حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل ثمَّ يمسح أُذُنَيْهِ ظاهرهما وباطنهما بِمَاء جَدِيد ثَلَاثًا
وَهُوَ قَول ابي ثَوْر
وَقَالَ مَالك الأذنان من الرَّأْس غير أَنه يسْتَحبّ أَن يَأْخُذ لَهما مَاء جَدِيدا
وَقَالَ أَحْمد هما من الرَّأْس فيمسحان مَعَ الرَّأْس على رِوَايَة الِاسْتِيعَاب ويجزىء مسحهما بِمَا مسح بِهِ الرَّأْس
وَرُوِيَ عَن ابي حنيفَة وَأَصْحَابه أَنَّهُمَا يمسحان بِمَا مسح بِهِ الرَّأْس
وَذهب الشّعبِيّ وَالْحسن بن صَالح إِلَى أَن مَا أقبل مِنْهُمَا على الْوَجْه من الْوَجْه فَيغسل مَعَه وَمَا أدبر مِنْهُمَا عَنهُ يمسح مَعَ الرَّأْس

(1/125)


ويحكى عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه كَانَ يغسلهما مَعَ الْوَجْه ويمسحهما مَعَ الرَّأْس ثَلَاثًا احْتِيَاطًا
وَقَالَ إِسْحَاق مسح الْأُذُنَيْنِ وَاجِب
فصل ثمَّ يغسل رجلَيْهِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ ثَلَاثًا
والكعبان هما العظمان الناتئان عِنْد مفصل السَّاق والقدم
وَذَهَبت الإمامية من الشِّيعَة إِلَى أَن الْوَاجِب هُوَ الْمسْح على ظهر الْقَدَمَيْنِ والأصابع إِلَى الْكَعْبَيْنِ والكعب عِنْدهم فِي ظهر الْقدَم وَالْغسْل عِنْدهم غير جَائِز

(1/126)


وَقَالَ بعض أهل الظَّاهِر يجب الْجمع بَين الْمسْح وَالْغسْل
وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ هُوَ مُخَيّر بَينهمَا
وَيسْتَحب الْبدَاءَة باليمنى من الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ
وَقَالَت الشِّيعَة يجب ذَلِك
فَإِن شكّ بعد الْفَرَاغ من الطَّهَارَة هَل مسح رَأسه أَو لم يمسحه فَالَّذِي ذكره الشَّيْخ ابو حَامِد أَنه لَا يُؤثر ذَلِك
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز لَهُ الدُّخُول فِي الصَّلَاة مَعَ الشَّك فِي تيَمّم الطَّهَارَة فيمسح رَأسه وَيغسل رجلَيْهِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله
وَيجب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء على مَا ذَكرْنَاهُ
وَحكى ابْن الْقَاص قولا آخر أَنه قَالَ إِذا نسي ذَلِك صَحَّ وضوءه وَالْمذهب الأول وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَمَالك لَا يجب التَّرْتِيب فِي الْوضُوء وَهُوَ قَول دَاوُد وَالزهْرِيّ وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

(1/127)


فَإِن صب أَرْبَعَة المَاء على أَعْضَائِهِ الْأَرْبَعَة فِي حَال وَاحِدَة لم يجزه من ذَلِك إِلَّا غسل الْوَجْه وَقيل يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن اغْتسل يَنْوِي رفع الْحَدث من غير جَنَابَة وَلم تترتب أعضاءه لم يجز فِي أصح الْوَجْهَيْنِ إِلَّا غسل الْوَجْه وَبنى بعض أَصْحَابنَا هذَيْن الْوَجْهَيْنِ على أَن الْحَدث يعم جَمِيع الْبدن أَو يخْتَص بالأعضاء الْأَرْبَعَة وَحكى فِي ذَلِك وَجْهَيْن وَهَذَا بِنَاء فَاسد وَإِن كَانَ الْمَذْهَب أَن الْحَدث يعم جَمِيع الْبدن
وَيجب التَّرْتِيب فِي الْأَعْضَاء المسنونة فِي أصح الْوَجْهَيْنِ لحُصُول السّنة بِهِ والتفريق الْكثير من غير عذر وَهُوَ بِقدر مَا يجِف المَاء عَن الْعُضْو فِي الزَّمَان المعتدل لَا يبطل الطَّهَارَة فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقَالَ فِي الْقَدِيم تبطل الطَّهَارَة وَهُوَ قَول مَالك وَاللَّيْث بن سعد والتفريق لعذر لَا يبطل
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ للعجز عَن المَاء أبطل وَإِن كَانَ لنسيان لم يبطل

(1/128)


وَرجح بعض أَصْحَابه فِي التفاحش إِلَى الْعرف
وَقَالَ أَحْمد التَّفْرِيق يبطل الْوضُوء دون الْغسْل
فَإِذا قُلْنَا إِنَّه يَبْنِي على الطَّهَارَة فَهَل يلْزمه تَجْدِيد النِّيَّة على مَا يغسلهُ فِي الْبناء فِيهِ وَجْهَان
وتفريق التَّيَمُّم كتفريق الْوضُوء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ تَفْرِيق التَّيَمُّم يُبطلهُ قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء

(1/129)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمسْح على الْخُفَّيْنِ
يجوز الْمسْح على الْخُفَّيْنِ فِي الْوضُوء
وَقَالَت الْخَوَارِج والإمامية لَا يجوز ذَلِك وَهُوَ قَول أبي بكر بن دَاوُد وَخَالف اباه فِي ذَلِك وَهُوَ مُؤَقّت بِيَوْم وَلَيْلَة فِي الْحَضَر وَثَلَاثَة ايام ولياليهن فِي السّفر على قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد

(1/130)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم هُوَ غير مُؤَقّت وَرجع عَنهُ وَهُوَ قَول مَالك فِي السّفر
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْحَضَر
فأشهر الرِّوَايَتَيْنِ أَنه يمسح من غير تَوْقِيت
وَالثَّانيَِة أَنه لَا يمسح بِحَال
وَقَالَ دَاوُد يمسح الْمُقِيم خمس صلوَات وَالْمُسَافر خمس عشرَة صَلَاة
وَابْتِدَاء الْمدَّة من حِين يحدث بعد لبس الْخُف إِلَى مثل ذَلِك الْوَقْت فِي الْحَضَر وَإِلَى مثله من الْيَوْم الرَّابِع فِي السّفر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَحْمد وَأَبُو ثَوْر وَدَاوُد ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين يمسح على الْخُف
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ ابْتِدَاء الْمدَّة من حِين اللّبْس

(1/131)


فصل إِذا مسح فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر أتم مسح مُقيم
وَبِه قَالَ أَحْمد وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا مسح أحد الْخُفَّيْنِ فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر وَمسح الْخُف الآخر فَإِنَّهُ يتم مسح مُسَافر وَهَذَا فَاسد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتم مسح مُسَافر
إِن أحدث فِي الْحَضَر وَدخل عَلَيْهِ وَقت الصَّلَاة فَلم يمسح حَتَّى خرج الْوَقْت ثمَّ سَافر وَمسح مسح مسح مُسَافر فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يتم مسح مُقيم
وَإِن سَافر قبل خُرُوج الْوَقْت وَمسح فِي السّفر مسح مسح مُسَافر
وَحكي عَن الْمُزنِيّ رَحمَه الله رِوَايَة غير مَعْرُوفَة أَنه يتم مسح مُقيم
وَإِن مسح فِي السّفر ثمَّ أَقَامَ أتم مسح مُقيم
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله إِذا مسح فِي السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة ثمَّ أَقَامَ مسح ثلث يَوْمَيْنِ وليلتين وَذَلِكَ ثلثا يَوْم وَلَيْلَة
فَإِن شكّ هَل بَدَأَ بِالْمَسْحِ فِي الْحَضَر أَو فِي السّفر بنى الْأَمر على أَنه

(1/132)


بَدَأَ بِهِ فِي الْحَضَر ليغسل الرجل بعد يَوْم وَلَيْلَة فَإِن بني الْأَمر على انه مسح فِي السّفر وَمسح فِي الْيَوْم الثَّانِي ثمَّ بَان لَهُ أَنه كَانَ قد بَدَأَ بِالْمَسْحِ فِي السّفر فَإِن صلَاته بِالْمَسْحِ فِي الْيَوْم الثَّانِي لَا تصح مَعَ الشَّك ومسحه صَحِيح على مَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله فَيصَلي بِهِ بعد التَّبْيِين
وَقَالَ غَيره لَا يَصح مَسحه مَعَ الشَّك وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام أبي إِسْحَاق رَحمَه الله