تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -515-        كتاب أمهات [الأولاد]
بضم الهمزة وكسرها مع فتح الميم وكسرها جمع أم وأصلها أمهة كما في الصحاح فهو جمع للفرع دون الأصل، لكن لما كان ما يثبت للفرع يثبت لأصله غالبا تسمح الشارح فجعلها نقلا عنه جمعا لأمهة وكأنه قربه مما قيل: هذا الجمع مخالف للقياس؛ لأن مفرده اسم جنس مؤنث بغير تاء ونظيره سماء وسماوات ويجمع على أمهات لكن الأول غالب في الناس، والثاني غالب في غيرهم "الأولاد" ختم بأبواب العتق تفاؤلا وختمها بهذا؛ لأنه قهري فهو أقواها، لكن لشائبة قضاء الوطر فيه توقف ابن عبد السلام في كونه قربة ويجاب بأن للوسائل حكم المقاصد فلا بعد مع ذلك في كونه قربة والأصل فيه الأخبار الصحيحة منها أنه صلى الله عليه وسلم استولد مارية القبطية بإبراهيم وقال: "أعتقها ولدها" أي: أثبت لها حق الحرية؛ لأنه انعقد حرا إجماعا، ومن ثم لما تناظر ابن سريج وابن داود الظاهري في بيعها فقال ابن داود: أجمعنا على أنها تباع قبل الولادة فيستصحب قال ابن سريج: أجمعنا على أنها لا تباع ما دامت حاملا فيستصحب فانقطع ابن داود، لكن كان من الممكن أن يجيب بأن المنع هنا لطرو سبب هو الحمل وما طرأ لسبب زال بزواله لحدوث تنجس المال الكثير بتغيره، وقد يرد زواله؛ لأن السبب ليس هو مجرد حملها به بل كون جزئها ثبت له الحرية ابتداء منجزة فسرت إليها تبعا، لكن منتظرة كما هو شأن تراخي التابع عن متبوعه وهذا الوصف لم يزل فكان الحق ما استدل به ابن سريج.
"إذا" آثرها على إن؛ لأنها تختص بالمشكوك، والموهوم، والنادر، بخلاف إذا للمتيقن، والمظنون، ولا شك أن إحبال الإماء كثير مظنون بل متيقن ونظيره:
إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً خص الوضوء بإذا لتكرره وكثرة أسبابه، والجنابة بإن لندرتها ولكثرة اللهو عن الموت حتى صار كأنه منسي مشكوك فيه أتى بإن معه في نحو وَلَئِنْ مُتُّمْ وأتى بإذا في وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ مع أن الموضع لإن نحو وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ لندرتها مبالغة في تخويفهم وإخبارهم بأنه لا بد أن يمسهم شيء من العذاب، وإن قل كما أشار إليه تنكير ضر ولفظ المس "أحبل" حر كله وكذا بعضه ولو مجنونا ومكرها ومحجور سفه وكذا فلس على المنقول الذي اعتمده البلقيني كابن الرفعة، لكن رجح السبكي خلافه وتبعه الأذرعي والزركشي. وخرج بالحر المكاتب فلا تعتق بموته أمته ولا ولدها؛ لما مر أنه ليس من أهل الولاء "أمته" أي: من له فيها ملك، وإن قل؛ لما قدمه في العتق بقوله: واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري ومثله استيلاد أصل أحدهما ولو كانت مزوجة، أو محرمة، أو مسلمة، وهو كافر ويحال بينه وبينها كما لو أسلمت مستولدته أو حبلت من غير فعله كأن استدخلت ذكره، أو ماءه المحترم "فولدت" في حياة السيد، أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الأوجه كما رجحه بعضهم أنها تعتق من حين الموت فتملك كسبها بعده، "حيا أم

 

ج / 4 ص -516-        ميتا" بشرط أن ينفصل كله على ما اقتضاه. قولهما في العدد تبقى أحكام الجنين مع انفصال بعضه كمنع إرثه وعدم إجزائه عن الكفارة ووجوب الغرة بالجناية على الأم حينئذ وكونه يتبعها في نحو البيع، والهبة، والعتق. ا هـ. وصرح غيرهما بأنه لا يثبت له حكم المنفصل إلا في مسألتين: الصلاة عليه إذا علمت حياته قبل انفصال كله، وإن مات قبل ذلك، والقود ممن حز رقبته، وقد علمت حياته قبل ذلك أيضا، لكن قال غير واحد: إن انفصال الكل لا يشترط هنا أيضا وهو صريح. قوله "أو ما تجب فيه غرة" كأن وضعت عضوا منه، وإن لم تضع الباقي، أو مضغة فيها تخطيط ظاهر ولو للقوابل، بخلاف ما إذا لم يكن فيها تخطيط كذلك، وإن قلن: لو بقي لتخطط وإنما انقضت به العدة؛ لأن الغرض ثم براءة الرحم وهنا ما يسمى ولدا "عتقت" هو ناصب إذا عند الجمهور، والمحققون على أن ناصبها شرطها "بموت السيد" ولو بقتلها له للخبر الصحيح: "أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته"، وفي رواية "عن دبر منه". وروى البيهقي عن عمر رضي الله عنه أن السقط كغيره، وقد لا تعتق بموته كأن ولدت منه أمة له مرهونة، أو جانية تعلق برقبتها مال، أو لعبده المدين المأذون له في التجارة، أو لمورثه، وقد تعلق بالتركة دين، وهو معسر ومات كذلك وكأن نذر مالكها التصدق بها أو بثمنها، ثم استولدها ورد استثناء هذه بزوال ملكه عنها بمجرد النذر، وكأن أوصى بعتق أمة تخرج من ثلثه فأولدها الوارث فلا ينفذ إيلاده مع أنها ملكه؛ لئلا تبطل الوصية وكأن وطئ صبي له تسع سنين أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر فيلحقه، وإن لم يحكم ببلوغه قال البلقيني: وظاهر كلامهم أنه لا يثبت استيلاده أي: ويفرق بأنه يحتاط للنسب ما لا يحتاط لغيره.
تنبيه: القياس بموته، لكن؛ لما أوهم العتق وإن انتقلت عنه بمسوغ شرعي أظهر الضمير ليبين أنها إنما تعتق إن كان سيدها وقت الموت.
"أو" أحبل "أمة غيره" أو حبلت منه "بنكاح" ولم يغر بحريتها لما قدمه في خيار النكاح أو زنى "فالولد رقيق" لسيدها لأنه يتبع أمه رقا وحرية، "ولا تصير أم ولد إذا ملكها" لأن أمية الولد إنما تثبت لها تبعا لحريته وهو قن، نعم إن ملكها وهي حامل منه بنكاح عتق عليه الولد كما بأصله وحذف لما قدمه في العتق مما يشمله، وكملكهما ما لو ملكها فرعه كأن نكح حر أمة أجنبي ثم ملكها أبنه أو عبد أمة ابنه ثم عتق فلا ينفسخ النكاح، فلو أولدها ثبت الاستيلاد وانفسخ النكاح، كما صححه البلقيني،"أو" حبلت منه أمة الغير "بشبهة" منه بأن ظنها زوجته الحرة، وإن كانت زوجته الأمة بأن تزوج حرة وأمة فوطئ الأمة يظن أنها الحرة، أو أمته كما بأصله وكأنه حذفه للعلم بما خرج به، وهو ما لو ظنها زوجته الأمة فإن الولد رقيق من قوله أولا بنكاح وكالشبهة نكاح من غر بحريتها كما مر آنفا "فالولد حر" عملا بظنه وعليه قيمته لسيدها وخرج بتفسير الشبهة بما ذكر شبهة الملك كالمشتركة، وقد مرت آنفا، والطريق كأن وطئها بجهة قال بها عالم فلا تؤثر حريته لانتفاء ظنها "ولا تصير أم ولد إذا ملكها في الأظهر"؛ لأنها علقت به في غير ملكه فلا نظر لحرية الولد. وكملكه ما له حق الملك فيه كأمة مكاتبه وأمة ابنه إذا لم يستولدها الابن.

 

ج / 4 ص -517-        فرع: نزع أمة بحجة، ثم أحبلها، ثم أكذب نفسه لم يقبل قوله وإن وافقه المقر له لكنه يغرم له نقصها وقيمتها، والمهر وتعتق بموته ويوقف ولاؤها، فإن لم يجد حجة فحلف المنكر وأحبلها، ثم أكذب نفسه وأقر بها له فكما مر كذا ذكراه في الدعاوى وسكتا عما لو أولدها الأول، ثم الثاني، ثم أكذب الثاني نفسه، والأوجه ثبوت إيلادها للأول؛ لاتفاقهما عليه آخرا ويلزم الثاني له قيمة الولد، والمهر، والنقص.
"وله وطء أم الولد" إجماعا ما لم يقم به مانع ككونها محرمة، أو مسلمة، وهو كافر، أو موطوءة ابنه أو مكاتبته، أو كونه مبعضا وإن أذن له مالك بعضه فيما يظهر من إطلاقهم خلافا للبلقيني، ثم رأيت شارحا رد عليه بما أشرت إليه من كلام الروضة وغيره، "و" له "استخدامها وإجارتها" وإعارتها "وأرش جناية عليها" وعلى أولادها التابعين لها وله قيمتهم إذا قتلوا لبقاء ملكه على الكل وإنما لم تجز إجارة الأضحية المنذورة لخروجها عن الملك وصرح أصله بأن له قيمتها إذا قتلت وكأنه اكتفى عنه بدخوله في أرش جناية عليها؛ لأنهم قد يطلقون الأرش على بدل النفس، "وكذا" له ولو مبعضا "تزويجها بغير إذنها في الأصح"؛ لأنه يملكها من غير مانع فيه، بخلاف كافر في مستولدته المسلمة، "ويحرم بيعها" ومثلها ولدها التابع لها كما علم من كلامه، ولا يصح بل لو حكم به قاض نقض على ما حكاه الروياني عن الأصحاب؛ لأنه مخالف لنصوص وأقيسة جلية وصح أمهات الأولاد لا يبعن ولا يرهن، ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهي حرة صحح الدارقطني، والبيهقي وقفه على عمر رضي الله عنه وابن القطان رفعه، وهو المقدم؛ لأن مع راويه زيادة علم وخبر جابر رضي الله عنه كنا نبيع سرارينا أمهات الأولاد، والنبي صلى الله عليه وسلم حي لا نرى بذلك بأسا إما منسوخ أو منسوب له صلى الله عليه وسلم استدلالا واجتهادا فقدم ما نسب إليه من النهي المذكور قولا ونصا ولأن ما كان فيه من خلاف في العصر الأول فقد انقطع وصار مجمعا على منعه كذا قالاه هنا لكنهما صححا في محل آخر عدم نقضه؛ لأن المسألة اجتهادية، والأدلة فيها متقاربة وتصح كتابتها ونحو بيعها من نفسها وأخذ منه الزركشي صحة بيعها ممن تعتق عليه كأصلها وفرعها وفيه نظر؛ إذ الأول عقد عتاقة لا بيع، بخلاف الثاني ويصح بيع المرهونة، والجانية وأم ولد المكاتب كما مر "ورهنها"؛ لأنه يسلط على البيع "وهبتها" ولو مرهونة وجانية؛ لأنها تنقل الملك "ولو ولدت من زوج" رقيقا "أو" من "زنا"، أو من شبهة بأن ظن كونها زوجته الأمة كما علم مما مر بعد الاستيلاد "فالولد للسيد يعتق"، وإن ماتت أمه "بموته" ويمتنع نحو بيعه "كهي"؛ لأن الولد يتبع أمه رقا وحرية وكذا في سببها اللازم، نعم لو غر بحريتها كان ولده منها حرا وعليه قيمته. وخرج بزوج وزنا ولدها من السيد فهو حر، وإن ظنها زوجته الأمة. ومر أن إدخال الكاف على الضمير فيه نوع شذوذ سهله إيثار الاختصار "وأولادها قبل الاستيلاد من زوج، أو زنا لا يعتقون بموت السيد وله بيعهم" لحدوثهم قبل سبب الحرية اللازم ونظيره ما لو أولد معسر مرهونة فبيعت في الدين ثم ولدت من زوج، أو زنا، ثم ملكها فلا يعتق ولدها بموته؛ لحدوثه قبل سبب الحرية اللازم.
فرع: أفتى القاضي فيمن أقر بوطء أمته فادعت أنها أسقطت منه ما تصير به أم ولد

 

ج / 4 ص -518-        بأنها تصدق إن أمكن ذلك بيمينها وحكى ابن القطان فيه وجهين رجح منهما الأذرعي تصديقه، وإن اعترف بالحمل ما لم تمض مدة لا يبقى الحمل فيها مجتنا ولو ادعى ورثة سيدها مالا له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي: قبل الموت صدقت بيمينها كما نقله الأزرق وكلام النهاية يؤيده أما دعواها تلفه بعد الموت فيظهر عدم تصديقها فيه؛ لأن يدها عليه حينئذ يد ضمان؛ لأنه ملك الغير وهي حرة. وتقبل شهادة الأب على ابنه بإقراره بالاستيلاد، وإن تضمنت الشهادة لولد الولد؛ لأنها تابعة، والمقصود الشهادة على ولده بالاستيلاد وتسمع دعواها على السيد الإيلاد إن أرادت إثبات أمية الولد لا نسبه.
"وعتق المستولدة" ولو في المرض، وإن نجز عتقها فيه، أو أوصى بعتقها من الثلث كما بينته في شرح الإرشاد مع الفرق بينه وبين ما مر في حجة الإسلام وكذا أولادها الحادثون بعد الاستيلاد "من رأس المال" مقدما على الديون، والوصايا للخبر السابق عنه صلى الله عليه وسلم وشرف وكرم.
يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك حمدا يوافي نعمك ويكافئ مزيدك حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما تحب يا ربنا وترضى حمدا كالذي نقول وخيرا مما نقول يملأ السموات، والأرض وما شئت ربنا من شيء بعد أهل الثناء، والمجد أحق ما قال العبد: وكلنا لك عبد لا مانع لما أعطيت، ولا معطي؛ لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وصل اللهم، وسلم وبارك أفضل صلاة وأفضل سلام وأفضل بركة على عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وأزواجه وذريته وعلى آله وأصحابه وأنصاره وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وكما يليق بعظيم شرفه وكماله ورضاك عنه وما تحب وترضى له عدد معلوماتك ومداد كلماتك أبد الآبدين ودهر الداهرين كلما ذكرك وذكره الذاكرون وكلما غفل عن ذكرك وذكره الغافلون وعلينا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. أسألك اللهم بجلال وجهك وباهر قدرتك وواسع جودك وكرمك أن تنفع بهذا الشرح المسلمين منفعة عامة وأن تمن علي بالإخلاص فيه؛ ليكون ذخيرة لي إذا جاءت الطامة، وأن لا تعاقبني فيه، ولا في غيره من سائر آثاري بقبيح ما جنيت من الذنوب وعظيم ما اقترفت من العيوب إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.