حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

كتاب الزَّكَاة

(3/5)


لَا تجب الزَّكَاة إِلَّا على حر مُسلم فَإِن ملك عَبده مَالا وَقُلْنَا إِنَّه لَا يملك لم يجب فِيهِ الزَّكَاة عَلَيْهِ وَلَا على الْمولى

(3/7)


وَقيل تجب الزَّكَاة على الْمولى
وَأما الْمكَاتب فَلَا زَكَاة عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو ثَوْر تجب عَلَيْهِ جَمِيع الزكوات

وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب الْعشْر فِي زرعه وَلَا يجب مَا سواهُ
وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق إِذا ملك بِنصفِهِ الْحر مَالا فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان
وَأما الْمُرْتَد فَلَا يسْقط عَنهُ بِالرّدَّةِ مَا وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة فِي حَال إِسْلَامه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط عَنهُ
وَأما إِذا مَا مضى عَلَيْهِ الْحول فِي حَال الرِّدَّة فالزكاة فِيهِ تبنى على ملكه وَفِيه ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه بَاقٍ فَتجب الزَّكَاة فِيهِ
وَالثَّانِي أَنه مَوْقُوف فَتكون الزَّكَاة مَوْقُوفَة
وَالثَّالِث أَنه زائل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَتجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون ويخرجهما الْوَلِيّ من مَالهمَا

(3/8)


ويروى عَن عمر وَعلي وَابْن عمر وَعَائِشَة رَضِي الله عَنْهُم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَابْن أبي ليلى
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري تجب الزَّكَاة فِي مَاله غير أَن الْوَلِيّ لَا يخرجهما حَتَّى يبلغ الصَّبِي ويفيق الْمَجْنُون فَيخرج
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَيجب الْعشْر فِي زرعهما
فَأَما المَال الْمَوْقُوف للْحَمْل بِحكم الْإِرْث إِذا كَانَ يبلغ نِصَابا وَهُوَ من جنس مَال الزَّكَاة هَل يجْرِي فِي الْحول حَتَّى تجب فِيهِ الزَّكَاة إِذا انْفَصل فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجْرِي فِي الْحول
وَالثَّانِي لَا يجْرِي فِي الْحول حَتَّى ينْفَصل وَهُوَ الصَّحِيح
وَمن وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وَقدر على إخْرَاجهَا لم يجز لَهُ تَأْخِيرهَا فَإِن أخر إخْرَاجهَا مَعَ الْقُدْرَة ضمنهَا وَلَا تسْقط عَنهُ بِتَلف المَال وَبِه قَالَ مَالك

(3/9)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط بِتَلف المَال وَلَا تصير مَضْمُونَة عَلَيْهِ
وَقَالَ أَكثر اصحابه إِذا طَالبه الإِمَام بهَا فَلم يَدْفَعهَا فَهَلَك المَال ضمنهَا
وَقَالَ أَبُو سهل الزجاجي من أَصْحَابه لَا يضمنهَا أَيْضا
وَوُجُوب الزَّكَاة عندنَا على الْفَوْر وَهُوَ قَول أبي الْحسن الْكَرْخِي من أَصْحَاب أبي حنيفَة
وَكَانَ ابو بكر الرَّازِيّ يَقُول إِنَّهَا لَيست على الْفَوْر
وَإِن امْتنع من إِخْرَاج الزَّكَاة بخلا أخذت مِنْهُ وعزر

(3/10)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُؤْخَذ شطر مَاله مَعهَا
وَقَالَ ابو حنيفَة يحبس حَتَّى يُؤَدِّي الزَّكَاة وَلَا يُؤْخَذ من مَاله قهرا وَلَيْسَ فِي المَال حق سوى الزَّكَاة
وَقَالَ مُجَاهِد وَالشعْبِيّ يجب عَلَيْهِ إِذا حصد الزَّرْع أَن يلقِي شَيْئا من السنابل إِلَى الْمَسَاكِين وَكَذَا إِذا جد النّخل يلقِي إِلَيْهِم شَيْئا من الشماريخ

(3/11)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْمَوَاشِي
لَا تجب الزَّكَاة فِي غير الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم من الْمَاشِيَة كالخيل وَالْبِغَال وَالْحمير وَرُوِيَ عَن عمر وَعلي وَبِه قَالَ عَطاء وَمَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَزفر وَحَمَّاد بن ابي سُلَيْمَان تجب الزَّكَاة فِي الْخَيل إِذا كَانَت إِنَاثًا سَائِمَة أَو ذُكُورا وإناثا وَيعْتَبر فِيهَا الْحول وَلَا يعْتَبر النّصاب وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَين أَن يخرج عَن كل دِينَار فرس أَو

(3/12)


عشرَة دَرَاهِم وَبَين أَن يقومه وَيخرج من كل مِائَتي دِرْهَم خَمْسَة دَرَاهِم وَإِن كَانَت ذُكُورا مُنْفَرِدَة فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا رِوَايَتَانِ
وَلَا تجب الزَّكَاة فِيمَا تولد بَين الظباء وَالْغنم وَبَين بقر الْوَحْش وبقر الْأَهْل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ تَابع للْأُم فِي الزَّكَاة وَالْأُضْحِيَّة وَوُجُوب الْجَزَاء فَإِن كَانَت الْأُمَّهَات من الْغنم وَجب فِيهَا الزَّكَاة وأجزأته فِي الْأُضْحِية وَلم يجب الْجَزَاء على الْمحرم بقتْله
وَقَالَ أَحْمد تجب الزَّكَاة فِيهِ بِكُل حَال وَتجب الزَّكَاة عِنْده فِي بقر الْوَحْش فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَأما الْمَاشِيَة الْمَوْقُوفَة عَلَيْهِ فَلَا زَكَاة فِيهَا إِذا قُلْنَا إِن الْملك ينْتَقل إِلَى الله تَعَالَى فِي الْوَقْف وَإِن قُلْنَا ينْتَقل إِلَى الْمَوْقُوف عَلَيْهِ فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا زَكَاة فِيهَا
وَأما المَال الْمَغْصُوب والضال إِذا عَاد إِلَيْهِ من غير نَمَاء فَهَل يُزَكِّيه لما مضى
فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يسْتَأْنف عَلَيْهِ الْحول من حِين عوده إِلَيْهِ وَلَا

(3/13)


زَكَاة فِيهِ لما مضى وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأكْثر أَصْحَابه وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجب عَلَيْهِ إِخْرَاج الزَّكَاة عَنهُ لما مضى وَهُوَ قَول زفر من أَصْحَاب أبي حنيفَة
وَقَالَ مَالك إِذا عَاد إِلَيْهِ زَكَاة لحول وَاحِد

وَإِن كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ شَاة فضلت وَاحِدَة مِنْهَا انْقَطع الْحول إِذا قُلْنَا لَا تجب فِي الضال الزَّكَاة وَإِن قُلْنَا تجب لم يَنْقَطِع وَإِن عَاد المَال الضال إِلَيْهِ مَعَ نمائه فَفِيهِ طَرِيقَانِ
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس وابو إِسْحَاق يُزَكِّيه لما مضى قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ هُوَ أَيْضا على الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن أبق العَبْد أَو غصب فَفِي وجوب زَكَاة الْفطر عَنهُ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا
وَإِن وَقع المَال الضال فِي يَد ملتقط ففر مِنْهُ حولا وَلم يَتَمَلَّكهُ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ من الْمَذْهَب أَنه لَا يملكهُ إِلَّا بِاخْتِيَار التَّمَلُّك فَهَل تجب على مَالِكه الزَّكَاة فِي هَذَا الْحول فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ كَمَا لَو لم يَقع بيد ملتقط
وَالثَّانِي لَا يجب قولا وَاحِدًا

(3/14)


وَإِن كَانَ عَلَيْهِ دين يسْتَغْرق النّصاب أَو ينقصهُ فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِيهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَبِه قَالَ عَطاء وَطَاوُس
وَلَا يمْنَع وجوب الْعشْر عِنْد أبي حنيفَة
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة
وَإِن حجر عَلَيْهِ فِي المَال فحال الْحول عَلَيْهِ فَفِيهِ ثَلَاثَة طرق
أَحدهَا وَهُوَ الصَّحِيح أَنه على الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
وَالثَّانِي ذكره أَبُو عَليّ فِي الإفصاح أَنه تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا
وَالثَّالِث وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق أَنه إِن كَانَ المَال مَاشِيَة وَجَبت الزَّكَاة فِيهِ وَإِن كَانَ غير الْمَاشِيَة لم تجب
وَعَن أَحْمد فِي الْأَمْوَال الظَّاهِرَة رِوَايَتَانِ
وَقَالَ مَالك الدّين يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يمْنَع فِي الْمَاشِيَة وَإِذا قُلْنَا بقوله الْقَدِيم فَلَا فرق بَين دُيُون الله وَبَين دُيُون الْآدَمِيّين فِي منع وجوب الزَّكَاة وَبَين زَكَاة الْأَمْوَال الظَّاهِرَة وَبَين زَكَاة الْأَمْوَال الْبَاطِنَة

(3/15)


وَذكر الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابه أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله نَص على الْفرق بَين الْأَمْوَال الظَّاهِرَة والباطنة وَالْمذهب الأول
وَقَالَ ابو حنيفَة دُيُون الْآدَمِيّين تمنع وجوب الزَّكَاة وَالزَّكَاة تمنع وجوب الزَّكَاة وديون الله كالكفارات لَا تمنع وَهُوَ قَول مُحَمَّد
وَقَالَ زفر الزَّكَاة لَا تمنع وجوب الزَّكَاة كالكفارة
وَقَالَ ابو يُوسُف إِن كَانَت وَاجِبَة فِي الْعين منعت وجوب الزَّكَاة وَإِن كَانَت وَاجِبَة فِي الذِّمَّة بِأَن اسْتهْلك النّصاب لم يمْنَع وَلَا فرق بَين أَن يكون الدّين من جنس مَال الزَّكَاة وَبَين أَن يكون من غير جنسه
فَإِن كَانَ لنه نصابان أَحدهمَا من جنس الدّين وَالْآخر من غير جنسه فَهَل ينص عَلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا ينص عَلَيْهِمَا فَلَا تجب الزَّكَاة فِي وَاحِد مِنْهُمَا

(3/16)


وَالثَّانِي أَنه ينْصَرف إِلَى جنس الدّين ذكر ذَلِك القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَيَبْنِي ذَلِك عَلَيْهِ إِذا امْتنع الْغَرِيم من قَضَاء دينه وَوجد لَهُ مَالا فَهَل لَهُ أَخذه من دينه فِيهِ وَجْهَان
وَذكر أَن الْأَظْهر فِي الْغَرِيم أَن لَا يَأْخُذ وَفِي الدّين أَن ينص عَلَيْهِمَا والجميع عِنْدِي لَيْسَ بِصَحِيح بل يجب صرف الدّين إِلَى جنسه وَتجب الزَّكَاة فِي النّصاب الآخر كَمَا لَو كَانَ لَهُ نِصَاب وَعَلِيهِ دين يستغرقه
وَله عقار يَفِي بِالدّينِ فَإِنَّهُ لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فِي النّصاب ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالْبناء الَّذِي ذكره فَاسد فَإِن الْوَجْهَيْنِ هُنَاكَ فِي مُبَاشرَة بَيْعه فِي حق نَفسه فَأَما أَخذه بِدِينِهِ فَلَا يجوز وَجها وَاحِدًا فَإِن لم يكن الدّين من جنس وَاحِد فِي النصابين
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَنه يُرَاعى فِي ذَلِك حَظّ الْمَسَاكِين كَمَا صرفناه عَن مَال الزَّكَاة إِلَى غير مَال الزَّكَاة
وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِذا كَانَ عَلَيْهِ خمس من الْإِبِل وَله خمس من الْإِبِل ومايتا دِرْهَم جعل الدّين فِي الدَّرَاهِم
فَإِن رَفعه غرماؤه إِلَى الْحَاكِم فجحدهم وَحلف لعدم البنة فَهَل تجب الزَّكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

(3/17)


أَحدهمَا وَهُوَ قَول كَافَّة أَصْحَابنَا أَن جحوده لَا يُؤثر فَيكون على الْقَوْلَيْنِ مَعَ بَقَاء الدّين
وَالثَّانِي أَنه يصير فِي حكم من لَا دين عَلَيْهِ فَتجب الزَّكَاة قولا وَاحِدًا
إِذا قَالَ إِن شفى الله مريضي فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بِمِائَة فشفى الله تَعَالَى مريضه قبل الْحول لزمَه الْوَفَاء بِمَا نَذره وَهل يمْنَع وجوب الزَّكَاة على قَوْله الْقَدِيم فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يمْنَع ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَذكر أَيْضا أَنه إِذا كَانَ مَعَه مايتا دِرْهَم فَقَالَ إِن شفى الله تَعَالَى مريضي فَللَّه عَليّ أَن أَتصدق بماية مِنْهَا فشفى الله تَعَالَى مريضه قبل تَمام الْحول فَالْحكم بِالْعَكْسِ من ذَلِك إِن قُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَفِي هَذَا الدّين وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يمْنَع وجوب الزَّكَاة
وَالثَّانِي أَنه لَا يمْنَع وَلَيْسَ بِشَيْء عِنْدِي
إِذا كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ من الْغنم فاستأجر لَهَا رَاعيا بِشَاة مَوْصُوفَة فِي الذِّمَّة وَلم يكن لَهُ مَال غير هَذِه الأغنام بني على الْقَوْلَيْنِ فِي الدّين هَل يمْنَع وجوب الزَّكَاة
وَإِن كَانَ لَهُ نخيل خَمْسَة أوسق من الثَّمر فاستأجر رجلا يعْمل عَلَيْهَا بثمرة وَاحِدَة مِنْهَا بِعَينهَا قبل بَدْء الصّلاح بِشَرْط الْقطع فَلم يقطع حَتَّى بدا صَلَاحهَا بني ذَلِك على الْخلطَة فِي غير الْمَاشِيَة فعلى قَوْله الْجَدِيد يَصح

(3/18)


فَإِن كَانَ لَهُ مايتا دِرْهَم فرهنها على مايتي دِرْهَم استقرضها من رجل وَلم يكن لَهُ مَال سوى الْمَرْهُون وَالْمَال الَّذِي اقترضه
فعلى قَوْله الْجَدِيد يجب عَلَيْهِ زَكَاة أربعماية
وعَلى قَوْله الْقَدِيم لَا تجب إِلَّا فِيمَا فضل عَن قدر الدّين
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن قُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَفِي وجوب الزَّكَاة فِي الْمَرْهُون قَولَانِ بِنَاء على الضال وَالْمَغْصُوب
وَمِنْهُم من قَالَ تجب الزَّكَاة قولا وَاحِدًا
وَإِن لم يكن فِي ملكه إِلَّا الْمَرْهُونَة وَقُلْنَا إِن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْعينِ تعلق الشّركَة أَو تعلق أرش الْجِنَايَة قدم على الدّين وَإِن قُلْنَا تعلق الرَّهْن فقد سَاوَى دين الزَّكَاة دين الرَّهْن فَيكون على الْأَقْوَال فِي ذَلِك
فصل
السّوم شَرط فِي وجوب الزَّكَاة فِي الْمَاشِيَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَأَبُو ثَوْر وَقَالَ مَالك وَمَكْحُول تجب الزَّكَاة فِي معلوفة الْمَاشِيَة ومستعملها
وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ تجب الزَّكَاة فِي عوامل الْإِبِل وَالْبَقر ومعلوفتها دون معلوفة الْغنم فَإِن علفت الْمَاشِيَة فِي بعض الْحول فَإِن كَانَ ذَلِك فِي مُدَّة يبْقى الْحَيَوَان فِيهَا من غير علف كَالْيَوْمِ واليومين لم يُؤثر وَإِن كَانَ

(3/19)


فِي مُدَّة لَا يبْقى الْحَيَوَان فِيهَا من غير علف انْقَطع الْحول وَقدر أَبُو إِسْحَاق ذَلِك بِثَلَاثَة أَيَّام
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا يثبت حكم الْعلف بِأَن يَنْوِي عَلفهَا ويفعله وَإِن كَانَ مرّة وَاحِدَة كَمَا لَو نوي صياغة الذَّهَب وصاغه حليا مُبَاحا
قَالَ الشَّيْخ ابو حَامِد وَهَذَا ظَاهر الْمَذْهَب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يُرَاعى السّوم فِي أَكثر الْحول فَإِن كَانَ الْغَالِب السّوم كَانَت سَائِمَة وَإِن كَانَ الْغَالِب الْعلف كَانَت معلوفة وَحَكَاهُ الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن بعض أَصْحَابنَا فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من السَّائِمَة فغصبها غَاصِب وعلفها فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه كالمغصوب الَّذِي لم يعلفه فَيكون على قَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه لَا زَكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح
وَإِن غصب نِصَابا من المعلوفة فقأسامه حولا كَامِلا فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَنه بِمَنْزِلَة السَّائِمَة الْمَغْصُوبَة على الْقَوْلَيْنِ
وَمِنْهُم من قَالَ قولا وَاحِدًا لَا تجب الزَّكَاة
إِذا ندت الْمَاشِيَة المعلوفة فرعت حولا فقد ذكر فِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا وَجْهَان
وَشبه ذَلِك باسامة الْغَاصِب
ثمَّ قيل إِذا قُلْنَا تجب باسامة الْغَاصِب الزَّكَاة على الْمَالِك فأداها رَجَعَ بهَا على الْغَاصِب وَهل يُؤثر الْغَاصِب بِالْإِخْرَاجِ

(3/20)


ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِيهِ وَجْهَان وَلَا معنى للْجَمِيع فِي الرُّجُوع على الْغَاصِب والإخراج
فصل
وَلَا تجب الزَّكَاة فِي النّصاب حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول من حِين ملكه
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا أَنَّهُمَا قَالَا تجب الزَّكَاة عَلَيْهِ حِين ملكه ثمَّ إِذا حَال الْحول بعد ذَلِك زَكَاة مرّة ثَانِيَة
وَكَانَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ إِذا أَخذ عطاءه زَكَّاهُ
فَإِنَّهُ كَانَ عِنْده نِصَاب فَبَاعَهُ أَو بادله بِجِنْسِهِ أَو بِغَيْر جنسه فِي أثْنَاء الْحول انْقَطع الْحول فِيهِ وَكَذَا إِذا بادل بعضه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَنْقَطِع الْحول بالمبادلة فِي نِصَاب الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيَنْقَطِع فِي الْمَاشِيَة
وَقَالَ مَالك إِذا بادله بِجِنْسِهِ بنى على حوله وَإِن بادله بِغَيْر

(3/21)


جنسه وَلكنه من جنس الْحَيَوَان الَّذِي تجب فِيهِ الزَّكَاة فَفِيهِ رِوَايَتَانِ
وَإِن بادل الْحَيَوَان بالأثمان انْقَطع الْحول
وَقَالَ أَحْمد إِذا بادله بِجِنْسِهِ من الْحَيَوَان بنى على حوله وَإِذا بادله بِغَيْر جنسه لَا يَبْنِي وَيَبْنِي حول الذَّهَب على حول الْفضة
فَإِن تلف بعض أَصْحَاب النّصاب أَو أتْلفه قبل تَمام الْحول انْقَطع الْحول فِيهِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد إِذا قصد بإتلافه الْفِرَار من الزَّكَاة لم يَنْقَطِع الْحول وَوَجَبَت عَلَيْهِ الزَّكَاة عِنْد تَمَامه
فَإِن مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول فَفِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَن الْحول يَنْقَطِع
وَالثَّانِي أَن الْوَارِث بنى على حول الْمَوْرُوث
فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من الْمَاشِيَة فاستفاد فِي أثْنَاء الْحول من جنسه بِبيع أَو هبة مَا يبلغ بِهِ النّصاب الثَّانِي لم يضم إِلَى مَا عِنْده فِي حوله بل يسْتَأْنف بِهِ الْحول
وَقَالَ أَبُو حنيفَة بضمه إِلَى مَا عِنْده فِي جَوَابه وَكَذَلِكَ فِي غير الْمَاشِيَة

(3/22)


وَقَالَ مَالك يضم فِي الْمَاشِيَة وَلَا يضم فِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وَيضم الْمُسْتَفَاد إِلَى مَا عِنْده فِي النّصاب
وَفِيه وَجه آخر أَنه لَا يضم إِلَيْهِ أَيْضا فِي النّصاب وَيكون مُنْفَردا بِنَفسِهِ حَكَاهُ ابْن سُرَيج
وَفِيه طَريقَة أُخْرَى أَن الْمُسْتَفَاد لَا يعد فِي الْحَال وَلَا يسْتَأْنف لَهُ الْحول حَتَّى يتم أصل المَال ثمَّ يسْتَأْنف الْحول على الْجَمِيع والجميع فَاسد
فَإِن كَانَ الْمُسْتَفَاد نِصَابا فِي نَفسه وَلكنه لَا يبلغ النّصاب الثَّانِي وَيتَصَوَّر ذَلِك فِي صَدَقَة الْغنم بِأَن يكون عِنْده أَرْبَعُونَ من الْغنم مضى عَلَيْهَا بعض الْحول واستفاد أَرْبَعِينَ أُخْرَى فَفِي الْأَرْبَعين الأولى شَاة إِذا تمّ حولهَا وَأما الْأَرْبَعُونَ المستفادة إِذا تمّ حولهَا فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه
أَصَحهَا أَنه لَا يجب فِيهَا شَيْء
وَالثَّانِي أَنه يجب فِيهَا نصف شَاة
وَالثَّالِث أَنه يجب فِيهَا شَاة

(3/23)


فَإِن أدّى الزَّكَاة من الْأَرْبَعين عِنْد تَمام حولهَا وَقُلْنَا أَن الزَّكَاة تجب فِي الْعين لم يجب فِي الزِّيَادَة شَيْء وَجها وَاحِدًا
فَأَما إِذا كَانَ عِنْده مَاشِيَة فنتجت فِي أثْنَاء الْحول حَتَّى بلغت النّصاب الثَّانِي فَإِنَّهَا تضم إِلَى الْأُمَّهَات فَتجب فِيهَا الزَّكَاة بحولها
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ النَّخعِيّ لَا تضم السخال إِلَى الْأُمَّهَات فِي حولهَا بل يعْتَبر حولهَا بِنَفسِهَا وَهُوَ قَول دَاوُد
وَلَا تضم السخال إِلَى الْأُمَّهَات حَتَّى تكون الْأُمَّهَات نِصَابا
وَقَالَ مَالك تضم إِلَيْهَا وَإِن لم يكن نِصَابا إِذا كملت السخال نِصَابا فتزكى بحول الْأُمَّهَات وَإِن تماوتت الْأُمَّهَات وَبقيت السخال نِصَابا لم يَنْقَطِع الْحول فِيهَا وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ ابو الْقَاسِم بن يسَار الْأنمَاطِي إِذا نقص نِصَاب الْأُمَّهَات انْقَطع الْحول فِي السخال
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا بَقِي من الْكِبَار وَاحِدَة لم يَنْقَطِع الْحول فِي السخال وَإِن لم يبْق مِنْهَا شَيْء انْقَطع الْحول فِي السخال وَعِنْده أَن السخال المنفردة لَا تَنْعَقِد عَلَيْهَا الْحول حَتَّى تصير جذاعا أَو ثنايا
وَعِنْدنَا يُؤْخَذ من السخال الْبَاقِيَة سخلة عِنْد تَمام الْحول وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف

(3/24)


وَقَالَ مَالك لَا يُؤْخَذ مِنْهَا إِلَّا الْجَذعَة والثنية وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَإِن تماوتت الْأُمَّهَات بعد تَمام الْحول وَقبل إِمْكَان الْأَدَاء وَقُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط فِي الضَّمَان وَجب عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي كَبِيرَة بِقِيمَة وَاحِدَة من الصغار إِذا بقيت الصغار نِصَابا كَذَا ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر يَنْبَغِي عِنْدِي أَن تجب صَغِيرَة على هَذَا القَوْل كَمَا تجب على القَوْل الآخر فَإِن ملك رجل أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول الْمحرم واربعين فِي أول صفر وَأَرْبَعين فِي أول ربيع الأول وَحَال الْحول على الْجَمِيع فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم تجب فِي الْجَمِيع شَاة فِي كل أَرْبَعِينَ ثلثهَا
وعَلى قَوْله الْجَدِيد فِي الْأَرْبَعين الأولى شَاة وَفِي الْأَرْبَعين الثَّانِيَة وَجْهَان
أَحدهمَا تجب فِيهَا شَاة
وَالثَّانِي تجب فِيهَا نصف شَاة وَأما الْأَرْبَعُونَ الثَّالِثَة فَفِيهَا وَجْهَان
أَحدهمَا يجب فِيهَا شَاة
وَالثَّانِي يجب فِيهَا ثلث شَاة
وَالصَّحِيح أَن لَا يجب فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين شَيْء

(3/25)


فصل
إِذا حَال الْحول على النّصاب فَفِي إِمْكَان الْأَدَاء قَولَانِ
أَحدهمَا وَهُوَ قَوْله الْقَدِيم إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب وَهُوَ قَول مَالك حَتَّى أَنه قَالَ لَو أتلف النّصاب قبل الْإِمْكَان لم يضمن الزَّكَاة إِلَّا أَن يقْصد الْفِرَار من الزَّكَاة فَتجب الزَّكَاة على هَذَا القَوْل بِثَلَاث شُرُوط النّصاب والحول وَإِمْكَان الْأَدَاء
وَالْقَوْل الثَّانِي إِنَّه شَرط فِي الضَّمَان وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَحْمد إِذا تلف النّصاب قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء لم تسْقط الزَّكَاة
وَصفَة الْإِمْكَان أَن يقدر على الدّفع إِلَى الإِمَام أَو نَائِبه أَو المختصين فِي الْأَمْوَال الْبَاطِنَة وَكَذَا الْأَمْوَال الظَّاهِرَة إِذا جَوَّزنَا أَن يفرق بِنَفسِهِ وعَلى القَوْل الآخر أَن يقدر على الإِمَام أَو نَائِبه
فَإِن كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل فَهَلَك مِنْهَا وَاحِدَة بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء وَقُلْنَا بقوله الْقَدِيم لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن قُلْنَا بالجديد سقط عَنهُ خمس شَاة
فَإِن كَانَ عِنْده مَاشِيَة فتوالدت بعد تَمام الْحول وَقبل الْإِمْكَان فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه يَبْنِي على الْقَوْلَيْنِ فَإِن قُلْنَا بقوله الْقَدِيم ضمت السخال إِلَى الْأُمَّهَات وَهُوَ قَول مَالك

(3/26)


وَإِن قُلْنَا بالجديد اسْتَأْنف الْحول عَلَيْهَا
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنَّهَا على قَوْلَيْنِ من غير بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ
أَحدهمَا يضم
وَالثَّانِي لَا يضم وَهُوَ الصَّحِيح
وَهل تجب الزَّكَاة فِي الذِّمَّة أَو فِي الْعين فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم تجب فِي الذِّمَّة وجزء من المَال مُرْتَهن بهَا
وَقَالَ فِي الْجَدِيد وَهُوَ الْأَظْهر إِنَّهَا اسْتِحْقَاق جُزْء من المَال فَيملك أهل السهْمَان قدر الْفَرْض من المَال غير أَن لَهُ أَن يُؤَدِّي من غَيره وَهُوَ قَول مَالك
وَذكر فِي الْحَاوِي على قَوْله الْجَدِيد فِي كَيْفيَّة وجوب الزَّكَاة فِي الْعين قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا وجوب اسْتِحْقَاق ملك وَشركَة
وَالثَّانِي وجوب مرَاعِي لَا وجوب ملك كتعلق أرش الْجِنَايَة بِالرَّقَبَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْرُوف على الْمَذْهَب

(3/27)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تتَعَلَّق الزَّكَاة بِالْعينِ كتعلق أرش الْجِنَايَة بِالرَّقَبَةِ الجانية وَلَا يَزُول ملكه عَن شَيْء من المَال إِلَّا بِالدفع إِلَى الْمُسْتَحق وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَمذهب أبي حنيفَة يُخَالف الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِأَنَّهَا لَا تجب عِنْده فِي الذِّمَّة وَلَا يَزُول بهَا ملكه عَن شَيْء من المَال

(3/28)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْإِبِل
تجب فِي كل خمس من الْإِبِل شَاة إِلَى أَربع وَعشْرين فَإِذا صَارَت خمْسا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض

(3/29)


وَرُوِيَ عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ فِي خمس وَعشْرين خمس شياة فَإِذا صَارَت سِتا وَعشْرين وَجَبت فِيهَا بنت مَخَاض
وَفِي سِتّ وَثَلَاثِينَ بنت لبون وَفِي سِتّ وأربعيون حقة وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَة وَفِي سِتّ وَسبعين بِنْتا لبون وَفِي إِحْدَى وَتِسْعين حقتان إِلَى مائَة وَعشْرين ثمَّ تَسْتَقِر الْفَرِيضَة بِالزِّيَادَةِ على ذَلِك فَيجب فِي كل خمسين حقة وَفِي كل أَرْبَعِينَ بنت لبون فَإِذا زَادَت وَاحِدَة وَجب فِيهَا ثلَاثه بَنَات لبون
وَرُوِيَ نَحْو قَوْلنَا عَن الْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر وَرَوَاهُ الْخرقِيّ عَن أَحْمد

(3/30)


وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يتَغَيَّر الْفَرْض بِالزِّيَادَةِ على مائَة وَعشْرين حَتَّى يبلغ عشرا فَيجب فِيهَا حَقه وبنتا لبون
وَعَن مَالك رِوَايَة أُخْرَى أَن الْفَرْض يتَغَيَّر بِزِيَادَة الْوَاحِد إِلَى تَخْيِير السَّاعِي بَين الحقتين وَبَين ثَلَاث بَنَات لبون
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ إِذا زَادَت الْإِبِل على مائَة وَعشْرين استؤنفت الْفَرِيضَة فِي خمس شَاة إِلَى عشْرين فَيجب فِيهَا أَربع شياة فَإِذا بلغت خَمْسَة وَأَرْبَعين وَجَبت فِيهَا حقتان وَبنت مَخَاض وَإِذا بلغت مائَة وَخمسين وَجب مِنْهَا ثَلَاث حقاق وعَلى هَذَا يسْتَأْنف الْفَرِيضَة حَتَّى تبلغ إِلَى الْخمسين فَيرجع إِلَى الحقاق
وَقَالَ ابْن جرير الطَّبَرِيّ يتَخَيَّر بَين مَذْهَبنَا وَمذهب أبي حنيفَة
فَإِن كَانَت الزِّيَادَة على مائَة وَعشْرين أقل من وَاحِد فَهَل يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يتَغَيَّر
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يتَغَيَّر الْفَرْض فجيب ثَلَاث بَنَات لبون
وَبنت مَخَاض وَهِي الَّتِي لَهَا سنة وَدخلت فِي الثَّانِيَة وَبنت لبون هِيَ الَّتِي لَهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة والحقة هِيَ الَّتِي لَهَا ثَلَاث سِنِين وَدخلت فِي الرَّابِعَة والجذعة هِيَ الَّتِي لَهَا أَربع سِنِين وَدخلت فِي الْخَامِسَة

(3/31)


وَرُوِيَ فِي كتاب الصَّدَقَة فَمن سَأَلَهَا على وَجههَا فليعطه وَمن سَأَلَ فَوْقهَا فَلَا يُعْطه
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ أَنه لَا يُعْطي شَيْئا بِحَال
وَمِنْهُم من قَالَ يُعْطي قدر الْفَرْض وَلَا يُعْطي مَا طلب من الزِّيَادَة وَهُوَ الْأَصَح وَهَذَا إِذا كَانَ طلبه للزِّيَادَة بِغَيْر تَأْوِيل
وَفِي الوقص وَهُوَ مَا بَين النصابين قَولَانِ
أظهرهمَا تعلق الْفَرْض بالنصاب دون مَا زَاد عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن فرض النّصاب يتَعَلَّق بِهِ وَبِمَا زَاد عَلَيْهِ إِذا تمّ الْحول وَهُوَ قَول مُحَمَّد بن الْحسن
وَإِذا ملك تسعا من الْإِبِل فحال عَلَيْهَا الْحول فَهَلَك مِنْهَا أَربع قبل التَّمَكُّن فَإِن قُلْنَا بِالْأولِ لم يسْقط من الْفَرْض شَيْء وَإِن قُلْنَا بِالثَّانِي سقط من الْفَرْض أَرْبَعَة اتساعه فَيجب عَلَيْهِ خَمْسَة أتساع شَاة

(3/32)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يسْقط بهلاكه شَيْء حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي
فَإِن كَانَ عِنْده خمس وَعِشْرُونَ من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا خَمْسَة بعد الْحول وَقبل التَّمَكُّن فَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان من شَرَائِط الْوُجُوب وَجب عَلَيْهِ أَربع شياة وَإِن قُلْنَا أَنه من شُرُوط الضَّمَان وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة أَخْمَاس بنت مَخَاض وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ أَربع شياة وَجعل التَّالِف كَأَنَّهُ لم يكن
وروى عَنهُ مُحَمَّد فِي الْجَامِع فِيمَن كَانَ مَعَه أَرْبَعُونَ من الْإِبِل فَتلف مِنْهَا عشرُون أَنه يجب أَربع شياة
وروى أَبُو يُوسُف فِي الأمالي عَنهُ أَنه إِذا كَانَ مَعَه مائَة وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاة فَتلف مِنْهَا إِحْدَى وَثَمَانُونَ شَاة أَنه يجب عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ جُزْءا من مائَة وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ جُزْءا من شَاتين وَهَذَا خلاف الَّذِي قبله

(3/33)


فصل
وَمن ملك دون خمس وَعشْرين من الْإِبِل فَالْوَاجِب عَلَيْهِ الْغنم فَإِن أخرج بَعِيرًا أَجزَأَهُ وَإِن كَانَ قِيمَته دون قيمَة شَاة وَهل يكون جَمِيعه وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا ان جَمِيعه وَاجِب
وَالثَّانِي أَن الْوَاجِب بِقسْطِهِ من النّصاب وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الْمُتَمَتّع وَجب عَلَيْهِ شَاة فَنحر بدنه
أَحدهمَا أَن جَمِيعهَا وَاجِب
وَالثَّانِي أَن سبعها وَاجِب
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر إِلَّا أَنه فِي الْبَدنَة يُجزئهُ أَن يخرج سبع بدنه فَيجوز أَن يُقَال سبعها وَاجِب وَلَا يجوز أَن يخرج فِي الزَّكَاة بعض الْبَعِير مَكَان الشَّاة
حُكيَ القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه إِذا كَانَ قيمَة الْبَعِير دون قيمَة شَاة لم يجز وَذكر أَنه قيل إِن الشَّافِعِي رَحمَه الله بناه على أصل وَهُوَ أَن الشَّاة فِي خمس من الْإِبِل أصل أَو بدل وَهَذَا فَاسد بل الشَّاة أصل
وَقَالَ دَاوُد وَمَالك لَا يقبل بِغَيْر مَكَان الشَّاة بِحَال
وَلَا يقبل مِنْهُ دون الجدع من الضَّأْن والثنية من الْمعز من غَالب غنم الْبَلَد وَيُخَير بَين الضَّأْن والمعز

(3/34)


وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يعْتَبر فِي الضَّأْن والمعز الْغَالِب أَيْضا فَإِن كَانَ الْغَالِب الضَّأْن لم يجز الْمعز وَإِن كَانَ الْغَالِب الْمعز لم يجز الضَّأْن وَحكي ذَلِك عَن بعض أَصْحَابنَا
وَهل يجزىء الذّكر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يُجزئهُ
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يُجزئهُ
وَإِن كَانَت الْإِبِل مراضا فَفِي شَاتِهَا وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يجزىء إِلَّا مَا يجزىء فِي الصِّحَاح
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يجب شَاة بِالْقِسْطِ فَيقوم الْإِبِل الصِّحَاح وَالشَّاة الْوَاجِبَة فِيهَا وَتقوم المراض فَتجب صَحِيحه بِالْقِسْطِ
ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَت الْإِبِل سمانا كراما كَانَت الشَّاة كَذَلِك وَإِن كَانَت الْإِبِل لياما كَانَت الشَّاة كَذَلِك
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يكون ذَلِك على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي أَخذ الْمَرِيضَة من المراض لِأَن اللوم نقص

(3/35)


فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض فَأعْطى بنت لبون أَو حَقه من غير طلب جبران قبل مِنْهُ
وَقَالَ دَاوُد لَا يقبل مِنْهُ ذَلِك وَإِنَّمَا يُؤْخَذ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ خَاصَّة فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ جَذَعَة وَحقه فَأعْطى بِنْتي لبون قبل مِنْهُ على الصَّحِيح من الْمَذْهَب
وَقيل لَا يجزىء
فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده ابْن لبون قبل مِنْهُ فَإِن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض وَلَا ابْن لبون فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ اشْترى بنت مَخَاض وَإِن شَاءَ اشْترى ابْن لبون
وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يَشْتَرِي بنت مَخَاض وَحَكَاهُ الخراسانيون وَجها لِأَصْحَابِنَا
فَإِن كَانَت عِنْده بنت مَخَاض لم يُؤْخَذ مِنْهُ ابْن لبون

(3/36)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تُؤْخَذ بِالْقيمَةِ
فَإِن كَانَت إبِله مهازيل أَو لياما وفيهَا بنت مَخَاض سَمِينَة كَرِيمَة لم يلْزمه دَفعهَا وَيَشْتَرِي بنت مَخَاض وَلَا يجوز أَن ينْتَقل إِلَى ابْن لبون
وَقيل يجوز لَهُ الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ
فَإِن كَانَت عِنْده بنت مَخَاض لَا تجزىء عَن إبِله كالمعيية جَازَ لَهُ الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَت إبِله لياما وَفِيهِمَا بنت مَخَاض كريمه لم يجز لَهُ الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَت الْإِبِل كراما وفيهَا بنت مَخَاض لييمه فَفِي جَوَاز الِانْتِقَال إِلَى ابْن لبون وَجْهَان وَالصَّحِيح الأول
وَإِن لم يكن عِنْده بنت مَخَاض وَعِنْده ابْن لبون وَبنت لبون فبذل بنت لبون مَعَ أَخذ الْجبرَان لم يجز
وَقيل يجوز وَلَيْسَ بِصَحِيح
فصل
وَإِن وجهت عَلَيْهِ سنّ وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده دونهَا بِسنة من سنّ الصَّدَقَة فَإِنَّهُ يُؤْخَذ مِنْهُ مَعَ شَاتين أَو عشْرين درهما وَإِن كَانَت

(3/37)


عِنْده مَا فَوْقه بِسنة أَخذ مِنْهُ وَدفع إِلَيْهِ شَاتَان أَو عشرُون درهما جبرانا لما بَين السنين
وَحكي عَن سُفْيَان أَنه قَالَ الْجبرَان بَين السنين شَاتَان أَو عشرَة دَرَاهِم وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ بنت مَخَاض وَلَيْسَ عِنْده وَعِنْده جَذَعَة فَإِنَّهَا تُؤْخَذ مِنْهُ وتدفع إِلَيْهِ ثَلَاث جبرانات وَكَذَلِكَ إِذا وَجَبت عَلَيْهِ جَذَعَة وَلَيْسَت عِنْده وَعِنْده بنت مَخَاض وَلَيْسَ عِنْده غَيرهَا فَأعْطى مَعهَا ثَلَاث جبرانات قبل مِنْهُ
وَمن النَّاس من قَالَ لَا يقبل الْجبرَان إِلَّا لسنة وَاحِدَة وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر رَضِي الله عَنهُ
وَإِن لم يكن عِنْده السن الَّذِي يجب عَلَيْهِ وَعِنْده مَا فَوْقه بِسنة وَمَا فَوْقه بِسنتَيْنِ فَأَرَادَ أَن ينْتَقل إِلَى الْأَبْعَد مَعَ جبرانين وَيتْرك الْأَقْرَب مَعَ جبران وَاحِد لم يجز فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ حَقه اَوْ جَذَعَة فَأعْطى مَكَانهَا بِنْتي لبون أَو حقتين أَجزَأَهُ
وَقيل لَا يُجزئهُ
وَالْخيَار فِي الشاتين وَالْعِشْرين درهما إِلَى من يُعْطي ذَلِك وَالْخيَار فِي الصعُود وَالنُّزُول عِنْد عدم الْفَرْض مَعَ الْجبرَان إِلَى السَّاعِي على الْمَنْصُوص
وَقيل بل الْخِيَار إِلَى رب المَال

(3/38)


فصل
إِذا اتّفق نِصَاب فرضين فِي مَال وَاحِد وَذَلِكَ فِي مِائَتَيْنِ من الْإِبِل فِيهَا نِصَاب أَربع حقاق ونصاب خمس بَنَات فَفِي الْوَاجِب فِيهَا طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه يجب الحقاق قولا وَاحِدًا
وَالثَّانِي فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يجب أَربع حقاق
وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يجب أحد الفرضين وَيتَخَيَّر السَّاعِي بَينهمَا على الْمَذْهَب كَمَا قُلْنَا فِي الصعُود وَالنُّزُول فَإِن أَخذ السَّاعِي الصِّنْف الْأَدْنَى من الفرضين والحظ فِي الآخر
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله كَانَ عَلَيْهِ أَن يخرج الْفضل
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بِهِ قَوْله على الْجَدِيد إِذا لم يكن هُنَاكَ تَفْرِيط من وَاحِد مِنْهُمَا بِأَن أحضر لَهُ الفرضين فاجتهد السَّاعِي فِي أَخذ أَحدهمَا وَأَخْطَأ فَإِنَّهُ يخرج التَّفَاوُت بَين الصِّنْفَيْنِ وَإِن كَانَ بتفريط من السَّاعِي بِأَن لم يجْتَهد أَو لم يحضر لَهُ رب المَال الفرضين وَجب رد الْمَأْخُوذ إِن كَانَ بَاقِيا ورد بدله إِن كَانَ تَالِفا وَيَأْخُذ الصِّنْف الآخر

(3/39)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق من أَصْحَابنَا من قَالَ يُجزئهُ الْمَأْخُوذ بِكُل حَال وَيخرج الْفضل
وَقيل إِن كَانَ الْمَأْخُوذ بَاقِيا رده وَأخذ الأحظ وَإِن كَانَ تَالِفا أَجزَأَهُ وَأخرج رب المَال الْفضل وَالْأول أصح وَهل يكون إِخْرَاج الْفضل وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه وَاجِب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن كَانَ يُمكن أَن يشترى بِهِ جُزْء من حَيَوَان فَهَل يجب ذَلِك فِيهِ وَجْهَان
أظهراهما أَنه لَا يجب وَيتَصَدَّق بِهِ قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيمَا نقل الْمُزنِيّ أَخذ الَّذِي وجد وَلَا تفرق الْفَرِيضَة وَنقل الرّبيع عَن الْأُم وَلَا يُفَارق الْفَرِيضَة
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الصَّحِيح مَا نَقله الرّبيع أَنه لَا يتْرك الْفَرِيضَة ويعدل إِلَى غَيرهَا لِأَن تَفْرِيق الْفَرِيضَة جَائِز بِأَن يُعْطي أَربع بَنَات لبون وحقة وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن خيران

(3/40)


وَمِنْهُم من قَالَ الْجَمِيع صَحِيح
وَمعنى كَلَام الْمُزنِيّ إِذا أعطَاهُ أَربع بَنَات لبون وَحقه وَطلب الْجبرَان وَالْفَرْض الْكَامِل مَوْجُود لم يجز تَفْرِيق الْفَرِيضَة
فَإِن كَانَت عِنْده ثَلَاث حقاق وَأَرْبع بَنَات لبون فَأعْطى حَقه وَثَلَاث بَنَات لبون مَعَ كل بنت لبون جبرانا لم يقبل مِنْهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَإِن كَانَت الْإِبِل أَربع مائَة وَجب فِيهَا ثَمَان حقاق أَو عشر بَنَات لبون فَإِن أَرَادَ أَن يُعْطي خمس بَنَات لبون وَأَرْبع حقاق قبل مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يقبل مِنْهُ

(3/41)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْبَقر
أول نِصَاب الْبَقر ثَلَاثُونَ وَفِيه تبيع وَهُوَ الَّذِي لَهُ سنة وَدخل فِي الثَّانِيَة وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّة وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ وَدخلت فِي الثَّالِثَة وتستقر الْفَرِيضَة على هَذَا فِي كل ثَلَاثِينَ تبيع وَفِي كل أَرْبَعِينَ مُسِنَّة
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله من أَصْحَابنَا من غلط فَقَالَ إِنَّمَا تَسْتَقِر فَرِيضَة الْبَقر إِذا بلغت سِتِّينَ وَلَيْسَ بِصَحِيح بل تجب مُسْتَقِرَّة من الِابْتِدَاء وَلَا شَيْء فِيمَا دون الثَّلَاثِينَ من الْبَقر
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ أَنَّهُمَا قَالَا تجب فِي كل خمس من الْبَقر شَاة إِلَى ثَلَاثِينَ كَمَا يجب فِي الْإِبِل
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي قلَابَة أَن نصبها كنصب الْإِبِل إِلَى

(3/42)


عشْرين فَيجب أَربع شِيَاه ثمَّ لَا يجب فِي زيادتها شَيْء حَتَّى يبلغ ثَلَاثِينَ
وَعَن أبي حنيفَة فِيمَا زَاد على أَرْبَعِينَ من الْبَقر ثَلَاث رِوَايَات
إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَالثَّانيَِة هِيَ رِوَايَة الأَصْل عِنْدهم أَنه يجب فِيمَا زَاد على الْأَرْبَعين بِحِسَابِهِ فِي كل بقرة ربع عشر مُسِنَّة
وَالرِّوَايَة الثَّالِثَة رَوَاهَا الْحسن بن زِيَاد أَنه لَا شَيْء فِي الزِّيَادَة حَتَّى يبلغ عشرا فَيجب فِيهَا مُسِنَّة وَربع مُسِنَّة وعَلى هَذَا قَول أَحْمد

(3/43)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الْغنم
أول نِصَاب الْغنم أَرْبَعُونَ وفيهَا شَاة إِلَى مائَة وَعشْرين فَإِذا زَادَت وَاحِدَة فَفِيهَا شَاتَان إِلَى مِائَتَيْنِ فَإِذا زَادَت وَاحِدَة وَجب فِيهَا ثَلَاث شياة إِلَى ثَلَاثمِائَة ثمَّ تَسْتَقِر الْفَرِيضَة بعد ذَلِك فِي كل مائَة شَاة شَاة فَيجب فِي أَربع مائَة أَربع شياة
وَحكي عَن الْحسن وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا فِي ثَلَاثمِائَة أَربع شياة وَفِي أَربع مائَة خمس شياة وعَلى هَذَا
وَالشَّاة الْوَاجِبَة هِيَ الْجَذعَة من الضَّأْن أَو الثَّنية من الْمعز وَبِه قَالَ أَحْمد

(3/44)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَلَا يجزىء من الضَّأْن أَيْضا إِلَّا الثَّنية أَو الثني وَهِي الَّتِي لَهَا سنتَانِ
وروى الْحسن بن زِيَاد عَن أبي حنيفَة نَحْو قَوْلنَا
وَقَالَ مَالك تجزىء الْجَذعَة من الضَّأْن والمعز وَهِي الَّتِي لَهَا سنة كَمَا تجزىء الثَّنية
فَإِن كَانَت الأغنام مُتَسَاوِيَة السن مُخْتَلفَة الصّفة أَخذ السَّاعِي الأحظ لأهل السهْمَان
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْخُذ الْوسط
فَإِن كَانَت مراضا لم يُكَلف عَنْهَا صَحِيحَة
وَقَالَ مَالك لَا تقبل مِنْهُ إِلَّا الصَّحِيحَة فَإِن كَانَ بَعْضهَا مراضا أَخذ مِنْهَا صَحِيحَة بِالْقِسْطِ
وَحكي القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا وَجب عَلَيْهِ فرضان فِي نِصَاب وَأَحَدهمَا مَرِيض وَالْآخر صَحِيح وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه يقبل مِنْهُ صَحِيح ومريض وَلَيْسَ بِصَحِيح بل يُطَالب بِصَحِيح آخر بِالْقِسْطِ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَيَأْخُذ خير الْمَعِيب نَقله الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا أَنه إِذا كَانَ الْجَمِيع معيبا أَنه لَا يَأْخُذ خَيره

(3/45)


فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بِهِ إِذا كَانَ فِي المَال فرضان كمائتين من الْإِبِل فَيَأْخُذ خير الفرضين
وَقيل أَرَادَ بِهِ إِذا خَيره رب المَال
وَقيل أَرَادَ بِالْخَيرِ الْوسط
وَقيل على هَذَا الْوَجْه يُؤْخَذ الْوسط فِي الْعَيْب
وَذكر فِي الْحَاوِي الْوسط فِي الْقيمَة
وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة صغَارًا فَإِن كَانَت من الْغنم أَخذ مِنْهَا صغيره
وَقَالَ مَالك لَا يُؤْخَذ مِنْهَا إِلَّا كَبِيرَة
وَإِن كَانَت من الْإِبِل وَالْبَقر فَفِيهِ وَجْهَان
إحدهما وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ كَبِيرَة بِالْقِسْطِ فَيقوم النّصاب من الْكِبَار فَيُقَال يُسَاوِي ماية وَالْفَرْض الَّذِي يجب فِيهِ يُقَال يُسَاوِي عشرَة والنصاب من الصغار يُسَاوِي خمسين فَيُقَال لَهُ أخرج كَبِيرَة تَسَاوِي خَمْسَة
وَقيل إِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ بِالسِّنِّ وَجب الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَإِن كَانَ مِمَّا يتَغَيَّر الْفَرْض فِيهِ بِالْعدَدِ وَجَبت صَغِيرَة وَالْأول أصح
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله وَجها آخر أَنه يُؤْخَذ صغيره من الصغار بِكُل حَال كَمَا يُؤْخَذ من الْغنم وَلَيْسَ بِشَيْء

(3/46)


وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة أَو إِنَاثًا وذكورا لم يجز فِيهَا إِلَّا الْأُنْثَى إِلَّا فِي خمس وَعشْرين من الْإِبِل فَإِنَّهُ يجزىء فِيهَا ابْن لبون وَفِي ثَلَاثِينَ من الْبَقر فَإِنَّهُ يجزىء فِيهَا تبيع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجزىء فِي الْغنم الذّكر بِكُل حَال
وَإِن كَانَت ذُكُورا فَإِن كَانَت من الْغنم وَجب فِيهَا ذكر وَإِن كَانَت من الْإِبِل أَو من الْأَرْبَعين من الْبَقر فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق يُؤْخَذ أُنْثَى بِالْقِسْطِ فَيقوم النّصاب من الْإِنَاث وَالْفَرْض الَّذِي فِيهِ والنصاب من الذُّكُور وَيجب أُنْثَى بِالْقِسْطِ بِحَسب التَّفَاوُت
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يُؤْخَذ الذُّكُور غير أَنه يُؤْخَذ من سِتّ وَثَلَاثِينَ من الْإِبِل الذُّكُور ابْن لبون أَكثر قيمَة من ابْن لبون يُؤْخَذ فِي خمس وَعشْرين مَكَان بنت مَخَاض وَهُوَ قَول مَالك
وَإِن كَانَت الْمَاشِيَة أنواعا مُخْتَلفَة كالضأن والمعز والجواميس وَالْبَقر والبخاتي والعراب فَفِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه يُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ بِاعْتِبَار الْقيمَة فَإِذا كَانَ عِنْده عشرُون من الضَّأْن وَعِشْرُونَ من الْمعز قوم الضَّأْن فَيُقَال

(3/47)


يُسَاوِي مائَة والواحدة مِنْهَا يُسَاوِي عشرَة والمعز تَسَاوِي خمسين فَيعْطى شَاة تَسَاوِي سَبْعَة وَنصف جَذَعَة من الضَّأْن أَو ثنية من الْمعز من أَي النَّوْعَيْنِ شَاة شَاءَ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب أَن يَأْخُذ ذَلِك من أَعلَى النَّوْعَيْنِ وَلَكِن بِالْحِصَّةِ كَمَا قُلْنَا فِي الصِّحَاح والمراض إِنَّه يَأْخُذ صَحِيحه بِالْقِسْطِ
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْخُذ من الْغَالِب فَإِن اسْتَويَا أَخذ من أَيهمَا شَاءَ بِحكم الأحظ كَذَا ذكر أَبُو إِسْحَاق
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله وَيجب أَن يسْقط هَذَا القَوْل عِنْد تَسَاوِي الْأَصْنَاف
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا كَانَ عِنْده نِصَاب من الضَّأْن فَأَرَادَ أَن يخرج عَنهُ من الْمعز أَو نِصَاب من الْمعز فَأَرَادَ أَن يخرج عَنهُ من الضَّأْن فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز
وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز أَن يخرج الضَّأْن عَن الْمعز

(3/48)


وَلَا يخرج الْمعز عَن الضَّأْن فَإِن أخرج ثنية من الضَّأْن عَن الْمعز أَجزَأَهُ وَإِن أخرج جذعه من الضَّأْن عَن ثنية من الْمعز فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز
فَإِن كَانَ لَهُ عشرُون من الْغنم فِي بلد وَعِشْرُونَ فِي بلد آخر وَجب عَلَيْهِ فيهمَا شَاة
وَقَالَ أَحْمد إِن كَانَ الْبلدَانِ متباعدين لم يجب عَلَيْهِ فيهمَا شَيْء
وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَ لَهُ فِي كل وَاحِد من البلدين أَرْبَعُونَ شَاة وَجب عَلَيْهِ شَاتَان
فصل
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَالْإِبِل الَّتِي فريضتها الْغنم فِيهَا قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الشَّاة الَّتِي فيهمَا فِي رقابها يُبَاع مِنْهَا بعير فَيُؤْخَذ مِنْهَا إِن لم يَأْتِ بهَا
وَالثَّانِي أَن فِي خمس من الْإِبِل حَال عَلَيْهَا الْحول ثَلَاثَة أَحْوَال ثَلَاث شياة فِي كل حول شَاة وَهَذَا الَّذِي ذكره مَبْنِيّ على أَن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالذِّمةِ أَو بِالْعينِ
فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تجب فِي الذِّمَّة وَإِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَجب عَلَيْهِ فِي كل حول شَاة إِذا لم يكن لَهُ مَال سوى الْإِبِل

(3/49)


وَإِن قُلْنَا إِن الَّذين يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة فِي الْعَام الأول دون مَا بعده
وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تتَعَلَّق بِالْعينِ فقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْجَدِيد على قَوْلَيْنِ فِي ذَلِك
أَحدهمَا أَنه بِاسْتِحْقَاق الْمَسَاكِين للشاة بِسَبَب الْخمس من الْإِبِل يَزُول ملكه عَن جُزْء من الْإِبِل فَلَا يجب فِيهَا بعد الْحول شَيْء آخر
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ فِيهِ ثَلَاث شياة وَيجْعَل ذَلِك وجوبا فِي ذمَّته أَو مُتَعَلقا بِالْمَالِ تعلق الدّين بِالرَّهْنِ

(3/50)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الخلطاء
للخلطة تَأْثِير فِي الزَّكَاة وَهُوَ أَنه يَجْعَل مَال الرجلَيْن وَالْجَمَاعَة بِمَنْزِلَة مَال الرجل الْوَاحِد فِي وجوب الزَّكَاة وسقوطها بِشَرْط أَن يَكُونَا من أهل الزَّكَاة ويبلغ المَال الْمُخْتَلط نِصَابا وَأَن يمْضِي عَلَيْهِ حول كَامِل وَأَن

(3/51)


لَا يتَمَيَّز أَحدهمَا عَن الآخر فِي المراح والمسرح وَالْمشْرَب والراعي والمحلب والفحل
وَفِي اشْتِرَاط نِيَّة الْخلطَة وَجْهَان وبقولنا قَالَ أَحْمد وَظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم
إِن إِطْلَاق الْخلطَة يتَنَاوَل خلْطَة الْأَعْيَان وخلطة الْأَوْصَاف
وَنَصّ فِي الْقَدِيم على ان إِطْلَاق الْخلطَة ينْصَرف إِلَى خلْطَة الْأَوْصَاف وَالصَّحِيح هُوَ الأول
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن خلْطَة الْأَوْصَاف تسمى خلْطَة لُغَة وَشرعا وخلطة الْأَعْيَان تسمى خلْطَة شرعا لَا لُغَة
وَقَالَ مَالك إِنَّمَا تُؤثر الْخلطَة إِذا كَانَ مَال كل وَاحِد مِنْهُمَا يبلغ نِصَابا

(3/52)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْخلطَة لَا تُؤثر فِي الزَّكَاة بِحَال ويزكيان زَكَاة الِانْفِرَاد وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي شَرط الْخلطَة
فَمنهمْ من قَالَ يُرَاعى الِاخْتِلَاط فِي شرطين من هَذِه الشُّرُوط 3 وَمِنْهُم من قَالَ يُرَاعى الرَّعْي والراعي
وَمِنْهُم من قَالَ يَكْفِي الِاتِّفَاق فِي الرَّاعِي
وَلَا يخْتَلف أَصْحَابنَا فِي اعْتِبَار الحلاب وَاخْتلفُوا مَا هُوَ فَظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ وَعَلِيهِ عَامَّة أَصْحَابنَا أَن يحلب لبن أَحدهمَا على الآخر وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق أَن يكون الحالب وَاحِدًا
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن يكون مَكَان الْحَلب وَاحِد
فَأَما إِذا ثَبت لكل وَاحِد مِنْهُمَا حكم الِانْفِرَاد بالحول فِي بعضه ثمَّ خلط الْمَالَيْنِ فَإِن اتّفق حولهما فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يبْنى حول الْخلطَة على حول الِانْفِرَاد فيزكيان زَكَاة الْخلطَة عِنْد تَمام الْحول
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يبْنى حول الْخلطَة على حول الِانْفِرَاد فيزكي كل

(3/53)


وَاحِد مِنْهُمَا زَكَاة الِانْفِرَاد عِنْد تَمام الْحول فَأَما فِي الْحول الثَّانِي وَمَا بعده فيزكيان زَكَاة الْخلطَة
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يزكيان زَكَاة الِانْفِرَاد بالحول دون الاخر بِأَن ملك أَحدهمَا أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول الْمحرم وَملك الآخر أَرْبَعِينَ شَاة فِي أول صفر وخلطاهما ثمَّ بَاعَ الثَّانِي الْأَرْبَعين الَّتِي ملكهَا فختلطة من آخر فَإِن الأول قد ثَبت لَهُ حكم الِانْفِرَاد وَالْمُشْتَرِي من الخليط لم يثبت لَهُ حكم الِانْفِرَاد
فعلى قَوْله الْقَدِيم يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا عِنْد تَمام حوله نصف شَاة وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجب على الأول عِنْد تَمام حوله شَاة
وَفِي الثَّانِي وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجب عَلَيْهِ ايضا شَاة
وَالثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ نصف شَاة وَهُوَ الْأَصَح

(3/54)


فَأَما إِذا ملك رجل أَرْبَعِينَ شَاة وَمضى عَلَيْهَا نصف الْحول فَبَاعَ نصفهَا مشَاعا فَإِذا تمّ حول البَائِع وَجب عَلَيْهِ نصف شَاة
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن خيران يبْنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ
فعلى قَوْله الْقَدِيم يجب على الأول نصف شَاة
وعَلى قَوْله الْجَدِيد يَنْقَطِع حول البَائِع فِيمَا بَقِي على ملكه فيستأنف فِيهِ الْحول وَهَذَا غلط لِأَن قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يخْتَلف أَن حول الْخلطَة يبْنى على حول الِانْفِرَاد وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي قدر الزَّكَاة هَل يعْتَبر بحول الِانْفِرَاد أَو بحول الْخلطَة
فَأَما المُشْتَرِي فَإِنَّهُ إِذا تمّ حوله من حِين الشِّرَاء وَجب عَلَيْهِ نصف شَاة
إِذا قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الذِّمَّة وَإِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة
وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الْعين لم يجب عَلَيْهِ شَيْء لنُقْصَان النّصاب بِمَا وَجب على البَائِع من نصف الشَّاة
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِيهِ قَول آخر أَنه يجب عَلَيْهِ الزَّكَاة لِأَنَّهُ إِذا أخرجهَا من غَيره ثَبت أَن ملكه لم يزل وَهَذَا فَاسد
فَأَما إِذا بَاعَ مِنْهَا عشْرين مُعينَة وَسلمهَا من غير تَفْرِيق بسوق الْجَمِيع لم يَنْقَطِع الْحول
وَقيل يَنْقَطِع وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن ملك رجل اربعين من الْغنم وَملك آخر أَرْبَعِينَ من الْغنم وحولهما

(3/55)


مُتَّفق فَبَاعَ كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف غنمه بِنصْف غنم الآخر انْقَطع حولهما فِيمَا تبايعاه قولا وَاحِدًا وَلَا يَنْقَطِع فِيمَا لم يتبايعاه على طَريقَة أبي إِسْحَاق وَعَامة أَصْحَابنَا وَهِي الصَّحِيحَة وعَلى قَول ابْن خيران فِيهِ قَولَانِ
فَإِذا قُلْنَا لَا يَنْقَطِع فجيب عِنْد تَمام الْحول على قَوْله الْقَدِيم نصف شَاة بِحكم الْخلطَة على كل وَاحِد مِنْهُمَا ربع شَاة وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجب فِيهَا شَاة بِحكم الِانْفِرَاد على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفهَا وَأما الَّذِي تبايعاه إِذا تمّ حوله وَجَعَلنَا الحكم للخلطة وَجب فِيهِ نصف شَاة على الخليطين وَإِن جعلنَا الحكم للانفراد فِيمَا لم يتبايعاه فَالَّذِي يتبايعاه عِنْد تَمام حوله يَبْنِي على من ملك أَرْبَعِينَ فِي الْمحرم ثمَّ ملك أَرْبَعِينَ فِي صفر فَأخْرج زَكَاة الأول عِنْد تَمام حوله هَل تجب فِي الْبَاقِي إِذا تمّ حوله الزَّكَاة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تجب فَلَا تجب هَا هُنَا فِيمَا تبايعاه شَيْء
وَإِن قُلْنَا الزَّكَاة تجب فِي الزَّائِد على النّصاب وَجَبت فِيمَا تبايعاه فِي مَسْأَلَتنَا عِنْد تَمام حوله وَفِي قدرهَا وَجْهَان
أَحدهمَا شَاة

(3/56)


وَالثَّانِي نصف شَاة
إِذا كَانَ لِرجلَيْنِ أَرْبَعُونَ من الْغنم مختلطة لكل وَاحِد عشرُون ولأحدهما أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَة وَتمّ الْحول فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه احدهما وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه تجب شَاة ربعهَا على صَاحب الْعشْرين وَالْبَاقِي على صَاحب السِّتين
وَالثَّانِي أَنه يجب على صَاحب السِّتين ثَلَاثَة أَربَاع شَاة وعَلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة
وَالثَّالِث أَنه يجب على صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وعَلى صَاحب السِّتين شَاة
وَالرَّابِع أَنه يجب على صَاحب السِّتين شَاة إِلَّا نصف سدس شَاة ثلثا شَاة بِسَبَب الْأَرْبَعين المنفردة وَربع شَاة بِسَبَب الْعشْرين المختلطة

(3/57)


وعَلى صَاحب الْعشْرين نصف شَاة وَأَقل عدد لَهُ ثلثان وَربع اثْنَا عشر وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَيتَفَرَّع على مَا ذَكرْنَاهُ إِذا كَانَ لَهُ سِتُّونَ من الْغنم فخالطه بِكُل عشْرين مِنْهَا رجلا لَهُ عشرُون فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
فعلى مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة يضم الْغنم بَعْضهَا إِلَى بعض فَيجب فِيهَا شَاة على صَاحب السِّتين نصفهَا وعَلى الخلطاء الثَّلَاثَة نصفهَا على كل وَاحِد مِنْهُم سدس شَاة
وعَلى قَول الْقَائِل الثَّانِي هُنَاكَ تجب هَا هُنَا على صَاحب السِّتين نصف شَاة وعَلى كل وَاحِد من الخلطاء نصف شَاة
وعَلى الْوَجْه الرَّابِع يجب على صَاحب السِّتين هَا هُنَا ثَلَاثَة أَربَاع شَاة وعَلى كل وَاحِد من الخلطاء نصف شَاة
وَلَا يَجِيء هَا هُنَا الْوَجْه الثَّالِث لِأَن صَاحب السِّتين لَيْسَ لَهُ غنم مُنْفَرِدَة فَيجب عَلَيْهِ باعتبارها شَاة
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله وَجها آخر أَنه يجب على صَاحب السِّتين شَاة وَنصف وَهَذَا فِي غَايَة الْفساد

(3/58)


ذكر ابْن الْحداد إِذا كَانَ لرجل أَرْبَعُونَ شَاة فخالط بِعشْرين مِنْهَا أَرْبَعُونَ لرجل وبعشرين أَرْبَعِينَ لآخر فَإِنَّهُ يجب على كل وَاحِد من خليطيه ثلثا شَاة وعَلى صَاحب الْأَرْبَعين ثلث شَاة على طَريقَة أبي على بن أبي هُرَيْرَة وعَلى مَا حكيناه من مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله يجب عَلَيْهِم شَاة على كل وَاحِد مِنْهُم ثلثهَا
وَحكى فِيهِ وَجه آخر أَنه يجب على كل وَاحِد ثلثا شَاة فَيكون فِي كل سِتِّينَ شَاة وَهُوَ وَجه بعيد
ذكر عَن ابْن الْحداد أَيْضا رجل مَعَه عشر من الْإِبِل فخالط بِخمْس مِنْهَا خَمْسَة عشر لرجل وبالخمس الْأُخْرَى خَمْسَة عشر لآخر فَقَالَ يجب على صَاحب الْعشْرَة ربع بنت مَخَاض وعَلى كل وَاحِد من خليطيه ثَلَاث شياة وَهَذَا على طَرِيقَته الْمُتَقَدّمَة
وعَلى مَا حكيناه عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله يجب على الْكل بنت لبون على صَاحب الْعشْرَة ربعهَا وعَلى الخليطين ثَلَاثَة أربعاعها
وَقيل لَا يُمكن ضم مَال أَحدهمَا إِلَى الآخر وَإِنَّمَا يضم مَاله إِلَى أحد خليطيه وَالْمَسْأَلَة الَّتِي ذكرهَا الشَّافِعِي رَحمَه الله لَيْسَ فِيهَا ضم مَال أحد الخليطين إِلَى الآخر
فصل
وَأما أَخذ الزَّكَاة من مَال الْخلطَة فَفِيهِ وَجْهَان

(3/59)


أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه وجد مَا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا فِي مَاله أَخذه مِنْهُ وَلم يَأْخُذهُ من مَال الآخر وَإِن لم يجب الْفَرْض إِلَّا فِي مَال أَحدهمَا أَخذه وَرجع الْمَأْخُوذ من نصِيبه على صَاحبه بقسط فَرْضه
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَهُ أَن يَأْخُذ من أَي الْمَالَيْنِ شَاءَ مَا يجب عَلَيْهِمَا سَوَاء وجده فِي نصيب أَحدهمَا أَو فِي نصيبهما وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن أَخذ السَّاعِي من أَحدهمَا أَكثر من الْفَرْض بِتَأْوِيل بِأَن أَخذ كَبِيرَة من الصغار أَو صَحِيحَة من المراض على قَول مَالك فَإِنَّهُ يرجع عَلَيْهِ بِنصْف مَا أَخذ مِنْهُ وَإِن أَخذ مِنْهُ قيمَة الْفَرْض فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يرجع
وَالثَّانِي لَا يرجع
وَفِي الْخلطَة فِي غير الْمَوَاشِي من الْأَثْمَان والحبوب وَالثِّمَار قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم لَا تَأْثِير لَهَا وَبِه قَالَ مَالك

(3/60)


وَقَالَ فِي الْجَدِيد يُؤثر فِيهَا فعل هَذَا خلْطَة الشّركَة صَحِيحَة فِيهَا وَفِي خلْطَة الْأَوْصَاف وَجْهَان

(3/61)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الثِّمَار
تجب الزَّكَاة فِي ثَمَرَة الْكَرم والنخيل دون غَيرهمَا من الثِّمَار وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْعشْر يجب فِي جَمِيع الثِّمَار
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يجب فِي سَائِر الثِّمَار الْبَاقِيَة
وَقَالَ أَحْمد يجب فِي سَائِر الثِّمَار الَّتِي تكال حَتَّى أوجبهَا فِي اللوز وأسقطها فِي الْجَوْز وَلَا يجب فِي الزَّيْتُون فِي قَوْله الْجَدِيد وَيجب فِي

(3/62)


الْقَدِيم وَبِه قَالَ مَالك فَإِن كَانَ مِمَّا يقْصد زيته فَإِن شَاءَ أخرج عشره زيتونا وَإِن شَاءَ زيتا
وَذكر فِي الْحَاوِي قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أَن يبلغ خَمْسَة أوسق زيتا فعلى هَذَا يخرج عشره زيتا
وَالثَّانِي يعْتَبر خَمْسَة أوسق زيتونا
وَالشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله ذكر أَنه يخرج زيتونا وَحكم الورس فِي ذَلِك حكم الزَّيْتُون قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَمن قَالَ لَا عشر فِي الورس لم يُوجب فِي الزَّعْفَرَان وَمن قَالَ يجب فِي الورس يحْتَمل أَن يُوجب فِي الزَّعْفَرَان وَيحْتَمل أَن لَا يُوجب
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجب فِي الْعَسَل الْعشْر
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا عشر فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ فِي غير أَرض الْخراج وَجب فِيهِ الْعشْر وَهُوَ قَول أَحْمد فَيجب عِنْده بِكُل حَال
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يجب الْعشْر فِي حب القرطم إِن صَحَّ فِيهِ حَدِيث أبي بكر رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يجب

(3/63)


وَلَا يجب الْعشْر فِي الثَّمَرَة حَتَّى تبلغ نِصَابا وَهُوَ خَمْسَة أوسق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة من الْفُقَهَاء وَحده يجب الْعشْر فِي قَلِيل ذَلِك وَكَثِيره وَخَالفهُ صَاحِبَاه أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
والوسق سِتُّونَ صَاعا والصاع أَرْبَعَة أَمْدَاد وَالْمدّ رَطْل وَثلث فَيكون الْجَمِيع ألف وسِتمِائَة رَطْل بالبغدادي وَهل ذَلِك تقريب أَو تَحْدِيد فِيهِ وَجْهَان
وتضم ثَمَرَة الْعَام الْوَاحِد بَعْضهَا إِلَى بعض وَإِن كَانَ بَينهمَا زمَان هَذَا نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم 2
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا أطلع النجدي وَقد جد التهامي لم يضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع النجدي قبل بَدو الصّلاح فِي التهامي ضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع بعد بَدو الصّلاح فِي التهامي وَقبل جداده فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يضم وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق
وَقيل إِنَّه إِذا بدا الصّلاح فِي النجدي وَقد جد التهامي لم يضم إِلَيْهِ وَإِن كَانَ قبل أَن يجد ضم إِلَيْهِ

(3/64)


وَقيل إِنَّه إِن أطلع النجدي قبل أَوَان جدَاد التهامي ضم إِلَيْهِ وَإِن أطلع بعد أَوَان جداده لم يضم إِلَيْهِ
فَإِن كَانَت الثَّمَرَة رطبا لَا يَجِيء مِنْهَا ثمرا أَو عنبا لَا يَجِيء مِنْهُ زبيب فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يعْتَبر نصابه بِنَفسِهِ إِذا جف
وَالثَّانِي يعْتَبر بِغَيْرِهِ
وَذكر فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يعْتَبر نصابه رطبا
وَالْوَاجِب فِيمَا سقِِي بِغَيْر مؤونة ثَقيلَة الْعشْر وَفِيمَا سقِِي بمؤونة ثَقيلَة نصف الْعشْر
فَإِن سقِِي نصفه بالسيح وَنصفه بالنضح فَفِيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الْعشْر وَإِن سقِِي بِأَحَدِهِمَا أَكثر فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يعْتَبر الْغَالِب
وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر عدد السقيات فَيسْقط عَلَيْهَا فَإِن جهل الْقدر جعل بَينهمَا نِصْفَيْنِ
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه يجب زِيَادَة على نصف الْعشْر وَإِن قل

(3/65)


ويتوقف فِيمَا زَاد وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن أَرَادَ بيع الثِّمَار قبل بَدو الصّلاح لحَاجَة لم يكره وَإِن كَانَ للفرار من الزَّكَاة كره وَمنع وجوب الزَّكَاة
وَعند مَالك أَنه يحرم وَلَا تسْقط الزَّكَاة
فَإِن بَاعَ بعد بَدو الصّلاح فَفِي البيع فِي قدر الْفَرْض الْقَوْلَانِ
أَحدهمَا أَنه يبطل وَهل يبطل فِيمَا زَاد عَلَيْهِ يبْنى على الْقَوْلَيْنِ فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة وَإِذا قُلْنَا يَصح البيع فبماذا يمسِكهُ فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يمسِكهُ بِحِصَّتِهِ من الثّمن
وَقَالَ مَالك البيع صَحِيح وَالزَّكَاة على البَائِع
وَمن أَصْحَابه من قَالَ يُؤْخَذ من المُشْتَرِي وَيرجع بهَا على البَائِع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح البيع فِي الْجَمِيع وَهُوَ قَول أَحْمد
فَإِن اشْترى ثَمَرَة وَلم يبد صَلَاحهَا بِشَرْط الْقطع فَلم يقطعهَا حَتَّى بدا صَلَاحهَا فَإِن اتفقَا على التبقية إِلَى أَوَان الجداد أخذت الزَّكَاة مِنْهَا
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق أَن أَبَا إِسْحَاق قَالَ فِيهِ قولا آخر إِنَّه يفْسخ البيع وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء
وَإِن اخْتلفَا فَطلب البَائِع الْقطع دون المُشْتَرِي فَإِنَّهُ يفْسخ البيع وَيجب الْعشْر على البَائِع

(3/66)


وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه لَا زَكَاة على المُشْتَرِي وَفِي البَائِع وَجْهَان أصَحهمَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ
وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِيمَن يجب عَلَيْهِ الْعشْر بعد الْفَسْخ وَجْهَيْن بِنَاء على أَن الْفَسْخ للْعقد من وقته أَو من أَصله فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه فسخ من وقته فَتكون الزَّكَاة على المُشْتَرِي
وَإِن طلب المُشْتَرِي قطعهَا دون البَائِع فَهَل يفْسخ البيع فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجْبر على التبقية
وَالثَّانِي لَا يجْبر وَله فَسخه
فَإِن بدا الصّلاح فِي الثَّمَرَة فِي مُدَّة الْخِيَار ففسخ البيع وعادت الثَّمَرَة إِلَى البَائِع فقد ذكر فِي الْحَاوِي فِي الزَّكَاة وَجْهَيْن وبناهما على أَن الزكا 6 ة تجب فِي الذِّمَّة أَو فِي الْعين
فَإِن قُلْنَا فِي الذِّمَّة وَجَبت على المُشْتَرِي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيح وَإِنَّمَا الصَّحِيح أَن يبْنى على الْمَالِك وَهِي من فَوَائِد الْمَالِك
يكره للرجل أَن يَشْتَرِي صَدَقَة فَإِن اشْتَرَاهَا صَحَّ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالظَّاهِر من قَول أَحْمد
وَمن اصحاب أَحْمد من قَالَ يبطل البيع وَحكى أَصْحَابنَا ذَلِك عَن أَحْمد وَأنْكرهُ أَصْحَابه فَإِن كَانَ لرب المَال على رجل من أهل السهْمَان دين لم يجز أَن يَجعله قصاصا عَمَّا يجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة وَإِنَّمَا يدْفع إِلَيْهِ بِقَدرِهِ من الزَّكَاة ليعيده إِلَيْهِ عَن دينه

(3/67)


وَحكى عَن مَالك أَنه قَالَ يجوز وَهَذَا ظَاهر الْفساد
وتخرص الثَّمَرَة
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابي حنيفَة وسُفْيَان أَن الْخرص لَا يَصح وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق أَن هَذَا لَا يَصح عَنهُ فَإِن كَانَ لَهُ حائطان قد بدا الصّلاح فِي أَحدهمَا دون الآخر اعْتبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِنَفسِهِ فِي الْخرص فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَهل يجزىء خارص وَاحِد فِيهِ طَرِيقَانِ
قَالَ ابو إِسْحَاق الْمروزِي وابو الْعَبَّاس بن سُرَيج يجزىء خارص وَاحِد
وَقَالَ غَيرهمَا من أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجزىء خارص وَاحِد وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله ويطيف بالنخلة فيخرصها رطبا
ذكر فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَن ذَلِك احْتِيَاط واستظهار
وَالثَّانِي أَنه شَرط
وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَصَح أَن الثَّمَرَة إِن كَانَت بازرة يرى جَمِيعهَا فَلَيْسَ بِشَرْط وَإِن كَانَت مستورة فَهُوَ شَرط
فَإِن ادّعى رب المَال هَلَاك الثَّمَرَة بجائحة ظَاهِرَة لم يقبل دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَة

(3/68)


على وجود الْجَائِحَة فَإِذا ثبتَتْ الْجَائِحَة فَالْقَوْل قَوْله فِي الْهَلَاك بهَا مَعَ يَمِينه وَفِي كَون الْيَمين وَاجِبَة وَجْهَان
ثمَّ ينظر فِي الْبَاقِي فَإِن نقص عَن نِصَاب قبل الْإِمْكَان وَقُلْنَا الْإِمْكَان من شَرَائِط الْوُجُوب لم يجي عَلَيْهِ شَيْء
ذكر فِي الْحَاوِي أَن من اصحابنا من قَالَ تجب الزَّكَاة فِي الْبَاقِي قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء وَإِن ادّعى الْهَلَاك بِسَبَب خَفِي كالسرقة فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَهل الْيَمين وَاجِبَة على الْوَجْهَيْنِ
وَلَا تُؤْخَذ الزَّكَاة من الثِّمَار إِلَّا بِعْ الْجَفَاف فَإِن أَخذهَا رطبا وَجب ردهَا إِن كَانَت بَاقِيَة ورد قيمتهَا إِن كَانَت تالفة
وَقيل يرد مثله وَالْمذهب الأول
فَإِن كَانَت الثَّمَرَة أنواعا مُخْتَلفَة قَليلَة أَخذ من كل نوع بِقسْطِهِ على صفته فِي جودته ورداءته وَبِه قَالَ مَالك

(3/69)


وَمن أَصْحَابه من قَالَ يُطَالب عَن الرَّدِيء بجيد كالماشية
فَإِن كثرت الْأَنْوَاع أَخذ من أوسطها لَا من النَّوْع الْجيد وَلَا من الرَّدِيء
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه إِذا اخْتلفت تقادير الْأَنْوَاع من نواع عشرَة وَمن نوع عشرُون وَمن نوع ثَلَاثُونَ أَخذ من الْأَغْلَب قدرا
وَعَن مَالك فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يُؤْخَذ من الْأَوْسَط
وَالثَّانيَِة يُؤْخَذ من كل نوع بِقسْطِهِ
وَإِذا قُلْنَا يفْتَقر فِي الْخرص إِلَى عدد فَهَل يجوز أَن يكون أَحدهمَا امْرَأَة فِيهِ وَجْهَان
فَإِن أصَاب النّخل عَطش بعد بَدو الصّلاح فِي الثَّمَرَة قطعهَا حفظا لِلْأُصُولِ وَفِي الْقِسْمَة قَولَانِ
إِن قُلْنَا إِن الْقِسْمَة فرز النَّصِيبَيْنِ جَازَ قسْمَة الثَّمَرَة وَيَأْخُذ السَّاعِي نصيب الْمُسْتَحقّين يصرفهُ إِلَيْهِم إِن رأى أَو يَبِعْهُ وَيصرف ثمنه
وَإِن قُلْنَا إِن الْقِسْمَة بيع لم تجز الْقِسْمَة وَيسلم إِلَى السَّاعِي عشرهَا مشَاعا لتعين حق الْمُسْتَحقّين ثمَّ يبع نصيب الْفُقَرَاء من رب المَال أَو غَيره إِن شَاءَ

(3/70)


فَإِن قطعت الثَّمَرَة وَقُلْنَا الْقِسْمَة فرز النَّصِيبَيْنِ جَازَت الْقِسْمَة كَيْلا ووزنا
وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا بيع لم يجز وسلمت مشَاعا ليَبِيعهُ وَيفرق ثمنه
وَقَالَ ابو إِسْحَاق وَأَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة يجوز الْمُقَاسَمَة كَيْلا ووزقا وَلَيْسَ بِصَحِيح

(3/71)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَدَقَة الزروع
تجب الزَّكَاة فِي كل مَا تخرجه الأَرْض مِمَّا يقتات ويدخر وينبته الآدميون كالحنطة وَالشعِير والذرة والقطنية
وَقَالَ الْحسن وَابْن سِيرِين تجب فِي الْحِنْطَة وَالشعِير لَا غير
وَقَالَ أَبُو ثَوْر تجب فِي الْحِنْطَة وَالشعِير والذرة
وَقَالَ عَطاء تجب فِي كل زرع نبت من بذرة وَأخذ بذره من زرعه
وَقَالَ مَالك تجب فِي الْحُبُوب المأكولة غَالِبا من الزروع
وَقَالَ أَبُو يُوسُف تجب فِي الْحُبُوب المأكولة والقطن
وَقَالَ أَحْمد تجب فِي الْحُبُوب الَّتِي تكال أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ أَو نبت بِنَفسِهِ

(3/72)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب فِي كل مزروع ومغروس من فَاكِهَة وبقل وخضر
وَلَا تجب إِلَّا فِي نِصَاب من كل جنس وَلَا يضم جنس إِلَى جنس آخر
وَقَالَ مَالك تضم الْحِنْطَة إِلَى الشّعير فِي إِكْمَال لنصاب والقطنيبة يضم بَعْضهَا إِلَى بعض
وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى أَنَّهَا أَجنَاس كالربا
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد
وَيضم العلس إِلَى الْحِنْطَة وَلَا يضم السلت إِلَى الشّعير
وَقَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ يضم إِلَيْهِ وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْبُوَيْطِيّ
وَإِن اخْتلفت أَوْقَات الزَّرْع فَفِيهِ أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يعْتَبر الِاتِّفَاق فِي وَقت الزِّرَاعَة وكل زرعين اتّفقت زراعتهما فِي فصل من بيع أَو صيف أَو خريف ضم احدهما إِلَى الآخر وَإِن اخْتلف حصادهما

(3/73)


وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر وَقت الْحَصاد فَإِذا اتفقَا فِيهِ ضم احدهما إِلَى الآخر
وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر الْأَمْرَانِ جَمِيعًا فَإِذا اتفقَا فيهمَا ضم احدهما إِلَى الآخر
وَالرَّابِع انه يعْتَبر أَن يكون من زرع عَام وَاحِد كَمَا قُلْنَا فِي الثِّمَار وَهُوَ أصَحهمَا
وَلَا يجب الْعشْر حَتَّى ينْعَقد الْحبّ فَإِن حصدت الذّرة ثمَّ اسْتخْلف مَكَانهَا وتسنبل فَهَل يضم الثَّانِي إِلَى الأول فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يضم على القَوْل الَّذِي يعْتَبر الانفاق فِي الزِّرَاعَة أَو فِي زرع عَام وَاحِد وَإِن كَانَ الزَّرْع لوَاحِد وَالْأَرْض لآخر وَجب الْعشْر على مَالك الزَّرْع كالمستأجر مَعَ الْمُؤَجّر وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب الْعشْر على الْمُؤَجّر
وَإِذا أخرج الْعشْر من الْحبّ أَو الثَّمَرَة وَبَقِي عِنْده سنتَيْن بعد ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ فِيهِ شَيْء آخر

(3/74)


وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ كلما حَال عَلَيْهِ الْحول وَجب فِيهِ الْعشْر حَكَاهُ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
وَإِن كَانَ على الأَرْض خراج وَجب الْخراج فِي وقته وَالْعشر فِي الزَّرْع وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب الْعشْر فِي الأَرْض الخراجية
وَإِن كَانَ لمُسلم أَرض لَا خراج عَلَيْهَا فَبَاعَهَا من ذمِّي فَلَا عشر عَلَيْهِ وَلَا خراج
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ الْخراج
وَقَالَ ابو يُوسُف يجب عَلَيْهِ عشران
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يجب عَلَيْهِ عشر وَاحِد
وَقَالَ مَالك لَا يَصح بَيْعه

(3/75)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الذَّهَب وَالْفِضَّة
لَا تجب الزَّكَاة فِي غير الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْجَوَاهِر وَمن الْيَاقُوت والفيروزج وَهُوَ قَول الكافة
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَعمر بن عبد الْعَزِيز وابي يُوسُف القَاضِي أَنه يجب فِي العنبر الْخمس
وَقَالَ عبيد الله بن الْحسن الْعَنْبَري تجب الزَّكَاة فِي جَمِيع مَا يسْتَخْرج من الْبَحْر إِلَّا السّمك وَلَا تجب الزَّكَاة فِيمَا دون النّصاب ونصاب الذَّهَب عشرُون مِثْقَالا

(3/76)


ونصاب الْفضة مِائَتَا دِرْهَم وازنة دَرَاهِم الْإِسْلَام كل عشرَة دَرَاهِم سبع مَثَاقِيل
وَحكى عَن المغربي من أهل الظَّاهِر وَبشر المريسي أَن الِاعْتِبَار بِالْعدَدِ فِي الدَّرَاهِم دون الْوَزْن وَهَذَا خلاف النَّص وَالْإِجْمَاع
فَإِن نقص عَن نِصَاب مَا لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ ابو حنيفَة
وَقَالَ مَالك إِذا نقص نِصَاب الدَّرَاهِم نُقْصَانا يَسِيرا يجوز جَوَاز الوازنة وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة
وَحكي عَن مُحَمَّد بن مسلمة من أَصْحَابه انها إِذا نقصت ثَلَاثَة دَرَاهِم وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة
وَرُوِيَ عَن أَحْمد نَحْو قَول مَالك
وَرُوِيَ عَنهُ أَيْضا أَنَّهَا إِذا نقصت دانقا أَو دانقين وَجَبت الزَّكَاة وَحكي عَن عَطاء وَطَاوُس أَنَّهُمَا قَالَا نِصَاب الذَّهَب مُعْتَبر بِالْفِضَّةِ فَيعْتَبر أَن يبلغ قِيمَته مِائَتي دِرْهَم حَتَّى لَو كَانَ مَعَه خَمْسَة عشر مِثْقَالا من

(3/77)


الذَّهَب تبلغ قيمتهَا مِائَتي دِرْهَم وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة وَإِن كَانَ مَعَه عشرُون مِثْقَالا تَسَاوِي دون مِائَتي دِرْهَم لم يجب فِيهَا شَيْء
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ انه لَا يجب فِي الذَّهَب شَيْء حَتَّى يبلغ أَرْبَعِينَ مِثْقَالا فَيجب مِثْقَال فِي إِحْدَى الرِّوَايَات عَنهُ
وفرضها ربع الْعشْر وَلَا يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فِي إِكْمَال النّصاب وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر فِي إِكْمَال النّصاب بِالْقيمَةِ
وَقَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف يضم إِلَيْهِ بالأجزاء
وَتجب فِيمَا زَاد على النّصاب بِحِسَابِهِ فِي قَلِيله وَكَثِيره وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَدَاوُد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب فِيمَا زَاد على نِصَاب الذَّهَب حَتَّى يبلغ الزِّيَادَة
أَرْبَعَة دَنَانِير فِي الذَّهَب وَأَرْبَعين درهما فِي الْفضة
وَإِن كَانَ مَعَه مايتا دِرْهَم فَأخْرج عَنْهَا خَمْسَة دَرَاهِم نبهرجة لم يجزه وَيخرج الجيدة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ
وَقَالَ مُحَمَّد يخرج الْفضل

(3/78)


وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن كَانَت فضَّة رَدِيئَة أَجزَأَهُ وَإِن كَانَت نبهرجة لم يجزه وَهل لَهُ الرُّجُوع فِي الرَّديئَة
ذكر أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج فِيهِ وَجْهَيْن
أَحدهمَا لَهُ الرُّجُوع وَهَذَا إِذا كَانَ قد شَرط فِي الدّفع أَنَّهَا زَكَاة فَإِن كَانَ لَهُ إِنَاء من فضَّة وَزنه مِائَتَان وَقِيمَة الصَّنْعَة ثَلَاثمِائَة فَأخْرج خَمْسَة دَرَاهِم فضَّة من غَيره لم يجزه
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف يُجزئهُ
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا يُجزئهُ حَتَّى يسلم ربع الْعشْر مِنْهُ مشَاعا أَو يخرج قيمَة ربع الْعشْر ذَهَبا فَإِن أخرج عَنهُ خَمْسَة دَرَاهِم فضَّة لم يجزه عِنْده جَمِيعًا حَتَّى يكون بِقِيمَتِه خَمْسَة دَرَاهِم مِنْهُ
فَإِن كَانَ مَعَه فضَّة مغشوشة أَو ذَهَبا مغشوشا وَكَانَ الذَّهَب أَو الْفضة لَا يبلغ نِصَابا لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِذا كَانَ الْغِشّ اقل وَجَبت الزَّكَاة وَإِن جهل قدره سبكه وَفِي مئوونة السبك وَجْهَان
أظهرهمَا أَنَّهَا على الْمَالِك وَلَا يخرج أحد النَّوْعَيْنِ عَن الآخر
وَقَالَ مَالك يجوز ذَلِك وَيكون بَدَلا لَا قيمَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي كَيْفيَّة الْإِخْرَاج بِالْقيمَةِ أَو بالتعديل

(3/79)


فَإِن كَانَ لَهُ دين لَازم على مقرّ مَلِيء لزمَه زَكَاته وَلَزِمَه إخْرَاجهَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يجب عَلَيْهِ إخْرَاجهَا حَتَّى يقبض الدّين وَإِن كَانَ الدّين على جَاحد فِي الظَّاهِر مقرّ فِي الْبَاطِن وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة غير أَنه لَا يلْزمه إخْرَاجهَا حَتَّى يصل إِلَيْهِ الدّين
وَقَالَ ابو يُوسُف لَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهِ
وَإِن كَانَ الدّين على جَاحد فِي الظَّاهِر وَالْبَاطِن أَو على مُعسر كَانَ على الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الزَّكَاة فِي الضال وَالْمَغْصُوب
وابو حنيفَة وَافق فِي وجوب الزَّكَاة فِي الدّين على مُعسر والدفين فِي ملكه إِذا خَفِي عَلَيْهِ مَوْضِعه ثمَّ وصل إِلَيْهِ أَنه يُزَكِّيه لما مضى
وَقَالَ مَالك فِي الدّين إِذا كَانَ من فرض أَو ثمن مَبِيع فَمضى عَلَيْهِ احوال ثمَّ أَخذه زَكَاة لحول وَاحِد وَكَذَا إِذا اشْترى عرضا للتِّجَارَة وَبَاعه بعد أَحْوَال زَكَاة لحول وَاحِد
وَإِن كَانَ لَهُ بِالدّينِ المجحود بَينه أَو كَانَ الْحَاكِم يعلم حَاله
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَب انه تجب فِيهِ الزَّكَاة
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِن علم بِهِ الْحَاكِم وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَهُ بَيِّنَة لم يجب وَإِن كَانَ الدّين مُؤَجّلا فَفِيهِ طَرِيقَانِ

(3/80)


وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ بِمَنْزِلَة الدّين الْحَال على مُعسر اَوْ مَلِيء جَاحد فَيكون على قَوْلَيْنِ
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة لَا تجب الزَّكَاة فِيهِ قولا وَاحِدًا وَالْأول أصح
فَإِن كَانَ لَهُ مائَة حَاضِرَة وَمِائَة غَائِبَة أَو عين وَدين وَقُلْنَا لَا زَكَاة فِي الدّين وَالْغَائِب فَلَا زَكَاة فِي الْعين والحاضر
وَإِن قُلْنَا تجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِي الدّين وَالْغَائِب بنى الْإِخْرَاج عَن الْحَاضِر على إِمْكَان الْأَدَاء فَإِن قُلْنَا إِنَّه شَرط فِي الْوُجُوب لم يجب الْإِخْرَاج عَن الْحَاضِر وَإِن قُلْنَا أَنه شَرط فِي الضَّمَان لزمَه الْإِخْرَاج عَنهُ
فَأَما الثّمن فِي البيع قبل الْقَبْض وَالْأُجْرَة فِي الْإِجَارَة قبل استقرارها فقد ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله أَن الزَّكَاة تجب فِيهَا قولا وَاحِدًا وَفِي إخْرَاجهَا فِي الْحَال قَولَانِ
وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن الْقَوْلَيْنِ فِي وجوب الزَّكَاة فِيهَا
فَإِذا اجْرِ دَارا أَربع سِنِين بِمِائَة دِينَار فالأجرة حَاله وَهل يجب إِخْرَاج الزَّكَاة عَن جَمِيع الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ
نَص فِي الْبُوَيْطِيّ انه يُزكي الْجَمِيع
وَقَالَ فِي الْأُم وَنَقله الْمُزنِيّ أَنه يخرج زَكَاة مَا اسْتَقر ملكه عَلَيْهِ

(3/81)


فعلى القَوْل الأول يُزكي جَمِيع الْمِائَة فِي السّنة الأولى وَالثَّانيَِة وَالثَّالِثَة وَالرَّابِعَة إِذا كَانَ قد أدّى مَا وَجب من الزَّكَاة من غَيرهَا أَو لم يؤدها وَقُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة وَإِن كَانَ قد أدّى مَا وَجب عَلَيْهِ من الزَّكَاة فِيهَا مِنْهَا زكى بعد ذَلِك مَا بَقِي بَعْدَمَا أدّى
وَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الثَّانِي أخرج الزَّكَاة فِي السّنة الأولى عَن خمس وَعشْرين نصف مِثْقَال وَثمن وَفِي السّنة الثَّانِيَة عَن خمسين إِذا لم يخرج زَكَاة السّنة الأولى مِنْهَا وَقُلْنَا إِن الدّين لَا يمْنَع وجوب الزَّكَاة فَيخرج دِينَارا وَربع دِينَار
وَإِن قُلْنَا إِن الزَّكَاة تجب فِي الْعين أَو فِي الذِّمَّة وَقُلْنَا إِن الدّين يمْنَع وجوب الزَّكَاة زكى خمسين دِينَارا إِلَّا قدر مَا وَجب عَلَيْهِ فِي السّنة الأولى وَفِي السّنة الثَّالِثَة يخرج عَن خَمْسَة وَسبعين على التَّفْصِيل الْمُتَقَدّم وَفِي الرَّابِعَة يخرج عَن مائَة وَقد ذكر لهَذِهِ الْمَسْأَلَة مِثَال أحسن من هَذَا الْمِثَال وأسهل
وَذَلِكَ بِأَن تكون الْأُجْرَة مائَة وَسِتِّينَ دِينَارا فَفِي السّنة الأولى يلْزمه زَكَاة أَرْبَعِينَ دِينَارا وَذَلِكَ دِينَار وَفِي السّنة الثَّانِيَة زَكَاة ثَمَانِينَ دِينَارا لِسنتَيْنِ وَذَلِكَ اربعة دَنَانِير وَقد أخرج دِينَارا عَن السّنة الأولى وَفِي السّنة الثَّالِثَة يلْزمه زَكَاة مائَة وَعشْرين دِينَارا لثلاث سِنِين وَذَلِكَ تِسْعَة دَنَانِير وَقد أخرج اربعة فَيخرج خَمْسَة وَفِي السّنة الرَّابِعَة يلْزمه

(3/82)


لأَرْبَع سِنِين زَكَاة مائَة وَسِتِّينَ وَذَلِكَ ثَمَانِيَة عشر وَقد أخرج تِسْعَة فَيخرج مَا بَقِي
فصل
وَمن ملك مصوغا من الذَّهَب وَالْفِضَّة وَكَانَ معدا لاستعمال مُبَاح كحلي النِّسَاء وَمَا اتخذ لَهُنَّ وَخَاتم الْفضة للرجل فَفِي وجوب الزَّكَاة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا زَكَاة فِيهِ وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وابي ثَوْر
وَالْقَوْل الثَّانِي تجب فِيهِ الزَّكَاة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري واصحابه
تمويه السقوت بِالذَّهَب وَالْفِضَّة حرَام
وَذهب بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة إِلَى جَوَازه
وَفِيمَا لطخ بِهِ اللجام من الْفضة وَجْهَان

(3/83)


قَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة هُوَ مُبَاح
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق هُوَ حرَام
فَأَما إذهاب محراب الْمَسْجِد فَحَرَام نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَحكى بعض أَصْحَابنَا فِيهِ وَجها آخر أَنه يجوز
وَحكى بَعضهم فِي تحلية الصّبيان وَجها أَنه لَا يجوز وَلَيْسَ بِشَيْء
وَحكى بَعضهم فِي تحلية الْمُصحف بِالذَّهَب وَجْهَيْن وَذكر أَن أصَحهمَا أَنه يجوز إعظاما لِلْقُرْآنِ وَحكي أَيْضا فِي تَعْلِيق قناديل الذَّهَب وَالْفِضَّة فِي الْكَعْبَة والمساجد وَجْهَيْن
فَإِن كَانَ للْمَرْأَة حلي فانكسر بِحَيْثُ لَا يُمكن لبسه وَلكنه يُمكن إِصْلَاحه لم تجب الزَّكَاة فِيهِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَإِن كَانَ لَهَا حلي معد للإجارة وَجَبت فِيهِ الزَّكَاة فِي أحد الطَّرِيقَيْنِ
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه على الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ مَالك لَا زَكَاة فِيهِ
وَبَعض أَصْحَابه قَالَ تجب فِيهِ الزَّكَاة
وَحكي عَن ابي عبد الله الزبيرِي من اصحابنا أَنه قَالَ اتِّخَاذ الْحلِيّ للإجارة لَا يجوز

(3/84)


فَإِن وَجَبت الزَّكَاة فِي حلي تنقص قِيمَته بِالْكَسْرِ ملك الْفُقَرَاء ربع الْعشْر مِنْهُ مشَاعا وَسلمهُ إِلَيْهِم تَسْلِيم مثله كَمَا قُلْنَا فِي الرطب الَّذِي لَا يَجِيء مِنْهُ تمر وَإِن شَاءَ أخرج مصوغا بوزنه
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يخرج زَكَاته بِقِيمَتِه من غير جنسه وَالْأول أظهر فَإِن أكرى حلي الذَّهَب بِالذَّهَب أَو حلي الْفضة بِالْفِضَّةِ جَازَ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

(3/85)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة التِّجَارَة
تجب الزَّكَاة فِي عرُوض التِّجَارَة وَبِه قَالَ الكافة
وَقَالَ دَاوُد لَا تجب الزَّكَاة بِحكم التِّجَارَة بِحَال
وَلَا يصير الْعرض للتِّجَارَة إِلَّا أَن يَنْوِي بِهِ التِّجَارَة فِي حَال تملكه بعوض فَإِن نوى بِهِ التِّجَارَة بعد التَّمَلُّك أَو نوى بعوض الْقنية للتِّجَارَة لم يصر للتِّجَارَة حَتَّى يَبِيعهُ
وَقَالَ الْكَرَابِيسِي من أَصْحَابنَا يصير بذلك للتِّجَارَة وَهِي قَول ابي ثَوْر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَالْمذهب الأول

(3/86)


وَإِن نوى بِعرْض التِّجَارَة الْقنية صَار للْقنية بِمُجَرَّد النِّيَّة
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يصير للْقنية بِمُجَرَّد النِّيَّة
فَإِن اشْترى للتِّجَارَة مَا تجب الزَّكَاة فِي عينه كالسائمة وَالْكَرم وَالنَّخْل وكمل الْحول وَوجد نِصَاب كل وَاحِد مِنْهُمَا واتفقا فِي وَقت الْوُجُوب فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه تقدم زَكَاة التِّجَارَة وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وناقص فِي الثِّمَار وَالزَّرْع
وَالثَّانِي أَنه يقدم زَكَاة الْعين وَهُوَ قَول مَالك هَذَا أصح الطَّرِيقَيْنِ وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد الْقَوْلَانِ فِي جَمِيع الْأَمْوَال اتّفق حولهما أَو اخْتلف فَإِن اثمرت نخل التِّجَارَة وبدا صَلَاحهَا عِنْد تَمام الْحول وَقُلْنَا نقدم زَكَاة التِّجَارَة قوم الْجَمِيع وَأخرج زَكَاة التِّجَارَة
وَإِن قُلْنَا نقدم زَكَاة الْعين أخرج الْعشْر من الثَّمَرَة وَقوم النخيل فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَإِن اشْترى عبدا للتِّجَارَة وَجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر بِرُؤْيَة هِلَال شَوَّال وَزَكَاة التِّجَارَة بِتمَام الْحول وَبِه قَالَ مَالك

(3/87)


الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تسْقط زَكَاة الْفطر
فَإِن اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِمَا دون النّصاب انْعَقَد عَلَيْهِ الْحول من حِين الشِّرَاء وَيعْتَبر كَمَال النّصاب فِي الْقيمَة عِنْد تَمام الْحول وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس يعْتَبر كَمَال النّصاب فِي جَمِيع الْحول وَهُوَ قَول أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر النّصاب فِي طرفِي الْحول
وَإِن اشْتَرَاهُ بنصاب من السَّائِمَة اسْتَأْنف الْحول من حِين الشِّرَاء على الْمَذْهَب
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يبْنى حول التِّجَارَة على حول السَّائِمَة
فَإِن اشْترى عرضا كَانَ عِنْد بَائِعه للْقنية بِعرْض للتِّجَارَة فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يصير للتِّجَارَة
فَإِن بَاعَ عرض التِّجَارَة بعد تَمام الْحول بِزِيَادَة على مَا اشْترى بِهِ من النَّقْد بِأَن اشْتَرَاهُ بمائتين فَبَاعَهُ بثلاثمائة فَإِنَّهُ يُزكي الْجَمِيع بحول راس المَال
وَحكي فِي الْحَاوِي إِذا كَانَت الزِّيَادَة على الْمِائَتَيْنِ بمحاباة أَو غبن فَفِي زَكَاتهَا بحول رَأس المَال وَجْهَان
أصَحهمَا مَا ذَكرْنَاهُ
وَإِن نَص الرِّبْح فِي أثْنَاء الْحول فَفِيهِ طَرِيقَانِ
احدهما أَنه يسْتَأْنف الْحول للزِّيَادَة قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي الزِّيَادَة قَولَانِ

(3/88)


أصَحهمَا أَنه يزكيها بحول رَأس المَال وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ وَهُوَ الْأَصَح
فَإِن اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِعرْض للْقنية انْعَقَد الْحول عَلَيْهِ من حِين الشِّرَاء وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك لَا يجْرِي فِي حول التِّجَارَة حَتَّى يكون قد اشْتَرَاهُ بِعَين فَإِن كَانَ عِنْده نِصَاب من الدَّرَاهِم فَبَاعَهُ بِدَرَاهِم أَو بِدَنَانِير للتِّجَارَة كَمَا يَفْعَله الصيارف فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يَنْقَطِع الْحول وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَالثَّانِي يَنْقَطِع
فَإِن بَاعَ الْعرض فِي أثْنَاء الْحول بنصاب من الْأَثْمَان وَلكنه من غير جنس مَا يقوم بِهِ بِأَن كَانَ رَأس المَال دَرَاهِم وَنقد الْبَلَد دَنَانِير بنى على حوله على أصح الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا حَال الْحول وَوَجَبَت الزَّكَاة فِيهِ وَكَانَ قد اشْتَرَاهُ بِعرْض قوم بِنَقْد الْبَلَد فَإِن كَانَ للبلد نقدان وهما متساويان يبلغ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا نِصَابا قومه بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا على أظهر الْوُجُوه وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَالثَّانِي يقوم بالأنفع للْمَسَاكِين
وَالثَّالِث يقوم بِالدَّرَاهِمِ
وَالرَّابِع يقوم بِنَقْد أقرب الْبِلَاد إِلَيْهِ

(3/89)


فَإِن كَانَ قد اشْترى عرضا للتِّجَارَة بِمَا دون النّصاب من النُّقُود فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يقوم بِنَقْد الْبَلَد
وَالثَّانِي يقوم بِمَا اشْترى بِهِ وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يقوم بالأحظ للْمَسَاكِين
فَإِن قومه عِنْد تَمام الْحول ثمَّ بادله بِزِيَادَة قبل إِخْرَاج الزَّكَاة مِنْهُ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْتَأْنف الْحول للزِّيَادَة
وَالثَّانِي أَنه يُزكي الزِّيَادَة للحول الْمَاضِي ايضا
فَإِن حَال الْحول على عرض التِّجَارَة فقوم وَلم يبلغ نِصَابا لم يجب الزَّكَاة فزادت قِيمَته بعد شهر فبلغت نِصَابا فَفِيهِ وَجْهَان
قَالَ ابو إِسْحَاق لَا تجب الزَّكَاة حَتَّى يتم عَلَيْهِ الْحول الثَّانِي
وَالثَّانِي تجب فِي الزِّيَادَة عِنْد تَمام النّصاب وَيصير هَذَا آخر الْحول وأوله بعد الشِّرَاء بِشَهْر وَهُوَ قَول ابي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة

(3/90)


فصل
إِذا أَرَادَ إِخْرَاج الزَّكَاة عَن عرض التِّجَارَة
قَالَ فِي الْأُم يخرج مِمَّا يقوم بِهِ
وَقَالَ فِي الْقَدِيم فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يخرج ربع عشر قِيمَته
وَالثَّانِي ربع عشر الْعرض
وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لَا يخرج إِلَّا الْعين أَو الْوَرق أَو الْعرض
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا يخرج ربع عشر قِيمَته
وَالثَّانِي ربع عشر الْعرض وَهُوَ قَول ابو يُوسُف وَمُحَمّد
وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يخرج مِمَّا قوم بِهِ
وَالثَّانِي يخرج الْعرض
وَقَالَ ابو إِسْحَاق فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يخرج مِمَّا قوم بِهِ
وَالثَّانِي يُخَيّر بَينهمَا

(3/91)


فَإِن كَانَ مَعَه مِائَتَا دِرْهَم فَاشْترى بهَا مِائَتي قفيز حِنْطَة تَسَاوِي ثَلَاثمِائَة دِرْهَم فِي آخر الْحول
فعلى قَوْله الْجَدِيد يلْزمه سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف
وعَلى قَوْله الْقَدِيم يلْزمه
وعَلى قَول أبي إِسْحَاق يتَخَيَّر بَينهمَا
فَإِن زَادَت قيمَة الطَّعَام فَصَارَت تَسَاوِي أَرْبَعمِائَة بعد الْوُجُوب وَقبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء
فَإِن قُلْنَا إِن التَّمَكُّن شَرط فِي الْوُجُوب وَجب عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم على قَوْله الْجَدِيد وعَلى قَوْله الْقَدِيم يجب إِخْرَاج خَمْسَة أَقْفِزَة حِنْطَة مِنْهَا قيمتهَا ذَلِك
وعَلى القَوْل الثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا
وَإِن قُلْنَا إِن الْإِمْكَان شَرط الضَّمَان أَو كَانَت الزِّيَادَة قد حدثت بعد الْإِمْكَان
فعلى قَوْله الْجَدِيد يجب عشرَة دَرَاهِم
وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة قيمتهَا عشرَة دَرَاهِم
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجب خَمْسَة اقفزة قيمتهَا سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف

(3/92)


وَإِن نقصت الْقيمَة قبل الْإِمْكَان فَعَادَت إِلَى مِائَتَيْنِ وَجَبت عَلَيْهِ على قَوْله الْجَدِيد خَمْسَة دَرَاهِم وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة مِنْهَا قيمتهَا ذَلِك وعَلى الثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا
وَإِن نقصت صفة الْحِنْطَة وَجب على قَوْله الْجَدِيد خَمْسَة دَرَاهِم وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة من حِنْطَة على صفتهَا
وَإِن حصل النَّقْص بعد الْإِمْكَان وَجب عَلَيْهِ على قَوْله الْجَدِيد سَبْعَة دَرَاهِم وَنصف وعَلى قَوْله الْقَدِيم خَمْسَة أَقْفِزَة وللنقصان قفيزان وَنصف
وَيتَعَلَّق زَكَاة التِّجَارَة بِالْقيمَةِ فِي قَوْله الْجَدِيد وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق بِالْعينِ وَهُوَ مُقْتَضى قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْقَدِيم
فَإِن بَاعَ الْعرُوض الَّتِي وَجَبت فِيهَا الزَّكَاة قبل اداء الزَّكَاة فَفِيهِ طَرِيقَانِ احدهما أَنه بِمَنْزِلَة غَيرهَا من المَال الَّذِي وَجب فِيهِ الزَّكَاة على قَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يَصح البيع قولا وَاحِدًا
فصل
إِذا دفع رجل إِلَى رجل ألف دِرْهَم قراضا على أَن يكون الرِّبْح بَينهمَا نِصْفَيْنِ فحال الْحول وَقد صَارَت أَلفَيْنِ فَفِي وَقت ملك الْعَامِل لنصيبه من الرِّبْح قَولَانِ

(3/93)


فَإِن قُلْنَا يملك بالمقاسمة فزكاة الْجَمِيع على رب المَال فَإِن أخرجهَا من المَال فَمن أَيْن يحْتَسب فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنَّهَا تحتسب من الرِّبْح
وَالثَّانِي من رَأس المَال
وَالثَّالِث مِنْهُمَا جَمِيعًا وَفِي ضمه إِلَى رَأس المَال فِي الزَّكَاة مَا ذَكرْنَاهُ من الِاخْتِلَاف
وَإِن قُلْنَا إِن الْعَامِل يملك نصِيبه من الرِّبْح بالظهور فزكاته عَلَيْهِ ويستأنف بِهِ الْحول
وَمن أَي وَقت يعْتَبر حوله فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يعْتَبر من حِين ظُهُوره
وَالثَّانِي من حِين ينض غير أَنه لَا يجب على الْعَامِل إخْرَاجهَا إِلَّا بعد المفاصلة فَإِن أَرَادَ أَن يخرج زَكَاة نصِيبه من المَال فَهَل يجوز فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز

(3/94)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الْمَعْدن والركاز
إِذا استخرج حر مُسلم من مَعْدن فِي موَات أَو فِي أَرض يملكهَا نِصَابا من الذَّهَب أَو الْفضة وَجَبت عَلَيْهِ الزَّكَاة وَإِن استخرجه كَافِر ملكه وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ فِيهِ وَكَذَا الْمكَاتب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب على الْمكَاتب حق الْمَعْدن
وَقَالَ فِي الْحَرْبِيّ إِذا لم يَأْذَن لَهُ الإِمَام فِي الْعَمَل لم يملك مَا أَخذه وَإِذا أذن لَهُ أَخذ مِنْهُ الْخمس
وَإِذا استخرج غير الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْجَوَاهِر من مَعْدن لم يجب فِيهِ شَيْء وَبِه قَالَ مَالك

(3/95)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة يتَعَلَّق حق الْمَعْدن بِكُل مَا يسْتَخْرج من الأَرْض مِمَّا ينطبع بالنَّار كالحديد والرصاص وَلَا يتَعَلَّق بالفيروزج والبرام
وَقَالَ أَحْمد يتَعَلَّق حق الْمَعْدن بِكُل مَا يسْتَخْرج من الْمَعْدن حَتَّى القعر والكحل والنصاب مُعْتَبر فِي الْحق الْوَاجِب فِي الْمَعْدن وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنا إِذا قُلْنَا الْوَاجِب الْخمس لَا يعْتَبر فِيهِ النّصاب وَلَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يعْتَبر النّصاب فِيهِ
فَإِن اتَّصل الْعَمَل وَانْقطع النّيل ثمَّ عَاد ضم بعضه إِلَى بعض فِي اصح الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْله الْجَدِيد
وَيجب حق الْمَعْدن بالوجود من غير اعْتِبَار حول فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيّ يعْتَبر فِيهِ الْحول وَذكر فِيمَا علق عَن القَاضِي حُسَيْن إِنَّا إِذا قُلْنَا إِن الْوَاجِب فِيهِ ربع الْعشْر اعْتبر فِيهِ النّصاب وَفِي اعْتِبَار الْحول قَولَانِ
وَإِن قُلْنَا إِن الْوَاجِب الْخمس لم يعْتَبر الْحول
وَفِي اعْتِبَار النّصاب قَولَانِ وَهَذَا بِنَاء فَاسد ظَاهر الْفساد وَفِي زَكَاته ثَلَاثَة أَقْوَال

(3/96)


أَحدهمَا أَن الْوَاجِب فِيهِ ربع الْعشْر وَهُوَ الْمَشْهُور وَبِه قَالَ أَحْمد
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن الْوَاجِب فِيهِ الْخمس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة ويحكى عَن الْمُزنِيّ
وَالثَّالِث أَنه إِن وجده دفْعَة وَاحِدَة وَجب فِيهِ الْخمس وَإِن احْتَاجَ فِيهِ إِلَى مؤونة وتخليص فَفِيهِ ربع الْعشْر وَقد حكى ذَلِك عَن مَالك وَحكي ايضا عَنهُ ربع الْعشْر
وَلَا يجوز صرف حق الْمَعْدن إِلَى من وَجب عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز ذَلِك لِأَنَّهُ عِنْده خمس لَا زَكَاة
وَيجب إِخْرَاج حق الْمَعْدن بعد التَّمْيِيز وَمَا يلْزمه من المؤونة فِي الاستخراج يكون من مَاله وَتخرج الزَّكَاة من جَمِيعه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة المؤونة تكون من أصل المَال بِنَاء على أَصله أَنه لَيْسَ بِزَكَاة وَإِنَّمَا هُوَ خمس
وَلَا يجوز بيع تُرَاب الْمَعَادِن الَّذِي فِيهِ ذهب أَو فضَّة بِجِنْسِهِ وَغير جنسه
وَقَالَ مَالك يجوز بيع تُرَاب الْمَعَادِن وَلَا يجوز بيع تُرَاب الصاغة
فصل
وَيجب فِي الرِّكَاز الْخمس والركاز مَا وجد فِي موَات يملك

(3/97)


بالأحياء وَلَا فرق بَين أَن يكون ذَلِك فِي دَار الْحَرْب وَبَين أَن يكون فِي دَار الْإِسْلَام إِذا لم يكن عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام
وَحكي عَن أبي حنيفَة أَنه قَالَ إِن كَانَ فِي موَات دَار الْحَرْب كَانَ غنيمَة لواجده لَا يُخَمّس وَإِن وجده فِي أَرض يعرف مَالِكهَا فَإِن كَانَ حَرْبِيّا فَهُوَ غنيمَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو ثَوْر هُوَ ركاز فَإِن كَانَ سَاكِنا فِي دَار غَيره بِإِجَارَة أَو إِعَارَة وَوجد فِيهَا ركازا فَادَّعَاهُ أَحدهمَا كَانَ لَهُ وَإِن اخْتلف الْمَالِك والساكن فَادَّعَاهُ كل وَاحِد مِنْهُمَا
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله القَوْل قَول السَّاكِن
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله القَوْل قَول الْمَالِك
وَلَا فرق بَين أَن يكون الْوَاجِد للركاز رجلا وَبَين أَن يكون امْرَأَة مُكَلّفا أَو غير مُكَلّف مَحْجُورا عَلَيْهِ أَو مُطلق التَّصَرُّف فِي وجوب الْحق عَلَيْهِ
وَقَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ لَا يملك الرِّكَاز إِلَّا رجل عَاقل
وَالْكَافِر إِذا وجد الرِّكَاز ملكه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ فِيهِ
وَقيل لَا يملك الْكَافِر الرِّكَاز وَلَا الْمَعْدن وَلَيْسَ بِمذهب
وَإِن كَانَ عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام كَانَ لقطَة يعرفهَا سنة ويتملكها

(3/98)


وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله عَن الْقفال أَنه لَا يتملكها ويرفعها إِلَى الإِمَام وَالْأول أصح
وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على أَنه لقطَة
وَإِن لم يكن عَلَيْهِ عَلامَة الْإِسْلَام وَلَا عَلامَة الشّرك كالأواني وَالدَّرَاهِم الطلس فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله اسْتحبَّ لَهُ أَن يعرف سنة ويخمس قَالَ وَلَا أوجب التَّعْرِيف
ذكر الشَّيْخ ابو حَامِد رَحمَه الله إِن الشَّافِعِي نَص على أَنه لقطه تَغْلِيبًا لحكم الْإِسْلَام وَالْأول اصح وَمَا يجب فِي الرِّكَاز والمعدن زَكَاة يصرف مصرف الزكوات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يصرف مصرفح الْفَيْء وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأبي حَفْص بن الْوَكِيل فِي الرِّكَاز دون الْمَعْدن وَيخْتَص حق الرِّكَاز بِجِنْس الْأَثْمَان فِي اصح الْقَوْلَيْنِ 8
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يُخَمّس كل مَا يُوجد ركازا وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

(3/99)


وَلَا يعْتَبر فِيهِ الْحول وَهل يعْتَبر النّصاب فِيهِ قَولَانِ
قَوْله الْقَدِيم إِنَّه يُخَمّس قَلِيله وَكَثِيره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَأَصَح الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَقَالَ فِي الْأُم يعْتَبر فِيهِ النّصاب فعلى هَذَا إِذا وجد مائَة دِرْهَم من الرِّكَاز وَوَافَقَ وجود الرِّكَاز تَمام الْحول على مائَة عِنْده فالمنصوص فِي الْأُم أَنه يضم إِلَيْهِ وَيخرج من الرِّكَاز الْخمس
وَقيل لَا يجب فِيهِ شَيْء وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله وَأما الْمِائَة الْأُخْرَى
فقد ذكر ابو عَليّ فِي الإفصاح أَنه يجب عَنْهَا ربع الْعشْر
وَالْمذهب انه لَا يجب فِيهَا شَيْء لِأَن الْحول لَا ينْعَقد على مَا دون النّصاب ويستأنف الْحول عَلَيْهَا من حِين تمّ النّصاب

(3/100)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب زَكَاة الْفطر
زَكَاة الْفطر وَاجِبَة على كل حر مُسلم يملك مَا يُخرجهُ من صَدَقَة الْفطر فَاضلا عَن كِفَايَته وكفاية من تلْزمهُ كِفَايَته فِي لَيْلَة الْفطر ويومه
وَقَالَ الْأَصَم وَابْن علية زَكَاة الْفطر مُسْتَحبَّة
فَأَما الْكَافِر إِن كَانَ مُرْتَدا فَفِيهِ الْأَقْوَال الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي زَكَاة المَال
وَأما الْمكَاتب فَلَا تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر على الْمَذْهَب الصَّحِيح وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَلَا على مَوْلَاهُ بِسَبَبِهِ

(3/101)


وَحكى أَبُو ثَوْر قولا عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا تجب على مَوْلَاهُ وَقيل تجب فِي كَسبه
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب أَنَّهُمَا قَالَا لَا تجب إِلَّا على من صلى وَصَامَ
ذكر فِي الْحَاوِي عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ تجب على من أطَاق الصَّلَاة وَالصَّوْم وَإِن وجد بعض مَا يُؤدى فِي صَدَقَة الْفطر فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يلْزمه إِخْرَاجه
وَالثَّانِي لَا يلْزمه
وَمن وَجب عَلَيْهِ فطْرَة نَفسه وَجب عَلَيْهِ فطْرَة كل من تلْزمهُ نَفَقَته إِذا كَانُوا مُسلمين وَقدر مَا يُؤَدِّي عَنْهُم فَاضلا عَن النَّفَقَة من وَالِد وَولد وَعبد وَأمة
وَقَالَ دَاوُد يجب على العَبْد فطْرَة نَفسه وعَلى السَّيِّد تخليته لِاكْتِسَابِ مَا يُؤَدِّي بِهِ زَكَاة الْفطر وَلَا يجب عِنْده على الْإِنْسَان فطْرَة غَيره بِسَبَب
وَهل تجب عَلَيْهِ فطْرَة عَبده الْآبِق فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا تجب عَلَيْهِ قولا وَاحِدًا

(3/102)


وَالثَّانِي أَنَّهَا على قَوْلَيْنِ كَالْمَالِ الْمَغْصُوب والضال
وَيجب على الشَّرِيكَيْنِ فِي العَبْد الْمُشْتَرك زَكَاة الْفطر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ يُؤَدِّي كل وَاحِد من الشَّرِيكَيْنِ صَاعا كَامِلا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهِمَا عَنهُ زَكَاة الْفطر بِحَال
وَيجب على الزَّوْج فطْرَة زَوجته إِذا وَجب عَلَيْهِ نَفَقَتهَا وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو ثَوْر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري لَا يجب عَلَيْهِ فطرتها
وَلَا تجب الْفطْرَة عَن الْمُؤَدى عَنهُ حَتَّى يكون مُسلما فَأَما العَبْد الْكَافِر فَلَا تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ إِخْرَاج الْفطْرَة عَنهُ والفطرة عِنْده تتبع الْولَايَة فَمن ثَبت لَهُ عَلَيْهِ ولَايَة تَامَّة وَجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ وناقض فِي الابْن الصَّغِير الْمُوسر فَقَالَ لَا تجب فطرته على أَبِيه وَخَالف مُحَمَّد بن الْحسن
فَقَالَ تجب فطرته عَلَيْهِ لثُبُوت ولَايَته وبقولنا قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه قد خَالَفنَا فِيمَن تجب عَلَيْهِ نَفَقَته
وَهل تجب عَلَيْهِ فطرته ابْتِدَاء أَو على سَبِيل التَّحَمُّل فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا تجب على الْمُؤَدى عَنهُ ويتحملها الْمُؤَدِّي
وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب على الْمُؤَدِّي ابْتِدَاء

(3/103)


فَإِن كَانَ للْكَافِرِ عبد مُسلم بِأَن اسْلَمْ فِي يَده وَقُلْنَا الْفطْرَة تجب عَلَيْهِ ابْتِدَاء لم تجب على الْكَافِر فطْرَة العَبْد الْمُسلم وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا تجب عَلَيْهِ تحملا وَجب عَلَيْهِ وَكَذَا فِي الْقَرَابَة إِذا كَانَ الْأَب كَافِرًا وَالِابْن مُسلما وَهُوَ صَغِير أَو كَبِير وَهُوَ مُعسر فَهَل تجب عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ على الْوَجْهَيْنِ
فَإِن أخرج الْمُؤَدى عَنهُ زَكَاة الْفطر عَن نَفسه بِغَيْر إِذن من تجب عَلَيْهِ
فَإِن قُلْنَا إِنَّه متحمل أَجزَأَهُ وَسقط عَن الْمُؤَدِّي فَرضهَا
وَإِن قُلْنَا تجب على الْمُؤَدِّي ابْتِدَاء لم يجز عَنهُ حَتَّى يَسْتَأْذِنهُ فِي أَدَائِهَا عَنهُ وَإِن كَانَت لَهُ زَوْجَة موسرة وَهُوَ مُعسر فالمنصوص أَنه لَا يجب عَلَيْهَا فطْرَة نَفسهَا
وَقَالَ فِي من زوج أمته من مُعسر إِن على الْمولى فطرتها
فَمن أَصْحَابنَا من جعلهَا على قَوْلَيْنِ
وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا وَحمل النصين على ظاهرهما وَالْأول اصح وأصل الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكرْنَاهُ من كَون ذَلِك تحملا أم لَا
وَإِن فضل عَمَّا يلْزمه من النَّفَقَة مَا يُؤَدِّي بِهِ فطْرَة بَعضهم فَفِيهِ أَرْبَعَة أوجه
أَحدهَا أَنه يبْدَأ بِنَفَقَتِهِ فَإِن فضل صَاع آخر أخرجه عَن

(3/104)


نَفسه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن زَوجته فَإِن فضل صَاع آخر أخرجه عَن أَبِيه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن أمه فَإِن فضل آخر أخرجه عَن ابْنه الْكَبِير
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يقدم فطْرَة الزَّوْجَة على فطْرَة نَفسه
الثَّالِث أَنه يبْدَأ بفطرة نَفسه ثمَّ بِمن شَاءَ
وَالرّبع انه مُخَيّر فِي حَقه وَحقّ غَيره
وَإِذا كَانَ عِنْده صَاع يفضل عَن مُؤْنَته وَملك عبدا هَل يكون بِهِ غَنِيا لتجب بِهِ زَكَاة الْفطر عَنهُ أم لَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يصير بِهِ غَنِيا حَتَّى يجب بيع جُزْء مِنْهُ لأَدَاء زَكَاة الْفطر عَنهُ
وَمن نصفه حر وَنصفه رَقِيق يجب عَلَيْهِ نصف الْفطْرَة بحريَّته إِذا وجد مَا يُؤدى بِهِ وعَلى مَالك نصفه النّصْف وَبِه قَالَ أَحْمد
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا
وَالثَّانيَِة أَن على السَّيِّد بِقدر ملكه وَلَا شَيْء على العَبْد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَنهُ زَكَاة الْفطر لِأَنَّهُ مستسعي عِنْده فِي بَقِيَّة قِيمَته فَهُوَ كَالْمكَاتبِ

(3/105)


وَقَالَ أَبُو ثَوْر يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع كَامِل
وَقَالَ ابو يُوسُف فِي ولد ألحق بأبوين يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا صَاع كَامِل
وَقَالَ مُحَمَّد يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف صَاع وَهَذَا مناقضة مِنْهُمَا وَلَيْسَ لأبي حنيفَة نَص فِي هَذِه الْمَسْأَلَة
وَلَا يعْتَبر النّصاب فِي زَكَاة الْفطر وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وابو ثَوْر وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتَبر فِي وجوب زَكَاة الْفطر أَن يكون مَالك النّصاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب فَاضلا عَن مَسْكَنه وأثاثه وَمن تحل لَهُ الصَّدَقَة عِنْده لَا تجب عَلَيْهِ الْفطْرَة
فصل
وَفِي وَقت وجوب الْفطْرَة قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم تجب بِطُلُوع الْفجْر من يَوْم الْعِيد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأَصْحَابه وابي ثَوْر وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن مَالك
وَقَالَ بعض أَصْحَاب مَالك يجب بِطُلُوع الشَّمْس من يَوْم الْفطر
وَقَالَ فِي الْجَدِيد تجب بغروب الشَّمْس من آخر يَوْم من

(3/106)


رَمَضَان وَبِه قَالَ أَحْمد وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن مَالك
فَإِن دخل وَقت الْوُجُوب وَعِنْده من تجب عَلَيْهِ فطرته فَمَاتَ قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا تسْقط عَنهُ فَإِن وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر عَن عَبده وَعَلِيهِ دين فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال كَزَكَاة المَال مَعَ الدّين
وَالثَّانِي أَنه تقدم زَكَاة الْفطر قولا وَاحِدًا لاختصاصها بالعيد
فَإِن وهب رجل من رجل عبدا وَأهل هِلَال شَوَّال قبل الْقَبْض وَجب زَكَاة الْفطر على الْوَاهِب
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنَّهَا على الْمَوْهُوب لَهُ
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يحْتَمل أَن يكون ذكر ذَلِك على مَذْهَب مَالك
وَذكر فِي الْحَاوِي قولا آخر فِي الْهِبَة إِنَّمَا تتبين بِالْقَبْضِ أَنه ملك بِالْعقدِ
فَإِن أوصى لرجل بِعَبْد وَمَات الْمُوصي أَو أهل هِلَال شَوَّال قبل الْقبُول
فَإِن قُلْنَا يملك بِالْقبُولِ فالزكاة على الْوَرَثَة

(3/107)


وَإِن قُلْنَا إِنَّا نتبين أَنه ملك بِالْمَوْتِ فعلى الْمُوصى لَهُ
وَحكى ابْن عبد الحكم قولا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَنه بِالْمَوْتِ يدْخل فِي الْمُوصى لَهُ كالميراث فَتجب الزَّكَاة على الْمُوصى لَهُ وَسَائِر أَصْحَابنَا امْتَنعُوا من تَخْرِيج هَذَا قولا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله
فَإِن مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الْقبُول فورثته يقومُونَ مقَامه فَإِن قبلوا فزكاة الْفطر فِي مَال أَبِيهِم
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَن الْوَصِيَّة تبطل وَلَا يَصح قبُول الْوَرَثَة
وَيجوز إِخْرَاج زَكَاة الْفطر فِي جَمِيع شهر رَمَضَان وَلَا يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهِ
وَالْأَفْضَل أَن يُخرجهَا فِي يَوْم الْعِيد قبل الصَّلَاة
وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز تَقْدِيمهَا على شهر رَمَضَان
وَقَالَ مَالك لَا يجوز إخْرَاجهَا قبل وَقت وُجُوبهَا
وَلَا يجوز تَأْخِيرهَا عَن يَوْم الْعِيد
وَرُوِيَ عَن ابْن سِيرِين وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا كَانَا يرخصان فِي تَأْخِيرهَا عَن يَوْم الْفطر

(3/108)


وَعَن أَحْمد أَنه قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بِهِ بَأْس
وَالْوَاجِب صَاع بِصَاع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ خَمْسَة أَرْطَال وَثلث وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الصَّاع ثَمَانِيَة أَرْطَال
وَلَا يخْتَلف الْوَاجِب عندنَا باخْتلَاف الْأَنْوَاع وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْوَاجِب من الْبر نصف صَاع وَفِي الزَّبِيب رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا نصف صَاع
وَالثَّانيَِة صَاع وَبهَا قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَفِي الْحبّ الَّذِي يُخرجهُ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يتَخَيَّر بَين الْأَجْنَاس
وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنَّهَا على التَّرْتِيب فَيخرج من الْغَالِب وَمن أَي غَالب يخرج فِيهِ وَجْهَان
وَقيل فِي الْجُمْلَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يجوز أَن يخرج من كل قوت

(3/109)


وَقَالَ أَبُو عبيد بن حَرْب يخرج من غَالب قوت الْبَلَد
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق وَأَبُو الْعَبَّاس يجب من غَالب قوت الْبَلَد
فَإِن قُلْنَا الِاعْتِبَار بقوت الْبَلَد أَو بقوته فَعدل عَنهُ إِلَى مَا دونه لم يجزه وَإِن عدل إِلَى مَا فَوْقه جَازَ
وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجوز
وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز أَن يعدل من الشّعير إِلَى الْبر وَإِن عدل إِلَى التَّمْر عَن الشّعير لم يجزه
وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر بَين الْأَنْوَاع فبعضها أولى من الْبَعْض فالبر وَالتَّمْر أولى من غَيرهمَا وَأيهمَا أولى
قَالَ ابْن الْمُنْذر كَانَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يمِيل إِلَى الْبر وَكَانَ أَحْمد يمِيل إِلَى التَّمْر وَهُوَ قَول مَالك
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله من أَصْحَابنَا من قَالَ الْأَفْضَل أغلاها ثمنا وأنفسها عِنْد النَّاس
وَرُوِيَ عَن أَحْمد أَنه لَا يجوز أَن يخرج إِلَّا من الْأَجْنَاس الْخَمْسَة الْمَنْصُوص عَلَيْهَا وَفِي الأقط طَرِيقَانِ

(3/110)


قَالَ أَبُو الْعَبَّاس يجْرِي فِي حق من هُوَ قوتهم قولا وَاحِدًا
وَقَالَ القَاضِي أَبُو حَامِد فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يجزىء وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي لَا يجزىء
وَأَبُو حنيفَة يَقُول لَا يجزىء أصلا بِنَفسِهِ ويجزىء قِيمَته فَإِن قُلْنَا يجوز الأقط فاللبن يجوز أَيْضا
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد إِنَّمَا يجوز اللَّبن عِنْد عدم الأقط
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب يجوز مَعَ وجود الأقط
فَإِن كَانَ بَين اثْنَيْنِ فِي بلدين عبد مُشْتَرك
قَالَ أَبُو الْعَبَّاس أخرج كل وَاحِد مِنْهُمَا من قوته بل يخرجَانِ من أدنى القوتين
وَقيل يعْتَبر قوت العَبْد أَو الْبَلَد الَّذِي فِيهِ العَبْد

(3/111)


وَلَا يجزىء فِي صَدَقَة الْفطر دَقِيق وَلَا سويق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجزيان أصلا بأنفسهما وَبِه قَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي من أَصْحَابنَا
وَإِذا أخرج صَدَقَة جَازَ لَهُ أَن يَأْخُذهَا إِذا دفعت إِلَيْهِ وَكَانَ مُحْتَاجا
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن ياخذها

(3/112)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب تَعْجِيل الصَّدَقَة
كل مَال وَجَبت الزَّكَاة فِيهِ بالحول والنصاب لَا يجوز تَقْدِيم زَكَاته على ملك النّصاب وَيجوز تَقْدِيمهَا على تَمام الْحول وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يجوز تَعْجِيل الصَّدَقَة قبل وُجُوبهَا وَسلم مَالك تَقْدِيم الْكَفَّارَة على الْحِنْث
وَيجوز تَعْجِيل زَكَاة عَاميْنِ إِذا كَانَ يملك زِيَادَة على نِصَاب فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن ملك مِائَتَيْنِ شَاة سَائِمَة فَعجل عَنْهَا وَعَما يحدث من سخالها أَربع شياة فنتجت السخال سخالا فبلغت الْجُمْلَة أربعماية فَهَل يجزؤه مَا عجل من السخال

(3/113)


فِيهِ وَجْهَان
فَإِن كَانَ عِنْده نصب فَعجل زَكَاة نصابين حَتَّى إِذا اسْتَفَادَ نِصَابا آخر يَقع عَنهُ لم يجزه زَكَاة مَا زَاد على نِصَاب وَهُوَ قَول أَحْمد وَزفر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ بِنَاء على أَصله فِي ضم الْمُسْتَفَاد إِلَى مَا عِنْده فِي الْحول فَإِن كَانَ عِنْده خمس من الْإِبِل وَأَرْبَعُونَ من الْغنم فَعجل شَاة عَن خمس من الْإِبِل فَهَلَكت الْإِبِل فَهَل يجوز صرفهَا إِلَى الْغنم
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله قد ذكر أَصْحَابنَا فِي نَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَا يجوز وَيحْتَمل ان يجوز
وَإِن ملك أَرْبَعِينَ شَاة فَعجل مِنْهَا شَاة فنتجت أَرْبَعِينَ سخلة فَمَاتَتْ الْأُمَّهَات وَبقيت السخال فَهَل يجزىء مَا عجله من الْأُمَّهَات عَن السخال فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجزىء
وَلَو كَانَ عِنْده مائَة وَعِشْرُونَ من الْغنم فَعجل مِنْهَا شَاة ثمَّ نتجت سخلة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة أُخْرَى أَو كَانَ مَعَه مِائَتَا شَاة فَعجل مِنْهَا شَاتين ثمَّ نتجت شَاة سخلة وَجَبت عَلَيْهِ شَاة أُخْرَى وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه شَاة أُخْرَى فِي جَمِيع هَذِه الْمسَائِل وَعِنْده لَا يجوز أَن يعجل عَن النّصاب شَيْئا مَا لم يكن عِنْده زِيَادَة على النّصاب قدر الْفَرْض

(3/114)


فَإِن عجل الزَّكَاة عَن النّصاب فَهَلَك أَو نقص خرج الْمَدْفُوع عَن ان يكون زَكَاة فَإِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة مُعجلَة جَازَ لَهُ استرجاعها إِن كَانَت بَاقِيَة والمطالبة بِقِيمَتِهَا إِن كَانَت تالفة وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ استرجاعها إِلَّا أَن تكون فِي يَد السَّاعِي أَو الإِمَام فَإِن كَانَ الدَّافِع لِلزَّكَاةِ المعجلة إِلَى الْمَسَاكِين هُوَ السَّاعِي فَتلف النّصاب كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا وَلَا فرق بَين أَن يبين أَنه زَكَاة مُعجلَة أَو لَا يبين
وَفِيه وَجه آخر أَنه يعْتَبر أَن يكون قد شَرط ذَلِك كَمَا يعْتَبر فِي رب المَال وَإِن عجل الزَّكَاة من نِصَاب ثمَّ ذبح مِنْهُ شَاة أَو أتلفهَا فَهَل لَهُ أَن يرجع فِيمَا عجله فِيهِ وَجْهَان
فَإِن ثَبت لَهُ الرُّجُوع فِيمَا دَفعه فَوَجَدَهُ نَاقِصا لم يرجع بِأَرْش النَّقْص فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَإِن كَانَ قد تلف مَا عجله فِي يَد الْفَقِير لزمَه قِيمَته يَوْم دفْعَة فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أَحْمد

(3/115)


وَالثَّانِي يلْزمه قِيمَته يَوْم التّلف
وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه يرد مثل الْمَدْفُوع وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فَمَاتَ الْفَقِير أَو ارْتَدَّ قبل تَمام الْحول لم يجزه الْمَدْفُوع عَن الزَّكَاة وَعَلِيهِ أَن يخرج الزَّكَاة ثَانِيًا ويسترجع مَا دَفعه إِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة مُعجلَة ويضمه إِلَى مَا مَعَه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ إِذا كَانَ مَاشِيَة كَمَا لَو كَانَ ذَهَبا أَو فضَّة وَهل يُخرجهَا بِنَفسِهَا أَو يخرج بدلهَا
ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه مُخَيّر
وَإِن كَانَ قد عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فاستغنى قبل تَمام الْحول من غير وَجه الزَّكَاة فَإِنَّهُ يسترجع إِذا كَانَ قد شَرط التَّعْجِيل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسترجع حَتَّى يتَغَيَّر صفة الْمَدْفُوع إِلَيْهِ بِمَوْت أَو ردة أَو غنى
فَإِن عجل الزَّكَاة إِلَى فَقير فاستغنى فِي أثْنَاء الْحول ثمَّ افْتقر قبل تَمام الْحول أَجزَأَهُ فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَالصَّدَََقَة المعجلة تكون عِنْد أبي حنيفَة مَوْقُوفَة بَين الْأَجْزَاء عَن الْفَرْض وَبَين التَّطَوُّع وعندما تكون مَوْقُوفَة بَين الْأَجْزَاء والاسترجاع
فَإِن شككنا هَل مَاتَ قبل تَمام الْحول أَو بعده لم يسترجع فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ فَإِن قَالَ رب المَال فِي الْموضع الَّذِي لم يشْتَرط الرُّجُوع بهَا وَالْإِمَام

(3/116)


الْآخِذ يعلم أَنه صَدَقَة مُعجلَة فأحلفه لي حلف على ذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ
وَإِذا اخْتلفَا فِي شَرط التَّعْجِيل فَالْقَوْل قَول الْفَقِير فِي أحد الْوَجْهَيْنِ إِذا تسلف السَّاعِي الزَّكَاة بِغَيْر مَسْأَلَة رب المَال وَتَلفت فِي يَده واختل الْوُجُوب فِي آخر الْحول ضمنهَا لرب المَال
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد لَا يضمنهَا وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة رب المَال كَانَت من ضَمَان رب المَال
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَ قد تسلف بِمَسْأَلَة رب المَال وَالْعين بَاقِيَة كَانَ لَهُ أَن يرجع فِيهَا وَفِيه نظر
وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة الْمَسَاكِين كَانَت من ضمانهم وَإِن تسلفها بِمَسْأَلَة الْمُسْتَحقّين وَرب المَال فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه من ضَمَان الْفُقَرَاء
وَالثَّانِي أَنَّهَا من ضَمَان رب المَال
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا رأى بأطفال الْمَسَاكِين حَاجَة إِلَى التَّعْجِيل فاستسلف لَهُم فَتلف فِي يَده فقد اخْتلف أَصْحَابنَا فِي استسلافه وضمانه على وَجْهَيْن

(3/117)


أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يستسلف لَهُم وَإِذا استسلف لَهُم ضمنه
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَن لَهُ أَن يستسلف لَهُم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَالْوَجْه الأول لَيْسَ بِشَيْء وَلم أر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ إِلَّا فِي الْحَاوِي وَيَنْبَغِي أَن يكون الاستسلاف جَائِزا وَجها وَاحِدًا وَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان
فَأَما مَا تجب الزَّكَاة فِيهِ من غير حول كالعشر وَزَكَاة الْمَعْدن والركاز فَلَا يجوز تَعْجِيل زَكَاته قبل الْوُجُوب
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يجوز تَعْجِيل الْعشْر وَالْأول أصح
فَإِن عجل الزَّكَاة عَن نِصَاب وَمَات قبل تَمام الْحول أَجْزَأَ الْمَدْفُوع عَن الْوَارِث
إِذا قُلْنَا إِنَّه يبْنى حول الْوَارِث على حول الْمَوْرُوث
وَإِن قُلْنَا بقوله الْجَدِيد اسْتَأْنف الْحول
فَإِذا تمّ حوله أَجزَأَهُ مَا كَانَ عجله موروثه على ظَاهر الْمَذْهَب

(3/118)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب قسم الصَّدقَات
يجوز لرب المَال تَفْرِقَة زَكَاة الْأَمْوَال الْبَاطِنَة بِنَفسِهِ وَهِي الذَّهَب وَالْفِضَّة وعروض التِّجَارَة والركاز وَله أَن يدْفع إِلَى الإِمَام وَفِي الْأَفْضَل ثَلَاثَة اوجه
أَحدهَا وَهُوَ الْأَظْهر أَن تفرقته بِنَفسِهِ أفضل
وَالثَّانِي أَن الدّفع إِلَى الْأَمَام أفضل
وَالثَّالِث أَن الإِمَام إِن كَانَ عادلا فالدفع إِلَيْهِ أفضل وَإِلَّا فتفرقته

(3/119)


بِنَفسِهِ أفضل وَأما الْأَمْوَال الظَّاهِرَة وَهِي الْمَاشِيَة والزروع وَالثِّمَار والمعادن فعلى قَوْله الْقَدِيم يلْزمه دَفعهَا إِلَى الْأَمَام وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وعَلى قَوْله الْجَدِيد يجوز لَهُ تفرقتها بِنَفسِهِ
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا كَانَ جائرا لم يجز الدّفع إِلَيْهِ وَلَا يُجزئهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ دَفعهَا إِلَيْهِ
وَقَالَ مَالك إِن أَخذهَا مِنْهُ جبرا أَجزَأَهُ وَإِن دَفعهَا إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ لم يجزه
وَيجب على الإِمَام أَن يبْعَث السعاة لجباية الصَّدقَات وَلَا يبْعَث إِلَّا حرا عدلا فَقِيها وَلَا يبْعَث هاشميا وَلَا مطلبيا إِذا أَرَادَ أَن يَأْخُذ جُزْءا من الزَّكَاة
وَقيل يجوز ذَلِك وَفِي مواليهم وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجوز أَن يَجْعَل عَاملا على الصَّدقَات

(3/120)


فَإِن قَالَ رب المَال بعث النّصاب ثمَّ اشْتَرَيْته وَلم يحل عَلَيْهِ الْحول أَو قَالَ قد أدّيت زَكَاته وَقُلْنَا يجوز لَهُ تفرقته بِنَفسِهِ حلفه السَّاعِي وَهل الْيَمين وَاجِبَة أَو مُسْتَحبَّة فِيهِ وَجْهَان
وَكَذَا إِن قَالَ هِيَ وَدِيعَة وَلم يصدقهُ السَّاعِي حلفه على مَا ذَكرْنَاهُ
وَحكي عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه قَالَ إِذا قَالَ هِيَ وَدِيعَة عِنْدِي ودعواه لَا تخَالف الظَّاهِر فَيكون الْيَمين مُسْتَحبَّة وَجها وَاحِدًا وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَذكر فِي الْحَاوِي أَن السَّاعِي يسْأَله عَن مَالك الْوَدِيعَة فَإِن لم يذكرهُ فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن قَوْله مَقْبُول وَلَا زَكَاة عَلَيْهِ
وَالثَّانِي وَهُوَ ضَعِيف أَنه يُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة عِنْد الِامْتِنَاع وَمَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أصح
فَإِن قَالَ بِعته فِي أثْنَاء الْحول ثمَّ اشْتَرَيْته فَشهد شَاهِدَانِ على الْمَاشِيَة بِأَعْيَانِهَا أَنَّهَا لم تزل فِي ملكه من أول الْحول إِلَى آخِره لَا يعلمَانِ أَنَّهَا خرجت من ملكه قبلت شَهَادَتهمَا
ذكر فِي الْحَاوِي أَنَّهُمَا إِذا كَانَا فقيهين فِي جيران المَال لم تقبل شَهَادَتهمَا وَإِن لم يَكُونَا من جيران المَال قبلت وَلَو قلت هَذَا لَكَانَ أصوب

(3/121)


ويسم الْإِبِل وَالْبَقر فِي أفخاذها وَالْغنم فِي آذانها وَيكْتب عَلَيْهِ زَكَاة أَو صَدَقَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره الوسم
وَلَا يجوز للساعي وَلَا للْإِمَام التَّصَرُّف فِيمَا يحصل من الزَّكَاة حَتَّى يوصلها بِعَينهَا إِلَى مستحقيها فَإِن أَخذ فِي الزَّكَاة نصف شَاة أَو وقف عَلَيْهِ فِي الطَّرِيق شَيْء جَازَ لَهُ بَيْعه
وَعند أبي حنيفَة يجوز أَخذ الْقيمَة فِي الزَّكَاة ويصرفها فِيمَا يرَاهُ مصلحَة فَإِن لم يبْعَث الإِمَام ساعيا وَجب على رب المَال تَفْرِقَة زَكَاته بِنَفسِهِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب عَلَيْهِ حملهَا إِلَى الإِمَام على القَوْل الَّذِي لَا يجوز لَهُ التَّفْرِقَة بِنَفسِهِ
فصل
وَلَا يَصح إِخْرَاج الزَّكَاة إِلَّا بِالنِّيَّةِ
وَحكي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَنه قَالَ لَا يفْتَقر إخْرَاجهَا إِلَى النِّيَّة
وَفِي جَوَاز تَقْدِيم النِّيَّة على الدّفع بِأَن يعْزل شَيْئا بنية الزَّكَاة ثمَّ يَدْفَعهُ إِلَى الْفَقِير من غير نِيَّة وَجْهَان

(3/122)


أظهرهمَا أَنه يجوز
فَإِن تصدق بِجَمِيعِ مَاله وَلم ينْو بِهِ الزَّكَاة لم يجزه شَيْء مِنْهُ عَن الزَّكَاة
وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يُجزئهُ اسْتِحْسَانًا وَإِن تصدق بِبَعْض مَاله وَلم ينْو بِهِ الزَّكَاة فقد قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن يُجزئهُ ذَلِك عَن زَكَاة ذَلِك الْبَعْض
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَا يُجزئهُ
فَإِن حَال الْحول على مَاله فأفرد الزَّكَاة ليحملها ويدفعها إِلَى أَهلهَا فَهَلَكت فِي الطَّرِيق لم يجزه عَن فَرْضه
وَقَالَ مَالك يُجزئهُ عَن الزَّكَاة
وَيَنْوِي الزَّكَاة الْوَاجِبَة وَإِن نوى الزَّكَاة أَجزَأَهُ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَإِن وكل وَكيلا فِي دفع الزَّكَاة فَنوى الْوَكِيل عِنْد الدّفع إِلَى الْمُسْتَحق وَلم ينْو رب المَال لم يجزه وَإِن نوى رب المَال وَلم ينْو الْوَكِيل
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يُجزئهُ وَجها وَاحِدًا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يبْنى على جَوَاز تَقْدِيم نِيَّة الزَّكَاة على الدّفع

(3/123)


وَإِن دفع الزَّكَاة إِلَى الإِمَام من غير نِيَّة لم يجزه فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو دفع إِلَى الستحق
فَإِن أخرج خَمْسَة دَرَاهِم وَنوى بجميعها الزَّكَاة وَصدقَة التَّطَوُّع لم يجزه عَن الزَّكَاة وَوَقع عَن التَّطَوُّع وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يُجزئهُ عَن الزَّكَاة
وَيسْتَحب للساعي أَن يَدْعُو لرب إِذا أَخذ الصداقة
وَقَالَ دَاوُد يجب الدُّعَاء لَهُ
وَحكى فِي الْحَاوِي أَن الرب المَال إِذْ سَأَلَهُ االدعاء هَل يجب عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان وَلَيْسَ بِشَيْء

(3/124)


وَقَالَ أَبُو حَفْص الْبَاب شَامي يجوز صرف خمس الزَّكَاة إِلَى من يصرف إِلَيْهِ خمس الْفَيْء وَالْغنيمَة
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجوز دفع زَكَاة الْفطر إِلَى ثَلَاثَة من الْفُقَرَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري يجوز الِاقْتِصَار على بعض الْأَصْنَاف فِي الصّرْف حَتَّى أَنه قَالَ لَو دَفعهَا إِلَى وَاحِد من الْمُسْتَحقّين جَازَ
وَقَالَ النَّخعِيّ إِن كَانَت الزَّكَاة كَثِيرَة فرقها على الْأَصْنَاف وَإِن كَانَت قَليلَة دَفعهَا إِلَى صنف وَاحِد
وَقَالَ مَالك يَدْفَعهَا إِلَى أمسهم حَاجَة
فَإِن كَانَ الإِمَام الَّذِي يقسم الصَّدَقَة قسمهَا على ثَمَانِيَة أَصْنَاف يبْدَأ بالعامل فَإِن كَانَ سَهْمه يزِيد على اجرته رد الْفضل على البَاقِينَ وَإِن كَانَ أقل من أجرته تمم لَهُ وَمن أَيْن يتمم
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يتمم من لَهُم الْمصَالح وَلَو قيل يتمم من حق سَائِر الْأَصْنَاف لم يكن بِهِ بَأْس
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا من بَيت المَال وَلَا يُزَاد على نصِيبه
وَالثَّانِي من الصَّدَقَة
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ تمم من سهم الْمصَالح وَإِن شَاءَ من سهم البَاقِينَ ذكره أَبُو إِسْحَاق

(3/125)


وَمِنْهُم من قَالَ إِن بَدَأَ بِنَصِيبِهِ فَوَجَدَهُ ينقص عَن أجرته تممه من سِهَام البَاقِينَ وَإِن كَانَ قد بَدَأَ بسهام الْأَصْنَاف ففرقها ثمَّ وجد سهم العاملين ينقص تممه من سهم الْمصَالح
وَمِنْهُم من قَالَ إِن فضل عَن حَاجَة الْأَصْنَاف شَيْء تمم مِنْهُ وَإِن لم يفضل عَن حَاجَة الْأَصْنَاف شَيْء تمم من سهم الْمصَالح وَالصَّحِيح الطَّرِيق الأول
وَيُعْطى الحاشر والعريف وَالْكَاتِب من سهم الْعَامِل ومؤونة النقال والحمال والحافظ من الْوسط وَفِي أُجْرَة الكيال وَجْهَان
قَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة وَهِي رب المَال
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يكون على أهل السهْمَان وَالْأول أصح
وَفِي أُجْرَة الْحفاظ والرعاة بعد قبضهَا وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا من سهم العاملين
وَالثَّانِي من أَمْوَال الصَّدقَات وَالْأول أصح

(3/126)


فصل
وَسَهْم للْفُقَرَاء وَالْفَقِير أمس حَاجَة من الْمِسْكِين وَهُوَ الَّذِي لَا يجد مَا يَقع موقعا من كِفَايَة فَيدْفَع إِلَيْهِ مَا تَزُول بِهِ حَاجته فَإِن كَانَ قَوِيا وَادّعى أَنه لَا كسب لَهُ قبل قَوْله وَأعْطى وَحلف وَاجِبا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَسَهْم للْمَسَاكِين والمسكين هُوَ الَّذِي يجد مَا يَقع موقعا من كِفَايَته إِلَّا انه لَا يَكْفِيهِ كَأَنَّهُ يحْتَاج فِي كل يَوْم إِلَى عشرَة دَرَاهِم ويكتسب كل يَوْم خَمْسَة فَيدْفَع إِلَيْهِ تَمام الْكِفَايَة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْمِسْكِين أمس حَاجَة من الْفَقِير وَبِه قَالَ الْفراء

(3/127)


وثعلب وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وبقولنا قَالَ مَالك
فَإِن ادّعى عيلة لَا يكْتَسب مَا يكفيهم لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِن ادّعى تلف مَاله لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ رُوِيَ فِي الْخَبَر حَتَّى يشْهد ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الثَّلَاثَة فِي هَذِه الْبَيِّنَة
وَقيل بل ذَلِك تَغْلِيظ
فَإِن كَانَ لَهُ كسب يَكْفِيهِ على الدَّوَام أَو ضَيْعَة يستغلها مَا يَكْفِيهِ لم يجز لَهُ أَخذ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَا يَكْفِيهِ جَازَ لَهُ أَخذ تَمام الْكِفَايَة من الزَّكَاة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم يكن مَعَه نِصَاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب جَازَ لَهُ أَخذ الزَّكَاة وَلَا يمْنَع مِنْهَا الْكسْب وَإِن كَانَ مَعَه نِصَاب أَو مَا قِيمَته نِصَاب فَاضلا عَن سكنه وخادمه حرم عَلَيْهِ أَخذ الزَّكَاة وَإِن كَانَ لَا يَكْفِيهِ ذَلِك
وَقَالَ أَحْمد إِذا ملك خمسين درهما لم يجز لَهُ أَخذ الزَّكَاة

(3/128)


فصل
وَسَهْم للمؤلفة وهم ضَرْبَان مؤلفة الْمُسلمين ومؤلفة الْكفَّار فمؤلفة الْكفَّار ضَرْبَان ضرب يُرْجَى خَيره وَضرب يخَاف شَره وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم وَهل يُعْطون بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يُعْطون وَلَكِن من غير الزَّكَاة
ومؤلفة الْمُسلمين أَرْبَعَة
قوم لَهُم شرف فيعطون ليرغب نظراؤهم فِي الْإِسْلَام
وَقوم نيتهم فِي الْإِسْلَام ضَعِيفَة فيعطون لتقوى نيتهم وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يعطيهم وَهل يُعْطون بعده صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ قَولَانِ

(3/129)


أَحدهمَا لَا يُعْطون وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي يُعْطون
وَمن أَيْن يُعْطون فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا من الصَّدقَات
وَالثَّانِي من خمس الْخمس
وَالضَّرْب الثَّالِث قوم من الْمُسلمين بَينهم قوم من الْكفَّار إِن أعْطوا قاتلوهم
وَقوم يليهم قوم من أهل الصَّدقَات إِن أعْطوا أَحبُّوا الصَّدقَات وَفِيهِمْ أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنهم يُعْطون من سهم الْمصَالح
وَالثَّانِي من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة
وَالثَّالِث من سهم الْغُزَاة
وَالرَّابِع وَهُوَ الْمَنْصُوص عَلَيْهِ أَنهم يُعْطون من سهم الْغُزَاة وَسَهْم الْمُؤَلّفَة
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي هَذَا القَوْل
فَمنهمْ من قَالَ إِنَّمَا أَعْطَاهُم من النَّصِيبَيْنِ على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن

(3/130)


من اجْتمع فِيهِ سببان يعْطى بهما فَأَما إِذا قُلْنَا يَأْخُذ بِأَحَدِهِمَا فَإِنَّهُم لَا يُعْطون بهما
وَمِنْهُم من قَالَ هَا هُنَا يُعْطون من السهمين بِخِلَاف غَيرهم
وَمِنْهُم من قَالَ من قَاتل مِنْهُم مانعي الزَّكَاة أعطي من سهم الْمُؤَلّفَة من الزَّكَاة وَمن قَاتل مِنْهُم الْكفَّار أعطي من سهم الْغُزَاة
وَقَالَ أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ الْأَصَح عِنْدِي أَن يُعْطي بَعضهم من سهم الْغُزَاة وَبَعْضهمْ من سهم الْمُؤَلّفَة فَيمْنَع من الْجمع فِي شخص وَاحِد من السهمين وَيكون الْجمع بَينهمَا للْجِنْس
فصل
وَسَهْم للرقاب وهم المكاتبون فيعطون عِنْد حُلُول النَّجْم وَهل يجوز أَن يعْطى قبل أَن يحل عَلَيْهِ نجم فِيهِ وَجْهَان
فَإِن كَانَ قد سلم مَا أَخذه من الزَّكَاة إِلَى الْمولى وَبقيت عَلَيْهِ بَقِيَّة فعجزه الْمولى وَفسخ الْكِتَابَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسترجع من الْمولى ذَلِك

(3/131)


وَإِن كَانَ مَا اخذه تَالِفا قبل أَن يُمكنهُ دَفعه إِلَى مَوْلَاهُ لم يضمنهُ الْمكَاتب وَهل يضمنهُ الْمولى فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يضمنهُ
وَالثَّانِي يضمنهُ
فَإِن ادّعى أَنه مكَاتب لم يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن صدقه الْمولى فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يقبل
وَالْمرَاد بالرقاب فِي الْآيَة المكاتبون وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالثَّوْري وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ
وَقَالَت طَائِفَة المُرَاد بِهِ أَن يَشْتَرِي من الصَّدَقَة عبيدا فيقتدى عتقهم رُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَبِه قَالَ مَالك وَرُوِيَ عَن احْمَد
فصل
وَسَهْم للغارمين وهم ضَرْبَان

(3/132)


ضرب غرم لإِصْلَاح ذَات الْبَين بِأَن تحمل مَالا أتلف فِي الْحَرْب لتسكين فتْنَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يعْطى مَعَ الْغنى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْفع إِلَيْهِ مَعَ الْغنى
وَإِن غرم لمصْلحَة نَفسه فِي غير مَعْصِيّة فَهَل يعْطى مَعَ الْغنى فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الام يعْطى
وَإِن غرم فِي مَعْصِيّة ثمَّ تَابَ عَنْهَا فَهَل يعْطى مَعَ الْفقر فِيهِ وَجْهَان
فَإِن دفع إِلَيْهِ من سهم الغارمين مَا يبرىء من الدّين اسْترْجع مِنْهُ فَإِن لم يسترجع حَتَّى لزمَه دين آخر صَار بِهِ غارما فَهَل يسترجع مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان
فَإِن ادّعى الْغرم وَصدقه الْغَرِيم فَفِيهِ وَجْهَان كَالْمكَاتبِ
فصل
وَسَهْم فِي سَبِيل الله وهم الْغُزَاة الَّذين إِذا نشطوا غزوا وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة

(3/133)


وَقَالَ أَحْمد يجوز أَن يدْفع ذَلِك إِلَى من يُرِيد الْحَج
وَيدْفَع إِلَى الْغَازِي مَعَ الْغنى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يدْفع إِلَيْهِ إِلَّا أَن يكون فَقِيرا
وَسَهْم لِابْنِ السَّبِيل وَهُوَ الْمُسَافِر وَمن ينشيء سفرا وَهُوَ مُحْتَاج فِي سفر طَاعَة فَيدْفَع إِلَيْهِ مَا يبلغهُ مقْصده وَيعود بِهِ وَإِن كَانَ سَفَره مُبَاحا فَفِيهِ وَجْهَان وَلَا يعْطى فِي سفر الْمعْصِيَة والمريد للسَّفر وَالْقَوْل قَوْله فِي إِرَادَته السّفر وَفِي أحلافه على إِرَادَته السّفر وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يعْطى إِلَّا بعد الْيَمين وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يحلف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك ابْن السَّبِيل هُوَ الْمُخْتَار فِي السّفر دون المنشيء لَهُ
وَعند أبي حنيفَة يجوز أَن يدْفع إِلَيْهِ فِي سفر الْمعْصِيَة
وَمن يَأْخُذ الصَّدَقَة مَعَ الْغنى خَمْسَة الْعَامِل والغارم لإِصْلَاح ذَات الْبَين والمؤلفة والغازي وَابْن السَّبِيل إِذا كَانَ غَنِيا فِي بَلَده مُحْتَاجا فِي مَكَانَهُ
وَمن يَأْخُذ أخذا غير مُسْتَقر أَرْبَعَة الْغَارِم وَالْمكَاتب والغازي وَابْن السَّبِيل وَيجب التَّسْوِيَة بَين الْأَصْنَاف فِي السِّهَام وَيسْتَحب أَن يعمم كل صنف وَأَقل من يجزىء الدّفع إِلَيْهِ ثَلَاثَة فَإِن دفع إِلَى اثْنَيْنِ ضمن نصيب الثَّالِث وَفِي قدر الضَّمَان قَولَانِ

(3/134)


أَحدهمَا الثُّلُث وَهُوَ الْقدر الْمُسْتَحبّ
وَالثَّانِي أقل جُزْء من السهْم وَهُوَ الْقدر الْوَاجِب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يقْتَصر على بعض الْأَصْنَاف فِي الدّفع
فَإِن اجْتمع فِي شخص وَاحِد سببان يسْتَحق بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا الْأَخْذ من الزَّكَاة فَفِيهِ ثَلَاثَة طرق
أَحدهَا أَنه لَا يعْطى بالسببين بل يُقَال لَهُ اختر أَيهمَا شِئْت لتعطى بِهِ
وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ السببان متجانسين أعْطى بِأَحَدِهِمَا بِأَن يسْتَحق بهما لِحَاجَتِهِ إِلَيْنَا كالفقير الْغَارِم لمصْلحَة نَفسه أَو لحاجتنا إِلَيْهِ كالغازي الْغَارِم لإِصْلَاح ذَات الْبَين وَإِن اخْتلفَا دفع إِلَيْهِ بهما
وَالثَّالِث فِيهِ قَولَانِ
فَإِن كَانَ الإِمَام هُوَ الَّذِي يفرق الزَّكَاة فَهَل يَشْتَرِي الْخَيل بِسَهْم الْغُزَاة أَو يدْفع إِلَيْهِم أثمانها فِيهِ وَجْهَان
وَيجب صرف الزَّكَاة إِلَى الْمُسْتَحقّين فِي بلد المَال فَإِن نقل إِلَى الْأَصْنَاف فِي غير بلد المَال فَفِيهِ قَولَانِ

(3/135)


أَحدهمَا يجوز
وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز وَلَا يجزىء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْقَوْلَانِ فِي جَوَاز النَّقْل فَأَما إِذا نقل فَإِنَّهُ يُجزئهُ قولا وَاحِدًا ذكر هَذِه الطَّرِيقَة الشَّيْخ أَبُو حَامِد وَقَالَ هِيَ الْمَذْهَب
وَفِي زَكَاة الْفطر وَجْهَان
احدهما أَن الِاعْتِبَار بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ حاليا
وَالثَّانِي أَن الِاعْتِبَار بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ
فَإِن نقل الصَّدَقَة إِلَى مَوضِع لَا تقصر إِلَيْهِ الصَّلَاة فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أظهرهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه يُجزئهُ قولا وَاحِدًا
فَإِن كَانَ الْبَلَد كَبِيرا كبغداد وَالْبَصْرَة كَانَ جيران المَال أخص بهَا
وَهل يمْنَع من النَّقْل إِلَى غَيرهم ذكر فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي نقل الصَّدَقَة
وَالثَّانِي يجوز قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح وَذكر أَن الْمَذْهَب عِنْدِي

(3/136)


فِيمَن هُوَ خَارج الْمصر أَن يعْتَبر فِيهِ أَن يكون مِمَّن يلْزمه الْحُضُور للْجُمُعَة فِي الْمصر فَيجوز النَّقْل إِلَيْهِ فَهُوَ أولى من الْوَجْهَيْنِ الْمُتَقَدِّمين فِي اعْتِبَار مَسَافَة الْقصر
فَأَما إِذا وجد بعض أهل السهمين فِي بلد المَال دون بعض ووجدهم فِي بلد آخر فَمن أَصْحَابنَا من بنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِي جَوَاز النَّقْل فَإِن قُلْنَا يجوز النَّقْل وَجب نقلهَا إِلَى بَقِيَّة الْأَصْنَاف وَإِن قُلْنَا لَا يجوز النَّقْل وَجب صرفهَا إِلَى الْمَوْجُودين
وَمِنْهُم من قَالَ تنقل هَا هُنَا قولا وَاحِدًا
فَإِن كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاة عشرُون فِي بلد وَعِشْرُونَ فِي بلد آخر
فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا أخرج الشَّاة فِي أحد البلدين كرهت وأجزأه
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّمَا ذَلِك على القَوْل الَّذِي يَقُول إِن نقل الصَّدَقَة جَائِز وَهُوَ قَول أبي حَفْص بن الْوَكِيل
وَمِنْهُم من قَالَ يُجزئهُ قولا وَاحِدًا
وَمن قَالَ بِالْأولِ قَالَ لَو كَانَ على قَول وَاحِد لما كرهه
فَإِن ادّعى أَنه أخرج الشَّاة فِي أحد البلدين فكذبه السَّاعِي فنكل

(3/137)


عَن الْيَمين الْوَاجِبَة عَلَيْهِ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ أخذت مِنْهُ الزَّكَاة لما تقدم من الظَّاهِر لَا لنكوله
ذكر فِي الْحَاوِي قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج لَا تُؤْخَذ مِنْهُ الزَّكَاة بِنُكُولِهِ وَلكنه يحبس حَتَّى يحلف أَو يُؤَدِّي
فَإِن كَانَ من أهل الْخيام الَّذين ينتجعون المَاء والكلاء فَإِن كَانُوا مُتَفَرّقين فموضع الصَّدَقَة من عِنْد المَال إِلَى حَيْثُ تقصر فِيهِ الصَّلَاة وَإِن كَانُوا فِي حلل مجتمعة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن كل حلَّة كبلدة
وَالثَّانِي أَنَّهَا كالقسم قبله وجيران المَال فِي أحد الْوَجْهَيْنِ أهل محلته إِلَى أَرْبَعِينَ دَارا
وَقيل أهل الْبَلَد فَإِن كَانَ جِيرَانه أجانب وأقاربه أباعد فقد ذكر فِي الْحَاوِي أَن الْجِيرَان أَحَق بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أَقَاربه أَحَق وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَليّ مَذْهَب الشَّافِعِي فِيهِ نظر
وَلَو قيل بالتسوية بَينهم لَكَانَ أقرب

(3/138)


فَإِن قسمت الصَّدَقَة على الْأَصْنَاف فنقص نصيب بَعضهم عَن كفايتهم وَفضل نصيب بَعضهم
فَإِن قُلْنَا الْمُغَلب حكم الْمَكَان صرف الْفَاضِل إِلَى البَاقِينَ فِي بلد المَال
وَإِن قُلْنَا إِن المغالب حكم الْأَصْنَاف صرف الْفَاضِل إِلَى ذَلِك الصِّنْف فِي غير بلد المَال
وَلَا يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي الزَّكَاة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد إِلَّا أَن مَالِكًا قَالَ يجوز إِخْرَاج الذَّهَب عَن الْفضة وَالْفِضَّة عَن الذَّهَب على سَبِيل الْبَدَل
وَعَن أَحْمد فِي إِخْرَاج الذَّهَب عَن الْفضة رِوَايَتَانِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز إِخْرَاج الْقيمَة فِي ذَلِك وَلَا يجوز إِخْرَاج الْمَنَافِع وَلَا إِخْرَاج نصف صَاع من بر عَن صَاع من شعير فِي الْفطْرَة
فصل
وَلَا يجوز صرف الزَّكَاة إِلَى هاشمي

(3/139)


وَلَا مطلبي
وَحكي فِيهِ وَجه آخر أَنه يجوز
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي إِن منعُوا حَقهم من الْخمس جَازَ أَن يدْفع إِلَيْهِم من الزَّكَاة وَالْمذهب الأول وَفِي مواليهم وَجْهَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تحرم الصَّدَقَة على آل الْمطلب وَإِنَّمَا تحرم على ولد الْعَبَّاس وَعلي وجعفر وَعقيل والْحَارث بن عبد الْمطلب
وَلَا تحرم صَدَقَة التَّطَوُّع على ذَوي الْقُرْبَى وَهل كَانَت مُحرمَة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَوْلَيْنِ
وَقَالَ أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة مَا كَانَ من صدقَات التَّطَوُّع على الْأَعْيَان كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ مسبلا على الكافة لم يحرم عَلَيْهِ كصلاته فِي الْمَسَاجِد
قَالَ صَاحب الْحَاوِي وَالأَصَح عِنْدِي ان مَا كَانَ اموالا مُتَقَومَة كَانَت عَلَيْهِ مُحرمَة وَمَا لم تكن اموالا مقومة تحرم عَلَيْهِ
وَلَا يجوز دفع الزَّكَاة إِلَى كَافِر

(3/140)


وَحكي عَن الزُّهْرِيّ وَابْن شبْرمَة أَنَّهُمَا قَالَا يجوز دَفعهَا إِلَى أهل الذِّمَّة
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز دفع زَكَاة الْفطر إِلَيْهِ دون غَيرهَا
وَيجوز أَن تدفع الزَّوْجَة من زَكَاتهَا إِلَى زَوجهَا وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز
فَإِن دفع الزَّكَاة إِلَى من ظَاهره الْفقر فَبَان غَنِيا فَهَل يضمن رب المَال الزَّكَاة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنَّهَا تُجزئه وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا تُجزئه وَله أَن يسترجع مَا دفع إِن كَانَ قد شَرط أَنه زَكَاة
فَأَما إِذا بَان الْمَدْفُوع إِلَيْهِ كَافِرًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَ الدّفع من جِهَة الإِمَام فَفِيهِ قَولَانِ وَإِن كَانَ من جِهَة رب المَال فقولا وَاحِدًا يجب عَلَيْهِ الضَّمَان
وَمن وَجَبت عَلَيْهِ زَكَاة وَمَات قبل الْأَدَاء وَجب ضَمَانهَا فِي تركته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط بِالْمَوْتِ

(3/141)


فَإِن اجْتمعت الزَّكَاة وَدين الْآدَمِيّ وضاق المَال عَن الْوَفَاء بهما فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهمَا أَنه يقدم حق الله عز وَجل
وَالثَّانِي يقدم دين الْآدَمِيّ
وَالثَّالِث أَنه يقسم بَينهمَا

(3/142)