تحفة المحتاج بشرح المنهاج ط العلمية

ج / 4 ص -500-        كتاب الكتابة
من الكتب أي: الجمع لما فيها من جمع النجوم. وأصل النجم هنا الوقت الذي يحل فيه مال الكتابة وهي شرعا: عقد عتق بلفظها معلق بمال منجم بوقتين معلومين فأكثر وتطلق على المخارجة السابقة قبيل الجراح وهي إسلامية؛ إذ لا تعرفها الجاهلية ومخالفة للقياس من وجوه: بيع ماله بماله، وثبوت مال في ذمة قن لمالكه ابتداء، وثبوت ملك للقن. وجازت بل ندبت مع ذلك للحاجة؛ إذ السيد قد لا يسمح به مجانا، والعبد قد لا يستفرغ وسعه في الكسب إلا بعدها لإزالة رقه، والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى:
{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً} [النور: 33]، والخبر الصحيح: "من أعان مكاتبا في زمن كتابته في فك رقبته أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله". وكانت كالمخارجة من أعظم مكاسب الصحابة رضي الله عنهم لخلوهما عن أكثر الشبهات التي في غيرهما. وأركانها: قن، وسيد، وصيغة، وعوض.
"هي مستحبة إن طلبها رقيق أمين قوي على كسب" يفي بمؤنته ونجومه كما يدل عليه السياق فساوى قول أصله: الكسب على أنه محتمل أيضا وذلك؛ لأن الشافعي رضي الله عنه فسر الخير في الآية بهذين واعتبر أولهما؛ لئلا يضيع ما يحصله، ومنه يؤخذ أن المراد بالأمين هنا من لا يضيع المال، وإن لم يكن عدلا لنحو ترك صلاة ويحتمل أن المراد الثقة، لكن يشترط أن لا يعرف بكثرة إنفاق ما بيده في الطاعة؛ لأن مثل هذا لا يرجى له عتق بالكتابة وثانيهما، والطلب ليوثق منه بتحصيل النجوم ولم تجب خلافا لجمع من السلف لظاهر الأمر في الآية؛ لأنه بعدم الحظر، وهو بيع ماله بماله للإباحة وندبها من دليل آخر "قيل: أو غير قوي"؛ لأنه إذا عرفت أمانته يعان بالصدقة، والزكاة ورد بأن فيه ضررا على السيد، ولا وثوق بتلك الإعانة قيل: أو غير أمين؛ لأنه يبادر للحرية ورد بأنه يضيع ما يكسبه "ولا تكره بحال" بل هي مباحة وإن انتفيا، والطلب؛ لأنها قد تفضي للعتق لكن بحث البلقيني كراهتها لفاسق يضيع كسبه في الفسق ولو استولى عليه السيد لامتنع من ذلك قال هو وغيره: بل قد ينتهي الحال للتحريم أي: وهو قياس حرمة الصدقة، والقرض إذا علم من آخذهما صرفهما في محرم ثم رأيت الأذرعي بحثه فيمن علم منه أنه يكتسب بطريق الفسق، وهو صريح فيما ذكرته؛ إذ المدار على تمكنه بسببها من المحرم، "وصيغتها" لفظ، أو إشارة أخرس، أو كتابة تشعر بها وكل من الأولين صريح، أو كناية فمن صرائحها "كاتبتك"، أو أنت مكاتب "على كذا" كألف "منجما" بشرط أن يضم لذلك قوله: "إذا أديته" مثلا "فأنت حر"؛ لأن لفظها يصلح للمخارجة أيضا فاحتيج لتمييزها بإذا وما بعدها، والتعبير بالأداء للغالب من وجود الأداء في الكتابة وإلا فيكفي كما قال جمع أن يقول: فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت حر أو ينوي ذلك. ويأتي أن نحو الإبراء يقوم مقام الأداء فالمراد به شرعا هنا فراغ الذمة.

 

 

ج / 4 ص -501-        وحذف إلى الذي صرح به غيره؛ لأنه غير شرط، نعم إن صرح به لم يكف الأداء لوكيله فيما يظهر؛ لأن الأداء إليه نفسه مقصود فلم يقم الوكيل فيه مقامه، بخلاف القاضي في نحو الممتنع؛ لأنه منزل منزلته شرعا "ويبين" وجوبا قدر العوض وصفته بما مر في السلم كما يأتي، نعم إن كان بمحل العقد نقد غالب لم يشترط بيانه كالبيع و "عدد النجوم" استوت أو اختلفت، نعم لا يجب كونها ثلاثة كما يأتي "وقسط كل نجم" أي: ما يؤدي عند حلول كل نجم؛ لأنها عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض كالبيع وابتداء النجوم من العقد. والنجم الوقت المضروب، وهو المراد هنا ويطلق على المال المؤدى فيه كما يأتي في قوله: إن اتفقت النجوم.
تنبيه: مما يلغز به هنا عقد معاوضة يحكم فيه لأحد المتعاقدين بملك العوض، والمعوض معا، وهو هذا فإن السيد يملك النجوم فيه بمجرد العقد مع بقاء المكاتب على ملكه إلى أداء جميع النجوم وإلغاز بعضهم عنه بمملوك لا مالك له مبني على ضعيف أن المكاتب مع بقائه على الرق لا مالك له.
"ولو ترك لفظ التعليق" للحرية بالأداء "ونواه" بما قبله "جاز" لاستقلال السيد بالعتق المقصود، نعم الفاسدة لا بد فيها من التلفظ به "ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق، ولا نية على المذهب" لما مر أنها تقع على المخارجة أيضا وبه فارق ما مر في التدبير ومر ثم فرق آخر "ويقول" فورا نظير ما مر في البيع "المكاتب" لا أجنبي بل، ولا وكيل العبد فيما يظهر؛ لأنه لا يصير أهلا للتوكيل إلا بعد قبولها ": قبلت" مثلا كغيره من عقود المعاوضة ويكفي استيجاب وإيجاب ككاتبني على كذا فيقول: كاتبتك. وإنما لم يكف الأداء بلا قبول كالإعطاء في الخلع؛ لأن هذا أشبه بالبيع من ذاك وفرق شارح بما فيه نظر وبما فرقت به بينهما يعلم الفرق بين عدم صحة قبول الأجنبي هنا لا ثم قيل: قول أصله: العبد أولى؛ لأنه إنما يصير مكاتبا بعد، وهو غفلة عن نحو
{إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} [يوسف: 36] وعن اتفاق البلغاء على أن المجاز أبلغ "وشرطهما"، أي: السيد، والقن "تكليف" واختيار فيهما ولو أعميين وقيد الاختيار يعلم مما مر في الطلاق "والطلاق" للتصرف في السيد لما تقرر أنها كالبيع فلا تصح من محجور عليه ولو بفلس ولو بإذن الولي وزعم أنه مطلق التصرف في مال موليه فاسد بل تصرفه فيه مقيد بالمصلحة، ولا من مكاتب لعبده ولو بإذن السيد وكذا لا تصح من مبعض؛ لعدم أهليتهما للولاء، وفي العبد فلا تصح كتابة عبد صغير، أو مجنون، نعم إن صرح بالتعليق بالأداء فأدى إليه أحدهما عتق بوجود الصفة لا عن الكتابة فلا يرجع السيد عليه بشيء وكذا في سائر أقسام الكتابة الباطلة، ولا مأذون له في التجارة حجر عليه الحاكم في أكسابه ليصرفها في دينه كالمؤجر، والمرهون الآتيين وتصح كتابة عبد سفيه كما بحثه جمع واعترضوا ما أوهمه المتن من عدم صحتها بأنه لم يذكره أحد ونقلوا الأول عن مقتضى كلامهم ووجهوه بأن الأداء لم ينحصر في الكسب فقد يؤدي من الزكاة وغيرها ويؤيده صحة كتابة عبد مرتد، وإن أوقفنا تصرفه ويصح أداؤه في الردة،  "وكتابة المريض" مرض الموت محسوبة "من الثلث" ولو بأضعاف قيمته؛ لأن كسبه ملك السيد "فإن كان له مثلاه" أي: مثلا قيمته عند الموت "صحت كتابة كله" سواء كان ما خلفه مما أداه الرقيق أم

 

ج / 4 ص -502-        من غيره لخروجه من الثلث "فإن لم يملك غيره وأدى في حياته مائتين" كاتبه عليهما "وقيمته مائة عتق" كله لبقاء مثليه للورثة وهذا كالمثال لما قبله "وإن أدى مائة" كاتبه عليها "عتق ثلثاه"؛ لأن قيمة ثلثه مع المائة المؤداة مثلا ما عتق منه أما إذا لم يخلف غيره ولم يؤد إلا بعد موت السيد ولم تجز الورثة ما زاد على الثلث فيصح في ثلثه فقط فإذا أدى حصته من النجوم عتق "ولو كاتب مرتد" قنه ولو مرتدا أيضا "بني على أقوال ملكه، فإن وقفناه"، وهو الأظهر "بطلت على الجديد" المبطل لوقف العقود، وهو الأصح أيضا وعلى القديم لا تبطل بل توقف، فإن أسلم بان صحتها وإلا فلا هذا إن لم يحجر الحاكم عليه وقلنا لا حجر عليه بنفس الردة وإلا بطلت قطعا وقيل: لا فرق ومرت هذه في الردة ضمن تقسيم فلا تكرار وتصح من حربي وغيره "ولا تصح كتابة" من تعلق به حق لازم نحو "مرهون" وجان تعلق برقبته مال؛ لأنه معرض للبيع فينافيها وإنما صح عتقه؛ لأنه أقوى "ومكرى" أي: سواء استؤجرت عينه، أو سلم عما في الذمة فيما يظهر، وإن كان للمؤجر إبداله؛ نظرا للحالة الراهنة ويحتمل التخصيص بالأول؛ لأنه المتبادر من قولهم: مكرى، ومن تعليلهم له بقولهم: لأن منافعه مستحقة للمستأجر فينافيها أيضا ومثله موصى بمنفعته بعد موت الموصي ومغصوب لا يقدر على انتزاعه، "وشرط العوض كونه دينا"؛ إذ لا ملك له يرد العقد عليه موصوفا بصفات السلم، نعم الأوجه أنه يكفي نادر الوجود هنا "مؤجلا"؛ لأنه المأثور سلفا وخلفا ولأنه عاجز حالا ولم يكتف بهذا عما قبله قال ابن الصلاح: لأن دلالة الالتزام لا يكتفى بها في المخاطبات وهذان وصفان مقصودان. ا هـ. وفيه نظر؛ لأن دلالة المؤجل على الدين من دلالة التضمن لا الالتزام؛ لأن مفهوم المؤجل شرعا دين تأخر وفاؤه فهو مركب من شيئين ودلالة التضمين يكتفى بها في المخاطبات فالأحسن في الجواب أنه تصريح بما علم من المؤجل "ولو منفعة" في الذمة كما يجوز جعلها ثمنا وأجرة فتجوز على بناء دارين في ذمته موصوفتين في وقتين معلومين، لكن لما لم تخل المنفعة في الذمة من التأجيل، وإن كان في بعض نجومها تعجيل كان التأجيل فيها الذي أفاده المتن وغيره شرطا في الجملة لا مطلقا لا على خدمة شهرين متصلين، أو منفصلين، وإن صرح بأن كل شهر نجم؛ لأنهما نجم واحد إذ المنافع المتعلقة بالأعيان لا يجوز شرط تأجيلها، ومن ثم لم يصح على ثوب يؤدي نصفه بعد سنة ونصفه بعد سنتين، أما إذا لم يكن دينا، فإن كان غير منفعة عين لم تصح الكتابة وإلا صحت على ما تقرر ويأتي "ومنجما بنجمين" ولو إلى ساعتين، وإن عظم المال "فأكثر"؛ لأنه المأثور أيضا نظير ما تقرر ولما مر أنها مشتقة من ضم النجوم بعضها إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم اثنان، "وقيل: إن ملك" السيد "بعضه وباقيه حر لم يشترط أجل وتنجيم"؛ لأنه قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه حالا ورد بأن المنع تعبد اتباعا لما جرى عليه الأولون؛ لأنها خارجة عن القياس فيقتصر فيها على ما ورد ونقل شارح في هذه وجهين عن الروضة وأصلها بلا ترجيح، وهم "ولو كاتب قنه على" منفعة عين مع غيرها مؤجلا نحو "خدمة شهر" مثلا من الآن "ودينار" في أثنائه، وقد عينه كيوم يمضي منه "عند انقضائه"، أو خياطة ثوب صفته كذا في أثنائه، أو عند انقضائه "صحت" الكتابة؛ لأن المنفعة مستحقة حالا،

 

ج / 4 ص -503-        والمدة لتقديرها، والدينار إنما تستحق المطالبة به بعد المدة التي عينها لاستحقاقه وإذا اختلف الاستحقاق حصل تعدد التنجيم، ولا يضر حلول المنفعة لقدرته عليها حالا فعلم أن الأجل إنما هو شرط في غير منفعة يقدر على الشروع فيها حالا، وأن الشرط في المنافع المتعلقة بالعين اتصالها بالعقد، بخلاف الملتزمة في الذمة وإن شرط المنفعة التي توصل بالعقد ويمكن الشروع فيها عقبه ضميمة نجم آخر إليها كالمثال المذكور وأن شرطه تقدم زمن الخدمة فلو قدم زمن الدينار على زمن الخدمة لم تصح. ويتبع في الخدمة العرف فلا يشترط بيانها "أو" كاتبه "على أن يبيعه كذا"، أو يشتري منه كذا "فسدت" الكتابة؛ لأنه كبيعتين في بيعة "ولو قال: كاتبتك وبعتك هذا الثوب بألف ونجم الألف" بنجمين فأكثر ككاتبتك وبعتك هذا بألف إلى شهرين تؤدي منهما خمسمائة عند انقضاء الأول، والباقي عند انقضاء الثاني "وعلق الحرية بأدائه" وقبلهما العبد معا، أو مرتبا "فالمذهب صحة الكتابة" بقدر ما يخص قيمة العبد من الألف الموزعة عليها وعلى قيمة الثوب تفريقا للصفقة وإن أطال البلقيني في رد ذلك وما يخص العبد يؤديه في النجمين مثلا "دون البيع" لتقدم أحد شقيه على أهلية العبد لمبايعة السيد، "ولو كاتب" عبدين كما علم بالأولى، أو "عبيدا" صفقة واحدة "على عوض" واحد منجم بنجمين مثلا "وعلق عتقهم بأدائه" ككاتبتكم على ألف إلى شهرين إلى آخر ما مر "فالنص صحتها" لاتحاد مالك العوض مع اتحاد لفظه فهو كبيع عبيد بثمن واحد "ويوزع" المسمى "على قيمتهم يوم الكتابة"؛ لأنه وقت الحيلولة بينهم وبين السيد "فمن أدى" منهم "حصته عتق" لاستقلال كل منهم، ولا يقال: علق العتق بأدائهم؛ لأن المغلب في الكتابة الصحيحة حكم المعاوضة ولهذا يعتق بالإبراء مع انتفاء الأداء "ومن عجز" منهم "رق" لذلك "وتصح كتابة بعض من باقيه حر" بأن قال: كاتبت ما رق منك لا بعضه؛ لما يأتي وذلك لإفادتها الاستقلال المقصود بالعقد "فلو كاتب كله"، أو تعرض لكل من نصفيه وقدم الرق لما مر أن الشرط تقدم ما يصح، وإن علم حرية باقيه "صح في الرق في الأظهر" تفريقا للصفقة فإذا أدى قسط الرق من القيمة عتق "ولو كاتب بعض رقيق فسدت إن كان باقيه لغيره ولم يأذن" في كتابته؛ لعدم استقلاله حينئذ. وأفاد تعبيره بالفساد أنها تعطى أحكام الكتابة الفاسدة فيما يأتي خلاف تعبير أصله بالبطلان؛ إذ هذا الباب يفترق فيه الفاسد من الباطل "وكذا إن أذن" فيها "أو كان له على المذهب"؛ لأنه حيث رق بعضه لم يستقل بالكسب سفرا وحضرا فينافي مقصود الكتابة، وقد تصح كتابة البعض كأن أوصى بكتابة عبد، أو كاتبه، وهو مريض ولم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة وكذا لو أوصى بكتابة البعض، أو كان الباقي موقوفا على مسجد، أو جهة عامة على ما بحثه الأذرعي، أو كاتب البعض في مرض موته وهو ثلث ماله "ولو كاتباه" أي: عبدهما استوى ملكهما فيه أم اختلف "معا، أو وكلا" من يكاتبه، أو وكل أحدهما الآخر "صح" ذلك "إن اتفقت النجوم" جنسا وصفة وعددا وأجلا "وجعل" عطف على صح "المال على نسبة ملكيهما" صرحا بذلك أم أطلقا؛ لئلا يؤدي إلى انتفاع أحدهما بمال الآخر، فإن انتفى شرط مما ذكر بأن جعلاه على غير نسبة الملكين فسدت "فلو عجز" المكاتب "فعجزه أحدهما" وفسخ الكتابة "وأراد الآخر إبقاءه"

 

ج / 4 ص -504-        أي: العقد في حصته وإنظاره "فكابتداء عقد" على البعض أي: هو مثله فلا يجوز ولو بإذن الشريك كما مر "وقيل: يجوز"؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء "ولو أبرأ" أحد المكاتبين العبد "من نصيبه" من النجوم "أو أعتقه" أي: نصيبه منه، أو كله "عتق نصيبه" منه "وقوم" عليه "الباقي" وعتق عليه وكان الولاء كله له "إن كان موسرا"، وقد عاد رقه بأن عجز فعجزه الآخر كما علم مما قدمته في مبحث السراية فلا اعتراض عليه وذلك لما مر ثم ولأنه لما أبرأه من جميع ما يستحقه أشبه ما لو كاتب جميعه وأبرأه من النجوم، أما إذا أعسر، أو لم يعد الرق وأدى نصيب الشريك من النجوم فيعتق نصيبه عن الكتابة ويكون الولاء لهما. وخرج بالإبراء، والإعتاق ما لو قبض نصيبه فلا يعتق، وإن رضي الآخر بتقديمه؛ لأنه ليس له تخصيص أحدهما بالقبض.

فصل في بيان ما يلزم السيد ويسن له ويحرم عليه
وما لولد المكاتبة، والمكاتب من الأحكام وبيان امتناع السيد من القبض، ومنع المكاتب من التزوج، والتسري وبيعه للمكاتب، أو لنجومه وتوابع لما ذكر.
"يلزم السيد" أو وارثه مقدما له على مؤن التجهيز "أن يحط عنه" في الكتابة الصحيحة لا الفاسدة "جزءا من المال" المكاتب عليه "أو يدفعه" أي: جزءا من المعقود عليه بعد أخذه، أو من جنسه لا من غيره كالزكاة إلا إن رضي "إليه" لقوله تعالى:
{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33]، والأمر للوجوب؛ إذ لا صارف عنه، بخلاف الكتابة كما مر ولو أبرأه من الكل فلا وجوب كما أفهمه المتن وكذا لو كاتبه في مرض موته، وهو ثلث ماله أو كاتبه على منفعته "والحط أولى" من الدفع؛ لأنه المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم ولأن الإعانة فيه محققة، والمدفوع قد ينفقه في جهة أخرى، ومن ثم كان الأصل هو الحط، والإيتاء إنما هو بدل عنه "و" الحط "في النجم الأخير أليق"؛ لأنه أقرب إلى تحصيل مقصود العتق وحينئذ فينبغي أن أليق بمعنى أفضل. ", والأصح أنه يكفي" فيه "ما يقع عليه الاسم" أي: اسم مال "ولا يختلف بحسب المال" قلة وكثرة؛ لأنه لم يصح فيه توقيف. وخبر أن المراد في الآية ربع مال الكتابة الأصح وقفه على راويه علي كرم الله وجهه فلعله من اجتهاده. وادعاء أن هذا لا يقال من قبل الرأي فهو في حكم المرفوع ممنوع. "و" الأصح "أن وقت وجوبه قبل العتق" أي: يدخل وقت أدائه بالعقد ويتضيق إذا بقي من النجم الأخير قدر ما يفي به من مال الكتابة؛ لما مر أنه ليس القصد به إلا الإعانة على العتق، فإن لم يؤد قبله أدى بعده وكان قضاء "ويستحب الربع" للخبر المار ولقول ابن راهويه أجمع أهل التأويل أنه المراد من الآية "وإلا" يسمح به "فالسبع" اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما، "ويحرم" على السيد "وطء مكاتبته" كتابة صحيحة لاختلال ملكه كالرجعية فلو شرط في الكتابة أن يطأها فسدت. وكالوطء كل استمتاع حتى النظر، ولا يرد عليه؛ لما مر في الحج أنه حيث حرم الوطء للذات حرمت مقدماته ومثلها المبعضة "ولا حد" لشبهة الملك، لكن يعزر إن علم تحريمه كهي إن طاوعته "ويجب مهر" واحد ولو في مرات، وإن

 

ج / 4 ص -505-        طاوعته للشبهة أيضا "والولد" منه "حر نسيب"؛ لأنها علقت به في ملكه "ولا تجب قيمته على المذهب" لانعقاده حرا على أن حق الملك في ولدها للسيد وإن حملت به من عبدها على ما يأتي "وصارت" به "مستولدة مكاتبة"؛ إذ مقصودهما واحد هو العتق "فإن" أدت النجوم عتقت عن الكتابة وتبعها كسبها وولدها، وإن "عجزت عتقت بموته" عن الاستيلاد وعتق معها ما حدث لها بعد الاستيلاد من الأولاد، فإن مات قبل عجزها عتقت لكن عن الكتابة كما لو نجز عتق مكاتبته "وولدها" أي: المكاتبة لا بقيد الاستيلاد الرقيق الحادث بعد الكتابة وقبل العتق "من نكاح، أو زنا مكاتب" أي: يثبت له حكم المكاتب "في الأظهر يتبعها رقا وعتقا"؛ لأنه من كسبها فيتبعها في ذلك كولد المستولدة، نعم لا يتبعها لو عتقت لا بجهة الكتابة بأن رقت ثم عتقت بجهة أخرى "وليس عليه" أي: الولد "شيء" من النجوم؛ إذ لا التزام منه "والحق" أي: حق الملك "فيه" أي: الولد "للسيد" لا للأم، ومن ثم لو وطئه السيد لو كان أنثى لم يلزمه مهر وخولف. قضية هذا في أرش الجناية عليه الآتي؛ لأنه بدل جزئه الآيل للحرية فأعطي حكمه، وفي حل معاملته له على ما بحثه كالذي قبله البلقيني؛ لأنه قد يكون سببا لإعانته على العتق، ومن ثم وقف فاضل كسبه كما يأتي "وفي قول" الحق "لها" أي: المكاتبة؛ لأنه مكاتب عليها وقضية كلام أصل الروضة أن ولدها من عبدها ملك لها قطعا كولد مكاتب من أمته ونازع فيه البلقيني بل قال: إنه وهم وفرق بأن المكاتب يملك أمته، والولد يتبع أمه في الرق وولدها إنما جاءه الرق من جهتها لا من جهة أبيه الذي هو عبدها "فلو قتل فقيمته" تجب "لذي الحق" منهما ", والمذهب أن أرش جناية عليه" أي: الولد فيما دون النفس "وكسبه ومهره" إذا كان أنثى ووطئت بشبهة "ينفق" أراد بالنفقة ما يشمل سائر المؤن "منها" أي: الثلاثة "عليه وما فضل وقف، فإن عتق فله وإلا فللسيد" كما أن كسب الأم لها إن عتقت وإلا فللسيد "ولا يعتق شيء من المكاتب حتى يؤدي الجميع" أي: جميع المال المكاتب عليه ما عدا ما يجب إيتاؤه، أو يبرأ منه، أو تقع الحوالة به لا عليه للخبر الصحيح: "المكاتب عبد ما بقي عليه درهم" "ولو أتى" المكاتب ومثله في جميع الأحكام الآتية المدين فبما يظهر "بمال فقال السيد: هذا حرام"، أو ليس ملكك "ولا بينة" له بذلك "حلف المكاتب" أنه ليس بحرام أو "أنه حلال"، أو أنه ملكه وصدق عملا بظاهر اليد، نعم إن كان الأصل فيه التحريم كلحم قال له: هذا حرام وجب استفصاله على الأوجه، فإن قال: إنه ميتة فقال: بل حلال صدق السيد؛ لأن الأصل عدم التذكية كنظيره في السلم ويظهر أن محله ما لم يقل: ذكيته وإلا صدق لتصريحهم بقبول خبر الفاسق، والكافر عن فعل نفسه كقوله: ذبحت هذه الشاة وعلى هذا يحمل ما بحث أنه ينبغي تصديق العبد. وأما توجيه إطلاقه بتشوف الشارع للعتق ففيه نظر ظاهر كما يعلم من كلامهم على قطعة اللحم المرمية مكشوفة، أو في إناء "ويقال للسيد: تأخذه، أو تبرئه عنه" أي: عن قدر، وهو خبر بمعنى الإنشاء لتعنته، نعم فيما إذا أقر بحرمته إن عين له مالكا وقبضه لزمه دفعه له مؤاخذة له بإقراره، وإن لم يعين أمر بإمساكه إلى تبين صاحبه ومنع من التصرف فيه، فإن كذب نفسه وقال: هو للمكاتب قبل ونفذ تصرفه فيه "فإن أبى قبضه القاضي" وعتق المكاتب إن لم يبق علي

 

ج / 4 ص -506-        شيء، أما إذا كان له بينة بما يقوله فلا يجبر على قبضه وسمعت، وإن لم يعين المغصوب منه؛ لأن له غرضا ظاهرا بالامتناع من الحرام "فإن نكل المكاتب" عن الحلف "حلف السيد" وكان كإقامته البينة "ولو خرج المؤدى" من النجوم "مستحقا"، أو زيفا "رجع السيد ببدله" لفساد القبض "فإن كان" ما خرج مستحقا، أو زيفا "في النجم الأخير" مثلا "بان" ولو بعد موت المكاتب، أو السيد "أن العتق لم يقع" لبطلان الأداء "وإن كان" السيد "قال عند أخذه" أي: متصلا بالقبض: "أنت حر" أو أعتقتك؛ لأنه بناه على ظاهر الحال، وهو صحة الأداء، وقد بان خلافه، أما لو قال ذلك منفصلا عن القبض، والقرائن الدالة على أنه إنما رتبه على القبض فلا يقبل منه قوله أنه بناه على ظاهر الحال كما رجحاه وقول الغزالي: لا فرق قيده ابن الرفعة بما إذا قصد الإخبار عن حاله بعد أداء النجوم فإن قصد إنشاء العتق برئ وعتق وتبعه البلقيني وزاد أن حالة الإطلاق كحالة قصد الإنشاء ونوزع فيه وأنه في الحالين يعتق عن جهة الكتابة ويتبعه كسبه وأولاده ولو قال له المكاتب: قلته إنشاء فقال: بل إخبارا صدق السيد للقرينة قال الرافعي: وهذا السياق يقتضي أن مطلق قول السيد محمول على أنه حر بما أدى وإن لم يذكر إرادته. ا هـ. ونظير ذلك من قيل له: أطلقت امرأتك ؟ فقال: نعم طلقتها، ثم قال: ظننت أن ما جرى بيننا طلاق، وقد أفتيت بخلافه فلا يقبل منه إلا بقرينة "وإن خرج معيبا فله رده"، أو رد بدله إن تلف، أو بقي، وقد حدث به عيب عنده "وأخذ بدله"، وإن قل العيب؛ لأن العقد إنما يتناول السليم وبرده أو بطلب الأرش يتبين أن العتق لم يحصل، وإن كان قال له عند الأداء: أنت حر كما مر، فإن رضي به وكان في النجم الأخير بان حصول العتق من وقت القبض "ولا يتزوج" المكاتب "إلا بإذن سيده"؛ لأنه عبد كما مر في الخبر "ولا يتسرى" يعني لا يطأ مملوكته، وإن لم ينزل "بإذنه على المذهب" لضعف ملكه وما وقع لهما في موضع مما يقتضي جوازه بالإذن مبني على الضعيف أن القن غير المكاتب يملك بتمليك السيد ويظهر أنه ليس له الاستمتاع بما دون الوطء أيضا، "وله شراء الجواري للتجارة" توسعا له في طرق الاكتساب "فإن وطئها" ولم يبال بمنعنا له "فلا حد" عليه، "والولد" من وطئه "نسيب" لاحق به لشبهة الملك، ولا مهر؛ لأنه المالك، وإن ضعف ملكه "فإن ولدته في" حال بقاء "الكتابة" لأبيه، أو مع عتقه "أو بعد عتقه"، لكن "لدون ستة أشهر" منه "تبعه رقا وعتقا" ولم يعتق حالا لضعف ملكه ومع كونه ملكه لا يملك نحو بيعه؛ لأنه ولده، ولا يعتق عليه لضعف ملكه بل يتوقف عتقه على عتقه وهذا معنى قولهم: إنه تكاتب عليه "ولا تصير مستولدة في الأظهر"؛ لأنها علقت بمملوك "وإن ولدته بعد العتق لفوق ستة أشهر"، أو لستة أشهر من العتق كما في الروضة، ولا تخالف؛ لأنه لا بد من لحظة فالمتن اعتبرها في بعض الصور كما يعلم مما قرره في قوله: وكان يطؤها. والروضة حذفتها؛ لأنها معلومة فتغليط المتن هو الغلط "وكان يطؤها" ولو مرة مع العتق، أو بعده وأمكن كون الولد من الوطء بأن كان لستة أشهر فأكثر منه وبما تقرر من فرض ولادته بعد العتق بستة أشهر، أو أكثر يعلم أن التقييد بالإمكان المذكور وإنما هو في صورة الأكثر فقط، وأما إذا قارن الوطء العتق فيلزم الإمكان منه؛ لأن الغرض أنه لستة بعد العتق فتأمله، "فهو حر وهي

 

ج / 4 ص -507-        أم ولد" لظهور العلوق بعد الحرية تغليبا لها فلا ينظر لاحتماله قبلها، فإن انتفى شرط مما ذكر بأن لم يطأها مع العتق ولا بعده، أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطء لم تكن أم ولد لعلوقها به في حال عدم صحة إيلاده، "ولو عجل" المكاتب "النجوم" قبل وقت حلولها أو بعضها قبل محله "لم يجبر السيد على القبول إن كان له في الامتناع" من قبضها "غرض" صحيح نظير ما مر في السلم "كمؤنة حفظه" أي: مال النجوم إلى محله، أو علفه كما بأصله وما قبله يغني عنه؛ لأنه مثال "أو خوف عليه" لنحو نهب، وإن كاتبه في وقته؛ لما في الإجبار حينئذ من الضرر وكذا لو كان يؤكل عند المحل طريا قال البلقيني: أو؛ لئلا تتعلق به زكاة "وإلا" يكن له غرض صحيح في الامتناع "فيجبر" على القبول؛ لأن للمكاتب غرضا صحيحا فيه وهو العتق، أو تقريبه من غير ضرر على السيد ولم يقولوا هنا بنظير ما مر آنفا من الإجبار على القبض، أو الإبراء فيحتمل أن يكون هذا كذلك، وهو ما رجحه البلقيني وحذف هنا للعلم به من ثم وعليه فارق ذلك ما مر في السلم من عدم الإجبار على الإبراء بأن الكتابة موضوعة على تعجيل العتق ما أمكن لتشوف الشارع إليه فضيق فيها بطلب الإبراء ويحتمل الفرق لحلول الحق ثم لا هنا "فإن أبى" قبضه لعجز القاضي عن إجباره أو لكونه لم يجده "قبضه القاضي" عنه وعتق المكاتب إن حصل بالمؤدى شرط العتق؛ لأنه نائب الممتنع كما لو غاب وإنما لم يقبض دين الغائب في غير هذا؛ لأن الغرض هنا العتق ولا خيرة للسيد فيه وثم سقوط الدين عنه وبقاؤه في ذمة المدين أصلح للغائب من أخذ القاضي له؛ لأن يده عليه يد أمانة ولو أتى به في غير بلد العقد ولنقله إليها مؤنة، أو كان نحو خوف لم يجبر وإلا أجبر قاله الماوردي. "ولو عجل بعضها" أي: النجوم قبل المحل "ليبرئه من الباقي" أي بشرط ذلك من أحدهما ووافقه الآخر "فأبرأه" مع الأخذ "لم يصح الدفع، ولا الإبراء" للشرط الفاسد؛ لأنه يشبه ربا الجاهلية كان أحدهم إذا حل دينه قال لمدينه: اقض، أو زد، فإن لم يقضه زاد في الدين، والأجل فعلى السيد رد المأخوذ، ولا عتق، نعم لو أبرأه عالما بفساد الدفع صح وعتق كما بحثه الزركشي كالأذرعي أخذا من كلام المصنف ويجري ذلك في كل دين عجل بهذا الشرط.
فرع: أوصى بنجوم المكاتب فعجز فعجزه الموصى له لم ينفذ وكان ردا منه للوصية أخذا من قول الماوردي: ما يؤديه بعد ذلك يكون للورثة.
"ولا يصح بيع النجوم"؛ لأنه بيع ما لم يقبض. وما يتطرق السقوط إليه كالمسلم فيه بل أولى؛ للزومه من الطرفين "و" كذا لا يصح "الاعتياض عنها" من المكاتب كما صححاه هنا لعدم استقرارها، لكن اعتمد الإسنوي وغيره ما جريا عليه في الشفعة من صحته للزومها من جهة السيد مع تشوف الشارع للعتق "فلو باع" ها السيد لآخر "وأدا" ها المكاتب "إلى المشتري لم يعتق في الأظهر" وإن تضمن البيع الإذن في قبضها؛ لأن المشتري يقبض لنفسه بحكم الشراء الفاسد فلم يصح قبضه فلا عتق "ويطالب السيد المكاتب" بها "و" يطالب "المكاتب المشتري بما أخذ منه"؛ لما تقرر من فساد قبضه. وفارق المشتري الوكيل بأنه يقبض لنفسه كما تقرر، ومن ثم لو علما فساد البيع وأذن له السيد في قبضها كان كالوكيل فيعتق بقبضه

 

ج / 4 ص -508-        "ولا يصح بيع رقبته" أي: المكاتب كتابة صحيحة بغير رضاه "في الجديد" كالمستولدة وفارق المعلق عتقه بصفة بأن ذلك يشبه الوصية فجاز الرجوع عنه، بخلاف المكاتب. وشراء عائشة لبريرة رضي الله عنهما مع كتابتها كان بإذن بريرة ورضاها فيكون فسخا منها ويرشد له أمره صلى الله عليه وسلم بعتقها ولو بقيت الكتابة لعتقت بها فإن الأصح على القديم أن الكتابة لا تنفسخ بالبيع بل تنتقل للمشتري مكاتبا. وبحث البلقيني صحة بيعه بشرط العتق وينازع فيه قولهما لا يصح بيعه بيعا ضمنيا ولكنه خالف في هذه أيضا وبحث أيضا جواز بيعه لنفسه كبيعه من غيره برضاه فيكون فسخا للكتابة كما تقرر "فلو باع" هـ السيد "فأدى النجوم إلى المشتري ففي عتقه القولان" السابقان في بيع نجومه أظهرهما المنع "وهبته" وغيرها "كبيعه" فتبطل بغير رضاه أيضا وكذا الوصية به إن نجزها لا إن علقها بعدم عتقه "وليس له بيع ما في يد المكاتب وإعتاق عبده" أي: عبد المكاتب "وتزويج أمته" وغير ذلك من التصرفات؛ لأنه معه في المعاملات كأجنبي وذكر التزويج هنا لينبه على امتناع غيره بالأولى، وفي النكاح لغرض آخر فلا تكرار "ولو قال" له "رجل: أعتق مكاتبك" عنك وكذا إن أطلق فيما يظهر "على كذا" سواء أقال: علي أم لا خلافا لمن قيد بالأول "ففعل عتق ولزمه ما التزم" كما لو قال ذلك في المستولدة، وهو بمنزلة فداء الأسير، أما لو قال: أعتقه عني على كذا فقال: أعتقته عنك فلا يعتق عن السائل بل عن المعتق، ولا يستحق المال ولو علق عتقه على صفة فوجدت عتق كما مر وبرئ عن النجوم فيتبعه كسبه.

فصل في بيان لزوم الكتابة من جانب وجوازها من جانب
وما يترتب عليهما وما يطرأ عليها من فسخ، أو انفساخ وجنايته، أو الجناية عليه وما يصح من المكاتب وما لا يصح.
"الكتابة" الصحيحة كما يعلم من كلامه الآتي "لازمة من جهة السيد"؛ لأنها لحظ المكاتب فقط فكان كالمرتهن، والسيد كالراهن. ويعلم من لزومها من جهته أنه "ليس له فسخها"، لكن صرح به ليترتب عليه قوله: "إلا أن يعجز عن الأداء" عند المحل ولو عن بعض النجم فله فسخها فتنفسخ بغير حاكم، ولا تنفسخ بمجرد عجزه من غير فسخ، نعم لا أثر لعجزه عما يجب حطه فيرفع الأمر للحاكم ليلزم السيد بالإيتاء، والمكاتب بالأداء أو يحكم بالتقاص إن رآه للمصلحة وإنما لم يحصل التقاص بنفسه؛ لعدم وجود شرطه الآتي إلا إن غاب كما يأتي، أو امتنع مع القدرة من الأداء فللسيد فسخها حينئذ "وجائزة للمكاتب فله ترك الأداء وإن كان معه وفاء"؛ لأن الحظ له "فإذا عجز نفسه" بقوله: أنا عاجز عن كتابتي مع تركه الأداء ولو مع القدرة عليه وهذا تصوير، والمدار إنما هو على الامتناع مع القدرة فمتى امتنع من الأداء عند المحل "فللسيد" ولو على التراخي "الصبر، والفسخ بنفسه، وإن شاء بالحاكم"؛ لأنه مجمع عليه فلم يتوقف على حاكم لكنه آكد فيما يظهر "وللمكاتب"، وإن لم يعجز نفسه "الفسخ" لها "في الأصح" كما أن للمرتهن فسخ الرهن وإذا عاد للرق فأكسابه كلها للسيد إلا اللقطة كما مر، "ولو استمهل المكاتب" السيد "عند حلول" النجم الأخير، أو غيره لعجزه

 

ج / 4 ص -509-        عن الأداء حينئذ "استحب" له استحبابا مؤكدا "إمهاله" إعانة له على العتق أولا لعجز لزمه الإمهال بقدر إخراج المال من محله ووزنه ونحو ذلك ويظهر أنه يلزمه؛ لما يحتاج إليه كأكل وقضاء حاجة وأنه لا تتوسع الأعذار هنا توسعها في الشفعة، والرد بالعيب؛ لأن الحق هنا واجب بالطلب فلم يجز تأخيره إلا للأمر الضروري ونحوه، ومن ثم يظهر أن المدين في الدين الحال بعد مطالبة الدائن له كالمكاتب فيما ذكر؛ لأنه يلزمه الأداء فورا بعد الطلب "فإن أمهل" هـ "ثم أراد" السيد وفهم أن الضمير للعبد غلط "الفسخ فله"؛ لأن الحال لا يتأجل "وإن كان" له دين ثابت على مليء، أو "معه عروض أمهله" وجوبا ليستوفيه، أو "ليبيعها" لقرب مدتها وعظيم مصلحتها "فإن عرض كساد"، أو غيره "فله أن لا يزيد في المهلة على ثلاثة أيام" لتضرره لو لزمه إمهال أكثر من ذلك ويفرق بينه وبين ضبط ما يليه بدون يومين بأن مانع البيع لا ضابط له فقد يزيد ثمنه وقد ينقص فأنيط الأمر فيه بما يطول عرفا، وهو ما زاد على الثلاثة، وأما الغائب فالمدار فيه على ما يجعله كالحاضر وما لا فلا. وقد تقرر فيما مر أن ما دون المرحلتين كالحاضر، بخلاف ما فوق ذلك وبهذا يتجه اعتماد ما في المتن دون ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها أولا أنه إنما يلزمه إمهال دون يومين كما لو غاب ماله المذكور في قوله "وإن كان ماله غائبا أمهله" وجوبا "إلى الإحضار إن كان دون مرحلتين"؛ لأنه بمنزلة الحاضر "وإلا" بأن غاب لمرحلتين فأكثر "فلا" يلزمه إمهال لطول المدة وللسيد الفسخ "ولو حل النجم"، ثم غاب بغير إذن السيد، أو حل "وهو" أي: المكاتب "غائب" عن المحل الذي يلزمه الأداء فيه إلى مسافة قصر لا دونها على الأوجه الذي اعتمده الزركشي كما لو غاب ماله ونقله بعضهم عن ابن الرفعة في كفايته. فبحثه في مطلبه أنه لا فرق فيه نظر، وإن اعتمده شيخنا "فللسيد الفسخ" بلا حاكم، وإن غاب بإذنه أو عجز عن الحضور لنحو خوف أو مرض وذلك؛ لتعذر الوصول إلى الغرض وكان من حقه أن يحضر أو يبعث المال، والإذن قبل الحلول لا يستلزم الإذن له في استمرار الغيبة ولو أنظره بعد الحلول وسافر بإذنه، ثم رجع لم يفسخ حالا؛ لأن المكاتب غير مقصر حينئذ بل حتى يعلمه بالحال بكتاب قاضي بلد سيده إلى قاضي بلده بعد ثبوت مقدمات ذلك ويحلف أن حقه باق ويذكر أنه ندم على الإذن، والإنظار وأنه رجع عنهما ويظهر أن ذكر الندم غير شرط. ومخالفة البلقيني في بعض ما ذكرته ضعيفة "ولو كان له مال حاضر فليس للقاضي الأداء منه" بل يمكن السيد من الفسخ حالا؛ لأنه ربما لو حضر امتنع من الأداء، أو عجز نفسه، "ولا تنفسخ" الكتابة ولو فاسدة "بجنون"، أو إغماء "المكاتب" ولا بالحجر عليه لسفه للزومها من أحد الطرفين كالرهن، ثم إن لم يكن له مال جاز للسيد الفسخ فيعود قنا وتلزمه مؤنته ما لم يبن له مال يفي فينقض فسخه ويعتق قال الإمام: واستحسناه في يد السيد وإلا مضى الفسخ كما لو غاب ماله، ثم حضر، وإن كان له مال أتى الحاكم وأثبت عنده الكتابة وحلول النجم وطالب به وحلف يمين الاستظهار على بقاء استحقاقه "و" حينئذ "يؤدي" إليه "القاضي" من ماله "إن وجد له مالا" ولم يستقل السيد بالأخذ ولو من المحجور وظهرت المصلحة له في العتق بأن لم يضع به على المعتمد؛ لأنه ينوب عنه؛ لعدم أهليته، بخلاف غائب له مال حاضر، أما

 

ج / 4 ص -510-        إذا لم تظهر المصلحة له فيه فلا يجوز للحاكم الأداء عنه ولا للسيد الاستقلال بالأخذ، "ولا" تنفسخ "بجنون"، أو إغماء "السيد"، ولا بموته، أو الحجر عليه للزومها من جهته "ويدفع" المكاتب النجوم "إلى وليه" إذا جن، أو حجر عليه، أو وارثه إذا مات؛ لأنه قائم مقامه "ولا يعتق بالدفع إليه" أي: المجنون؛ لعدم أهليته فيسترده المكاتب لبقائه بملكه، نعم لا يضمنه لو تلف في يده لتقصيره بالدفع له بل للولي تعجيزه إذا لم يبق بيده شيء، فإن قلت: مر في الطلاق أن الجنون لا يوجب اليأس وإن اتصل بالموت؛ لأن ضرب المجنون كضرب العاقل فقياسه هنا الاعتداد بأخذ المجنون قلت: ممنوع؛ لأن المدار هنا على أخذ مملك، والمجنون ليس من أهله، بخلاف نحو الضرب، "ولو قتل" المكاتب "سيده" عمدا "فلوارثه قصاص، فإن عفا على دية، أو قتل خطأ"، أو شبه عمد "أخذها" أي: الوارث الدية "مما معه" ومما سيكسبه إن لم يختر تعجيزه؛ لأن السيد مع المكاتب في المعاملة كأجنبي فكذا الجناية. وقضية المتن وجوب الدية بالغة ما بلغت واعتمده البلقيني ونقله عن الأم وأطال في رد ما اقتضاه كلام الروضة وأصلها من وجوب الأقل من قيمته وأرش الجناية كالجناية على أجنبي ويأتي الفرق بينهما على الأول "فإن لم يكن" في يده شيء أصلا، أو يفي بالأرش "فله" أي: الوارث "تعجيزه في الأصح"؛ لأنه يستفيد به رده إلى محض الرق وإذا رق سقط الأرش فلا يتبع به إذا عتق كمن ملك عبدا له عليه دين "أو قطع" المكاتب "طرفه" أي: السيد "فاقتصاصه، والدية كما سبق" في قتله له، "ولو قتل" المكاتب "أجنبيا، أو قطعه" عمدا وجب القود، فإن اختار العفو "فعفا على مال، أو كان" ما فعله "خطأ"، أو شبه عمد "أخذ مما معه ومما سيكسبه" إلى حين عتقه وكان وجه ذكره لهذا هنا دون جنايته على السيد أن السيد لما ملك تعجيزه عند العجز بنفسه من غير مراجعة قاض لم يكلف وارثه الصبر لأكسابه المستقبلة، بخلاف الأجنبي فإنه لو لم يتعلق بها لضاع حقه، أو احتاج إلى كلفة الرفع للقاضي "الأقل من قيمته، والأرش"؛ لأنه يملك تعجيز نفسه فلا يبقى للأرش تعلق سوى رقبته فلزمه الأقل من قيمتها، والأرش وفارق ما مر في جنايته على سيده بأن حق السيد يتعلق بذمته دون رقبته؛ لأنها ملكه فلزمه كل الأرش بما في يده كدين المعاملة، بخلاف جنايته على الأجنبي إنما تتعلق برقبته فقط كما تقرر "فإن لم يكن معه شيء" قدر الواجب "وسأل المستحق"، وهو المجني عليه، أو وارثه "تعجيزه عجزه القاضي" قال القاضي، أو السيد: وبحث ابن الرفعة أخذا من كلام التنبيه، ومن أن بيع المرهون في الجناية لا يحتاج إلى فك الرهن أنه لا يحتاج هنا لتعجيز بل يتبين بالبيع انفساخ الكتابة. ا هـ. ويوجه إطلاقهم بأن قضية الاحتياط للعتق التوقف على التعجيز، والفرق بينه وبين الرهن وإنما يعجزه فيما يحتاج لبيعه في الأرش فقط إلا أن لا يتأتى بيع بعضه على الأوجه "وبيع" منه "بقدر الأرش" فقط إن زادت قيمته عليه؛ لأنه الواجب "فإن بقي منه شيء بقيت فيه الكتابة" فإذا أدى حصته من النجوم عتق، ولا سراية "وللسيد فداؤه" بأقل الأمرين ويلزم المستحق القبول لتشوف الشارع للعتق "وإبقاؤه مكاتبا ولو أعتقه بعد الجناية، أو أبرأه" عن النجوم "عتق" إن كان السيد موسرا في مسألة الإعتاق أخذا من كلامهم في إعتاق المتعلق برقبته مال "ولزمه الفداء"

 

ج / 4 ص -511-        بالأقل؛ لأنه فوت رقبته، بخلاف ما لو عتق بالأداء بعد الجناية، "ولو قتل المكاتب بطلت" كتابته "ومات رقيقا" لفوات محل الكتابة فللسيد ما يتركه بحكم الملك لا الإرث ويلزمه تجهيزه، وإن لم يخلف وفاء "ولسيده قصاص على قاتله" العامد "المكافئ" له لبقائه بملكه "وإلا" يكافئه "فالقيمة" له هي الواجبة له عليه؛ لأنها جناية على قنه، فإن قتله سيده لم يلزمه إلا الكفارة كما بأصله وحذفه للعلم به مما قدمه في بابها، بخلاف ما لو قطع طرفه فإنه يضمنه له ولو قطع المكاتب طرف أبيه المملوك له قطع طرفه به ولم تراع شبهة الملك؛ لأن حرمة الأبوة أقوى منها، "ويستقل" المكاتب "بكل تصرف لا تبرع فيه ولا خطر" كمعاملة بثمن مثل؛ لأن في ذلك تحصيلا للعتق المقصود "وإلا" بأن كان فيه تبرع كبيع بدون ثمن مثل ونحوه من كل محسوب من الثلث لو وقع في مرض الموت، أو خطر كالبيع نسيئة ولو بأكثر من قيمته، وإن أخذ رهنا وكفيلا على ما ذكراه هنا "فلا" يستقل به؛ لأن أحكام الرق جارية عليه. ونقل البلقيني عن النص امتناع تكفيره بالمال مع أنه لا تبرع فيه وأن ما تصدق به عليه مما يؤكل، ولا يباع عادة له التبرع به لخبر بريرة وبحث أن له نحو قطع السلعة مما الغالب فيه السلامة، وإن كان فيه خطر. "ويصح" ما فيه تبرع وخطر "بإذن سيده في الأظهر"؛ لأن المنع إنما هو لحقه وكإذنه قبوله منه تبرعه عليه، أو على مكاتب له آخر بأداء ما عليه، نعم ليس له عتق ووطء وكتابة ولو بإذنه كما يأتي "ولو اشترى" كل، أو بعض "من يعتق على سيده صح" ولا يعتق على السيد لاستقلال المكاتب بالملك "فإن عجز وصار لسيده عتق" عليه لدخوله في ملكه، ولا يسري البعض في صورته إلى الباقي، وإن اختار سيده تعجيزه؛ لما مر في العتق "أو" اشترى من يعتق "عليه" لو كان حرا "لم يصح بلا إذن" من سيده؛ لأنه تكاتب عليه كما يأتي "و" شراؤه له "بإذن" منه "فيه القولان" في تبرعاته أظهرهما الصحة "فإن صح" الشراء "تكاتب عليه" فيتبعه رقا وعتقا، وليس له نحو بيعه "ولا يصح إعتاقه وكتابته" لقنه "بإذن" من سيده "على المذهب" لتضمنهما الولاء، وليس من أهله، نعم لو أعتقه عن سيده، أو غيره بإذنه صح وكان الولاء للسيد.

فصل في بيان ما تفارق فيه الكتابة الباطلة الفاسدة
وما توافق، أو تباين فيه الفاسدة الصحيحة وتخالف المكاتب وسيده، أو وارثه وغير ذلك.
"الكتابة الفاسدة لشرط" فاسد كأن شرط أن كسبه بينهما، أو تأخر عتقه عن الأداء "أو عوض" فاسد كأن كاتبه على نحو خمر "أو أجل فاسد" كأن يؤجل بمجهول أو يجعله نجما واحدا، أو لغير ذلك كأن يكاتب بعض الرقيق "كالصحيحة في استقلاله" أي: المكاتب "بالكسب"؛ لأنه يعتق فيها بالأداء أيضا، وهو إنما يحصل بالتمكن من الاكتساب. وخرج بها الباطلة وهي ما اختل بعض أركانها كاختلال بعض شروط العاقدين السابقة وكالعقد بنحو دم وكفقد إيجاب، أو قبول فهي لغو إلا في تعليق عتق إن وقعت ممن يصح تعليقه وكذا يفترقان في نحو الحج، والعارية، والخلع "و" في "أخذ أرش الجناية عليه و" في أخذ أمة ما

 

ج / 4 ص -512-        وجب لها من "مهر" عقد صحيح عليها، أو وطء "شبهة"؛ لأنهما في معنى الاكتساب "وفي أنه يعتق بالأداء" للسيد عند المحل بحكم التعليق لوجود الصفة ولكون المقصود بالكتابة العتق لم تتأثر بالتعليق الفاسد، ومن ثم لم يشاركه عقد فاسد في إفادة ملك أصلا "و" في أنه "يتبعه" إذا عتق "كسبه" الحاصل بعد التعليق وولده من أمته ككسبه، لكن لا يجوز له بيعه؛ لأنه تكاتب عليه ويعتق إذا عتق وكذا ولد المكاتبة كتابة فاسدة. وقضية كلامهما أن نفقته على السيد كفطرته، لكن قال الإمام والغزالي تسقط عنه وجزم به غيرهما وله معاملته "وكالتعليق" بصفة "في أنه لا يعتق بإبراء" عن النجوم، ولا بأداء من الغير عنه تبرعا، أو وكالة، ولا بالأداء لوكيل السيد لتعذر حصول الصفة وأجزأ في الصحيحة؛ لأن المغلب فيها المعاوضة، والأداء، والإبراء فيها واحد "و" في أن كتابته "تبطل بموت سيده" قبل الأداء لجوازها من الجانبين ولعدم حصول المعلق عليه، ولا يعتق بالأداء للوارث، بخلاف الصحيحة، نعم إن قال: إن أديت لي، أو لوارثي لم تبطل "و" في أنه "يصح" نحو بيعه وهبته وإعتاقه عن الكفارة و "الوصية برقبته"، وإن ظن صحة الكتابة؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر "و" في أنه "لا يصرف إليه سهم المكاتبين"؛ لأنها جائزة من الجانبين فالأداء فيها غير موثوق به، وفي أنه يمنعه من السفر، ولا يطؤها، ولا يعتق بتعجيل النجوم وبما تقرر علم أن في كل من الصحيحة، والفاسدة عقد معاوضة وأن المغلب في الصحيحة معنى المعاوضة وفي الفاسدة معنى التعليق، "وتخالفهما" أي: الفاسدة الصحيحة، والتعليق "في أن للسيد فسخها" بالفعل كالبيع، والقول كأبطلتها فلا يعتق بأداء بعد الفسخ؛ لأن تعليقها في ضمن معاوضة لم يسلم فيها العوض كما يأتي فلم تلزم. وإطلاق الفسخ فيها فيه تجوز؛ لأنه إنما يكون في صحيح وقيد بالسيد؛ لأنه يمتنع عليه الفسخ في الصحيحة كما قدمه وكذا في التعليق، وأما العبد فيجوز له الفسخ في الصحيحة، والفاسدة دون التعليق "و" في أنها تبطل بنحو إغماء السيد، والحجر عليه بسفه كما يأتي لا فلس، بخلاف نحو إغماء العبد، والحجر عليه وفي "أنه لا يملك ما يأخذه" لفساد العقد "بل يرجع" فيما إذا عتق بالأداء "المكاتب به" أي: بعينه "إن" بقي وإلا فبمثله في المثلي وقيمته في المتقوم إن "كان متقوما" يعني له قيمة كما بأصله فليس المراد قسيم المثلي، أما ما لا قيمة له كخمر فلا يرجع بعد تلفه على سيده بشيء، نعم بحث شارح أن له أخذ محترم غير متقوم كجلد ميتة لم يدبغ "وهو" أي: السيد يرجع "عليه" أي: المكاتب "بقيمته"؛ لأن فيها معنى المعاوضة وقد تلف المعقود عليه بالعتق؛ إذ لا يمكن رده فهو كتلف مبيع فاسد في يد المشتري يرجع على البائع بما أدى ويرجع البائع عليه بالقيمة وتعتبر القيمة هنا "يوم العتق"؛ لأنه يوم التلف. ولو كاتب كافر كافرة على فاسد مقصود كخمر وقبض في الكفر فلا تراجع كما علم مما مر في نكاح المشرك "فإن تجانسا" أي: ما يرجع به العبد وما يستحقه السيد عليه بأن كانا دينين نقدين واتفقا جنسا ونوعا وصفة واستقرارا وحلولا "فأقوال التقاص" الآتية "ويرجع صاحب الفضل به" إن فضل شيء؛ لأنه حقه، أما إذا عتق لا بأداء بأن أعتقه السيد لا عن الكتابة ولو عن كفارته، ومثل ذلك لو باعه، أو وهبه، أو رهنه، أو أوصى برقبته ولم يقيد بعجزه فإنه يصح ويكون فسخا لها

 

ج / 4 ص -513-        فلا يتبعه كسب، ولا ولد ومما تخالف الصحيحة فيه أنه لا يجب فيها إيتاء ولا تصح الوصية بنجومها، ولا تمنع رجوع الأصل ولا تحرم النظر على السيد، ولا توجب عليه مهرا بوطئه لها، وفي صور أخرى تبلغ ستين صورة "قلت: أصح أقوال التقاص سقوط أحد الدينين بالآخر" أي: يقدره منه إن اتفقا في جميع ما مر وكانا نقدين "بلا رضا" من صاحبهما، أو من أحدهما؛ لأن طلب أحدهما الآخر بمثل ما له عليه عبث وهذا فيه شبه بيع تقديرا، والنهي عن بيع الدين بالدين إما مخصوص بغير ذلك؛ لأنه يغتفر في التقديري ما لا يغتفر في غيره، وأما محله في بيع الدين لغير من عليه "والثاني" إنما يسقط "برضاهما"؛ لأنه يشبه الحوالة "والثالث" يسقط "برضا أحدهما"؛ لأن للمدين أن يؤدي من حيث شاء "والرابع لا يسقط"، وإن تراضيا "والله أعلم"؛ لأنه يشبه بيع الدين بالدين. أما إذا اختلفا جنسا، أو غيره مما مر فلا تقاص كما لو كانا غير نقدين وهما متقومان مطلقا، أو مثليان لا إن حصل به عتق لتشوف الشارع إليه، أما لو اتفقا أجلا ففي وجه رجحه الإمام وتبعه البلقيني واستشهد له بنص الأم التقاص وفي آخر المنع ورجحه البغوي كالقاضي واقتضاه كلام الشرح الصغير لانتفاء المطالبة ولأن أجل أحدهما قد يحل بموته قبل الآخر ولو تراضيا بجعل الحال قصاصا عن المؤجل لم يجز كما رجحاه وحمل على ما إذا لم يحصل به عتق وإلا جاز كما أفاده كلام الأم وقياسه تقييد الوجهين المذكورين بذلك أيضا، "فإن فسخها السيد" أو العبد "فليشهد" ندبا احتياطا؛ لئلا يتجاحدا "ولو أدى" المكاتب "المال فقال السيد" له ": كنت فسخت" قبل أن تؤدي "فأنكره" العبد أي: أصل الفسخ، أو كونه قبل الأداء "صدق العبد بيمينه"؛ لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد فلزمته البينة، "والأصح بطلان" الكتابة "الفاسدة بجنون السيد وإغمائه، والحجر عليه" بالسفه "لا بجنون العبد"؛ لأن الحظ له فإذا أفاق وأدى المسمى عتق وثبت التراجع "ولو ادعى كتابة فأنكر" "سيده، أو وارثه صدقا" أي: كل منهما باليمين؛ لأن الأصل عدمها "وحلف الوارث على نفي العلم"، والسيد على البت كما علم مما مر ولو ادعاها السيد وأنكر العبد جعل إنكاره تعجيزا منه لنفسه، نعم إن اعترف السيد مع ذلك بأداء المال عتق بإقراره ويتجه أن محل ما ذكر في الإنكار إن تعمده من غير عذر "ولو اختلفا في قدر النجوم" أي: الأوقات، أو ما يؤدي كل نجم "أو صفتها" أراد بها ما يشمل الجنس، والنوع، والصفة وقدر الأجل، ولا بينة، أو لكل منهما بينة "تحالفا" كما مر في البيع، نعم إن كان خلافهما يؤدي لفسادها كأن اختلفا هل وقعت على نجم واحد، أو أكثر ؟ صدق مدعي الصحة بيمينه نظير ما مر ثم "ثم" بعد التحالف "إن لم يكن" السيد "قبض ما يدعيه لم تنفسخ الكتابة في الأصح" قياسا على البيع "بل إن لم يتفقا" على شيء "فسخ القاضي" الكتابة لا هما؛ لأنه يحتاج لنظر واجتهاد كالفسخ بالعنة وبه فارق ما مر في نحو البيع؛ لأنه منصوص عليه فاندفعت كما قاله الزركشي تسوية الإسنوي وغيره بين ما هنا، والبيع. "وإن كان" السيد "قبضه" أي: ما ادعاه بتمامه "وقال المكاتب: بعض المقبوض" لم تقع به الكتابة وإنما هو "وديعة" أودعته إياه ولم أدفعه عن جهة الكتابة "عتق" لاتفاقها على وقوع العتق على التقديرين "ويرجع هو" أي: العبد "بما أدى" جميعه "و" يرجع "السيد بقيمته" أي: العبد؛

 

ج / 4 ص -514-        لأنه لا يمكن رد العتق "وقد يتقاصان" إن وجدت شروط التقاص السابقة بأن تلف المؤدى وكان هو، أو قيمته من جنس قيمة العبد وصفتها، "ولو قال: كاتبتك وأنا مجنون، أو محجور علي" بسفه طرأ "فأنكر العبد" وقال: بل كنت عاقلا "صدق السيد" بيمينه كما بأصله "إن عرف سبق ما ادعاه"؛ لأن الأصل بقاؤه فقوي جانبه، ومن ثم صدق مع كونه يدعي الفساد على خلاف القاعدة وإنما لم يصدق من زوج بنته، ثم ادعى ذلك، وإن عهد له؛ لأن الحق تعلق بثالث، بخلاف هنا "وإلا" يعرف ذلك "فالعبد" هو المصدق بيمينه؛ لأن الأصل ما ادعاه، "ولو قال" السيد. ": وضعت عنك النجم الأول، أو قال": وضعت "البعض فقال" المكاتب ": بل" وضعت "الآخر، أو الكل صدق السيد" بيمينه؛ لأنه أعرف بإرادته وفعله، والصورة أن النجمين اختلفا قدرا وإلا لم يكن للخلاف فائدة، "ولو مات عن ابنين وعبد فقال" لهما وهما كاملان ": كاتبني أبوكما، فإن أنكرا" ذلك "صدقا" بيمينهما على نفي علمهما بكتابة الأب وهذا علم من قوله آنفا: أو وارثه وأعاده ليرتب عليه قوله: "وإن صدقاه" أو قامت بذلك بينة "فمكاتب" عملا بقولهما، أو البينة "فإن أعتق أحدهما نصيبه" أو أبرأه عن نصيبه من النجوم "فالأصح" أنه "لا يعتق"؛ لعدم تمام ملكه "بل يوقف، فإن أدى نصيب الآخر عتق كله وولاؤه للأب"؛ لأنه عتق بحكم كتابته ثم ينتقل لهما سواء "وإن عجز قوم على المعتق إن كان موسرا" وقت العجز وولاؤه كله له "وإلا" يكن موسرا "فنصيبه حر، والباقي قن للآخر قلت: بل الأظهر" الذي قطع به الأصحاب "العتق" في الحال؛ لما أعتقه "والله أعلم" كما لو كاتبا عبدا وأعتق أحدهما نصيبه، لكن لا سراية هنا؛ لأن الوارث نائب الميت، وهو لا سراية عليه، ومن ثم لو عتق نصيب الآخر بأداء، أو إعتاق أو إبراء كان الولاء على المكاتب للأب، ثم لهما عصوبة على ما مر، وإن عجزه بشرطه عاد قنا، ولا سراية لما تقرر أن الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها، والميت لا سراية عليه "وإن صدقه أحدهما فنصيبه مكاتب" مؤاخذة له بإقراره. واغتفر التبعيض في الكتابة للضرورة كما لو أوصى بكتابة عبد فلم يخرج إلا بعضه "ونصيب المكذب قن" إذا حلف على نفي العلم بكتابة أبيه استصحابا لأصل الرق فنصف الكسب له ونصفه للمكاتب "فإن أعتقه المصدق" أي: كله، أو نصيبه منه "فالمذهب أنه يقوم عليه إن كان موسرا" لزعم منكر الكتابة أنه رقيق كله لهما فإذا أعتق صاحبه نصيبه سرى إليه عملا بزعمه كما لو قال لشريكه: أعتقت نصيبك وأنت موسر فإنا نؤاخذه ونحكم بالسراية إلى نصيبه، لكن لما ثبتت السراية في هذه بمحض إقرار ذي النصيب لم تجب له قيمة، وأما في مسألتنا فهي إنما تثبت استلزاما لزعم المنكر لا لإقراره فكانت إتلافا لنصيبه فوجبت قيمته له. وخرج بأعتق عتقه عليه بأداء، أو إبراء فلا يسري.