهلاك المغصوب لا يمنع حقه بالكلية بخلاف استهلاك الموهوب هنا وبكتابته أي: الصحيحة لما يأتي في تعليق العتق ما لم يعجز وبإيلاده وبإحرام الواهب والموهوب صيد ما لم يتجلل وبردة الواهب ما لم يسلم؛ لأن ماله موقوف، والرجوع لا يوقف ولا يعلق "لا" بنحو غصبه وإباقه ولا "برهنه" قبل القبض "وهبته قبل القبض" لبقاء السلطنة بخلافهما بعده والمرتهن غير الواهب كما هو ظاهر لزوالها وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لأخيه لأبيه؛ لأن الملك غير مستفاد من الجد، أو الأب قال شارح ولو مرض الابن ورجع الأب، ثم مات الابن هل يصح رجوعه، أو لا؛ لأنه صار محجورا عليه لم أر منقولا والذي يظهر صحة رجوعه؛ لأن الحجر عليه إنما هو في التبرعات ونحوها، ثم رأيت الأذرعي وغيره صرحوا بما ذكرته وفرق بعضهم بينه وبين حجر الفلس بأنه أقوى لمنعه التصرف وإيثار بعض الغرماء، والمرض إنما يمنع المحاباة ولا يمنع الإيثار "ولا" بنحو "تعليق عتقه" وتدبيره، والوصية به "وتزويجها وزراعتها" لبقاء السلطنة "وكذا الإجارة على المذهب" لبقاء العين بحالها ومورد الإجارة المنفعة فيستوفيها المستأجر من غير رجوع للواهب بشيء على المؤجر وفارق ما هنا رجوع البائع بعد التحالف بأن الفسخ ثم أقوى ولذا جرى وجه أن الفسخ ثم يرفع العقد من أصله ولا كذلك هنا. "ولو زال ملكه" أي: الفرع عن الموهوب "وعاد" ولو بإقالة، أو رد بعيب "لم يرجع" الأصل الواهب له "في الأصح"؛ لأن الملك غير مستفاد منه حينئذ نعم قد يزول ويرجع كما مر في نحو تخمر العصير وكما لو وهبه وأقبضه صيدا فأحرم ولم يرسله، ثم تحلل كذا قيل ورد بأن ملك الولد الزائل بالإحرام لا يعود بالتحلل بل يلزمه إرساله ولو بعده وخرج بزال ما لو لم يزل وإن أشرف على الزوال كما لو ضاع فالتقطه ملتقط وعرفه سنة ولم يتملكه فحضر المالك وسلم له فلأبيه الرجوع فيه ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه، ثم رجع فيه ففي رجوع الأب وجهان والذي يتجه منهما عدم الرجوع لزوال ملكه ثم عوده سواء أقلنا إن الرجوع إبطال للهبة، أم لا؛ لأن القائل بالإبطال لم يرد به حقيقته وإلا لرجع في الزيادة المنفصلة "ولو زاد رجع بزيادته المتصلة"؛ لأنها تابعة ومنها تعلم صنعة وحرفة وحرث الأرض وإن زادت بها القيمة لا حمل عند الرجوع حدث بيده وإن كان له الرجوع حالا ومثله طلع حدث ولم يتأبر على ما في الحاوي لكن رد بأن كلامهما في التفليس نقلا عن الشيخ أبي حامد يخالفه "لا المنفصلة" ككسب وأجرة فلا يرجع فيها لحدوثها بملك المتهب وليس منها حمل عند القبض وإن انفصل في يده وسكت عن النقص وحكمه أنه لا يرجع بأرشه مطلقا ويبقى غراس متهب وبناؤه بأجرة أو يقلع بأرش، أو يتملك بقيمته، وزرعه إلى الحصاد مجانا لاحترامه بوضعه له حال ملكه الأرض ولو عمل فيه نحو قصارة أو صبغ فإن زادت به

 

ج / 2 ص -529-      قيمته، شارك بالزائد وإلا فلا شيء له. "ويحصل الرجوع برجعت فيما وهبت، أو استرجعته أو رددته إلى ملكي، أو نقضت الهبة"، أو أبطلتها، أو فسختها وبكناية مع النية كأخذته وقبضته؛ لأن هذه تفيد المقصود لصراحتها فيه "لا ببيعه ووقفه وهبته" بعد القبض "وإعتاقه ووطئها" الذي لم تحمل منه "في الأصح" لكمال ملك الفرع فلم يقو الفعل على إزالته وبه فارق انفساخ البيع بها في زمن الخيار، أما هبته قبل القبض فلا تؤثر رجوعا قطعا وعليه بالاستيلاد القيمة وبالوطء مهر المثل وهو حرام وإن قصد به الرجوع وبقاء يده عليه بعد الرجوع أمانة؛ لأنه لم يأخذه بحكم الضمان وبه فارق يد المشتري بعد الفسخ. "ولا رجوع لغير الأصول في هبة" مطلقة، أو "مقيدة بنفي الثواب" أي العوض للخبر السابق "ومتى وهب مطلقا" بكسر اللام وإن كان المتبادر فتحها لتوقفه على تأويل بعيد بأن لم يقيد بثواب ولا عدمه "فلا ثواب" أي: عوض "إن وهب لدونه" في المرتبة الدنيوية إذ لا يقتضيه لفظ ولا عادة "وكذا" لا ثواب له وإن نواه إن وهب "لأعلى منه" في ذلك "في الأظهر" كما لو أعاره داره إلحاقا للأعيان بالمنافع؛ ولأن العادة ليس لها قوة الشرط في المعاوضات وكذا الأثواب له نواه أو لا إن وهب "لنظيره على المذهب"؛ لأن القصد حينئذ الصلة وتأكد الصداقة، والهدية كالهبة فيما ذكر وكذا الصدقة واختار الأذرعي من جهة الدليل أن العادة متى قضت بالثواب وجب هو، أو رد الهدية وبحث أن محل التردد ما إذا لم تظهر حالة الإهداء قرينة حالية، أو لفظية دالة على طلب الثواب وإلا وجب هو، أو الرد لا محالة وهو بحث ظاهر ولو قال وهبتك ببدل فقال بل بلا بدل صدق المتهب كما مر أول القرض؛ لأن الأصل عدم البدل ولو أهدى له شيئا على أن يقضي له حاجة فلم يفعل لزمه رده إن بقي وإلا فبدله "فإن وجب الثواب" على الضعيف، أو على البحث المذكور لتلف الهدية أو لعدم إرادة المتهب ردها "فهو قيمة الموهوب" ولو مثليا أي: قدرها يوم قبضه "في الأصح" فلا يتعين للثواب جنس من الأموال بل الخيرة فيه للمتهب وقيل يثيبه إلى أن يرضى ولو بأضعاف قيمته للخبر الصحيح أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فأثابه عليها وقال له: "أرضيت" قال لا فزاده إلى أن قال نعم.  واختاره جمع "فإن" قلنا تجب إثابته و "لم يثبه" هو ولا غيره "فله الرجوع" في هبته لخبر "من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها" صححه الحاكم لكن رده الدارقطني، والبيهقي بأنه وهم وإنما هو أثر عن ابن عمر. "ولو وهب بشرط ثواب معلوم" كوهبتك هذا على أن تثيبني كذا فقبل "فالأظهر صحة العقد" نظرا للمعنى إذ هو معاوضة بمال معلوم فكان كبعتك "و" من ثم "يكون بيعا على الصحيح" فيجري فيه عقب العقد أحكامه كالخيارين كما مر بما فيه، والشفعة وعدم توقف الملك على القبض "أو" بشرط ثواب "مجهول فالمذهب بطلانه" لتعذر تصحيحها بيعا لجهالة العوض وهبة لذكر الثواب بناء على الأصح أنه لا تقتضيه "ولو بعث هدية" لم يعده بالباء لجواز الأمرين كما قاله أبو علي خلافا للتصويب الحريري تعين تعديته بها "في ظرف"، أو وهب شيئا في ظرف من غير بعث "فإن لم تجر العادة يرده كقوصرة"

 

ج / 2 ص -530-      بتشديد الراء في الأفصح "تمر" أي: وعائه الذي يكنز فيه من نحو خوص ولا يسمى بذلك إلا وهو فيه وإلا فهو زنبيل وكعلبة حلوى "فهو هدية" أو هبة "أيضا" أي: كما فيه تحكيما للعرف المطرد وكتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده قال المتولي ملك للمكتوب إليه وقال غيره هو باق بملك الكاتب وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الإباحة.
تنبيه: أيضا من آض إذا رجع فهو مفعول مطلق لكن عامله يحذف وجوبا سماعا ويجوز كونه حالا حذف عاملها وصاحبها وقد يقع بين العامل ومعموله كيحل أكل الهدية ويحل أيضا استعمال ظرفها في أكلها أي: أرجع إلى الإخبار عنهم بذكر حل الأكل من ظرفها رجوعا وأخبر بما تقدم من حل أكلها حال كوني راجعا إلى الإخبار عنهم بحل الأكل من ظرفها وقد لا كما هنا أي: أرجع إلى الإخبار عنهم بحكم الظرف رجوعا أو أخبر بما تقدم من حكم المظروف حال كوني راجعا إلى الإخبار بحكم الظرف فعلم أنها لا تستعمل إلا مع شيئين ولو تقديرا بخلاف جاء زيد أيضا وبينهما توافق في العامل بخلاف جاء ومات أيضا ويمكن استقلال كل منهما بالعامل بخلاف اختصم زيد وعمرو أيضا.
"وإلا" بأن اعتيد رده "فلا" يكون هدية بل أمانة في يده كالوديعة "ويحرم استعماله"؛ لأنه انتفاع بملك الغير بغير إذنه "إلا في أكل الهدية منه إن اقتضته العادة" عملا بها ويكون عارية حينئذ ويسن رد الوعاء حالا لخبر فيه قال الأذرعي وهذا في مأكول، أما غيره فيختلف رد ظرفه باختلاف عادة النواحي فيتجه العمل في كل ناحية بعرفهم وفي كل قوم عرفهم باختلاف طبقاتهم.
فرع: الهدايا المحمولة عند الختان ملك للأب وقال جمع للابن فعليه يلزم الأب قبولها أي: حيث لا محذور كما هو ظاهر ومنه أن يقصد التقرب للأب وهو نحو قاض فلا يجوز له القبول كما بحثه شارح وهو متجه ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما وإلا فهي لمن قصده اتفاقا ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الإطلاق، أو قصده ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما أي ويكون له النصف فيما يظهر أخذا مما يأتي في الوصية لزيد الكاتب، والفقراء مثلا وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم، ثم تقسم على الحالق أو الخاتن ونحوه يجري فيه ذلك التفصيل فإن قصد ذاك وحده، أو مع نظرائه المعاونين له عمل بالقصد وإن أطلق كان ملكا لصاحب الفرح يعطيه لمن شاء وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف، أما مع قصد خلافه فواضح وأما مع الإطلاق فلأن حمله على من ذكر من الأب والخادم وصاحب الفرح نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع فيقدم على العرف المخالف له بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف فإنه تحكم فيه العادة ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال فإن قصد أنه يملكه لغا وإن أطلق فإن كان

 

ج / 2 ص -531-      على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه صرف لها وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي صرف لهم.
تنبيهان: أحدهما لو تعارض قصد المعطي ونحو الخادم المذكور فالذي يتجه بقاء المعطى على ملك مالكه؛ لأن مخالفة قصد الآخذ لقصده تقتضي رده لإقباضه له المخالف لقصده، ثانيهما يؤخذ مما تقرر فيما اعتيد في بعض النواحي أن محل ما مر من الاختلاف في النقوط المعتاد في الأفراح إذا كان صاحب الفرح يعتاد أخذه لنفسه، أما إذا اعتيد أنه لنحو الخاتن وأن معطيه إنما قصده فقط فيظهر الجزم بأنه لا رجوع لمعطي على صاحب الفرح وإن كان الإعطاء إنما هو لأجله؛ لأن كونه لأجله من غير دخول في ملكه لا يقتضي رجوعا عليه بوجه فتأمله، ولو أهدى لمن خلصه من ظالم لئلا ينقض ما فعله لم يحل له قبوله وإلا حل أي: وإن تعين عليه تخليصه بناء على الأصح أنه يجوز أخذ العوض على الواجب العيني إذا كان فيه كلفة خلافا لما يوهمه كلام الأذرعي وغيره هنا، ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا تعين ما لم يرد التبسط أي: أو تدل قرينة حاله عليه كما مر؛ لأن القرينة محكمة هنا ومن ثم قالوا لو أعطى فقيرا درهما بنية أن يغسل به ثوبه أي وقد دلت القرينة على ذلك تعين له ولو شكا إليه أنه لم يوف أجرة كاذبا فأعطاه درهما، أو أعطى لظن صفة فيه، أو في نسبه فلم يكن فيه باطنا لم يحل له قبوله ولم يملكه ويكتفي في كونه أعطى لأجل ظن تلك الصفة بالقرينة ومثل هذا ما يأتي آخر الصداق مبسوطا من أن من دفع لمخطوبته، أو وكيلها أو وليها طعاما، أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد رجع على من أقبضه وحيث دلت قرينة أن ما يعطاه إنما هو للحياء حرم الأخذ ولم يملكه قال الغزالي إجماعا وكذا لو امتنع من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال كتزويج بنته بخلاف إمساكه لزوجته حتى تبرئه، أو تفتدي بمال ويفرق بأنه هنا في مقابلة البضع المتقوم عليه بمال.
تم الجزء الثاني، ويليه الجزء الثالث
وأوله: "كتاب اللقطة".