تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 3 ص -3- بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب اللقطة
بضم فسكون أو فتح وهو الأفصح ويقال لقاطة بضم اللام ولقط بفتح أوليه وهي لغة ما يؤخذ بعد تطلب وشرعا مال ومنه ركاز بقيده السابق فيه أو اختصاص محترم ضاع بنحو غفلة بمحل غير مملوك لم يحرز ولا عرف الواجد مستحقه ولا امتنع بقوته فما وجد بمملوك لمالكه فإن لم يدعه أول مالك فلقطة نعم ما وجد بدار حرب ليس بها مسلم وقد دخلها بغير أمان غنيمة أو به فلقطة وما ألقاه نحو ريح أو هارب لا يعرفه بنحو حجره أو داره وودائع مات عنها مورثه ولا تعرف ملاكها مال ضائع لا لقطة خلافا لما وقع في المجموع في الأولى أمره للإمام فيحفظه أو ثمنه إن رأى بيعه أو يقترضه لبيت المال إلى ظهور مالكه إن توقعه وإلا صرفه لمصارف بيت المال وحيث لا حاكم أو كان جائزا فعل من هو بيده فيه ذلك كما مر نظيره قال الماوردي ولو وجد لؤلؤا بالبحر خارج صدفه كان لقطة; لأنه لا يوجد خلقة في البحر إلا داخل صدفه وظاهره أنه لا فرق بين المثقوب وغيره لكن قال الروياني في غير المثقوب إنه لواجده ولو وجد قطعة عنبر في معدنه كالبحر وقربه وسمكة أخذت منه فهو له وإلا فلقطة وزعم أن البحر ليس معدنه ممنوع فقد نص الشافعي رضي الله تعالى عنه على أنه ينبت في البحر قال جمع وما أعرض عنه من حب في أرض الغير فنبت يملكه مالكها ومن اللقطة إن تبدل نعله بغيرها فيأخذها فلا يحل له استعمالها إلا بعد تعريفها بشرطه أو تحقق إعراض المالك عنها فإن علم أن صاحبها تعمد أخذ نعله جاز له بيعها ظفرا بشرطه وأجمعوا على جواز أخذها في الجملة لأحاديث فيها يأتي بعضها مع أن الآيات الشاملة للبر والإحسان تشملها وعقبها للهبة; لأن كلا تمليك بلا عوض وغيره لإحياء الموات; لأن كلا تمليك من الشارع ويصح تعقيبها للقرض; لأن تملكها اقتراض من الشارع وأركانها لاقط ولقط وملقوط وستعلم من كلامه وفي اللقط معنى الأمانة إذ لا يضمنها والولاية على حفظها كالولي في مال المحجور والاكتساب بتملكها بشرطه وهو المغلب فيها.
"يستحب الالتقاط لواثق بأمانة نفسه" لما فيه من البر بل قال جمع يكره تركه لئلا يقع في يد خائن "وقيل يجب" حفظا لمال الآدمي كنفسه وأجيب بأنها أمانة أو كسب وكل منهما لا يجب ابتداء وقال جمع بل نقل عن الجمهور إن غلب على ظنه ضياعها لو تركها وجب وإلا فلا واختاره السبكي وخصه الغزالي بما إذا لم يكن عليه تعب في حفظها ولا يضمن وإن أثم بالترك وبحث الزركشي تقييد محل الخلاف بما إذا لم يتعين وإلا بأن لم يكن ثم غيره وجب كنظيره في الوديعة بل أولى; لأن تلك بيد مالكها ورد بأن شرط

 

ج / 3 ص -4- الوجوب ثم أن يبذل له المالك أجرة عمله وحرزه وهذا لا يتأتى هنا "ولا يستحب لغير واثق" بأمانة نفسه مع عدم فسقه خشية الضياع أو طرو الخيانة وقول ابن الرفعة أن التعبير بخائف على نفسه يفارق هذا; لأن الخوف أقوى في التوقع رده السبكي بأنه لا فرق بينهما أي من حيث إن المدار كما هو ظاهر على أن يكون أو يطرأ عليه ما يتولد عنه ولو احتمالا لكن قريبا ضياعها "ويجوز" له مع ذلك الالتقاط "في الأصح"; لأن خيانته لم تتحقق وعليه الاحتراز أما إذا علم من نفسه الخيانة فيحرم عليه أخذها كالوديعة "ويكره" تنزيها وقيل تحريما الالتقاط "لفاسق" ولو بنحو ترك صلاة وإن علمت أمانته في الأموال كما شمله إطلاقهم; لأنه قد يخون فيها وبحث الزركشي كالأذرعي أن محل الخلاف إذا خيف هلاكها لو تركها وإلا حرم قطعا وفيه نظر "والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط" بل يسن ولو لعدل كالوديعة; ولأنه يمتنع به من الخيانة ووارثه من أخذها اعتمادا لظاهر اليد ولا يستوعب فيه صفاتها بل بعضها الآتي ذكره في التعريف ولو خشي منه علم ظالم بها وأخذه لها امتنع وقيل يجب واختير لخبر صحيح بالأمر به من غير معارض له بل قال الأذرعي لو جزم بوجوبه على غير الواثق بأمانة نفسه لاتجه وإنما وجب في اللقيط; لأن أمر النسب أهم وتسن الكتابة عليها أنها لقطة وقيل تجب "و" المذهب "أنه يصح التقاط الفاسق" قال الزركشي وليست هذه مكررة مع قوله ويكره لفاسق فإن المراد بالصحيح هنا أن أحكام اللقطة هل تثبت له وإن منعناه الأخذ "و" التقاط "الصبي" والمجنون والمحجور عليه بسفه; لأن المغلب فيها معنى الاكتساب لا الأمانة والولاية وبهذا يتبين ما في قول الأذرعي المراد بالفاسق من لا يوجب فسقه حجرا عليه في ماله "و" التقاط المرتد و "الذمي" والمعاهد والمستأمن "في دار الإسلام" وإن لم يكن عدلا في دينه على الأوجه لذلك وخرج بها دار الحرب ففيها تفصيل مر "ثم الأظهر" بناء على صحة التقاط الفاسق ومثله فيما يأتي الكافر قال الأذرعي إلا العدل في دينه "أنه ينزع" الملتقط "من الفاسق" وإن لم يخش ذهابه به "ويوضع عند عدل"; لأن مال والده لا يقر في يده فأولى غيره والمتولي للوضع والنزع القاضي كما هو معلوم "و" الأظهر "أنه لا يعتد بتعريفه" كالكافر "بل يضم إليه رقيب" عدل يراقبه عند تعريفه. وقال جمع بل يعرف معه وذلك لئلا يفرط في التعريف فإذا تم التعريف تملكها قال الماوردي وأشهد عليه الحاكم بغرمها إذا جاء صاحبها ومؤنته عليه وكذا أجرة المضموم إليه حيث لم يكن في بيت المال شيء وله بعد التعريف التملك ولو ضعف الأمين عنها لم تنزع منه بل يعضده الحاكم بأمين يقوى به على الحفظ والتعريف "وينزع" وجوبا "الولي لقطة الصبي" والمجنون والسفيه لحقه وحق المالك وتكون يده نائبة عنه ويستقل بذلك "ويعرف" ويراجع الحاكم في مؤنة التعريف ليقترض أو يبيع له جزءا منها وكان الفرق بين هذا وما يأتي أن مؤنة التعريف على المتملك وجوب الاحتياط لمال الصبي ونحوه ما أمكن ولا يصح تعريف الصبي والمجنون قال الدارمي إلا إن كان الولي معه والأذرعي إلا إن راهق ولم يعرف بكذب بخلاف السفيه الغير الفاسق فإنه يصح تعريفه; لأنه يوثق بقوله دونهما "ويتملكها للصبي" أو نحوه "إن رأى

 

ج / 3 ص -5- ذلك" مصلحة له وذلك "حيث يجوز الاقتراض له"; لأن تملكها كالاستقراض فإن لم يره حفظها أو سلمها للقاضي الأمين "ويضمن" في مال نفسه ولو الحاكم فيما يظهر خلافا للزركشي ومن تبعه "إن قصر في انتزاعه" أي الملتقط من المحجور "حتى تلف" أو أتلف "في يد الصبي" أو نحوه لتقصيره كما لو ترك ما احتطبه حتى تلف أو أتلف ثم يعرف التالف أما إذا لم يقصر بأن لم يشعر بها فأتلفها نحو الصبي ضمنها في ماله دون الولي وإن تلفت لم يضمنها أحد وللولي وغيره أخذها منه التقاطا ليعرفها ويتملكها ويبرأ الصبي حينئذ من ضمانها "والأظهر بطلان التقاط العبد" أي القن الذي لم يأذن له سيده ولم ينهه وإن نوى سيده; لأنه يعرضه للمطالبة ببدلها لوقوع الملك له; ولأن فيه شائبة ولاية وتملك وليس من أهلهما وبه يفرق بينه وبين نحو الفاسق فإنهم وإن انتفت عنهم الشائبة الأولى فيهم أهلية للشائبة الثانية على أن المغلب معنى الاكتساب أما إذا أذن له ولو في مطلق الاكتساب فيصح وإن نهاه لم يصح قطعا "ولا يعتد بتعريفه" إذا بطل التقاطه; لأن يده ضامنة وحينئذ لا يصح تملكه ولو لسيده بإذنه وإذا لم يصح التقاطه فهو مال ضائع "فلو أخذه" أي الملتقط "سيده" أو غيره "منه كان التقاطا" من الآخذ فيعرف ويتملك ويسقط الضمان عن العبد ولسيده أن يقره بيده ويستحفظه إياه إن كان أمينا وإلا ضمنه لتعديه بإقراره معه حينئذ فكأنه أخذه منه ورده إليه ويتعلق الضمان بسائر أمواله ومنها رقبة العبد فيقدم صاحبها برقبته فإن لم يعلم تعلق برقبة العبد فقط ولو عتق قبل أن يؤخذ منه جاز له تملكه إن بطل الالتقاط وإلا فهو كسب قنه فله أخذه ثم تعريفه ثم تملكه "قلت المذهب صحة التقاط المكاتب كتابة صحيحة"; لأنه كالحر في الملك والتصرف فيعرف ويتملك ما لم يعجز قبل التملك وإلا أخذها القاضي لا السيد وحفظها لمالكها أما المكاتب كتابة فاسدة فكالقن "و" التقاط "من بعضه حر"; لأنه كالحر فيما ذكر "وهي" أي اللقطة "له ولسيده" يعرفانها ويتملكانها بحسب الحرية والرق إن لم يكن بينهما "فإن كان" بينهما "مهايأة" بالهمز أي مناوبة "ف" اللقطة بعد تعريفها وتملكها "لصاحب النوبة" منهما التي وجدت اللقطة فيها "في الأظهر" بناء على الأصح من دخول الكسب النادر في المهايأة ولو تخلل مدة تعريف المبعض نوبة السيد ولم يأذن له فيه أناب من يعرف عنه على الأوجه ولو تنازعا فيمن وجدت في يده صدق من هي بيده كما دل عليه النص فإن لم تكن بيد واحد منهما كانت بينهما فيما يظهر بعد أن يحلف كل للآخر "وكذا حكم سائر النادر" أي باقيه "من الأكساب" كالهبة بأنواعها والوصية والركاز; لأن مقصود المهايأة التفاضل وأن يختص كل بما في نوبته "و" من "المؤن" كأجرة طبيب وحجام إلحاقا للغرم بالغنم وظاهر كلام شارح أن العبرة في الكسب بوقت وجوده وفي المؤن بوقت وجود سببها كالمرض وفيه نظر والذي يتجه أنهما سواء فيعتبر وقت الاحتياج للمؤن وإن وجد سببها في نوبة الآخر "إلا أرش الجناية" منه أو عليه الواقعة في نوبة أحدهما "والله أعلم" فلا يدخل لتعلقه بالرقبة وهي مشتركة واعتراض حمل المتن على الثانية; لأنها مبحوثة لمن بعده يرد بأن كلامه إذا صلح لها بان أنها غير مبحوثة لمن ذكر

 

ج / 3 ص -6- وإن لم توجد في كلام غيره.

فصل في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفهما
"الحيوان المملوك" ويعرف ذلك بكونه موسوما أو مقرطا مثلا "الممتنع من صغار السباع" كذئب ونمر وفهد ونوزع فيه بأن هذه من كبارها وأجيب بحملها على صغيرها أخذا من كلام ابن الرفعة ويرد بأن الصغر من الأمور النسبية فهذه وإن كبرت في نفسها هي صغيرة بالنسبة للأسد ونحوه "بقوة كبعير وفرس" وحمار وبغل "أو بعدو كأرنب وظبي أو طيران كحمام إن وجد بمفازة" ولو آمنة وهي المهلكة قيل سميت بذلك على القلب تفاؤلا وقال ابن القطاع بل هي من فاز هلك ونجا فهو ضد فهي مفعلة من الهلاك "فللقاضي" أو نائبه "التقاطه للحفظ"; لأن له ولاية على أموال الغائبين ولا يلزمه وإن خشي ضياعه كما اقتضاه كلامه بل قال السبكي إذا لم يخش ضياعه لا ينبغي أن يتعرض له والأذرعي يجب الجزم بتركه إذا اكتفى بالرعي وأمن عليه ولو أخذه احتاج إلى الإنفاق عليه قرضا على مالكه واحتاج مالكه لإثبات أنه ملكه وقد يتعذر عليه ذلك وقال القاضي يبيعه حيث لا حمى ويحفظ ثمنه; لأنه الأنفع نعم ينتظر صاحبه يوما أو يومين إن جوز حضوره. والذي يتجه تخيير القاضي بين الثلاثة وقضية لزوم العمل بالأصلح في مال الغائب تعين الأصلح عليه هنا "وكذا لغيره" من الآحاد أخذه للحفظ من المفازة "في الأصح" صيانة له ومن ثم جاز له ذلك في زمن الخوف قطعا وامتنع إذا أمن عليه أي يقينا قطعا كما في الوسيط ومحله كما اعتمده في الكفاية إن لم يعرف صاحبه وإلا جاز له أخذه قطعا ويكون أمانة بيده "ويحرم" على الكل "التقاطه" زمن الأمن من المفازة "للتملك" للنهي عنه في ضالة الإبل وقيس بها غيرها بجامع إمكان عيشها بلا راع إلى أن يجدها مالكها لتطلبه لها فإن أخذه ضمنه ولم يبرأ إلا برده للقاضي أما زمن النهب فيجوز التقاطه للتملك قطعا في الصحراء وغيرها قيل هذا إن لم يكن عليه أمتعة وإلا ولم يمكن أخذها إلا بأخذه فالظاهر أن له حينئذ أخذه للتملك تبعا لها; ولأن وجودها عليه وهي ثقيلة تمنعه من ورود الماء والشجر والفرار من السباع وقد يفرق بين الأمتعة الخفيفة والثقيلة وهو الأوجه انتهى وفيه نظر واضح إذ لا تلازم بين أخذها وأخذه ولا يلزم من أخذها وهي عليه وضع يده عليه فيتخير في أخذها بين التملك والحفظ وهو لا يأخذ إلا للحفظ ودعوى أن وجودها ثقيلة عليه صيره كغير الممتنع ممنوعة وخرج بالمملوك غيره ككلب يقتنى فيحل التقاطه وله الاختصاص والانتفاع به بعد تعريفه والبعير المقلد تقليد الهدي لواجده أيام منى أخذه وتعريفه فإن خشي خروج وقت النحر نحره وفرقه ويسن له استئذان الحاكم وكان سبب تجويزهم ذلك في مال الغير بمجرد التقليد مع أنه لا يزول به ملكه قوة القرينة المغلبة على الظن أنه هدي مع التوسعة به على الفقراء وعدم تهمة الواجد. فإن المصلحة لهم لا له فاندفع ما لشارح هنا وظاهر أنه لو ظهر صاحبه وقال إنه غير هدي صدق بيمينه وحينئذ فالقياس أن الذابح يستقر عليه ما بين قيمته حيا ومذبوحا;

 

ج / 3 ص -7- لأنه الذي فوته بذبحه والآكلين تستقر عليهم قيمة اللحم والذابح طريق ورجح الزركشي من تردد له في موقوف وموصى بمنفعته أبدا لم يعلم مستحقهما أنه لا يتملك والذي يتجه في الأول جواز تملك منفعته بعد التعريف; لأنها مملوكة للموقوف عليه فهي من حيز الأموال المملوكة وفي الثاني جواز تملكها كرقبته; لأنهما مملوكان; الرقبة للوارث والمنفعة للموصى له "وإن وجد" الحيوان المذكور "بقرية" مثلا أو قريب منها أي عرفا بحيث لا يعد في مهلكة فيما يظهر "فالأصح جواز التقاطه" في غير الحرم والأخذ بقصد الخيانة "للتملك" لسوق أيدي الخونة إليه هنا دون المفازة لندرة طروقها ولاعتياد إرسالها فيها بلا راع فلا تكون ضالة بخلاف العمران وقد يمتنع التملك كالبعير المقلد وكما لو دفعها للقاضي معرضا عنها ثم عاد لإعراضه المسقط لحقه "وما لا يمتنع منها" أي من صغار السباع "كشاة" وعجل وفصيل وكسير إبل وخيل "يجوز التقاطه" للحفظ و "للتملك في القرية والمفازة" زمن الأمن والنهب ولو لغير القاضي كما اقتضاه إطلاق الخبر وصونا له عن الضياع "ويتخير آخذه" أي المأكول للتملك "من مفازة" بين ثلاثة أمور "فإن شاء عرفه" وينفق عليه "وتملكه" بعد التعريف كغيره "أو باعه" بإذن الحاكم إن وجده بشرطه الآتي "وحفظ ثمنه" كالأكل بل أولى "وعرفها" أي اللقطة بعد بيعها لا الثمن ولذا أنث الضمير هنا حذرا من إيهام عوده على الثمن وذكره في أكله; لأنه لا إيهام فيه "ثم تملكه" أي الثمن "أو" تملكه حالا ثم "أكله" إن شاء إجماعا ويفرق بين احتياجه لإذن الحاكم في البيع لا هنا كما يصرح به كلامهم بأن البيع فيه رعاية مصلحة المالك وهي منوطة بنظر الحاكم والتملك المصلحة فيه الناجزة للملتقط فقط فلم يتوقف على نظر حاكم ولا يجوز له أكله قبل تملكه نظير ما يأتي فيما يسرع فساده. "وغرم قيمته" يوم تملكه لا أكله كما يصرح به آخر الباب خلافا لمن وهم فيه لمالكه "إن ظهر مالكه" ولا يجب تعريفه في هذه الخصلة على الظاهر عند الإمام وسيأتي عنه نظيره بما فيه وعلل ذلك بأن التعريف إنما يراد للتملك وهو قد وقع قبل الأكل واستقر به بدله في الذمة ومن ثم لم يلزمه إفرازه بل لا يعتد به; لأن بقاءه بذمته أحفظ وليس له بيع بعضه للإنفاق لئلا تستغرق النفقة باقيه ولا الاستقراض على المالك لذلك وفارق ما مر في هرب الجمال بأنه ثم يتعذر بيع العين ابتداء لتعلق الإجارة بها وعدم الرغبة فيها غالبا حينئذ ولا كذلك اللقطة ولا يرجع بما أنفق إلا إن أذن له الحاكم إن أمكنت مراجعته وإلا كأن خاف عليه أو على ماله فيما يظهر أشهد على أنه ينفق بنية الرجوع وأولاهن الأولى; لأن فيها حفظ العين على مالكها ثم الثانية لتوقف استباحة الثمن على التعريف والأكل تتعجل استباحته قبله ومحل ذلك إن لم يكن أحدهما أحظ للمالك وإلا تعين كما قاله الماوردي ويؤيده ما يأتي بل وزاد رابعة هي تملكها حالا ليستبقها حية لدر أو نسل; لأنه أولى من الأكل وله إبقاؤه لمالكه أمانة إن تبرع بإنفاقه.
"فرع" أعيا بعيره مثلا فتركه فقام به غيره حتى عاد لحاله ملكه عند أحمد والليث ورجع بما صرفه عنه مالك وعندنا لا يملكه ولا يرجع بشيء إلا إن استأذن الحاكم في

 

ج / 3 ص -8- الإنفاق أو أشهد عند فقده أنه ينفق بنية الرجوع أو نوى فقط عند فقد الشهود; لأن فقدهم هنا غير نادر كما علم مما مر آخر الإجارة ومن أخرج متاعا غرق ملكه عند الحسن البصري ورد بالإجماع على خلاف.
"فإن أخذه من العمران" أو كان غير مأكول "فله الخصلتان الأوليان لا الثالثة" وهي الأكل "في الأصح" لسهولة البيع هنا لا ثم ولمشقة نقلها إلى العمران وقضيته أنه لو نقله للعمران فيما مر امتنع الأكل "ويجوز أن يلتقط" من يصح التقاطه في زمن الأمن والخوف ولو للتملك "عبدا" أي قنا "لا يميز" ومميزا لكن في زمن الخوف لا الأمن; لأنه يستدل على سيده نعم يمتنع التقاط أمة تحل له للتملك مطلقا وحيث جاز له التقاط القن فله الخصلتان الأوليان وينفقه من كسبه إن كان وإلا فكما مر وصور الفارقي معرفة رقه دون مالكه بأن تكون به علامة دالة على الرق كعلامة الحبشة والزنج ونظر فيه غيره ثم صوره بما إذا عرف رقه أو لا وجهل مالكه ثم وجده ضالا ولو ظهر مالكه بعد تملك الملتقط وبصرفه فادعى عتقه أو نحو بيعه قبله صدق بيمينه وبطل التصرف "ويلتقط غير الحيوان" من الجماد كالنقد وغيره حتى الاختصاص كما مر "فإن كان يسرع فساده كهريسة" ورطب لا يتتمر تخير بين خصلتين فقط "فإن شاء باعه" بإذن الحاكم إن وجده ولم يخف منه عليه كما هو ظاهر وإلا استقل به فيما يظهر "وعرفه" بعد بيعه لا ثمنه "ليتملك ثمنه وإن شاء تملكه" باللفظ لا النية هنا وفيما مر كما هو ظاهر مما يأتي "في الحال وأكله"; لأنه معرض للهلاك ويجب فعل الأحظ منهما نظير ما يأتي ويمتنع إمساكه لتعذره "وقيل إن وجده في عمران وجب البيع" لتيسره وامتنع الأكل نظير ما مر وفرق الأول بأن هذا يفسد قبل وجود مشتر وإذا أكل لزمه التعريف للمأكول إن وجده بعمران لا صحراء نظير ما مر ونازع فيه الأذرعي بأن الذي يفهمه إطلاق الجمهور وجوبه مطلقا قال ولعل مراد الإمام القائل بالأول وصححه في الشرح الصغير أنه لا يعرف بالصحراء بدليل قوله; لأنه لا فائدة فيه بخلاف العمران "وإن أمكن بقاؤه بعلاج كرطب يتجفف" وجبت رعاية الأغبط للمالك لكن بعد مراجعة القاضي فيه كما بحثه الأذرعي فلا يستقل به "فإن كانت الغبطة في بيعه بيع" جميعه بإذن الحاكم إن وجده بقيده السابق "أو" كانت الغبطة "في تجفيفه" أو استوى الأمران "وتبرع به الواجد" أو غيره "جففه وإلا" يتبرع به أحد "بيع بعضه" المساوي لمؤنة التجفيف "لتجفيف الباقي" طلبا للأحظ كولي اليتيم وإنما باع كل الحيوان لئلا يأكله كله كما مر والعمران هنا نحو المدرسة والمسجد والشارع إذ هي والموات محال اللقط لا غير كما مر ،"ومن أخذ لقطة للحفظ أبدا" وهو أهل للالتقاط "فهي" كدرها ونسلها "أمانة بيده"; لأنه يحفظها لمالكها كالوديع ومن ثم ضمنها إذا قصر كأن ترك تعريفا لزمه على ما يأتي ومحله كما بحثه الأذرعي وسيأتي عن النكت وغيرها ما يصرح به حيث لم يكن له عذر معتبر في تركه أي كخشية أخذ ظالم لها وكذا الجهل بوجوبه إن عذر به على الأوجه "فإن دفعها إلى القاضي لزمه القبول" حفظا لها على صاحبها; لأنه ينقلها إلى أمانة أقوى وإنما لم يلزمه قبول الوديعة حيث لا ضرورة لإمكان

 

ج / 3 ص -9- ردها لمالكها مع أنه التزم الحفظ له وكذا لو أخذ للتملك ثم تركه وردها له يلزمه القبول وظاهر أنه لا يجوز دفعها لقاض غير أمين وأنه لا يلزمه القبول وأن الدافع له يضمنها "ولم يوجب الأكثرون التعريف" في غير لقطة الحرم "والحالة هذه" أي كونه أخذها للحفظ; لأن الشرع إنما أوجبه لأجل أن له التملك بعده. وقال الأقلون يجب أي حيث لم يخف أخذ ظالم لها كما يعلم مما يأتي لئلا يفوت الحق بالكتم واختاره وقواه في الروضة وصححه في شرح مسلم واعتمده الأذرعي; لأن صاحبها قد لا يمكنه إنشادها لنحو سفر أو مرض ويمكن الملتقط التخلص عن الوجوب بالدفع للقاضي الأمين فيضمن بترك التعريف أي بالعزم على تركه من أصله ولا يرتفع ضمانه به لو بدا له بعد قال ولا يلزمه مؤنة التعريف في ماله على القولين خلافا لما نقله الغزالي أن المؤنة تابعة للوجوب ولو بدا له قصد التملك أو الاختصاص عرفها سنة من حينئذ ولا يعتد بما عرفه قبله أما إذا أخذها للتملك أو الاختصاص فيلزمه التعريف جزما "فلو قصد بعد ذلك" أي أخذها للحفظ وكذا بعد أخذها للتملك "خيانة لم يصر ضامنا" بمجرد القصد "في الأصح" فإن انضم لقصد ذلك استعمال أو نقل من محل لآخر ضمن كالوديع فيها ويؤخذ منه أنه يأتي هنا جميع ما يأتي ثم في مسائل الاستعمال والنقل ونحوهما وإذا ضمن في الأثناء بخيانة ثم أقلع وأراد أن يعرف ويتملك جاز وإنما لم يعد الوديع أمينا بغير استئمان ثان من المالك لجواز الوديعة فلم تعد بعد رفعها بغير عقد بخلاف اللقطة. وخرج بالأثناء ما في قوله "وإن أخذ" ها "بقصد خيانة فضامن" لقصده المقارن لأخذه ويبرأ بالدفع لحاكم أمين "وليس له بعده أن يعرف ويتملك" أو يختص "على المذهب" نظرا للابتداء; لأنه غاصب "وإن أخذ" ها "ليعرف ويتملك" بعد التعريف "ف" هي "أمانة" بيده "مدة التعريف وكذا بعدها ما لم يختر التملك في الأصح" كما قبل مدة التعريف وإن أخذها لا بقصد حفظ ولا تملك أو لا بقصد خيانة ولا أمانة أو بقصد أحدهما ونسيه فأمانة وله تملكها بشرطه اتفاقا وقضية كلام شارح هنا أنه يكون أمينا في الاختصاص ما لم يختص به فيضمنه حينئذ كما في التملك وهو غفلة عما مر في الغصب إن الاختصاص يحرم غصبه ولا يضمن إن تلف أو أتلف "و" عقب الأخذ "يعرف" بفتح أوله ندبا على الأوجه وفاقا للأذرعي وغيره وخلافا لابن الرفعة محل التقاطها و "جنسها وصفتها" الشامل لنوعها "وقدرها" بعدد أو ذرع أو كيل أو وزن "وعفاصها" أي وعاءها توسعا إذ أصله جلد يلبس رأس القارورة كذا قال شارح وفيه نظر فإن عبارة القاموس صريحة في أنه مشترك بين الوعاء الذي فيه النفقة جلدا أو خرقة وغلاف القارورة والجلد الذي يغطى به رأسها "ووكاءها" بكسر أوله وبالمد أي خيطها المشدودة به لأمره صلى الله عليه وسلم بمعرفة هذين وقيس بهما غيرهما لئلا تختلط بغيرها وليعرف صدق واصفها ويسن تقييدها بالكتابة كما مر خوف النسيان. أما عند تملكها فتجب معرفة ذلك على الأوجه ليخرج منه لمالكها إذا ظهر "ثم" بعد معرفته ذلك "يعرفها" بضم أوله وجوبا أو ندبا على ما مر بنفسه أو نائبه من غير أن يسلمها له العاقل الذي لم يشتهر بالمجون والخلاعة ولو غير عدل إن وثق بقوله ولو محجورا عليه بسفه وافهم قوله ثم

 

ج / 3 ص -10-          إنه لا تجب المبادرة للتعريف وهو ما صححاه لكن خالف فيه القاضي أبو الطيب فقال يجب فورا واعتمده الغزالي قيل قضية الأول جواز التعريف بعد عشرين سنة وهو في غاية البعد والظاهر أن مراده بذلك عدم الفورية المتصلة بالالتقاط ا هـ وتوسط الأذرعي فقال لا يجوز تأخيرها عن زمن تطلب فيه عادة ويختلف بقلتها وكثرتها ووافقه البلقيني فقال يجوز التأخير ما لم يغلب على ظنه فوات معرفة المالك به ولم يتعرضوا له انتهى وقد تعرض له في النهاية فإنه حكى فيها وجها أن التعريف ينفع وإن نسيت اللقطة وإن ذلك التأخير يتجبر بأن يذكر في التعريف وقت وجدانها وجوبا وأن من قال ندبا فقد تساهل فالحاصل أنه متى أخر حتى ظن نسيانها ثم عرف وذكر وقت وجدانها جاز وإلا فلا وأن ما مر عن الشيخين مقيد بذلك. وعن الأذرعي والبلقيني قوي مدركا لا نقلا وفي نكت المصنف كالجيلي أنه لو غلب على ظنه أخذ ظالم لها حرم التعريف وكانت بيده أمانة أبدا أي فلا يتملكها بعد السنة كما أفتى به الغزالي لكن أفتى ابن الصباغ بأنه لو خشي من التعريف استئصال ماله عذر في تركه وله تملكها بعد السنة والأول أوجه "في الأسواق" عند قيامها "وأبواب المساجد" عند خروج الناس منها; لأنه أقرب إلى وجدانها ويكره تنزيها مع رفع الصوت كما في شرح المهذب وقيل تحريما وانتصر له غير واحد بل حكى فيه الماوردي الاتفاق بمسجد كإنشادها فيه واستثنى الماوردي والشاشي المسجد الحرام والفرق أنه لا يمكن تملك لقطة الحرم فالتعريف فيه محض عبادة بخلاف غيره فإن المعرف منهم بقصد التملك وبه يرد على من ألحق به مسجد المدينة والأقصى وعلى تنظير الأذرعي في تعميم ذلك لغير أيام الموسم "ونحوها" من المجامع والمحافل ومحاط الرحال لما مر وليكن أكثره بمحل وجودها ولا يجوز له السفر بها بل يعطيها بأمر القاضي من يعرفها وإلا ضمن نعم لمن وجدها بالصحراء تعريفها بمقصده قرب أم بعد استمر أم تغير وقيل يتعين أقرب البلاد لمحلها واختير. وإن جازت بمحلها قافلة تبعها وعرفها.
"فرع" وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم كاللقطة قاله القفال ويجب في غير الحقير الذي لا يفسد بالتأخير أن يعرف للحفظ بناء على ما مر من وجوب التعريف فيه أو للتملك.
"سنة" من أول وقت التعريف للخبر الصحيح فيه ولو وجدها اثنان عرفاها سنة ولو منفردين عند السبكي; لأن قسمتها إنما تكون عند التملك لا قبله وكل سنة عند ابن الرفعة; لأنه في النصف كلقطة كاملة وهو المتجه نعم لو أناب أحدهما الآخر اعتد بتعريفه عنهما فيما يظهر ويظهر أيضا أنه لو عرف أحدهما سنة دون الآخر جاز له تملك نصفها وطلب القسمة وقد يجب التعريف سنتين على واحد بأن يعرف سنة قاصدا الحفظ بناء على أن التعريف حينئذ واجب ثم يرد التملك فيلزمه من حينئذ سنة أخرى ولا يشترط استيعاب السنة كلها بل يكون "على العادة" زمنا ومحلا وقدرا "يعرف أولا كل يوم" مرتين "طرفي النهار" أسبوعا "ثم كل يوم مرة" طرفه إلى أن يتم أسبوع آخر "ثم كل أسبوع مرة

 

ج / 3 ص -11-          أو مرتين" أي إلى أن يتم سبعة أسابيع أخذا مما قبله. "ثم" في "كل شهر" مرة بحيث لا ينسى أن الأخير تكرار للأول وزيد في الأزمنة الأول; لأن تطلب المالك فيها أكثر وتحديد المرتين وما بعدهما بما ذكر أوجه من قول شارح مرادهم أنه في ثلاثة أشهر يعرف كل يوم مرتين وفي مثلها كل يوم مرة وفي مثلها كل أسبوع مرة وفي مثلها كل شهر مرة.
"تنبيه" الظاهر أن هذا التحديد كله للندب لا للوجوب كما يفهمه ما يأتي أنه يكفي سنة مفرقة على أي وجه كان التفريق بقيده الآتي.
"ولا تكفي سنة متفرقة" كأن يفرق اثني عشر شهرا من اثني عشر سنة "في الأصح"; لأن المفهوم من السنة في الخبر التوالي وكما لو حلف لا يكلم زيدا سنة "قلت الأصح تكفي والله أعلم" لإطلاق الخبر وكما لو نذر صوم سنة ويفرق بين هذا والحلف بأن القصد به الامتناع والزجر وهو لا يتم إلا بالتوالي ومحل هذا إن لم يفحش التأخير بحيث ينسى التعريف الأول وإلا وجب الاستئناف أو ذكر وقت الوجدان أخذا مما مر في تأخير أصل التعريف إذ لا فرق بينه وبين هذا ولو مات الملتقط أثناء التعريف بنى وارثه كما بحثه الزركشي وأبو زرعة ورد قول شيخه البلقيني. الأقرب الاستئناف كما لا يبنى على حول مورثه في الزكاة بحصول المقصود هنا لا ثم لانقطاع حول المورث بخروج الملك عنه بموته فيستأنف الوارث الحول لابتداء ملكه. "ويذكر" ندبا "بعض أوصافها" في التعريف كجنسها وعفاصها ووكائها ومحل وجدانها; لأنه أقرب لوجدانها ولا يستوعبها أي يحرم عليه ذلك لئلا يعتمدها كاذب فإن فعل ضمن كما صححه في الروضة; لأنه قد يرفعه إلى من يلزمه الدفع بالصفات وإذا ذكر الجنس لم تجز الزيادة عليه على ما اعتمده الأذرعي "ولا تلزمه مؤنة التعريف إن أخذ لحفظ" أو لا لحفظ ولا لتملك أو اختصاص; لأنه لمصلحة المالك "بل يرتبها القاضي من بيت المال" قرضا كما قاله ابن الرفعة واعترض بأن قضية كلامهما أنه تبرع واعتمده الأذرعي "أو يقترض" من اللاقط أو غيره "على المالك" أو يأمر الملتقط به ليرجع على المالك أو يبيع جزءا منها إن رآه نظير ما مر في هرب الجمال فيجتهد ويلزمه فعل الأحظ للمالك من هذه الأربعة فإن عرف من غير واحد مما ذكر فمتبرع وظاهر المتن وأصله جريان ذلك أوجبنا التعريف أو لا وصرح به جمع واعتمده محققو المتأخرين ويوافقه كلام الروضة وأصلها. وهو إن قلنا لا يجب التعريف فهو متبرع إن عرف وإن قلنا يجب فليس عليه مؤنته بل يرفع الأمر إلى القاضي وذكر ما في المتن وهو صريح فيما ذكر وبه صرح الأذرعي فقال لا تلزمه مؤنة التعريف في ماله على القولين خلافا لما نقله الغزالي أن المؤنة تابعة للوجوب "وإن أخذ" رشيد "للتملك" أو الاختصاص ابتداء أو في الأثناء ولو بعد لقطه للحفظ "لزمته" مؤنة التعريف وإن لم يتملك بعد; لأن الحظ له في ظنه حالة التعريف "وقيل إن لم يتملك فعلى المالك" لعود الفائدة له قيل الأولى في حكاية هذا ليوافق ما في الروضة وقيل إن ظهر للمالك فعليه ليشمل ظهوره بعد التملك أما غير الرشيد فلا يخرج وليه مؤنته من ماله وإن رأى التملك له أحظ بل يرفعها للحاكم ليبيع جزءا منها لمؤنته وإن نازع فيه الأذرعي.

 

ج / 3 ص -12-          "والأصح أن الحقير" قيل هو دينار وقيل درهم وقيل وزنه وقيل دون نصاب السرقة والأصح عندهما أنه لا يتقدر بل ما يظن أن صاحبه لا يكثر أسفه عليه ولا يطول طلبه له غالبا. "لا يعرف سنة"; لأن فاقده لا يتأسف عليه سنة وأطال جمع في ترجيح المقابل بأنه الذي عليه الأكثرون والموافق لقولهما أن الاختصاص يعرفه سنة ثم يختص به ويرد بأن الكلام كما هو ظاهر في اختصاص عظيم المنفعة يكثر أسف فاقده عليه سنة غالبا "بل" الأصح أنه لا يلزمه أن يعرفه إلا "زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه" بعده "غالبا" ويختلف باختلافه فدانق الفضة حالا والذهب نحو ثلاثة أيام وبقولي بعده الدال عليه السياق اندفع ما قيل الأولى أن يقول لا يعرض عنه أو إلى زمن يظن أن فاقده يعرض عنه فيجعل ذلك الزمن غاية لترك التعريف لا طرفا للتعريف هذا كله إن تمول وإلا كحبة زبيب استبد به واجده ولو في حرم مكة كما هو ظاهر وقد سمع عمر رضي الله عنه من ينشد في الطواف زبيبة فقال إن من الورع ما يمقته الله ورأى صلى الله عليه وسلم تمرة في الطريق فقال "لولا أخشى أن تكون صدقة لأخذتها" قيل هو مشكل; لأن الإمام يلزمه أخذ المال الضائع لحفظه وليس في محله; لأن ذلك يقتضي إعراض مالكها عنها وخروجها عن ملكه فهي الآن مباحة فتركها لمن يريد تملكها مشيرا له إلى ذلك ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الإعراض عنها. وقول الزركشي ينبغي تخصيصه بما لا زكاة فيه أو بمن تحل له كالفقير معترض بأن الظاهر اغتفار ذلك كما جرى عليه السلف والخلف وبحث غيره تقييده بما ليس فيه حق لمن لا يعبر عن نفسه اعترضه البلقيني بأن ذلك إنما يظهر في نحو الكسرة مما قد يقصد وسبقت اليد عليه بخلاف السنابل وألحق بها أخذ ماء مملوك يتسامح به عادة ومر في الزكاة ويأتي قبيل الأضحية ما له تعلق بذلك فراجعه

فصل في تملكها وغرمها وما يتبعهما
"إذا عرف" اللقطة بعد قصده تملكها "سنة" أو دونها في الحقير جاز له تملكها إلا في صور مرت كأن أخذها للخيانة أو أعرض عنه أو كانت أمة تحل له وقول الزركشي ينبغي أنه يعرفها ثم تباع ويتملك ثمنها نظير ما مر فيما يتسارع فساده يرد بوضوح الفرق بأن هذا مانعه عرضي وهي مانعها ذاتي يتعلق بالبضع لما مر في القرض وهو يمتاز بمزيد احتياط وإذا أراده "لم يملكها حتى يختاره بلفظ" من ناطق صريح فيه "كتملكت" أو كناية مع النية فيما يظهر كما هو قياس سائر الأبواب كأخذته أو إشارة أخرس وبحث ابن الرفعة أنه لا بد في الاختصاص ككلب وخمر محترمين من لفظ يدل على نقل الاختصاص الذي كان لغيره لنفسه "وقيل تكفي النية" أي تجديد قصد التملك إذ لا معاوضة ولا إيجاب "وقيل تملك بمضي السنة" بعد التعريف اكتفاء بقصد التملك السابق "فإن تملكها" فلم يظهر المالك لم يطالب بها في الآخرة; لأنها من كسبه كما في شرح مسلم أو "فظهر المالك" وهي باقية بحالها "واتفقا على رد عينها" أو بدلها "فذاك" ظاهر. إذ الحق لا يعدوهما ومؤنة الرد عليه ويردها بزيادتها المتصلة لا المنفصلة إن حدثت بعد التملك وإلا

 

ج / 3 ص -13-          رجع فيها لحدوثها بملكه وإن أرادها المالك وأراد الملتقط العدول إلى بدلها أو لم يتعلق بها حق لازم يمنع بيعها "أجيب المالك في الأصح" كالقرض ومن ثم لو تعلق بها ذلك تعين البدل فإن لم يتنازعا وردها له سليمة لزمه القبول "فإن تلفت" المملوكة حسا أو شرعا بعد التملك "غرم مثلها" إن كانت مثلية "أو قيمتها" إن كانت متقومة وبحث ابن الرفعة أخذا من تشبيهها بالقرض أنه يجب فيما له مثل صوري رد المثل الصوري ورده الأذرعي بأنه لا يبعد الفرق وهو كما قال وذلك; لأن ذاك تملك برضا المالك وإحسانه فروعي وهذا قهري عليه فكان بضمان اليد أشبه أما المختصة فلا بدل لها ولا لمنفعتها كالكلب وتعتبر قيمتها "يوم التملك" أي وقته; لأنه وقت دخولها في ضمانه "وإن نقصت بعيب" أو نحوه طرأ بعد التملك "فله" بل يلزمه لو طلب بدلها والملتقط ردها مع أرشها "أخذها من الأرش في الأصح" للقاعدة أن ما ضمن كله عند التلف يضمن بعضه عند النقص قيل ولم يخرج عنها إلا المعجل فإنه لا يجب أرشه كما مر ولو وجدها مبيعة في زمن الخيار الذي لم يختص بالمشتري فله الفسخ وأخذها على ما جزم به ابن المقري ويوافقه قول الماوردي للبائع الرجوع في المبيع إذا باعه المشتري وحجر عليه بالفلس في زمن الخيار إلا أن يفرق بأن الحجر ثم مقتض للتفويت ولا كذلك هنا وبه يتأيد ما اقتضاه كلام الرافعي أنه إن لم يفسخه انفسخ كما لو باع العدل الرهن بثمن مثله وطلب في المجلس بزيادة أي فكما أن العدل يلزمه الفسخ وإلا انفسخ رعاية لمصلحة المالك فكذا البائع هنا يلزمه ذلك لمصلحة المالك; لأن الفرض أنه أراد الرجوع لعين ماله فإن قلت ما الفرق بين المالك هنا والشفيع فإن له إبطال تصرف المشتري قلت يفرق بأن الشفيع لو لم يجز له ذلك ضاع حقه من أصله. ولا كذلك المالك هنا فإنه حيث تعذر رجوعه وجب له البدل "وإذا ادعاها رجل ولم يصفها ولا بينة" له بها "لم تدفع" أي لم يجز دفعها "إليه" ما لم يعلم أنها له لخبر {لو أعطي الناس بدعواهم} ويكفي في البينة شاهد ويمين ولا يكفي إخبارها للملتقط بل لا بد من سماع القاضي لها وقضائه على الملتقط بالدفع فإن خشي منه انتزاعها لشدة جوره احتمل الاكتفاء بإخبارها للملتقط واحتمل أنهما يحكمان من يسمعها ويقضى على الملتقط ولعل هذا أقرب "وإن وصفها" وصفا أحاط بجميع صفاتها "وظن" الملتقط "صدقه جاز الدفع" إليه قطعا عملا بظنه بل يسن هذا إن اتحد الواصف وإلا بأن ادعاها كل لنفسه ووصفها لم تسلم لأحد إلا بحجة كبينة سليمة من المعارض "ولا يجب على المذهب"; لأنه مدع فيحتاج للبينة ومتهم باحتمال سماعه لوصفها من نحو مالكها أما إذا لم يظن صدقه فلا يجوز الدفع له نعم لو قال له الواصف يلزمك تسليمها إلي حلف قال شارح إن لم يعتقد وجوب الدفع بالوصف. أنه لا يلزمه ذلك فإن نكل ولم يكن تملكها فهل ترد هذه اليمين كغيرها أو لا; لأن الرد كالإقرار وإقرار الملتقط لا يقبل على مالكها بفرض أنه غير الواصف كل محتمل وإن قال تعلم أنها ملكي حلف أنه لا يعلم ولو تلفت فشهدت البينة بوصفها ثبتت ولزمه بدلها كما في البحر عن النص وظاهر أن محله إن ثبت بإقراره أو غيره أن ما شهدت به البينة من الوصف هو وصفها

 

ج / 3 ص -14-          "فإن دفع" اللقطة لإنسان بالوصف "فأقام آخر بينة" أي حجة بأنها ملكه قال الشيخ أبو حامد وغيره بأنها لا تعلم أنها انتقلت منه ويوجه بفرض اعتماده بالاحتياط للملتقط لكونه لم يقصر "حولت إليه"; لأن الحجة توجب الدفع بخلاف الوصف "فإن تلفت عنده" أي الواصف المدفوع إليه لا بإلزام حاكم يرى وجوب الدفع إليه بالوصف "فلصاحب البينة تضمين الملتقط"; لأنه بان أنه سلم ما ليس له تسليمه "والمدفوع إليه"; لأنه بان أنه أخذ ملك الغير وخرج بدفع اللقطة ما لو تلفت عنده ثم غرم للواصف قيمتها فليس لمالكها تغريم الواصف; لأن ما أخذه مال الملتقط لا المدعي "والقرار عليه" أي على المدفوع إليه لتلفه في يده فيرجع عليه اللاقط بما غرمه ما لم يقر له بالملك; لأنه حينئذ يزعم أن الظالم له هو ذو البينة وفارق ق ما لو اعترف المشتري للبائع بالملك ثم استحق المبيع فإنه يرجع عليه بالثمن; لأنه إنما اعترف له بالملك لظاهر اليد بأن اليد دليل الملك شرعا فعذر بالاعتراف المستند إليها بخلاف الوصف فكان مقصرا بالاعتراف المستند إليه "قلت لا تحل لقطة الحرم" المكي "للتملك" ولا بلا قصد تملك "ولا حفظ على الصحيح" بل لا تحل إلا للحفظ أبدا للخبر الصحيح "لا تحل لقطتها إلا لمنشد" أي لمعرف على الدوام وإلا فسائر البلاد كذلك فلا تظهر فائدة التخصيص وادعاء أنها دفع إيهام الاكتفاء بتعريفها في الموسم يمنعه أنه لو كان هذا هو المراد لبينه وإلا فإيهام ما قلناه المتبادر منه أشد; ولأن الناس يكثر تكرر عودهم إليه فربما عاد مالكها أو نائبه فغلظ على أخذها بتعين حفظها عليه كما غلظ على القاتل فيه خطأ بتغليظ الدية عليه مع عدم إساءته وخرج بالحرم الحل ولو عرفة كما صححه في الانتصار; لأن ذلك من خصائص الحرم وفي وجه لا فرق وانتصر له بخبر مسلم نهى عن لقطة الحاج أي مجمع جميعهم لئلا يدخل فيه كل فرقة منهم وبالمكي حرم المدينة واختار البلقيني استواءهما "ويجب تعريفها" أي الملقوطة فيه للحفظ "قطعا والله أعلم" للخبر فتلزمه الإقامة له أو دفعها للقاضي أي الأمين فإن أراد سفرا ولا قاضي أمين ثم اتجه جواز تركها عند أمين "فرع" التقط مالا ثم ادعى أنه ملكه قبل قوله كما في الكفاية قال الغزي ومحله عند عدم المنازع بخلاف ما لو التقط صغيرا ثم ادعى أنه ملكه لا يقبل قوله فيه.