حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

= كتاب الصّيام
يتحتم صَوْم رَمَضَان على كل مُسلم بَالغ عَاقل طَاهِر مُقيم قَادر على الصَّوْم فَأَما الْمُرْتَد فَيجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا فَاتَهُ من الصَّوْم فِي حَال الرِّدَّة إِذا أسلم خلافًا لأبي حنيفَة
وَيُؤمر الصَّبِي بِفعل الصَّوْم لسبع إِذا طاقه وَيضْرب على تَركه لعشر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح صَوْمه
فَإِن أَفَاق الْمَجْنُون أَو أسلم الْكَافِر فِي أثْنَاء النَّهَار لم يجب عَلَيْهِ قَضَاء ذَلِك الْيَوْم فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ
وَإِن بلغ الصَّبِي فِي أثْنَاء النَّهَار وَهُوَ صَائِم فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يلْزمه إِتْمَامه وَيسْتَحب لَهُ قَضَاؤُهُ

(3/143)


وَالثَّانِي أَنه يلْزمه قَضَاؤُهُ وَيسْتَحب لَهُ إِتْمَامه وَإِن بلغ مُفطرا لم يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَالْمَجْنُون إِذا أَفَاق بعد مُضِيّ شهر رَمَضَان لَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ ويحكى عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَفَاق فِي أثْنَاء الشَّهْر وَجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا مُضِيّ مِنْهُ
وَحكي عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا بلغ مَجْنُونا فأفاق فِي أثْنَاء الشَّهْر لم يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا مضى مِنْهُ
وَمن لَا يقدر على الصَّوْم بِحَال كالشيخ الْهَرم وَالْمَرِيض الَّذِي لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم وَيجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة فِي أصح الْقَوْلَيْنِ عَن كل يَوْم مد من طَعَام وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا أَنه قَالَ يطعم عَن كل يَوْم نصف صَاع من بر أَو صَاع من تمر
وَقَالَ أَحْمد يطعم مدا من بر أَو نصف صَاع من تمر أَو شعير

(3/144)


وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه لَا يجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو ثَوْر
فَإِن نذر صوما فِي حَال عَجزه لم ينْعَقد نَذره فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَأما الْمُسَافِر فَإِنَّهُ إِن كَانَ الصَّوْم لَا يجهده فَالْأَفْضَل لَهُ أَن يَصُوم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد وَالْأَوْزَاعِيّ الْفطر لَهُ أفضل
وَذهب قوم من أهل الظَّاهِر إِلَى أَن الصَّوْم فِي السّفر لَا يَصح وَيجوز لَهُ الْفطر بِالْأَكْلِ وَالْجِمَاع
وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز لَهُ الْفطر بِالْجِمَاعِ وَإِذا جَامع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
فَإِن شرع فِي الصَّوْم فِي السّفر فَلهُ أَن يفْطر إِن شَاءَ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ يحْتَمل أَن يُقَال لَا يجوز لَهُ الْفطر
فَإِن أصبح فِي الْحَظْر صَائِما ثمَّ سَافر لم يجز لَهُ الْفطر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالزهْرِيّ
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يجوز لَهُ الْفطر وَبِه قَالَ دَاوُد وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
فَإِن قدم الْمُسَافِر وَهُوَ مفطر أَو بَرِيء من الْمَرَض وَهُوَ مفطر اسْتحبَّ لَهُ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَلَا يجب ذَلِك وَكَذَا الصَّبِي يبلغ وَالْكَافِر يسلم وَالْحَائِض تطهر فِي أثْنَاء النَّهَار

(3/145)


وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا فِي الْكَافِر يسلم وَالصَّبِيّ يبلغ وَجه آخر أَنه يلْزمهُمَا إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وبقولنا قَالَ مَالك وَدَاوُد
وَحكي فِي الْحَائِض وَجه آخر أَنه يلْزمهَا إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار
وَحكي فِي الْحَاوِي أَن طَريقَة الْبَصرِيين فِي الْمَرِيض يبرأ أَنه يلْزمه الْإِمْسَاك بِخِلَاف الْمُسَافِر
وَحكي فِي الْمَجْنُون يفِيق قَوْلَيْنِ فِي وجوب التَّشَبُّه بالصائمين
وَقيل لَا يلْزمه التَّشْبِيه قولا وَاحِدًا
وَحكى فِي الْكَافِر يسلم قَوْلَيْنِ
وَقيل يلْزمه التَّشَبُّه قولا وَاحِدًا
وَالأَصَح مَا ذَكرْنَاهُ أَولا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري يلْزم جَمِيع أَرْبَاب الْأَعْذَار إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار عِنْد زَوَال أعذارهم
وَإِن قدم الْمُسَافِر وَهُوَ صَائِم أَو برىء الْمَرِيض وَهُوَ صَائِم لم يجز لَهما الْفطر فِي قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَجَاز فِي قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة

(3/146)


فَإِن خَافت الْحَامِل أَو الْمُرْضع على ولديهما من الصَّوْم أفطرتا ولزمهما الْقَضَاء وَالْكَفَّارَة عَن كل يَوْم مد طَعَام فِي أصح الْأَقْوَال
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْكَفَّارَة غير وَاجِبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله
وَالثَّالِث أَنَّهَا تجب على الْمُرْضع دون الْحَامِل وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه لَا كَفَّارَة على وَاحِدَة مِنْهُمَا
وَرُوِيَ عَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا تجب عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَة دون الْقَضَاء
وَقَالَ أَحْمد يجب عَن كل يَوْم مد بر أَو نصف صَاع من شعير أَو تمر وَبِه قَالَ مُحَمَّد مَعَ الْقَضَاء
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الْحَامِل والمرضع إِذا أفطرتا لمَرض أَو سفر للترفق فَلَا فديَة وَإِن كَانَ لأجل الْوَلَد فعلَيْهِمَا الْفِدْيَة وَإِن لم يكن لَهما نِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْمُسَافِر يطَأ لَا يقْصد التَّرَخُّص فِي وجوب الْكَفَّارَة عَلَيْهِ قَولَانِ وَفِيمَا ذكره نظر وَمَعَ السّفر

(3/147)


وَالْمَرَض لَا يجب عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَة بِحَال وَلَا يخْتَلف الْحَال بِالْقَصْدِ وَعدم الْقَصْد
وَقد اخْتلف فِي الصَّوْم وَالصَّلَاة أَيهمَا أفضل
فَقَالَ قوم الصَّلَاة أفضل
وَقَالَ آخَرُونَ الصَّوْم أفضل
وَقَالَ آخَرُونَ الصَّلَاة بِمَكَّة أفضل وَالصَّوْم بِالْمَدِينَةِ أفضل وَالْأول أصح

فصل
وَيجب صَوْم رَمَضَان بِرُؤْيَة الْهلَال فَإِن غم عَلَيْهِم أكملوا عدَّة شعْبَان ثَلَاثِينَ يَوْمًا ثمَّ صَامُوا
وَحكي عَن قوم أَنهم قَالُوا يجوز أَن يجْتَهد فِي ذَلِك وَيعْمل بقول المنجمين
وَلَا يَصُومُونَ يَوْم الشَّك من رَمَضَان وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَت السَّمَاء مصحية كره صَوْمه وَإِن كَانَت متغيمة وَجب صَوْمه من رَمَضَان
وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنه إِن صَامَ الإِمَام صَامَ النَّاس وَإِن أفطر الإِمَام أفطروا وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ

(3/148)


وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة نَحْو قَوْلنَا وَاخْتلف أَصْحَابه فِي قيام لَيْلَة الشَّك
فَإِن أَصْبحُوا فِي يَوْم الثَّلَاثِينَ من شعْبَان فَقَامَتْ الْبَيِّنَة أَنه من رَمَضَان لَزِمَهُم قَضَاؤُهُ وَهل يلْزمهُم إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يلْزمهُم وَهل يثابون على هَذَا الْإِمْسَاك على الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا انهم يثابون عَلَيْهِ
ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَنه إِن كَانَ لم يَأْكُل شَيْئا فَأمْسك فَإِنَّهُ يكون صَائِما صوما شَرْعِيًّا على قَول أبي إِسْحَاق من حِين أمسك وَلَيْسَ بِصَحِيح فَإِن كَانَ مِمَّن يعرف الْمنَازل والحساب فَنوى لَيْلَة الثَّلَاثِينَ أَنه صَائِم غَدا من رَمَضَان بِحكم مَا عرف من ذَلِك فَقَامَتْ الْبَيِّنَة بِالنَّهَارِ أَنه من رَمَضَان فَهَل يُجزئهُ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يُجزئهُ حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن أبي الْعَبَّاس ابْن سُرَيج وَاخْتَارَهُ وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا أَن الصَّوْم لَا يلْزم بِالْحِسَابِ وَمَعْرِفَة الْمنَازل على الْعُمُوم وَهل يلْزم الَّذِي عرف ذَلِك فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يلْزمه وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج
فَإِن رَأَوْا الْهلَال بِالنَّهَارِ فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة قبل الزَّوَال كَانَ أَو بعده فِي أول شهر أَو آخِره وَهُوَ قَول مَالك وَأبي حنيفَة

(3/149)


وَقَالَ ابْن أبي ليلى وَالثَّوْري وَأَبُو يُوسُف إِن كَانَ قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة وَإِن كَانَ بعد الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمُسْتَقْبلَة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ فِي أول رَمَضَان قبل الزَّوَال فَهُوَ لليلة الْمَاضِيَة وَإِن كَانَ فِي آخِره فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه لليلة الْمَاضِيَة
وَإِن رَأَوْا الْهلَال فِي بلد وَلم يروه فِي بلد آخر فَإِن كَانَا متقاربين وَجب الصَّوْم على أهل البلدين وَإِن كَانَا متباعدين وَجب على من رأى وَلم يجب على من لم ير
والتباعد أَن يخْتَلف الْمطَالع كالعراق وَالشَّام والحجاز وَهَذَا الَّذِي ذكره الشَّيْخ أَبُو حَامِد
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يجب الصَّوْم على أهل جَمِيع الْبِلَاد بِالرُّؤْيَةِ فِي بَعْضهَا وَحكى ذَلِك عَن أَحْمد
وَفِي الْعدَد الَّذِي تثبت بِهِ رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان قَولَانِ

(3/150)


أصَحهمَا أَنَّهَا تثبت بِرُؤْيَة الْعدْل الْوَاحِد وَهُوَ الصَّحِيح عَن احْمَد
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يثبت إِلَّا بِشَهَادَة عَدْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَالْأَوْزَاعِيّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ فِي الْغَيْم ثَبت بِشَهَادَة الْوَاحِد وَإِن كَانَ فِي الصحو لم يثبت إِلَّا بِشَهَادَة الاستفاضة وَهُوَ الْعدَد الْكثير
فَإِذا قُلْنَا يقبل من الْوَاحِد فَهَل يقبل فِيهِ شَهَادَة الْمَرْأَة وَالْعَبْد فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يقبل وَحكى فِي اعْتِبَار لفظ الشَّهَادَة وَجْهَان
وَلَا يقبل على رُؤْيَة هِلَال الْفطر شَهَادَة الْوَاحِد قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَبُو ثَوْر يقبل فِيهِ شَهَادَة الْوَاحِد أَيْضا وَإِذا قُلْنَا تقبل شَهَادَة الْمَرْأَة وَالْعَبْد على رُؤْيَة الْهلَال
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر يَنْبَغِي أَن لَا يعْتَبر سَماع الْحَاكِم بل مَتى

(3/151)


سمع مِمَّن يَثِق بِهِ أَنه رأى الْهلَال لزمَه الصَّوْم وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
فَإِن شهد وَاحِد بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان فصاموا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فغم الْهلَال
فقد قَالَ فِي الْأُم يفطرون وَحكى مثل ذَلِك الْحسن عَن أبي حنيفَة
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يفطرون وَهُوَ قَول أَحْمد بن الْحسن
فَإِن شهد اثْنَان بِرُؤْيَة هِلَال رَمَضَان وَصَامَ النَّاس ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَالسَّمَاء مصحية فَلم يرَوا الْهلَال فَفِيهِ وَجْهَان
قَالَ ابْن الْحداد لَا يفطرون
وَقَالَ أَكثر أَصْحَابنَا يفطرون
فَإِن رأى هِلَال رَمَضَان وَحده صَامَ وَإِن رأى هِلَال شَوَّال وَحده أفطر وَيَنْبَغِي أَن يفْطر سرا مَخَافَة التُّهْمَة
وَحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا قَالَا لَا يجب عَلَيْهِ الصَّوْم بِرُؤْيَتِهِ وَحده
وَقَالَ أَحْمد إِذا رأى الْهلَال وَحده فِي آخر الشَّهْر لَا يحل لَهُ الْأكل
فَإِن اشتبهت الشُّهُور على أَسِير لزمَه أَن يتحَرَّى فَإِن وَافق شهرا بعد

(3/152)


رَمَضَان نَاقِصا وَكَانَ شهر رَمَضَان الَّذِي صَامَهُ النَّاس تَاما لزمَه قَضَاء يَوْم فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله
وَالثَّانِي وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي حَامِد الاسفراييني أَنه لَا يلْزمه وَحَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ
وَإِن وَافق شهرا قبل رَمَضَان
قَالَ أَبُو إِسْحَاق لَا يُجزئهُ قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَكثر أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك وَإِن وَافق رَمَضَان أَجزَأَهُ
وَحكي عَن الْحسن بن صَالح بن حَيّ أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ
فَإِن لم يغلب على ظن الْأَمِير دُخُول شهر رَمَضَان عَن أَمارَة
فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق أَنه يلْزمه أَن يَصُوم على سَبِيل التخمين وَيُعِيد
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا عِنْدِي غير صَحِيح لِأَنَّهُ لَا بُد من يَقِين أَو ظن فِي دُخُول وَقت الْعِبَادَة

(3/153)


فصل
وَلَا يَصح صَوْم رَمَضَان وَلَا غَيره من الصّيام إِلَّا بنية
وَحكي عَن زفر بن الْهُذيْل أَنه قَالَ صَوْم رَمَضَان إِذا تعين عَلَيْهِ لم يفْتَقر إِلَى النِّيَّة وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء
ويفتقر كل يَوْم إِلَى نِيَّة مجددة
وَقَالَ مَالك يَكْفِيهِ نِيَّة وَاحِدَة من أول لَيْلَة من الشَّهْر أَنه يَصُوم جَمِيعه وروى ذَلِك أَيْضا عَن احْمَد
وَلَا يَصح صَوْم رَمَضَان وَلَا غَيره من الصّيام الْوَاجِب بنية من نَهَار إِلَّا بنية من اللَّيْل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَحكي عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون أَنه إِذا أصبح يَوْم الثَّلَاثِينَ من

(3/154)


شعْبَان وَقَامَت الْبَيِّنَة بِرُؤْيَة الْهلَال من اللَّيْل وَلم يكن أكل وَلَا نوى الصَّوْم فَإِنَّهُ يلْزمه الْإِمْسَاك وَيجزئهُ صَوْمه وَلَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح أَدَاء رَمَضَان بنية من النَّهَار قبل الزَّوَال وَكَذَلِكَ كل صَوْم تعلق بِزَمَان بِعَيْنِه وَهل تصح نِيَّته مَعَ طُلُوع الْفجْر فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يَصح
وَيجزئهُ النِّيَّة فِي جَمِيع اللَّيْل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن نوى بِاللَّيْلِ ثمَّ أكل بعده أَو جَامع لم تبطل نِيَّته فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَحكي عَن أبي إِسْحَاق أَن نِيَّته تبطل وَلَيْسَ بِشَيْء
وَيجب تعْيين النِّيَّة للصَّوْم الْوَاجِب وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة صَوْم رَمَضَان لَا يفْتَقر إِلَى تعْيين النِّيَّة فَلَو نوى النَّفْل فِيهِ أَو صوما غَيره انْصَرف إِلَى صَوْم رَمَضَان وَكَذَلِكَ النّذر الْمعِين وَأما الْمُسَافِر إِذا نوى النَّفْل فِي رَمَضَان فَفِيهِ عَنهُ رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه ينْعَقد نفلا
وَالثَّانيَِة أَنه يَقع عَن رَمَضَان فَإِن نوى فِي السّفر فِي رَمَضَان فرضا غير رَمَضَان انْعَقَد مَا نَوَاه عِنْده

(3/155)


وَالتَّعْيِين أَن يَنْوِي صَوْم رَمَضَان وَهل يفْتَقر إِلَى نِيَّة الْوَاجِب
فِيهِ وَجْهَان وَفِي وجوب نِيَّة الْأَدَاء وَجْهَان
فَإِن شرع فِي الصَّوْم ثمَّ نوى الْفطر بَطل صَوْمه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن نوى أَنا صَائِم غَدا إِن شَاءَ زيد لم تصح نِيَّته وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يَصح
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله يجب أَن يفصل القَوْل فِي ذَلِك فَيُقَال إِن كَانَ قد قصد بِذكر الْمَشِيئَة الشَّك فِي فعله لم يَصح صَوْمه وَإِن كَانَ قَصده أَن فعله للصَّوْم على كل حَال إِنَّمَا يكون بِمَشِيئَة الله وتيسيره وتوفيقه وَلم يقْصد التَّرَدُّد فِي فعله فَذَلِك تَأْكِيد للنِّيَّة فَيصح صَوْمه
فَإِن قَالَ أَنا صَائِم غَدا عَن قَضَاء رَمَضَان أَو تطوع وَقع تَطَوّعا وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن
وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ يَقع عَن الْقَضَاء
فَإِن نَوَت الْمَرْأَة أَن تَصُوم غَدا إِن انْقَطع حَيْضهَا وَكَانَ عَادَتهَا ان يَنْقَطِع فِي تِلْكَ اللَّيْلَة فَانْقَطع دَمهَا فَهَل تصح نِيَّتهَا هَذِه فِيهِ وَجْهَان
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَلَو عقد رجل على أَن غَدا عِنْده من رَمَضَان فِي يَوْم الشَّك ثمَّ بَان من رَمَضَان أَجزَأَهُ

(3/156)


وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي صُورَة هَذِه الْمَسْأَلَة
فَمنهمْ من قَالَ صورتهَا أَن يُخبرهُ رجل بِرُؤْيَة الْهلَال فيغلب على ظَنّه صَدَقَة فينوى الصَّوْم من اللَّيْل ثمَّ تقوم الْبَيِّنَة من الْغَد أَنه من رَمَضَان فيجزئه صَوْمه
وَمِنْهُم من قَالَ صورتهَا أَن يكون عَالما بِحِسَاب النُّجُوم ومنازل الْقَمَر فيغلب على ظَنّه من جِهَة الْحساب أَن الْهلَال يرى لَو كَانَت السَّمَاء مصحية فينوي الصَّوْم من اللَّيْل ثمَّ تقوم الْبَيِّنَة من الْغَد بِرُؤْيَة الْهلَال فَإِنَّهُ يُجزئهُ
وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ المنجم لَو أخبر غَيره بِمَا غلب على ظَنّه فَعمل عَلَيْهِ لم يجزه وَكَذَا إِذا عمل هُوَ بظنه
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب فَيجب أَن يكون فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجزؤه وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب
وَحكى غَيره فِي لُزُوم الصَّوْم بِهِ فِي حق من يعرف وَجْهَيْن
ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي الْمُجَرّد إِذا نوى أَن يَصُوم غَدا من رَمَضَان سنة تسعين وَكَانَت سنة إِحْدَى وَتِسْعين فغلط لم تصح نِيَّته وَلَو نوى أَن يَصُوم غَدا من هَذِه السّنة وظنها سنة تسعين وَكَانَت إِحْدَى وَتِسْعين صحت نِيَّته

(3/157)


قَالَ وَلَو نوى أَن يَصُوم غَدا وظنه يَوْم الِاثْنَيْنِ فَبَان يَوْم الثُّلَاثَاء أجزاه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلَا فرق بَين هَذِه الْمسَائِل وَيَنْبَغِي أَن يُجزئهُ فِي الْكل إِذا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاء الْيَوْم الأول من رَمَضَان فَنوى قَضَاء الْيَوْم الثَّانِي
حُكيَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه لَا يُجزئهُ
وَحكى القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا كَانَ قد عين الْمَكَان اَوْ الزَّمَان فِي الصَّوْم فاخطأ أَجْزَأَ فَأَما إِذا عين الصَّلَاة فَأَخْطَأَ فِيهَا فَإِنَّهَا لَا تجزىء
أَربع مسَائِل لَا يعْتَبر فِيهَا التَّعْيِين فِي الْجُمْلَة وَهِي الْكَفَّارَة والإمامة فِي الصَّلَاة لَا يجب تعْيين الإِمَام فِيهَا وَلَا تعْيين سَبَب الْكَفَّارَة من قتل أَو غَيره وَإِذا عينه فَأَخْطَأَ لم يجزه وَفِي الزَّكَاة إِذا أخرج خَمْسَة دَرَاهِم عَن زَكَاة مَاله الْغَائِب إِن كَانَ سالما فَلم يكن سالما لم يَقع عَن غَيره وَصَلَاة الْجِنَازَة لَا يعْتَبر فِيهَا تعْيين الْمَيِّت فَلَو عينه وَأَخْطَأ لم يَصح وَالْيَوْم فِي الصَّوْم كالوقت فِي الصَّلَاة
وَحكي القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَجها آخر عَن بعض أَصْحَابنَا

(3/158)


أَنه إِذا نوى قَضَاء الْيَوْم الأول من رَمَضَان فَكَانَ الثَّانِي أَنه يُجزئهُ فعلى مُقْتَضى هَذَا يجب أَن يكون فِي الْمسَائِل كلهَا وَجْهَان
فَأَما صَوْم التَّطَوُّع فَيصح بنية قبل الزَّوَال وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يَصح بنية من النَّهَار أَيْضا وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَحكي حَرْمَلَة أَنه يجوز ان يَنْوِي النَّفْل بعد الزَّوَال فَإِذا نوى قبل الزَّوَال كَانَ صَائِما من اول النَّهَار
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي يكون صَائِما من وَقت النِّيَّة وَفرع على هَذَا أَنه يجوز أَن يَأْكُل فِي أول النَّهَار ثمَّ يَنْوِي الصَّوْم فِي الْبَاقِي وَهَذَا ظَاهر الْفساد

(3/159)


فصل
وَيدخل فِي الصَّوْم بِطُلُوع الْفجْر وَيخرج مِنْهُ بغروب الشَّمْس فَإِن أصبح جنبا صَحَّ صَوْمه
وَحكي عَن أبي هُرَيْرَة وَسَالم بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا إِذا أصبح جنبا بَطل صَوْمه وَيلْزمهُ إمْسَاك بَقِيَّة النَّهَار وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ
وَقَالَ عُرْوَة بن الزبير وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِن أخر الِاغْتِسَال لغير عذر بَطل صَوْمه
وَحكى الشَّيْخ ابو نصر رَحمَه الله عَن الْحسن نَحْو قَول أبي هُرَيْرَة
وَعَن طَاوس نَحْو قَول عُرْوَة
وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَ فِي الْفَرْض قَضَاهُ وَفِي النَّفْل لَا يقْضِي

(3/160)


وَإِن طلع الْفجْر وَفِي فِيهِ طَعَام فلفظه أَو كَانَ مجامعا فَنزع مَعَ طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يَصح صَوْمه إِذا نزع مَعَ طُلُوع الْفجْر وَهُوَ قَول مَالك وَزفر وَأحمد 2
فَإِن أكل شاكا فِي طُلُوع الْفجْر صَحَّ صَوْمه وان أكل شاكا فِي غرُوب الشَّمْس بَطل صَوْمه
وَحكى أَصْحَابنَا عَن مَالك أَنه إِذا أكل شاكا فِي طُلُوع الْفجْر فسد صَوْمه
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم أَجِدهُ لأَصْحَابه
وَحكي عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا لَا قَضَاء عَلَيْهِ وَهُوَ قَول عَطاء
وَعَن مَالك أَنه يقْضِي فِي الْفَرْض دون النّذر الْمعِين
فَإِن كَانَ بَين أَسْنَانه شَيْء فابتلعه وَهُوَ متميز عَن رِيقه بَطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يبطل صَوْمه وَقدره بَعضهم بِقدر الحمصة
فَإِن جمع رِيقه فِي فِيهِ ثمَّ ابتلعه فَفِيهِ وَجْهَان

(3/161)


أَحدهمَا أَنه يبطل صَوْمه فَأَما إِذا نزلت النخامة من رَأسه إِلَى حلقه فبلعها وَكَانَ يُمكن قَذفهَا بَطل صَوْمه وَحكى فِيهِ وَجه آخر وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن أسقط أَو صب المَاء فِي أُذُنه فوصل إِلَى دماغه بَطل صَوْمه وَكَذَا إِذا احتقن
وَقَالَ الْحسن بن صَالح وَدَاوُد جَمِيع ذَلِك لَا يفْطر
وَقَالَ ابو حنيفَة الحقنة لَا تفطر والتقطير فِي الإخليل لَا يفْطر
وَلنَا فِي التقطير فِي الإحليل وَجْهَان
فَإِن كَانَ بِهِ جَائِفَة فداواها فوصل الدَّوَاء إِلَى جَوْفه بَطل صَوْمه وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَقَالَ مَالك لَا يفْطر وَاخْتلف عَنهُ فِي الحقنة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
فَإِن جرح نَفسه فوصلت الْجراحَة إِلَى جَوْفه أَو أجافه غَيره بِإِذْنِهِ بَطل صَوْمه خلافًا لأبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ مَالك السعوط لَا يفْطر إِلَّا أَن ينزل إِلَى حلقه
فَإِن أستف تُرَابا أَو ابتلع حَصَاة بَطل صَوْمه

(3/162)


وَقَالَ الْحسن بن صَالح مَا لَيْسَ بِطَعَام وَلَا شراب لَا يفْطر بِهِ وَإِن استقاء عَامِدًا بَطل صَوْمه
وَحكي عَن عبد الله بن عَبَّاس وَعبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يفْطر بذلك وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب مَالك
وَإِن ذرعه الْقَيْء لم يفْطر
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه يفْطر بِهِ وَهُوَ قَول عَطاء والقبلة مُحرمَة فِي الصَّوْم فِي حق من تحرّك شَهْوَته وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك هِيَ مُحرمَة بِكُل حَال

(3/163)


وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
فَإِن نظر بِشَهْوَة فَأنْزل لم يبطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك يبطل صَوْمه
فَإِن قبل فأمذى لم يفْطر
وَقَالَ أَحْمد يفْطر
وَإِن فعل شَيْئا من مَحْظُورَات الصَّوْم نَاسِيا لصومه لم يبطل صَوْمه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ ربيعَة وَمَالك يبطل صَوْمه
وَقَالَ عَطاء وَالْأَوْزَاعِيّ يبطل صَوْمه بِالْجِمَاعِ نَاسِيا دون الْأكل
وَقَالَ أَحْمد يبطل صَوْمه بِالْجِمَاعِ نَاسِيا وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة دون الْأكل فَإِن أكره حَتَّى أكل أَو أكرهت الْمَرْأَة حَتَّى مكنت من الوطىء فَفِي بطلَان الصَّوْم بِهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَحْمد يفْطر بِالْجِمَاعِ مَعَ الْإِكْرَاه وَتجب بِهِ الْكَفَّارَة وَلَا يفْطر بِالْأَكْلِ

(3/164)


السن للصَّائِم ترك الْمُبَالغَة فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فَإِن وصل المَاء إِلَى جَوْفه أَو دماغه من غير مُبَالغَة فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يفْطر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي أَنه لَا يفْطر وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ قَول أَحْمد وَأبي ثَوْر
فَأَما إِذا بَالغ فَسبق المَاء إِلَى حلقه بَطل صَوْمه فِي ظَاهر الْمَذْهَب قولا وَاحِدًا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ أَيْضا قَولَانِ وَالْأول أصح
وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَ قد تَوَضَّأ لمكتوبة لم يفْطر وَإِن كَانَ لنافلة يفْطر
فصل
وَمن أفطر فِي رَمَضَان بِغَيْر جماع من غير عذر وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وإمساك بَقِيَّة نَهَاره وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وعزره السُّلْطَان وَبِه قَالَ أَحْمد وَدَاوُد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أفطر بِالْأَكْلِ أَو الشّرْب وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَإِن ابتلع فستقة بقشرها أَو حَصَاة فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَيعْتَبر أَن يكون مِمَّا يتغذى بِهِ أَو يتداوى بِهِ

(3/165)


وَقَالَ مَالك يفْطر وَتجب الْكَفَّارَة بِكُل مَا يحصل بِهِ هتك حُرْمَة الصَّوْم إِلَّا الرِّدَّة حَتَّى لَو ترك النِّيَّة عمدا وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر
وَقَالَ عَطاء الْفطر بِالْأَكْلِ وَالشرب يُوجب مَا يُوجِبهُ الْجِمَاع
وَحكي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ يكفر فَوق كَفَّارَة الْحَامِل والمرضع وَدون كَفَّارَة الوطىء وَلَيْسَ بِشَيْء
وَيَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ وَهُوَ قَول الكافة
وَحكي عَن ربيعَة أَنه قَالَ يقْضِي مَكَان كل يَوْم اثْنَي عشر يَوْمًا
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه قَالَ يَصُوم عَن كل يَوْم شهرا
وَقَالَ إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ يقْضِي ثَلَاثَة آلَاف يَوْم
وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَقْضِيه صَوْم الدَّهْر وَإِن صَامَهُ
وَإِن أفطر بِالْجِمَاعِ من غير عذر وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وإمساك بَقِيَّة النَّهَار

(3/166)


وَقَالَ الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ وَسَعِيد بن جُبَير لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَيجب عَلَيْهِ الْقَضَاء مَعَ الْكَفَّارَة
وَحكي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَول آخر أَنه لَا قَضَاء عَلَيْهِ إِذا كفر
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ إِن كفر بِالصَّوْمِ لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَإِن كفر بِغَيْرِهِ وَجب وَفِي الْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه تجب عَلَيْهِ كَفَّارَة عَن نَفسه وَلَا يجب على الْمَرْأَة شَيْء وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّانِي أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا كَفَّارَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَرُوِيَ عَن أَحْمد أَيْضا وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
وَالثَّالِث انه يجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة عَنهُ وعنها
فَإِن كَانَ الزَّوْج مَجْنُونا فَوَطِئَهَا وَهِي صَائِمَة وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة عَنْهَا على هَذَا القَوْل
وَقيل لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء
وَالْكَفَّارَة عتق رَقَبَة فَإِن لم يجد فَصِيَام شَهْرَيْن مُتَتَابعين فَإِن لم

(3/167)


يسْتَطع فإطعام سِتِّينَ مِسْكينا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَهُوَ أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ مَالك هِيَ على التَّخْيِير من بَين الْعتْق وَالْإِطْعَام وَالصِّيَام فالإطعام عِنْده أولى بالتقديم
وَحكي عَن الْحسن أَنه قَالَ هُوَ مُخَيّر بَين عتق رَقَبَة وَبَين نحر بَدَنَة
فَإِن وطىء فِي يَوْمَيْنِ من شهر رَمَضَان وَجب عَلَيْهِ كفاراتان وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يكفر عَن الأول وَجب عَلَيْهِ كَفَّارَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ قد كفر عَن الأول فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ وَإِن وطىء فِي يَوْمَيْنِ من رَمَضَان فَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه يجب عَلَيْهِ كفاراتان فَإِن وطىء فِي يَوْم وَاحِد مرَّتَيْنِ لم يجب عَلَيْهِ بالوطىء الثَّانِي كَفَّارَة
وَقَالَ أَحْمد إِن كفر عَن الأول وَجب عَلَيْهِ بِالثَّانِي كَفَّارَة ثَانِيَة وَإِن لم يكفر عَن الأول فقد اخْتلف أَصْحَابه فِي وجوب كَفَّارَة ثَانِيَة

(3/168)


فَإِن جَامع فِي الْيَوْم الَّذِي ردَّتْ شَهَادَته فِيهِ بِرُؤْيَة الْهلَال وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
وَإِن طلع عَلَيْهِ الْفجْر وَهُوَ مجامع فاستدام الْجِمَاع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله
وَإِن جَامع مُعْتَقدًا أَن الْفجْر لم يطلع وَكَانَ قد طلع أَو الشَّمْس قد غربت وَلم تكن قد غربت لم يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَإِن أكل نَاسِيا وَظن أَنه أفطر فجامع فالمنصوص أَنه لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَن تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة لِأَن الَّذِي ظَنّه لَا يبيحه الْفطر
فَإِن أصبح مُقيما صَائِما ثمَّ سَافر وجامع وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ

(3/169)


وَعَن مَالك فِيهِ إِذا أنشأ الصَّوْم فِي السّفر ثمَّ جَامع فِي وجوب الْكَفَّارَة رِوَايَتَانِ
وَعِنْدنَا لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ
فَإِن جَامع فِي الْحَضَر ثمَّ سَافر لم تسْقط عَنهُ الْكَفَّارَة وَإِن جَامع ثمَّ مرض فِي أثْنَاء النَّهَار أوجن لم تسْقط عَنهُ الْكَفَّارَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَدَاوُد
وَالثَّانِي يسْقط وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري
وَقَالَ زفر تسْقط بِمَا يطْرَأ من الْجُنُون وَالْحيض وَلَا تسْقط بِمَا يطْرَأ من الْمَرَض
وَحكي عَن الْمَاجشون صَاحب مَالك أَنه قَالَ طريان السّفر يسْقط الْكَفَّارَة وطريان الْجُنُون وَالْمَرَض لَا يُسْقِطهَا
واللواط ووطىء الْمَرْأَة فِي الْمحل الْمَكْرُوه يُوجب الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أشهر الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ لَا كَفَّارَة فِيهِ
ووطىء الْبَهِيمَة يُوجب الْكَفَّارَة فِي أصح الطريقتين وَمن أَصْحَابنَا

(3/170)


من بنى حُصُول الْفطر بِهِ من غير إِنْزَال وَوُجُوب الْكَفَّارَة على وجوب الْحَد بِوَطْئِهَا والمباشرة فِيمَا دون الْفرج إِذا اتَّصل بهَا إِنْزَال يفْسد الصَّوْم وَلَا يُوجب الْكَفَّارَة
وَقَالَ مَالك وَأَبُو ثَوْر تجب بهَا الْكَفَّارَة
وَقَالَ أَحْمد تجب الْكَفَّارَة بالوطىء فِيمَا دون الْفرج
وَفِي الْقبْلَة واللمس بِشَهْوَة رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا تجب بهَا الْكَفَّارَة
وَقَالَ مَالك إِن نظر بِشَهْوَة فَأنْزل من النظرة الأولى أفطر وَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَإِن استدام النّظر حَتَّى أنزل وَجَبت عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَلَا تجب الْكَفَّارَة فِي غير أَدَاء رَمَضَان
وَحكي عَن قَتَادَة أَنه قَالَ تجب الْكَفَّارَة فِي قَضَاء رَمَضَان أَيْضا
فَإِن عجز عَن التَّكْفِير اسْتَقر وُجُوبهَا فِي ذمَّته مَتى قدر كفر فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَفِي الثَّانِي يسْقط عَنهُ
فصل
فَإِن أُغمي عَلَيْهِ جَمِيع النَّهَار وَكَانَ قد نوى الصَّوْم من اللَّيْل لم يَصح صَوْمه

(3/171)


وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يَصح صَوْمه كَمَا لَو نَام جَمِيع النَّهَار وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَحكي عَن أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي أَنه قَالَ إِذا نَام جَمِيع النَّهَار بَطل صَوْمه وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَفَاق فِي بعض النَّهَار وأغمي عَلَيْهِ فِي الْبَعْض فقد اخْتلفت نُصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على طَرِيقين
فَمنهمْ من قَالَ فِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهَا يعْتَبر الْإِفَاقَة فِي أَوله كالنية وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّانِي يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي بعض النَّهَار وَهُوَ قَول أَحْمد
وَالثَّالِث يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي جَمِيع النَّهَار
وَالرَّابِع ذكره أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه يعْتَبر أَن يكون مفيقا فِي طَرفَيْهِ
وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِيهِ قولا خَامِسًا أَنه لَا يعْتَبر الْإِفَاقَة فِي شَيْء مِنْهُ
فَإِن نوى الصَّوْم ثمَّ جن فِي أثْنَاء النَّهَار بَطل صَوْمه فِي قَوْله الْجَدِيد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يبطل كالإغماء
وَيجوز أَن يكتحل وَهُوَ صَائِم وَلَا يكره لَهُ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو ثَوْر

(3/172)


وَقَالَ أَحْمد يكره لَهُ ذَلِك فَإِن وجد طعمه فِي حلقه أفطر
وَحكى أَصْحَاب مَالك إِن مَا يصل إِلَى الْحلق من الْعين أَو الْأذن يفْطر
وَحكي عَن ابْن أبي ليلى وَابْن شبْرمَة إِن الْكحل يفْطر
وَيكرهُ أَن يحتجم وَلَا يحرم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَدَاوُد
وَقَالَ أَحْمد يفْطر الحاجم والمحجوم وَعنهُ فِي وجوب الْكَفَّارَة بِهِ رِوَايَتَانِ
وَيَنْبَغِي للصَّائِم أَن ينزه صَوْمه عَن الْغَيْبَة والشتم فَإِن شوتم فَلْيقل إِنِّي صَائِم فَإِن شاتم لم يبطل صَوْمه
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ يفْطر بذلك
إِذا فَاتَهُ أَيَّام رَمَضَان لم يجز لَهُ أَن يُؤَخر قضاءها إِلَى أَن يدْخل رَمَضَان آخر من غير عذر فَإِن أخر حَتَّى دخل رَمَضَان آخر أَثم وَوَجَبَت عَلَيْهِ لكل يَوْم من مد طَعَام وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا كَفَّارَة عَلَيْهِ وَيجوز لَهُ التَّأْخِير وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ فَإِن أَخّرهُ سنتَيْن فَفِيهِ وَجْهَان

(3/173)


أَحدهمَا يجب لكل سنة كَفَّارَة
وَيسْتَحب أَن يقْضِي مَا عَلَيْهِ مُتَتَابِعًا فَإِن قَضَاهُ مُتَفَرقًا جَازَ وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه
وَقَالَ دَاوُد وَأهل الظَّاهِر يجب ان يقْضِي مُتَتَابِعًا غير أَنه لَيْسَ بِشَرْط فِي صِحَّته
وَحكي عَن الطَّحَاوِيّ أَنه قَالَ التَّتَابُع والتفريق سَوَاء وَيسْتَحب أَن يقْضِي على الْفَوْر
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق إِن كَانَ قد ترك الصَّوْم بِغَيْر عذر وَجب قَضَاؤُهُ على الْفَوْر وَالْمذهب الأول
فَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ قَضَاء أَيَّام
من رَمَضَان فَاتَتْهُ لعذر اتَّصل إِلَى الْمَوْت فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَحكي عَن طَاوس وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَالَا يجب عَلَيْهِ أَن يطعم عَن كل يَوْم مِسْكينا فَإِن كَانَ قد زَالَ عذره وَتمكن من فعله فَمَاتَ وَجب عَلَيْهِ لكل يَوْم مد من طَعَام فِي قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ لَا يلْزم الْوَلِيّ أَن يطعم عَنهُ إِلَّا أَن يُوصي

(3/174)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم يَصُوم عَنهُ وليه وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَأبي ثَوْر
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ صَوْم نذر صَامَ عَنهُ وليه وَإِن كَانَ صَوْم رَمَضَان أطْعم عَنهُ
فَإِن قُلْنَا يصام عَنهُ فصَام عَنهُ وليه أَو غَيره بِإِذْنِهِ بِأُجْرَة وَغير أُجْرَة أَجزَأَهُ وَإِن صَامَ عَنهُ أَجْنَبِي بِغَيْر إِذن وليه لم يجزه
وَقيل يُجزئهُ
وَإِن قُلْنَا إِنَّه يطعم عَنهُ وَهَذَا الْأَصَح وَمَات بعد مَا أدْركهُ رَمَضَان آخر فَفِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يلْزمه مدان مد للصَّوْم وَمد للتأخير
وَالثَّانِي أَنه يَكْفِيهِ مد وَاحِد
فصل
يسْتَحبّ لمن صَامَ رَمَضَان أَن يتبعهُ بست من شَوَّال وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ يُوسُف كَانُوا يكْرهُونَ أَن يتبعوا رَمَضَان صياما خوفًا أَن يلْحق ذَلِك بالفريضة

(3/175)


وَحكى مثل ذَلِك مُحَمَّد بن الْحسن عَن مَالك وَقَالَ فِي الْمُوَطَّأ يكره ذَلِك
وَيسْتَحب صَوْم يَوْم عَرَفَة لغير الْحَاج وَالْفطر للْحَاج بِعَرَفَة أفضل من صِيَام يَوْم عَرَفَة وَكَانَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا تَصُوم هَذَا الْيَوْم
وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ أَصوم فِي الشتَاء وَأفْطر فِي الصَّيف
وَحكى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ يسْتَحبّ لَهُ صَوْمه إِلَّا أَن يُضعفهُ عَن الدُّعَاء
وَيسْتَحب صَوْم عَاشُورَاء وتاسوعاء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ كَانَ فرضا ثمَّ نسخ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَيكرهُ الْوِصَال فِي الصَّوْم وَرُوِيَ عَن عبد الله بن الزبير أَنه كَانَ يواصل وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه نهي تَحْرِيم
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه نهي تَنْزِيه
وَلَا يكره صَوْم الدَّهْر إِذا أفطر أَيَّام النَّهْي وَلم يضع حَقًا وَلم يخف ضَرَرا
وَمن النَّاس من قَالَ يكره

(3/176)


قَالَ أَبُو الْعَبَّاس إِذا نذر صَوْم الدَّهْر صَحَّ نَذره فَإِن لزمَه قَضَاء من رَمَضَان قدمه على النّذر وَهل يدْخل زَمَانه فِي النّذر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يدْخل فعلى هَذَا هَل يلْزمه كَفَّارَة لهَذِهِ الْأَيَّام
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس يحْتَمل وَجْهَيْن
وَمن شرع فِي صَوْم تطوع اَوْ صَلَاة تطوع اسْتحبَّ لَهُ إِتْمَامهَا فَإِن خرج مِنْهُمَا لم يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا
وَحكي عَن مُحَمَّد أَنه قَالَ إِذا دخل على أَخ لَهُ فَحلف عَلَيْهِ أفطر وَعَلِيهِ الْقَضَاء
وَقَالَ مَالك يلْزمه الْإِتْمَام
فَإِن خرج مِنْهُ بِعُذْر كالسفر لم يلْزمه قَضَاؤُهُ فِي احدى الرِّوَايَتَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو ثَوْر
وَلَا يجوز أَن يَصُوم يَوْم الشَّك إِلَّا أَن يُوَافق عَادَة لَهُ اَوْ يصله بِمَا قبله

(3/177)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره صَوْمه من شعْبَان وَبِه قَالَ مَالك
فَإِن صَامَ فِيهِ فرضا عَلَيْهِ
ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه يكره ذَلِك ويجزيه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله لم أر ذَلِك لغيره من أَصْحَابنَا وَلَا يَقْتَضِيهِ الْقيَاس فَإِنَّهُ لَو صَامَ تَطَوّعا لَهُ سَبَب فِيهِ صَحَّ صَوْمه وَإِن صَامَ تَطَوّعا فِي هَذَا الْيَوْم وَلَا سَبَب لَهُ
فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يَصح وَهُوَ الْأَصَح
وَاخْتَارَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه يَصح
وَيكرهُ أَن يفرد يَوْم الْجُمُعَة بِصَوْم التَّطَوُّع وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَمُحَمّد لَا يكره
وَللشَّافِعِيّ رَحمَه الله كَلَام يدل عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
لَا يجوز صَوْم يَوْم الْفطر والأضحى وَأَيَّام التَّشْرِيق وَفِي صَوْم أَيَّام التَّشْرِيق للمتمتع قَولَانِ

(3/178)


قَالَ فِي الْقَدِيم يجوز وَهُوَ قَول مَالك
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يجوز
وَيسْتَحب طلب لَيْلَة الْقدر ويطلبها فِي الْعشْر الْأَخير من الشَّهْر ويطلبها فِي كل وتر مِنْهُ وَفِي الْحَادِي وَالْعِشْرين أَشد اسْتِحْبَابا
وَحكي عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه يطْلبهَا لَيْلَة ثَلَاث وَعشْرين
وَقَالَ ابْن عَبَّاس وَأبي بن كَعْب رَضِي الله عَنْهُمَا هِيَ لَيْلَة سبع وَعشْرين
وَقَالَ مَالك هِيَ فِي الْعشْر الْأَوَاخِر لَيْسَ فِيهَا تعْيين

(3/179)