حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل ثمَّ يغسل وَجهه ثَلَاثًا
وَالْوَجْه مَا بَين منابت شعر الرَّأْس الْمُعْتَاد

(1/117)


إِلَى مُنْتَهى اللِّحْيَة والذقن طولا وَمن الْأذن إِلَى الْأذن عرضا وَفِي مَوضِع التحذيف وَهُوَ مَا بَين ابْتِدَاء العذار والنزعة دَاخِلا إِلَى الجبين من جَانِبي الْوَجْه يُؤْخَذ عَنهُ الشّعْر يَفْعَله الْأَشْرَاف وَجْهَان أظهرهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه من الرَّأْس
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس أَنه من الْوَجْه وَخرج بَعضهم على قَول أبي الْعَبَّاس فِي الصدغين أَنَّهُمَا من الْوَجْه
وَحكي عَن أبي الْفَيَّاض وَهُوَ قَول جُمْهُور الْبَصرِيين أَن مَا استعلى من الصدغين من الرَّأْس وَمَا انحدر عَن الْأُذُنَيْنِ من الْوَجْه وَهَذَا ظَاهر الْفساد
وَقَالَ الزُّهْرِيّ الأذنان من الْوَجْه فَإِن كَانَت لَهُ لحية كثة لم يلْزمه إِيصَال المَاء إِلَى الْبشرَة تحتهَا وَيسْتَحب لَهُ تخليلها وَيجب إفَاضَة المَاء على جَمِيعهَا

(1/118)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ يجب عَلَيْهِ مسح الشّعْر المحاذي لمحل الْفَرْض
وَفِي الرِّوَايَة الثَّانِيَة يمسح ربعه وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنه يسْقط الْفَرْض عَن الْبشرَة وَلَا يتَعَلَّق بِشعر اللِّحْيَة ويروى ذَلِك شاذا عَن أبي حنيفَة
وَيجب غسل مَا بَين العذار وَالْأُذن من الْبيَاض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يجب غسله على الملتحي
وَقَالَ مَالك لَا يجب غسله بِحَال
وحد الْوَجْه بالعذار فَإِن خرجت اللِّحْيَة عَن حد الْوَجْه طولا وعرضا لم يجب غسل مَا خرج مِنْهَا عَن حد الْوَجْه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي أَنه يجب إفَاضَة المَاء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول مَالك وَهُوَ الْأَصَح

(1/119)


فَإِن أَفَاضَ المَاء على لحيته أَو مسح شعره ثمَّ ذهب الشّعْر لم يجب غسل مَا تَحْتَهُ
وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ يجب غسله
فصل ثمَّ يغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا مَعَ الْمرْفقين
وَقَالَ زفر وابو بكر بن دَاوُد لَا يجب غسل الْمرْفقين فَإِن خلق لَهُ

(1/120)


يدان على منْكب إِحْدَاهمَا نَاقِصَة فالتامة هِيَ الأصيلة والناقصة خلقَة زَائِدَة فَمَا حاذي مِنْهَا مَحل الْفَرْض وَجب غسله
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجب غسلهَا بِحَال
فَإِن طَالَتْ أظافيره وَخرجت على رُؤُوس الْأَصَابِع وَجب غسلهَا قولا وَاحِدًا
وَمن اصحابنا من قَالَ هِيَ بِمَنْزِلَة اللِّحْيَة إِذا طَالَتْ وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَإِذا كَانَ اقْطَعْ الْيَد من فَوق الْمرْفق فَلَا فرض عَلَيْهِ فِي الْيَد
قَالَ الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ اسْتحبَّ أَن يمس مَا بَقِي من الْعَضُد مَاء فَظَاهر هَذَا أَن ذَلِك مُسْتَحبّ للأقطع خَاصَّة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ بل ذَلِك مُسْتَحبّ لكل وَاحِد لِأَنَّهُ من جملَة الإسباغ

(1/121)


فصل ثمَّ يمسح رَأسه وَالْوَاجِب مِنْهُ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الْمسْح وَإِن قل
وَقَالَ ابْن الْقَاص لَا يُجزئهُ اقل من ثَلَاث شَعرَات
وَقَالَ مَالك يجب مسح جَمِيع الراس
وَحكي عَن مُحَمَّد بن مسلمة انه قَالَ إِن ترك قدر الثَّلَاث جَازَ
وَقَالَ غَيره من أَصْحَابه إِن ترك قدرا يَسِيرا بِغَيْر قصد جَازَ

(1/122)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه يجب مسح جَمِيعه وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانيَِة انه يجب مسح أَكْثَره فَإِن ترك الثَّالِث مِنْهُ جَازَ
أظهرهمَا أَنه يمسح ربع الرَّأْس
وَالثَّانيَِة أَنه يجب مسح الناصية
وَالثَّالِثَة أَنه يمسح قدر ثَلَاث أَصَابِع بِثَلَاث أَصَابِع فَإِن كَانَ لَهُ شعر قد نزل عَن منبته وَلم ينزل عَن حد الرَّأْس فَمسح أَطْرَافه أَجزَأَهُ
وَقيل لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء
وَالسّنة أَن يمسح جَمِيع رَأسه ثَلَاثًا

(1/123)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك وَأَبُو ثَوْر لَا يسْتَحبّ التّكْرَار فِيهِ بِمَاء جَدِيد وَإِنَّمَا يمسح مرّة وَاحِدَة
وَقَالَ ابْن سِيرِين يمسح مرَّتَيْنِ
وَيسْتَحب لمن على رَأسه عِمَامَة لَا يُرِيد نَزعهَا أَن يمسح بناصيته ويتمم الْمسْح على الْعِمَامَة فَإِن اقْتصر على مسح الْعِمَامَة لم يجزه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد وَالثَّوْري وَدَاوُد يجزىء الْمسْح على الْعِمَامَة وَاعْتبر أَحْمد أَن يكون قد تعمم على طهر وَشرط بعض أَصْحَابه أَن تكون تَحت الحنك
فَإِن مسح جَمِيع رَأسه كَانَ مَا زَاد على مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم مُسْتَحبا
وَفِيه وَجه آخر أَن الْجَمِيع وَاجِب

(1/124)