جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الطَّلَاق

وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام
الطَّلَاق ملك للأزواج
وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
وَأما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا طلّقْتُم النِّسَاء فطلقوهن لعدتهن} وَقَوله تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ فإمساك بِمَعْرُوف أَو تَسْرِيح بِإِحْسَان وَلَا يحل لكم أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئا إِلَّا أَن يخافا أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَإِن خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُود الله فَلَا جنَاح عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت بِهِ تِلْكَ حُدُود الله فَلَا تعتدوها وَمن يَتَعَدَّ حُدُود الله فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ}
وَأما السّنة فَروِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طلق حَفْصَة بنت عمر ثمَّ رَاجعهَا
وَرُوِيَ عَن ابْن عمر أَنه قَالَ كَانَ تحتي امْرَأَة أحبها
وَكَانَ أبي يكرهها
فَأمرنِي أَن أطلقها
فَأتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك
فَأمرنِي أَن أطلقها
وأجمعت الْأمة على جَوَاز الطَّلَاق
وَهُوَ على خَمْسَة أضْرب وَاجِب وَهُوَ طَلَاق لمولي بعد التَّرَبُّص يُؤمر أَن يفِيء أَو يُطلق وَطَلَاق الْحكمَيْنِ فِي الشقاق إِذا رأياه
ومكروه وَهُوَ الطَّلَاق من غير حَاجَة
لما رُوِيَ ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أبْغض الْحَلَال إِلَى الله الطَّلَاق
ومباح وَهُوَ عِنْد الْحَاجة إِلَيْهِ لضَرُورَة وَاقعَة بالْمقَام على النِّكَاح
فَيُبَاح لَهُ دفع الضَّرَر عَن نَفسه
ومستحب وَهُوَ عِنْد تضرر الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ إِمَّا لبغضه أَو غَيره
فَيُسْتَحَب إِزَالَة الضَّرَر عَنْهَا وَعنهُ وَكَونهَا مفرطة فِي حُقُوق الله تَعَالَى الْوَاجِبَة كَالصَّلَاةِ وَنَحْوهَا وَعجز

(2/100)


عَن إجبارها عَلَيْهِ
وَكَونهَا غير عفيفة لِأَن فِي إِِمْسَاكهَا نقصا ودناءة
وَرُبمَا أفسدت فرَاشه وألحقت بِهِ ولدا من غَيره
ومحظور وَهُوَ طَلَاق الْمَدْخُول بهَا فِي الْحيض أَو فِي طهر أَصَابَهَا فِيهِ وَيُسمى طَلَاق الْبِدْعَة
وروى ابْن عمر أَنه طلق امْرَأَته
وَهِي حَائِض
فَسَأَلَ عمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ مرّة فَلْيُرَاجِعهَا ثمَّ ليتركها حَتَّى تطهر ثمَّ تحيض فَتطهر ثمَّ إِن شَاءَ أمسك بعده وَإِن شَاءَ طلق قبل أَن يمْسِكهَا
فَتلك الْعدة الَّتِي أَمر الله أَن يُطلق لَهَا النِّسَاء مُتَّفق عَلَيْهِ
وَيصِح طَلَاق الْمُكَلف وَإِن هزل وَإِن ظَنّهَا غير زَوجته
وصريحه الطَّلَاق والسراح والفراق
وخالعت وفاديت
وَأَنت طَالِق ومطلقة
ومسرحة ومفارقة وَيَا طَالِق وحلال الله على حرَام وَنعم لمن قَالَ أطلقت زَوجتك لطلب الْإِنْشَاء وترجمتها بِأَيّ لِسَان
وكناياته بنية الطَّلَاق
كَأَنْت خلية وبرية وبائن وبتة وبتلة وحرة ومعتقة واعتدي وَلَو قبل الطَّلَاق واستبرئي رَحِمك والحقي بأهلك وحبلك على غاربك وأمرك بِيَدِك واغربي واذهبي واخرجي وتجرعي وذوقي وتزودي وكلي واشربي
وَلَا تقع الْكِنَايَة إِلَّا إِذا قرنت بِالنِّيَّةِ فِي أَولهَا
وَإِن غربت قبل التَّمام
فَلَو قَالَ لزوجته أَو أمته أَنْت حرَام
فَإِن أطلق وَقصد تَحْرِيم الْعين وَجَبت كَفَّارَة يَمِين
وَإِن عين الطَّلَاق أَو الظِّهَار فِي الزَّوْجَة أَو الْعتْق فِي الْأمة صَحَّ مَا نَوَاه
وَإِشَارَة الْأَخْرَس فِي كل عقد وَحل كإشارة النَّاطِق فِي كل عقد وَحل
وصريحها مَا يفهمهُ الْكل
وكنايتها مَا يفهمهُ الفطن
ويعتد بِإِشَارَة أخرس فِي الطَّلَاق وَفِي جَمِيع الْعُقُود والحلول والأقارير والدعاوى
وَفِي شَهَادَته خلاف
فَلَو أَشَارَ فِي صلَاته بِطَلَاق أَو غَيره نفذ
وَالصَّحِيح أَن صلَاته لَا تبطل

(2/101)


وَإِن قَالَ لزوجته أَنْت حرَام أَو مُحرمَة أَو حرمتك
فَإِن نوى الطَّلَاق وَقع رَجْعِيًا وَإِن نوى عددا وَقع مَا نوى
وَإِن كتب نَاطِق طَلَاقا فَإِن تلفظ بِمَا كتب وقرأه حَالَة الْكِتَابَة أَو بعْدهَا طلقت وَإِلَّا فَإِن لم ينْو الطَّلَاق لم تطلق على الصَّحِيح
وَإِن نَوَاه وَقع فِي الْأَظْهر
وَللزَّوْج تَفْوِيض الطَّلَاق لزوجته
وَهُوَ تمْلِيك
ويتضمن الْقبُول
وَيشْتَرط لوُقُوعه تطليقها على الْفَوْر إِلَّا أَن يَقُول طَلِّقِي نَفسك مَتى شِئْت
وَله الرُّجُوع قبل تطليقها على الصَّحِيح
وَالثَّانِي لَا
والتصرفات القولية من الْمُكْره عَلَيْهَا بَاطِلَة
كالردة وَالنِّكَاح وَالطَّلَاق وتعليقه وَغَيرهَا وَحقّ كاستسلام الْمُرْتَد وَالْحَرْبِيّ لَا الذِّمِّيّ فِي الْأَصَح
وَينفذ طَلَاق مول أكرهه الْحَاكِم عَلَيْهِ بِولَايَة لَيْسَ بإكراه حَقِيقَة
وَشرط الْإِكْرَاه الْمقدرَة من الكره على تَحْقِيق مَا هدد بِهِ بِولَايَة أَو تغلب وفرط هجوم وَعجز الْمُكْره عَن الدّفع بفرار أَو غَيره
وظنه أَنه إِن امْتنع حَقَّقَهُ
وَمن زَالَ عقله بِسَبَب يعْذر فِيهِ كجنون أَو إِغْمَاء أَو أوجر خمرًا أَو أكره عَلَيْهَا أَو لم يعلم أَن المشروب من جنس مَا يسكر أَو شرب دَوَاء يزِيل الْعقل بِقصد التَّدَاوِي
وَنَحْو ذَلِك لم يَقع طَلَاقه
وَلَو تعدى بِشرب مُسكر أَو دَوَاء مجنن بِغَيْر غَرَض صَحِيح
فَزَالَ عقله وَقع طَلَاقه على الْمَذْهَب
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي حد السَّكْرَان إِنَّه هُوَ الَّذِي اخْتَلَّ مِنْهُ المنظوم
وانكشف سره المكتوم
وَالْأَقْرَب الرُّجُوع فِيهِ إِلَى الْعَادة
وَطَلَاق الْمَرِيض كَالصَّحِيحِ
ويتوارثان فِي عدَّة رَجْعِيّ لَا بَائِن
وَفِي الْقَدِيم تَرثه
فَإِن برىء من ذَلِك الْمَرَض لم تَرث قطعا

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الطَّلَاق فِي استقامة حَال الزَّوْجَيْنِ مَكْرُوه
بل قَالَ أَبُو حنيفَة بِتَحْرِيمِهِ
وَهل يَصح تَعْلِيق الطَّلَاق وَالْعِتْق بِالْملكِ أم لَا وَصورته أَن يَقُول لأجنبية إِن تَزَوَّجتك فَأَنت طَالِق أَو كل امْرَأَة أَتَزَوَّجهَا فَهِيَ طَالِق أَو يَقُول لعبد إِن مَلكتك فَأَنت حر أَو كل عبد اشْتَرَيْته فَهُوَ حر
قَالَ أَبُو حنيفَة يَصح التَّعْلِيق وَيلْزم الطَّلَاق وَالْعِتْق سَوَاء أطلق أَو عمم أَو خصص

(2/102)


وَقَالَ مَالك يلْزم إِذا خصص أَو عين من قَبيلَة أَو بَلْدَة أَو امْرَأَة بِعَينهَا لَا إِن أطلق أَو عمم
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يلْزم مُطلقًا

فصل وَالطَّلَاق

هَل يعْتَبر بِالرِّجَالِ أم بِالنسَاء قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يعْتَبر ذَلِك بِالرِّجَالِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر بِالنسَاء
وَصورته عِنْد الْجَمَاعَة أَن الْحر يملك ثَلَاث تَطْلِيقَات وَالْعَبْد تَطْلِيقَتَيْنِ
وَعند أبي حنيفَة الْحرَّة تطلق ثَلَاثًا وَالْأمة اثْنَتَيْنِ حرا كَانَ زَوجهَا أَو عبدا

فصل وَإِذا علق طَلاقهَا
بِصفة كَقَوْلِه إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق ثمَّ أَبَانهَا وَلم تفعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ فِي حَال الْبَيْنُونَة ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ دخلت
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِن كَانَ الطَّلَاق الَّذِي أَبَانهَا بِهِ دون الثَّلَاث فاليمين بَاقِيَة فِي النِّكَاح الثَّانِي لم تنْحَل
فَيحنث بِوُجُود الصّفة مرّة أُخْرَى
وَإِن كَانَ ثَلَاثًا انْحَلَّت الْيَمين
وَللشَّافِعِيّ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا كمذهب أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا تنْحَل الْيَمين وَإِن بَانَتْ بِالثلَاثِ
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَنه إِن طَلقهَا طَلَاقا بَائِنا ثمَّ تزَوجهَا وَإِن لم يحصل فعل الْمَحْلُوف عَلَيْهِ انْحَلَّت الْيَمين على كل حَال
وَقَالَ أَحْمد تعود الْيَمين بِعُود النِّكَاح
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق فِي الْحيض لمدخول بهَا أَو فِي طهر جَامع فِيهِ محرم إِلَّا أَنه يَقع
وَكَذَلِكَ جَمِيع الطَّلَاق الثَّلَاث محرم وَيَقَع
وَاخْتلفُوا بعد وُقُوعه
هَل هُوَ طَلَاق سنة أَو طَلَاق بِدعَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك هُوَ طَلَاق بِدعَة
وَقَالَ الشَّافِعِي هُوَ طَلَاق سنة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَاخْتِيَار الْخرقِيّ أَنه طَلَاق سنة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق عدد الرمل وَالتُّرَاب
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع طَلْقَة تبين الْمَرْأَة بهَا
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقع بِهِ الطَّلَاق الثَّلَاث
وَاتفقَ أَصْحَاب أبي حنيفَة وَمَالك وَأحمد على أَن من قَالَ لزوجته إِن طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا بعد ذَلِك وَقع طَلْقَة منجزة
وَيَقَع بِالشّرطِ تَمام الثَّلَاث فِي الْحَال
وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك
فَالْأَصَحّ فِي الرَّافِعِيّ وَالرَّوْضَة وُقُوع الْمُنجز فَقَط دفعا للدور وَعَلِيهِ الْفَتْوَى
وَقَالَ الْمُزنِيّ وَابْن سُرَيج وَابْن الْحداد والقفال وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَصَاحب

(2/103)


الْمُهَذّب وَغَيرهم لَا يَقع طَلَاق أصلا
وَحكي ذَلِك عَن نَص الشَّافِعِي
وَمن أَصْحَابه من يَقُول بِوُقُوع الطَّلَاق الثَّلَاث كمذهب الْجَمَاعَة
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة
وَهِي خلية بَريَّة وبائن وبتة وبتلة وحبلك على غاربك وَأَنت حرَّة وأمرك بِيَدِك واعتدي والحقي بأهلك هَل تفْتَقر إِلَى نِيَّة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يفْتَقر إِلَى نِيَّة أَو دلَالَة حَال
وَقَالَ مَالك يَقع الطَّلَاق بِمُجَرَّد اللَّفْظ
وَلَو انْضَمَّ إِلَى هَذِه الْكِنَايَات دلَالَة حَال من الْغَضَب أَو ذكر الطَّلَاق فَهَل تفْتَقر إِلَى النِّيَّة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَا فِي ذكر الطَّلَاق وَقَالَ لم أرده لم يصدق فِي ثَلَاثَة أَلْفَاظ اعتقدي واختاري وأمرك بِيَدِك وَيصدق فِي غَيرهَا
وَقَالَ مَالك جَمِيع الْكِنَايَات الظَّاهِرَة مَتى قَالَهَا مبتدئا أَو مجيبا لَهَا على سؤالها الطَّلَاق كَانَت طَلَاقا وَلَا يقبل قَوْله لم أرده
وَقَالَ الشَّافِعِي جَمِيع ذَلِك يفْتَقر إِلَى النِّيَّة مُطلقًا
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب الشَّافِعِي وَالْأُخْرَى لَا يفْتَقر
وَيَكْفِي دلَالَة الْحَال
وَاتَّفَقُوا على أَن الطَّلَاق والفراق والسراح صَرِيح لَا يفْتَقر إِلَى نِيَّة إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِن الصَّرِيح عِنْده لفظ وَاحِد وَهُوَ الطَّلَاق وَأما لفظا السراح والفراق فَلَا يَقع بهما طَلَاق عِنْده
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الظَّاهِرَة إِذا نوى بهَا الطَّلَاق وَلم ينْو عددا أَو كَانَت جَوَابا عَن سؤالها الثَّلَاث كم يَقع بهَا من الْعدَد فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع وَاحِدَة مَعَ نِيَّته وَقَالَ مَالك إِن كَانَت الزَّوْجَة مَدْخُولا بهَا لم يقبل مِنْهُ إِلَّا أَن يكون فِي خلع
فَإِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا قبل مَا يَدعِيهِ مَعَ يَمِينه
وَيَقَع مَا يَنْوِي بِهِ أَي إِلَّا فِي أَلْبَتَّة فَإِن قَوْله اخْتلف فِيهَا
فَروِيَ عَنهُ أَنه لَا يصدق فِي أقل من الثَّلَاث وَرُوِيَ عَنهُ أَنه يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه
وَقَالَ الشَّافِعِي يقبل مِنْهُ كل مَا يَدعِيهِ فِي ذَلِك من أصل الطَّلَاق وأعداده
وَقَالَ أَحْمد مَتى كَانَ مَعهَا دلَالَة حَال أَو نوى الطَّلَاق وَقع الثَّلَاث نوى ذَلِك أَو دونه مَدْخُولا بهَا كَانَت أَو غير مَدْخُول بهَا
وَاخْتلفُوا فِي الْكِنَايَات الْخفية كاخرجي واذهبي وَأَنت مخلاة وَنَحْو ذَلِك

(2/104)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ كالكنايات الظَّاهِرَة
إِن لم ينْو عددا وَقعت وَاحِدَة
وَإِن نوى الثَّلَاث وَقعت
وَإِن نوى اثْنَتَيْنِ لم يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد إِن نوى بهَا طَلْقَتَيْنِ كَانَت طَلْقَتَيْنِ
وَاخْتلفُوا فِي لفظ اعْتدي واستبرئي رَحِمك إِذا نوى بهَا ثَلَاثًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع وَاحِدَة رَجْعِيَّة
وَقَالَ مَالك لَا يَقع هَذَا الطَّلَاق إِلَّا إِذا وَقعت ابْتِدَاء وَكَانَت فِي ذكر طَلَاق أَو فِي غضب فَيَقَع مَا نَوَاه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَقع الطَّلَاق بهَا إِلَّا أَن يَنْوِي بهَا الطَّلَاق
وَيَقَع مَا نَوَاه من الْعدَد فِي الْمَدْخُول بهَا وَإِلَّا فطلقة
وَعند أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يَقع الثَّلَاث
وَالْأُخْرَى أَنه يَقع مَا نَوَاه
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قَالَ لزوجته أَنا مِنْك طَالِق أَو رد الْأَمر إِلَيْهَا
فَقَالَت أَنْت مني طَالِق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يَقع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يَقع وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة يَقع الثَّلَاث
وَلَو قَالَ لزوجته أَمرك بِيَدِك وَنوى الطَّلَاق وَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا
قَالَ أَبُو حنيفَة إِن نوى الزَّوْج ثَلَاثًا وَقعت أَو وَاحِدَة لم يَقع شَيْء
وَقَالَ مَالك يَقع مَا أوقعت من عدد الطَّلَاق إِذا أقرها عَلَيْهِ
فَإِن ناكرها أَحْلف وَحسب من عدد الطَّلَاق مَا قَالَه
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَقع الثَّلَاث إِلَّا أَن ينويها الزَّوْج
فَإِن نوى دون ثَلَاث وَقع مَا نَوَاه
وَقَالَ أَحْمد يَقع الثَّلَاث سَوَاء نوى الزَّوْج ثَلَاثًا أَو وَاحِدَة
وَلَو قَالَ لزوجته طَلِّقِي نَفسك
فَطلقت نَفسهَا ثَلَاثًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يَقع شَيْء
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد يَقع وَاحِدَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الزَّوْج إِذا قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق أَنْت طَالِق بِأَلْفَاظ متتابعة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث
فَإِن قَالَ ذَلِك للمدخول بهَا
وَقَالَ أردْت إفهامها بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة

(2/105)


وَمَالك يَقع الثَّلَاث
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يَقع إِلَّا وَاحِدَة
وَلَو قَالَ لغير الْمَدْخُول بهَا أَنْت طَالِق وَطَالِق وَطَالِق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يَقع وَاحِدَة
وَقَالَ مَالك يَقع الثَّلَاث
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الصَّبِي الَّذِي يعقل الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يَقع
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه يَقع
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق السَّكْرَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يَقع
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أصَحهمَا يَقع
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا يَقع
وَقَالَ الطَّحَاوِيّ والكرخي من الْحَنَفِيَّة والمزني وَأَبُو ثَوْر من الشَّافِعِيَّة إِنَّه لَا يَقع
وَاخْتلفُوا فِي طَلَاق الْمُكْره وإعتاقه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع الطَّلَاق وَيحصل الْإِعْتَاق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يَقع إِذا نطق بِهِ مدافعا عَن نَفسه
وَاخْتلفُوا فِي الْوَعيد الَّذِي يغلب على الظَّن حُصُول مَا توعد بِهِ
هَل يكون إِكْرَاها فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ نعم
وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهُنَّ كمذهب الْجَمَاعَة
وَالثَّانيَِة لَا
اخْتَارَهَا الْخرقِيّ
وَالثَّالِثَة إِذا كَانَ بِالْقَتْلِ أَو بِقطع طرف فإكراه وَإِلَّا فَلَا
وَاخْتلفُوا فِي الْإِكْرَاه هَل يخْتَص بالسلطان أم لَا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا فرق بَين السُّلْطَان وَغَيره كلص أَو متغلب
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا يكون إِلَّا الْإِكْرَاه إِلَّا من السُّلْطَان
وَالثَّانيَِة كمذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَتَانِ كالمذهبين

فصل وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق
إِن شَاءَ الله
فَقَالَ مَالك وَأحمد يَقع الطَّلَاق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا يَقع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَبْنِي على الْيَقِين
وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ يغلب الْإِيقَاع
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرِيض إِذا طلق امْرَأَته طَلَاقا بَائِنا ثمَّ مَاتَ من مَرضه الَّذِي طلق فِيهِ

(2/106)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد تَرث إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يشْتَرط فِي إرثها أَن لَا يكون الطَّلَاق عَن طلب مِنْهَا
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أظهرهمَا الْإِرْث
وَإِلَى مَتى تَرث على قَول من يُورثهَا قَالَ أَبُو حنيفَة تَرث مَا دَامَت فِي الْعدة فَإِن مَاتَت بعد انْقِضَاء عدتهَا لم تَرث
وَقَالَ أَحْمد تَرث مَا لم تتَزَوَّج
وَقَالَ مَالك تَرث وَإِن تزوجت
وَاخْتلفُوا فِيمَن قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق إِلَى سنة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تطلق فِي الْحَال
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تطلق حَتَّى تنسلخ السّنة
وَاخْتلفُوا فِيمَن طلق وَاحِدَة من زَوْجَاته لَا بِعَينهَا أَو بِعَينهَا ثمَّ أنسيها طَلَاقا رَجْعِيًا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَابْن أبي هُرَيْرَة من الشَّافِعِيَّة لَا يُحَال بَينه وَبَين وَطئهَا وَله وَطْء أيتهن شَاءَ
فَإِذا وطىء وَاحِدَة انْصَرف الطَّلَاق إِلَى غير الْمَوْطُوءَة
وَمذهب الشَّافِعِي أَنه إِذا أبهم طَلْقَة بَائِنَة تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ مُبْهما
وَيلْزمهُ التَّعْيِين
وَيمْنَع من قربانهن إِلَى أَن يعين
وَيلْزمهُ ذَلِك على الْفَوْر
فَلَو أبهم طَلْقَة رَجْعِيَّة فَالْأَصَحّ أَنه لَا يلْزمه التَّعْيِين فِي الْحَال لِأَن الرَّجْعِيَّة زَوجته
وتستحب عدَّة من عينهَا من حِين اللَّفْظ لَا من وَقت التَّعْيِين
وَقَالَ مَالك يُطَلِّقهُنَّ كُلهنَّ
وَقَالَ أَحْمد يُحَال بَينه وبينهن وَلَا يجوز لَهُ وطئهن حَتَّى يقرع بَينهُنَّ فأيتهن خرجت عَلَيْهَا الْقرعَة كَانَت هِيَ الْمُطلقَة
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة
لزمَه طَلْقَة
وَقَالَ القَاضِي عبد الْوَهَّاب وَحكي عَن دَاوُد إِن الرجل إِذا قَالَ لزوجته نصفك طَالِق أَو أَنْت طَالِق نصف طَلْقَة إِنَّه لَا يَقع عَلَيْهَا الطَّلَاق وَالْفُقَهَاء على خِلَافه
وَاخْتلفُوا فِيمَن لَهُ أَربع زَوْجَات فَقَالَ زَوْجَتي طَالِق وَلم يعين
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ تطلق وَاحِدَة مِنْهُنَّ
وَله صرف الطَّلَاق إِلَى من شَاءَ مِنْهُنَّ
وَقَالَ مَالك وَأحمد يطلقن كُلهنَّ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطَّلَاق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَبْنِي على الْأَقَل وَقَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور من مذْهبه يغلب الْإِيقَاع
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أَشَارَ بِالطَّلَاق إِلَى مَا ينْفَصل من الْمَرْأَة فِي السَّلامَة كَالْيَدِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أَضَافَهُ إِلَى أحد خَمْسَة أَعْضَاء الْوَجْه وَالرَّأْس والرقبة وَالظّهْر والفرج وَقع
وَفِي معنى ذَلِك عِنْده الْجُزْء الشَّائِع كالنصف وَالرّبع
قَالَ وَإِن أَضَافَهُ إِلَى مَا

(2/107)


ينْفَصل فِي حَال السَّلامَة كالسن وَالظفر وَالشعر لم يَقع
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يَقع الطَّلَاق بِجَمِيعِ الْأَعْضَاء الْمُتَّصِلَة كالإصبع وَأما الْمُنْفَصِلَة كالشعر فَيَقَع بهَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَلَا يَقع عِنْد أَحْمد
انْتهى
وَيَنْبَنِي على هَذَا الْخلاف مسَائِل
الأولى رجل قَالَ لامْرَأَته نسَاء الْعَالمين طَوَالِق وَأَنت يَا زَوْجَتي لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق
لِأَنَّهُ عطف طَلاقهَا على طَلَاق نسْوَة لَا يَقع طلاقهن قطعا
الثَّانِيَة إِذا قَالَ لامْرَأَته أَنْت طَالِق عِنْد موتِي لم تطلق
وَلَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر عِنْد موتِي عتق
وَالْفرق أَن للزوجية حدا يَنْتَهِي إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَوْت
فَلَا تطلق كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد موتِي
وَلَيْسَت الْحُرِّيَّة كَذَلِك
فَإِنَّهُ لَو قَالَ لعَبْدِهِ أَنْت حر بعد موتِي عتق
الثَّالِثَة طَلْقَة حرمت حَلَالا وَأحلت حَرَامًا وأبطلت مُطَالبَة وأسقطت نَفَقَة وأوجبت نَفَقَة وأفادت مَالا
وأفادت نِكَاحا
فَذَلِك الرجل يُطلق زَوجته قبل الدُّخُول وَهِي ذِمِّيَّة فقيرة وَأُخْتهَا مَمْلُوكَة
وَكَانَ الزَّوْج آلى مِنْهَا وَانْقَضَت مُدَّة الْإِيلَاء
فبطلاقه إِيَّاهَا بطلت الْمُطَالبَة بالفيئة وَسَقَطت نَفَقَتهَا عَنهُ
وَوَجَبَت نَفَقَتهَا على الْمُوسر من وَلَدهَا وَحرمت على زَوجهَا وَحل وَطْء أُخْتهَا وأبيح لَهُ تزوج أُخْتهَا الْحرَّة وأفادت الزَّوْجَة نصف صَدَاقهَا
الرَّابِعَة شخص تكلم بِكَلَام مرّة لم يُؤثر فِي الْحَال
وَإِذا كَرَّرَه أثر فِي الْحَال
وَهُوَ مَا إِذا قَالَ لزوجته إِن حَلَفت بطلاقك فَأَنت طَالِق لم يَقع بِهِ شَيْء
فَإِذا قَالَه مرَّتَيْنِ وَقع عَلَيْهِ طَلْقَة وَاحِدَة
وَإِن قَالَه ثَلَاثًا وَقع طَلْقَتَانِ وَإِن قَالَه أَرْبعا وَقع ثَلَاث
الْخَامِسَة لَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد شهور وَنوى عددا
فَذَاك وَإِلَّا فَبعد ثَلَاثَة أشهر
وَلَو قَالَ بعد الشُّهُور وَنوى
فعلى مَا نوى من الْعدَد
وَإِن لم ينْو
فَقيل تطلق بعد اثْنَي عشر شهرا
لقَوْله تعلى {إِن عدَّة الشُّهُور عِنْد الله اثْنَا عشر شهرا}
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد أَيَّام فعلى مَا نوى من الْعدَد
وَإِن لم ينْو طلقت بعد ثَلَاثَة أَيَّام
وَقيل تطلق بعد سَبْعَة لقَوْله تَعَالَى {وَتلك الْأَيَّام نداولها بَين النَّاس}
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق بعد سَاعَات وَنوى
فعلى مَا نوى وَإِن لم ينْو فَبعد ثَلَاث

(2/108)


سَاعَات
وَلَو قَالَ بعد السَّاعَات وَنوى عددا
فعلى مَا نوى وَإِن لم ينْو قيل تطلق بعد أَربع وَعشْرين لِأَن ذَلِك كَمَال سَاعَات الْيَوْم وَاللَّيْلَة
السَّادِسَة قَالَ رجل لامْرَأَته إِن كَانَ فِي كمي دَرَاهِم أَكثر من ثَلَاثَة فَأَنت طَالِق
وَكَانَ فِي كمه أَرْبَعَة
قَالَ أَبُو عبد الله البوشنجي حَدثنِي الرّبيع بن سُلَيْمَان أَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ لَا يَقع لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كمه دَرَاهِم هِيَ أَكثر من ثَلَاثَة إِنَّمَا الزَّائِد على الثَّلَاثَة فِي كمه دِرْهَم لَا دَرَاهِم
السَّابِعَة وَقع حجر من سطح
فَقَالَ إِن لم تخبريني من رَمَاه السَّاعَة فَأَنت طَالِق
قَالَ القَاضِي حُسَيْن فَتَقول رَمَاه مَخْلُوق وَلَا تطلق
قَالَ وَإِن قَالَت رَمَاه آدَمِيّ طلقت لاحْتِمَال كَونه كَلْبا أَو ريحًا
كَذَا نَقله الرَّافِعِيّ
وَأَقُول قد لَا يكون رَمَاه مَخْلُوق بل وَقع بِنَفسِهِ بِإِرَادَة الله تَعَالَى
فقد يُقَال الْخَلَاص أَن تَقول رَمَاه الله تَعَالَى وَلَا يمْتَنع إِطْلَاق هَذَا اللَّفْظ لقَوْله تَعَالَى {وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى}
الثَّامِنَة رجل حلف بِالطَّلَاق لَا أكلم امْرَأَتي قبل أَن تكلمني
فَقَالَت إِن كلمتك فَعَبْدي حر
كَيفَ تصنع قيل إِن أَبَا حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى سُئِلَ عَن هَذِه الْمَسْأَلَة
فَقَالَ للْحَالِف اذْهَبْ فكلمها وَلَا حنث عَلَيْكُمَا
فَإِنَّهَا لما قَالَت لَك إِن كلمتك فَعَبْدي حر شافهتك بالْكلَام
فانحلت يَمِينك
وَذهب أَصْحَابنَا إِلَى هَذَا مَعَ الْمُوَافقَة عَلَيْهِ
وَخَرجُوا عَلَيْهِ مَا لَو قَالَ لرجل إِن بدأتك بِالسَّلَامِ فَعَبْدي حر
فَقَالَ الآخر إِن بدأتك بِالسَّلَامِ فَعَبْدي حر
فَسلم كل مِنْهُمَا على الآخر دفْعَة وَاحِدَة لم يعْتق عبد وَاحِد مِنْهُمَا لعدم ابْتِدَاء كل وَاحِد
وتنحل اليمينان
فَإِذا سلم أَحدهمَا على الآخر وَلم يعْتق وَاحِد من عبديهما
نَقله الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام
التَّاسِعَة مُسلم قَالَ لزوجته إِن لم أكن من أهل الْجنَّة فَأَنت طَالِق
هَذِه الْمَسْأَلَة وَقعت لهارون الرشيد فاحتجبت عَنهُ زَوجته
فاستفتى عُلَمَاء عصره فَقَالُوا لَا يَقع عَلَيْك طَلَاق
فَقَالَت لَا أسمع إِلَّا فتيا اللَّيْث بن سعد
فَسئلَ اللَّيْث
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ
هَل هَمَمْت بِمَعْصِيَة فَذكرت الله فخفته فتركتها فَقَالَ نعم
فَقَالَ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ لَيْسَ جنَّة وَاحِدَة بل جنتان
قَالَ الله تَعَالَى {وَلمن خَافَ مقَام ربه جنتان}

(2/109)


وَفِي الرَّافِعِيّ أَنَّهَا لَو قَالَت لزَوجهَا أَنْت من أهل النَّار
فَقَالَ إِن كنت من أهل النَّار فَأَنت طَالِق لم تطلق إِن كَانَ الزَّوْج مُسلما لِأَنَّهُ من أهل الْجنَّة ظَاهرا
الْعَاشِرَة رجل قَالَ إِن لم يكن الشَّافِعِي أفضل من أبي حنيفَة فامرأتي طَالِق
فَقَالَ آخر إِن لم يكن أَبُو حنيفَة أفضل من الشَّافِعِي فامرأتي طَالِق لم تطلق امْرَأَة وَاحِد مِنْهُمَا لِأَن الْأَمر فِي ذَلِك ظَنِّي
وَالْأَصْل بَقَاء النِّكَاح
وَلَو قَالَ معتزلي إِن كَانَ الْخَيْر وَالشَّر من الله فامرأتي طَالِق
وَقَالَ الْأَشْعَرِيّ إِن لم يَكُونَا من الله فامرأتي طَالِق طلقت امْرَأَة المعتزلي
لِأَن خطأه قَطْعِيّ بِخِلَاف الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا
الْحَادِيَة عشرَة رجل قَالَ إِن مَضَت امْرَأَتي مَعَ أمتِي إِلَى السُّوق فَهِيَ طَالِق طَلَاقا وَإِن مَضَت أمتِي مَعَ امْرَأَتي إِلَى السُّوق فَهِيَ حرَّة
فمضتا جَمِيعًا فِي حَالَة وَاحِدَة
قَالَ الجيلي إِذا مَضَت الْمَرْأَة وَالْأمة فِي خدمتها أَو مرافقتها فِي الطَّرِيق حصلت الصفتان
فَتطلق وتعتق وَإِن اتّفق خروجهما مَعًا من غير توَافق واستخدام بل على سَبِيل الِاتِّفَاق لم يَقع الطَّلَاق
الثَّانِيَة عشرَة قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار وَالْحمام فَأَنت طَالِق
فَدخلت الأولى وَقعت طَلْقَة وانحلت الْيَمين فَلَا يَقع بِالثَّانِيَةِ شَيْء
وَلَو قَالَ أَنْت إِن دخلت الدَّار طَالقا
وَاقْتصر عَلَيْهِ
قَالَ فِي التَّهْذِيب إِن قَالَ نصبت على الْحَال وَلم أتم الْكَلَام
قبل مِنْهُ وَلم يَقع شَيْء
وَإِن أَرَادَ مَا يُرَاد عَن الرّفْع ولحن
وَقع الطَّلَاق إِن دخلت الدَّار
وَلَو قَالَ أَنْت طَالِق مَرِيضَة بِالنّصب لم تطلق إِلَّا فِي حَال الْمَرَض
فَلَو رفع
فَقيل تطلق فِي الْحَال حملا على أَن مَرِيضَة صفة
وَاخْتَارَ ابْن الصّباغ الْحمل على الْحَال النَّحْوِيّ
وَإِن كَانَ لحنا فِي الْإِعْرَاب
قَالَ الْإِسْنَوِيّ وتعليل الأول بِكَوْنِهِ صفة ضَعِيف بل الْأَقْرَب جعله خَبرا آخر
الثَّالِثَة عشرَة امْرَأَة قَالَت لزَوجهَا سَمِعت أَو قَالَ لي شخص إِنَّك فعلت كَذَا
فَقَالَ إِن لم تقولي لي من قَالَ لَك فَأَنت طَالِق
وَلم يكن قَالَ لَهَا أحد
وَلَا سَمِعت من أحد لَا يَقع الطَّلَاق
لِأَنَّهُ يعْتَقد أَن أحدا قَالَ لَهَا فعلق على محَال
الرَّابِعَة عشرَة رجل قَالَ لامْرَأَته وَهِي فِي نهر جَار إِن خرجت من هَذَا المَاء

(2/110)


فَأَنت طَالِق
لم تطلق سَوَاء خرجت أَو لم تخرج لِأَنَّهُ جرى وانفصل
الْخَامِسَة عشرَة ملك كَانَ يلْعَب بالكرة
فَوَقَعت فِي جوزته
فَحلف لَا يُخرجهَا هُوَ وَلَا غَيره وَلَا بُد أَن تخرج كَيفَ يصنع الْجَواب يصب المَاء فِي تِلْكَ الجوزة فيفيض المَاء فَتخرج الكرة بِنَفسِهَا وَلَا حنث عَلَيْهِ
السَّادِسَة عشرَة لَو قَالَ لزوجته إِن لم أقل لَك مثل قَوْلك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَقَالَت الْمَرْأَة لزوحها أَنْت طَالِق ثَلَاثًا
فَالْحِيلَةُ فِيهِ كَيْلا يَقع الطَّلَاق أَن يَقُول لَهَا أَنْت قلت لي أَنْت طَالِق ثَلَاثًا
وَبِذَلِك لَا يَقع عَلَيْهِ الطَّلَاق لِأَنَّهُ ذكره على وَجه الْحِكَايَة
وَإِن كَانَت الْمَرْأَة تخرج من دارها
وَحلف الزَّوْج بِطَلَاقِهَا أَن لَا تخرج إِلَّا بِإِذْنِهِ وخشي أَن تخرج بِغَيْر إِذْنه عِنْد الْغَضَب فَلَو احتال وَأذن لَهَا من حَيْثُ لَا تعلم فَخرجت بعد ذَلِك لم يَحْنَث
فَإِن كَانَ الْحلف عِنْد شُهُود
فَيَأْذَن عِنْد الشُّهُود ويشهدهم على إِذْنه
فَإِن كَانَ قَالَ كلما خرجت إِلَّا بإذني يَقُول قد أَذِنت لَهَا أَن تخرج كلما أَرَادَت
نُكْتَة حكى أَن رجلا حلف بِالطَّلَاق الثَّلَاث أَنه لَا بُد أَن يزن فيلا كَانَ قد قدم إِلَى الْبَصْرَة
فعجز عَن وَزنه
فَسَأَلَ عليا عَن ذَلِك فَقَالَ أنزلوا الْفِيل إِلَى سفينة كَبِيرَة
وَعَلمُوا أَيْن يصل المَاء من جانبيها ثمَّ أخرجُوا الْفِيل واطرحوا فِي السَّفِينَة حِجَارَة حَتَّى يلْحق المَاء الْعَلامَة فَمَا كَانَ وزن الْحِجَارَة فَهُوَ وزن الْفِيل
فَائِدَة رُوِيَ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه أَنه جِيءَ بِرَجُل إِلَى عَليّ رَضِي الله عَنهُ حلف فَقَالَ امْرَأَته طَالِق إِن لم يَطَأهَا فِي شهر رَمَضَان نَهَارا
فَقَالَ يُسَافر بهَا ثمَّ يَطَؤُهَا نَهَارا
اسْتِدْرَاك اعْلَم أَن الْحُرُوف الَّتِي تسْتَعْمل فِي تَعْلِيق الطَّلَاق بِالصِّفَاتِ سَبْعَة إِن وَإِذا وَمَتى وَمَتى مَا وَأي وَقت وَأي حِين وَأي زمَان دَخلهَا الْعِوَض أَو لم يدْخل
وَإِن وَإِذا على طَرِيقين وَإِن دَخلهَا الْعِوَض أَعنِي هَذِه الأحرف
ف إِن فورية وَمَتى متراخية وَإِذا على وَجْهَيْن
ويجمعهما بيتان قَالُوا التَّعَالِيق فِي الْأَسْبَاب وَاسِعَة إِلَّا بخلع وَإِلَّا بالمسيئات أَو مازجت حرف نفي فَهِيَ فورية إِلَّا بإن فَهِيَ فِي نفي كإثبات
المصطلح
وَهُوَ يشْتَمل على صور وللطلاق عمد ذكر الْمُطلق والمطلقة وأنسابهما
وَإِقْرَار الْمُطلق أَنه طَلقهَا مواجها لَهَا إِذا كَانَت حَاضِرَة وَتَعْيِين الطَّلَاق وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا
وَصِحَّة الْعقل

(2/111)


وَالْبدن وَذكر الدُّخُول بهَا والإصابة إِن كَانَ كَذَلِك
وَذكر عدم الدُّخُول والإصابة إِن كَانَت غير مَدْخُول بهَا
وَمَعْرِفَة الشُّهُود بهما
والتاريخ
وَأما الصُّور فَمِنْهَا صُورَة إِيقَاع طَلَاق على غير عوض أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه أوقع على زَوجته فُلَانَة الطَّلَاق الثَّلَاث فِي يَوْم تَارِيخه بعد الدُّخُول بهَا والإصابة حرمت عَلَيْهِ بذلك
فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وصدقته على ذَلِك التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ
ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق الرَّجْعِيّ أقرّ فلَان أَنه فِي يَوْم تَارِيخه أوقع على زَوجته فُلَانَة طَلْقَة أولى أَو ثَانِيَة رَجْعِيَّة من غير عوض أَو رَجْعِيَّة تكون فِيهَا فِي عدَّة مِنْهُ إِلَى انْقِضَائِهَا وَهُوَ مَالك رَجعتهَا مَا لم تنقض عدتهَا
فَإِذا انْقَضتْ ملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
وَصَارَت بعد ذَلِك لَا سَبِيل لَهُ عَلَيْهَا وَلَا يملك رَجعتهَا إِلَّا بأمرها وإذنها ورضاها
وصدقته على ذَلِك
وأقرت أَنَّهَا فِي طهر ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق الْمسند أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه من مُدَّة شهر أَو شَهْرَيْن أَو ثَلَاثَة أَو أقل من ذَلِك أَو أَكثر تقدم على تَارِيخه أوقع على زَوجته فُلَانَة طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى رَجْعِيَّة من غير عوض
بعد الدُّخُول بهَا والإصابة وَأَنَّهَا بِمُقْتَضى مُضِيّ الْمدَّة الْمَذْكُورَة الْوَاقِع طَلَاقه عَلَيْهَا فِي ابتدائها بَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
واعترف أَنه لم يُرَاجِعهَا من ذَلِك الْوَقْت إِلَى الْآن
وصدقها عل انْقِضَاء عدتهَا التَّصْدِيق الشَّرْعِيّ أَو وَهِي مَدِينَة بِانْقِضَاء عدتهَا بِالْأَقْرَاءِ الثَّلَاث يحلفها على ذَلِك إِذْ لَا يعرف ذَلِك إِلَّا من قبلهَا على مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْع الشريف ويوجبه ويؤرخ
وَصُورَة الطَّلَاق على الْعِوَض وَيكْتب على ظهر الصَدَاق سَأَلت فُلَانَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فلَان الْمَذْكُور مَعهَا بَاطِنه أَن يطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى أَو ثَالِثَة على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا
وَقدره كَذَا وَكَذَا على مبلغ كَذَا من جملَة صَدَاقهَا عَلَيْهِ
فأجابها إِلَى سؤالها وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَإِن كَانَت ثَالِثَة فَيَقُول حرمت عَلَيْهِ بذلك
فَلَا تحل لَهُ من بعد حَتَّى تنْكح زوجا غَيره
وتصادقا على الدُّخُول بهَا والإصابة
ويذيل بِإِقْرَار بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق
ويؤرخ
وَإِن كَانَ الطَّلَاق قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة كتب وَأَن شطر صَدَاقهَا عَلَيْهِ الشَّاهِد بِهِ كتاب الزَّوْجِيَّة بَينهمَا الْمعِين بَاطِنه الَّذِي سلم لَهَا عَلَيْهِ بِحكم الطَّلَاق

(2/112)


المشروح فِيهِ وَعدم الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة وَجُمْلَته كَذَا وَكَذَا بَاقٍ لَهَا فِي ذمَّته إِلَى يَوْم تَارِيخه لم تَبرأ ذمَّته من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ وتصادقا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
وَإِن كَانَت الزَّوْجَة قبضت الصَدَاق جَمِيعه قبل الطَّلَاق
فتعيد إِلَيْهِ النّصْف مِنْهُ
وَيكْتب بعد صُدُور الطَّلَاق ثمَّ بعد ذَلِك ولزومه شرعا أعادت فُلَانَة الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة فِيهِ لمطلقها فلَان الْمَذْكُور مَعهَا فِيهِ مَا سلم لَهُ من مبلغ الصَدَاق الْمعِين بَاطِنه قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَبعد الطَّلَاق وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
فاستعاده مِنْهَا استعادة شَرْعِيَّة
وَصَارَ ذَلِك إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ وحوزه
وَأقر كل مِنْهُمَا أَنه لَا يسْتَحق على الآخر بعد ذَلِك حَقًا وَلَا دَعْوَى وَلَا طلبا إِلَى آخِره
وَصُورَة الطَّلَاق قبل الدُّخُول سَأَلت فُلَانَة زَوجهَا فلَان أَن يطلقهَا طَلْقَة وَاحِدَة أولى
قبل الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة أَو ثَانِيَة مسبوقة بِأولى على شطر صَدَاقهَا السَّالِم لَهَا عَلَيْهِ قبل الدُّخُول
فأجابها إِلَى سؤالها وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك أَو حرمت عَلَيْهِ بذلك
وحلت للأزواج
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويكمل على نَحْو مَا سبق
والطلقة إِذا وَقعت قبل الدُّخُول وَقعت بَائِنا
لَا يملك رَجعتهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا وَإِذن وَليهَا الشَّرْعِيّ
وَصُورَة الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة إِذا صيرها بهَا بَائِنا على مَذْهَب أبي حنيفَة أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه طلق زَوجته فُلَانَة الَّتِي اعْترف أَنَّهَا الْآن فِي عصمته وَعقد نِكَاحه الطَّلقَة الرَّجْعِيَّة الْفُلَانِيَّة بعد الدُّخُول بهَا والإصابة وَالْخلْوَة ثمَّ بعد ذَلِك أشهد عَلَيْهِ أَنه صيرها بَائِنا على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء فَإِذا أَرَادَ أَن يُرَاجِعهَا من ذَلِك بِغَيْر إِذْنهَا على مَذْهَب الشَّافِعِي
فَلَا بُد من استئذانها لحَاكم شَافِعِيّ يعقده بِإِذْنِهَا وَإِذن وَليهَا الشَّرْعِيّ ويتلفظ الزَّوْج بالرجعة وَيحصل الْإِقْرَار بهَا
وَيحكم الْحَاكِم الشَّافِعِي بِصِحَّة ذَلِك على مُقْتَضى مذْهبه خوفًا من بُطْلَانه عِنْد من يرى بُطْلَانه
وَصُورَة مَا يكْتب فِي ذَلِك لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بجريان عقد النِّكَاح المشروح بَاطِنه وَالرَّجْعَة من الطَّلقَة المشروحة بَاطِنه وصدورها من الْمُطلق الْمَذْكُور فِي زمن الْعدة عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ وَحلف الزَّوْج المراجع الْمَذْكُور أَن ذَلِك صدر على الحكم المشروح فِيهِ وَأَن الرّجْعَة صدرت قبل انْقِضَاء الْعدة على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَثَبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِيهِ سَأَلَهُ

(2/113)


من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه وبصحة الرّجْعَة من الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة بِغَيْر إِذن الزَّوْجَة
فَأجَاب سُؤَاله
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك وبصحة الرّجْعَة من الْمُطلقَة الْمَذْكُورَة بِغَيْر إِذن الزَّوْجَة حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن حكم بذلك حَاكم حَنَفِيّ فَلَا تبقى رَجْعَة وَلَا يعْمل فِي ذَلِك إِلَّا على مُقْتَضى مَذْهَب أبي حنيفَة
وَصُورَة الحكم بذلك على مُقْتَضى مذْهبه لما قَامَت الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين بَاطِنه وبالطلاق المشروح فِيهِ على الحكم المشروح فِيهِ عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ
سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت الطَّلقَة الْمَذْكُورَة وصيرورتها بَائِنا بِحَيْثُ لَا تحل لَهُ إِلَّا بِإِذْنِهَا بالشرائط الشَّرْعِيَّة
وأجراها من الطَّلَاق الْبَائِن غير الطَّلَاق الثَّلَاث
فَأجَاب السَّائِل إِلَى ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك
وَمن مُوجبه صيرورتها بَائِنا على مُقْتَضى مذْهبه حكما شَرْعِيًّا مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِذا عقده عَاقد حَنَفِيّ من غير حكم
فيحتاط ويعقد بِالْإِذْنِ بالشرائط
وَيُرَاجع بَينهمَا
كَمَا سبق
ويحتاط الْعَاقِد الشَّافِعِي
فيراجع بَينهمَا ثمَّ يجدد النِّكَاح بِالْإِذْنِ من الزَّوْجَة بالشرائط الشَّرْعِيَّة وَأَن يكون ذَلِك فِي زمن الْعدة
أما إِذا انْقَضتْ الْعدة من غير رَجْعَة
فقد صَارَت بَائِنا على كل حَال
وارتفع الْخلاف
وَصُورَة الطَّلَاق بسؤال من غير الزَّوْجَة من أَب أَو غَيره سَأَلَ فلَان فلَانا أَن يُطلق ابْنَته فُلَانَة على نَظِير مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَقدره كَذَا وَكَذَا
فَأجَاب إِلَى سُؤَاله وَطَلقهَا الطَّلقَة المسؤولة على الْعِوَض الْمَذْكُور
بَانَتْ مِنْهُ بذلك
وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
فَإِن اتَّفقُوا على الْحِوَالَة كتب كَمَا تقدم فِي الْخلْع
وَإِن كَانَت بَالِغَة رَشِيدَة قبلت الْحِوَالَة لنَفسهَا
وَإِن كَانَت محجورة أَبِيهَا
فَيقبل لَهَا الْحِوَالَة
وَاسْتِيفَاء ألفاظها الْمُعْتَبرَة فِي صِحَّتهَا بَرِئت بذلك ذمَّة الْمُحِيل الْمَذْكُور من جَمِيع مبلغ الصَدَاق الْمعِين فِيهِ
وَذمَّة الْمحَال عَلَيْهِ من الْقدر المسؤول عَلَيْهِ
وَاسْتقر فِي ذمَّة السَّائِل لابنته الْمَذْكُورَة استقرارا شَرْعِيًّا

(2/114)


هَذَا إِذا كَانَت الْمُطلقَة بَالِغَة عَاقِلَة حَاضِرَة
فَإِن كَانَت غَائِبَة
فَيَقُول قبلهَا لَهَا من جَازَ قبُوله شرعا أَو قبلهَا لَهَا وكيلها الشَّرْعِيّ فلَان قبولا شَرْعِيًّا
ويؤرخ
وَصُورَة مَا إِذا كَانَت الزَّوْجَة فِي سُؤال الزَّوْج فِي الطَّلَاق على الصَدَاق
ووكل الزَّوْج فِي إِجَابَة سُؤال السَّائِل وإيقاع الطَّلَاق وَقبل الْعِوَض سَأَلَ فلَان وَكيل فُلَانَة فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ فعله فِيهِ بِمُقْتَضى كتاب التَّوْكِيل المتضمن لذَلِك وَلغيره الْمحْضر بشهوده المؤرخ بَاطِنه بِكَذَا الثَّابِت مضمونه عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ المؤرخ بِكَذَا فلَانا وَكيل زوج الموكلة الْمَذْكُورَة هُوَ فلَان فِيمَا ينْسب إِلَيْهِ فعله فِيهِ بِمُقْتَضى الْوكَالَة الشَّرْعِيَّة كَمَا تقدم ثمَّ يَقُول أَن يُطلق الموكلة الْمَذْكُورَة أَعْلَاهُ طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة أَو ثَالِثَة على جَمِيع مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ وَقدره كَذَا وَكَذَا بعد الدُّخُول بهَا والإصابة أَو على نصف صَدَاقهَا السَّالِم لَهَا عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا قبل الدُّخُول بهَا والإصابة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وطلق الموكلة الْمَذْكُورَة عَن مُوكله الْمَذْكُور على الْعِوَض الْمَذْكُور
وَقبل الْقدر المسؤول عَلَيْهِ لمُوكلِه الْمَذْكُور قبولا شَرْعِيًّا بَانَتْ مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
ويؤرخ

فصل فِي التَّعْلِيق
وَهُوَ جَائِز
وَلَا يجوز الرُّجُوع فِيهِ
وَلَا يَقع قبل الشَّرْط
وَلَا يحرم الْوَطْء قبله
وَلَو قَالَ عجلت تِلْكَ الصّفة الْمُعَلقَة لم يعجل
كَمَا لَو نذر صَوْم يَوْمَيْنِ مُعينين
وَإِذا علقه بِصفة مستحيلة عرفا كَإِن صعدت السَّمَاء أَو عقلا
كَإِن أَحييت مَيتا لم يَقع فِي الْأَصَح
وَقد سبق ذكر أدوات التَّعْلِيق
وَمِنْهَا مهما وَكلما وَلَا تَكْرِير إِلَّا فِي كلما
وَصُورَة تَعْلِيق الطَّلَاق بِصفة قَالَ فلَان مَتى غبت عَن زَوْجَتي فُلَانَة مُدَّة كَذَا وَكَذَا وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة
وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين من شُهَدَاء الْمُسلمين أَو تعينهما أَو غَيرهمَا من الْعُدُول وأحضرت مَعهَا مُسلمين وأخبرت أَنِّي غبت عَنْهَا الْمدَّة الْمُعَلق طَلاقهَا عَلَيْهَا
وَهِي كَذَا وَكَذَا وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا كسْوَة وصدقها المسلمان على ذَلِك وأبرأت ذِمَّتِي من كَذَا وَكَذَا من جملَة صَدَاقهَا عَليّ كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أَو ثَانِيَة تملك بهَا نَفسهَا واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
وصدقته على ذَلِك تَصْدِيقًا شَرْعِيًّا
قَالَ ذَلِك بِصَرِيح لَفظه
ويؤرخ
أَو يَقُول علق فلَان طَلَاق زَوجته فُلَانَة بِأَن قَالَ بِصَرِيح لَفظه مَتى حضرت زَوْجَتي فُلَانَة إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأبرأتني من صَدَاقهَا عَليّ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أَو ثَانِيَة أَو ثَالِثَة
واعترف بِالدُّخُولِ بهَا والإصابة
ويكمل على نَحْو مَا سبق

(2/115)


أَو يَقُول قَالَ فلَان بِصَرِيح لَفظه مَتى سَافَرت عَن زَوْجَتي فُلَانَة إِلَى فَوق مَسَافَة الْقصر وَعلمت بسفري وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأخبرتهما بذلك وأحضرت مَعهَا مُسلمين وصدقاها على ذَلِك
وأبرأتني من مبلغ صَدَاقهَا عَليّ
وَهُوَ كَذَا وَكَذَا أَو من دِرْهَم وَاحِد من مبلغ صَدَاقهَا عَليّ
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة
أَو مَتى سَافَرت عَن زَوْجَتي فُلَانَة من بلد كَذَا واستمرت غيبتي عَنْهَا مُدَّة كَذَا وَكَذَا من ابْتِدَاء سَفَرِي عَنْهَا
وتركتها بِلَا نَفَقَة وَلَا منفق شَرْعِي
وَحَضَرت إِلَى شَاهِدين عَدْلَيْنِ وأحضرت مَعهَا من يصدقها على ذَلِك وأبرأتني من كَذَا وَكَذَا
كَانَت إِذْ ذَاك طَالقا طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو ثَانِيَة
أَو مَتى تزوجت على زَوْجَتي فُلَانَة أَو تسريت عَلَيْهَا أَو غير ذَلِك من الْأَنْوَاع الَّتِي يَقع اتِّفَاق الزَّوْجَيْنِ عَلَيْهَا
وَصُورَة مَا إِذا وَقعت الصّفة الْمُعَلق عَلَيْهَا
وَجَاءَت الْمَرْأَة تطلب الْإِشْهَاد عَلَيْهَا بِالْإِبْرَاءِ وتختار وُقُوع الطَّلَاق
بعد أَن علق الزَّوْج الْمَذْكُور بَاطِنه طَلَاق زَوجته فُلَانَة الْمَذْكُورَة مَعَه بَاطِنه على الصّفة المشروحة فِي فصل التَّعْلِيق المسطر فِيهِ حضرت الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِيهِ إِلَى شاهديه الواضعين خطهما آخِره
وأحضرت مَعَهُمَا كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان
وصدقاها على وجود الصّفة الْمُعَلق عَلَيْهَا من السّفر أَو الْغَيْبَة أَو غير ذَلِك
وأبرأته من جَمِيع صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين فِيهِ أَو من كَذَا وَكَذَا من جملَة مبلغ صَدَاقهَا عَلَيْهِ الْمعِين فِيهِ بَرَاءَة شَرْعِيَّة بَرَاءَة عَفْو وَإِسْقَاط
طلقت مِنْهُ بذلك وملكت نَفسهَا عَلَيْهِ
فَلَا تحل لَهُ إِلَّا بِعقد جَدِيد بِشُرُوطِهِ الشَّرْعِيَّة
وَالْأَمر فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف
وَفِي صُورَة تَعْلِيق الطَّلَاق على الْغَيْبَة لَا بُد من ثُبُوت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة عِنْد حَاكم
وَصُورَة الثُّبُوت فِي ذَلِك لما قَامَت الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين بَاطِنه وهما فلَان وفلانة على الحكم المشروح بَاطِنه وغيبة الزَّوْج الْمَذْكُور الْمدَّة الْمُعَلق عَلَيْهَا الْمَذْكُورَة بَاطِنه وتصديق الْمُسلمين وبلفظ الزَّوْجَة بِالْبَرَاءَةِ الْمُعَلق عَلَيْهَا الطَّلَاق المشروح فِيهِ عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَقبلهَا الْقبُول الشَّرْعِيّ سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد على نَفسه بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه
فَأجَاب إِلَى ذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده وَالْحكم بِمُوجبِه حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره أَو تثبت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة ويكمل التَّعْلِيق من غير ثُبُوت

(2/116)


حَاكم
لِأَنَّهُ لَا يحْتَاج إِلَّا إِلَى ثُبُوت الزَّوْجِيَّة والغيبة خَاصَّة
وَمَا تثبت الْغَيْبَة حَتَّى يثبت جَرَيَان عقد النِّكَاح لينبني على صِحَة لفظ الزَّوْج وتعليقه
لِأَن التَّعْلِيق فرع الزَّوْجِيَّة
تَنْبِيه إِذا طلق الرجل زَوجته دون الطلقات الثَّلَاث وَتَزَوَّجت بِغَيْرِهِ
ثمَّ طَلقهَا وعادت للْأولِ
فعلى مَذْهَب الشَّافِعِي تعود إِلَيْهِ بِمَا بَقِي من عدد الطَّلَاق فَإِن كَانَ قد طَلقهَا وَاحِدَة فتعود إِلَيْهِ بطلقتين
وَمذهب الْغَيْر تعود وَيملك عَلَيْهَا الطَّلَاق الثَّلَاث كَالنِّكَاحِ الأول
لِأَن النِّكَاح عِنْده بِغَيْر الْمُطلق يهدم
وَمَا رَأَيْت فِي زَمَاننَا هَذَا من يعْمل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِلَّا على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
مَسْأَلَة إِذا عتقت تَحت عبد لَهَا الْفَسْخ إِلَّا فِي مَسْأَلَة وَاحِدَة
وَهِي أَن سَيِّدهَا يملكهَا وَقيمتهَا مائَة وصداقها على زَوجهَا مائَة وسيدها يملك مائَة ووصى سَيِّدهَا بِعتْقِهَا
وَالزَّوْج لم يدْخل بهَا
وَمَات سَيِّدهَا
فَإِن اخْتَارَتْ الْفَسْخ سقط الْمهْر لِأَن الْفَسْخ من جِهَتهَا
وَإِذا سقط الْمهْر صَار بَعْضهَا رَقِيقا
فَلَا يجوز لَهَا الْفَسْخ
وَهَذِه من مسَائِل الدّور
فَإِذا آل الْأَمر إِلَى ثُبُوت بَقَائِهَا تَحت الزَّوْج وَالْحَالة هَذِه كتب لما قَامَت الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح بَين الزَّوْجَيْنِ الْمَذْكُورين فِيهِ وهما فلَان وفلانة وَوَصِيَّة فلَان سيد الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة بِعتْقِهَا
ووفاة الْمُوصي الْمَذْكُور إِلَى رَحْمَة الله تَعَالَى
وَقِيمَة الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة وَهِي مائَة دِرْهَم وَأَن المخلف عَن الْمُوصي الْمَذْكُور جَمِيعه مائَة دِرْهَم عِنْد سيدنَا الْحَاكِم الْفُلَانِيّ
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بشرائطه الشَّرْعِيَّة وأعذر فِي ذَلِك لمن لَهُ الْإِعْذَار
وَثَبت الْإِعْذَار لَدَيْهِ على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وتصادق الزَّوْجَانِ الْمَذْكُورَان فِيهِ على عدم الدُّخُول والإصابة بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيّ ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
سَأَلَهُ من جَازَ سُؤَاله شرعا الْإِشْهَاد بِثُبُوت ذَلِك
وَالْحكم بِمُوجبِه وإبقاء الزَّوْجَة الْمَذْكُورَة فِي عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور من غير جَوَاز فسخ بِحكم صُدُور مَا شرح فِيهِ
فَأجَاب السَّائِل لذَلِك
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِذا عتقت الْجَارِيَة فِي غير هَذِه الصُّورَة
وَهِي متزوجة بِعَبْد
وأرادت فسخ نِكَاحهَا من عصمته بِحكم الْعتْق
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان مُعتق الزَّوْجَة فُلَانَة وَالزَّوْجَة الْمُعتقَة الْمَذْكُورَة وَزوجهَا فلَان
وَادعت الزَّوْجَة على زَوجهَا الْمَذْكُور أَنه تزوج بهَا تزويجا

(2/117)


شَرْعِيًّا وَهِي رقيقَة وَأَنَّهَا عتقت
وَصَارَت حرَّة من حرائر المسلمات
وَأَن زَوجهَا رَقِيق إِلَى الْآن وَلم ترض بالْمقَام مَعَه
واختارت فسخ نِكَاحهَا من عصمته وَعقد نِكَاحه
وتسأل سُؤَاله
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ عَن ذَلِك فَأجَاب بِصِحَّة دَعْوَاهَا وَسَأَلَ الْمُعْتق الْمَذْكُور عَن الْعتْق فاعترف بِصِحَّتِهِ ثمَّ خَيرهَا الْحَاكِم بَين الْإِقَامَة مَعَه من غير فسخ
ووعظها ووعدها الْأجر إِن صبرت
فَأَبت إِلَّا ذَلِك
فَحِينَئِذٍ مكنها الْحَاكِم من فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور
فَقَالَت بِصَرِيح لَفظهَا فسخت نِكَاحي من عصمَة زَوجي فلَان الْمَذْكُور فسخا شَرْعِيًّا
ثمَّ بعد ذَلِك سَأَلت الْحَاكِم أَن يحكم لَهَا بذلك
فَأجَاب سؤالها وَحكم بِمُوجب ذَلِك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَإِن كَانَ ذَلِك فِي غيبَة الْمُعْتق
فتقوم الْبَيِّنَة بجريان عقد النِّكَاح وبالعتق والإعذار لمن لَهُ الْإِعْذَار
وَحلف الزَّوْجَة أَنَّهَا لم ترض بِالْإِقَامَةِ فِي صُحْبَة زَوجهَا الْمَذْكُور بعد الْعتْق
وَأَنَّهَا اخْتَارَتْ فسخ نِكَاحهَا من عصمَة زَوجهَا الْمَذْكُور بِهَذَا الْمُقْتَضى
وَيثبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم وَيحكم بِمُوجبِه
وَإِن كَانَ الْفَسْخ بِعَيْب حدث بعده وَإِلَّا فمهر الْمثل

فصل إِذا جعل طَلَاق زَوجته بِيَدِهَا
فَهُوَ تمْلِيك وَشَرطه الْفَوْرِيَّة
وَصورته قَالَ فلَان لزوجته الْمَذْكُورَة بَاطِنه جعلت طَلَاقك بِيَدِك
فطلقي نَفسك بِمَا اخْتَرْت من عدد الطَّلَاق الثَّلَاث أَو يعين لَهَا طَلْقَة بِعَينهَا
فأجابت سُؤَاله على الْفَوْر
وَقَالَت بِصَرِيح لَفظهَا طلقت نَفسِي طَلْقَة وَاحِدَة أولى أَو أَكثر بِحكم أَنَّك جعلت إِلَى ذَلِك أَو ملكتني إِيَّاه
وَقد حصل لي بذلك الْفِرَاق من عصمتك وَعقد نكاحك
وصرت بِمُقْتَضى ذَلِك أَجْنَبِيَّة مِنْك لَا نِكَاح بَيْننَا وَلَا زوجية
وَذَلِكَ بعد اعترافهما بِالدُّخُولِ والإصابة وَإِن كَانَ ثمَّ أَوْلَاد فيذكرهم
أَو كَانَ الْأَمر قبل الدُّخُول فَيكْتب كَذَلِك ثمَّ يَقُول وَالْأَمر بَينهمَا فِي ذَلِك مَحْمُول على مَا يُوجِبهُ الشَّرْع الشريف
وَإِذا قَالَ طَلِّقِي نَفسك مَتى شِئْت
فَذَلِك لَا يَقْتَضِي الْفَوْرِيَّة
وَله الرُّجُوع قبل التَّطْلِيق مِنْهَا

فصل وَالِاسْتِثْنَاء
يضر فِيهِ تخَلّل يسير على الصَّحِيح لَا سكتة تنفس وعي
وَيشْتَرط نِيَّة الِاسْتِثْنَاء بِأول الْكَلَام فِي الْأَصَح
لِأَن هَذَا هُوَ الْعرف فِي الِاسْتِثْنَاء
فَإِن انْفَصل لضيق نفس كَانَ كالمتصل لِأَنَّهُ انْفِصَال بِعُذْر
وَمَتى تعْتَبر النِّيَّة فِيهِ وَجْهَان

(2/118)


أَحدهمَا تعْتَبر من أول الْكَلَام إِلَى آخِره
لِأَن الطَّلَاق يَقع بِجَمِيعِ اللَّفْظ
وَالثَّانِي إِذا نوى قبل الْفَرَاغ من الْكَلَام
صَحَّ لِأَن النِّيَّة قد وجدت مِنْهُ قبل الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا بِهِ
وَسَوَاء فِيمَا ذكر فِي الِاسْتِثْنَاء إِلَّا وَأَخَوَاتهَا وَالتَّعْلِيق بِمَشِيئَة الله تَعَالَى وَسَائِر التعليقات
وَيشْتَرط عدم استغراقه
فَإِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثِنْتَيْنِ طلقت وَاحِدَة أَو قَالَ ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا طلقت ثَلَاثًا
تذييل سُئِلَ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام عَالم الْحجاز جمال الدّين بن ظهيرة الْقرشِي الْمَكِّيّ الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى عَن قَول الرجل لامْرَأَته مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي أَو إِذا وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق
وَهَذِه مَسْأَلَة الدّور الْمَشْهُورَة بالسريجية
وَهل لَهُ مخلص مِنْهَا إِذا قُلْنَا بِصِحَّة الدّور فَأجَاب بِأَن مآخذ الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثَابِتَة الْبُنيان وَاضِحَة الْبُرْهَان مشيدة الْأَركان
وَلكُل مَسْلَك محجة ولعمري لقد دارت فِيهَا الرؤوس وانفحمت فِيهَا أكباد الفحول فِي الدُّرُوس وسئمت من دورانها النُّفُوس
فَإِذا قَالَ لامْرَأَته إِذا طَلقتك أَو مهما طَلقتك
فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا ثمَّ طَلقهَا
فَالْمَذْهَب فِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يَقع عَلَيْهَا شَيْء وَهُوَ الْمَشْهُور عَن ابْن سُرَيج وَإِلَيْهِ ذهب ابْن الْحداد والقفال الشَّاشِي والقفال الْمروزِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب وَالشَّيْخ أَبُو عَليّ وَالشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ
وَالرُّويَانِيّ
وَبِه أجَاب الْمُزنِيّ والمتتور
وَحَكَاهُ صَاحب لإفصاح عَن نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى
قَالَ الإِمَام وَعَلِيهِ مُعظم الْأَصْحَاب
وَنقل فِي الْبَحْر عَن القَاضِي أبي الطّيب أَن للشَّافِعِيّ مصنفا اقْتصر فِيهِ على عدم الْوُقُوع
وَاقْتصر عَلَيْهِ أَيْضا أَبُو حَامِد الْقزْوِينِي فِي كتاب الْحِيَل
وَصَححهُ الشَّاشِي فِي الْمُعْتَمد
وَكَانَ ابْن الْخَلِيل شَارِح التَّنْبِيه يُفْتِي بِهِ بِبَغْدَاد كَمَا نقل عَنهُ ابْن خلكان فِي تَارِيخه وَعمِلُوا بِصِحَّة الدّور لِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُنجز لوقع قبله ثَلَاثًا وَإِذا وَقع الثَّلَاث قبله لَا يَقع الْمُنجز للبينونة
الْوَجْه الثَّانِي يَقع الْمُنجز فَقَط وَلَا يَقع الْمُعَلق وَلَا شَيْء مِنْهُ
وَهُوَ اخْتِيَار صَاحب التَّلْخِيص وَالشَّيْخ أبي مزِيد وَابْن الصّباغ
وَصَاحب التَّتِمَّة والشريف نَاصِر الدّين الْعمريّ وَاخْتَارَهُ الْغَزالِيّ
وصنف فِيهِ مصنفا
سَمَّاهُ علية الْغَوْر فِي دراية الدّور ثمَّ رَجَعَ عَنهُ
وصنف تصنيفا فِي إِبْطَاله سَمَّاهُ الْغَوْر فِي الدّور وَاخْتَارَ فِيهِ وُقُوع الْمُنجز
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي الشَّرْح الْكَبِير وَيُشبه أَن يكون بِهِ أولى
وَصَححهُ فِي الشَّرْح الصَّغِير

(2/119)


وَكَلَام الْفَقِيه نجم الدّين بن الرّفْعَة فِي الْكِفَايَة وَالْمطلب يمِيل إِلَيْهِ
وَبِه أفتى الْمُتَأَخّرُونَ
وَالْعَمَل عَلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَان
وَصَححهُ النَّوَوِيّ فِي التَّصْحِيح
وَفِي الْمِنْهَاج تبعا للمحرر
وَنقل عَن ابْن سُرَيج تَصْحِيحه فِي نَظِير الْمَسْأَلَة
وعللوه بِأَنَّهُ لَو وَقع الْمُعَلق لمنع وُقُوع الْمُنجز
فَإِذا لم يَقع الْمُنجز فَيَقَع
وَقد يتَخَلَّف الْجَزَاء عَن الشَّرْط بِأَسْبَاب
وَشبه بِمَا إِذا أقرّ الْأَخ بِابْن للْمَيت ثَبت النّسَب دون الْإِرْث
قَالَ فِي التَّتِمَّة وَإِنَّمَا لم يَقع الْمُعَلق لاستحالته لفظا وَمعنى
أما اللَّفْظ فَلِأَن قَوْله مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي شَرط
وَقَوله فَأَنت طَالِق قبله جَزَاء وَالْجَزَاء يجب أَن يكون مُرَتبا على الشَّرْط
وَبَيَانه أَنه لَو قَالَ لَو جئتني أكرمتك قبل أَن تَجِيء لم يكن كلَاما
وَمن جِهَة الْمَعْنى أَن الْمَشْرُوط لَا يثبت قبل شَرطه
وَإِذا أوقعنا الَّذِي قبله أوقعنا الْمَشْرُوط قبل شَرطه
وَأَيْضًا فَإِن مَا قبل الزَّمَان الَّذِي يتَلَفَّظ فِيهِ بِالطَّلَاق زمَان مَاض
وَالزَّوْج لَا يملك إِيقَاع الطَّلَاق فِيمَا مضى حَتَّى لَو قَالَ لزوجته أَنْت طَالِق أمس
فَإِنَّهُ يَقع الطَّلَاق فِي الْحَال
وَالْجمع بَين الْجَزَاء وَالشّرط شَرط
وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ هُنَا
كالمتضادين تبطل التَّعْلِيق ضَرُورَة
وَإِذا بَطل التَّعْلِيق وَقع الْمُنجز
وَهَذَا
قَالَ أَبُو الْفَتْح البَجلِيّ لَو صَحَّ هَذَا التَّعْلِيق وَقع مِنْهُ محَال وتمليك أَربع طلقات لِأَنَّهُ علق ثَلَاث طلقات على وجود طَلْقَة
وَالثَّلَاث غير تِلْكَ الْوَاحِدَة
وَلَا بُد أَن يكون الشَّرْط وَالْجَزَاء كِلَاهُمَا مملوكان لَهُ
وَهنا لَا يملكهما
فَأشبه مَا لَو علق طَلَاق زَوجته على نِكَاحهَا
وَوَجهه ابْن الصّباغ بِأَن وُقُوع الْمُنجز شَرط فِي وُقُوع الثَّلَاث وَلَا يجوز تَقْدِيم الْمَشْرُوط على الشَّرْط
وَلَو كَانَ كَذَلِك لبطل كَونه شرطا
وَقد ذكر أَصْحَابنَا مَا يدل عَلَيْهِ
فَقَالُوا لَو قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق الْيَوْم إِذا جَاءَ غَد
فَإِنَّهَا لَا تطلق إِذْ لَا يَصح وُقُوعه قبل الشَّرْط
فَلَزِمَ من ذَلِك بطلَان التَّعْلِيق وَوُقُوع الْمُنجز
الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ اخْتِيَار أبي بكر الْإِسْمَاعِيلِيّ أَنه يَقع عَلَيْهِ ثَلَاث طلقات وَفِيه تنزيلان
أظهرهمَا تقع الطَّلقَة المنجزة وطلقتان من الثَّلَاث الْمُعَلقَة
وَالثَّانِي يَقع الثَّلَاث المعلقات وَلَا تقع المنجزة فَكَأَنَّهُ قَالَ مَتى تلفظت بأنك طَالِق
فَأَنت طَالِق قبلهَا ثَلَاثًا
وَإِذا تقرر ذَلِك
فَاعْلَم أَن بَاب الطَّلَاق لَا ينسد على القَوْل الثَّانِي وَلَا على القَوْل

(2/120)


الثَّالِث
وَإِنَّمَا ينسد على القَوْل الأول
فَإِذا أَرَادَ الزَّوْج التَّخَلُّص من التَّعْلِيق وَأَرَادَ أَن يَقع الطَّلَاق وَقُلْنَا بِصِحَّة الدّور أَنه لَا يَقع عَلَيْهِ طَلَاق منجز وَلَا مُعَلّق نظر
فَإِن كَانَ صِيغَة التَّعْلِيق إِن طَلقتك أَو مهما طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فطريقه أَن يُوكل شخصا فِي طَلاقهَا
فَإِذا طَلقهَا وَكيله وَقع لِأَن طَلَاق الْوَكِيل وُقُوع لَا تَعْلِيق
وَكَذَا لَو كَانَ قَالَ لَهَا قبل ذَلِك إِن فعلت كَذَا فَأَنت طَالِق فَإِذا أَرَادَ الْوُقُوع يتحيل فِي وُقُوع الصّفة
فَإِذا وجدت الصّفة وَقع الطَّلَاق لِأَن وجودهَا وُقُوع لَا تطليق
وَلَا يَنْفَعهُ فِي التَّخَلُّص أَن يُوقع طَلاقهَا على صفة بعد أَن قَالَ لَهَا إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا لِأَن وجود الصّفة وَالْحَالة هَذِه تطليق وإيقاع وَوُقُوع وَإِن لم يكن التَّعْلِيق بِلَفْظ الْوُقُوع كَمَا مثل بِهِ الشَّيْخ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي التَّنْبِيه
كَقَوْلِه مَتى وَقع عَلَيْك طَلَاقي فَأَنت طَالِق قبله ثَلَاثًا فَإِنَّهُ إِذا وكل فِي طَلاقهَا لم يَقع الطَّلَاق أَو علق طَلاقهَا على صفة ثمَّ قَالَ لَهَا ذَلِك لَا يخلصه وَلَا يحصل لَهُ مَقْصُوده
انْتهى وَالله أعلم

(2/121)