جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب قسم الْفَيْء وَالْغنيمَة

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الْفَيْء المَال الْحَاصِل من الْكفَّار من غير قتال وَلَا إيجَاف خيل وَلَا ركاب كالجزية وَعشر تجاراتهم الْمَشْرُوطَة عَلَيْهِم إِذا دخلُوا دَار الْإِسْلَام وَمَا جلوا عَنهُ خوفًا وَمَال من مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة وَمَال من مَاتَ من أهل الذِّمَّة وَلَا وَارِث لَهُ
وَذَلِكَ يقسم خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة
ثمَّ يُؤْخَذ أَحدهَا فَيقسم خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة
أَحدهَا الْمُضَاف إِلَى الله تَعَالَى وَرَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَيصرف فِي مصَالح الْمُسلمين
كسد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء يقدم الأهم فالأهم
وَالثَّانِي يصرف إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب يشْتَرك فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى
ويفضل الذّكر على الْأُنْثَى كَمَا فِي الْمِيرَاث
وَالثَّالِث يصرف إِلَى الْيَتَامَى واليتيم الصَّغِير الَّذِي لَا أَب لَهُ وَيشْتَرط فِي اسْتِحْقَاقه الْفقر على الْأَظْهر
وَالرَّابِع يصرف إِلَى الْمَسَاكِين
وَالْخَامِس إِلَى أَبنَاء السَّبِيل
وَسَيَأْتِي بَيَان الصِّنْفَيْنِ الباقيين فِي كتاب قسم الصَّدقَات وَهل يعم ذَوي الْقُرْبَى واليتامى وَالْمَسَاكِين وَأَبْنَاء السَّبِيل أَو يخصص الْحَاصِل فِي كل نَاحيَة بِمن فِيهَا من هَؤُلَاءِ فِيهِ وَجْهَان أظهرهمَا الأول
وَأما الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة فَإِنَّهَا كَانَت لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حَيَاته مَضْمُومَة إِلَى خمس الْخمس
وَبعده الْأَصَح أَنَّهَا للمرتزقة المرصدين للْجِهَاد
وَيَنْبَغِي أَن يضع الإِمَام ديوانا وَينصب لكل جمَاعَة أَو قَبيلَة عريفا ويبحث عَن

(1/378)


حَال كل وَاحِد وَعِيَاله وَمَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ
فيعطيه مَا يَكْفِيهِ مُؤْنَته ومؤنتهم
وَيقدم فِي إِثْبَات الِاسْم والإعطاء قُريْشًا
وهم ولد النَّضر بن كنَانَة وَمِنْهُم بَنو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ثمَّ بَنو عبد شمس ثمَّ بَنو نَوْفَل ثمَّ بَنو عبد الْعُزَّى ثمَّ سَائِر الْبُطُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْعَجم
وَلَا يثبت فِي الدِّيوَان اسْم العميان والزمنى وَمن لَا يصلح للغزو
وَإِذا طَرَأَ على بعض الْمُقَاتلَة مرض أَو جُنُون يُرْجَى زَوَاله أعطي وَلم يسْقط اسْمه
وَإِن لم يرج فَفِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنهم يُعْطون
وتعطى زَوْجَة الْمَيِّت إِلَى أَن تنْكح وَالْأَوْلَاد إِلَى أَن يستقلوا
وَإِذا فضلت الْأَخْمَاس عَن حاجات المرتزقة وزع عَلَيْهِم قدر مؤنتهم
وَالْأَظْهَر أَنه يجوز أَن يصرف بعضه إِلَى إصْلَاح الثغور والكراع وَالسِّلَاح
وَجَمِيع مَا ذَكرْنَاهُ فِي منقولات أَمْوَال الْفَيْء
فَأَما الدّور والأراضي فَالظَّاهِر أَنَّهَا تجْعَل وَقفا مُؤَبَّدًا وتستغل وتقسم غَلَّتهَا كَذَلِك
وَأما الْغَنِيمَة فَهِيَ المَال الْحَاصِل من الْكفَّار بِالْقِتَالِ وإيجاف الْخَيل والركاب
وَيبدأ مِنْهُ بالسلب فَيدْفَع إِلَى الْقَاتِل
وسلب الْكَافِر ثِيَابه الملبوسة مَعَ الْخُف وآلات الْحَرْب كالدرع وَالسِّلَاح والمركوب وَمَا عَلَيْهِ كالسرج واللجام
وَالأَصَح عدا السوار والمنطقة والخاتم
وَمَا مَعَه من دَرَاهِم النَّفَقَة والجنيب المقود من السَّلب
وَاسْتِحْقَاق السَّلب بركوب الْغرَر فِي كِفَايَة شَرّ الْكفَّار فِي حَال قيام الْحَرْب
فَلَو رمى من حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ أَو قتل الْكَافِر وَهُوَ نَائِم أَو قتل أَسِيرًا لم يسْتَحق السَّلب
وَكَذَلِكَ لَو قتل كَافِرًا بعد انهزام جيوشهم وكفاية شرهم بِأَن يقْتله أَو يزِيل امْتِنَاعه بفقء عينه أَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَمَا فِي معنى أسره وَقطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَلَا سلب لَهُ بذلك فِي أشبه الْقَوْلَيْنِ بل يكون السَّلب فِي الْغَنِيمَة
وَأما السَّلب فَلَا يُخَمّس على الْأَصَح بل يعْطى كل قَاتل سلب مقتوله
ثمَّ يخرج مُؤَن الْحِفْظ وَالنَّفْل وَغَيرهمَا
ثمَّ يُخَمّس المَال وَيقسم أحد الْأَخْمَاس خَمْسَة أسْهم كَمَا ذكرنَا فِي الْفَيْء
وَالْأَظْهَر أَن مُؤنَة النَّقْل تقع فِي خمس الْخمس الْمعد للْمصَالح إِذا نفل الإِمَام مَال

(1/379)


الْغَنِيمَة فِي هَذَا الْقِتَال
وَيجوز أَن ينفل من مَال الْمصَالح الْحَاصِل عِنْده
وَالنَّفْل زِيَادَة مَال يَشْتَرِطه الإِمَام أَو الْأمين لمن يقوم بِمَا فِيهِ زِيَادَة نكاية فِي الْكفَّار
وَقدره يتَعَلَّق بِالِاجْتِهَادِ
وَأما الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة فَيقسمهَا بَين الْغَانِمين سَوَاء الْعقار وَالْمَنْقُول
والغانمون هم الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة على نِيَّة الْقِتَال
وَلَا يشْتَرط فِي الِاسْتِحْقَاق الْقِتَال
وَلَا حق لمن حضر بعد انْقِضَاء الْقِتَال وحيازة المَال
وَمن شهد الْوَقْعَة وَمَات بعد انْقِضَاء الْقِتَال وحيازة المَال انْتقل حَقه إِلَى ورثته
وَكَذَا لَو مَاتَ بعد انقضائه وَقبل الْحِيَازَة على الْأَظْهر
وَمن مَاتَ فِي معركة الْقِتَال
فَالظَّاهِر سُقُوط حَقه
وَأظْهر الْقَوْلَيْنِ أَن الأجراء لسياسة الدَّوَابّ ولحفظ الْأَمْتِعَة وتجار الْعَسْكَر والمحترفين يسْتَحقُّونَ السهْم إِذا قَاتلُوا
وَيُعْطى الراجل سَهْما والفارس ثَلَاثَة أسْهم
وَإِنَّمَا يعْطى رَاكب الْفرس دون رَاكب الْبَعِير وَغير الْبَعِير
وَلَا يعْطى إِلَّا لفرس وَاحِد
وَلَا فرق بَين الْعَرَبِيّ وَغَيره
وَلَا يعْطى الأعجف وَلَا الَّذِي لَا غنى فِيهِ على الْأَظْهر
وَالْعَبِيد وَالصبيان وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة إِذا حَضَرُوا لَا يكمل لَهُم سهم الْغَنِيمَة لَكِن ينقص وَيُسمى الرضخ ويجتهد فِي تَقْدِيره الإِمَام
وَمحل الرضخ الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة على الْأَصَح

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن مَا حصل فِي أَيدي الْمُسلمين من مَال الْكفَّار بِإِيجَاف الْخَيل والركاب فَهُوَ غنيمَة عينه وعروضه
فَإِن كَانَ فِيهِ سلب اسْتَحَقَّه الْقَاتِل من أهل الْغَنِيمَة سَوَاء شَرط ذَلِك الإِمَام أَو لم يشرطه عِنْد الشَّافِعِي وَأحمد
وَإِنَّمَا يسْتَحقّهُ الْقَاتِل إِذا غرر بِنَفسِهِ فِي قتل مُشْرك وأزال امْتِنَاعه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يسْتَحقّهُ إِلَّا أَن يشرط لَهُ الإِمَام ثمَّ بعد السَّلب يفرد الْخمس من الْغَنِيمَة
وَاخْتلفُوا فِي قسْمَة الْخمس
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقسم على ثَلَاثَة أسْهم سهم لِلْيَتَامَى وَسَهْم للْمَسَاكِين وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل يدْخل فُقَرَاء ذَوي الْقُرْبَى فيهم دون أغنيائهم

(1/380)


فَأَما سهم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهُوَ خمس الله وَخمْس رَسُوله وَهُوَ وَاحِد
وَقد سقط بِمَوْت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَسَهْم ذَوي الْقُرْبَى كَانُوا يستحقونه فِي زمن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالنصر
وَبعده لَا سهم لَهُم وَإِنَّمَا يستحقونه بالفقر خَاصَّة
وَيَسْتَوِي فِيهِ ذكورهم وإناثهم
وَقَالَ مَالك هَذَا الْخمس لَا يسْتَحق بِالتَّعْيِينِ لشخص دون شخص وَلَكِن النّظر فِيهِ إِلَى الإِمَام يصرفهُ فِيمَا يرى وعَلى من يرى من الْمُسلمين
وَيُعْطى الإِمَام الْقَرَابَة من الْخمس والفيء وَالْخَرَاج والجزية
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يقسم الْخمس على خَمْسَة أسهل سهم للرسول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بَاقٍ لم يسْقط حكمه بِمَوْتِهِ وَسَهْم لبني هَاشم وَبَين الْمطلب دون بني عبد شمس وَبني نَوْفَل
وَإِنَّمَا هُوَ مُخْتَصّ ببني هَاشم وَبني الْمطلب لأَنهم هم ذَوُو الْقُرْبَى
وَقد منعُوا من أَخذ الصَّدقَات
فَجعل هَذَا لَهُم غنيهم وفقيرهم فِيهِ سَوَاء إِلَّا أَن للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَلَا يسْتَحقّهُ أَوْلَاد الْبَنَات مِنْهُم وَسَهْم لِلْيَتَامَى وَسَهْم لأبناء السَّبِيل
وَهَؤُلَاء الثَّلَاثَة يسْتَحقُّونَ بالفقر وَالْحَاجة بِالِاسْمِ
ثمَّ اخْتلفُوا فِي سهم الرَّسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى من يصرف فَقَالَ الشَّافِعِي يصرف فِي الْمصَالح من إعداد السِّلَاح والكراع وَعقد القناطر وَبِنَاء الْمَسَاجِد وَنَحْو ذَلِك
فَيكون حكمه حكم الْفَيْء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَهَذا الْمَذْهَب
واختارها الْخرقِيّ
وَالْأُخْرَى يصرف فِي أهل الدِّيوَان
وهم الَّذين نصبوا أنفسهم لِلْقِتَالِ وانفردوا بالثغور لسدها يقسم فيهم على قدر كفايتهم
وَاتَّفَقُوا على أَن أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة الْبَاقِيَة يقسم على من شهد الْوَقْعَة بنية الْقِتَال وَهُوَ من أهل الْقِتَال
فَإِن للراجل سَهْما وَاحِدًا
وَاخْتلفُوا فِي الْفَارِس
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد إِن لَهُ ثَلَاثَة أسْهم سهم لَهُ وسهمان للْفرس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة للفارس سَهْمَان سهم لَهُ وَسَهْم للْفرس
قَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب القَوْل بِأَن للْفرس سَهْمَان قَالَ بِهِ عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَلَا مُخَالف لَهما فِي الصَّحَابَة
وَمن التَّابِعين عمر بن عبد الْعَزِيز وَالْحسن وَابْن سِيرِين
وَمن الْفُقَهَاء أهل الْمَدِينَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَأهل الشَّام وَاللَّيْث بن سعد
وَأهل مصر وسُفْيَان الثَّوْريّ وَالشَّافِعِيّ وَمن أهل الْعرَاق أَحْمد بن حَنْبَل

(1/381)


وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْحسن
وَقيل إِنَّه لم يُخَالف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة غير أبي حنيفَة وَحده
وَلم يقل بقوله أحد
حُكيَ عَنهُ أَنه قَالَ أكره أَن أفضل بَهِيمَة على مُسلم
وَلَو كَانَ مَعَ الْفَارِس فرسَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم إِلَّا لفرس وَاحِد
وَقَالَ أَحْمد يُسهم لفرسين وَلَا يُزَاد على ذَلِك وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُف وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَالْفرس سَوَاء كَانَ عَرَبيا أَو غَيره يُسهم لَهُ
وَقَالَ أَحْمد للفحل سَهْمَان
وللبرذون سهم وَاحِد
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَمَكْحُول لَا يُسهم إِلَّا للعربي فَقَط
وَهل يُسهم للبعير قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يُسهم لَهُ
وَقَالَ أَحْمد يُسهم لَهُ سهم وَاحِد
وَلَو دخل دَار الْحَرْب بفرس ثمَّ مَاتَ الْفرس قبل الْقِتَال
قَالَ مَالك لَا يُسهم لفرسه بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ فِي الْقِتَال أَو بعده فَإِنَّهُ يُسهم لَهُ
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا دخل دَار الْحَرْب فَارِسًا ثمَّ مَاتَ فرسه قبل الْقِتَال أسْهم للْفرس

فصل اخْتلف الْأَئِمَّة
رَحِمهم الله هَل يملك الْكفَّار مَا يسلبونه من أَمْوَال الْمُسلمين فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ لَا يملكونه
وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تدل على ذَلِك لِأَن ابْن عمر ذهب لَهُ فرس فَأَخذهَا الْعَدو فَظهر عَلَيْهَا الْمُسلمُونَ
فَرد عَلَيْهِ فِي زمن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وأبق لَهُ عبد فلحق بالروم فَظهر عَلَيْهِ الْمُسلمُونَ
فَرد عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يملكونه
وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَاتَّفَقُوا على أَنهم إِذا قسموا الْغَنِيمَة وحازوها ثمَّ اتَّصل بهم مدد لم يكن للمدد فِي ذَلِك حِصَّة
فَإِذا اتَّصل المدد بعد انْقِضَاء الْحَرْب وَقبل حِيَازَة الْغَنِيمَة فِي دَار الْإِسْلَام أَو بعد أَن أخذوها وَقبل قسمهَا
قَالَ أَبُو حنيفَة يُسهم لَهُم مَا لم يحز إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو يقسموها
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا سهم لَهُم على كل حَال
وَعند الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا يُسهم لَهُم
وَالثَّانِي لَا يُسهم لَهُم
وَاتَّفَقُوا على أَن من حضر الْغَنِيمَة
من مَمْلُوك أَو امْرَأَة أَو صبي أَو ذمِّي فَلهم الرضخ
وَهُوَ سهم يجْتَهد الإِمَام فِي قدره وَلَا يكمل لَهُم سَهْما
وَقَالَ مَالك إِن راهق

(1/382)


الصَّبِي أَو أطَاق الْقِتَال أَو أجَازه الإِمَام كمل لَهُم السهْم وَإِن لم يبلغ

فصل وَقسم الْغَنَائِم
فِي دَار الْحَرْب هَل يجوز أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجوز وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
وَقَالَ أَصْحَابه إِن لم يجد الإِمَام حمولة قسمهَا خوفًا عَلَيْهَا لَكِن لَو قسمهَا الإِمَام فِي دَار الْحَرْب نفذت الْقِسْمَة بالِاتِّفَاقِ
وَالطَّعَام والعلف وَالْحَيَوَان يكون فِي دَار الْحَرْب هَل يجوز اسْتِعْمَاله من غير إِذن الإِمَام قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا بَأْس بذلك وَلَو بِغَيْر إِذن الإِمَام
فَإِن فضل عَنهُ فَأخْرج مِنْهُ شَيْئا إِلَى دَار الْإِسْلَام
كَانَ غنيمَة قل أَو كثر
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى برد مَا فضل إِذا كَانَ كثيرا
فَإِن كَانَ يَسِيرا فَلَا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن كَانَ كثيرا لَهُ قيمَة رد وَإِن كَانَ نزرا يَسِيرا فَقَوْلَانِ
أصَحهمَا لَا يرد
وَحكي عَن مَالك أَن مَا أخرج إِلَى دَار الْإِسْلَام فَهُوَ غنيمَة

فصل وَلَو قَالَ من أَخذ شَيْئا
فَهُوَ لَهُ
قَالَ أَبُو حنيفَة يجوز للْإِمَام أَن يَشْتَرِطه إِلَّا أَن الأولى أَن لَا يفعل
وَقَالَ مَالك يكون لَهُ ذَلِك كَيْلا يشوب فضل الْمُجَاهدين فِي جهادهم إِرَادَة الدُّنْيَا
وَيكون من الْخمس لامن أصل الْغَنِيمَة
وَكَذَلِكَ الْفضل كُله من الْخمس
وَقَالَ الشَّافِعِي لَيْسَ بِشَرْط لَازم فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ عِنْده
وَقَالَ أَحْمد هُوَ شَرط صَحِيح
وَللْإِمَام أَن يفضل بعض الْغَانِمين على بعض قبل الْأَخْذ والحيازة بالِاتِّفَاقِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام مُخَيّر فِي الأسرى بَين الْقَتْل والاسترقاق
وَاخْتلفُوا هَل هُوَ مُخَيّر فيهم بَين الْمَنّ وَالْفِدَاء وَعقد الذِّمَّة قَالَ الشَّافِعِي ومالكوأحمد هُوَ مُخَيّر بَين الْفِدَاء بِالْمَالِ أَو بالأسرى وَبَين الْمَنّ عَلَيْهِم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يمن وَلَا يفادى
وَأما عقد الذِّمَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ مُخَيّر فِي ذَلِك ويكونوا أحرارا وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَيْسَ لَهُ ذَلِك لأَنهم قد ملكوا

فصل وَلَو أسر الْمُشْركُونَ أَسِيرًا مُسلما
فأحلفوه على أَن لَا يخرج من دَارهم وَلَا يهرب
على أَن يخلوه يذهب وَيَجِيء
قَالَ مَالك يلْزمه فِي أَن يَفِي لَهُم وَلَا يهرب مِنْهُم
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَسعهُ أَن يَفِي
وَعَلِيهِ أَن يخرج وَيَمِينه يَمِين مكره

فصل المغنوم عنْوَة
بالعراق ومصر هَل يقسم بَين غانميها أم لَا

(1/383)


قَالَ أَبُو حنيفَة الإِمَام بِالْخِيَارِ بَين أَن يقْرَأ أَهلهَا عَلَيْهَا وَيضْرب عَلَيْهِم خراجا وَبَين أَن يصرفهم عَنْهَا وَيَأْتِي بِقوم آخَرين وَيضْرب عَلَيْهِم الْخراج
وَلَيْسَ للْإِمَام أَن يقفها على الْمُسلمين أَجْمَعِينَ وَلَا على غانميها
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَيْسَ للْإِمَام أَن يقفها بل تصير بِنَفس الظُّهُور عَلَيْهَا وَقفا على الْمُسلمين
وَالثَّانيَِة أَن الإِمَام مُخَيّر بَين قسمهَا ووقفها لمصَالح الْمُسلمين
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب على الإِمَام قسمهَا بَين جمَاعَة الْغَانِمين كَسَائِر الْأَمْوَال إِلَّا أَن تطيب أنفسهم بوقفها على الْمُسلمين ويسقطوا حُقُوقهم فِيهَا فيقفها
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
أظهرها أَن الإِمَام يفعل مَا يرَاهُ الْأَصْلَح من قسمهَا ووقفها
وَالثَّانيَِة كمذهب الشَّافِعِي
وَالثَّالِثَة تصير وَقفا بِنَفس الظُّهُور

فصل وَاخْتلف الْأَئِمَّة فِي الْخراج
الْمَضْرُوب على مَا يفتح عنْوَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي جريب الْحِنْطَة قفيز ودرهمان
وَفِي جريب الشّعير قفيز وَدِرْهَم
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي جريب الْحِنْطَة أَرْبَعَة دَرَاهِم وَفِي جريب الشّعير دِرْهَمَانِ
وَقَالَ أَحْمد فِي أظهر الرِّوَايَات الْحِنْطَة وَالشعِير سَوَاء
وَفِي جريب كل وَاحِد مِنْهُمَا قفيز وَدِرْهَم
والقفيز الْمَذْكُور ثَمَانِيَة أَرْطَال بالحجازي وَهُوَ سِتَّة عشر بالعراقي
وَأما جريب النّخل فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ عشرَة
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فَمنهمْ من قَالَ عشرَة
وَمِنْهُم من قَالَ ثَمَانِيَة وَقَالَ أَحْمد ثَمَانِيَة
وَأما جريب الْعِنَب فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد عشرَة
وَقَول أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي الْعِنَب كَقَوْلِهِم فِي النّخل
وَأما جريب الزَّيْتُون فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِيهِ اثْنَا عشر درهما
وَأَبُو حنيفَة لم يُوجد لَهُ نَص فِي ذَلِك
وَقَالَ مَالك لَيْسَ فِي ذَلِك جَمِيعه تَقْدِير بل الْمرجع فِيهِ إِلَى مَا تحمله الأَرْض من ذَلِك لاختلافها
فيجتهد الإِمَام فِي تَقْدِير ذَلِك مستعينا عَلَيْهِ بِأَهْل الْخِبْرَة

فصل قَالَ ابْن هُبَيْرَة فِي الإفصاح
وَاخْتِلَافهمْ إِنَّمَا هُوَ رَاجع إِلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فِي ذَلِك على الصَّحِيح
وَإِنَّمَا اخْتلف لاخْتِلَاف النواحي

(1/384)


وَاخْتلف الْأَئِمَّة هَل يجوز للْإِمَام أَن يزِيد فِي الْخراج على وَضعه أَمِير الْمُؤمنِينَ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ أَو ينقص مِنْهُ
وَكَذَلِكَ فِي الْجِزْيَة فَأَما أَبُو حنيفَة فَلَيْسَ عَنهُ نَص فِي ذَلِك لَكِن حُكيَ الْقَدُورِيّ عَنهُ بعد ذكر الْأَشْيَاء الْمعِين عَلَيْهَا الْخراج لَا بِوَضْع عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ وَمَا سوى ذَلِك من أَصْنَاف الْأَشْيَاء يوضع عَلَيْهَا بِحَسب الطَّاقَة
فَإِن لم تطق الأَرْض مَا يوضع عَلَيْهَا نَقصهَا الإِمَام
وَاخْتلف صَاحِبَاه
فَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجوز للْإِمَام النُّقْصَان وَلَا الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال
وَقَالَ مُحَمَّد يجوز ذَلِك مَعَ الِاحْتِمَال
وَعَن الشَّافِعِي يجوز للْإِمَام الزِّيَادَة وَلَا يجوز لَهُ النُّقْصَان
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهَا يجوز لَهُ الزِّيَادَة إِذا احتملت
وَالنُّقْصَان إِذا لم يحْتَمل
وَالثَّانيَِة يجوز الزِّيَادَة مَعَ الِاحْتِمَال لَا النُّقْصَان
وَالثَّالِثَة لَا يجوز الزِّيَادَة وَلَا النُّقْصَان
وَأما مَالك فَهُوَ على أَصله فِي اجْتِهَاد الْأَئِمَّة على مَا تحمله الأَرْض مستعينا فِيهِ بِأَهْل الْخِبْرَة

فصل قَالَ ابْن هُبَيْرَة لَا يجوز أَن يضْرب على الأَرْض
مَا يكون فِيهِ هضم لحقوق بَيت المَال رِعَايَة لآحاد النَّاس وَلَا مَا يكون فِيهِ إِضْرَار بأرباب الأَرْض تحميلا لَهَا من ذَلِك مَا لَا تطِيق
فمدار الْبَاب على أَن تحمل الأَرْض من ذَلِك مَا تطِيق
وَأرى أَن مَا قَالَه أَبُو يُوسُف كَمَا فِي كتاب الْخراج الَّذِي صنفه للرشيد وَهُوَ الْجيد قَالَ أرى أَن يكون لبيت المَال من الْحبّ الخمسان وَمن الثِّمَار الثُّلُث

فصل هَل فتحت مَكَّة صلحا
أَو عنْوَة قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه عنْوَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى صلحا

فصل لَو صَالح قوم على أَن أراضيهم
لَهُم وَجعل عَلَيْهَا شَيْئا
فَهُوَ كالجزية إِن أَسْلمُوا سقط عَنْهُم
وَكَذَا إِن اشْتَرَاهُ مِنْهُم مُسلم
وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْقط عَنْهُم خراج أَرضهم بِإِسْلَامِهِمْ وَلَا بشرَاء مُسلم
وَاخْتلفُوا فِي الِاسْتِعَانَة بالمشركين على قتال أهل الْحَرْب
وَهل يعانون على

(1/385)


الْإِطْلَاق قَالَ مَالك إِن كَانُوا خدما للْمُسلمين فَيجوز
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يستعان بهم ويعانون على الْإِطْلَاق مَتى كَانَ حكم الْإِسْلَام هُوَ الْغَالِب الْجَارِي عَلَيْهِم
فَإِن كَانَ حكم الْمُشرك هُوَ الْغَالِب كره
وَقَالَ الشَّافِعِي يجوز ذَلِك بِشَرْطَيْنِ
أَحدهمَا أَن يكون بِالْمُسْلِمين قلَّة وَيكون بالمشركين كَثْرَة
وَالثَّانِي أَن يعلم من الْمُشْركين حسن رَأْي فِي الْإِسْلَام
وميل إِلَيْهِ
وَمَتى اسْتَعَانَ بهم رضخ لَهُم وَلم يُسهم

فصل وَهل تُقَام الْحُدُود
فِي دَار الْحَرْب على من تجب عَلَيْهِ فِي دَار الْإِسْلَام
قَالَ مَالك نعم تُقَام
فَكل فعل يرتكبه الْمُسلم فِي دَار الْإِسْلَام إِذا فعله فِي دَار الْحَرْب لزم الْحَد سَوَاء كَانَ من حُقُوق الله تَعَالَى أَو من حُقُوق الْآدَمِيّين
فَإِذا زنا أَو سرق أَو شرب الْخمر أَو قذف حد
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة من زنا أَو سرق أَو قذف لَا يُقَام عَلَيْهِ حد إِلَّا أَن يكون بدار الْحَرْب إِمَام فيقيمه عَلَيْهِ بِنَفسِهِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَكِن لَا يَسْتَوْفِي فِي دَار الْحَرْب حَتَّى يرجع إِلَى دَار الْإِسْلَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ فِي دَار الْحَرْب إِمَام مَعَ جَيش الْمُسلمين أَقَامَ عَلَيْهِم الْحَد فِي المعسكر قبل القفول
وَإِن كَانَ أَمِير سَرِيَّة لم يقم الْحُدُود فِي دَار الْحَرْب
وَإِن دخل دَار الْإِسْلَام من فعل مَا يُوجب الْحَد سَقَطت الْحُدُود عَنهُ كلهَا إِلَّا الْقَتْل
فَإِنَّهُ يضمن الدِّيَة فِي مَاله عمدا كَانَ أَو خطأ

فصل هَل يُسهم لتجار الْعَسْكَر
وأجرائهم إِذا شهدُوا الْوَقْعَة وَإِن لم يقاتلوا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يُسهم لَهُم حَتَّى يقاتلوا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يُسهم لَهُم وَإِن لم يقاتلوا
وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه لَا يُسهم لَهُم
وَإِن قَاتلُوا

فصل هَل تصح الِاسْتِنَابَة فِي الْجِهَاد
أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا سَوَاء كَانَ بِجعْل أَو بِأُجْرَة أَو تبرع وَسَوَاء تعين على المستنيب أم لم يتَعَيَّن
وَقَالَ مَالك يَصح إِذا كَانَ بِجعْل وَلم يكن الْجِهَاد مُتَعَيّنا على النَّائِب كَالْعَبْدِ وَالْأمة

فصل قَالَ مَالك وَلَا بَأْس بالجعائل
فِي الثغور مضى النَّاس على ذَلِك
وَقد أدّى

(1/386)


الْقَاعِد إِلَى الْخَارِج مائَة دِينَار فِي بعث أَيَّام عمر رَضِي الله عَنهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز لأحد من الْغَانِمين أَن يطَأ جَارِيَة من السَّبي قبل الْقِسْمَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا يجب عَلَيْهِ إِذا وَطئهَا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا حد عَلَيْهِ بل عُقُوبَة وَلَا يثبت نسب الْوَلَد مِنْهُ
وَهل هُوَ مَمْلُوك يرد فِي الْغَنِيمَة وَعَلِيهِ الْعقُوبَة عَن الْإِصَابَة وَقَالَ مَالك هُوَ زَان يحد
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا حد عَلَيْهِ وَيثبت نسب الْوَلَد وحريته وَعَلِيهِ قيمتهَا
وَالْمهْر يرد فِي الْغَنِيمَة
وَهل تصير أم ولد قَالَ أَحْمد نعم
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا لَا تصير

فصل لَو كَانَ جمَاعَة فِي سفينة
فَوَقع فِيهَا نَار
فَهَل يجوز لَهُم إِلْقَاء أنفسهم فِي المَاء أم يلْقوا الثِّيَاب قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا لم يَرْجُو النجَاة لَا فِي الْإِلْقَاء وَلَا فِي الْإِقَامَة فِي السَّفِينَة ثبتوا
وَإِن اسْتَوَى الْأَمْرَانِ فعلوا مَا شَاءُوا وَإِن أيقنوا بِالْهَلَاكِ فِيهَا أَو غلب على ظنهم بِهِ فروايتان
أظهرهمَا منع الْإِلْقَاء
لأَنهم لم يَرْجُو نجاة
وَهَذَا قَول مُحَمَّد بن الْحسن الْحَنَفِيّ
وَهِي رِوَايَة عَن مَالك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ند بعير من دَار الْحَرْب إِلَى دَار الْإِسْلَام أَو دخل حَرْبِيّ بِغَيْر أَمَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يكون ذَلِك فَيْئا للْمُسلمين إِلَّا أَن الشَّافِعِي قَالَ إِلَّا أَن يسلم الْحَرْبِيّ قبل أَن يُؤْخَذ فَلَا سَبِيل عَلَيْهِ
وَقَالَ أَحْمد هُوَ لمن أَخذه خَاصَّة

فصل هَدَايَا أُمَرَاء الجيوش
هَل يختصون بهَا أَو تكون كَهَيئَةِ مَال الْفَيْء قَالَ مَالك تكون غنيمَة فِيهَا الْخمس
وَهَكَذَا إِن أهْدى إِلَى أَمِير من أُمَرَاء الْمُسلمين لِأَن ذَلِك على وَجه الْخَوْف
فَإِن أهْدى الْعَدو إِلَى رجل من الْمُسلمين لَيْسَ بأمير
فَلَا بَأْس بأخذها وَيكون لَهُ دون أهل الْعَسْكَر
رَوَاهُ مُحَمَّد بن الْحسن عَن أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف مَا أهْدى ملك الرّوم إِلَى أَمِير الْجَيْش فِي دَار الْحَرْب فَهُوَ لَهُ خَاصَّة وَكَذَلِكَ مَا يعْطى الرَّسُول
وَلم يذكر عَن أبي حنيفَة خلافًا
وَقَالَ الشَّافِعِي إِذا أهْدى إِلَى الْوَالِي هَدِيَّة فَإِن كَانَت بِشَيْء نَالَ مِنْهُ حَقًا أَو بَاطِلا فَهِيَ فَيْء على الْوَالِي أَخذهَا
لِأَنَّهُ يحرم عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ على خلاص الْحق جعلا
وَقد ألزم الله تَعَالَى ذَلِك
فَحَرَام عَلَيْهِ أَن يَأْخُذ ذَلِك بَاطِلا
والجعل على الْبَاطِل حرَام
فَإِن أهْدى إِلَيْهِ من غير هذَيْن الْمَعْنيين أحد من ولَايَته تفضلا وشكرا فَلَا يقبلهَا

(1/387)


وَإِن قبلهَا كَانَت منَّة فِي الصَّدقَات لَا يَسعهُ عِنْدِي غَيره إِلَّا أَن يُكَافِئهُ عَلَيْهِ بِقدر مَا يَسعهُ
وَإِن كَانَت من رجل لَا سُلْطَان لَهُ عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِالْبَلَدِ الَّذِي بِهِ سُلْطَانه على إِحْسَان كَانَ بِهِ فَأحب أَن يقبلهَا ويجعلها لأهل الْولَايَة أَو يَدعهَا
وَلَا يَأْخُذ على الْخَيْر مُكَافَأَة
فَإِن أَخذهَا وتمولها لم يحرم عَلَيْهِ
وعَلى أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا لَا يخْتَص بهَا من أهديت إِلَيْهِ بل هِيَ غنيمَة قبل حيازها إِذا كَانَ لَهُ فِيهَا حق أَنه لَا يقطع
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَهُ فِيهَا حق هَل يحرق رَحْله وَيحرم سَهْمه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يحرق رَحْله وَلَا يحرم سَهْمه
وَقَالَ أَحْمد يحرق رَحْله الَّذِي مَعَه إِلَّا الْمُصحف وَمَا فِيهِ روح من الْحَيَوَان وَمَا هُوَ جنَّة لِلْقِتَالِ كالسلاح رِوَايَة وَاحِدَة
وَهل يحرم سَهْمه عَنهُ رِوَايَتَانِ

فصل مَال الْفَيْء
وَهُوَ مَا أَخذ من مُشْرك لأجل كفره بِغَيْر مَال كالجزية الْمَأْخُوذَة على الرؤوس وَأُجْرَة الأَرْض الْمَأْخُوذَة باسم الْخراج أَو مَا تَرَكُوهُ فَزعًا وهربا
وَمَال الْمُرْتَد إِذا قتل فِي ردته وَمَال كل كَافِر مَاتَ بِلَا وَارِث
وَمَا يُؤْخَذ مِنْهُم من الْعشْر إِذا اخْتلفُوا إِلَى بِلَاد الْمُسلمين أَو صولحوا عَلَيْهِ
هَل يُخَمّس أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي الْمَنْصُوص عَنهُ هُوَ للْمُسلمين كَافَّة فَلَا يُخَمّس بل جَمِيعه لمصَالح الْمُسلمين
وَقَالَ مَالك كل ذَلِك هُوَ فَيْء متميز مقسوم يصرفهُ الإِمَام فِي مصَالح الْمُسلمين بعد أَخذ حَاجته مِنْهُ
وَقَالَ الشَّافِعِي يُخَمّس وَقد كَانَ ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَأما الَّذِي يصنع بِهِ من بعد فَقَوْلَانِ
أَحدهمَا لمصَالح الْمُسلمين
وَالثَّانِي للمقاتلة
وَأما الَّذِي يُخَمّس مِنْهُ فَقَوْلَانِ
الْجَدِيد أَنه يُخَمّس جَمِيعه وَهِي رِوَايَة عَن أَحْمد
وَالْقَدِيم لَا يُخَمّس إِلَّا مَا تَرَكُوهُ فزوعا المصطلح ويشتمل على صور مِنْهَا صُورَة مَا إِذا نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا لتَحْصِيل أَمْوَال الْفَيْء وقسمتها على متسحقيها شرعا
هَذَا كتاب إِسْنَاد صَحِيح شَرْعِي وتفويض مُعْتَبر مرعي وَنصب قَاسم للْمُسلمين مُعْتَمدًا فِيهِ على رب الْعَالمين أَمر بإنشائه وتحريره وكتابته وتسطيره مَوْلَانَا الْمقَام

(1/388)


الشريف الْأَعْظَم العالي المولوي السلطاني الملكي الْفُلَانِيّ أعز الله نَصره وأنفذ فِي الْخَافِقين نَهْيه وَأمره أشهد على نَفسه الشَّرِيفَة صان الله حماها وحرسها من الْغَيْر وحماها أَنه نصب سيدنَا ومولانا العَبْد الْفَقِير إِلَى الله تَعَالَى الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة فلَان الدّين حجَّة الْإِسْلَام وَالْمُسْلِمين سيد الْعلمَاء فِي الْعَالمين لِسَان الْمُتَكَلِّمين سيف المناظرين أوحد الْمُجْتَهدين
بركَة الْمُلُوك والسلاطين خَالِصَة أَمِير الْمُؤمنِينَ أَبَا فلَان فلَان
هَذَا إِذا كَانَ الْمَنْصُوب من مَشَايِخ الْعلمَاء
وَإِن كَانَ من أكَابِر أُمَرَاء الدولة الشَّرِيفَة فَيَقُول الْمقر الشريف العالي المولوي العالمي العادلي ويسوق ألقابه اللائقة بِهِ الصَّالِحَة الْمثلَة إِلَى آخرهَا
وَإِن كَانَ الْمَنْصُوب كافل مملكة أَو نَائِب ثغر من الثغور فيذكر كل وَاحِد بِحَسبِهِ وَنعمته ثمَّ يَقُول فِي النّظر فِي أَمْوَال الْفَيْء وتحصيله من جهاته وَأَخذه أَوَان مَحَله وأوقاته الْحَاصِل من الْكفَّار من غير قتال وَلَا إيجَاف خيل وَلَا ركاب
كالجزية والواجبة على الْيَهُود وَالنَّصَارَى خلا نِسَائِهِم وَمن لَهُ شُبْهَة كتاب كالمجوس وَمن كل كَافِر عَرَبِيّ كَانَ أَو عجمي وَإِن لم يكن لَهُ كتاب
وَذَلِكَ مَعَ علم الإِمَام خلد الله ملكه بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك سوى قُرَيْش خَاصَّة
فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذ مِنْهُم جِزْيَة وَجعل لَهُ أَن يَسْتَوْفِي الْجِزْيَة من كل وَاحِد من الْأَغْنِيَاء ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين درهما
وَمن كل متوسط أَرْبَعَة وَعشْرين درهما
وَمن كل فَقير اثْنَي عشر درهما
فَإِن شَاءَ استوفاها كَيفَ اقْتضى رَأْيه وَأدّى إِلَيْهِ اجْتِهَاده
فَإِن رأى أَن يَأْخُذ من كل مِنْهُم دِينَارا غَنِيا كَانَ أَو فَقِيرا وَأَن ينظر فِي حَال الْفُقَرَاء الَّذين هم غير معلمين وَلَا كسب لَهُم وَلَا يتمكنون من الْأَدَاء وَتَكون إقامتهم بالبلاد مجَّانا
وَيكون مُخَيّرا بَين إخراجهم من الْبِلَاد أَو تقريرهم بهَا وَإِيجَاب الْجِزْيَة عَلَيْهِم وحقن دِمَائِهِمْ بضمانهم ومطالبتهم بهَا عِنْد الْيَسَار وَبَين إمهالهم إِلَى آخر الْحول
فَإِن بذلوها أقرهم وَإِن لم يبذلوها ألحقهم بدار الْحَرْب وَأَن يَأْخُذ مَال من يَمُوت من الْكفَّار وَلَا وَارِث لَهُ
وَمن مَاتَ مِنْهُم وَعَلِيهِ جِزْيَة
فَلهُ أَن يَأْخُذهَا أَو يَتْرُكهَا لوَرثَته مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك الْمَعْلُوم عِنْد الإِمَام الْأَعْظَم الْمشَار إِلَيْهِ وَعند منصوبه وَجعل لَهُ أَن يَأْخُذ الْجِزْيَة إِن شَاءَ أول الْحول وَإِن شَاءَ آخِره على الْخلاف الْمَذْكُور فِي ذَلِك وَأَن يَأْخُذ عشور تِجَارَات الْكفَّار الْمَشْرُوطَة عَلَيْهِم إِذا دخلُوا دَار الْإِسْلَام وَأَن يستولي على بِلَادهمْ وَأَمْوَالهمْ الَّتِي جلوا عَنْهَا خوفًا من الْمُسلمين وَمَال من مَاتَ أَو قتل مِنْهُم على

(1/389)


الرِّدَّة وَأَن يقسم المَال كَيفَ اقْتَضَاهُ رَأْيه وَمَال قلبه إِلَى مَذْهَب من مَذَاهِب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة رَحْمَة الله عَلَيْهِم
فَإِن رأى الْقسم على مَذْهَب الْإِمَامَيْنِ الشَّافِعِي وَأحمد رحمهمَا الله تَعَالَى
فَيَجْعَلهُ خَمْسَة أسْهم مُتَسَاوِيَة ثمَّ يقسم الْخمس خَمْسَة أَخْمَاس مُتَسَاوِيَة فَيقسم خمس الْخمس فِي مصَالح الْمُسلمين كسد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء وَيقدم فِي ذَلِك الأهم فالأهم
وَيصرف خمس الْخمس إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب ويشرك فِي بَين الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى مِنْهُم بَينهم على حكم الْفَرِيضَة الشَّرْعِيَّة للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَيصرف خمس الْخمس على الْفُقَرَاء واليتامى الَّذِي لَا أَب لَهُم
وَيصرف خمس الْخمس إِلَى الْمَسَاكِين وَيصرف خمس الْخمس إِلَى أَبنَاء الْمَسَاكِين وَأَن يعم كل صنف إِن أمكن
وَإِن شَاءَ خصص الْحَاصِل فِي كل نَاحيَة بِمن فِيهَا وَأَن يهيىء الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة الْبَاقِيَة وَينصب ديوانا وعرفاء للقبائل وَالْجَمَاعَات المرتزقين المرصدين للْجِهَاد
وَيَأْمُر العرفاء بِجَمْعِهِمْ وَينظر فِي أُمُورهم ويبحث عَن حَال كل وَاحِد وَعِيَاله وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيُعْطِيه مَا يَكْفِي مُؤْنَته ومؤنتهم وَيقدم فِي الْإِعْطَاء قُريْشًا وهم ولد النَّضر بن كنَانَة وَبَنُو هَاشم وَبَنُو الْمطلب ثمَّ بَنو عبد شمس ثمَّ بَنو نَوْفَل ثمَّ بَنو عبد الْعُزَّى ثمَّ سَائِر الْبُطُون الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ الْأَنْصَار ثمَّ سَائِر الْعَرَب ثمَّ الْعَجم من اسْمه مَكْتُوب ثَابت فِي الدِّيوَان
لَا يثبت فِي الدِّيوَان أَسمَاء للعميان وَلَا الزمنى وَلَا من لَا يصلح للغزو
وَمن مَاتَ مِنْهُم أعْطى لأولاده إِلَى أَن يستقلوا وَزَوجته إِلَى أَن تنْكح وَمهما فضل من هَذِه الْأَخْمَاس الْأَرْبَعَة وزعه عَلَيْهِم إِن شَاءَ وَإِن شَاءَ صرف بعضه إِلَى إصْلَاح الثغور وَفِي الكراع وَالسِّلَاح وَأَن يَجْعَل مَا تحصل من أَمر الْفَيْء من الدّور والأراضي وَقفا مُؤَبَّدًا يستغل ريعه وَيقسم عَلَيْهِم كَذَلِك نصبا صَحِيحا شَرْعِيًّا وتفويضا تَاما مُعْتَبرا مرضيا ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ
وَصُورَة نصب الإِمَام الْأَعْظَم رجلا مقدما على العساكر المنصورة المجهزة إِلَى الْغَزْو وَتَحْصِيل أَمْوَال الْغَنِيمَة وَقسمهَا على مستحقيها شرعا
يكْتب الصُّور كَمَا تقدم فِي اسْم السُّلْطَان وَاسم الْمَنْصُوب إِلَى آخِره ثمَّ يَقُول مقدما على العساكر المنصورة والجيوش والكتائب المخبورة المتوجهين مَعَه وَبَين يَدَيْهِ لجهاد أَعدَاء الله الْمُشْركين والفرنج المخذولين لفتح قبرص ونديك المخروبتين وَأسر من بهما من النِّسَاء وَالصبيان وَقتل الرِّجَال من الطَّائِفَتَيْنِ المخذولتين وَيجمع الْأَمْوَال الْحَاصِلَة من الْكفَّار بِالْقِتَالِ وإيجاف الْخَيل والركاب من الذَّهَب وَالْفِضَّة والأثاث وَالرَّقِيق من الصّبيان وَالْبَنَات وَالنِّسَاء والكراع والمواشي والأسلاب
فَيبْدَأ

(1/390)


بالأسلاب فيدفعها إِلَى المقاتلين وَهِي ثِيَاب الْكفَّار الملبوسة مَعَ الْخُف وآلات الْحَرْب كالدرع وَالسِّلَاح والمركوب وَمَا عَلَيْهِ كالسرج واللجام والسوار والمنطقة والخاتم ودراهم النَّفَقَة والجنيب المقود ويحترز فِي معرفَة مستحقي سلب الْكفَّار المقتولين من المقاتلين الْمُسلمين وَهُوَ الرّكُوب للغزو وَدفع شَرّ الْكَافِر فِي حَال قيام الْحَرْب
وَمن قتل كَافِرًا من وَرَاء حصن أَو من وَرَاء الصَّفّ
وَمن قتل كَافِرًا نَائِما أَو قتل أَسِيرًا أَو قتل كَافِرًا بعد انهزام جيشهم
فَلَا يُعْطي شَيْئا من السَّلب بل يكون سلب هَؤُلَاءِ مُضَافا إِلَى الْغَنِيمَة
ثمَّ يخرج مُؤَن الْحِفْظ وَالنَّفْل وَغَيرهمَا ثمَّ بِخمْس المَال
وَيقسم أحد الْأَخْمَاس على خَمْسَة أسْهم فَيجْعَل خمس الْخمس فِي سد الثغور وأرزاق الْقُضَاة وَالْعُلَمَاء
وَيصرف الْخمس الثَّانِي من الْخمس إِلَى أقَارِب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المنتسبين إِلَى هَاشم وَالْمطلب ويشرك فِيهِ الْغَنِيّ وَالْفَقِير وَالذكر وَالْأُنْثَى للذّكر مثل حَظّ الْأُنْثَيَيْنِ
وَيصرف الْخمس الثَّالِث من الْخمس إِلَى الْيَتَامَى الصغار الْفُقَرَاء الَّذين لَا آبَاء لَهُم
وَيصرف خمس الْخمس الرَّابِع إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين وَيصرف الْخمس الْخَامِس إِلَى أَبنَاء السَّبِيل
ثمَّ يقسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين الْغَانِمين الَّذين شهدُوا الْوَقْعَة على نِيَّة الْقِتَال وَإِن لم يكن مِنْهُم من قَاتل
وَيُعْطِي وَرَثَة من شهد الْقِتَال والوقعة وَمَات بعد انْقِضَاء الْقِتَال وَقبل حيازته سَهْمه
وَيُعْطِي للفارس ثَلَاثَة أسْهم وللراجل سَهْمَان
والفارس هُوَ رَاكب الْفرس الْعَتِيق
وَيُعْطى رَاكب الْبَعِير سَهْما مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك وَجعل لَهُ أَن ينفل من مَا شَاءَ من الْغَنِيمَة بعد الْحِيَازَة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ أَيْضا
وَله أَن يُسهم لفرسين وَلَا يزِيد عَلَيْهِمَا مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِي ذَلِك
وسواس الْخَيل وحفظة الْأَمْتِعَة وتجار الْعَسْكَر والمحترفون يُسهم لَهُم إِذا قَاتلُوا
ويرضخ للصبيان وَالْعَبِيد وَالنِّسَاء وَأهل الذِّمَّة إِذا حَضَرُوا
وَلَا يعقر من الْمَوَاشِي إِلَّا مَا يحْتَاج إِلَى أكله وَلَا يقتل أحدا من النِّسَاء إِذا لم يقاتلن وَلم يكن صاحبات رَأْي
وَلَا يقتل الْأَعْمَى والمقعد وَالشَّيْخ الفاني وَأهل الصوامع إِذا لم يكن فيهم ذُو رَأْي
وَإِذا وصل الْمُقدم الْمشَار إِلَيْهِ بالعساكر المنصورة إِلَى تِلْكَ الديار وبرزت أحزاب الشَّيْطَان إِلَى جنود الله والتقى الْجَمْعَانِ والتحم الْقِتَال وتكرر الْكر والفر والنزال واحمرت الْبيض والسمر وسكرت الرِّجَال بِغَيْر خمر وغضبت الكماة والأبطال وَدنت الْمنون وتقاربت الْآجَال وارتفع الْغُبَار والعجاج وتسعر لهيب نَار الْحَرْب الْوَهَّاج
وَجَرت أَنهَار الدِّمَاء وَنزلت مَلَائِكَة السَّمَاء وأيد الله جُنُوده وَأهل دينه وَفتح لَهُ بَاب النَّصْر بِيَمِينِهِ وهبت الرِّيَاح وتمزق الْغُبَار
وأعلن مُؤذن النَّصْر يجي على الْفَلاح ولاح للْمُسلمين علم الظفر وأسفر لَهُم صبح النجاح الوضاح

(1/391)


فَحِينَئِذٍ يتَقَدَّم مقدم العساكر المنصورة الْمشَار إِلَيْهِ بِجمع قَتْلَى الْمُسلمين من المعركة ودفنهم بدمائهم وثيابهم
وَجمع الملبوس وَالسِّلَاح والكراع وَمَا بقبرس من الصّبيان وَالنِّسَاء والأبكار وَالْأَمْوَال على اخْتِلَاف الْأَجْنَاس والأنواع
وَجَمِيع الْمَوَاشِي
وَنقل الْجَمِيع إِلَى سيف الْبَحْر الْأَعْظَم ووسق الْفلك بهَا ويتركوا تِلْكَ الديار خاوية على عروشها خامدة والحس والهمس حصيدا كَأَن لم تغن بالْأَمْس
وَركب هُوَ والجيوش المنصورة فِي أفلاكها
وَرَجَعُوا متوجهين بالسلامة والنصر
وَإِذا دخلُوا بِالْغَنِيمَةِ إِلَى دَار الْإِسْلَام جلس الْمُقدم لقسم مَال الْغَنَائِم وَهُوَ بِعَمَل الْحق وَقِسْمَة الْعدْل قَائِم
وخمسها
ثمَّ خمس الْخمس
وَجعله حَيْثُ أمره بِهِ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
ثمَّ قسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْخمس على مستحقيه
ثمَّ قسم أَرْبَعَة أَخْمَاس الْغَنِيمَة بَين الجيوش المنصورة على حكم الشَّرْع الشريف المطهر وَمُقْتَضَاهُ عَاملا فِي ذَلِك بتقوى الله وَمَا يُحِبهُ رَسُوله الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ويرضاه
وعهد إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ الْأَمر بزمامه وَأَن يعْمل لله ولإمامه وَأَن يعرف للمجاهدين حَقهم وَيقدم أهل النَّفْع مِنْهُم على غَيرهم تَقْدِيمًا
وَلمن وفى شكر إقدامهم ومداومة تأنسهم فطالما اقتحموا على الْمُلُوك مثل الوحوش وَمَا هابوا يقظة حراسهم
وليرفع بَعضهم على بعض دَرَجَات
فَمَا هم سَوَاء
فَهُوَ أولى من عمل بِهَذِهِ الْوَصَايَا الَّتِي هُوَ مِنْهَا على يَقِين وأحق من فرج على الْإِسْلَام كل ضيق بتصريف رِجَاله وَأَصْحَابه الميامين
وَالله تَعَالَى يُعينهُ ويوفقه ويرشده ويطيل باعة لما قصرت عَنهُ سواعد الرماح ووصلت إِلَيْهِ يَده آمين
ويكمل بِالْإِشْهَادِ والتاريخ وَالله أعلم

(1/392)