جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود

كتاب الدِّيات

وَمَا يتَعَلَّق بهَا من الْأَحْكَام
تجب الدِّيَة بقتل الْمُسلم وَالذِّمِّيّ
وَالْأَصْل فِيهِ من الْكتاب قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن أَن يقتل مُؤمنا إِلَّا خطأ وَمن قتل مُؤمنا خطأ فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة ودية مسلمة إِلَى أَهله إِلَّا أَن يصدقُوا فَإِن كَانَ من قوم عَدو لكم وَهُوَ مُؤمن فَتَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة وَإِن كَانَ من قوم بَيْنكُم وَبينهمْ مِيثَاق فديَة مسلمة إِلَى أَهله وتحرير رَقَبَة مُؤمنَة فَمن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين تَوْبَة من الله وَكَانَ الله عليما حكيما} وَقد تقدم بَيَانهَا
وَمن السّنة مَا روى أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل الْيَمين وَفِي النَّفس مائَة من الْإِبِل وَهُوَ إِجْمَاع لَا خلاف فِيهِ
فَإِن كَانَت الدِّيَة فِي الْعمد الْمَحْض أَو فِي شبه الْعمد وَجَبت مائَة مُغَلّظَة
وَهِي ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة والخلفة الْحَامِل
بِدَلِيل مَا روى عبَادَة ابْن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ أَلا إِن فِي الدِّيَة الْعُظْمَى مائَة من الْإِبِل مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ دِيَة شبه الْعمد ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
فَإِن قيل فَمَا معنى قَوْله مِنْهَا أَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَقد علم أَن الخلفة لَا تكون إِلَّا حَامِلا قُلْنَا لَهُ تَأْوِيلَانِ

(2/216)


أَحدهمَا أَنه أَرَادَ التَّأْكِيد فِي الْكَلَام
وَذَلِكَ جَائِز
كَقَوْلِه تَعَالَى {فَصِيَام ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رجعتم تِلْكَ عشرَة كَامِلَة}
وَالثَّانِي أَن الخلفة اسْم للحامل الَّتِي لم تضع
وَاسم للَّتِي وضعت ويتبعها وَلَدهَا
فَأَرَادَ أَن يُمَيّز بَينهمَا
وَإِن كَانَت الْجِنَايَة خطأ وَلم يكن الْقَتْل فِي الْحرم وَلَا فِي الْأَشْهر الْحرم وَلَا كَانَ الْمَقْتُول ذَا رحم محرم للْقَاتِل فَإِن الدِّيَة تكون مُخَفّفَة أَخْمَاسًا
وَهِي مائَة من الْإِبِل عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
بِدَلِيل مَا روى مُجَاهِد عَن ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بدية الْخَطَأ مائَة من الْإِبِل عشرُون بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَإِن كَانَ قتل الْخَطَأ فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم وَهِي رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم أَو كَانَ الْمَقْتُول ذَا رحم محرم للْقَاتِل كَانَت دِيَة الْخَطَأ مُغَلّظَة كدية الْعمد
بِدَلِيل أَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم غلظوا فِي دِيَة الْخَطَأ فِي هَذِه الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة
وَعَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من قتل فِي الْحرم أَو فِي الْأَشْهر الْحرم أَو ذَا رحم محرم
فَعَلَيهِ دِيَة وَثلث
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ أَن امْرَأَة وطِئت فِي الطّواف فَمَاتَتْ
فَقضى أَن دِيَتهَا سِتَّة آلَاف دِرْهَم
وألفا دِرْهَم للحرم
وروى ابْن جُبَير أَن رجلا قتل رجلا فِي الْبَلَد الْحَرَام فِي الشَّهْر الْحَرَام
فَقَالَ ابْن عَبَّاس دِيَته اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَأَرْبَعَة آلَاف تَغْلِيظًا للشهر الْحَرَام وَأَرْبَعَة آلَاف للبلد الْحَرَام فكملها عشْرين ألفا
وَلَا مُخَالف لَهُم من الصَّحَابَة
وَإِن قتل خطأ فِي حرم الْمَدِينَة
فَهَل تتغلظ الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تغلظ كَمَا تغلظ فِي الْبَلَد الْحَرَام
فَإِنَّهُ كالحرم فِي تَحْرِيم الصَّيْد
فَكَانَ كالحرم فِي تَغْلِيظ دِيَة الْخَطَأ
وَالثَّانِي لَا تغلظ وَهُوَ الْأَصَح لِأَنَّهُ دون الْحرم
بِدَلِيل أَنه يجوز قَصده بِغَيْر إِحْرَام
فَلم يلْحق بِهِ فِي الْحُرْمَة وَلَا فِي تَغْلِيظ الدِّيَة

(2/217)


الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن دِيَة الْمُسلم الْحر الذّكر مائَة من الْإِبِل فِي مَال الْقَاتِل الْعَامِد إِذا عدل إِلَى الدِّيَة
ثمَّ اخْتلفُوا هَل هِيَ مُؤَجّلَة فِي ثَلَاث سِنِين وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْعَمَل
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه هِيَ أَربَاع
لكل سنّ من أَسْنَان الْإِبِل مِنْهَا خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَمثلهَا بنت لبون وَمثلهَا حقاق وَمثلهَا جذاع
وَقَالَ الشَّافِعِي تُؤْخَذ مُثَلّثَة ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
أَي حوامل
وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَته الْأُخْرَى
وَأما دِيَة شبه الْعمد فَهِيَ مثل دِيَة الْعمد الْمَحْض عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك
وَأما دِيَة الْخَطَأ فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد هِيَ مخمسة عشرُون جَذَعَة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض
وَبِذَلِك قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُمَا جعلا مَكَان ابْن مَخَاض ابْن لبون

فصل وَاخْتلفُوا فِي الدَّنَانِير وَالدَّرَاهِم

هَل يجوز أَن تُؤْخَذ فِي الدِّيات أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يجوز أَخذهَا فِي الدِّيات مَعَ وجود الْإِبِل
وعنهما رِوَايَتَانِ
وَهل هِيَ أصل بِنَفسِهَا أم الأَصْل الْإِبِل وَالذَّهَب
وَالدَّرَاهِم وَالْفِضَّة بدل عَنْهَا قَالَ مَالك هِيَ أصل بِنَفسِهَا مقدرَة بِالشَّرْعِ
وَلم يَعْتَبِرهَا بِالْإِبِلِ
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يعدل عَن الْإِبِل إِذا وجدت إِلَّا بِالتَّرَاضِي
فَإِن أعوزت فَعَنْهُ قَولَانِ
الْجَدِيد الرَّاجِح أَنه يعدل إِلَى قيمتهَا حِين الْقَبْض زَائِدَة أَو نَاقِصَة وَالْقَدِيم الْمَعْمُول بِهِ ضَرُورَة يعدل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم
وَاخْتلفُوا فِي مبلغ الدِّيَة من الدَّرَاهِم
فَقَالَ أَبُو حنيفَة عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَاخْتلفُوا فِي الْبَقر وَالْغنم هَل لَهَا أصل فِي الدِّيَة أم تُؤْخَذ على وَجه الْقيمَة قَالَ أَحْمد الْبَقر وَالْغنم أصل مُقَدّر فِيهَا
فَمن الْبَقر مِائَتَا بقرة وَمن الْغنم ألفا شَاة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ أَنَّهَا لَيست بِبَدَل
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قتل فِي الْحرم أَو قتل وَهُوَ محرم أَو فِي شهر حرَام أَو قتل ذَا رحم محرم هَل تغلظ الدِّيَة فِي ذَلِك

(2/218)


فَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تغلظ الدِّيَة فِي شَيْء من ذَلِك
وَقَالَ مَالك تغلظ فِي قتل الرجل وَلَده فَقَط
والتغليظ أَن تُؤْخَذ الْإِبِل أَثلَاثًا ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة
وَعَن مَالك فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا لَا تغلظ الدِّيَة فيهمَا
وَالْأُخْرَى تغلظ
وَفِي صفة تغليظها عَنهُ رِوَايَتَانِ
أشهرهما أَنه يلْزم من الذَّهَب وَالْوَرق قيمَة الْإِبِل الْمُغَلَّظَة بَالِغَة مَا بلغت
وَقَالَ الشَّافِعِي تغلظ فِي الْحرم وَالْمحرم وَالْأَشْهر الْحرم
وَقيل تغلظ فِي الْإِحْرَام
ولأصحابه وَجْهَان
أظهرهمَا لَا تغلظ
وَلَا تغلظ عِنْده إِلَّا فِي الْإِبِل
وَأما الذَّهَب وَالْوَرق فَلَا يدْخل التَّغْلِيظ فِيهِ
وَصفَة التَّغْلِيظ عِنْده أَن تكون بأسنان الْإِبِل فَقَط
وَقَالَ أَحْمد تغلظ الدِّيَة
وَصفَة التَّغْلِيظ إِن كَانَ الضَّمَان بِالذَّهَب وَالْفِضَّة فبزيادة الْقدر
وَهُوَ ثلث الدِّيَة نصا عَنهُ
وَإِن كَانَ بِالْإِبِلِ فَقِيَاس مذْهبه أَنه كالأثمان
وَأَنَّهَا مُغَلّظَة بِزِيَادَة الْقدر لَا بِالسِّنِّ
وَاخْتلف الشَّافِعِي وَأحمد هَل يتداخل تَغْلِيظ الدِّيَة أم لَا مِثَاله قتل فِي شهر حرَام فِي الْحرم ذَا رحم محرم
فَقَالَ الشَّافِعِي يتداخل وَيكون التَّغْلِيظ فيهمَا وَاحِدًا
وَقَالَ أَحْمد لَا يتداخل بل لكل وَاحِد من ذَلِك ثلث الدِّيَة
وَاتَّفَقُوا على أَن الجروح قصاص فِي كل مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقصاص
وَأما مَا لَا يَتَأَتَّى فِيهِ الْقصاص
وَهُوَ عشرَة الحارصة
وَهِي الَّتِي تشق الْجلد
والدامية وَهِي الَّتِي تخرج الدَّم
والباضعة وَهِي الَّتِي تشق اللَّحْم
والمتلاحمة وَهِي الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم
والسمحاق وَهِي الَّتِي يبْقى بَينهَا وَبَين الْعظم قشرة رقيقَة
فَهَذِهِ الجروح الْخَمْسَة لَيْسَ فِيهَا مُقَدّر شَرْعِي بِاتِّفَاق الْأَرْبَعَة إِلَّا مَا روى أَحْمد أَن زيدا رَضِي الله عَنهُ حكم فِي الدامية بِبَعِير
وَفِي الباضعة ببعيرين
وَفِي المتلاحمة بِثَلَاثَة أَبْعِرَة
وَفِي السمحاق بأَرْبعَة أَبْعِرَة قَالَ أَحْمد وَأَنا أذهب إِلَى ذَلِك
فَهَذِهِ رِوَايَة عَنهُ
وَالظَّاهِر من مذْهبه كالجماعة
وَأَجْمعُوا على أَن فِي كل وَاحِدَة من هَذِه الْخَمْسَة حُكُومَة بعد الِانْدِمَال
والحكومة أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجِنَايَة كَأَنَّهُ كَانَ عبدا
فَيُقَال كم قِيمَته قبل الْجِنَايَة وَكم قِيمَته بعْدهَا فَيكون لَهُ بِقدر التَّفَاوُت من دِيَته

(2/219)


فصل وَأما الْخَمْسَة الَّتِي فِيهَا مُقَدّر شَرْعِي
فَهِيَ الْمُوَضّحَة
وَهِي الَّتِي توضح عَن الْعظم
فَإِذا كَانَت فِي الْوَجْه فَفِيهَا خمس من الْإِبِل عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه
وَفِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِيهَا عشر
وَقَالَ مَالك فِي مُوضحَة الْأنف واللحى الْأَسْفَل حُكُومَة خَاصَّة
وَبَاقِي الْمَوَاضِع من الْوَجْه فِيهَا خمس من الْإِبِل
وَإِن كَانَت فِي الرَّأْس فَهَل هِيَ بِمَنْزِلَة الْمُوَضّحَة فِي الْوَجْه أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ هِيَ بمنزلتها
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كالجماعة
وَالثَّانيَِة إِن كَانَت فِي الْوَجْه فَفِيهَا عشر وَإِن كَانَت فِي الرَّأْس فَفِيهَا خمس
وَأَجْمعُوا على أَن فِي الْمُوَضّحَة الْقصاص إِن كَانَ عمدا
الثَّانِيَة الهاشمة
وَهِي الَّتِي تهشم الْعظم وتكسره
وفيهَا عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد عشر من الْإِبِل وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن مَالك فِي ذَلِك فَقيل خمس وحكومة
وَقيل خَمْسَة عشر
وَقَالَ أَشهب فِيهَا عشر كمذهب الْجَمَاعَة
الثَّالِثَة المنقلة
وَهِي الَّتِي توضح وتهشم وتنقل الْعِظَام
وفيهَا خَمْسَة عشر من الْإِبِل بِالْإِجْمَاع
الرَّابِعَة المأمومة
وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
وفيهَا ثلث الدِّيَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
الْخَامِسَة الْجَائِفَة
وَهِي الَّتِي تصل إِلَى الْجوف كبطن وَصدر وثغرة نحر وجنب وخاصرة
وفيهَا ثلث الدِّيَة بِالْإِجْمَاع
وَاتَّفَقُوا على أَن الْعين بِالْعينِ وَالْأنف بالأنف وَالْأُذن بالأذن وَالسّن بِالسِّنِّ
وعَلى أَن فِي الْعَينَيْنِ دِيَة كَامِلَة
وَفِي الْأنف إِذا جدع الدِّيَة
وَفِي اللِّسَان الدِّيَة
وَفِي الشفتين الدِّيَة
وَفِي مَجْمُوع الْأَسْنَان وَهِي اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنا الدِّيَة
وَفِي كل سنّ خَمْسَة أَبْعِرَة
وَفِي اللحييين الدِّيَة وَفِي لحي إِن نَبتَت الْأُخْرَى نصفهَا
وَاسْتشْكل وجوب الدِّيَة فِي اللحيين صَاحب التَّتِمَّة من الشَّافِعِيَّة
لِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ خبر
وَالْقِيَاس لَا يَقْتَضِيهِ
بل هُوَ كالترقوة والضلع
بل هُوَ من الْعِظَام الدَّاخِلَة
وَفِي الْأُذُنَيْنِ الدِّيَة عِنْد أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَعند مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كالجماعة وَالثَّانيَِة حُكُومَة

(2/220)


وَاتَّفَقُوا على أَن فِي الأجفان الْأَرْبَعَة الدِّيَة فِي كل وَاحِد ربع إِلَّا مَالِكًا
فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا حُكُومَة
وَاخْتلفُوا فِي الْعين الْقَائِمَة الَّتِي لَا يبصر بهَا وَالْيَد الشلاء وَالذكر الأشل وَذكر الْخصي ولسان الْأَخْرَس والإصبع الزَّائِدَة وَالسّن السَّوْدَاء
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر قوليه فِيهَا حُكُومَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا فِيهَا الدِّيَة
وَالْأُخْرَى كالجماعة
وَاخْتلفُوا فِي الترقوة والضلع والذراع والساعد والزند والفخذ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي ذَلِك حُكُومَة
وَقَالَ أَحْمد فِي الضلع بعير وَفِي الترقوة بعير وَفِي كل وَاحِد من الذِّرَاع والساعد والزند والفخذ بعيران فَفِي الزندين أَرْبَعَة أَبْعِرَة
وَاخْتلفُوا فِيمَا لَو ضرّ بِهِ فأوضحه فَذهب عقله فَهَل تنْتَقل الْمُوَضّحَة فِي دِيَة الْعقل أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه عَلَيْهِ الدِّيَة لِلْعَقْلِ وَيدخل فِي ذَلِك أرش الْمُوَضّحَة
وَالْقَوْل الآخر للشَّافِعِيّ وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَصْحَابه أَن عَلَيْهِ لذهاب الْعقل دِيَة كَامِلَة
وَعَلِيهِ أرش الْمُوَضّحَة
وَهَذَا مَذْهَب مَالك وَأحمد
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قلع سنّ من قد ثغر
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان
وَقَالَ مَالك بِوُجُوبِهِ وبعدم سُقُوطه بعودها
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أصَحهمَا الْوُجُوب وَعدم السُّقُوط
وَلَو ضرب سنّ رجل فاسودت
قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه يجب أرش سنّ خمس من الْإِبِل
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى ثلث دِيَة السن
وَزَاد مَالك على ذَلِك فَقَالَ إِن وَقعت السن السَّوْدَاء بعد ذَلِك لزمَه دِيَة أُخْرَى وَقَالَ فِي ذَلِك حُكُومَة فَقَط
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا قطع لِسَان صبي لم يبلغ حد النُّطْق
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ حُكُومَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِيهِ دِيَة كَامِلَة
وَلَو قلع عين أَعور
فَقَالَ مَالك وَأحمد يلْزمه دِيَة كَامِلَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ يجب الْقصاص
فَإِن عَفا فَنصف دِيَة
وَقَالَ مَالك لَيْسَ لَهُ الْقصاص
وَهل لَهُ دِيَة كَامِلَة أَو نصفهَا عَنهُ فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَحْمد لَا قصاص بل دِيَة كَامِلَة
وَفِي الْيَدَيْنِ الدِّيَة فِي كل وَاحِدَة نصفهَا بِالْإِجْمَاع
وَكَذَا الْأَمر فِي الرجلَيْن
وَأَجْمعُوا على أَن فِي اللِّسَان الدِّيَة
وَأَن فِي الذّكر الدِّيَة وَأَن فِي ذهَاب الْعقل دِيَة وَفِي ذهَاب السّمع دِيَة

(2/221)


وَإِذا ضرب رجل رجلا فَذهب شعر لحيته فَلم ينْبت أَو ذهب شعر رَأسه أَو شعر حَاجِبه أَو أهداب عَيْنَيْهِ فَلم تعد
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي ذَلِك الدِّيَة
وَقَالَ الشَّافِعِي وَمَالك فِيهِ حُكُومَة
وَأَجْمعُوا على أَن دِيَة الْمَرْأَة الْحرَّة الْمسلمَة فِي نَفسهَا على النّصْف من دِيَة الرجل الْحر الْمُسلم
ثمَّ اخْتلفُوا هَل تساويه فِي الْجراح أم لَا فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد لَا تساويه فِي شَيْء من الْجراح بل جراحها على النّصْف من جراحه فِي الْقَلِيل وَالْكثير
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه تساويه فِي الْجراح فِيمَا دون ثلث الدِّيَة
فَإِذا بلغت الثُّلُث كَانَت دِيَة جراحها على النّصْف من دِيَة الرجل
وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهِي أظهر روايتيه واختارها الْخرقِيّ تساويه إِلَى ثلث الدِّيَة
فَإِذا زَادَت على الثُّلُث فَهِيَ على النّصْف
وَلَو وطىء زَوجته وَلَيْسَ مثلهَا يُوطأ فأفضاها
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ الشَّافِعِي عَلَيْهِ الدِّيَة
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
أشهرهما فِيهِ حُكُومَة
وَالْأُخْرَى دِيَة
وَاخْتلفُوا فِي دِيَة الْكِتَابِيّ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة دِيَته كدية الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ من غير فرق
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَو الْيَهُودِيّ عهد وَقَتله مُسلم عمدا فديته كدية الْمُسلم
وَإِن قَتله خطأ فروايتان
إِحْدَاهمَا نصف دِيَة الْمُسلم
واختارها الْخرقِيّ
وَالثَّانِي دِيَة مُسلم

فصل والمجوسي دِيَته
عِنْد أبي حنيفَة كدية الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ من غير فرق
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ دِيَة الْمَجُوسِيّ فِي الْخَطَأ ثَمَانمِائَة دِرْهَم
وَفِي الْعمد ألف وسِتمِائَة
وَاخْتلفُوا فِي ديات الكتابيات والمجوسيات
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ دياتهن على النّصْف من ديات رِجَالهنَّ
لَا فرق بَين الْخَطَأ والعمد
وَقَالَ أَحْمد على النّصْف فِي الْخَطَأ وَفِي الْعمد كَالرّجلِ مِنْهُم سَوَاء

فصل وَإِذا جنى العَبْد جِنَايَة

فَتَارَة تكون خطأ
وَتارَة تكون عمدا
فَإِن كَانَت خطأ فقد اخْتلف الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى فِي ذَلِك
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد فِي أظهر روايتيه الْمولى بِالْخِيَارِ بَين الْفِدَاء
وَبَين

(2/222)


دفع العَبْد إِلَى ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَيملكهُ بذلك
سَوَاء زَادَت قِيمَته على أرش الْجِنَايَة أَو نقصت
فَإِن امْتنع ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ من قبُوله وطالب الْمولى بِبيعِهِ وَدفع الْقيمَة فِي الْأَرْش لم يجْبر الْمولى على ذَلِك
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى الْمولى بِالْخِيَارِ بَين الْفِدَاء وَبَين الدّفع إِلَى الْوَلِيّ للْبيع
فَإِن فضل من ثمنه شَيْء فَهُوَ لسَيِّده
فَإِن امْتنع الْوَلِيّ من قبُوله وطالب الْمولى بِبيعِهِ وَدفع الثّمن إِلَيْهِ كَانَ لَهُ ذَلِك
وَإِن كَانَت الْجِنَايَة عمدا
قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي أظهر روايتيه ولي الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْخِيَارِ بَين الْقصاص وَبَين الْعَفو على مَال
وَلَيْسَ لَهُ الْعَفو على رَقَبَة العَبْد أَو استرقاقه
وَلَا يملكهُ بِالْجِنَايَةِ
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يملكهُ الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ
فَإِن شَاءَ قَتله
وَإِن شَاءَ استرقه وَإِن شَاءَ أعْتقهُ
وَيكون فِي جَمِيع ذَلِك متصرفا فِي ملكه
إِلَّا أَن مَالِكًا اشْترط أَن تكون الْجِنَايَة قد ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ لَا بالاعتراف
وَهل يضمن العَبْد بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة لَا يبلغ بِهِ دِيَة الْحر بل ينقص عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي أظهر روايتيه يضمن بِقِيمَتِه بَالِغَة مَا بلغت
وَالْحر إِذا قتل عبدا خطأ
قَالَ أَبُو حنيفَة قِيمَته على عاقله الْجَانِي
وَقَالَ مَالك وَأحمد قِيمَته على الْجَانِي دون عَاقِلَته
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ
أَحدهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي على عَاقِلَة الْجَانِي
وَاخْتلفُوا فِي الْجِنَايَة على أَطْرَاف العَبْد
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد كل ذَلِك فِي مَال الْجَانِي لَا على عَاقِلَته
وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
والجنايات الَّتِي لَهَا أروش مقدرَة فِي حق الْحر كَيفَ الحكم فِي مثلهَا فِي العَبْد قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه كل جِنَايَة لَهَا أرش مُقَدّر فِي الْحر من الدِّيَة فَإِنَّهَا مقدرَة من العَبْد بذلك الْأَرْش من قِيمَته
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى يضمن مَا نقص من قِيمَته
وَزَاد مَالك فَقَالَ إِلَّا فِي المأمومة والجائفة والمنقلة والموضحة
فَإِن مذْهبه فِيهَا كمذهب الْجَمَاعَة

فصل وَإِذا اصطدم الفارسان
الحران فماتا
قَالَ مَالك وَأحمد على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا دِيَة الآخر كَامِلَة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أبي حنيفَة
فَقَالَ الدَّامغَانِي فِيهَا رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا كمذهب مَالك وَأحمد
وَالْأُخْرَى على عَاقِلَة كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف دِيَة الآخر
وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي
قَالَ وَفِي تَرِكَة كل وَاحِد نصف قيمَة دَابَّة الآخر
وَله

(2/223)


قَول آخر أَن هلاكهما وهلاك الدابتين يكون هدرا
لِأَنَّهُ لَا صنع لَهما فِيهِ
كالآفة السماوية
وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

بَاب دَعْوَى الدَّم والقسامة
رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ الْبَيِّنَة على الْمُدَّعِي وَالْيَمِين على الْمُدعى عَلَيْهِ إِلَّا فِي الْقسَامَة
ومدعي الدَّم يَنْبَغِي أَن يعين من يَدعِي عَلَيْهِ من وَاحِد أَو جمَاعَة
وَالْقَتْل فِي مَحل اللوث يَقْتَضِي الْقسَامَة
واللوث قرينَة حَال توقع فِي الْقلب صدق الْمُدَّعِي مثل أَن يُوجد قَتِيل فِي قَبيلَة أَو قَرْيَة صَغِيرَة بَين الْمَقْتُول وَبَين أَهلهَا عَدَاوَة ظَاهِرَة
فَهُوَ لوث فِي حَقهم
وَكَذَا لَو تفرق جمَاعَة عَن قَتِيل فِي دَار أَو مَسْجِد أَو بُسْتَان أَو ازْدحم قوم على بِئْر ثمَّ تفَرقُوا عَن قَتِيل
وَمعنى الْقسَامَة أَن يحلف الْمُدَّعِي على الْقَتْل الَّذِي يَدعِيهِ خمسين يَمِينا
وَكَيْفِيَّة الْيَمين كَمَا فِي سَائِر الدَّعَاوَى
وَإِذا مَاتَ قَامَ وَارثه مقَامه
ويستأنف الْوَارِث
وَإِن كَانُوا جمَاعَة وزعت الْخمسين عَلَيْهِم على قدر مواريثهم وَيجْبر الْكسر فِي الْيَمين
وَإِذا أقسم الْمُدَّعِي على قتل الْخَطَأ أَو شبه الْعمد أَخذ الدِّيَة من الْعَاقِلَة
وَإِن حلف على الْعمد فيقتص من الْمقسم عَلَيْهِ
وَإِذا حلف على ثَلَاثَة أَخذ من كل مِنْهُم ثلث الدِّيَة
وَإِن كَانَ وَاحِد مِنْهُم حَاضرا والآخران غائبين حلف على الْحَاضِر خمسين يَمِينا وَأخذ مِنْهُ ثلث الدِّيَة
فَإِذا حضر الْآخرَانِ حلف عَلَيْهِمَا خمسين يَمِينا وَأخذ مِنْهُمَا الثُّلثَيْنِ على خلاف فِيهِ
وَقَالَ شمس الْأَئِمَّة أَبُو بكر بن مُحَمَّد بن سهل السَّرخسِيّ رَحمَه الله من أَصْحَاب أبي حنيفَة فِي الْمَبْسُوط إِذا وجد الرجل قَتِيلا فِي محلّة قوم فَعَلَيْهِم أَن يقسم مِنْهُم خَمْسُونَ رجلا بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
قَالَ بلغنَا هَذَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَفِيه أَحَادِيث مَشْهُورَة
مِنْهَا حَدِيث سهل ابْن أبي حثْمَة بن عبد الله وَعبد الرَّحْمَن بن سهل وحويصة ومحيصة وَهُوَ أَنهم خَرجُوا فِي التِّجَارَة إِلَى خَيْبَر وَتَفَرَّقُوا

(2/224)


لحوائجهم
فوجدوا عبد الله بن سهل قَتِيلا فِي قليب من قلب خَيْبَر
فجاؤوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليخبروه
فَقَامَ عبد الرَّحْمَن وَهُوَ أَخُو الْقَتِيل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكبر الْكبر
فَتكلم أحد عميه حويصة أَو محيصة
وَهُوَ الْأَكْبَر مِنْهُمَا
وَأخْبر بذلك فَقَالَ وَمن قَتله فَقَالُوا من يقْتله سوى الْيَهُود قَالَ يبرئكم الْيَهُود بأيمان خمسين مِنْهُم
قَالُوا لَا نرضى بأيمان قوم كفار لَا يبالون مَا حلفوا عَلَيْهِ
فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أتحلفون وتستحقون دم صَاحبكُم فَقَالُوا كَيفَ نحلف على أَمر لم يعاين وَلم يُشَاهد قَالَ فألزم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْيَهُود الدِّيَة والقسامة
وَذكر الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب إِلَى أهل خَيْبَر إِن هَذَا قَتِيل قد وجد بَين أظْهركُم
فَمَا الَّذِي يُخرجهُ عَلَيْكُم فَكَتَبُوا إِلَيْهِ إِن مثل هَذِه الْحَادِثَة وَقعت فِي بني إِسْرَائِيل
فَأنْزل الله على مُوسَى أمرا
فَإِن كنت نَبيا فاسأل الله مثل ذَلِك
فَكتب إِلَيْهِم إِن الله تَعَالَى أَرَانِي أَن أخْتَار مِنْكُم خمسين رجلا
فَيحلفُونَ بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا ثمَّ يغرمون الدِّيَة
فَقَالُوا قد قضيت فِينَا بالناموس يَعْنِي بِالْوَحْي

الْخلاف الْمَذْكُور فِي مسَائِل الْبَاب
اتّفق الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن الْقسَامَة مَشْرُوعَة فِي الْقَتْل إِذا وجد قَتِيل وَلم يعلم قَائِله
وَاخْتلفُوا فِي السَّبَب الْمُوجب للقسامة
فَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمُوجب للقسامة وجود الْقَتِيل فِي مَوضِع هُوَ حفظ قوم أَو حمايتهم كالمحلة وَالدَّار وَمَسْجِد الْمحلة والقرية
فَإِنَّهُ يُوجب الْقسَامَة على أَهلهَا
لَكِن الْقَتِيل الَّذِي يشرع فِيهِ الْقسَامَة اسْم لمَيت بِهِ أثر من جِرَاحَة أَو ضرب أَو خنق
وَلَو كَانَ الدَّم يخرج من أَنفه وَدبره فَلَيْسَ بقتيل
وَلَو خرج من أُذُنه وعينه فَهُوَ قَتِيل فِيهِ الْقسَامَة
وَقَالَ مَالك السَّبَب الْمُعْتَبر فِي الْقسَامَة أَن يَقُول الْمَقْتُول دمي عِنْد فلَان عمدا

(2/225)


وَيكون الْمَقْتُول بَالغا مُسلما حرا سَوَاء كَانَ فَاسِقًا أَو عدلا ذكرا أَو أُنْثَى
أَو يقوم لأولياء الْمَقْتُول شَاهد وَاحِد
وَاخْتلف أَصْحَابه فِي اشْتِرَاط عَدَالَة الشَّاهِد وذكوريته
فشرطها ابْن الْقَاسِم
وَاكْتفى أَشهب بالفاسق وَالْمَرْأَة
وَمن الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للقسامة عِنْد مَالك من غير خلاف عَنهُ أَن يُوجد الْمَقْتُول فِي مَكَان خَال من النَّاس
وعَلى رَأسه رجل مَعَه سلَاح مخضب بِالدَّمِ
وَقَالَ السَّبَب الْمُوجب للقسامة اللوث
وَهُوَ عِنْده قرينَة لصدق الْمُدَّعِي بِأَن يرى قَتِيل فِي مَحَله أَو قَرْيَة صَغِيرَة وَبَينه وَبينهمْ عَدَاوَة ظَاهِرَة أَو تفرق جمع عَن قَتِيل وَإِن لم يكن بَينهم وَبَينه عَدَاوَة
وَشَهَادَة الْعدْل عِنْده لوث
وَكَذَا عبيد وَنسَاء وصبيان
وَكَذَا فسقة وكفار على الرَّاجِح من مذْهبه لَا امْرَأَة وَاحِدَة
وَمن أَقسَام اللوث عِنْده لهج أَلْسِنَة الْعَام وَالْخَاص بِأَن فلَانا قتل فلَانا
وَمن اللوث وجود الرجل مُلَطَّخًا بالدماء بِيَدِهِ سلَاح عِنْد الْقَتِيل
وَمِنْه يزدحم النَّاس بِموضع أَو فِي بَاب فيوجد بَينهم قَتِيل
قَالَ أَحْمد لَا يحكم بالقسامة إِلَّا أَن يكون بَين الْمَقْتُول وَبَين الْمُدعى عَلَيْهِ لوث
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي اللوث
فَروِيَ عَنهُ أَنه الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة والعصبية خَاصَّة كَمَا بَين الْقَبَائِل من الْمُطَالبَة بالدماء
وكما بَين أهل الْبَغي وَأهل الْعدْل
وَهَذَا قَول عَامَّة أَصْحَابه
وَأما دَعْوَى الْمَقْتُول أَن فلَانا قتلني فَلَا يكون لوثا إِلَّا عِنْد مَالك

فصل وَإِذا وجد الْمُقْتَضِي للقسامة
عِنْد كل وَاحِد من الْأَئِمَّة حلف المدعون على قَاتله خمسين يَمِينا واستحقوا دَمه إِذا كَانَ الْقَتْل عمدا عِنْد مَالك وَأحمد
وعَلى الْقَدِيم من قولي الشَّافِعِي
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي الْجَدِيد يسْتَحق دِيَة مُغَلّظَة
وَاخْتلفُوا هَل يبْدَأ بأيمان المدعين فِي الْقسَامَة أم بأيمان الْمُدعى عَلَيْهِم قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد بأيمان المدعين
فَإِن نكل المدعون وَلَا بَيِّنَة حلف الْمُدعى عَلَيْهِ خمسين يَمِينا وبرىء
وَقَالَ مَالك يبْدَأ بأيمان المدعين
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي الحكم إِن نكلوا
فَفِي رِوَايَة يبطل الدَّم وَلَا قسَامَة
وَفِي رِوَايَة يحلف الْمُدعى عَلَيْهِ إِن كَانَ رجلا بِعَيْنِه حلف وبرىء
وَإِن نكل لَزِمته الدِّيَة فِي مَاله وَلَا يلْزم الْعَاقِلَة مِنْهَا شَيْء
لِأَن النّكُول عِنْده كالاعتراف والعاقلة لَا تحمل

(2/226)


الِاعْتِرَاف
وَفِي رِوَايَة تحمل الْعَاقِلَة قلت أَو كثرت
فَمن حلف مِنْهُم برىء وَمن تخلف فَعَلَيهِ بِقسْطِهِ من الدِّيَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تشرع الْيَمين فِي الْقسَامَة إِلَّا على الْمُدعى عَلَيْهِم المعينون
فَإِذا لم يعين المدعون شخصا بِعَيْنِه يدعونَ عَلَيْهِ
فَيحلف من الْمُدعى عَلَيْهِم خَمْسُونَ رجلا خمسين يَمِينا مِمَّن يختارهم المدعون
فَيحلفُونَ بِاللَّه مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
فَإِن لم يَكُونُوا خمسين كررت الْيَمين
فَإِن تَكَلَّمت الْأَيْمَان وَجَبت الدِّيَة على عَاقِلَة أهل الْمحلة
وَإِن عين المدعون قَاتلا فَلَا قسَامَة
وَيكون تعيينهم الْقَاتِل تبرئة لباقي أهل الْمحلة
وَيلْزم الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين بِاللَّه عز وَجل أَنه مَا قتل وَيتْرك
وَاخْتلفُوا فِيمَا إِذا كَانَ الْأَوْلِيَاء جمَاعَة
فَقَالَ مَالك وَأحمد تقسم الْأَيْمَان بَينهم بِالْحِسَابِ
وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تكَرر الْأَيْمَان عَلَيْهِم بالإدارة بعد أَن يبْدَأ أحدهم بِالْقُرْعَةِ
وَاخْتلفُوا هَل تثبت الْقسَامَة فِي العبيد فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد تثبت وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ
أصَحهمَا تثبت
وَهل تسمع أَيْمَان النِّسَاء فِي الْقسَامَة قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا تسمع مُطلقًا لَا فِي عمد وَلَا فِي خطأ
وَقَالَ الشَّافِعِي تسمع مُطلقًا فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَهن فِي الْقسَامَة كَالرّجلِ
وَقَالَ مَالك تسمع أيمانهن فِي الْخَطَأ دون الْعمد
انْتهى
فَالْحَاصِل من تَقْرِير أَحْكَام هَذِه الْجِنَايَات فَوَائِد مِنْهَا مَا حكى عَن صدر الدّين الخابوري
قَالَ سَمِعت القَاضِي شرف الدّين الْبَارِزِيّ بحماه يَقُول لَو وَقع شخص على شخص
فَإِن اسْتمرّ عَلَيْهِ مَاتَ وَإِن انْتقل إِلَى غَيره أَي انْقَلب عَلَيْهِ مَاتَ
فَمَاذَا يفعل الْجَواب الِاسْتِمْرَار على من وَقع عَلَيْهِ
لِأَن انقلابه إِحْدَاث فعل من جِهَته وَلَا يجوز لَهُ إِحْدَاث فعل
وَمِنْهَا لَو وَقع رجل على طِفْل بَين أَطْفَال إِن أَقَامَ على أحدهم قَتله
وَإِن انْتقل إِلَى آخر قَتله
وَكَانَ أحدهم كَافِرًا
قَالَ ابْن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِده الْأَظْهر عِنْدِي أَنه يلْزمه الِانْتِقَال إِلَيْهِ لِأَن قَتله أخف مفْسدَة من قتل الطِّفْل الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ
ولأنا نجوز قتل أَوْلَاد الْكفَّار عِنْد التترس بهم بِحَيْثُ لَا يجوز ذَلِك فِي أَطْفَال الْمُسلمين

(2/227)


وَمِنْهَا لَو وَقع فِي نَار لَا ينجو مِنْهَا
وَأمكنهُ أَن يلقِي نَفسه فِي مَاء يغرق
فَإِنَّهُ لَا يلْزمه الصَّبْر على ألم النَّار على الْأَصَح بِشَرْط أَن تستوي مُدَّة الْحَيَاة فِي الإغراق والإحراق
ذكره أَيْضا فِي الْقَوَاعِد
وَمِنْهَا الْكَافِر لَا يقْتَصّ مِنْهُ إِذا أسلم لمن قَتله من الْمُسلمين وَلَا يغرمون مَا أتلفوه على الْمُسلمين من الْأَمْوَال
لأَنا لَو ألزمناهم لتقاعدوا عَن الْإِسْلَام
وَمِنْهَا أَن كل عُضْو زوج من أَعْضَاء بني آدم فَهُوَ مؤنث إِلَّا الحاجبين والثديين
وكل عُضْو فَرد من أعضائهم يذكر إِلَّا الكبد وَالطحَال
وَمِنْهَا الخصيان بِغَيْر تَاء هَذَا هُوَ الْمَشْهُور
وَنقل الْجَوْهَرِي وَغَيره عَن أبي عَمْرو قَالَ الخصيان البيضتان والخصيان بِحَذْف التَّاء الجلدتان اللَّتَان فيهمَا البيضتان
قَالَ الْجَوْهَرِي وَيُقَال خصية بِضَم الْخَاء وَكسرهَا وَالْمَشْهُور الضَّم
وَمِنْهَا الحدقة هِيَ السوَاد الْأَعْظَم الَّذِي فِي الْعين
وَأما الْأَصْغَر فَهُوَ النَّاظر
وَفِيه إِنْسَان الْعين
والمقلة شحمة الْعين الَّتِي تجمع السوَاد وَالْبَيَاض
ذكره ابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب
وَجمع الحدقة أحداق
وَقيل حداق
وَيُقَال حدق
وَمِنْهَا أَن جمع رَجَب رجبات وأرجاب ورجاب ورجوب
وَفِي اشتقاقه أَقْوَال
أَحدهَا لتعظيمهم إِيَّاه
يُقَال رجبته بِالتَّشْدِيدِ ورجبته بِكَسْر الْجِيم وَالتَّخْفِيف وَإِذا عظمه
قَالَ النّحاس وَقَالَ الْمبرد سمي رجبا لِأَنَّهُ فِي وسط السّنة
مُشْتَقّ من الرواجب
وَقيل لترك الْقِتَال فِيهِ من الرجب
وَهُوَ الْقطع وَقَالَ الْجَوْهَرِي إِنَّمَا قيل رَجَب مُضر لأَنهم كَانُوا أَشد تَعْظِيمًا لَهُ
قَالَ وَإِذا ضمُّوا إِلَيْهِ شعْبَان قَالُوا الرجبان
وَيُقَال لرجب الْأَصَم لأَنهم يتركون الْقِتَال فِيهِ
فَلَا يسمع فِيهِ صَوت سلَاح وَلَا استغاثة
وَهُوَ اسْتِعَارَة
وَتَقْدِيره يصم النَّاس فِيهِ كَمَا قَالُوا ليل نَائِم أَي نيام فِيهِ
ذكره صَاحب تَحْرِير التَّنْبِيه
وَمِنْهَا مَا إِذا وجد قَتِيل فِي محلّة
فَقَالَ رجل أَنا تَعَمّدت قتل هَذَا الْقَتِيل وَلم يشركني فِيهِ أحد
وَقَالَ آخر مثله
فَسئلَ ولي الْمَقْتُول عَن ذَلِك فَإِن صدقهما سقط حَقه من الْقود وَالدية
لِأَن فِي تَصْدِيق كل وَاحِد مِنْهُمَا تَكْذِيبًا للْآخر
وَإِن صدق أَحدهمَا ثَبت حَقه إِن شَاءَ قَتله وَإِن شَاءَ عَفا عَنهُ وَأخذ الدِّيَة
وَمِنْهَا الِاصْطِلَاح فِي لُغَة الْعَرَب جبهة الْأَمِير جماعته
والعرقوب الطَّرِيق فِي الْجَبَل
والثنية الطَّرِيق بَين جبلين
وَالرجل الْقطعَة من الْجَرَاد
وَالْعين عين الْبِئْر
وفلا راس الرجل إِذا ضربه بِالسَّيْفِ
والدهن الضَّرْب بالعصا
والبلبل الرجل

(2/228)


الْخَفِيف اللَّحْم
وقطاة الْمَرْأَة مَا بَين الْوَرِكَيْنِ
والخسيس الْجَنِين الْملقى مَيتا
المصطلح وَمَا يشْتَمل عَلَيْهِ من الصُّور
صُورَة قتل الْعمد وَبَيَانه وَمَا يجب فِيهِ من دِيَة الْعمد حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه عمد إِلَى وَالِد الْحَاضِر الثَّانِي فلَان الْمَذْكُور أَو إِلَى وَلَده لصلبه فلَان أَو إِلَى أَخِيه لِأَبَوَيْهِ فلَان المنحصر إِرْثه الشَّرْعِيّ فِيهِ وَإِن كَانَ للْمَيت وَرَثَة جمَاعَة عينهم وَحصر كل وَاحِد بِحِصَّتِهِ على حكم الْمِيرَاث وضربه بِسيف أَو سكين أَو شفرة أَو حَدِيدَة أَو بمثقل خَشَبَة أَو فسطاط أَو حجر كَبِير قَاصِدا مُتَعَمدا قَتله
فَمَاتَ من ذَلِك
واتفقا على أَن يَأْخُذ ولي الدَّم مِنْهُ الدِّيَة
وَيَعْفُو عَن الْقصاص
فَدفع إِلَيْهِ دِيَة الْعمد الْوَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا
فَإِن اتفقَا على أَخذهَا على مَذْهَب أبي حنيفَة
وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَهِيَ أَربَاع خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة
وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَإِن اتفقَا على أَخذهَا على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عَن أَحْمد
فَهِيَ من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وَسلم هَذِه الدِّيَة من مَاله إِلَى ولي الْمَقْتُول أَو إِلَى أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْمَذْكُورين أَعْلَاهُ
فتسلموها مِنْهُ تسلما شَرْعِيًّا صَحِيحا غير مراض وَلَا معيبات
وَإِن كَانَ الْأَخْذ على مَذْهَب أبي حنيفَة فيكتبها مقسطة فِي ثَلَاث سِنِين من أَرْبَعَة أَسْنَان
وَأقر الْوَلِيّ الْمَذْكُور أَو الْأَوْلِيَاء المذكورون أَنه عَفا أَو أَنهم عفوا عَن الْقصاص
وَرَجَعُوا إِلَى الدِّيَة الشَّرْعِيَّة
وَرَضوا بهَا عفوا شَرْعِيًّا ورضا مُعْتَبرا مرضيا
وَإِن كَانَ الْمَكْتُوب على مَذْهَب الشَّافِعِي فَيَقُول ورضى الْقَاتِل بالعدول من الْقصاص إِلَى الدِّيَة
وَقد سبق فِي كتاب الْإِقْرَار صُورَة قبض الدِّيَة وَالْإِقْرَار بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق وَالْإِبْرَاء بِسَبَب ذَلِك
وَإِن عَفا الْوَلِيّ عَن الْقصاص مجَّانا كتب صُورَة الْعَفو مُجَرّدَة
وَلَا يتَعَرَّض لذكر شَيْء مِمَّا تقدم من أَسْنَان الْإِبِل ثمَّ يعقب الْإِشْهَاد بِالْعَفو بِالْإِقْرَارِ بِعَدَمِ الِاسْتِحْقَاق وإبراء شَامِل
ويكمل على نَحْو مَا سبق

(2/229)


وَصُورَة مَا إِذا أَبى الْوَلِيّ وَلم يرض إِلَّا بِالْقصاصِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي أَو الْمَالِكِي فلَان وأحضر مَعَه فلَان
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قتل وَلَده لصلبه فلَانا عمدا مَحْضا ظلما وعدوانا
وَأَنه ضربه بِسيف أَو بمحدد أَو بمثقل وَيذكر صفة المحدد أَو المثقل ضَرْبَة أَو ضربتين أَو أَكثر
فَمَاتَ مِنْهُ أَو فأزهق روحه وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار أَو قَالَ لم أفعل ذَلِك أَو يثبت مَا يَدعِيهِ أَو يثبت مَا ادّعى بِهِ فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك
فأحضر كل وَاحِد من فلَان وَفُلَان وَفُلَان وشهدوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ إِمَّا على إِقْرَاره بذلك أَو بِالْمُشَاهَدَةِ للْفِعْل وَأَنه عمد إِلَى فلَان ولد الْمُدَّعِي الْمَذْكُور لصلبه وضربه بالشَّيْء الْفُلَانِيّ إِمَّا المحدد أَو المثقل الَّذِي يقتل مثله غَالِبا ضَرْبَة أَو ضربتين أَو أَكثر فَمَاتَ
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَقبل شَهَادَتهم بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا أَو بعد التَّزْكِيَة الشَّرْعِيَّة وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْقَاتِل بِالْقصاصِ عملا بمذهبه ومعتقده
فأعذر إِلَى الْقَاتِل
فَلم يَأْتِ بدافع شَرْعِي واعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت اعترافه بذلك لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ نظر الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي ذَلِك وتدبره
وروى فِيهِ فكره وَنَظره واستخار الله كثيرا
واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بِالْقصاصِ إِذْ لَا يجوز للْوَلِيّ الْعَفو عَن الْقصاص عِنْده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا لموافقة ذَلِك مذْهبه ومعتقده مسؤولا فِي ذَلِك مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وللولي اسْتِيفَاء الْقصاص بِنَفسِهِ بِأَمْر السُّلْطَان أَو نَائِبه بِأَمْر السُّلْطَان
وَإِلَّا فَمَتَى وثب بِنَفسِهِ كَانَ ذَلِك افتئاتا على السُّلْطَان
وَالصُّورَة فِي قتل الْعمد عِنْد أبي حنيفَة بالمحدد وَحده
وَعند البَاقِينَ بالمحدد والمثقل
صُورَة شبه الْعمد وديته حضر إِلَى شُهُوده فِي يَوْم تَارِيخه فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه ضرب ولد الْحَاضِر الثَّانِي لصلبه فلَان بِسَوْط أَو عصى حَتَّى مَاتَ من ذَلِك الضَّرْب أَو غرز

(2/230)


فِي مَقْتَله إبرة أَو غرز فِي دماغه أَو حلقه إبرة فتورم وَمَات مِنْهُ أَو مَاتَ فِي الْحَال وَصدق على أَن هَذَا الْفِعْل قتل شبه الْعمد وَأَنه يَقْتَضِي الْقصاص
وَسَأَلَ الْوَلِيّ أَن يعْفُو عَن الْقصاص ويعدل إِلَى الدِّيَة على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
فَأَجَابَهُ الْوَلِيّ إِلَى ذَلِك إِذْ الْعُدُول عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة من رضى الْجَانِي
وَهِي عِنْد أبي حنيفَة وَأحمد مثل دِيَة الْعمد الْمَحْض من أَرْبَعَة أَسْنَان خمس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة
وَهِي على مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة
وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَرضِي مِنْهُ بذلك وأجابه إِلَيْهِ
وتسلم مِنْهُ الدِّيَة الْمَذْكُورَة من أَرْبَعَة أَسْنَان أَو من ثَلَاثَة أَسْنَان على مَا يتفقان عَلَيْهِ تسلما شَرْعِيًّا تَاما كَامِلا وافيا
وَيكْتب بَينهمَا بَرَاءَة على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَإِن تَرَاضيا على الْإِبِل بِالدَّرَاهِمِ
فَعِنْدَ الشَّافِعِي يُعْطي قيمَة الْإِبِل بَالِغَة مَا بلغت
وَلَا يعدل عَن الْإِبِل إِذا وجدت إِلَّا بِالتَّرَاضِي
وَإِن أعوزت الْإِبِل فَقَوْلَانِ للشَّافِعِيّ الْقَدِيم أَنه يعدل إِلَى ألف دِينَار أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم
والجديد تجب الْقيمَة حِين الْقَبْض
وَعند أبي حنيفَة وَأحمد الدِّيَة مقدرَة بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِم
وَيجوز أَخذهَا مَعَ وجود الْإِبِل
وَعند مَالك أَن الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير أصل بِنَفسِهَا مقدرَة فِي الذِّمَّة وَلم يعْتَبر الدِّيَة بِالْإِبِلِ
ومبلغها من الدَّرَاهِم عِنْد أبي حنيفَة عشرَة آلَاف دِرْهَم
وَعند البَاقِينَ اثْنَا عشر ألف دِرْهَم وَقد تقدم ذكر الْخلاف فِي ذَلِك مُبينًا
وَفِي الْبَقر وَالْغنم وَالْحلَل
وَهل هِيَ أصل فِي الدِّيَة أم تُؤْخَذ على وَجه الْقيمَة فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لَيْسَ لشَيْء من ذَلِك أصل فِي الدِّيَة وَلَا هُوَ مُقَدّر
وَإِنَّمَا يرجع إِلَيْهِ بِالتَّرَاضِي على وَجه الْقيمَة
وَقَالَ أَحْمد الْبَقر وَالْغنم أصلان مقدران فِي الدِّيَة
فَمن الْبَقر مِائَتَا بقرة
وَمن الْغنم ألفا شَاة
وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي الْحلَل
فَروِيَ عَنهُ أَنَّهَا مقدرَة بِمِائَتي حلَّة
كل حلَّة إِزَار ورداء
وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهَا لَيست بِبَدَل
فَإِذا اتّفق الخصمان على شَيْء من هَذِه الْأَشْيَاء نزل الْكَاتِب الصُّورَة على أوضاعها الشَّرْعِيَّة الْمُتَّفق عَلَيْهَا الْمُوَافقَة لأحد هَذِه الْمذَاهب الْأَرْبَعَة مَعَ مُرَاعَاة الْإِيضَاح
وَصُورَة وجوب الْقصاص على من حبس آخر حَتَّى مَاتَ جوعا حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وتصادقا على أَن الْحَاضِر الأول حبس ولد الْحَاضِر الثَّانِي فلَان الرجل الْكَامِل وَمنعه من الْخُرُوج وَمن الطَّعَام وَالشرَاب
وَمن طلبهما مُدَّة يَمُوت مثله فِيهَا غَالِبا

(2/231)


من الْجُوع والعطش وَأَنه مَاتَ فِي حَبسه من الْجُوع والعطش
وَأَنه علم أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ بذلك الْقصاص
وَسَأَلَ الْحَاضِر الثَّانِي ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور الْعَفو عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَرَضي مِنْهُ بِالدِّيَةِ وَعَفا عَن الْقصاص
فَسَأَلَهُ ثَانِيًا أَن يقبض الدِّيَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك
وَرَضي بِقَبض الدِّيَة دَرَاهِم أَو دَنَانِير على مَذْهَب من يرى ذَلِك من السَّادة الْعلمَاء رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَأَن الْحَاضِر الأول دفع إِلَى الْحَاضِر الثَّانِي مَا مبلغه اثْنَا عشر ألف دِرْهَم أَو مَا مبلغه ألف دِينَار وَارثه
فَقبض ذَلِك مِنْهُ بِحَضْرَة شُهُوده وَإِن قبضهَا على مَذْهَب أبي حنيفَة
فَتكون عشرَة آلَاف دِرْهَم قبضا شَرْعِيًّا تَاما وافيا وَهُوَ مبلغ الدِّيَة الَّتِي عَفا عَلَيْهَا الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ وَلم يتَأَخَّر لَهُ بِسَبَب ذَلِك مُطَالبَة وَلَا شَيْء قل وَلَا جلّ
وَيكْتب بَرَاءَة شَامِلَة بَينهمَا
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَإِن لم يرض الْوَلِيّ إِلَّا بِالْإِبِلِ
فَالْوَاجِب دِيَة الْعمد
وَإِن اتفقَا على الْبَقر فمائتا بقرة
أَو على الْغنم فألفا شَاة
وَحَيْثُ وَجب الْقصاص وتراضيا على الدِّيَة
وَجب دِيَة الْعمد
وَصُورَة وجوب الْقصاص على الْمُكْره والعدول مِنْهُ إِلَى الدِّيَة حضر إِلَى شُهُوده فلَان وَفُلَان
وَأقر الْحَاضِر الأول أَنه أكره فلَانا بِالْيَدِ العادية وَالْقُوَّة الْغَالِبَة حَتَّى قتل فلَانا ولد الْحَاضِر الثَّانِي وأزهق روحه بِسيف أَو بمثقل
فَمَاتَ مِنْهُ وَسَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى الدِّيَة
وَهِي اثْنَا عشر ألف دِرْهَم
فَأجَاب إِلَى ذَلِك وَرَضي مِنْهُ بِالدِّيَةِ الْمَذْكُورَة
فَدفع الْمبلغ الْمَذْكُور إِلَيْهِ فَقَبضهُ مِنْهُ قبضا شَرْعِيًّا
وَإِن اتفقَا على عشرَة آلَاف دِرْهَم
كتب ذَلِك لموافقة مَذْهَب أبي حنيفَة ثمَّ يكمل بِالْإِبْرَاءِ على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَهَذِه الصُّورَة جَائِزَة عِنْد الثَّلَاثَة إِلَّا مَالِكًا
فَإِن الْإِكْرَاه لَا يَتَأَتَّى عِنْده إِلَّا من سُلْطَان أَو متغلب أَو سيد مَعَ عَبده
فَإِذا أكره السَّيِّد عَبده على قتل آخر فَقتله
فَهَذِهِ الصُّورَة تصح عِنْد مَالك
فالجناية على السَّيِّد وعَلى عَبده
فَإِنَّهَا عِنْده على الْمُكْره وَالْمكْره جَمِيعًا
هَذَا إِذا كَانَ العَبْد يعرف لِسَان سَيّده فَإِن كَانَ السَّيِّد عَرَبيا وَالْعَبْد أعجميا
فَلَا يجب عِنْده على العَبْد شَيْء
وَبِالْعَكْسِ أَيْضا
وَإِن كتب ذَلِك على مَذْهَب مَالك وَأحمد
فَيجب الْقصاص على السَّيِّد وعَلى عَبده إِذا كَانَ العَبْد مستعربا غير أعجمي

(2/232)


وَصُورَة الدَّعْوَى بِالْقَتْلِ خطأ وَوُجُوب دِيَة الْخَطَأ على الْعَاقِلَة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده لصلبة فلَان العشاري الْعُمر مثلا وضربه بِحجر أَو عَصا ضَرْبَة
فَمَاتَ من ذَلِك
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب إِنَّنِي لم أتعمده بِالضَّرْبِ
وَإِنَّمَا كنت قَاصِدا الرَّمْي إِلَى شَجَرَة أَو غَيرهَا
فَوَقَعت الضَّرْبَة فِيهِ فَمَاتَ مِنْهَا
وَكَانَ ذَلِك خطأ مني
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَنه لم يَقْصِدهُ بِالضَّرْبِ مُتَعَمدا قَتله
فبذل الْيَمين وَحلف بِاللَّه الْعَظِيم الْيَمين الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا أَنه لم يتَعَمَّد ضربه وَإِنَّمَا رمى بِالْحجرِ إِلَى غَيره
فَوَقَعت الضَّرْبَة فِيهِ
فَمَاتَ مِنْهُ
كل ذَلِك من غير قصد مِنْهُ وَلَا تعمد لقَتله
فَقَالَ الْحَاكِم للْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَة تشهد أَنه قَتله عمدا فَأجَاب بِأَنَّهُ لَا بَيِّنَة لَهُ
فَقَالَ لَهُ الْحَاكِم الْوَاجِب لَك على عَاقِلَته دِيَة مُخَفّفَة وَهِي مائَة من الْإِبِل مخمسة من خَمْسَة أَسْنَان عشرُون جَذَعَة وَعِشْرُونَ حقة وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض
أَو اثْنَي عشر ألف دِرْهَم بِالتَّرَاضِي
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِالدِّيَةِ على عَاقِلَته على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقد مقلده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله لجوازه عِنْده شرعا وَحكم لَهُ بِالدِّيَةِ الْمَذْكُورَة إبِلا أَخْمَاسًا أَو قيمتهَا بَالِغَة مَا بلغت حَال الْقَبْض عِنْد إعواز الْإِبِل مقسطة على عَاقِلَة الْقَاتِل الْمَذْكُور حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا
مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَلما تَكَامل ذَلِك عِنْده سَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور ولي الْمَقْتُول أَن يَأْخُذ الدِّيَة مبلغ اثْنَا عشر ألف دِرْهَم
فَرضِي بذلك وقسطها على الْعَاقِلَة تقسيطا شَرْعِيًّا
وانفصلوا من مجْلِس الحكم الْمشَار إِلَيْهِ على ذَلِك
وَصُورَة دَعْوَى تَتَضَمَّن أَن مُسلما قتل ذِمِّيا
وَوُجُوب دِيَة الذِّمِّيّ عَلَيْهِ وَالْحكم لوَارث الْمَقْتُول بهَا على الْقَاتِل
فَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حَنَفِيّ كَانَت الدِّيَة مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَعدل الْوَلِيّ عَن الْقصاص عِنْده إِلَى الدِّيَة
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد مالكي كَانَت الدِّيَة مثل نصف دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد الشَّافِعِي كَانَت مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَالْخَطَأ
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حنبلي كَانَت الدِّيَة فِي قتل الذِّمِّيّ الَّذِي لَهُ عهد مثل دِيَة الْمُسلم فِي الْعمد وَحده
وَأما فِي الْخَطَأ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا

(2/233)


ثلث دِيَة الْمُسلم
وَالْأُخْرَى مثل نصف دِيَة الْمُسلم
وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ
وَصُورَة ذَلِك حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان الْيَهُودِيّ أَو النَّصْرَانِي
وأحضر مَعَه فلَان الشريف الْحُسَيْنِي أَو الْمُسلم الْأَصْلِيّ
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده فلَان وضربه بِسيف أَو سكين أَو غير ذَلِك ضَرْبَة أَو أَكثر
فأزهق روحه فَهَذَا قتل الْعمد وَهُوَ فِي مَال الْقَاتِل أَو ضرب بِسَهْم إِلَى غَايَة أَو طير أَو شَجَرَة
فَأَصَابَهُ السهْم
فَمَاتَ مِنْهُ فَهَذَا قتل الْخَطَأ
وَفِيه الدِّيَة على عَاقِلَة الْقَاتِل أَو ضربه بِسَوْط أَو عَصا أَو غرز فِي دماغه إبرة وَمَا أشبه ذَلِك حَتَّى مَاتَ وَهَذَا شبه عمد وَقد بَينا دِيَة الْعمد ودية الْخَطَأ ودية شبه الْعمد
وَذكرنَا الْخلاف فِي ذَلِك بَين الْعلمَاء فِي الصُّورَة الَّتِي تقدّمت
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ ولي الْمَقْتُول الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية وَلَده على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بِالدِّيَةِ على مَا هِيَ مقدرَة عِنْده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى على رجل قتل عبد غَيره عمدا وَوُجُوب الْقصاص على الْقَاتِل عِنْد أبي حنيفَة خلافًا للباقين
فَإِنَّهُ لَا يقتل عِنْدهم قَاتل العَبْد بِحَال
وَعند أبي حنيفَة إِذا عدل عَن الْقصاص إِلَى الْقيمَة
فَالْوَاجِب قيمَة العَبْد بِحَيْثُ لَا تبلغ الْقيمَة مِقْدَار الدِّيَة بل تنقص عشرَة دَرَاهِم
وَالْوَاجِب عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه وَهِي الَّتِي اخْتَارَهَا الْخرقِيّ قيمَة العَبْد بَالِغَة مَا بلغت
وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى عِنْد أَحْمد أَنه لَا يبلغ بهَا دِيَة الْحر وَلم يقدر بِالنُّقْصَانِ
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الْحَنَفِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ أَنه عمد إِلَى عَبده فلَان بن عبد الله
وضربه بِسيف فَمَاتَ من تِلْكَ الضَّرْبَة أَو فَمَاتَ مِنْهُ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمَذْكُور وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
عرفهم الْحَاكِم وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ خير الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سيد العَبْد بَين الْقصاص وَالْقيمَة فَاخْتَارَ الْقيمَة
وَسَأَلَ الْحَاكِم الحكم لَهُ بهَا على الْقَاتِل

(2/234)


فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بِقِيمَة العَبْد الْمَذْكُور مَا لم تبلغ دِيَة الْمُسلم
وبالتنقيص عَن مبلغ الدِّيَة عشرَة دَرَاهِم على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة دَعْوَى على جمَاعَة قتلوا وَاحِدًا عمدا وَوُجُوب الْقصاص عَلَيْهِم كلهم عِنْد أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ خلافًا لِأَحْمَد
فَإِن عِنْده إِذا قتل جمَاعَة وَاحِدًا
فَعَلَيْهِم الدِّيَة وَلَا قصاص فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ
وَإِذا عدل الْوَارِث عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة جَازَ
وَإِن اخْتَار الْوَلِيّ أَن يَأْخُذ الْقصاص من وَاحِد وَيَأْخُذ من البَاقِينَ قسطهم من الدِّيَة جَازَ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا وَفُلَانًا وَفُلَانًا
وَادّعى عَلَيْهِم أَنهم عَمدُوا إِلَى وَلَده لصلبه فلَان وضربوه بِالسُّيُوفِ حَتَّى برد
وَمَات من ذَلِك
وَسَأَلَ سُؤَالهمْ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُمْ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأَجَابُوهُ بالاعتراف أَو بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَنه لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ
فأحضر جمَاعَة من الْمُسلمين
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَة متفقة اللَّفْظ وَالْمعْنَى مسموعة شرعا أَن الْمُدعى عَلَيْهِم الْمَذْكُورين عَمدُوا إِلَى فلَان ولد الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وضربوه بسيوفهم حَتَّى مَاتَ مُشَاهدَة مِنْهُم لذَلِك
عرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الشُّهُود الْمَذْكُورين وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
ثمَّ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بِالْقصاصِ من القاتلين الْمَذْكُورين لجوازه عِنْده شرعا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم عَلَيْهِم بِالْقصاصِ حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة بعد الْإِعْذَار الشَّرْعِيّ
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من تشخيص القاتلين الْمَذْكُورين وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمَذْكُور الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة
وَإِن كَانَ قد طلب الْقصاص من أحدهم وَأخذ من البَاقِينَ قسطهما من الدِّيَة
فَيَقُول فَحِينَئِذٍ طلب ولي الْمَقْتُول أَن يَسْتَوْفِي الْقصاص من فلَان المبدأ بِذكرِهِ أَعْلَاهُ وَأَن يَأْخُذ من الآخرين مَا وَجب عَلَيْهِمَا من دِيَة الْعمد
وَهُوَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا على كل وَاحِد مِنْهُمَا الثُّلُث

(2/235)


وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بذلك
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم على فلَان المبدأ بِذكرِهِ بِالْقصاصِ وعَلى كل وَاحِد من الآخرين بِثلث دِيَة الْعمد حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره وَرَضي ولي الْمَقْتُول الْمَذْكُور أَن يَأْخُذ بَدَلا عَن الْإِبِل ثَمَانِيَة آلَاف دِرْهَم
فدفعاها إِلَيْهِ فقبضها مِنْهُمَا قبضا شَرْعِيًّا ويكمل
وَإِن كَانَ الْعمد على مَذْهَب أبي حنيفَة فتقسط الدِّيَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَإِن حصل الْعَفو عَن الْجَمِيع كتب صُورَة الْعَفو كَمَا تقدم
وَإِن كَانَت الدَّعْوَى عِنْد حنبلي وَاخْتَارَ الْعَمَل بالرواية الثَّانِيَة فَيُوجب عَلَيْهِم الدِّيَة لَا الْقصاص
صُورَة دَعْوَى على مُسلم قتل مجوسيا عمدا وَوُجُوب دِيَته وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم أَو قتل عَابِد الوثن أَو الشَّمْس أَو الْقَمَر
وَهَؤُلَاء لَيْسَ لَهُم عقد ذمَّة فَلَا دِيَة لَهُم لَكِن لَو دخل أحدهم إِلَى دَار الْإِسْلَام رَسُولا لم يتَعَرَّض إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ
فَإِن قَتله قَاتل فَفِيهِ أخس الدِّيات دِيَة الْمَجُوس وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي فلَان الْمَجُوسِيّ وأحضر مَعَه فلَانا الْمُسلم
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه عمد إِلَى وَلَده لصلبه فلَان وضربه بِالسَّيْفِ أَو بمثقل فَمَاتَ مِنْهُ وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَو بالإنكار
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بَيِّنَة شهِدت لَهُ بذلك فِي وَجه الْخصم
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وَقبل الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ شَهَادَتهم بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِمَا يجب لَهُ عَلَيْهِ شرعا
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤال
وَحكم على الْقَاتِل الْمَذْكُور بدية وَلَده الْقَتِيل الْمَذْكُور
وَهِي ثلثا عشر دِيَة الْمُسلم وقدرها سِتّ وَثُلُثَانِ من ثَلَاثَة أَسْنَان عِنْد الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد
وَمن أَرْبَعَة أَسْنَان عِنْد أبي حنيفَة حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من إعذار وتشخيص الْقَاتِل وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن حصل التَّرَاضِي على الدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير جَازَ
وَقد بَينا فِي هَذِه الصُّور مقادير الدِّيات فِي الْقَتْل على اخْتِلَاف الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى زِيَادَة على مَا ذكرنَا فِي الْخلاف السَّابِق فِي مسَائِل الْبَاب

فصل وَأما صور الْمجَالِس الْحكمِيَّة
المتضمنة الدَّعَاوَى بالشجاج فِي الْوَجْه

(2/236)


وَالرَّأْس
وَمَا يجب فِيهِ الْقصاص وَمَا لَا يجب وَمَا يجب فِي جراحات الْوَجْه وَالرَّأْس وَالْبدن من الدِّيات والحكومات
وَمَا يجب فِيهِ الدِّيَة من الْأَطْرَاف والحواس وَمَا يجب الضَّمَان بِفِعْلِهِ
وَمَا لَا يجب فِيهَا
صُورَة دَعْوَى بالموضحة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِسيف أَو حجر أَو غَيره فِي وَجهه أَو رَأسه فأوضح الْعظم
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
أَو بالإنكار
وَتقوم الْبَيِّنَة فِي وَجه الْخصم أَنه ضربه بِكَذَا
فجرحه هَذَا الْجرْح وشخصوه لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَأَشَارَ إِلَيْهِ
وأشاروا إِلَيْهِ فِي مَوْضِعه
فَذكر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذِه الْجراحَة لَيست بموضحة
وَإِنَّمَا هِيَ دونهَا
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل الْمعرفَة والخبرة بالجراحات
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنَّهَا مُوضحَة
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَعرف الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ أَن الْوَاجِب عَلَيْهِ فِي ذَلِك الْقصاص أَو أرش مُوضحَة إِذا رَضِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ بالعدول عَن الْقصاص إِلَى الدِّيَة وَهِي خمس من الْإِبِل أَو قيمتهَا من الذَّهَب أَو الدَّرَاهِم برضى الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَسَأَلَ الْجَانِي الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى الْأَرْش
فَعرض الْحَاكِم ذَلِك على الْمَجْنِي عَلَيْهِ
فَأجَاب إِلَيْهِ
وَسَأَلَ الحكم لَهُ على الْجَانِي بِأَرْش الْمُوَضّحَة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بذلك حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل
وَإِن كَانَت المشجوجة امْرَأَة فَالْوَاجِب النّصْف من أرش مُوضحَة الرجل
وَإِن كَانَ المشجوج يَهُودِيّا أَو نَصْرَانِيّا
فَعِنْدَ أبي حنيفَة كأرش مُوضحَة الْمُسلم
وَعند مَالك كالنصف مِنْهَا
وَعند الشَّافِعِي كالثلث مِنْهَا
وَعند أَحْمد كموضحة الْمُسلم إِذا كَانَ للكتابي عهد
وَيعْتَبر الْحَال فِي موضحات النِّسَاء على النّصْف من ذَلِك وَيعْتَبر ذَلِك فِي مُوضحَة الْمَجُوسِيّ نصف عشر أخس الدِّيات
وَهَذَا التَّفْصِيل فِي جَمِيع ديات الشجاج الْحَاصِلَة فِي الْوَجْه وَالرَّأْس
وجراحات الْبدن والجائفات والحكومات المتقومة
وَمَا يلْزم بِالضَّمَانِ
وَصُورَة دَعْوَى بالهاشمة
وفيهَا عشر من الْإِبِل إِذا أوضح وهشم الْعظم
فَإِن

(2/237)


هشمت الْعظم من غير إيضاحه
فَفِيهَا خمس من الْإِبِل حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان الْفُلَانِيّ
وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِكَذَا
فجرحه بِوَجْهِهِ أَو بِرَأْسِهِ
وأوضح الْعظم وكسره
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف مثلا أَنه ضربه فجرحه وَأَنه لم يُوضح الْعظم وَلَا هشمه فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل الْمعرفَة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
ووقفوا على الْجراح الْمَذْكُور وعاينوه
وعرفوه وحققوه وشهدوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذَا الْجرْح أوضح فِيهِ الْعظم وهشمه
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع شَهَادَتهم وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْحَاكِم لَهُ بدية الهاشمة الْمَذْكُورَة على مُقْتَضى قَاعِدَة مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بِعشر من الْإِبِل حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا بعد ثُبُوت الْإِعْذَار إِلَى الْجَانِي الْمَذْكُور وتشخيصه
واعترافه بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
ويكمل
صُورَة دَعْوَى بالمنقلة
وفيهَا خمس عشرَة من الْإِبِل حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه بِكَذَا فِي وَجهه أَو رَأسه
فجرحه جرحا أوضح الْعظم وهشمه وَنَقله من مَكَانَهُ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسئلَ
فَأجَاب أَنه جرحه هَذَا الْجرْح وَأَنه لَا يعلم صِحَة الدَّعْوَى فِيمَا عداهُ
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ
فأحضر جمَاعَة من أهل النّظر والمعرفة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمَذْكُور بعد تشخيص الْجرْح ومعاينته أَن هَذِه الْجراحَة أوضحت الْعظم وهشمته ونقلته
عرفهم الْحَاكِم وَسمع شَهَادَتهم وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ على الْجَانِي الْمَذْكُور بِالدِّيَةِ الشَّرْعِيَّة الْوَاجِبَة فِي هَذِه الْجراحَة على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى

(2/238)


سُؤَاله
وَحكم لَهُ بِخمْس عشرَة من إبل الدِّيَة حكما شَرْعِيًّا مُعْتَبرا مرضيا ويكمل على نَحْو مَا سبق
صُورَة دَعْوَى بالمأمومة
وَهِي الَّتِي تبلغ أم الرَّأْس وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ
وفيهَا ثلث الدِّيَة
ثَلَاثًا وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين فلَان وأحضر مَعَه فلَانا
وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضربه فِي رَأسه فَشَجَّهُ
ووصلت الشَّجَّة إِلَى أم رَأسه
وَهِي خريطة الدِّمَاغ المحيطة بِهِ وَأَن الْوَاجِب لَهُ عَلَيْهِ بذلك ثلث الدِّيَة ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
وطالبه بذلك وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب أَنه ضربه وَهُوَ لَا يعلم أَنَّهَا مأمومة فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من أهل النّظر والمعرفة والخبرة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بعد تشخيص الْجرْح ومعاينته أَن هَذِه الشَّجَّة وصلت إِلَى أم الرَّأْس خريطة الدِّمَاغ
عرفهم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَثَبت ذَلِك عِنْد الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية هَذِه الْجراحَة
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بدية المأمومة
وَهِي الثُّلُث من دِيَة النَّفس ثَلَاثَة وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل حكما شَرْعِيًّا
ويكمل
صُورَة دَعْوَى بِمَا تجب فِيهِ الْحُكُومَة من الشجاج بِالرَّأْسِ وَالْوَجْه وجراحات الْبدن حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه شجه فِي وَجهه أَو رَأسه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالاعتراف
فَقَالَ المشجوج هَذِه مُوضحَة
وَقَالَ الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا هِيَ الدامية
فَطلب الْحَاكِم أَرْبَاب الْخِبْرَة فِي ذَلِك
فكشفوا الشَّجَّة ونظروها وعاينوها
فوجدوها الباضعة قد بضعت اللَّحْم وَلم تصل إِلَى الْجلْدَة الرقيقة الَّتِي بَين اللَّحْم والعظم
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
فَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
ثمَّ طلب أَرْبَاب الْخِبْرَة بتقويم الْأَبدَان وَأمرهمْ أَن ينْظرُوا إِلَى هَذَا الْجرْح الْمُدعى بِهِ الْمَذْكُور ويقوموا الْمَجْرُوح صَحِيحا وجريحا وَأَن ينْظرُوا إِلَى مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ من التَّفَاوُت
فَمَا بلغ فَهُوَ أرش الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة من الدِّيَة
فوقفوا على ذَلِك

(2/239)


وقوموه صَحِيحا وجريحا
فَإِذا التَّفَاوُت مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ كَذَا وَكَذَا وَهُوَ أرش هَذِه الْجِنَايَة من الدِّيَة
وَأَقَامُوا شهاداتهم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك فِي وَجه الْخصم
فَحكم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك الْقدر الْمَشْهُود بِهِ من الدِّيَة حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَيْفِيَّة التَّقْوِيم أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ ثملا بِمِائَة دِرْهَم صَحِيحا وبثمانية وَتِسْعين درهما جريحا
فالتفاوت خمس عشر الْقيمَة
فَيكون الْوَاجِب خمس عشر الدِّيَة
وَهَذِه صُورَة مَا يكْتب فِي جَمِيع مَا تجب فِيهِ الْحُكُومَة من الرَّأْس وَالْوَجْه وَالْبدن
وَلَا يكْتب فِيمَا يتَعَلَّق بِالْبدنِ حكم بِشَيْء مُقَدّر من الدِّيَة إِلَّا الْجَائِفَة
فَإِن فِيهَا ثلث الدِّيَة
وَصُورَة الدَّعْوَى بالجائفة حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَهُوَ مُتَكَلم شَرْعِي جَائِز كَلَامه مسموعة دَعْوَاهُ عَن فلَان
وأحضر مَعَه فلَانا وَادّعى عَلَيْهِ لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه ضرب الْمُتَكَلّم عَنهُ وَهُوَ فلَان الْمَذْكُور ضَرْبَة بسنان أَو بِرُمْح أَو بِسيف
فوصل السنان إِلَى دَاخل جَوْفه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف أَنه ضربه بِالرُّمْحِ وَلَكِن لم يصل السنان إِلَى جَوْفه
فَذكر الْمَنْصُوب الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة من أَرْبَاب الْخِبْرَة بالجراحات والجائفات تشهد بِمَا ادَّعَاهُ
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ فأحضر جمَاعَة من أهل الْخِبْرَة بذلك
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وكشفوا الْجرْح الْمَذْكُور كشفا شافيا وعاينوه
وأدخلوا فِيهِ الْميل
وقاسوا أعماقه فوجدوه قد أجافه
وَأَقَامُوا شَهَادَتهم بذلك لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ فِي وَجه الْخصم الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن هَذَا الْجرْح دخل السنان فِيهِ إِلَى الْجوف وَأَنه الْجَائِفَة
وَثَبت ذَلِك عِنْده الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ على الْجَانِي الْمَذْكُور بدية هَذِه الْجِنَايَة
وَهِي ثلث دِيَة النَّفس ثَلَاث وَثَلَاثُونَ وَثلث من الْإِبِل
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم على الْجَانِي الْمَذْكُور بذلك حكما شَرْعِيًّا
ويكمل على نَحْو مَا تقدم شَرحه
وَأما صور الدَّعَاوَى المتضمنة الْقصاص فِي الْعين وَالْأنف وَالْأُذن وَالسّن أَو الدِّيَة عِنْد ذَلِك
فَمِنْهَا صُورَة دَعْوَى على شخص بِأَنَّهُ قلع عينه أَو قطع أَنفه أَو أُذُنَيْهِ أَو بِشَيْء مِمَّا تجب فِيهِ الدِّيَة كَامِلَة على مَا تقدم بَيَانه
وَالْخلاف فِيهِ على اخْتِلَاف مقادير

(2/240)


الدِّيات من الْحر الْمُسلم والكتابي الذِّمِّيّ وَغير الْكِتَابِيّ وَالذكر وَالْأُنْثَى
وَهِي كالديات الْوَاجِبَة فِي فَوَات النَّفس فِي قتل الْعمد
حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قلع عينه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو ضربه
فأزال ضوء عينه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو قطع أجفان عَيْنَيْهِ أَو قطع أَنفه أَو أُذُنَيْهِ أَو أُذُنه الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى أَو ضربه فَقلع سنه الْفُلَانِيّ إِمَّا ثنيته أَو رباعيته أَو ضرسه الْأَسْفَل أَو الْأَعْلَى أَو قلع جَمِيع أَسْنَانه
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأجَاب بالاعتراف
فَسَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ بِالْقصاصِ
فَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الْمُدَّعِي الْعَفو عَن الْقصاص والعدول إِلَى دِيَة الْعين أَو الْأنف أَو الْأذن أَو الْأَسْنَان الْمقدرَة فِي ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَرَضي بِهِ
ثمَّ سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم على الْجَانِي بدية عينه
فَأَجَابَهُ إِلَى ذَلِك وَحكم لَهُ بِخَمْسِينَ من الْإِبِل مفصلة من الْأَسْنَان مُعينَة فِي دِيَة النَّفس
وَهِي دِيَة عين الْمُدَّعِي الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْمَذْكُور حكما شرعا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَكَذَلِكَ تكْتب صور الدَّعَاوَى فِي جَمِيع مَا يجب من الدِّيات
وَيتَصَوَّر فِي الْعَينَيْنِ ديتان كاملتان كَمَا لَو فَقَأَ الحدقتين وَقطع الأجفان الْأَرْبَعَة أَو أَزَال ضوء عَيْنَيْهِ وَقطع الأجفان الْأَرْبَعَة
وَطَرِيق التَّوَصُّل إِلَى معرفَة مِقْدَار مَا نقص من ضوء عَيْني الْمَجْنِي عَلَيْهِ ليحكم الْحَاكِم لَهُ بِحقِّهِ من الدِّيَة هُوَ أَن يجلس الْمَجْنِي عَلَيْهِ فِي مَكَان وَيجْلس إِلَى جَانِبه رجل آخر صَحِيح النّظر
ثمَّ يقف بَين يديهما رجل آخر وَوَجهه إِلَيْهِمَا
ثمَّ يمشي إِلَى وَرَائه وهما ينْظرَانِ إِلَى وَجهه إِلَى أَن لَا يحققا النّظر إِلَى مقلتيه
وَهل هُوَ مغمض عَيْنَيْهِ أم لَا فَإِن تَسَاويا فِي ذَلِك لم يكن نقص من ضور عَيْني الْمَجْنِي عَلَيْهِ شَيْء
وَإِن خَفِي على الْمَجْنِي عَلَيْهِ معرفَة كَون الْمَاشِي مَفْتُوحَة عَيناهُ أَو مغموضتان
وَقَالَ لَا أَدْرِي هَل هما مفتوحتان أَو مغموضتان فَيجْعَل عِنْد رجل الْمَاشِي عَلامَة
ثمَّ يمشي إِلَى وَرَائه وَالرجل الْجَالِس إِلَى جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ ينظر فِي حدقتي الْمَاشِي
فحين يخفي عَلَيْهِ هَل هما مفتوحتان أَو مغموضتان فيقف الْمَاشِي هُنَاكَ وَيعلم عِنْد قَدَمَيْهِ عَلامَة ثمَّ يذرع الأَرْض مَا بَين الْمَجْنِي عَلَيْهِ والماشي ويضبط ذَلِك الذرع ثمَّ يذرع مَا بَين انْتِهَاء نظر الْمَجْنِي عَلَيْهِ وانتهاء نظر الْجَالِس إِلَى جَانِبه
فمهما خرج حسب من الذرع الأول وَحكم للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ بِقسْطِهِ من الدِّيَة

(2/241)


مِثَاله إِذا كَانَ الذرع الأول مائَة ذِرَاع وَهُوَ انْتِهَاء نظر الْجَالِس إِلَى جَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ
وَكَانَ انْتِهَاء نظر الْمَجْنِي عَلَيْهِ سبعين ذِرَاعا فَتبين أَن النَّقْص ثَلَاثِينَ
أَو يكون تسعين
فَيكون النَّقْص عشرَة
فجملة مَا نقص عشر الضَّوْء
فَيجب عشر الدِّيَة
وعَلى هَذَا الْحساب يكون الْعَمَل فِي امتحان نقص ضوء الْعين
وَإِذا ادّعى رجل على رجل آخر أَنه ضربه ضَرْبَة أَزَال سَمعه
وَثَبت عِنْد الْحَاكِم أَنه ضربه تِلْكَ الضَّرْبَة
فطريق اعْتِبَار ذَلِك أَن الْحَاكِم يَأْمر رجلا يقف خلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ على حِين غَفلَة مِنْهُ
وَيَرْمِي خَلفه قَرِيبا مِنْهُ حجرا كَبِيرا أَو جرسا كَبِيرا أَو شَيْئا من أواني النّحاس من شَاهِق
فَإِن الْتفت أَو ظهر مِنْهُ إِشْعَار بِتِلْكَ الرَّمية فَلَا يحكم لَهُ
وَإِن لم يلْتَفت وَلم يظْهر مِنْهُ إِشْعَار وَلَا علم فَيحكم لَهُ بِالدِّيَةِ كَامِلَة
وَفِي لِسَان الْأَخْرَس الْحُكُومَة وَهِي أَن يقوم الْمَجْنِي عَلَيْهِ حَال كَونه ناطقا وَحَال كَونه أخرس وَينظر فِي التَّفَاوُت بَينهمَا
فَمَا كَانَ فَهُوَ قدر الْحُكُومَة من الدِّيَة
وَفِي إِزَالَة الْعقل بِالضَّرْبِ على الرَّأْس وَغَيره الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال المضغ الدِّيَة
وَفِي كسر الصلب الدِّيَة
وَفِي إِزَالَة الْبَطْش الدِّيَة
وَفِي الْمَنْع من الْمَشْي الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال الصَّوْت الدِّيَة
وَفِي إبِْطَال الذَّوْق الدِّيَة
وَيتَصَوَّر فِي الْأُذُنَيْنِ ديتان
كَمَا لَو قطع أُذُنَيْهِ وأزال سَمعه
وَيتَصَوَّر فِي الْفَم خمس ديات
كَمَا لَو قطع شَفَتَيْه ثمَّ قطع لِسَانه أَو أَزَال حَرَكَة لِسَانه وأزال صَوته
أَو قلع جَمِيع أَسْنَانه وأزال ذوقه بِحَيْثُ إِنَّه لَا يعرف الحلو من المر وَلَا يفرق بَينهمَا
فَتجب هَذِه الدِّيات على الْجَانِب كلهَا إِذا كَانَت الْحَيَاة بَاقِيَة فِيهِ
وَيتَصَوَّر فِي الْفَم نصف دِيَة أُخْرَى كَمَا لَو أَزَال إِحْدَى لحييْهِ وَأمكن وقُوف الآخر ثَابتا فِي مَكَانَهُ مَعَ الْحَيَاة
وَيتَصَوَّر فِي الْأنف ديتان بِقطع الْأنف وَزَوَال الشم
وَيتَفَرَّع على ذَلِك صور كَثِيرَة لَا يُمكن الْإِتْيَان بهَا لطولها وَبسط الْكَلَام فِيهَا
وَمَا تقدم ذكره من الصُّور فِي ذَلِك كَاف
وَفِيه مِثَال لغيره مِمَّا يحْتَاج إِلَى كِتَابَته
والحاذق الفهيم يُوقع الوقائع ويعتني بتنزيلها على الْقَوَاعِد المستقرة بلطيف تصرفه وَحسن وَضعه
ويراعى فِي كل صُورَة مَا هُوَ مَطْلُوب فِيهَا ومقصود بهَا الْخلاف بَين أَئِمَّة الْمذَاهب الْأَرْبَعَة رَحِمهم الله تَعَالَى رَحْمَة وَاسِعَة بمنه وَكَرمه
وَأما صور دَعْوَى الدَّم والقسامة فَمِنْهَا صُورَة دَعْوَى بالقسامة وَاسْتِيفَاء الْأَيْمَان من الْمُدعى عَلَيْهِم وَالْحكم بِالدِّيَةِ مقسطة

(2/242)


فِي ثَلَاث سِنِين على مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنَفِيّ فلَان وأحضر مَعَه جمَاعَة
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
وَادّعى عَلَيْهِم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن وَلَده فلَانا وجد قَتِيلا فِي الْموضع الْفُلَانِيّ الَّذِي هُوَ فِي حماية هَؤُلَاءِ وحفظهم أَو فِي محلتهم أَو فِي دَارهم أَو فِي مَسْجِد محلتهم فِي قريتهم وَالدَّم يخرج من أُذُنَيْهِ وَعَيْنَيْهِ أَو مَضْرُوب أَو بِهِ جراحات بِالسَّيْفِ أَو هُوَ مخنوق
وَسَأَلَ سُؤَالهمْ عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُمْ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَأَجَابُوا أَنهم مَا قَتَلُوهُ وَلَا علمُوا لَهُ قَاتلا
وَلَكِن اعْتَرَفُوا أَنه وجد قَتِيلا فِي محلتهم
فَطلب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور من الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْعَمَل فِي ذَلِك بِمُقْتَضى مذْهبه
وَالْحكم فِيهِ بِمَا يرَاهُ من معتقده
فَأعلمهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن يخْتَار خمسين رجلا من أهل الْمحلة أَو الْقرْيَة إِن شِئْت من مشايخهم وصلحائهم وَإِن شِئْت من شبابهم وَنِسَائِهِمْ يحلفُونَ خمسين يَمِينا مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
وتستحق الدِّيَة على الْعَاقِلَة
وهم أهل الْمحلة الْقَرِيب والبعيد من الْمُدعى عَلَيْهِم فِي ذَلِك سَوَاء
تقسط عَلَيْهِم فِي ثَلَاث سِنِين
فَأجَاب الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك
وَعين خمسين رجلا من مَشَايِخ تِلْكَ الْمحلة وصلحائهم وهم فلَان وَفُلَان وَيذكر أسمائهم كلهم وَقَالَ هَؤُلَاءِ يحلفُونَ
فَعرض الْحَاكِم الْأَيْمَان عَلَيْهِم
فبذلوها
وحلفوا بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم الَّذِي أنزل الْقُرْآن على نبيه وَرَسُوله مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمسين يَمِينا جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَنا مَا قتلنَا هَذَا الْقَتِيل
وَلَا علمنَا لَهُ قَاتلا
وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة مِنْهُم سَأَلَ الْخصم الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم بِالدِّيَةِ على مَا يرَاهُ من مذْهبه ومعتقده
فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله
وَحكم لَهُ بدية قتيله
وَهِي مائَة من الْإِبِل من أَرْبَعَة أَسْنَان
خمس وَعِشْرُونَ بنت مَخَاض وَخمْس وَعِشْرُونَ بنت لبون وَخمْس وَعِشْرُونَ حقة وَخمْس وَعِشْرُونَ جَذَعَة مقسطة على ثَلَاث سِنِين
يَسْتَوِي فِي أَدَائِهَا أقرباء الْمُدعى عَلَيْهِم الْأَقَارِب والأباعد حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ فِيمَا فِيهِ الْخلاف من ذَلِك
وَفِي السَّبَب الَّذِي يملك بِهِ أَوْلِيَاء الْمَقْتُول الْقسَامَة مَا هُوَ
وبمن يبْدَأ بأيمانهم من المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم
وَفِي الدِّيَة ووجوبها حَالَة أَو مقسطة
وَبعد اسْتِيفَاء الشَّرَائِط الشَّرْعِيَّة
وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا
ويكمل على نَحْو مَا سبق

(2/243)


صُورَة الْقسَامَة على مَذْهَب الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى والبداءة عِنْده بأيمان المدعين
وَتَعْيِين المدعين وَاحِدًا أَو جمَاعَة أَنه قتل قتيلهم عمدا ظلما وعدوانا
وَوُجُوب الْقود والعدول إِلَى الدِّيَة برضى المدعين وَالْمُدَّعى عَلَيْهِم حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْمَالِكِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَنه قتل مُوَرِثه فلَانا عمدا ظلما وعدوانا أَو يَقُول إِن مُوَرِثه فلَانا أشهد عَلَيْهِ قبل مَوته فِي حَال جَوَاز الْإِشْهَاد عَلَيْهِ شرعا وَهُوَ حر بَالغ مُسلم أَنه قَالَ اشْهَدُوا عَليّ أَن دمي عِنْد فلَان وَهُوَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو يكون الْمَقْتُول قد مَاتَ وَيَدعِي وَارثه أَن هَذَا قتل مورثي أَو أَنه وجد فِي مَكَان خَال من النَّاس وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ وَاقِف على رَأسه رَافع السِّلَاح مخضب بالدماء أَو يَقُول فَادّعى عَلَيْهِ الْوَارِث
وَذكر أَن لَهُ بَيِّنَة شَرْعِيَّة تشهد أَنه جرحه
وَأَنه عَاشَ بعد ذَلِك وَأكل وَشرب ثمَّ مَاتَ أَو يَقُول وَادّعى أَنه لما التقى الفئتان وانفصلتا فَوجدَ مورثي قَتِيلا بَينهمَا
وَقد عينت هَذِه الدَّعْوَى عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ أَن مُوَرِثه أشهد عَلَيْهِ قبل مَوته بالتدمية
وَأَنه قَالَ دمي عِنْد فلَان أَو تشهد أَنهم رَأَوْا الْمَقْتُول فِي مَكَان خَال من النَّاس
وَأَن هَذَا الْمُدعى عَلَيْهِ وَاقِف على رَأسه رَافع السِّلَاح مخضب بالدماء أَو غير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من الْأَسْبَاب وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ الْحَاكِم فأحضرهم
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ بذلك
وَسمع الْحَاكِم شَهَادَتهم وَقبلهَا
وَأوجب على الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عمد إِلَى مُوَرِثه وَقَتله عمدا ظلما وعدوانا
فبذل الْيَمين وَحلف خمسين يَمِينا بِاللَّه الْعَظِيم الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم أيمانا شَرْعِيَّة مستوفاة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَن هَذَا الْحَاضِر عمد إِلَى مُوَرِثه وَقَتله ظلما وعدوانا بِغَيْر حق
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور عَن دَافع شَرْعِي
فَلم يَأْتِ بدافع
فَحِينَئِذٍ سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم عَلَيْهِ بِالْقصاصِ
فَسَأَلَ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الْعُدُول إِلَى الدِّيَة
فَأَجَابَهُ الْمُدَّعِي إِلَى ذَلِك
فوداه بِمِائَة من الْإِبِل من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
وأحضر ذَلِك إِلَيْهِ
وَسلمهُ إِيَّاه
فتسلمه كتسلم مثله لمثل ذَلِك
ويكمل على نَحْو مَا سبق
مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن رد الْمُدَّعِي الْأَيْمَان على الْمُدعى عَلَيْهِ
فَإِن حلف خمسين يَمِينا أَنه مَا قَتله

(2/244)


وَلَا علم لَهُ قَاتلا برىء
وَإِن نكل عَن الْيَمين لَزِمته الدِّيَة فِي مَاله وَلَا يلْزم الْعَاقِلَة شَيْء
لِأَن النّكُول عِنْده كالاعتراف
والعاقلة لَا تحمل الِاعْتِرَاف
وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْقَتْل خطأ
كَمَا تقدم
صُورَة الْقسَامَة على مَذْهَب الإِمَام الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الشَّافِعِي فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الأول على الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن مُوَرِثه وجد قَتِيلا فِي قَرْيَة الْمُدعى عَلَيْهِ أَو فِي محلته
وَأَنه كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره فِيهَا
وَأَن ذَلِك بِمُقْتَضى وجود الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورين لوث
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم عَن ذَلِك
فَأجَاب بالإنكار
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن لَهُ بَيِّنَة تشهد لَهُ بذلك
وَسَأَلَ الْإِذْن فِي إحضارها
فَأذن لَهُ الْحَاكِم
فأحضر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور جمَاعَة من الْمُسلمين
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان
فَشَهِدُوا عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور كَانَ بَينه وَبَين مورث الْمُدَّعِي الْمَذْكُور عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره فِيهَا
ثمَّ أحضر بَيِّنَة أُخْرَى
وهم فلَان وَفُلَان وَفُلَان فَشَهِدُوا لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وَهُوَ فلَان وجد قَتِيلا فِي محلّة الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَو قريته
وَسمع الْحَاكِم شَهَادَتهم
وَقبلهَا لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا
وَتبين أَن ذَلِك لوث عِنْده اسْتحق الْمُدَّعِي بذلك الْقسَامَة الشَّرْعِيَّة وَاسْتِحْقَاق الدِّيَة
وَأَن مذْهبه اقْتضى أَن الْمُدَّعِي يبْدَأ فَيحلف خمسين يَمِينا بِاللَّه الْعَظِيم الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة الجامعة لمعاني الْحلف شرعا أَن الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور قتل مُوَرِثه الْمَذْكُور وَأَنه ضربه بِسيف أَو بِكَذَا فَمَاتَ مِنْهُ وَأَنه كَانَ بَينهمَا عَدَاوَة ظَاهِرَة لَا يُشَارِكهُ غَيره مَعَه فِيهَا
فَحلف على ذَلِك كَذَلِك
وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة مِنْهُ على الْوَجْه المشروح أَعْلَاهُ
وَثَبت ذَلِك جَمِيعه عِنْد الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ أعلم الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور أَن الْمُدَّعِي الْمَذْكُور اسْتوْجبَ الدِّيَة
فَعِنْدَ ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية قتيله على مُقْتَضى مذْهبه ومعتقد مقلده
وَهِي مائَة من الْإِبِل من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا
فَذكر الْمُدَّعِي الْمَذْكُور أَن الْإِبِل غير مَوْجُودَة الْآن هَهُنَا
وَأَنَّهَا أعوزت
وَسَأَلَ الْعُدُول عَنْهَا إِلَى الدَّرَاهِم
فَأجَاب الْمُدَّعِي الْمَذْكُور إِلَى ذَلِك
وَسَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الحكم لَهُ بدية قتيله بِاثْنَيْ عشر ألف دِرْهَم عِنْد إعواز الْإِبِل
وَعدم وجودهَا

(2/245)


فَإِن كَانَ أقسم على قتل الْعمد حكم للْمُدَّعِي بِالدِّيَةِ فِي مَال الْمُدعى عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ أقسم على شبه الْعمد أَو الْخَطَأ حكم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَيَقُول فَأَجَابَهُ إِلَى سُؤَاله وَحكم لَهُ بذلك لجوازه عِنْده شرعا حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَإِن كَانَ أقسم على قتل الْعمد
فَيَقُول وَحكم لَهُ بذلك فِي مَال الْمُدعى عَلَيْهِ
وَإِن كَانَ أقسم على شبه الْعمد أَو الْخَطَأ
فَيَقُول وَحكم لَهُ بذلك على عَاقِلَة الْمُدعى عَلَيْهِ
وهم أَقَاربه على تَرْتِيب الْمِيرَاث
فَإِن لم يقدر على تحملهَا الْأَقَارِب حمل مَعَهم الأباعد بقسطهم فِي ثَلَاث سِنِين على كل مِنْهُم ربع دِينَار ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الدَّعْوَى فِي ذَلِك على مَذْهَب الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الْحَنْبَلِيّ فلَان وَفُلَان
وَادّعى الْحَاضِر الثَّانِي لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ أَو أحضر مَعَه جمَاعَة وَيذكر أَسْمَاءَهُم وَإِن كَانَ المدعون جمَاعَة
فيذكر أَسْمَاءَهُم وَادّعى عَلَيْهِ أَو وَادعوا عَلَيْهِم لَدَى الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ وَيذكر نوعا من الْأَنْوَاع الْمُوجبَة للقسامة عِنْد أَحْمد مثل أَن يكون اللوث الْعَدَاوَة الظَّاهِرَة والعصبية كَمَا بَين الْقَبَائِل إِذا طَالب بَعضهم بَعْضًا بِالدَّمِ أَو يكون اللوث مَا بَين أهل الْبَغي وَأهل الْعدْل
وَهُوَ اخْتِيَار عَامَّة أَصْحَابه أَو يُوجد قَتِيل فِي صحراء بادية
وَعِنْده رجل بِسيف مُجَرّد ملطخ بِالدَّمِ
وَمثله يقتل أَو يَجِيء شُهُود من فساق وَنسَاء وصبيان أَن فلَانا قتل فلَانا
أَو يشْهد بِهِ رجل وَاحِد عدل أَو يدْخل قوم دَارا فَيَتَفَرَّقُونَ عَن قَتِيل ثمَّ يَقُول وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم
فَأجَاب بالإنكار
فَإِن كَانَ قد ادّعى أَنه كَانَ بَينه وَبَين الْمَقْتُول عَدَاوَة ظَاهِرَة أَقَامَ الْبَيِّنَة
كَمَا تقدم
وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ الْمُدعى عَلَيْهِ من أهل الْبَغي والقتيل من أهل الْعدْل ثمَّ يُقيم الْبَيِّنَة أَنه وجد قَتِيلا فِي الصَّحرَاء وَعِنْده هَذَا الرجل مُجَرّد سَيْفه
وَهُوَ ملطخ بالدماء أَو غير ذَلِك مِمَّا تقدم ذكره من أَسبَاب اللوث عِنْد أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى ثمَّ يَقُول عرف الْحَاكِم الشُّهُود
وَسمع شَهَادَتهم
وَقبلهَا بِمَا رأى مَعَه قبُولهَا
وَثَبت عِنْد السَّبَب الْمُوجب للقسامة الثُّبُوت الشَّرْعِيَّة
وَاسْتحق الْمُدَّعِي الْقسَامَة على الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور وَهُوَ أَن يحلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا شَرْعِيَّة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا
فَعرض الْأَيْمَان على الْمُدَّعِي أَو على المدعين
فَأَجَابُوا إِلَيْهَا وبذلوا الْأَيْمَان بعد أَن أوجبهَا عَلَيْهِم بِالْحِسَابِ

(2/246)


فَإِن كَانُوا خَمْسَة حلف كل وَاحِد مِنْهُم عشرَة أَيْمَان
وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة حلف كل وَاحِد سبع عشرَة يَمِينا وجبر الْكسر
ثمَّ يَقُول وَلما استوفيت الْأَيْمَان الشَّرْعِيَّة الْمُعْتَبرَة شرعا سَأَلَ الْمُدَّعِي الْحَالِف الْمَذْكُور أَو المدعون الحالفون الحكم لَهُم على الْمُدعى عَلَيْهِ
أَو على الْمُدعى عَلَيْهِم بدية الْعمد فِي مَالهم
هَذَا إِذا كَانَ عمدا وَإِن كَانَ خطأ فعلى عَاقِلَة الْمُدعى عَلَيْهِ أَو الْمُدعى عَلَيْهِم
فاستخار الله
وَحكم لَهُ أَوَّلهمْ بذلك مقسطة على الْعَاقِلَة فِي ثَلَاث سِنِين
وَإِن كَانَ عمدا فَفِي مَالهم حكما شَرْعِيًّا إِلَى آخِره
ويكمل على نَحْو مَا سبق
تَنْبِيه الْبَعِير فِي أول سنه يُسمى حوار
وَفِي الثَّانِيَة ابْن مَخَاض لِأَن أمه فِي الثَّانِيَة فِيهَا من الْمَخَاض وَهن الْحَوَامِل فنسب إِلَيْهَا
وَوَاحِد الْمَخَاض خلفة من غير لَفظهَا ثمَّ ابْن لبون فِي الثَّالِثَة
لِأَن أمه فِيهَا تكون ذَات لبن ثمَّ حق فِي الرَّابِعَة
يُقَال سمي بذلك لاستحقاقه أَن يحمل عَلَيْهِ ثمَّ جذع فِي السّنة الْخَامِسَة ثمَّ يلقِي ثنيته فِي السَّادِسَة فَهُوَ ثنى ثمَّ يلقِي رباعيته فِي السَّابِعَة
فَهُوَ رباع ثمَّ يلقِي السن الَّتِي بعد الرّبَاعِيّة
فَهُوَ سداس وسديس وَذَلِكَ فِي الثَّامِنَة ثمَّ يفْطر نابه فِي التَّاسِعَة
فَهُوَ باذل فَإِذا أَتَى عَلَيْهِ عَام بعد ذَلِك فَهُوَ مخلف وَلَيْسَ لَهُ اسْم بعد الإخلاف
وَلَكِن يُقَال مخلف عَام ومخلف عَاميْنِ وَمَا زَاد فعلى ذَلِك
ثمَّ لَا يزَال على ذَلِك حَتَّى يكون عودا إِذا هرم
فَإِذا انْتهى هرمه فَهُوَ بنت وَالْأُنْثَى أَب وَقَالَ أَبُو زيد الْمُؤَنَّث فِي هَذِه الْأَسْنَان بهاء تلْحق آخِره إِلَّا السديس والسداس والبازل
فَإِن هَؤُلَاءِ بِغَيْر هَاء
وَقَالَ الْكسَائي النَّاقة مخلف أَيْضا بِغَيْر هَاء
وَأما أَسْنَان الْإِنْسَان فعدتها اثْنَان وَثَلَاثُونَ سنا
أَربع ثنايا وَأَرْبع رباعيات والواحدة ربَاعِية مُخَفّفَة وَأَرْبع أَنْيَاب وَأَرْبَعَة ضواحك واثنتا عشرَة رحى ثَلَاث فِي كل شقّ وَأَرْبع نواجذ
وَهِي أقصاها
قَالَ أَبُو زيد لكل ذِي ظلف وخف ثنيتان من أَسْفَل فَقَط
وَلِذِي الْحَافِر وَالسِّبَاع كلهَا أَربع ثنايا وَلِذِي الْحَافِر بعد الثنايا أَربع رباعيات وَأَرْبع قوارح وَأَرْبَعَة أَنْيَاب وَثَمَانِية أضراس
وَصُورَة مَا إِذا قبض الْمُسْتَحق الدِّيَة قسط كل سنة من الْعَاقِلَة أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه قبض وتسلم من عَاقِلَة فلَان كَذَا وَكَذَا بِالسَّبَبِ الَّذِي سيعين فِيهِ
وَهُوَ أَن فلَانا الْفُلَانِيّ ثَبت عَلَيْهِ قتل فلَان مورث الْقَابِض الْمَذْكُور خطأ أَو شبه عمد بِمَجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ
وتحملت الْعَاقِلَة الْمَذْكُورَة الدِّيَة
وَالْقدر الْمَذْكُور هُوَ الْوَاجِب

(2/247)


على الْعَاقِلَة الْمَقْبُوض مِنْهُم الْمَذْكُورين فِيهِ للسّنة الأولى
وَآخِرهَا كَذَا وَكَذَا فَمن ذَلِك مَا قَبضه من فلَان كَذَا وَمَا قَبضه من فلَان كَذَا وَمَا قَبضه من فلَان كَذَا قبضا شَرْعِيًّا
وتصادقوا على ذَلِك كُله تَصَادقا شَرْعِيًّا
وَكَذَلِكَ يفعل فِي كل سنة
فَإِذا تغلق ذَلِك كتب آخر الْقَبْض فِي السّنة الثَّالِثَة إِقْرَارا بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق وَبَرَاءَة شَامِلَة
وَيَقُول فِي الْإِقْرَار وَلَا قصاص ولَايَة وَلَا خطأ وَلَا عمد وَلَا شبه عمد
كَمَا تقدم ذكره فِي كتاب الْإِقْرَار
وَصُورَة مَا إِذا عَفا الْوَارِث على الدِّيَة من غير قصاص
واعترف الْقَاتِل أَن الدِّيَة بَاقِيَة فِي ذمَّته أشهد عَلَيْهِ فلَان وَارِث فلَان أَنه أَبْرَأ فلَانا الَّذِي بَاشر قتل مُوَرِثه فلَان قتلا عمدا أزهق بِهِ روحه من قبل تَارِيخه من غير حق وَلَا مُوجب إِبْرَاء شَرْعِيًّا مقسطا للْقصَاص
وَرَضي بِأخذ الدِّيَة الشَّرْعِيَّة
وَهِي مائَة من الْإِبِل مُغَلّظَة فِي مَال الْجَانِي من ثَلَاثَة أَسْنَان ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا حَالَة
وَذَلِكَ بِحُضُور فلَان الْقَاتِل الْمَذْكُور وتصديقه على ذَلِك
واعترافه أَن الدِّيَة الْمَذْكُورَة بَاقِيَة فِي ذمَّته لفُلَان الْمَذْكُور بِالسَّبَبِ الْمعِين أَعْلَاهُ إِلَى تَارِيخه
لم تَبرأ ذمَّته من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ إِلَى الْآن
وَأَن الْكَفَّارَة فِي ذمَّته
وَعَلِيهِ الْخُرُوج من ذَلِك على الْوَجْه الشَّرْعِيّ
وَإِن كَانَ الْقَتْل خطأ فيفعل فِيهِ كَذَلِك
وَلَكِن الدِّيَة مخمسة كَمَا تقدم إِلَّا أَن يكون الْقَتْل فِي الْحرم أَو فِي شهر حرَام أَو محرما ذَا رحم
فَتكون مُثَلّثَة
وَكَذَلِكَ فِي شبه الْعمد
وَقد تقدم فِي هَذَا الْمَعْنى مَا فِيهِ كِفَايَة
وَصُورَة مَا إِذا وَجَبت غرَّة فِي جَنِين ظَهرت فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قَالَت القوابل إِن فِيهِ صُورَة آدَمِيّ
أَو قُلْنَ لَو بَقِي لتصور
وَإِذا شككن لم تجب قطعا
وَإِنَّمَا تكمل الْغرَّة فِي جَنِين حكم بحريَّته وإسلامه تبعا لأحد أَبَوَيْهِ
وَفِي جَنِين يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ ثلث غرَّة مُسلم
وَفِي مَجُوسِيّ ثلثا عشرهَا
والغرة عبد أَو أمة سليمَة من الْعَيْب
وَيجْبر الْمُسْتَحق على قبُوله من كل نوع لَا من خصي وَخُنْثَى وَكَافِر
وَإِن رَضِي بِالْعَيْبِ جَازَ
وَهِي لوَرَثَة الْجَنِين إِذا اتفقَا عَلَيْهَا وتسلمها الْمُسْتَحق
كتب أشهد عَلَيْهِ فلَان أَنه قبض وتسلم من فلَان كَذَا وَكَذَا بِالسَّبَبِ الَّذِي سيعين فِيهِ
وَهُوَ أَن فلَانا المقبض الْمَذْكُور جنى على حمل فُلَانَة فأجهضت جَنِينا فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قَالَ القوابل التقيات الأمينات أَن فِيهِ صُورَة آدَمِيّ أَو قُلْنَ لَو بَقِي لتصور
وَأَنه وَجب عَلَيْهِ بذلك الْغرَّة وَهُوَ الْقدر الْمَقْبُوض فِيهِ
يسْتَحقّهُ الْقَابِض الْمَذْكُور أَعْلَاهُ استحقاقا شَرْعِيًّا بتصادقهما على ذَلِك التصادق الشَّرْعِيّ
ويذيل بِإِقْرَار بِعَدَمِ اسْتِحْقَاق

(2/248)


وَبَرَاءَة شَامِلَة كَمَا تقدم
وَإِن حصل ذَلِك وتنازعا فِيهِ وترافعا إِلَى حَاكم شَرْعِي وَادّعى بِهِ عِنْده
وَوَقع الْإِنْكَار من الْجَانِي
فتقام الْبَيِّنَة بِاسْتِحْقَاق الْوَارِث وَصفَة الْجَنِين ويعذر للْمُدَّعى عَلَيْهِ وَيحلف الْمُدَّعِي على وفْق مَا شهِدت بِهِ الْبَيِّنَة وَيَقَع التشخيص وَحكم الْحَاكِم
ويكمل على نَحْو مَا سبق
وَصُورَة الدَّعْوَى فِي الْقَتْل بِالسحرِ حضر إِلَى مجْلِس الحكم الْعَزِيز الْفُلَانِيّ فلَان وَفُلَان وَادّعى الْحَاضِر الأول على الْحَاضِر الثَّانِي أَنه قتل فلَانا بسحره وَأَن سحره مِمَّا يقتل غَالِبا
وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك
فَسَأَلَهُ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
فَإِن أجَاب بالاعتراف فَلَا كَلَام
وَيفْعل مَعَه فِي ذَلِك مُقْتَضَاهُ شرعا
وَإِن أجَاب بالإنكار
فيقيم الْبَيِّنَة على إِقْرَاره
وَصفَة مَا يشْهد بِهِ الشُّهُود أَنه أقرّ أَنه قتل فلَانا الْمَذْكُور مورث الْمُدَّعِي الْمَذْكُور بسحره
وسحره مِمَّا يقتل غَالِبا وَأَن فلَانا الْمَذْكُور توفّي وَلم يخلف وَارِثا سوى الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَقبل الْحَاكِم شَهَادَتهم لما رأى مَعَه قبُولهَا شرعا ثمَّ اسْتحْلف الْمُدَّعِي الْمَذْكُور
فَحلف بِاللَّه الْعَظِيم عَالم الْغَيْب وَالشَّهَادَة الرَّحْمَن الرَّحِيم يَمِينا شَرْعِيَّة جَامِعَة لمعاني الْحلف شرعا أَن دَعْوَاهُ الْمَذْكُورَة صَحِيحَة وَأَن الْمُدعى عَلَيْهِ أقرّ أَنه قتل مُوَرِثه الْمَذْكُور بسحره وَأَن سحره مِمَّا يقتل غَالِبا وَأَنه مَا أَبرَأَهُ من ذَلِك وَلَا من شَيْء مِنْهُ وَأَنه يسْتَحق عَلَيْهِ الْقصاص بذلك وَأَن من شهد لَهُ بذلك صَادِق فِي شَهَادَته
وَلما تَكَامل ذَلِك سَأَلَ الْمُدَّعِي الْمَذْكُور الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ الْإِشْهَاد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت مَا قَامَت بِهِ الْبَيِّنَة الشَّرْعِيَّة عِنْده فِيهِ
وَاسْتِيفَاء الْقصاص الشَّرْعِيّ من الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور الِاسْتِيفَاء الشَّرْعِيّ
فأعذر للْمُدَّعى الْمَذْكُور
فاعترف بِعَدَمِ الدَّافِع والمطعن لذَلِك ولشيء مِنْهُ الِاعْتِرَاف الشَّرْعِيّ
وَثَبت اعترافه لَدَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بِثُبُوت ذَلِك عِنْده ثبوتا صَحِيحا شَرْعِيًّا وَحكم أيد الله أَحْكَامه بِمُوجب ذَلِك حكما شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة وَاعْتِبَار مَا يجب اعْتِبَاره شرعا من تشخيص الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ
وَمَعْرِفَة الْمَقْتُول الْمعرفَة الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ
وَأذن للْمُدَّعِي الْمَذْكُور فِي اسْتِيفَاء الْقصاص من الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور إِذْنا شَرْعِيًّا
ويكمل
وَهَذَا الْقَاتِل يقتل بِالسَّيْفِ

فصل السَّاحر من أهل الْكتاب
هَل يقتل أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد لَا يقتل وَقَالَ أَبُو حنيفَة يقتل كَمَا يقتل السَّاحر الْمُسلم
وَهل حكم الساحرة الْمسلمَة

(2/249)


حكم الرجل السَّاحر الْمُسلم قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد حكمهَا حكم الرجل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحبس وَلَا تقتل
4 - فصل من الْحُدُود الْمرتبَة
على الْجِنَايَات الرِّدَّة وَهِي قطع الْإِسْلَام بنية أَو قَول كفر أَو فعل سَوَاء قَالَه استهزاء أَو عنادا أَو اعتقادا

وَاتفقَ الْأَئِمَّة رَحِمهم الله تَعَالَى على أَن من ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام وَجب عَلَيْهِ الْقَتْل
وَاخْتلفُوا هَل يتحتم قَتله فِي الْحَال
أم يُوقف على استتابته وَهل استتابته وَاجِبَة أم مُسْتَحبَّة وَإِذا استتيب فَلم يتب هَل يُمْهل أم لَا فَقَالَ أَبُو حينفة لَا تجب استتابته وَيقتل فِي الْحَال إِلَّا أَن يطْلب الْإِمْهَال فيمهل ثَلَاثًا
وَمن أَصْحَابه من قَالَ وَإِن لم يطْلب الْإِمْهَال اسْتِحْبَابا
وَقَالَ مَالك تجب استتابته
فَإِن تَابَ فِي الْحَال قبلت تَوْبَته وَإِن لم يتب أمْهل ثَلَاثًا لَعَلَّه يَتُوب
فَإِن تَابَ وَإِلَّا قتل
وَللشَّافِعِيّ فِي وجوب الاستتابة قَولَانِ
أظهرهمَا الْوُجُوب
وَعنهُ رَضِي الله عَنهُ فِي الْإِمْهَال قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يُمْهل وَإِن طلب بل يقتل فِي الْحَال إِذا أصر على ردته
وعَلى أَحْمد رِوَايَتَانِ
أظهرهمَا كمذهب مَالك
وَالثَّانيَِة لَا تجب الاستتابة
وَأما الْإِمْهَال فَإِنَّهُ يخْتَلف مذْهبه فِي وُجُوبه ثَلَاثًا
وَهل الْمُرْتَد كالمرتدة أم لَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد الرجل وَالْمَرْأَة فِي حكم الرِّدَّة سَوَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحبس الْمَرْأَة وَلَا تقتل
وَهل تصح ردة الصَّبِي أم لَا قَالَ أَبُو حنيفَة تصح
وَقَالَ الشَّافِعِي لَا تصح ردة الصَّبِي
وَرُوِيَ مثل ذَلِك عَن أَحْمد
وَاتَّفَقُوا على أَن الزنديق وَهُوَ الَّذِي يسر الْكفْر وَيظْهر الْإِسْلَام يقتل
ثمَّ اخْتلفُوا فِي قبُول تَوْبَته إِذا تَابَ
فَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أظهر روايتيه وَهُوَ الْأَصَح من خَمْسَة أوجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي تقبل تَوْبَته
وَقَالَ مَالك وَأحمد يقتل وَلَا يُسْتَتَاب
وَرُوِيَ عَن أبي حنيفَة مثل ذَلِك
المصطلح وَفِيه صُورَة مَا إِذا وَقع شخص فِي كفر
وَاحْتَاجَ إِلَى الحكم بِإِسْلَامِهِ وحقن دَمه عِنْد الشَّافِعِي وَعند من يرى قبُول تَوْبَته

(2/250)


بَين يَدي سيدنَا فلَان الدّين الشَّافِعِي أَو الْحَنَفِيّ
ادّعى فلَان بطرِيق الْحِسْبَة لما فِيهِ من حق الله تَعَالَى وَحقّ رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقصد الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر على فلَان أَنه فِي يَوْم تَارِيخه أَو فِي أمس تَارِيخه أَو فِي الْوَقْت الْفُلَانِيّ قَالَ بِصَرِيح لَفظه كَذَا وَكَذَا وَيذكر لفظ الْمُكَفّر الَّذِي وَقع فِيهِ بِحُرُوفِهِ على سَبِيل الْحِكَايَة عَنهُ فِي الدَّعْوَى عَلَيْهِ من غير إخلال بِشَيْء مِمَّا تلفظ بِهِ ثمَّ يَقُول وَسَأَلَ سُؤَاله عَن ذَلِك فبادر الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور على الْفَوْر
وَقَالَ بِصَرِيح لَفظه أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله
وَأَنا مُسلم وَأَنا بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام
وَأَنا بَرِيء مِمَّا نسب إِلَيّ وَمِمَّا ادعِي بِهِ عَليّ وَمن كل جُزْء مِنْهُ مُوجب للتكفير أَو الرِّدَّة
ثمَّ يَقُول وَلما تلفظ الْمُدعى عَلَيْهِ الْمَذْكُور بذلك بَين يَدي سيدنَا الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ
وَثَبت تلفظه بِهِ لَدَيْهِ الثُّبُوت الشَّرْعِيّ بِالْبَيِّنَةِ الشَّرْعِيَّة
سَأَلَ الْحَاكِم الْمشَار إِلَيْهِ سَائل شَرْعِي الحكم لَهُ بِإِسْلَامِهِ وحقن دَمه وَإِسْقَاط التعزيرات عَنهُ وَقبُول تَوْبَته على مُقْتَضى مذْهبه الشريف واعتقاد مقلده
فاستخار الله كثيرا واتخذه هاديا ونصيرا
وَأجَاب السَّائِل إِلَى سُؤَاله وَحكم أيد الله أَحْكَامه وسدد نقضه وإبرامه بِصِحَّة إِسْلَام الْمُدَّعِي الْمَذْكُور وحقن دَمه وَقبُول تَوْبَته وَإِسْقَاط التعزيرات عَنهُ
وَمنع من يتَعَرَّض لَهُ أَو ينْسب إِلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر حكما صَحِيحا شَرْعِيًّا تَاما مُعْتَبرا مرضيا مسؤولا فِيهِ مُسْتَوْفيا شَرَائِطه الشَّرْعِيَّة مَعَ الْعلم بِالْخِلَافِ مُسْتَندا فِي حكمه الْمَذْكُور لنَصّ مذْهبه الشريف
واعتقاد مقلده إِمَام الْأَئِمَّة الْحجَّة مُحَمَّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي المطلبي رَضِي الله عَنهُ وأرضاه وَجعل الْجنَّة متقلبه ومثواه
المسطر فِي الْأُم
قَالَ الإِمَام الشَّافِعِي ادّعى على رجل أَنه ارْتَدَّ وَهُوَ مُسلم لم أكشف عَن الْحَال
وَقلت قل أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنَّك بَرِيء من كل دين يُخَالف دين الْإِسْلَام
انْتهى
وَمَا أفتى بِهِ الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام تَقِيّ الدّين السُّبْكِيّ
وَذكره فِي فَتَاوِيهِ
وَهُوَ قَوْله مَسْأَلَة هَل يجوز للْحَاكِم الشَّافِعِي أَن يحكم بِإِسْلَام شخص وعصمة دَمه وَإِسْقَاط التَّعْزِير عَنهُ وَمنع من يتَعَرَّض لَهُ إِذا نسب إِلَيْهِ مَا يَقْتَضِي الْكفْر وَلم تأت عَلَيْهِ بَيِّنَة وَهل يحْتَاج إِلَى اعترافه بصدور القَوْل مِنْهُ أجَاب رَحمَه الله تَعَالَى أَنه يجوز للْحَاكِم الشَّافِعِي الَّذِي يرى قبُول التَّوْبَة إِذا تلفظ الرجل بَين يَدَيْهِ بِكَلِمَة الْإِسْلَام
وَطلب مِنْهُ الحكم لَهُ وَقد ادّعى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ أَن

(2/251)


يحكم للمذكور بِإِسْلَامِهِ وعصمة دَمه وَإِسْقَاط التَّعْزِير عَنهُ
وَلَا يتَوَقَّف ذَلِك على اعترافه
فَإِنَّهُ قد يكون بَرِيئًا فِي نفس الْأَمر
وإلجاؤه إِلَى الِاعْتِرَاف على نَفسه بِخِلَاف مَا وَقع إِنَّمَا يحكم القَاضِي بِإِسْلَامِهِ مُسْتَندا إِلَى مَا سَمعه مِنْهُ من كلمة الْإِسْلَام
العاصمة للدم المبقية للمهجة الماحية لما قبلهَا وَيمْنَع بِحكمِهِ ذَلِك من ادّعى عَلَيْهِ بِخِلَاف مَا يُنَافِي ذَلِك وَمن التَّعَرُّض لَهُ بِمَا يَقْتَضِي الْكفْر
وَأشْهد على نَفسه الْكَرِيمَة بذلك فِي تَارِيخ كَذَا
وَيكْتب الْحَاكِم التَّارِيخ والحسبلة بِخَطِّهِ على الْعَادة
انْتهى
وَالله أعلم

(2/252)