جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الْجراح

وَمَا يتَعَلَّق بهَا من أَحْكَام
الْجِنَايَات وَتَحْرِيم الْقَتْل وَمن يجب عَلَيْهِ الْقصاص وَمن لَا يجب عَلَيْهِ الْقَتْل بِغَيْر حق حرَام
وَالْأَصْل فِيهَا الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع
أما الْكتاب فَقَوله تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا النَّفس الَّتِي حرم الله إِلَّا بِالْحَقِّ} وَقَوله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ} فَأخْبر أَنه لَيْسَ لِلْمُؤمنِ أَن يقتل مُؤمنا
وَقَوله إِلَّا خطأ لم يرد أَن قَتله خطأ يجوز وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنه إِذا قَتله خطأ فَعَلَيهِ الْكَفَّارَة وَالدية
وقوه تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّم خَالِدا فِيهَا وَغَضب الله عَلَيْهِ ولعنه وَأعد لَهُ عذَابا عَظِيما}
وَأما السّنة فَمَا روى عُثْمَان أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل دم امرىء مُسلم إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاث كفر بعد إِيمَان وزنى بعد إِحْصَان وَقتل نفس بِغَيْر نفس
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أعَان على قتل مُسلم وَلَو بِشَطْر كلمة جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة مَكْتُوب بَين عَيْنَيْهِ آيس من رَحْمَة الله تَعَالَى
وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لزوَال الدُّنْيَا أَهْون على الله من قتل مُؤمن بِغَيْر حق
وروى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أهل السَّمَاء وَالْأَرْض

(2/200)


اشْتَركُوا فِي قتل مُؤمن لكبهم الله فِي النَّار
وروى ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَو أَن أهل السَّمَاء وَالْأَرْض اشْتَركُوا فِي قتل مُؤمن لعذبهم الله إِلَّا أَن يَشَاء ذَلِك
وروى عبد الله بن مَسْعُود الوَاسِطِيّ عَن ابْن وَائِل الوَاسِطِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أول مَا يقْضى بَين الْعباد فِي الدِّمَاء
وَأما الْإِجْمَاع فَإِنَّهُ لَا خلاف بَين الْأَئِمَّة فِي تَحْرِيم الْقَتْل بِغَيْر حق
وجماع ذَلِك أَن من قتل مُؤمنا مُتَعَمدا بِغَيْر حق فسق
واستوجب النَّار إِلَّا أَن يَتُوب
وَالنَّص أَن قتل النَّفس بِغَيْر حق من أكبر الْكَبَائِر
وَقيل إِنَّه أكبر الْكَبَائِر بعد الْكفْر
وَتقبل التَّوْبَة مِنْهُ
وَإِن مَاتَ قبلهَا لم يتَّجه دُخُوله النَّار بل هُوَ تَحت الْمَشِيئَة
وَإِن دخل لم يخلد
وَيتَعَلَّق بِهِ الْقصاص أَو الدِّيَة وَالْكَفَّارَة وَالتَّعْزِير فِي صور
وَيجْرِي فِي طرف وَغَيره
وَالْقَتْل هُوَ كل فعل عمد مَحْض مزهق للروح عُدْوانًا من حَيْثُ كَونه مزهقا
والعمد هُوَ قصد الْفِعْل والشخص بِمَا يقتل غَالِبا بجارح أَو مثقل
فَإِن فقد قصد أَحدهمَا بِأَن رمى شَجَرَة فَأَصَابَهُ
فخطأ
وَإِن قصدهما بِمَا لَا يقتل غَالِبا فَشبه عمد
وَمِنْه الضَّرْب بِالسَّوْطِ والعصى غرز الإبرة
فِي المقتل كالدماغ وَالْحلق
يَقْتَضِي الْقصاص
وَكَذَا فِي غير المقتل إِن تورم الْموضع وَبَقِي متألما إِلَى أَن مَاتَ وَإِن لم يظْهر مِنْهُ أثر وَمَات فِي الْحَال
فأقوى الْوَجْهَيْنِ أَنه لَا يتَعَلَّق بِهِ الْقصاص
وعَلى هَذَا فالأشبه أَنه شبه عمد
والغرز فِي جلدَة الْعقب وَمَا لَا يؤلم لَا أثر لَهُ بِحَال
وَلَو حَبسه فِي بَيت وَمنعه من الطَّعَام وَالشرَاب وَمنعه من الطّلب حَتَّى مَاتَ
فَإِن مَضَت مُدَّة يَمُوت مثله فِيهَا

(2/201)


غَالِبا من الْجُوع والعطش
تعلق بِهِ الْقصاص
وَإِلَّا فَإِن لم يكن جوع وَلَا عَطش سَابق
فَهُوَ شبه عمد
فَإِن كَانَ بِهِ بعض الْجُوع والعطش وَعلم الحابس الْحَال
فَعَلَيهِ الْقصاص
وَإِلَّا فَالْأَصَحّ الْمَنْع
وَإِذا أكره إِنْسَان إنْسَانا على قتل آخر بِغَيْر حق فَقتله وَجب على الْمُكْره الْقصاص
وَلَو شهد اثْنَان على إِنْسَان بوجب الْقصاص
فَحكم القَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا وَقتل
ثمَّ رجعا وَقَالا تعمدنا الْكَذِب
لزمهما الْقصاص إِلَّا إِذا اعْترف الْوَلِيّ أَنه كَانَ عَارِفًا بكذبهما فَلَا قصاص عَلَيْهِمَا
وَلَو أَضَافَهُ على طَعَام مَسْمُوم فَأَكله وَمَات لزمَه الْقصاص
وَإِذا أمسك إنْسَانا حَتَّى قَتله آخر أَو حفر بِئْرا فردى فِيهَا غَيره
قالقصاص على الْقَاتِل والمردي دون الممسك والحافر
وَلَو رمى إنْسَانا من شَاهِق فَتَلقاهُ متلق فَقده نِصْفَيْنِ
فالقصاص على المتلقي دون الملقي
وَلَو أَلْقَاهُ فِي مَاء فغرق أَو فالتقمه الْحُوت
وَجب الْقصاص على الملقي
وَلَو لم يكن المَاء مغرقا فالتقمه حوت
فَلَا قصاص
وَإِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا قتلوا بِهِ
وللولي أَن يقتل بَعضهم وَيَأْخُذ حِصَّة البَاقِينَ من الدِّيَة
وتوزع الدِّيَة على قدر رؤوسهم
وَإِن كَانَ أحد القاتلين مخطئا سقط الْقصاص عَن البَاقِينَ
وَيجب الْقصاص على شريك الْأَب وعَلى العَبْد إِذا شَارك الْحر فِي قتل العَبْد
وعَلى الذِّمِّيّ إِذا شَارك الْمُسلم فِي قتل الذِّمِّيّ
وعَلى شريك الْحَرْبِيّ فِي قتل الْمُسلم الذِّمِّيّ
وعَلى شريك الْجَارِح قصاصا
وعَلى شريك دَافع الصَّائِل
وَإِذا جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا بِقطع عُضْو أَو غَيره فَأسلم ثمَّ مَاتَ من تِلْكَ الْجراحَة
فَلَا قصاص وَلَا دِيَة
وَلَا ضَمَان على من جرح عبد نَفسه ثمَّ أعْتقهُ فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ
وَلَو رمى حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فَأسلم قبل وُصُول الرَّمية إِلَيْهِ ثمَّ أَصَابَهُ وَمَات فَلَا قصاص
وَلَكِن تجب دِيَة مُسلم
وَلَو جرح عبدا لغيره فَعتق ثمَّ مَاتَ بِالسّرَايَةِ
وَجب فِيهِ دِيَة حر مُسلم
فَإِذا كَانَت قيمَة العَبْد نَظِير دِيَة مُسلم أَو أقل
فَهِيَ للسَّيِّد جَمِيعهَا
وَإِن كَانَت الدِّيَة أَكثر
فللسيد قيمَة العَبْد
وَالْبَاقِي لوَرَثَة العَبْد

فصل وَيجب الْقصاص من الشجاج

وَهِي جراحات الْوَجْه وَالرَّأْس
فالموضحة الَّتِي توضح الْعظم لَا قصاص فِيمَا بعْدهَا من الهاشمة الَّتِي تهشم الْعظم

(2/202)


أَي تكسره
والمنقلة الَّتِي تنقل الْعظم
والمأمومة وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
والدامغة وَهِي الَّتِي تخرق الخريطة وَتصل إِلَى الدِّمَاغ
وَلَا قصاص على الْأَظْهر فِي الحارصة وَهِي الَّتِي تشق الْجلد قَلِيلا أَي تقطعه
والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم وَلَا تبلغ الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي بَين اللَّحْم والعظم
والسمحاق وَهِي الَّتِي تبلغ الْجلْدَة الفاصلة بَين الْعظم وَاللَّحم
وَفِي وجوب الْقصاص بِقطع بعض المارن وَالْأُذن من غير إبانة وَجْهَان
أظهرهمَا الْوُجُوب
وَيجب فِي الْقطع من المفاصل الْقصاص
وَيجب فِي فقء الْعين وَقطع الْأذن والجفن والشفة وَاللِّسَان وَالذكر والأنثيين والشفرين والأليتين الْقصاص
وَلَا قصاص فِي كسر الْعِظَام لَكِن للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ أَن يقطع أقرب مفصل إِلَى مَوضِع الْكسر وَيَأْخُذ الْحُكُومَة للْبَاقِي
وَلَو أوضح رَأسه من الهشم فَلهُ أَن يقْتَصّ فِي الْمُوَضّحَة
وَيَأْخُذ مَا بَين أرش الْمُوَضّحَة والهاشمة وَهُوَ خمس من الْإِبِل
وَإِذا أوضح رَأسه فَذهب ضوء عَيْنَيْهِ وَجب الْقصاص فِي الضَّوْء والموضحة جَمِيعًا
وَكَذَلِكَ لَو زَالَ بطشه أَو ذوقه أَو شمه
وَلَا يقطع الْيُمْنَى باليسرى وَلَا الشّفة الْعليا بالسفلى وَلَا السبابَة بالوسطى
وَلَا بِالْعَكْسِ وَلَا أُنْمُلَة إِصْبَع بأنملة أُخْرَى من تِلْكَ الْأَصَابِع وَلَا إِصْبَع زَائِدَة بزائدة أُخْرَى
وَإِذا اشْترك جمَاعَة فِي مُوضحَة
فيوزع عَلَيْهِم
ويوضح من كل وَاحِد بِالْقِسْطِ فِي وَجه
وَالثَّانِي يُوضح من كل وَاحِد مِنْهُم مثل تِلْكَ الْمُوَضّحَة
وَلَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء
وَلَو خَالف الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَقطع الصَّحِيحَة
لم يَقع فرضا
وَعَلِيهِ دِيَتهَا
وَلَو سرى فَعَلَيهِ قصاص النَّفس
وَحكم الذّكر الأشل وَالصَّحِيح حكم الْيَد الصَّحِيحَة والشلاء
وَيقطع الْأنف الصَّحِيح بالأنف الأخشم وَأذن السَّمِيع بأذن الْأَصَم
وَلَا تُؤْخَذ الْعين الصَّحِيحَة بالحدقة العمياء وَلَا لِسَان النَّاطِق بِلِسَان الْأَخْرَس

(2/203)


وَفِي السن الْقصاص
لَكِن عِنْد الْقلع دون الْكسر
وَإِن قلع سنّ صَغِير لم يثغر فَلَا قصاص فِي الْحَال وَلَا دِيَة
فَإِن جَاءَ وَقت نباتها وَنبت جَمِيع الْأَسْنَان وعادت وَلم تعد هِيَ وَقَالَ أهل الْخِبْرَة قد فسد المنبت
وَجب الْقصاص
لَكِن لَا يسْتَوْفى فِي صغره
وَالصَّحِيح أَن الْقصاص يسْتَحقّهُ جَمِيع الْوَرَثَة على فَرَائض الله تَعَالَى
فَإِن كَانَ بَعضهم غَائِبا انْتظر حُضُوره أَو مُرَاجعَته
وَإِن كَانَ بَعضهم صَبيا أَو مَجْنُونا انْتظر بُلُوغ الصَّبِي وإفاقة الْمَجْنُون
وَإِن انْفَرد صبي أَو مَجْنُون بِالِاسْتِحْقَاقِ انْتظر كَمَاله
وَلَا يَسْتَوْفِيه الْقيم بأَمْره
وَيحبس الْقَاتِل فِي هَذِه الصُّورَة وَلَا يخلى بالكفيل وليتفق مستحقو الْقصاص على وَاحِد أَو ليوكلوا أَجْنَبِيّا
فَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم
وَالْأَظْهَر أَنه يدْخل فِي الْقرعَة من عجز عَن الِاسْتِيفَاء كالشيخ وَالْمَرْأَة
فَإِذا خرجت لَهُ استناب
وَإِذا بَادر أحد الْوَرَثَة فَقتل الْجَانِي
فأصح الْقَوْلَيْنِ أَنه لَا يلْزمه الْقصاص
وللآخرين نصِيبهم
وَهل يأخذونه من شريكهم المبادر أَو من تَركه الْجَانِي الْأَصَح الثَّانِي
ثمَّ إِن كَانَت الْمُبَادرَة بعد عَفْو سَائِر الشُّرَكَاء أَو بَعضهم فَالْأَظْهر وجوب الْقصاص
وَلَيْسَ لمن يسْتَحق الْقصاص أَن يسْتَقلّ بِهِ بل يسْتَوْفى بِإِذن الإِمَام
فَإِن اسْتَقل عذر
وَإِذا رَاجع الإِمَام فَرَآهُ أَهلا فوض إِلَيْهِ قصاص النَّفس وَلَا يُفَوض إِلَيْهِ قصاص الطّرف
وَإِذا أذن لَهُ فِي ضرب الرَّقَبَة
فَأصَاب غَيرهَا عَامِدًا عذره وَلم يعزله
وَإِن قَالَ أَخْطَأت وَهُوَ مُحْتَمل فَلَا يعْذر
وَلَكِن يعْزل
وَأُجْرَة الجلاد على الْمُقْتَص مِنْهُ وللمستحق الاقتصاص على الْفَوْر
وَلَو التجأ الْجَانِي إِلَى الْحرم فَلهُ الِاسْتِيفَاء فِيهِ
وَلَا يُؤَخر لشدَّة الْحر وَالْبرد وَالْمَرَض
وَالْمَرْأَة الْحَامِل لَا يقْتَصّ مِنْهَا فِي النَّفس وَلَا فِي الطّرف حَتَّى تضع الْوَلَد وترضعه اللبأ
فَإِن لم يُوجد من ترْضِعه فيؤخر الِاسْتِيفَاء إِلَى أَن تُوجد مُرْضِعَة أَو إِلَى أَن ترْضِعه هِيَ حَوْلَيْنِ وتفطمه
وتحبس الْحَامِل فِي الِاسْتِيفَاء إِلَى أَن يُمكن الِاسْتِيفَاء
وَإِذا قتل بمحدد أَو غَيره من تخنيق أَو تحريق أَو تجويع اقْتصّ مِنْهُ بِمثلِهِ
وَلَو قَتله بِالسحرِ أَو بإسقائه الْخمر أَو باللواط اقْتصّ بِالسَّيْفِ

(2/204)


الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْقَاتِل لَا يخلد فِي النَّار
وَتَصِح تَوْبَته من الْقَتْل
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس وَزيد بن ثَابت وَالضَّحَّاك أَنه لَا تقبل لَهُ تَوْبَة
وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل نفسا مسلمة مكافئة لَهُ فِي الْحُرِّيَّة وَلم يكن الْمَقْتُول ابْنا للْقَاتِل
وَكَانَ فِي قَتله لَهُ مُتَعَمدا وَجب عَلَيْهِ الْقود
وَأَن السَّيِّد إِذا قتل عَبده
فَإِنَّهُ لَا يقتل بِهِ وَإِن تعمد
وَاتَّفَقُوا على أَن الْكَافِر إِذا قتل مُسلما قتل بِهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل مُسلم ذِمِّيا أَو معاهدا
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَا يقتل بِهِ وَقَالَ مَالك كَذَلِك إِلَّا أَنه اسْتثْنى
فَقَالَ إِن قتل ذِمِّيا أَو معاهدا أَو مستأمنا غيلَة قتل حتما
وَلَا يجوز للْوَلِيّ الْعَفو
لِأَنَّهُ تعلق قَتله بالافتيات على الإِمَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُسلم بالذمي لَا بالمستأمن
وَاتَّفَقُوا على أَن العَبْد يقتل بِالْحرِّ وَأَن العَبْد يقتل بِالْعَبدِ
وَاخْتلفُوا فِي الْحر إِذا قتل عبد غَيره
هَل يقتل بِهِ أم لَا فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل بِهِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الابْن إِذا قتل أحد أَبَوَيْهِ قتل بِهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل الْأَب ابْنه
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل بِهِ
وَقَالَ مَالك يقتل بِهِ بِمُجَرَّد الْقَصْد
كإضجاعه وذبحه
فَإِن حذفه بِالسَّيْفِ غير قَاصد لقَتله
فَلَا يقتل بِهِ
وَالْجد عِنْده فِي ذَلِك كَالْأَبِ
وَاتَّفَقُوا على أَن الْمَرْأَة تقتل بِالرجلِ وَالرجل يقتل بِالْمَرْأَةِ
وَاخْتلفُوا هَل يجْرِي الْقصاص بَين الرجل وَالْمَرْأَة فِيمَا دون النَّفس وَبَين العبيد بَعضهم على بعض فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجْرِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجْرِي

فصل وَالْجَمَاعَة إِذا اشْتَركُوا فِي قتل الْوَاحِد

هَل يقتلُوا بِهِ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل الْجَمَاعَة كلهم بِالْوَاحِدِ إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتثْنى من ذَلِك الْقسَامَة
فَقَالَ لَا يقتل بالقسامة إِلَّا وَاحِد
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كمذهب الْجَمَاعَة واختارها الْخرقِيّ
وَالْأُخْرَى لَا تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ
وَتجب الدِّيَة دون الْقود
وَهل تقطع الْأَيْدِي بِالْيَدِ قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تقطع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقطع
وَتُؤْخَذ دِيَة الْيَد من الْقَاطِع بالسواء
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا جرح رجلا عمدا
فلازم الْفراش حَتَّى مَاتَ
فَإِنَّهُ يقْتَصّ مِنْهُ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْقَتْل بمثقل كالخشبة الْكَبِيرَة وَالْحجر الْكَبِير الْغَالِب فِي مثله أَن يقتل
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يجب الْقصاص بذلك

(2/205)


وَلَا فرق بَين أَن يخدشه بِحجر أَو عَصا أَو يغرقه أَو يحرقه بالنَّار أَو يخنقه أَو يطين عَلَيْهِ بَيْتا
ويمنعه الطَّعَام وَالشرَاب حَتَّى يَمُوت جوعا أَو يضغطه أَو يهدم عَلَيْهِ بَيْتا
أَو يضْربهُ بِحجر عَظِيم أَو خَشَبَة عَظِيمَة محددة أَو غير محددة
وَبِذَلِك قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِنَّمَا الْقصاص عِنْد الْقَتْل بالنَّار أَو بالمحدد من الْحَدِيد أَو الْخَشَبَة المحددة أَو الْحجر المحدد
فَأَما إِن غرقه بِالْمَاءِ أَو قَتله بِحجر أَو خَشَبَة غير محددة فَإِنَّهُ لاقود
وَقَالَ الشَّافِعِي وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ لاقود إِلَّا فِي حَدِيد
وَلَو ضربه فاسود الْموضع أَو كسر عِظَامه فِي دَاخل الْجلد
فَعَن أبي حنيفَة فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
وَاخْتلفُوا فِي عمد الْخَطَأ
وَهُوَ أَن يتَعَمَّد الْفِعْل ويخطىء فِي الْقَصْد أَو يضْرب بِسَوْط لَا يقتل مثله غَالِبا أَو يلكزه أَو يلطمه لطما بليغا
فَفِي ذَلِك الدِّيَة دون الْقود عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
إِلَّا أَن الشَّافِعِي وَأحمد قَالَا إِن كرر الضَّرْب حَتَّى مَاتَ
فَعَلَيهِ الْقود
وَقَالَ مَالك بِوُجُوب الْقود فِي ذَلِك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أكره رجل رجلا على قتل آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل الْمُكْره دون الْمُبَاشر
وَقَالَ مَالك وَأحمد يقتل الْمُبَاشر
وَقَالَ الشَّافِعِي يقتل الْمُكْره بِكَسْر الرَّاء قولا وَاحِدًا
وَفِي قتل الْمُكْره بِفَتْح الرَّاء قَولَانِ
الرَّاجِح من مذْهبه أَن عَلَيْهِمَا الْقصاص جَمِيعًا
فَإِن كافأه أَحدهمَا فَقَط
فالقصاص عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِي صفة الْمُكْره
فَقَالَ مَالك إِذا كَانَ سُلْطَانا أَو متغلبا أَو سيدا مَعَ عَبده
أقيد بهما جَمِيعًا إِلَّا أَن يكون العَبْد أعجميا جَاهِلا بِتَحْرِيم ذَلِك
فَلَا يجب عَلَيْهِ الْقود
وَقَالَ الْبَاقُونَ يَصح الْإِكْرَاه من كل ذِي يَد عَادِية
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا أمسك رجل رجلا فَقتله آخر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ الْقود على الْقَاتِل دون الممسك
وَلم يُوجب على الممسك شَيْئا إِلَّا التَّعْزِير
وَقَالَ مَالك الممسك وَالْقَاتِل شريكان فِي الْقَتْل
فَيجب عَلَيْهِمَا الْقود إِذا كَانَ الْقَاتِل لَا يُمكنهُ قَتله إِلَّا بالإمساك وَكَانَ الْمَقْتُول لَا يقدر على الْهَرَب بعد الْإِمْسَاك
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه يقتل الْقَاتِل وَيحبس الممسك حَتَّى يَمُوت
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يقتلان جَمِيعًا على الْإِطْلَاق

فصل لَو شهدُوا بِالْقَتْلِ
ثمَّ رجعُوا عَن الشَّهَادَة بعد اسْتِيفَاء الْقصاص وَقَالُوا تعمدنا أَو جَاءَ الْمَشْهُود بقتْله حَيا
قَالَ أَبُو حنيفَة لاقود بل يجب دِيَة مُغَلّظَة
وَقَالَ الشَّافِعِي يجب الْقصاص
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ
وَاتَّفَقُوا على أَنهم لَو رجعُوا أَو قَالُوا أَخْطَأنَا لم يجب عَلَيْهِم قصاص
وَإِنَّمَا

(2/206)


تجب دِيَة
وَاخْتلفُوا فِي الْوَاجِب بقتل الْعمد هَل هُوَ معِين أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي إِحْدَى روايتيه الْوَاجِب معِين وَهُوَ الْقود
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى التَّخْيِير بَين الدِّيَة والقود
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا الْوَاجِب لَا بِعَيْنِه
وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَن الْوَاجِب الْقصاص عينا وَلَكِن لَهُ الْعُدُول إِلَى الدِّيَة
وَإِن لم يرض الْجَانِي
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَفَائِدَة الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه إِذا عَفا مُطلقًا سَقَطت الدِّيَة
وَلَو عَفا الْوَلِيّ عَن الْقصاص عَاد إِلَى الدِّيَة بِغَيْر رضى الْجَانِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ الْعُدُول إِلَى المَال إِلَّا برضى الْجَانِي
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد لَهُ ذَلِك مُطلقًا
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا عَفا رجل من أَوْلِيَاء الدَّم سقط الْقصاص
وانتقل الْأَمر إِلَى الدِّيَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا عفت الْمَرْأَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يسْقط الْقود
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك
فَنقل عَنهُ أَنه لَا مدْخل للنِّسَاء فِي الدَّم
وَنقل عَنهُ أَن لَهُنَّ مدْخل فِي الدِّمَاء كالرجال إِذا لم يكن فِي درجتهن عصبَة
فعلى هَذَا فَفِي أَي شَيْء لَهُنَّ مدْخل عَنهُ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا فِي الْقود دون الْعَفو
وَالثَّانيَِة فِي الْعَفو دون الْقود
وَاتَّفَقُوا على أَن الْأَوْلِيَاء الْبَالِغين الْمُسْتَحقّين إِذا حَضَرُوا وطلبوا الْقصاص لم يُؤَخر إِلَّا أَن يكون الْجَانِي امْرَأَة حَامِلا فتؤخر حَتَّى تضع
وعَلى أَنه إِذا كَانَ المستحقون صغَارًا أَو غائبين
فَإِن الْقصاص يُؤَخر إِلَّا أَبَا حنيفَة
فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصغار إِذا كَانَ لَهُم أَب استوفى الْقصاص وَلم يُؤَخر
وَلَو كَانَ من الْمُسْتَحقّين صغَار أَو غَائِب أَو مَجْنُون
فقد اتّفق الْأَئِمَّة على أَن الْقصاص يُؤَخر فِي مَسْأَلَة الْغَائِب
ثمَّ اخْتلفُوا فِي الصَّغِير وَالْمَجْنُون
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يُؤَخر الْقصاص لأجلهما
وَقَالَ الشَّافِعِي يُؤَخر الْقصاص حَتَّى يفِيق الْمَجْنُون ويبلغ الصَّغِير
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا أَنه يُؤَخر
وَالثَّانيَِة لَا يُؤَخر

فصل وَلَيْسَ للْأَب أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص
لوَلَده الْكَبِير بالِاتِّفَاقِ
وَهل لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه لوَلَده الصَّغِير قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَيْسَ لَهُ ذَلِك سَوَاء كَانَ شَرِيكا لَهُ أم لَا وَسَوَاء كَانَ فِي النَّفس أَو الطّرف
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي أظهر روايتيه لَيْسَ لَهُ أَن يَسْتَوْفِيه
وَاخْتلفُوا فِي الْوَاحِد يقتل الْجَمَاعَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْقود لجماعتهم وَلَا يجب عَلَيْهِ شَيْء آخر
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن قتل وَاحِدًا بعد وَاحِد
قتل

(2/207)


بِالْأولِ
وللباقين الدِّيات
وَإِن قَتلهمْ فِي حَالَة وَاحِدَة أَقرع بَين أَوْلِيَاء المقتولين
فَمن خرجت قرعته قتل لَهُ وللباقين الدِّيات
وَقَالَ أَحْمد إِذا قتل وَاحِد جمَاعَة
فَحَضَرَ الْأَوْلِيَاء وطلبوا الْقصاص قتل لجماعتهم
وَلَا دِيَة عَلَيْهِ
وَإِن طلب بَعضهم الْقصاص وَبَعْضهمْ الدِّيَة
قتل لمن طلب الْقصاص
وَوَجَبَت الدِّيَة لمن طلبَهَا
وَإِن طلبُوا الدِّيَة كَانَ لكل وَاحِد دِيَة كَامِلَة

فصل وَلَو جنى رجل على رجل
فَقطع يَده الْيُمْنَى
ثمَّ على آخر فَقطع يَده الْيُمْنَى ثمَّ طلبا مِنْهُ الْقصاص
فَقَالَ أَبُو حنيفَة تقطع يَمِينه بهما وَتُؤْخَذ مِنْهُ دِيَة أُخْرَى لَهما
وَقَالَ مَالك يقطع يَمِينه بهما
وَلَا دِيَة عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي تقطع يَمِينه للْأولِ وَيغرم الدِّيَة للثَّانِي
فَإِن كَانَ قطع يديهما مَعًا أَقرع بَينهمَا كَمَا قَالَ فِي النَّفس
وَكَذَا إِن اشْتبهَ الْأَمر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن طلبا الْقصاص قطع لَهما وَلَا دِيَة
وَإِن طلب أَحدهمَا الْقصاص وَأَحَدهمَا الدِّيَة قطع لمن طلب الْقصاص وَأخذت الدِّيَة للْآخر
وَلَو قتل مُتَعَمدا ثمَّ مَاتَ
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يسْقط حق ولي الدَّم من الْقصاص وَالدية جَمِيعًا
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تبقى الدِّيَة فِي تركته لأولياء الْمَقْتُول
وَاتَّفَقُوا على أَن الإِمَام إِذا قطع السَّارِق فسرى ذَلِك إِلَى نَفسه أَنه لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطعه مقتص فسرى إِلَى نَفسه
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد السَّرَايَة غير مَضْمُونَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ مَضْمُونَة تتحملها عَاقِلَة الْمُقْتَص
وَلَو قطع ولي الْمَقْتُول يَد الْقَاتِل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن عَفا عَنهُ الْوَلِيّ غرم دِيَة يَده وَإِن لم يعف لم يلْزمه شَيْء
وَقَالَ مَالك تقطع يَده بِكُل حَال عَفا عَنهُ الْوَلِيّ أَو لم يعف
وَقَالَ أَحْمد يلْزمه دِيَة الْيَد فِي مَاله بِكُل حَال
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا تقطع الْيَد الصَّحِيحَة بالشلاء وَلَا يَمِين بيسار وَلَا يسَار بِيَمِين
وَاخْتلفُوا هَل يسْتَوْفى الْقصاص فِيمَا دون النَّفس قبل الِانْدِمَال أَو بعده فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد لَا يسْتَوْفى إِلَّا بعد الِانْدِمَال
وَقَالَ الشَّافِعِي يسْتَوْفى فِي الْحَال
وَاخْتلفُوا فِيمَا يسْتَوْفى بِهِ الْقصاص من الْآلَة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَوْفى إِلَّا بِالسَّيْفِ
سَوَاء قتل بِهِ أَو بِغَيْرِهِ
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل بِمثل مَا قتل بِهِ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَاتَّفَقُوا على أَن من قتل فِي الْحرم جَازَ قَتله
وَاخْتلفُوا فِيمَن قتل خَارج الْحرم ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم أَو وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل لكفر أَو زنى أَو وردة ثمَّ لَجأ إِلَى الْحرم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يقتل فِيهِ
وَلَكِن يضيق عَلَيْهِ فَلَا يُبَايع وَلَا يشارى حَتَّى يخرج مِنْهُ فَيقْتل
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يقتل فِي الْحرم
انْتهى

(2/208)


بَاب كَيْفيَّة الْقصاص ومستوفيه وَالْخلاف فِيهِ
الْقصاص فِيمَا دون النَّفس شَيْئَانِ جرح يشق
وطرف يقطع
وَالْقصاص يجب فِيمَا دون النَّفس من الجروح والأعضاء
لقَوْله تَعَالَى {وكتبنا عَلَيْهِم فِيهَا أَن النَّفس بِالنَّفسِ وَالْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ والجروح قصاص}
وَلما رُوِيَ أَن الرّبيع بنت معوذ وَقيل بنت أنس كسرت ثنية جَارِيَة من الْأَنْصَار
فعرضوا عَلَيْهِم الْأَرْش فَلم يقبلُوا
وطلبوا الْعَفو فَأَبَوا
فَأتوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَأمر بِالْقصاصِ
فَقَالَ أنس بن النَّضر وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ نَبيا لَا تكسر ثنيتها
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتاب الله الْقصاص
فَعَفَا الْقَوْم
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن من عباد الله من لَو أقسم على الله لَأَبَره
وَلِأَن الْقصاص فِي النَّفس إِنَّمَا جعل لحفظ النُّفُوس
وَهَذَا مَوْجُود فِيمَا دون النَّفس
فعلى هَذَا كل شَخْصَيْنِ جرى الْقصاص بَينهمَا فِي النَّفس جرى الْقصاص بَينهمَا فِيمَا دون النَّفس
فتقطع يَد الْحر الْمُسلم بيد الْحر الْمُسلم وَيَد الْكَافِر بيد الْكَافِر وَيَد الْمَرْأَة بيد الْمَرْأَة
وَهَذَا إِجْمَاع
وتقطع يَد الْمَرْأَة بيد الرجل وَيَد الرجل بيد الْمَرْأَة وَيَد العَبْد بيد الْحر وَالْعَبْد على خلاف فِيهِ
والأطراف الْمقدرَة إِذا صدر الصُّلْح على الدِّيَة فِيهَا هِيَ الأول مِنْهَا الأذنان
ففيهما على الْمَذْهَب وَلَو من أَصمّ دِيَة وَاحِدَة نصف دِيَة
وَفِي بعضه بِقسْطِهِ بِقدر مساحته
وَلَو أيبسهما فديَة
وَفِي قَول حُكُومَة
الثَّانِي العينان
ففيهما دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَلَو عين أَحول وأعمش وأعشى وأخفش
وَكَذَا من بِعَيْنِه بَيَاض لَا ينقص الضَّوْء
وَكَذَا فِي الْقصاص
فَإِن نقصت فبقسطه
فَإِن لم يَنْضَبِط فَحُكُومَة
الثَّالِث الأجفان الْأَرْبَعَة
وفيهَا دِيَة
وَفِي كل جفن ربعهَا وَلَو من أعمى وأعمش
وَفِي بعضه بِقسْطِهِ
وَفِي يَابِس حُكُومَة
الرَّابِع الْأنف
فَفِي الْأنف وَهُوَ مالان من الْأنف دِيَة فِي كل من طَرفَيْهِ فِي المارن ثلث الدِّيَة
وَفِي الحاجز حُكُومَة
وَفِيهِمَا دِيَة
الْخَامِس الشفتان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَفِي بَعْضهَا بِقسْطِهِ
وَهِي فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين
وَفِي طوله من جَوف الْفَم إِلَى مَا يستر اللِّحْيَة فِي

(2/209)


الْأَصَح وَلَو شقّ شفته وَلم يبْق مِنْهَا شَيْء فَحُكُومَة أَو قطع مشقوقة فديَة أَو نَاقِصَة فَحُكُومَة
السَّادِس اللِّسَان
وَفِيه دِيَة
وَلَو ألكن ومبرسم وأرت وألثغ وطفل
وَلَو بلغ الطِّفْل فِي وَقت النُّطْق أَو التحريك وَلم يُوجد
فَحُكُومَة
السَّابِع الْأَسْنَان
وَفِي كل سنّ لذكر حر مُسلم خَمْسَة أَبْعِرَة بِشَرْط كَونهَا أَصْلِيَّة تَامَّة مثغورة غير مقلقلة
وَفِي سنّ زَائِدَة حُكُومَة
وَلَو قلع سنّ صَغِير لم يثغر وَمَضَت مُدَّة يتَوَقَّع فِيهَا الْعود وَلم تعد وَفَسَد المنبت وَجب قصاص أَو دِيَة
فَإِن مَاتَ قبل النَّبَات فَحُكُومَة
وَلَو قلع سنّ صَغِير فطلع بَعْضهَا وَمَات قبل أَن يتم نباتها فَحُكُومَة
الثَّامِن اللحيان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَالصَّحِيح أَنه تكمل الدِّيَة فِي بسيط الْأَصَابِع
وَفِي كل إِصْبَع عشرَة أَبْعِرَة
وَفِي أُنْمُلَة ثلثهَا وَفِي أُنْمُلَة إِبْهَام نصفهَا
التَّاسِع الرّجلَانِ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
والأعرج وَكَذَا إِن تعطل مشيها بِكَسْر الفقار فِي الْأَصَح
الْعَاشِر حلمتا الْمَرْأَة
وَفِيهِمَا دِيَتهَا
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
والحلمة الْمُجْتَمع الناتىء على الثدي يُخَالف لَونه لون الثدي غَالِبا وبجوانبها دارة على لَوْنهَا
وَهِي من الثدي لَا من الحلمة
فَلَو قطع الثدي مَعَ الحلمة لم يجز إِلَّا دِيَة
وَلَو قطع مَعَ الثدي جلدَة الصَّدْر وَجَبت حُكُومَة فِي الْجلد أَيْضا
وَفِي حلمة الرجل حُكُومَة
وَفِي قَول دِيَة
وَفِي حلمتي الْخُنْثَى حُكُومَة على الْأَظْهر
الْحَادِي عشر الذّكر
وَفِيه دِيَة
وَلَو لشيخ وصغير وعنين وَخصي وَغَيرهم
وَفِي أشل حُكُومَة
وَلَو ضربه فشل فديَة وحشفة كَذَلِك
وَبَعضهَا بِقسْطِهِ مِنْهَا
وَقيل من الذّكر
الثَّانِي عشر الْأُنْثَيَيْنِ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
الثَّالِث عشر الأليتان
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا
وَفِي بَعْضهَا بِقسْطِهِ إِن عرف قدره وَضَبطه وَإِلَّا فَحُكُومَة
والألية الشَّيْء الناتىء على اسْتِوَاء الظّهْر والفخذ
وَلَا نظر إِلَى اخْتِلَاف قدره
وَلَا يشْتَرط وُصُول إِلَى الْعظم وَلَو نَبتَت الألية والتحم الْموضع لم تسْقط الدِّيَة على الْمَذْهَب
الرَّابِع عشر الشفران
وهما اللحمان الملتقيان على المنفذ
وَفِيهِمَا دِيَة
وَفِي

(2/210)


أَحدهمَا نصفهَا وَلَو ضربهما فشلا فديَة
وَلَو قطع مَعَهُمَا عانتها فَحُكُومَة أَيْضا
الْخَامِس عشر سلخ الْجلد إِن بَقِي حَيَاة مُسْتَقِرَّة وحز غير السالخ رقبته
فَفِيهِ دِيَة
فَلَو قطع يَدَاهُ وسلخ رجل الْجلد وزعت مساحة الْجلد على جَمِيع الْبدن
فَمَا خص الْيَدَيْنِ حط من دِيَتهمَا
وعَلى هَذَا لَو قطع يَدَاهُ ثمَّ سلخ آخر جلده
لزم السالخ دِيَة الْجلد إِلَّا قسط الْيَدَيْنِ
وَفِي الترقوتين حُكُومَة على الْمَذْهَب كالضلع وَسَائِر الْعِظَام

فصل فِي إِزَالَة الْمَنَافِع
الأول الْعقل
فِيهِ دِيَة لَا قصاص
فَلَو قطع يَدَاهُ وَرجلَاهُ فَزَالَ عقله
وَجب ثَلَاث ديات
وَإِن انتظم قَوْله وَفعله صدق الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَإِن لم يَنْتَظِم قَوْله وَفعله فَلهُ دِيَة بِلَا يَمِين
الثَّانِي السّمع
وَفِيه دِيَة
وَمن أذن نصفهَا وَلَو أَزَال أُذُنَيْهِ وسمعيه فديتان
الثَّالِث الْبَصَر
وَفِي إذهابه من الْعَينَيْنِ دِيَة
وَفِي إِحْدَاهمَا نصفهَا وَلَو من أَحول وأعمش وَنَحْوهمَا
وَلَو فَقَأَ عَيْنَيْهِ لم يجب إِلَّا دِيَة
وَلَا يقبل فِي إذهاب الْبَصَر عمدا إِلَّا رجلَانِ أَو خطأ فَرجل وَامْرَأَتَانِ
وَإِن نقص ضوء الْعَينَيْنِ وَعرف قدره فبقسط الذَّاهِب من الدِّيَة وَإِلَّا فَحُكُومَة عِنْد الْأَكْثَر بِاجْتِهَاد القَاضِي
الرَّابِع الشم
وَفِيه دِيَة على الصَّحِيح
وَمن منخر نصفهَا
وَلَو قطع أَنفه فَذهب شمه وَجَبت ديتان
فَإِن عَاد استردت الدِّيَة
فَإِن ادّعى ذَهَابه وَأنكر الْجَانِي يزعج فِي خلواته
فَإِن لم يظْهر مِنْهُ شَيْء حلف كأخرس
وَأديت دِيَة
وَفِي بعض الْحُرُوف قسط من الدِّيَة
والموزع عَلَيْهِ ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ حرفا فِي لُغَة الْعَرَب

فصل والحكومة جُزْء نسبته إِلَى دِيَة
النَّفس وَقيل إِلَى عُضْو الْجِنَايَة نِسْبَة نَقصهَا من قِيمَته لَو كَانَ رَقِيقا بصفاته
وجنسها إبل
فَإِن كَانَت مقدرَة شَرط أَن لَا تبلع مقدرَة
فَإِن بلغته نقص القَاضِي شَيْئا بِاجْتِهَادِهِ
وَيجوز أَن تبلغ حُكُومَة الْكَفّ دِيَة إِصْبَع فِي الْأَصَح

فصل فِي نفس الرَّقِيق
قِيمَته وَلَو مُدبرا ومكاتبا وَأم ولد
وَفِي غَيرهَا مَا نقص
وَإِن لم تتقدر من الْحر وَإِلَّا فبنسبته من قِيمَته فِي الْأَظْهر
فَفِي يَده نصف قِيمَته
وَفِي يَدَيْهِ كلهَا وَفِي ذكره وأنثييه قيمتان

(2/211)


وَهَكَذَا
فَلَو لم تنقص الْقيمَة بِقطع الذّكر والأنثيين أَو ازدادت لم يجب شَيْء فِي الْأَصَح

بَاب مُوجبَات الدِّيَة والعاقلة وَالْكَفَّارَة
الْعقل اسْم للدية
وَسميت الدِّيَة الْعقل لِأَنَّهَا تعقل بِبَاب ولي الْمَقْتُول
والعصبة الَّذين يتحملون الدِّيَة يسمون الْعَاقِلَة وَإِنَّمَا سموا بذلك لأَنهم يأْتونَ بِالدِّيَةِ فيعقلونها عِنْد بَاب ولي الْمَقْتُول
وَقيل لأَنهم يمْنَعُونَ من الْقَاتِل
وَالْعقل الْمَنْع
وَلذَلِك سمي الْعقل عقلا لِأَنَّهُ يمْنَع صَاحبه من فعل الْقَبِيح
وَالْأَصْل فِي وجوب الْكَفَّارَة فِي الْقَتْل قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ الله عليما حكيما} فَذكر الله تَعَالَى فِي الْآيَة ثَلَاث كَفَّارَات
إِحْدَاهُنَّ إِذا قتل مُسلما فِي دَار الْإِسْلَام
لقَوْله تَعَالَى {وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة}
الثَّانِيَة إِذا قتل مُؤمنا فِي دَار الْحَرْب بِأَن كَانَ أَسِيرًا فِي صفهم أَو مُقيما بِاخْتِيَارِهِ لقَوْله تَعَالَى {فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة} وَمَعْنَاهُ فِي قوم عَدو لكم
وَقد تقدم بَيَانه
الثَّالِثَة إِذا قتل ذِمِّيا لقَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة} وَظَاهر الْآيَة أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يقْتله عمدا وَله أَن يقْتله خطأ
لِأَن الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي إِثْبَات
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَلَا خلاف بَين أهل الْعلم أَن قتل الْخَطَأ محرم كَقَتل الْعمد إِلَّا أَن قتل الْعمد يتَعَلَّق بِهِ الْإِثْم وَقتل الْخَطَأ لَا إِثْم عَلَيْهِ

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اخْتلف الْعلمَاء رَحِمهم الله تَعَالَى فِيمَا إِذا صَاح بصبي أَو معتوه وهما على سطح أَو حَائِط
فَوَقع فَمَاتَ
أَو ذهب عقل الصَّبِي أَو عقل الْبَالِغ
فصاح بِهِ فَسقط
وَإِذا بعث الإِمَام إِلَى امْرَأَة يستدعيها إِلَى مجْلِس الحكم
فأجهضت جَنِينا فَزعًا أَو زَالَ عقلهَا

(2/212)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان فِي شَيْء من ذَلِك على أحد
وَقَالَ الشَّافِعِي الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة إِلَّا فِي حق الْبَالِغ
فَإِنَّهُ لَا ضَمَان على الْعَاقِلَة فِيهِ
وَمن أَصْحَابه من أوجب أَيْضا الضَّمَان فِيهِ
وَهُوَ ابْن أبي هُرَيْرَة
وَقَالَ أَحْمد الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة
وعَلى الإِمَام فِي حق المستدعاة
وَقَالَ مَالك الدِّيَة فِي ذَلِك كُله على الْعَاقِلَة مَا عدا الْمَرْأَة
فَإِنَّهُ لَا دِيَة فِيهَا على أحد
وَاخْتلفُوا فِي الْمَرْأَة إِذا ضرب أحد بَطنهَا فَأَلْقَت جَنِينا مَيتا ثمَّ مَاتَت
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا ضَمَان لأجل الْجَنِين
وعَلى من ضربهَا الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي ذَلِك الدِّيَة كَامِلَة
وغرة الْجَنِين
وَاخْتلفُوا فِي قيمَة جَنِين الْأمة إِذا كَانَ مَمْلُوكا
فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِيهِ عشر قيمَة أمه سَوَاء كَانَ ذكرا أَو أُنْثَى
وَتعْتَبر قيمَة الْأُم يَوْم جني عَلَيْهَا
وَأما جَنِين أم الْوَلَد من مَوْلَاهَا فَفِيهِ غرَّة تكون قيمتهَا نصف عشر دِيَة الْأَب
وَكَذَلِكَ فِي جَنِين الذِّمِّيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ مُسلما ولجنين الْكِتَابِيَّة إِذا كَانَ أَبوهُ مجوسيا قيمتهَا نصف عشر قِيمَته
وَفِي الْأُنْثَى الْعشْر وَيعرف عشر دِيَة الْأُم اعْتِبَارا بأوفى الديتين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي الذّكر نصف عشر قِيمَته
وَفِي الْأُنْثَى الْعشْر
وَلم يفرق
وَاخْتلفُوا فِيمَن حفر بِئْرا فِي فنَاء دَاره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يضمن مَا هلك فِيهَا
وَقَالَ مَالك لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَن بسط بَارِية فِي الْمَسْجِد أَو حفر فِيهِ بِئْرا لمصلحته أَو علق قِنْدِيلًا فَعَطب بذلك أَو بِشَيْء مِنْهُ إِنْسَان
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يَأْذَن لَهُ الْجِيرَان فِي ذَلِك ضمن
وَعَن الشَّافِعِي فِي الضَّمَان وَإِسْقَاط قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا ضَمَان
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَهِي أظهرهمَا
وَالْأُخْرَى يضمن
وَلَا خلاف أَنه لَو بسط فِيهِ الْحَصِير
فزلق بِهِ إِنْسَان أَنه لَا ضمار عَلَيْهِ
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا ترك فِي دَاره كَلْبا عقورا فَدخل فِي دَاره إِنْسَان وَقد علم أَن ثمَّ كَلْبا عقورا فعقره
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لَا ضَمَان عَلَيْهِ على الْإِطْلَاق
وَقَالَ مَالك عَلَيْهِ الضَّمَان بِشَرْط أَن لَا يكون صَاحب الدَّار يعلم أَنه عقور
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي أظهرهمَا لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى يضمن سَوَاء علم أَنه عقور أم لَا

(2/213)


فصل وَاتَّفَقُوا على أَن الدِّيَة
فِي قتل الْخَطَأ على عَاقِلَة الْجَانِي
وَأَنَّهَا تجب عَلَيْهِم مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَاخْتلفُوا هَل يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة فَيُؤَدِّي مَعَهم فَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ كَأحد الْعَاقِلَة يلْزمه مَا يلْزم أحدهم
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك
فَقَالَ ابْن الْقَاسِم كَقَوْل أبي حنيفَة
وَقَالَ غَيره لَا يدْخل الْجَانِي مَعَ الْعَاقِلَة
وَقَالَ الشَّافِعِي إِن اتسعت الْعَاقِلَة أَو لم تتسع وعَلى هَذَا إِذا لم تتسع الْعَاقِلَة لتحمل جَمِيع الدِّيَة انْتقل ذَلِك إِلَى بَيت المَال
وَإِن كَانَ الْجَانِي من أهل الدِّيوَان
فَهَل يلْحق أهل ديوانه بالعصبة فِي الدَّم أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة ديوانه عَاقِلَته ويقدمون على الْعصبَة فِي التَّحَمُّل
فَإِن عدموا فَحِينَئِذٍ تتحمل الْعصبَة
وَكَذَا عَاقِلَة السوقي أهل سوقه ثمَّ قرَابَته
فَإِن عجزوا فَأهل محلته
فَإِن لم تتسع فَأهل بلدته
وَإِن كَانَ الْجَانِي من أهل الْقرى وَلم يَتَّسِع فالمصر الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقرْيَة من سوَاده
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا مدْخل لَهُم فِي الدِّيَة إِذا لم يَكُونُوا أقَارِب الْجَانِي
وَاخْتلفُوا فِيمَا تحمله الْعَاقِلَة من الدِّيَة
هَل هُوَ مُقَدّر
أم هُوَ على قدر الطَّاقَة وَالِاجْتِهَاد فَقَالَ أَبُو حنيفَة يسوى بَين جَمِيعهم
فَيُؤْخَذ من ثَلَاثَة دَرَاهِم إِلَى أَرْبَعَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَيْسَ فِيهِ مُؤَقّت وَإِنَّمَا هُوَ بِحَسب التسهيل وَلَا يضر بِهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي يتَقَدَّر فَيُوضَع على الْغَنِيّ نصف دِينَار وعَلى متوسط الْحَال ربع دِينَار وَلَا ينقص من ذَلِك
وَهل يَسْتَوِي الْفَقِير والغني من الْعَاقِلَة فِي تحمل الدِّيَة أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يستويان
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد يتَحَمَّل الْغَنِيّ زِيَادَة على الْمُتَوَسّط
وَالْغَائِب من الْعَاقِلَة هَل يحمل شَيْئا من الدِّيات كالحاضر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هما سَوَاء
وَقَالَ مَالك لَا يتَحَمَّل الْغَائِب مَعَ الْحَاضِر شَيْئا إِذا كَانَ الْغَائِب من الْعَاقِلَة فِي إقليم آخر سوى الإقليم الَّذِي فِيهِ بَقِيَّة الْعَاقِلَة
وَيضم إِلَيْهِم أقرب الْقَبَائِل مِمَّن هُوَ محَارب مَعَهم
وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين
وَاخْتلفُوا فِي تَرْتِيب التَّحَمُّل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقَرِيب والبعيد فِيهِ سَوَاء
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تَرْتِيب التَّحَمُّل على تَرْتِيب الْأَقْرَب من الْعَصَبَات
فَإِن استغرقوه لم يقسم على غَيرهم
فَإِن لم يَتَّسِع الْأَقْرَب لتحمله دخل الْأَبْعَد
وَهَكَذَا حَتَّى يدْخل فيهم أبعدهم دَرَجَة على حسب الْمِيرَاث
وَابْتِدَاء حول الْعقل هَل يعْتَبر بِالْمَوْتِ أَو بِحكم

(2/214)


الْحَاكِم قَالَ أَبُو حنيفَة اعْتِبَاره من حِين حكم الْحَاكِم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد من حِين الْمَوْت
وَمن مَاتَ من الْعَاقِلَة بعد الْحول هَل يسْقط مَا كَانَ يلْزمه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط وَلَا يُؤْخَذ من تركته
وَأما مَذْهَب مَالك فَقَالَ ابْن الْقَاسِم يجب فِي مَاله وَيُؤْخَذ من تركته
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه ينْتَقل مَا عَلَيْهِ إِلَى تركته

فصل إِذا مَال حَائِط إِنْسَان
إِلَى طَرِيق أَو إِلَى ملك غَيره ثمَّ وَقع على شخص فَقتله
فَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن طُولِبَ بِالنَّقْضِ فَلم يفعل مَعَ التَّمَكُّن
ضمن مَا تلف بِسَبَبِهِ وَإِلَّا فَلَا يضمن
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيهما إِن تقدم إِلَيْهِ بنقضه فَلم ينْقضه
فَعَلَيهِ الضَّمَان
زَاد مَالك وَأشْهد عَلَيْهِ
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَنه إِذا بلغ من شدَّة الْخَوْف إِلَى مَا لَا يُؤمن مَعَه الْإِتْلَاف ضمن مَا تلف بِهِ سَوَاء تقدم أم لَا وَسَوَاء أشهد أم لَا
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى وَهِي الْمَشْهُورَة أَنه لَا يضمن مُطلقًا
ولأصحاب الشَّافِعِي فِي الضَّمَان وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يضمن

فصل وَاتَّفَقُوا على وجوب الْكَفَّارَة
فِي قتل الْخَطَأ إِذا لم يكن الْمَقْتُول ذِمِّيا وَلَا عبدا
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ ذِمِّيا أَو عبدا
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب الْكَفَّارَة فِي قتل الذِّمِّيّ على الْإِطْلَاق وَفِي قتل العَبْد الْمُسلم على الْمَشْهُور
وَقَالَ مَالك لَا تجب الْكَفَّارَة فِي قتل الذِّمِّيّ
وَهل تجب فِي قتل الْعمد قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا تجب
وَقَالَ الشَّافِعِي تجب
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ كالمذهبين
وَلَو قتل الْكَافِر مُسلما خطأ
فَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لَهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَهل تجب الْكَفَّارَة على الصَّبِي وَالْمَجْنُون إِذا قتلا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب
وَاتَّفَقُوا على أَن كَفَّارَة الْخَطَأ عتق رَقَبَة مُؤمنَة
فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين
وَاخْتلفُوا فِي الْإِطْعَام
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه لَا يجزىء الْإِطْعَام فِي ذَلِك
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد أَنه يجزىء
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا إطْعَام
وَهل تجب الْكَفَّارَة على الْقَاتِل بِسَبَب تعديه كحفر الْبِئْر وَنصب السكين وَوضع الْحجر فِي الطَّرِيق قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد تجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب مُطلقًا
وَإِن كَانُوا قد أَجمعُوا على وجوب الدِّيَة فِي ذَلِك
انْتهى

(2/215)