جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الْوَدِيعَة

وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
(الْوَدِيعَة) مُشْتَقَّة من السّكُون فَكَأَنَّهَا عِنْد الْمُودع سَاكِنة مُسْتَقِرَّة
وَقيل: إِنَّهَا مُشْتَقَّة من الدعة فَكَأَنَّهَا فِي دعة عِنْد الْمُودع وَالْأَصْل فِي الْوَدِيعَة: الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب: فَقَوله تَعَالَى: {إِن الله يَأْمُركُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَات إِلَى أَهلهَا} وَقَوله تَعَالَى: {فليؤد الَّذِي اؤتمن أَمَانَته} وَقَوله تَعَالَى: {وَمن أهل الْكتاب من إِن تأمنه بقنطار يؤده إِلَيْك وَمِنْهُم من إِن تأمنه بِدِينَار لَا يؤده إِلَيْك} فَدلَّ على أَن للأمانة أصل فِي الشَّرْع
وَأما السّنة: فَمَا رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (أد الْأَمَانَة إِلَى من ائتمنك وَلَا تخن من خانك) أَي لَا تقابله بخيانة
وَرُوِيَ (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَت عِنْده ودائع بِمَكَّة فَلَمَّا أَرَادَ أَن يُهَاجر تَركهَا عِنْد أم أَيمن
وَخلف عليا ليردها على أَهلهَا)
وَأما الْإِجْمَاع: فَإِن الْأمة أَجمعت على جَوَاز الْإِيدَاع
وَالنَّاس فِي قبُول الْوَدِيعَة على ثَلَاث أضْرب
ضرب: يعلم من نَفسه الْقُدْرَة على حفظهَا ويأمن من نَفسه الْخِيَانَة فِيهَا وَلَا يخَاف التّلف عَلَيْهَا إِن لم يقبلهَا
فَهَذَا يسْتَحبّ لَهُ قبُولهَا لقَوْله تَعَالَى: {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى وَلَا تعاونوا على الْإِثْم والعدوان وَاتَّقوا الله إِن الله شَدِيد الْعقَاب} وَلَا

(1/372)


يجب عَلَيْهَا قبُولهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَة بِهِ إِلَى ذَلِك
وَضرب: يجب عَلَيْهِ قبُولهَا وَهُوَ أَن يَأْتِي رجل بِمَال ليودعه فِي مَكَان عِنْد رجل وَلَيْسَ هُنَاكَ من يصلح لحفظها إِلَّا هُوَ
وَيعلم أَنه إِن لم يقبل ذَلِك مِنْهُ هلك المَال
فَيجب عَلَيْهِ الْقبُول لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: (حُرْمَة مَال الْمُؤمن كَحُرْمَةِ دَمه) وَلَو خَافَ على دَمه وَقدر على الدّفع عَنهُ ولوجب عَلَيْهِ ذَلِك
وَكَذَلِكَ مَاله
فَإِن لم يقبلهَا أَثم لما ذَكرْنَاهُ
وَلَا يضمن المَال إِذا تلف لِأَنَّهُ لم يُوجد مِنْهُ تعد فَهُوَ كَمَا لَو قدر على الدّفع عَن نفس غَيره وَلم يدْفع عَنهُ حَتَّى قتل
وَضرب: يكره لَهُ قبُولهَا وَهُوَ من يعلم من حَال نَفسه الْعَجز عَن حفظ الْوَدِيعَة أَو لَا يَأْمَن من نَفسه الْخِيَانَة فَلَا يغرر بِمَال غَيره ويعرض نَفسه للضَّمَان
فَإِن قبلهَا لم يجب عَلَيْهِ الضَّمَان إِلَّا بِالتَّعَدِّي
وَيعْتَبر فِي الْمُودع وَالْمُودع مَا يعْتَبر فِي الْمُوكل وَالْوَكِيل
وَلَا بُد من صِيغَة من الْمُودع بِأَن يَقُول: استودعتك هَذَا المَال أَو استحفظتك إِيَّاه أَو استنبتك فِي حفظه
وَالْأَظْهَر: أَنه لَا يعْتَبر الْقبُول بِاللَّفْظِ وَيَكْفِي الْقَبْض وَلَو أودعهُ صبي أَو مَجْنُون مَالا لم يقبله
فَإِن قبل ضمن
وَلَو أودع مَالا عِنْد صبي فَتلف عِنْده لم يضمنهُ
وَلَو أتْلفه فَالْأَظْهر: أَنه يضمن وَالسَّفِيه كَالصَّبِيِّ فِي إيداعه
وترتفع الْوَدِيعَة بِمَوْت الْمُودع وَالْمُودع وبالجنون وَالْإِغْمَاء
وللمودع أَن يستردها مَتى شَاءَ
وللمودع كَذَلِك
وَالْأَصْل فِي الْوَدِيعَة: الْأَمَانَة
وَقد تصير مَضْمُونَة بعوارض
مِنْهَا: أَن يودع غَيره بِغَيْر إِذن الْمَالِك من غير عذر
فَيضمن
وَمِنْهَا: إِذا أودع القَاضِي على وَجه أَنه لَا يضمن
وَإِذا لم تزل يَده عَن الْوَدِيعَة فَلَا بَأْس بالاستعانة بِغَيْرِهِ بِأَن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ ليحملها إِلَى الْحِرْز أَو ليضعها فِي الخزانة الْمُشْتَركَة بَينهمَا
وَإِذا أَرَادَ سفرا فليردها إِلَى الْمُودع أَو وَكيله
فَإِن لم يظفر بهما دَفعهَا إِلَى القَاضِي
فَإِن لم يجده فَإلَى أَمِين
فَإِن دَفنهَا فِي مَوضِع وسافر ضمن إِلَّا أَن يعلم بهَا أَمِين يسكن ذَلِك الْموضع فَلَا

(1/373)


يضمن فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَلَو سَافر بهَا ضمن إِلَّا إِذا وَقع حريق أَو غَارة وَعجز عَمَّن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ عَن مَا ذكرنَا
وَوُقُوع الْحَرِيق والإغارة فِي الْبقْعَة وإشراف الْحِرْز على الخراب: أعذار
وَإِذا وَقع الْمُودع فِي مرض الْمَوْت: فَيَنْبَغِي أَن يرد الْوَدِيعَة إِلَى الْمَالِك أَو وَكيله وَإِلَّا فيودعها عِنْد الْحَاكِم أَو أَمِين أَو يُوصي بهَا
فَإِن لم يفعل ضمن إِلَّا إِذا لم يجد الفرصة
بِأَن مَاتَ فَجْأَة أَو قتل غيلَة
وَمِنْهَا: إِذا نقل الْوَدِيعَة من محلّة إِلَى محلّة أَو من دَار إِلَى دَار
وَالْمَنْقُول مِنْهُ أحرز: ضمن وَإِن تَسَاويا أَو كَانَ الْمَنْقُول إِلَيْهِ أحرز: فَلَا ضَمَان
وَمِنْهَا: أَنه لَا يدْفع فِي مهلكات الْوَدِيعَة
فَلَو أودعهُ دَابَّة
فَترك عَلفهَا ضمن إِلَّا أَن ينهاه عَنهُ فَلَا يضمن على الْأَصَح
ثمَّ لَا يلْزمه الْعلف من مَاله بل يعلف بِمَا دفع إِلَيْهِ الْمَالِك
فَإِن لم يدْفع إِلَيْهِ شَيْئا رَاجعه أَو وَكيله
فَإِن لم يجدهما رفع الْأَمر إِلَى الْحَاكِم
وَلَو بعثها مَعَ من يسقيها لم يضمن على الْأَظْهر
وعَلى الْمُودع تَعْرِيض ثِيَاب الصُّوف للريح كَيْلا يُفْسِدهَا الدُّود
وَكَذَا لبسهَا عِنْد الْحَاجة
وَمِنْهَا: لَو عدل عَن الْحِفْظ على الْوَجْه الْمَأْمُور بِهِ إِلَى غَيره وَتَلفت الْوَدِيعَة بِسَبَب الْوَجْه المعدول إِلَيْهِ ضمن
فَلَو قَالَ: لَا ترقد على الصندوق فرقد وانكسر رَأس الصندوق بثقله وَتلف مَا فِيهِ ضمن
وَإِن تلف بِسَبَب آخر لم يضمن على ظَاهر الْمَذْهَب: وَكَذَا لَو قَالَ: لَا تقفل عَلَيْهِ فأقفل
وَلَو قَالَ: اربط هَذِه الدَّرَاهِم فِي كمك فَأَمْسكهَا فِي يَده فَتلفت
فَالْأَصَحّ: أَنه يضمن إِن ضَاعَت بنوم أَو نِسْيَان
وَلَا يضمن إِن أَخذهَا غَاصِب
وَلَو جعلهَا فِي جيبه بَدَلا عَن الرَّبْط فِي الْكمّ لم يضمن
وَبِالْعَكْسِ يضمن
وَلَو سلم إِلَيْهِ الدَّرَاهِم فِي السُّوق وَلم يبين كَيْفيَّة الْحِفْظ فربطها فِي الْكمّ وأمسكها فِي الْيَد
فقد بَالغ فِي الْحِفْظ
وَكَذَا لَو جعلهَا فِي جيبه
وَلَو أمْسكهَا بِيَدِهِ وَلم يربطها فِي الْكمّ لم يضمن إِن أَخذهَا غَاصِب وَيضمن إِن تلفت بغفلة أَو نوم وَلَو أَنه لما سلمهَا إِلَيْهِ فِي السُّوق قَالَ: احفظها فِي الْبَيْت
فَيَنْبَغِي أَن يمْضِي إِلَيْهِ ويحرزها فِيهِ وَلَو أخر من غير عذر ضمن

(1/374)


وَمِنْهَا: إِذا ضيع الْوَدِيعَة بِأَن جعلهَا فِي مضيعة أَو فِي غير حرز مثلهَا أَو سعى بهَا إِلَى من يضارر الْمَالِك أَو دلّ عَلَيْهَا السَّارِق: ضمن
وَلَو أكرهه الظَّالِم حَتَّى سلمهَا إِلَيْهِ
فَالظَّاهِر: أَن للْمَالِك مُطَالبَته بِالضَّمَانِ ثمَّ يرجع هُوَ على الظَّالِم
وَمِنْهَا: الِانْتِفَاع بالوديعة كلبس الثَّوْب وركوب الدَّابَّة خِيَانَة مضمنة
وَكَذَا أَخذ الثَّوْب للبس وَالدَّرَاهِم للإنفاق
وَلَو نوى الْأَخْذ وَلم يَأْخُذ لم يضمن على الْأَظْهر
وَمِنْهَا: إِذا خلط الْوَدِيعَة بِمَال نَفسه وارتفع التَّمْيِيز: ضمن
وَكَذَا لَو خلط دَرَاهِم كيس بِدَرَاهِم كيس آخر من مَال الْمُودع
ضمن فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَمِنْهَا: إِذا صَارَت الْوَدِيعَة مَضْمُونَة على الْمُودع بانتفاع وَغَيره ثمَّ إِنَّه ترك الْخِيَانَة: لم يبرأ
وَلم يعد أَمينا إِلَّا إِذا أحدث لَهُ الْمَالِك استئمانا فأظهر الْوَجْهَيْنِ أَنه يبرأ
وَإِذا طلب الْمَالِك الْوَدِيعَة: فعلى الْمُودع الرَّد بِأَن يخلي بَين الْمَالِك وَمَاله فَإِن أخر من غير عذر ضمن
وَإِن ادّعى التّلف وَذكر سَببا خفِيا كالسرقة أَو لم يذكر سَببا صدق بِيَمِينِهِ وَإِن ذكر سَببا ظَاهرا كالحريق فَإِن عرف مَا يَدعِيهِ صدق بِالْيَمِينِ وَإِن لم يعرف عُمُومه
وَإِن عرف فَلَا حَاجَة إِلَى الْيَمين
وَإِن لم يعرف مَا يَدعِيهِ طُولِبَ بِالْبَيِّنَةِ
ثمَّ إِنَّه يحلف على حُصُول الْهَلَاك بِهِ
وَإِن ادّعى الرَّد على الْمَالِك الَّذِي ائتمنه صدق بِيَمِينِهِ
وَإِن ادّعى الرَّد على غير من ائتمنه صدق بِالْبَيِّنَةِ
وَذَلِكَ كَمَا إِذا ادّعى الرَّد على وَرَثَة الْمَالِك وَادّعى وَارِث الْمُودع الرَّد على الْمَالِك أَو أودع عِنْد السّفر أَمينا فَادّعى الْأمين الرَّد على الْمَالِك فَإِنَّهُم يطالبون بِالْبَيِّنَةِ
وجحود الْوَدِيعَة بعد طلب الْمَالِك من أَسبَاب الضَّمَان
هَذَا كَلَام صَاحب الْمُحَرر
وَقَالَ صَاحب الْمقنع: إِذا ادّعى أَنه أودع عِنْد رجل وَدِيعَة وَأنكر الرجل ذَلِك وَقَالَ: مَا أودعتني شَيْئا فَالْقَوْل قَول الْمُودع يحلف أَنه مَا أودعهُ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَكَذَلِكَ إِذا اتفقَا على الْإِيدَاع وَاخْتلفَا فِي رده فَالْقَوْل قَول الْمُودع أَيْضا
فَأَما إِن قَالَ الْمُودع: أَمرتنِي أَن أدفَع الْوَدِيعَة إِلَى زيد وَقد دفعت إِلَيْهِ وَقَالَ صَاحب الْوَدِيعَة: مَا دفعت
فَالْقَوْل قَول صَاحب الْوَدِيعَة حَتَّى يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة أَنه دفع إِلَيْهِ
وَكَذَا إِذا قَالَ صَاحب الْوَدِيعَة: مَا أَمرتك بِالدفع إِلَى زيد
وَقَالَ: أَمرتنِي
فَالْقَوْل قَول صَاحب الْوَدِيعَة أَيْضا حَتَّى يُقيم الْمُودع الْبَيِّنَة: أَنه أمره بِالدفع إِلَى زيد
وَينظر فِي حَال زيد
فَإِن أنكر

(1/375)


أَنه أَخذ مِنْهُ شَيْئا فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَإِن أقرّ نظر فِي الْوَدِيعَة
فَإِن كَانَت بَاقِيَة ردَّتْ على صَاحبهَا وَيسْقط الضَّمَان عَنْهُمَا
وَإِن كَانَت تالفة فلصاحبها أَن يُطَالب من شَاءَ من الْمُودع وَمن زيد وَأيهمَا ضمن لم يكن لَهُ أَن يرجع على الآخر

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
: اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْوَدِيعَة من الْقرب الْمَنْدُوب إِلَيْهَا
وَأَن فِي حفظهَا ثَوابًا وَأَنَّهَا أَمَانَة مَحْضَة
وَأَن الضَّمَان لَا يجب على الْمُودع إِلَّا بِالتَّعَدِّي وَأَن القَوْل قَوْله فِي التّلف وَالرَّدّ على الْإِطْلَاق مَعَ يَمِينه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ قبضهَا بِبَيِّنَة
فالثلاثة على أَنه يقبل قَوْله فِي الرَّد بِلَا بَيِّنَة وَقَالَ مَالك: لَا يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة
وَإِذا استودع دَنَانِير أَو دَرَاهِم أنفقها أَو أتلفهَا ثمَّ رد مثلهَا إِلَى مَكَانَهُ من الْوَدِيعَة ثمَّ تلف الْمَرْدُود بِغَيْر فعله فَلَا ضَمَان عَلَيْهِ عِنْد مَالك
فَإِن عِنْده لَو خلط دَرَاهِم الْوَدِيعَة أَو الدَّنَانِير أَو الْحِنْطَة بِمِثْلِهَا حَتَّى لَا تتَمَيَّز لم يكن ضَامِنا للتلف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِن رده بِعَيْنِه لم يضمن تلفه
وَإِن رد مثله لم يسْقط عَنهُ الضَّمَان
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: هُوَ ضَامِن على كل حَال بِنَفس إِخْرَاجه لتعديه
وَلَا يسْقط عَنهُ الضَّمَان سَوَاء رده بِعَيْنِه إِلَى حرزه أَو رد مثله
وَإِذا استودع ثوبا أَو دَابَّة فتعدى بِالِاسْتِعْمَالِ ثمَّ رده إِلَى مَوضِع آخر
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب قَالَ مَالك: فِي الدَّابَّة إِذا ركبهَا ثمَّ ردهَا فصاحبها الْمُودع بِالْخِيَارِ بَين أَن يضمنهُ قيمتهَا وَبَين أَن يَأْخُذ مِنْهُ أجرتهَا وَلم يبين حكمهَا إِن تلفت بعد ردهَا مَوضِع الْوَدِيعَة
وَلَكِن يَجِيء على قَوْله: (أَنه يَأْخُذ الْكِرَاء) أَن يكون من ضَمَان الْمُودع وَإِن أَخذ الْقيمَة أَن يكون من ضَمَان الْمُودع
وَلم يقل فِي الثَّوْب: كَيفَ الْعَمَل إِذا لبسه وَلم يبله ثمَّ رده إِلَى حرزه ثمَّ تلف قَالَ: وَالَّذِي يقوى فِي نَفسِي: أَن الشَّيْء إِذا كَانَ مِمَّا لَا يُوزن وَلَا يُكَال كالدواب وَالثيَاب فَاسْتَعْملهُ فَتلف: كَانَ اللَّازِم قِيمَته لَا مثله
فَإِنَّهُ يكون مُتَعَدِّيا بِاسْتِعْمَالِهِ خَارِجا عَن الْأَمَانَة
فَرده إِلَى مَوْضِعه وَلَا يسْقط عَنهُ الضَّمَان بِوَجْه
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: إِذا تعدى ورده بِعَيْنِه ثمَّ تلف
لم يلْزمه ضَمَان
وَاتَّفَقُوا على أَن مَتى طلبَهَا صَاحبهَا وَجب على الْمُودع ردهَا مَعَ الْإِمْكَان وَإِلَّا ضمن

(1/376)


وعَلى أَنه إِذا طَالبه
فَقَالَ: مَا أودعتني ثمَّ قَالَ بعد ذَلِك: ضَاعَت أَنه يضمن بِخُرُوجِهِ عَن حد الْأَمَانَة
فَلَو قَالَ: مَا تسْتَحقّ عِنْدِي شَيْئا ثمَّ قَالَ تسْتَحقّ: كَانَ القَوْل قَوْله
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا سلم الْوَدِيعَة إِلَى عِيَاله فِي دَاره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: إِذا أودعها عِنْد من تلْزمهُ نَفَقَته من غير عذر لم يضمن
وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا أودعها عِنْد غَيره من غير عذر ضمن

المصطلح: وتشتمل صوره على أَنْوَاع مِنْهَا: صُورَة فِي الْوَدِيعَة وحفظها: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَو أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان أَو أَن فِي يَده وتسليمه لفُلَان على سَبِيل الْإِيدَاع الشَّرْعِيّ مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا مُلْتَزما حفظ هَذِه الْوَدِيعَة وصونها فِي حرز مثلهَا فِي الْمَكَان الَّذِي أمره الْمُودع أَن يَضَعهَا فِيهِ وَحضر الْمُودع الْمَذْكُور وَصدق على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ ويكمل
صُورَة رد الْوَدِيعَة: أقرّ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه
وَذَلِكَ هُوَ الْقدر الَّذِي كَانَ الْقَابِض الْمَذْكُور أودعهُ عَن المقبض الْمَذْكُور من قبل تَارِيخه
وَلم يتَأَخَّر لَهُ من ذَلِك شَيْء قل وَلَا جلّ وَصدقه الدَّافِع الْمَذْكُور على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
صُورَة رد الْوَدِيعَة مَعَ كَون الْمُودع خَالف وتعدى فَهَلَك بعض الْوَدِيعَة: أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه كَانَ قد استودع من فلَان قبل تَارِيخه مَا مبلغه كَذَا وَكَذَا وَأَن الْمُودع أمره أَن يَضَعهَا فِي جيبه
فوضعها فِي كمه فَسقط مِنْهَا كَذَا وَكَذَا وَصدقه الْمُودع على ذَلِك
واتفقا على أَن يبرىء ذمَّته من مبلغ كَذَا ويغرمه الْبَاقِي من الْهَالِك وَهُوَ كَذَا
فَدفع إِلَيْهِ الْمُودع بَاقِي الْوَدِيعَة وَمَا اتفقَا على تغريمه إِيَّاه
وَجُمْلَته كَذَا
فقضبه مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَأَبْرَأ ذمَّته من الْقدر الْمُتَّفق على الْإِبْرَاء مِنْهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
بَرَاءَة شَرْعِيَّة
قبلهَا مِنْهُ قبولا شَرْعِيًّا وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
انْتهى

(1/377)