حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

= كتاب الْحَج

(3/191)


الْحَج ركن من أَرْكَان الْإِسْلَام وَفِي الْعمرَة قَولَانِ
قَالَ فِي الْجَدِيد هِيَ وَاجِبَة وَهُوَ قَول الثَّوْريّ وَأحمد

(3/192)


وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَيست وَاجِبَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَلَا تجب فِي الْعمرَة إِلَّا حجَّة وَاحِدَة وَعمرَة وَاحِدَة

(3/193)


وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ يجب فِي كل سنة مرّة وَلَا يثبت ذَلِك وَهُوَ خلاف النَّص
وَمن حج حجَّة الْإِسْلَام وَاعْتمر وَأَرَادَ دُخُول الْحرم للتِّجَارَة أَو زِيَادَة لم يجز إِلَّا بِإِحْرَام لحجة أَو عمْرَة فِي أشهر الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لمن وَرَاء الْمِيقَات أَن يدْخل الْحرم إِلَّا محرما سَوَاء كَانَ لقِتَال أَو لغيره وَمن دون الْمِيقَات يجوز لَهُ أَن يدْخل بِغَيْر إِحْرَام

(3/194)


وَقَالَ ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا لَا يدْخل أحد الْحرم إِلَّا محرما وَرخّص للحطابين فَأَما الْبَرِيد
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه مثل الحطابين
وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ وَجْهَان
وَلَا يجب الْحَج وَالْعمْرَة إِلَّا على مُسلم بَالغ عَاقل حر مستطيع فَأَما الْكَافِر فَلَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا أَن يكون مُرْتَدا فتوجد الِاسْتِطَاعَة فِي حَقه فِي حَال الرِّدَّة فَيجب عَلَيْهِ فَإِذا أسلم فَعَلَيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام بَطل مَا كَانَ قد فعله من حجَّة الْإِسْلَام فَإِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام اعْتبرت الِاسْتِطَاعَة فِي وُجُوبهَا بعد ذَلِك
فَإِن أحرم ثمَّ ارْتَدَّ لم يبطل إِحْرَامه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَإِذا أسلم بني عَلَيْهِ
وَالصَّبِيّ لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَيصِح إِحْرَامه بِهِ بِإِذن وليه إِذا كَانَ يعقل ويميز وَلَا يَصح بِغَيْر إِذْنه فِي أصح الْوَجْهَيْنِ

(3/195)


وَمَا يجب عَلَيْهِ من كَفَّارَة بارتكاب مَحْظُور فِي مَال وليه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وبقولنا قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح إِحْرَامه بِالْحَجِّ
فَإِن كَانَ لَا يعقل وَلَا يُمَيّز أحرم عَنهُ وليه فَإِن أَحرمت عَنهُ أمه صَحَّ فِي قَول أبي سعيد الْإِصْطَخْرِي وعَلى قَول غَيره لَا يَصح وَإِن أحرم عَنهُ أَخُوهُ أَو عَمه بِغَيْر إِذن وليه لم يَصح فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَمَا لَا يقدر الصَّبِي أَن يَفْعَله فعله وليه عَنهُ فَيَرْمِي عَنهُ وَيَطوف بِهِ فَإِن لم يكن الْوَلِيّ قد طَاف عَن نَفسه فَطَافَ بِهِ فَهَل يَقع عَنهُ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يَقع عَن الصَّبِي
وَالثَّانِي أَنه يَقع عَنهُ
فَإِن وطىء فِي الْحَج وَقُلْنَا يفْسد إِحْرَامه فَهَل يجب الْقَضَاء فِيهِ قَولَانِ
فَإِن قُلْنَا يجب الْقَضَاء فَهَل يَصح قَضَاؤُهُ قبل بُلُوغه فِيهِ قَولَانِ

(3/196)


أَحدهمَا لَا يَصح وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي ذَلِك وَجْهَيْن
فَأَما النَّفَقَة فَمَا زَاد على نَفَقَة الْحَضَر فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا فِي مَاله
وَالثَّانِي فِي مَال الْوَلِيّ فَإِن قُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء عِنْد الْإِفْسَاد فَهَل يجْزِيه عَن حجَّة الاسلام ينظر فِيهِ فَإِن كَانَ على صفة لَو صحت لأجزأته عَن حجَّة الْإِسْلَام وَقد بلغ فِيهَا أَجزَأَهُ الْقَضَاء عَنْهُمَا وَذَلِكَ بِأَن يكون قد بلغ قبل الْوُقُوف وَإِن كَانَ قد بلغ بعد الْوُقُوف فَلَو صحت لم تجزه عَن حجَّة الْإِسْلَام فَلَا يجْزِيه الْقَضَاء عَنْهَا
وَأما الْمَجْنُون فَلَا يجب عَلَيْهِ وَلَا يَصح مِنْهُ وَلَا عَنهُ والمغمى عَلَيْهِ لَا يَصح مِنْهُ وَلَا يحرم عَنهُ غَيره وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحرم عَنهُ رَفِيقه فَيصير محرما بإحرامه اسْتِحْسَانًا
فَإِن أذن الْمولى لعَبْدِهِ فِي الْقُرْآن والتمتع وَقُلْنَا يملك المَال فَهَل يكفر يكفر بِالْهَدْي فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجب الْهَدْي فِي مَال السَّيِّد

(3/197)


وَالثَّانِي يجب عَلَيْهِ الصَّوْم إِذا كَانَ عَلَيْهِ دين لَا يفضل عَنهُ مَا يُمكنهُ الْحَج بِهِ لم يجب عَلَيْهِ الْحَج حَالا كَانَ أَو مُؤَجّلا
وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الدّين الْمُؤَجل إِذا كَانَ يحل بعد عوده هَل يمْنَع وُجُوبه فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يمْنَع
فَإِن وجد الزَّاد وَالرَّاحِلَة لذهابه وَلم يجد لرجوعه وَلم يكن لَهُ أهل فِي الْبَلَد فَفِي وجوب الْحَج عَلَيْهِ وَجْهَان
فَإِن كَانَ مَعَه مَال يحْتَاج إِلَيْهِ فِي بضاعته يتجر بهَا ليحصل لَهُ بهَا مَا يقوم بِهِ أَو صِيغَة تقوم غَلَّتهَا بكفايته فَفِيهِ وَجْهَان
احدهما يلْزمه بيعهَا وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا يلْزمه بيعهَا وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَهُوَ الْأَظْهر
فَإِن لَزِمته فِي الطَّرِيق خفارة لم يجب عَلَيْهِ الْحَج
وَقَالَ مَالك إِذا كَانَت يسيرَة لَا تجحف وَأمن الْغدر لزمَه
فَإِن احْتَاجَ إِلَى الْمسكن ليسكنه لم يلْزمه بَيْعه فِي الْحَج
وَذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يلْزمه بَيْعه لِلْحَجِّ

(3/198)


فَإِن كَانَ مَعَه مَال يَكْفِيهِ لِلْحَجِّ أَو لثمن مسكن وَهُوَ مُحْتَاج إِلَيْهِ فَلهُ أَن يَشْتَرِي بِهِ مسكنا يسكنهُ وَيُؤَخر الْحَج على الْوَجْه الأول وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يلْزمه صرفه فِي الْحَج
وَحكي عَن أبي يُوسُف أَنه قَالَ لَا يَبِيع الْمسكن وَلَا يَشْتَرِي مسكنا إِذا كَانَ مَعَه شَيْء من النُّقُود بل يصرفهُ فِي الْحَج
فَإِن لم يجد زادا وَلَا رَاحِلَة وَقدر على الْمَشْي وَله صَنْعَة يكْتَسب بهَا مَا يَكْفِيهِ لنفقته اسْتحبَّ لَهُ أَن يحجّ وَإِن كَانَ يحْتَاج إِلَى مَسْأَلَة النَّاس كره لَهُ الْحَج
وَقَالَ مَالك يجب عَلَيْهِ أَن يحجّ بِالْكَسْبِ
فَإِن اُسْتُؤْجِرَ للْخدمَة فِي طَرِيق الْحَج وَحج أَجزَأَهُ وَكَذَا إِذا غصب مَالا وَحج بِهِ أَو جَوْلَة وَحج عَلَيْهَا
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ فِي جَمِيع ذَلِك
وَإِن لم يكن لَهُ طَرِيق إِلَّا فِي الْبَحْر
فقد قَالَ فِي الْأُم لَا يجب عَلَيْهِ
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء إِن كَانَ أَكثر معاشه فِي الْبَحْر لزمَه
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ

(3/199)


وَمِنْهُم من قَالَ إِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة لزمَه وَإِن لم يكن الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة لم يلْزمه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَظَاهر قَوْله فِي الْأُم
وَمِنْهُم من قَالَ أَن كَانَ لَهُ عَادَة بركوبه لزمَه وَإِن لم يكن لَهُ عَادَة بركوبه لم يلْزمه
وَقيل فِيهِ طَريقَة أُخْرَى إِنَّه إِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ الْهَلَاك لم يلْزمه وَإِن كَانَ الْغَالِب مِنْهُ السَّلامَة فَفِيهِ قَولَانِ
وَأما الْمَرْأَة فَلَا يجب عَلَيْهَا الْحَج حَتَّى يكون مَعهَا من تأمن مَعَه على نَفسهَا من محرم أَو زوج أَو نسَاء ثِقَات أَو امْرَأَة وَاحِدَة
وروى الْكَرَابِيسِي أَنه إِذا كَانَ الطَّرِيق آمنا جَازَ من غير نسَاء وَهُوَ الصَّحِيح

(3/200)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجب عَلَيْهَا الْحَج إِلَّا بِشَرْط الْمحرم أَو الزَّوْج وَاخْتلف أَصْحَابه فِي تخلية الطَّرِيق وَإِمْكَان الْمسير وَهل هُوَ شَرط فِي الْوُجُوب أم لَا
وَقَالَ أَحْمد تخلية الطَّرِيق وَإِمْكَان الْمسير شَرط فِي الْأَدَاء دون الْوُجُوب
فَإِن كَانَ لَهُ إِلَى مَكَّة طَرِيقَانِ أَحدهمَا أقرب فِيهِ عَدو والبعيد لَا عَدو فِيهِ لزمَه قصد الْأَبْعَد
وَقيل لَا يجب قَصده
والمستطيع بِغَيْرِهِ اثْنَان
أَحدهمَا أَن يكون عَاجِزا عَن الْحَج بِنَفسِهِ لزمانه أَو مرض ميئوس مِنْهُ وَمَعَهُ مَال يَدْفَعهُ إِلَى من يحجّ عَنهُ فَإِنَّهُ يلْزمه الْحَج إِذا وجد من يستأجره على فعله فَإِن لم يفعل اسْتَقر فَرْضه فِي ذمَّته وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَأحمد
وَقَالَ مَالك لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج بذلك وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ الْحَج إِذا كَانَ مستطيعا بِنَفسِهِ خَاصَّة
وَإِذا اسْتَأْجر من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ وَقع الْحَج عَن المحجوج عَنهُ

(3/201)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع عَن الْحَاج وللمحجوج عَنهُ ثَوَاب النَّفَقَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي رِوَايَة مُحَمَّد عَنهُ غير أَنه يضيف التَّلْبِيَة إِلَيْهِ وَرِوَايَة الأَصْل مثل قَوْلنَا
وَإِذا وجد الْأَعْمَى من يَقُودهُ ويهديه الطَّرِيق لزمَه الْحَج بِنَفسِهِ وَلَا يجوز لَهُ الِاسْتِنَابَة فِيهِ وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ يجوز الِاسْتِنَابَة فِيهِ
وَالثَّانِي من المستطيع بِغَيْرِهِ أَن يكون عَاجِزا عَن الْحَج بِنَفسِهِ وَلَا مَال لَهُ وَله ولد يطيعه إِذا أمره بِالْحَجِّ عَنهُ وَكَانَ الْوَلَد مستطيعا فِي نَفسه وَجب عَلَيْهِ الْحَج بِسَبَبِهِ وَإِن كَانَ وَلَده غير مستطيع فِي نَفسه بالزاد وَالرَّاحِلَة فَهَل يجب على الْأَب الْحَج بِطَاعَتِهِ فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يجب
وَالِاعْتِبَار فِي الطَّاعَة بِطَاعَة من يطيعه لَو أمره بِالْحَجِّ وثقته بإجابته لَهُ إِلَى ذَلِك وَلَا يقف على بذل الْمُطِيع
وَذكر فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يجب عَلَيْهِ باعتقاده مَا لم يبذله لَهُ

(3/202)


وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج ببذل الطَّاعَة وَبِه قَالَ أَحْمد
وَلَا فرق فِي وجوب الْحَج بِطَاعَة من يَثِق بِطَاعَتِهِ بَين أَن يكون ولدا وَبَين أَن يكون أَجْنَبِيّا فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
فَإِن بذل لَهُ وَلَده مَالا يَدْفَعهُ إِلَى من يحجّ عَنهُ وَلم يبْذل لَهُ الْحَج بِنَفسِهِ فَهَل يلْزمه قبُوله فِيهِ وَجْهَان وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي الصَّحِيح إِذا بذل لَهُ وَلَده المَال لِلْحَجِّ بِنَفسِهِ
وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه إِن كَانَ الْبَاذِل لِلْمَالِ لَهُ أَجْنَبِيّا لم يجب عَلَيْهِ قبُوله لِلْحَجِّ بِهِ وَإِن كَانَ ولدا لزمَه قبُوله وَالْحج بِهِ
وَإِن كَانَ لَهُ ولد يطيعه فِي الْحَج عَنهُ غير أَنه لم يعلم بِحَالهِ هَل يجب عَلَيْهِ الْحَج بِهِ
ذكر فِي التَّعْلِيق أَنه بِمَنْزِلَة أَن يكون لَهُ مَال وَلَا يعلم بِهِ بِأَن يَمُوت موروثه
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم يذكر حكمه
قَالَ وَعِنْدِي أَن هَذَا يجْرِي مجْرى من نسي المَاء فِي رَحْله أَو لم يعلم بِكَوْنِهِ فِي رَحْله هَل يسْقط الْفَرْض عَنهُ فِيهِ قَولَانِ
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَأقرب من هَذَا فِي الْبناء عِنْدِي

(3/203)


إِذا ورث مَالا وَلم يعلم هَل يجب عَلَيْهِ الزَّكَاة فِيهِ لما مضى من الْأَحْوَال بعد مَوته فِيهِ قَولَانِ كالضال وَالْمَغْصُوب فَإِن امْتنع الْأَب من الْإِذْن لوَلَده فِي الْحَج هَل يقوم الْحَاكِم مقَامه فِي الْإِذْن عَنهُ فِيهِ وَجْهَان
اصحهما أَنه لَا يقوم مقَامه
وَهل يجب الْحَج على الْوَلَد ببذل الطَّاعَة عَن أَبِيه فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يجب عَلَيْهِ الْحَج وَإِن وَجب على الْأَب بِسَبَبِهِ
فصل
وَالْمُسْتَحب لمن وَجب عَلَيْهِ الْحَج أَن يُبَادر إِلَى فعله فَإِن أَخّرهُ جَازَ وَبِه قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن
وَقَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف يجب على الْفَوْر وَكَانَ أَبُو الْحسن الْكَرْخِي يَقُول مَذْهَب أبي حنيفَة أَنه على الْفَوْر
فَإِن مَاتَ قبل فعل الْحَج فَهَل يَأْثَم
من اصحابنا من قَالَ إِن ظهر لَهُ أَمَارَات الْعَجز أَثم بِالتَّأْخِيرِ وَإِن مَاتَ فَجْأَة قبل أَن يظْهر لَهُ أَمَارَات الْعَجز لم يَأْثَم

(3/204)


وَمِنْهُم من قَالَ يَأْثَم أَيْضا وَقد اخْتلفُوا فِي وَقت الْإِثْم
فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق يَأْثَم فِي السّنة الَّتِي فَاتَهُ الْحَج بِالتَّأْخِيرِ عَنْهَا
وَقَالَ غَيره تبين أَنه يمْضِي بِالتَّأْخِيرِ عَن السّنة الأولى فِي الْإِمْكَان
وَبنى القَاضِي حُسَيْن على ذَلِك سُقُوط شَهَادَته وَنقض الحكم وَذَلِكَ بِنَاء فَاسد لِأَنَّهُ مُخْتَلف فِيهِ
وَمن وَجب عَلَيْهِ الْحَج فَلم يحجّ حَتَّى مَاتَ قبل التَّمَكُّن من الْأَدَاء سقط عَنهُ فَرْضه
وَقَالَ أَبُو يحيى الْبَلْخِي يجب عَلَيْهِ الْقَضَاء واظهر لَهُ أَبُو إِسْحَاق نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله فَرجع عَنهُ
وَإِن مَاتَ بعد التَّمَكُّن وَجب قَضَاؤُهُ من رَأس مَاله
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط بِالْمَوْتِ إِلَّا أَن يُوصي بِهِ فيحج عَنهُ من ثلثه وَبِه قَالَ مَالك وَيجوز النِّيَابَة فِي حج الْفَرْض فِي موضِعين فِي حق الْمَيِّت وَفِي حق من لَا يقدر على الثُّبُوت على الرَّاحِلَة وَفِي حج التَّطَوُّع قَولَانِ

(3/205)


أصَحهمَا أَنه لَا يجوز النِّيَابَة فِيهِ
وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد فَإِن قُلْنَا لَا تجوز الِاسْتِنَابَة فاستأجر من حج عَنهُ وَإِلَّا فَالْإِجَارَة فَاسِدَة فَإِذا حج وَقع الْحَج عَن نَفسه وَهل يسْتَحق أُجْرَة الْمثل فِيهِ قَولَانِ
وَأما الصَّحِيح الَّذِي يقدر على الثُّبُوت على الرَّاحِلَة فَلَا يجوز لَهُ الِاسْتِنَابَة فِي الْحَج
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ ذَلِك فِي حج التَّطَوُّع
واما الْمَرِيض فَإِن لم يكن ميئوسا مِنْهُ لم يجز لَهُ أَن يَسْتَنِيب فِيهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ ذَلِك وَكَذَا الْمَحْبُوس وَيكون الْأَمر

(3/206)


مَوْقُوفا فَإِن برأَ من مَرضه وخلي سَبيله وَجب عَلَيْهِ فعله وَإِن مَاتَ أَجزَأَهُ
فَإِن استناب من يحجّ عَنهُ وَمَات مِنْهُ أَو صَار مأيوسا مِنْهُ فَهَل يُجزئهُ عَن فَرْضه فِيهِ قَولَانِ فَإِن كَانَ مَرضا مأيوسا مِنْهُ فَإِنَّهُ يجوز أَن يَسْتَنِيب فِيهِ
فَإِذا اسْتَأْجر من يحجّ عَنهُ فحج عَنهُ ثمَّ برىء من مَرضه فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ وَمن أَصْحَابنَا من بنى ذَلِك على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه لَا يُجزئهُ قولا وَاحِدًا
إِذا اسْتَأْجر الْمَغْصُوب من يحجّ عَنهُ فَأحْرم بِالْحَجِّ عَنهُ ثمَّ نَقله إِلَى نَفسه لم ينْتَقل وَوَقع عَن المحجوج عَنهُ وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ
فَإِن شرع فِي حج التَّطَوُّع ثمَّ نذر حجا فَإِن كَانَ قبل الْوُقُوف فَهَل ينْصَرف إِلَى النّذر فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا ينْصَرف إِلَيْهِ
وَالثَّانِي لَا ينْصَرف
وَأَصله الصَّبِي إِذا أحرم بِالْحَجِّ ثمَّ بلغ قبل الْوُقُوف هَل يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فِيهِ وَجْهَان

(3/207)


قَالَ القَاضِي حُسَيْن فيتفرع على هَذَا إِذا شرع فِي الْحَج عَن الْغَيْر ثمَّ نذر حجا قبل الْوُقُوف فَإِنَّهُ يَبْنِي على النَّفْل
فَإِن قُلْنَا هُنَاكَ لَا ينْصَرف إِلَى النّذر فها هُنَا أولى
وَإِن قُلْنَا هُنَاكَ ينْصَرف فها هُنَا وَجْهَان
وَلَا يحجّ عَن الْغَيْر من لم يسْقط فرض الْحَج عَن نَفسه فَإِن أحرم بِالْحَجِّ عَن غَيره وَعَلِيهِ فرض انْصَرف إِلَى نَفسه وَبِه قَالَ أَحْمد
وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى أَنه لَا ينْعَقد إِحْرَامه عَن نَفسه وَلَا عَن غَيره
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك يجوز أَن يحجّ عَن غَيره وَعَلِيهِ فَرْضه
وَقَالَ الثَّوْريّ إِن كَانَ قَادِرًا على ان يحجّ عَن نَفسه لم يجز أَن يحجّ عَن غَيره وَإِن لم يكن قَادِرًا على أَن يحجّ عَن نَفسه جَازَ أَن يحجّ عَن غَيره
فَإِن قَالَ لَهُ أَنا صرورة فَقَالَ قد علمت وَيجوز عِنْدِي

(3/208)


اسْتِئْجَار الصرورة فِي الْحَج فاستأجره فحج عَنهُ وَقع عَن نَفسه وَلم يَقع عَنهُ وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا احرم عَن غَيره ثمَّ صرفه إِلَى نَفسه لم ينْصَرف وَهل يسْتَحق الْأُجْرَة فِيهِ قَولَانِ
وَلَا يجوز أَن يتنقل بِالْحَجِّ وَعَلِيهِ فَرْضه وَلَا أَن يحجّ عَن النّذر وَعَلِيهِ فرض حجَّة الْإِسْلَام فَإِن أحرم عَن ذَلِك انْصَرف إِلَى مَا عَلَيْهِ من فرض حجَّة الْإِسْلَام وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك ينْعَقد إِحْرَامه بِمَا قَصده من النّذر والتطوع
فَإِن كَانَ عَلَيْهِ حجَّة نذر وَحجَّة الْإِسْلَام فاستأجر رجلَيْنِ يحجان عَنهُ فِي سنة وَاحِدَة أَجزَأَهُ نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء
إِذا كَانَ قد حج وَلم يعْتَمر فاستؤجر على الْحَج وَالْعمْرَة عَن غَيره فقرن بَين الْحَج عَن غَيره وَالْعمْرَة وَقعا عَنهُ دون غَيره

(3/209)


قَالَ فِي الْجَامِع لَو كَانَ حج عَن نَفسه وَلم يعْتَمر فحج عَن غَيره وَاعْتمر أَجزَأَهُ الْحَج دون الْعمرَة
قَالَ الْمُزنِيّ هَذَا غلط لِأَن الْإِحْرَام قد صَار وَاحِدًا
قَالَ اصحابنا لم يرد الشَّافِعِي رَحمَه الله إِذا قرن بَينهمَا وَإِنَّمَا أَرَادَ إِذا أَتَى بِالْحَجِّ ثمَّ أَتَى بِالْعُمْرَةِ بعده
ذكر القَاضِي حُسَيْن إِن مَا ذَكرْنَاهُ قَوْله الْجَدِيد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَو اسْتَأْجر رجل ليحج عَن ميت فحج وَاعْتمر جَازَ يَعْنِي عَن الْمَيِّت ثمَّ حكى فِيهِ طرقا
أَحدهَا أَن الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنَّهُمَا يقعان عَن الْفَاعِل
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يَقع الْحَج عَن الْمُسْتَأْجر وَالْعمْرَة عَن نَفسه
الطَّرِيق الثَّانِي أَن الْمَسْأَلَة على قَول وَاحِد
وَقَوله فِي الْقَدِيم لَو اُسْتُؤْجِرَ عَن ميت فحج وَاعْتمر وَلم يكن صرورة فِي وَاحِدَة مِنْهُمَا وَقعا جَمِيعًا عَنهُ وَصَارَ مُتَطَوعا بِالْعُمْرَةِ عَنهُ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِذا اُسْتُؤْجِرَ على الْحَج فحج عَن الرجل وَاعْتمر قرانا فالحج يَقع عَن الْأَجِير الْآمِر وَالْعمْرَة إِمَّا أَن يُقَال لَا حكم لَهَا أَو يُقَال إِنَّهَا تَابِعَة لِلْحَجِّ وَيَقَع عَنهُ وَلَكِن لَا يسْقط بهَا الْفَرْض
وَإِن اسْتَأْجرهُ ليعتمر عَنهُ فقرنها الْأَخير وَقعا عَن الْفَاعِل لِأَن الْحَج هُوَ الأَصْل وَالْعمْرَة تبع وَالصَّحِيح هُوَ الأول وَمَا ذكره عَن الْقَدِيم لَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقُرْآن

(3/210)


فَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام فتطوع وَارثه وَحج عَنهُ أَجزَأَهُ وَإِن حج أَجْنَبِي عَنهُ بِغَيْر إِذْنه فَفِيهِ وَجْهَان
وَكَذَا الْوَجْهَانِ فِي المعصوب وَخَالف القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي ذَلِك وَفرق بَينهمَا
فصل
وَلَا يجوز الْإِحْرَام بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أشهر الْحَج وَهُوَ شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَتِسْعَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة وَعشر لَيَال مَعَ لَيْلَة النَّحْر وَهُوَ قَول أبي ثَوْر وَأبي يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَعشرَة أَيَّام من ذِي الْحجَّة فَأدْخل يَوْم النَّحْر فِي الْجُمْلَة وَبِه قَالَ احْمَد
وَقَالَ مَالك أشهر الْحَج شَوَّال وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة
فَإِن أحرم قبل أشهر الْحَج لم ينْعَقد وانعقد بِعُمْرَة

(3/211)


وَذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَن الشَّافِعِي نَص فِي الْقَدِيم أَنه إِذا أحرم بِالْحَجِّ قبل أشهره تحلل مِنْهُ بِعُمْرَة كَمَا لَو فَاتَهُ الْحَج فَحصل فِيهِ قَولَانِ
احدهما أَنه ينْعَقد عمْرَة فيجزئه عَن عمْرَة الْإِسْلَام
وَالثَّانِي أَنه يتَحَلَّل بِعَمَل عمْرَة فَلَا يُجزئهُ عَن عمْرَة الْإِسْلَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد وَمَالك يكره الْإِحْرَام بِالْحَجِّ قبل أشهره فَإِن أحرم انْعَقَد حجه
وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ لَا ينْعَقد بِشَيْء
وَلَا يكره فعل الْعمرَة فِي شَيْء من السّنة وَبِه قَالَ أَحْمد

(3/212)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره فِي خَمْسَة أَيَّام فِي السّنة يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يكره فِي أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق
وَيسْتَحب الْإِكْثَار من الْعمرَة
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يعْتَمر فِي السّنة إِلَّا مرّة وَبِه قَالَ ابْن سِيرِين
الْإِفْرَاد والتمتمع أفضل من الْقرَان وَفِي الْإِفْرَاد والتمتع قَولَانِ

(3/213)


الله تبَارك وَتَعَالَى رَضِي الله عَنْهُن الرب عز وَجل

(3/217)


أَحدهمَا أَن الْإِفْرَاد أفضل وَبِه قَالَ مَالك
وَالثَّانِي أَن التَّمَتُّع أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْقرَان أفضل من الْإِفْرَاد والتمتع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَأبي إِسْحَاق الْمروزِي فَإِن ادخل الْعمرَة على الْحَج فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يجوز قبل الْوُقُوف وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَهل يجوز بعد الْوُقُوف فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجوز مَا لم يَأْخُذ فِي التَّحَلُّل
وَالْقَوْل الثَّانِي قَالَه فِي الْجَدِيد إِنَّه لَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج وَبِه قَالَ أَحْمد فَإِن أَدخل الْحَج على الْعمرَة بعد الطّواف لم يجز
قيل لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَقْصُودِ
وَقيل لِأَنَّهُ قد أَخذ فِي التَّحَلُّل
وَمن أَصْحَاب مَالك من قَالَ يجوز لَهُ ذَلِك مَا لم يرْكَع بعد الطّواف وَيكرهُ لَهُ بعد الطّواف وَقبل الرُّكُوع فَإِن فعل لزمَه ذَلِك وَبعد الرُّكُوع يفوتهُ الْقرَان سعى أَو لم يسع
وَقيل لَهُ ذَلِك مَا بَقِي عَلَيْهِ من السَّعْي شَيْء فَإِذا فرغ من السَّعْي فَاتَهُ الْقرَان وَإِن كَانَ قد بَقِي عَلَيْهِ الحلاق
ذكر القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله فِي وَقت إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج أَرْبَعَة أوجه بِنَاء على أَرْبَعَة معَان فِي الْمَنْع من إِدْخَال الْحَج على الْعمرَة إِذا شرع فِي الطّواف

(3/219)


أَحدهَا أَنه أَتَى بِشَيْء من أَفعَال الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا طَاف للقدوم فِي الْحَج لم يجز لَهُ إِدْخَال الْعمرَة عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه أَتَى بِفَرْض من فَرَائض الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا سعى عقب طواف الْقدوم فِي الْحَج لم يجز لَهُ إِدْخَال العمره عَلَيْهِ
وَالثَّالِث أَنه أَتَى بمعظم أَفعَال الْعمرَة فعلى هَذَا إِذا أَتَى بِالْوُقُوفِ لم يدْخل الْعمرَة على الْحَج
الرَّابِع أَنه أَخذ فِي اسباب التَّحَلُّل فعلى هَذَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج بعد الْوُقُوف مَا لم يَأْخُذ فِي التَّحَلُّل وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ
فَإِن أحرم بِالْعُمْرَةِ وأفسدها ثمَّ أَدخل عَلَيْهَا الْحَج انْعَقَد إِحْرَامه بِالْحَجِّ فَاسِدا فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَنه لَا ينْعَقد إِحْرَامه بِالْحَجِّ
وَيجب على الْمُتَمَتّع دم وعَلى الْقَارِن دم وَذَلِكَ شَاة
وَقَالَ دَاوُد لَا دم على الْقَارِن ويروى عَن طَاوس
وَحكي عَن الشّعبِيّ أَنه قَالَ يجب على الْقَارِن بَدَنَة
وَيجب دم التَّمَتُّع بِخمْس شُرُوط
أَحدهَا أَن يعْتَمر فِي أشهر الْحَج فَإِن أحرم بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَان وأتى بأفعالها فِي أشهر الْحَج وَحج من عَامه فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم عَلَيْهِ دم

(3/220)


وَقَالَ فِي الْأُم لَا دم عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ مَالك إِذا لم يتَحَلَّل من الْعمرَة حَتَّى أَدخل أشهر الْحَج صَار مُتَمَتِّعا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أَتَى بِأَكْثَرَ أَفعَال الْعمرَة فِي أشهر الْحَج صَار مُتَمَتِّعا
وَالشّرط الثَّانِي أَن يحجّ من سنته
وَالثَّالِث أَن لَا يعود لإحرام الْحَج إِلَى الْمِيقَات وَيحرم بِهِ من جَوف مَكَّة فَإِن عَاد وَأحرم بِالْحَجِّ من الْمِيقَات فَلَا دم عَلَيْهِ وَإِن أحرم بِالْحَجِّ من مَكَّة ثمَّ عَاد إِلَى الْمِيقَات قبل أَن يتلبس بنسك فَهَل يسْقط عَنهُ الدَّم
فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يسْقط
وَالثَّانِي لَا يسْقط وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْقط عَنهُ حَتَّى يعود إِلَى بَلَده
فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم بِالْحَجِّ من الْحل وَلم يعد إِلَى مَكَّة
قَالَ أَصْحَابنَا يجب عَلَيْهِ دم آخر غير دم التَّمَتُّع
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَن دم التَّمَتُّع إِنَّمَا وَجب لترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات فَلَا يجب بِسَبَبِهِ دم آخر
فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم بِالْحَجِّ من الْحرم وَمضى إِلَى عَرَفَة فَهَل يجب عَلَيْهِ دم آخر فِيهِ قَولَانِ وَقيل وَجْهَان

(3/221)


الشَّرْط الرَّابِع أَن لَا يكون من حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام {حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام} أهل الْحرم وَمن كَانَ مِنْهُ على مَسَافَة لَا تقصر فِيهَا الصَّلَاة وَبِه قَالَ أَحْمد
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ هم أهل الْحرم خَاصَّة وَبِه قَالَ مُجَاهِد
وَقَالَ مَالك هم أهل مَكَّة وَأهل ذِي طوى
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هم من كَانَ دون الْمَوَاقِيت إِلَى الْحرم
وَالْخَامِس نِيَّة التَّمَتُّع وَفِي وُجُوبهَا وَجْهَان وَإِذا قُلْنَا يجب فَفِي وَقتهَا وَجْهَان كالقولين فِي وَقت نِيَّة الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ
أحد الْوَجْهَيْنِ عِنْد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ
وَالثَّانِي قبل التَّحَلُّل مِنْهَا
وَيجب دم التَّمَتُّع بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَحكي عَن عَطاء أَنه قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ الْهَدْي حَتَّى يقف بِعَرَفَة
وَعَن مَالك أَنه قَالَ لَا يجب الدَّم حَتَّى يَرْمِي جَمْرَة الْعقبَة وَفِي وَقت جَوَاز إِخْرَاجه قَولَانِ

(3/222)


أَحدهمَا أَنه لَا يجوز قبل أَن يحرم بِالْحَجِّ
وَالثَّانِي أَنه يجوز بعد الْفَرَاغ من الْعمرَة وَقيل فِيهِ وَجْهَان
وَذكر القَاضِي حُسَيْن أَنه إِذا ذبح الْهَدْي بعد الْإِحْرَام بِالْعُمْرَةِ وَقبل الْفَرَاغ مِنْهَا فَهَل يُجزئهُ حَتَّى يَبْنِي عَلَيْهِ إِذا ذبح قبل الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَبعد الْفَرَاغ من الْعمرَة
فَإِن قُلْنَا هُنَاكَ لَا يجوز فها هُنَا أولى
وَإِن قُلْنَا هُنَاكَ يجوز فها هُنَا وَجْهَان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز ذبح الْهَدْي قبل يَوْم النَّحْر
فَإِن لم يجد الْهَدْي فِي مَوْضِعه فَإِنَّهُ ينْتَقل إِلَى الصَّوْم وَهُوَ ثَلَاثَة أَيَّام فِي الْحَج وَسَبْعَة إِذا رَجَعَ وَلَا يَصُوم الثَّلَاثَة إِلَّا بعد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أحرم بِالْعُمْرَةِ جَازَ لَهُ صَوْم الثَّلَاثَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة أَنه يجوز لَهُ الصَّوْم إِذا تحلل من الْعمرَة
وَهل يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد

(3/223)


وَلَا يفوت عندنَا صَوْم الثَّلَاثَة بفوت يَوْم عَرَفَة فيصومها فِي أحد الْقَوْلَيْنِ فِي أَيَّام التَّشْرِيق وعَلى قَوْله الْجَدِيد يصومها بعد ذَلِك
وَحكي عَن أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج أَنه قَالَ يَجِيء فِيهِ قَول آخر أَنه يسْقط بِفَوَات وقته إِلَى الْهَدْي كَمَا قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِيهِ
فَإِذا وَجب عَلَيْهِ صَوْم التَّمَتُّع بِالْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فَمَاتَ عَقِيبه أَنه يسْقط عَنهُ إِلَى غير شَيْء فِي أحد الْقَوْلَيْنِ
وَفِي القَوْل الثَّانِي يسْقط إِلَى الْهَدْي إِذا مَاتَ وَهَذَا فَاسد فِي الْبناء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يفوتهُ الصَّوْم بِخُرُوج يَوْم عَرَفَة فَيسْقط ويستقر عَلَيْهِ الْهَدْي
وَلَا يجب عَلَيْهِ بِتَأْخِير هَذَا الصَّوْم أَكثر من الْقَضَاء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَحْمد إِن أَخّرهُ لغير عذر وَجب عَلَيْهِ لذَلِك دم مَعَ الْقَضَاء وَكَذَلِكَ إِذا أخر الْهَدْي من سنة إِلَى سنة لغير عذر لزمَه دم
فَإِن وجد الْهَدْي فِي صَوْم الثَّلَاثَة اسْتحبَّ لَهُ الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الِانْتِقَال إِلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ وَكَذَلِكَ إِذا وجده بعد الْفَرَاغ من صَوْم الثَّلَاثَة وَقبل يَوْم النَّحْر وَإِن وجده بعد مَا مَضَت أَيَّام النَّحْر أَجزَأَهُ الصَّوْم وَإِن لم يكن قد تحلل بِمُضِيِّ زمَان التَّحَلُّل

(3/224)


وَإِن وجد الْهَدْي بعد الْإِحْرَام بِالْحَجِّ وَقبل الشُّرُوع فِي الصَّوْم فَإِنَّهُ يبْنى على الْأَقْوَال فِي الْكَفَّارَة وَهل يعْتَبر فِيهَا حَال الْوُجُوب أَو حَال الْأَدَاء وَأما صَوْم السَّبْعَة فَفِي وقته قَولَانِ
أصَحهمَا أَن وقته إِذا رَجَعَ إِلَى أَهله وَهُوَ قَول سُفْيَان وَأحمد
وَالثَّانِي نَص عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاء أَنه يجوز فعله قبل الرُّجُوع إِلَى أَهله فعلى هَذَا فِي وَقت جَوَازه وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز إِذْ أَخذ فِي السّير خَارِجا من مَكَّة فعلى هَذَا لَا يجوز صَوْم السَّبْعَة وَهُوَ بِمَكَّة وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّانِي يجوز إِذا فرغ من الْحَج سَوَاء كَانَ مُقيما أَو أَخذ فِي السّير وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالْحسن فعلى القَوْل الثَّانِي فِي الْأَفْضَل قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل تَقْدِيمه فِي أول وقته
وَالثَّانِي أَن الْأَفْضَل تَأْخِيره إِلَى أَن يرجع إِلَى أَهله
وَالْمُسْتَحب أَن يَأْتِي بِصَوْم الثَّلَاثَة مُتَتَابِعًا وَكَذَا صَوْم السَّبْعَة
وَبَعض أَصْحَابنَا خرج فِيهِ قولا آخر من كَفَّارَة الْيَمين أَنه يلْزمه التَّتَابُع فِي الصومين فَإِن لم يصم الثَّلَاثَة حَتَّى رَجَعَ إِلَى أَهله وَجب عَلَيْهِ صِيَام عشرَة أَيَّام وَهل يجب التَّفْرِيق بَين صَوْم الثَّلَاثَة والسبعة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب التَّفْرِيق بَينهمَا وَبِه قَالَ أَحْمد

(3/225)


وَالثَّانِي أَنه يجب التَّفْرِيق بَينهمَا وَهُوَ الْأَظْهر فعلى هَذَا يجب عَلَيْهِ التَّفْرِيق بَينهمَا يقدر مَا كَانَ يجب التَّفْرِيق بَينهمَا فِي الْأَدَاء فَحصل من ذَلِك أَرْبَعَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه لَا يجب التَّفْرِيق بَين الصومين
وَالثَّانِي أَنه يفرق بَينهمَا بأَرْبعَة أَيَّام
وَالثَّالِث يفرق بَينهمَا بِقدر مَسَافَة الطَّرِيق مَا بَين مَكَّة وبلده
وَالرَّابِع يفرق بَينهمَا بِقدر الْمسَافَة وَزِيَادَة أَرْبَعَة أَيَّام
وَإِن مَاتَ قبل التَّمَكُّن من الصّيام فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَو أحرم بِالْحَجِّ وَجب عَلَيْهِ الْهَدْي فَإِن لم يجد فَعَلَيهِ الصّيام فَإِن مَاتَ من سَاعَته فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يهدى عَنهُ أَي يطعم عَنهُ
وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيح أَنه لَا هدي وَلَا إطْعَام فَإِن وَجب عَلَيْهِ أَمْدَاد من الطَّعَام بَدَلا عَن الصّيام فَإلَى من يصرفهَا وَفِيه وَجْهَان
أَحدهمَا إِلَى مَسَاكِين الْحرم
وَالثَّانِي أَن يفرقها حَيْثُ يَشَاء
فَإِن فرغ الْمُتَمَتّع من أَفعَال الْعمرَة تحلل من الْعمرَة سَاق الْهَدْي أَو لم يسق وَبِه قَالَ مَالك

(3/226)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد إِن كَانَ قد سَاق الْهَدْي لم يجز لَهُ أَن يتَحَلَّل إِلَى يَوْم النَّحْر فَيبقى على إِحْرَامه فَيحرم بِالْحَجِّ عَلَيْهَا فَيصير قَارنا ويتحلل مِنْهُمَا
فَإِذا تحلل الْمُتَمَتّع من عمرته فَإِنَّهُ يسْتَحبّ لَهُ أَن يحرم بِالْحَجِّ فِي الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يَوْم التَّرويَة فَيحرم بعد الزَّوَال مُتَوَجها إِلَى منى
وَحكي فِي التَّعْلِيق عَن مَالك أَنه قَالَ يسْتَحبّ أَن يحرم من أول ذِي الْحجَّة عِنْد رُؤْيَة هلاله
وَلَا يكره للمكي وَمن كَانَ حاضري الْمَسْجِد الْحَرَام الْقرَان والتمتع غير أَنه لَا يجب عَلَيْهِ دم وَبِه قَالَ مَالك وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك فِي إِحْرَام الْقَارِن
فَمنهمْ من قَالَ يحرم من مَكَّة
وَمِنْهُم من قَالَ من أدنى الْحل
وَعِنْدنَا يحرم من مَكَّة
قَالَ عبد الْملك بن الْمَاجشون يجب على الْمَكِّيّ فِي الْقرَان والتمتع دم وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يَصح مِنْهُم قرَان وَلَا تمتّع وَإِذا أحرم بهما ارتفضت عمرته

(3/227)


وَإِن أحرم بِالْحَجِّ بَعْدَمَا فعل شوطا من طواف الْعمرَة ارتفض حجه فِي قَول أبي حنيفَة وارتفضت عمرته فِي قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد فَإِن أحرم بعد مَا مضى أَكثر الطّواف مضى فيهمَا وَوَجَب عَلَيْهِ دم جبران
وَلَا يجوز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة
وَقَالَ أَحْمد يجوز ذَلِك إِذا لم يسق الْهَدْي

(3/228)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْمَوَاقِيت
مِيقَات أهل الْمَدِينَة ذُو الحليفة وميقات أهل الشَّام الْجحْفَة وميقات أهل نجد قرن وميقات أهل الْيمن يَلَمْلَم وميقات أهل الْعرَاق ذَات عرق

(3/229)


قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَهُوَ غير مَنْصُوص عَلَيْهِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ بل هُوَ مَنْصُوص عَلَيْهِ ومذهبه مَا ثَبت بِهِ السّنة
وَمن كَانَ دَاره فَوق الْمِيقَات فَإِن شَاءَ أحرم من الْمِيقَات وَإِن شَاءَ أحرم من دَاره وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل أَن يحرم من الْمِيقَات وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
وَالثَّانِي أَن الْأَفْضَل أَن يحرم من دَاره وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَحكى القَاضِي حُسَيْن طَريقَة أُخْرَى أَن الْإِحْرَام من دَاره قبل الْمِيقَات أفضل قولا وَاحِدًا
وَهَذَا خلاف نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على الْقَوْلَيْنِ
وَمن كَانَ من أهل مَكَّة فميقاته مَكَّة فَإِن خرج من مَكَّة وَأحرم من الْحرم فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يلْزم دم
وَمن كَانَ من أَهله بَين جادتين لميقاتين وَلم يكن إِلَى أَحدهمَا أقرب كبني حَرْب بَين جادة ذِي الحليفة وجادة الْجحْفَة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنهم يحرمُونَ من مكانهم

(3/230)


وَالثَّانِي أَنهم بِالْخِيَارِ بَين الْإِحْرَام من مكانهم وَبَين الْإِحْرَام من جادة الْجحْفَة
وَمن بلغ الْمِيقَات مرِيدا النّسك لم يجز أَن يُجَاوِزهُ غير محرم ويحكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالنَّخَعِيّ أَنَّهُمَا قَالَا الْإِحْرَام من الْمِيقَات غير وَاجِب
فَإِن جَاوز الْمِيقَات وَأحرم دونه انْعَقَد إِحْرَامه وَوَجَب عَلَيْهِ دم
وَحكي عَن سعيد بن جُبَير أَنه قَالَ لَا ينْعَقد إِحْرَامه
فَإِن عَاد إِلَى الْمِيقَات قبل التَّلَبُّس بِشَيْء من أَفعَال الْحَج فقد ذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي سُقُوط الدَّم قَوْلَيْنِ وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد حكى وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه يسْقط عَنهُ الدَّم وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَا يسْقط بِالْعودِ بِحَال وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد وَزفر
وَحكى القَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله أَنه إِذا عَاد بعد طواف الْقدوم فِي سُقُوط الدَّم وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يسْقط لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْض
وَقيل إِذا عَاد إِلَى الْمِيقَات محرما سقط الدَّم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن عَاد إِلَى الْمِيقَات ولبى سقط عَنهُ الدَّم وَإِن لم يلب لم يسْقط

(3/231)


فَإِن جَاوز الْمِيقَات غير مُرِيد النّسك لحَاجَة دون الْحرم ثمَّ بُد لَهُ أَن يحرم أحرم من مَوْضِعه وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَحْمد يلْزمه الْعود إِلَى مِيقَات بَلَده وَالْإِحْرَام مِنْهُ فَإِن لم يفعل وَجب عَلَيْهِ دم
فَإِن مر بالميقات غير مُرِيد لنسك وَأَرَادَ دُخُول الْحرم لحَاجَة من تِجَارَة أَو زِيَارَة لم يجز لَهُ الدُّخُول من غير إِحْرَام فِي أصح الْقَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي أَن الْإِحْرَام مُسْتَحبّ
فَإِن دخل مَكَّة غير محرم لم يلْزمه الْقَضَاء على الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الْقَضَاء إِلَّا أَن يكون مكيا
فَإِن أحرم الْمُعْتَمِر من مَكَّة فَطَافَ وسعى وَلم يخرج إِلَى الْحل فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يعْتد بطوافه وسعيه عَن الْعمرَة وَهُوَ قَول مَالك
وَالثَّانِي وَهُوَ الأقيس أَنه يعْتد بِهِ وَعَلِيهِ دم فعلى هَذَا إِذا وطىء بعد مَا حلق فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وعَلى القَوْل الأول قد وطىء مُعْتَقدًا أَنه قد حل فَيكون بِمَنْزِلَة من وطىء نَاسِيا وَفِي بطلَان إِحْرَامه قَولَانِ
فَإِن مر كَافِر بالميقات مرِيدا الْحَج فَأسلم دونه وَأحرم وَلم يعد إِلَى الْمِيقَات لزمَه دم

(3/232)


وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يلْزمه شَيْء وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
فَإِن مر صبي بالميقات محرما أَو عبد وَهُوَ محرم ثمَّ بلغ الصَّبِي أَو أعتق العَبْد مَعَ بَقَاء وَقت الْوُقُوف بعد الْوُقُوف وَقُلْنَا لَا يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا يُجزئهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام فَهَل يلْزمهُمَا دم فِيهِ طَرِيقَانِ
قَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي وَأَبُو الطّيب بن سَلمَة لَا يجب عَلَيْهِ دم قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي وَغَيره من أَصْحَابنَا فِيهِ قَولَانِ
أظهرهمَا أَنه لَا يلْزمه

(3/233)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْإِحْرَام وَمَا يحرم فِيهِ
يسْتَحبّ أَن يتطيب فِي بدنه لإحرامه وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَأحمد
وَقَالَ مَالك لَا يجوز أَن يتطيب للْإِحْرَام بِطيب تبقى رَائِحَته وَإِذا تطيب بِهِ وَجب عَلَيْهِ غسله وَبِه قَالَ عَطاء وَكَانَ مُحَمَّد بن الْحسن لَا يكرههُ ثمَّ كرهه
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ التَّطَيُّب للْإِحْرَام مُبَاح لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره حُكيَ ذَلِك فِي الْحَاوِي وَيكرهُ أَن يطيب ثَوْبه
وَقيل فِيهِ وَجه آخر أَنه لَا يكره

(3/234)


وَحكى القَاضِي حُسَيْن فِيهِ قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يسْتَحبّ كَمَا يسْتَحبّ فِي الْبدن
مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي عَامَّة كتبه أَن حكم الْمَرْأَة فِي اسْتِحْبَاب التَّطَيُّب للْإِحْرَام حكم الرجل
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يجوز لَهَا أَن تتطيب للْإِحْرَام بِطيب تبقى عينه
وَحكى الداركي أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فِي بعض كتبه إِنَّه لَا يسْتَحبّ للْمَرْأَة أَن تتطيب للْإِحْرَام فَإِن فعلت كَانَ جَائِزا كحضور الْجَمَاعَة وَالْأول أصح
فَإِن تطيب قبل إِحْرَامه ثمَّ عرق فَسَالَ الطّيب عَن مَوضِع إِلَى مَوضِع فَلَا فديَة عَلَيْهِ على الْمَذْهَب
وَقيل يجب فِيهِ الْفِدْيَة وَلَيْسَ بِصَحِيح
وَإِذا أَرَادَ الْإِحْرَام اسْتحبَّ أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يحرم وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ

(3/235)


أَحدهمَا أَنه يحرم عقيب الرَّكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد وَمَالك فَإِن كَانَ فِي وَقت نهي لم يجز أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَيحرم من غير صَلَاة ذكره القَاضِي حُسَيْن وَفِيه نظر لِأَنَّهَا صَلَاة لَهَا سَبَب
وَقَالَ فِي الْأُم يحرم إِذا انبعثت رَاحِلَته إِن كَانَ رَاكِبًا وَإِذا ابْتَدَأَ بالسير إِذا كَانَ رَاجِلا وَلَا ينْعَقد الْإِحْرَام إِلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِن لبّى وَلم ينْو لم يجزه وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك
وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ ينْعَقد إِحْرَامه بِمُجَرَّد التَّلْبِيَة
وَقَالَ ابو عبد الله الزبيرِي لَا ينْعَقد إِحْرَامه إِلَّا بِالتَّلْبِيَةِ وَالنِّيَّة
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا ينْعَقد إِلَّا بِالنِّيَّةِ والتلبية أَو سوق الْهَدْي مَعَ النِّيَّة وَله ان يعين مايحرم بِهِ من حج أَو عمْرَة وَله أَن يحرم إحراما مُبْهما وَفِي الْأَفْضَل قَولَانِ

(3/236)


أَحدهمَا أَن التَّعْيِين أفضل
وَالثَّانِي أَن الْإِبْهَام أفضل فَإِذا عين فَالْأَفْضَل أَن لَا يذكر مَا أحرم بِهِ فِي تلبيته على الْمَنْصُوص وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقيل الْأَفْضَل أَن ينْطق بِهِ
وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب فِي ذَلِك قَوْلَيْنِ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فَإِن لبّى وَلم يرد حجا وَلَا عمْرَة فَلَيْسَ بِشَيْء
فَمن اصحابنا من قَالَ صُورَة الْمَسْأَلَة أَن يَنْوِي الْإِحْرَام وَلم ينْو حجا وَلَا عمْرَة فَإِنَّهُ ينْعَقد الْإِحْرَام مُطلقًا فيصرفه إِلَى مَا شَاءَ وَنسب الْمُزنِيّ إِلَى الْخَطَأ
وَمِنْهُم من قَالَ صورتهَا أَن يُلَبِّي وَلَا يَنْوِي إحراما وَلَا حجَّة وَلَا عمْرَة فَلَا يكون شَيْئا فَمَا نَقله الْمُزنِيّ صَحِيح
فَإِن أحرم بحجتين أَو عمرتين لم ينْعَقد إِحْرَامه بهما وَينْعَقد بِإِحْدَاهُمَا
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد بهما ثمَّ ترتفض إِحْدَاهمَا بالمضي فيهمَا

(3/237)


فَيجب قَضَاؤُهَا
فَإِن أحرم بنسك معِين ثمَّ نَسيَه قبل أَن يَأْتِي بنسك فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْأُم يلْزمه أَن يقرن وَبِه قَالَ ابو يُوسُف
وَقَالَ فِي الْقَدِيم يتحَرَّى فِي ذَلِك
وَقَالَ أَحْمد يَجْعَل ذَلِك عمره بِنَاء على أَصله فِي جَوَاز فسخ الْحَج إِلَى الْعمرَة
فَإِذا قُلْنَا يقرن فَنوى الْقرَان أَجزَأَهُ فِي الْحَج وَهل يُجزئهُ عَن الْعمرَة
إِن قُلْنَا يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج أَجْزَأته
وَإِن قُلْنَا لَا يجوز فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يُجزئهُ وَهُوَ الْمَذْهَب فعلى هَذَا فِي وجوب الدَّم وَجْهَان
وَالثَّانِي يُجزئهُ فَيلْزمهُ دم
وَإِن نسي بعد طواف الْقدوم وَقبل الْوُقُوف
فَإِن قُلْنَا إِن إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج لَا يجوز لم يَصح لَهُ الْحَج وَلَا الْعمرَة

(3/238)


وَإِن قُلْنَا إِنَّه يجوز إِدْخَال الْعمرَة على الْحَج لم يَصح لَهُ الْحَج فيحلق ثمَّ يحرم بِالْحَجِّ وَيجزئهُ وَيجب عَلَيْهِ دم وَاحِد
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب عَلَيْهِ دمان احْتِيَاطًا فَإِن عرض لَهُ الشَّك قبل طواف الْقدوم وَبعد الْوُقُوف مَعَ كَونه فِي الْموقف فَنوى الْقرَان أَجزَأَهُ الْحَج
وَأما الْعمرَة فَإِن قُلْنَا يجوز إدخالها على الْحَج مَا لم يقف بِعَرَفَة لم يُجزئهُ
وَإِن قُلْنَا يجوز مَا لم يشرع فِي رمي جَمْرَة الْعقبَة أَجْزَأته
فَإِن قَالَ إِحْرَام كإحرام زيد وَنوى ذَلِك فَإِنَّهُ يَصح فَإِن بَان لَهُ أَن زيدا أحرم إحراما مُطلقًا فَإِنَّهُ ينْعَقد لَهُ إِحْرَام مُطلق وَهل يلْزمه أَن يصرفهُ إِلَى مَا يصرف زيد إِحْرَامه إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يلْزمه
وَالثَّانِي لَا يلْزمه
فَإِن قَالَ زيد قد أَحرمت بِالْحَجِّ فكذبه وَوَقع فِي نَفسه خلاف قَوْله فَهَل يعْمل بِمَا قَالَه أَو بِمَا وَقع فِي نَفسه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْعَمَل بِمَا قَالَه
وَالثَّانِي أَنه يعْمل بِمَا وَقع فِي نَفسه

(3/239)


فَإِن قَالَ زيد أَحرمت بِعُمْرَة ثمَّ بَان بعد ذَلِك أَنه كَانَ قد أحرم بِالْحَجِّ فَإنَّا نتبين أَن إِحْرَامه انْعَقَد بِالْحَجِّ فَإِن كَانَ وَقت الْحَج قد فَاتَ تحلل من إِحْرَامه للفوات وَذبح شَاة وَهل تجب الشَّاة فِي مَاله أَو فِي مَال زيد فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا فِي مَال زيد
وَالثَّانِي فِي مَاله
فَإِن بَان ان إِحْرَام زيد كَانَ فَاسِدا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن إِحْرَامه لَا ينْعَقد
وَالثَّانِي أَنه ينْعَقد مُطلقًا
قَالَ القَاضِي ابو الطّيب وَنَظِير هَذِه الْمَسْأَلَة إِذا نذر صَلَاة فَاسِدَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا ينْعَقد نَذره وَمِنْهُم من قَالَ ينْعَقد بِصَلَاة صَحِيحَة
فَإِن قَالَ إِذا طلعت الشَّمْس فَأَنا محرم فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا ينْعَقد
وَالثَّانِي لَا ينْعَقد
وَيكثر من التَّلْبِيَة عِنْد اجْتِمَاع الرفاق وَفِي مَسْجِد مَكَّة وَمنى وعرفات وَفِيمَا عَداهَا من الْمَسَاجِد قَولَانِ

(3/240)


وَقَالَ فِي الْجَدِيد يسْتَحبّ فِي جَمِيع الْمَسَاجِد
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يسْتَحبّ فِيمَا سوى الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة وَهُوَ قَول مَالك وَفِي التَّلْبِيَة فِي حَال الطّواف قَولَانِ
أَحدهمَا يُلَبِّي
وَالثَّانِي لَا يُلَبِّي وَلَا يزِيد على تَلْبِيَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبِه قَالَ أَحْمد فَإِن زَاد جَازَ
قَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة إِن زَاد فمستحب وَيقطع التَّلْبِيَة عِنْد رمي جَمْرَة الْعقبَة
وَقَالَ مَالك يقطعهَا بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة
فصل
إِذا أحرم حرم عَلَيْهِ حلق رَأسه وَسَائِر بدنه إِلَّا من حَاجَة وَتجب بِهِ الْفِدْيَة

(3/241)


وَقَالَ دَاوُد لَا تجب الْفِدْيَة عَلَيْهِ بحلق شعر الْبدن وَهُوَ قَول مَالك فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَيحرم عَلَيْهِ ستتر رَأسه وَيجوز لَهُ أَن يستظل بِمَا لَا يُبَاشر رَأسه من محمل أَو غَيره وَبِه قَالَ ابو حنيفَة
وَقَالَ مَالك وَأحمد لَا يجوز لَهُ ذَلِك إِذا كَانَ سائرا وَإِذا فعله وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَحكي عَن ابْن جريج أَنه قَالَ سَأَلت عَطاء عَن الْمحرم يحمل على رَأسه المكتل فَقَالَ لَا بَأْس بِهِ
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه قَالَ عَلَيْهِ الْفِدْيَة
قَالَ أَصْحَابنَا لَا يعرف هَذَا للشَّافِعِيّ رَحمَه الله
ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قد نَص عَلَيْهِ فِي بعض كتبه
ذكر القَاضِي حُسَيْن فِي وضع الْيَد على الرَّأْس احْتِمَال وَلَيْسَ بِشَيْء

(3/242)


وَيحرم لبس الْقَمِيص والدراعة والسراويل والقباء وَتجب بِهِ الْفِدْيَة فَإِن ألبس القباء كَتفيهِ وَلم يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِن كَانَ من أقبية خُرَاسَان قصير الذيل ضيق الأكمام فَعَلَيهِ الْفِدْيَة وَإِن كَانَ من أقبية الْعرَاق طَوِيل الذيل وَاسع الأكمام فَلَا فديَة عَلَيْهِ حَتَّى يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه وَالصَّحِيح هُوَ الأول
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا فديَة عَلَيْهِ فِي الْجَمِيع حَتَّى يدْخل يَدَيْهِ فِي كميه
فَإِن لم يجد إزارا لبس السَّرَاوِيل وَلَا فديَة عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَاخْتلف أَصْحَابه فِي جَوَاز لبسه
فَقَالَ الطَّحَاوِيّ يحرم عَلَيْهِ لبسه فيفتقه ثمَّ يلْبسهُ
وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ يجوز لبسه
وَلَا يلبس الْخُفَّيْنِ فَإِن لبسهما مَعَ وجود النَّعْلَيْنِ وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة

(3/243)


فَإِن لم يجد نَعْلَيْنِ جَازَ لَهُ لبس الْخُفَّيْنِ بعد أَن يقطعهما أَسْفَل من الْكَعْبَيْنِ فَإِن لبس الْخُف مَقْطُوعًا من أَسْفَل الكعب مَعَ وجود النَّعْل لم يجز على الْمَنْصُوص وَوَجَبَت عَلَيْهِ الْفِدْيَة
وَقيل يجوز لَهُ ذَلِك وَلَا فديَة وَهُوَ قَول بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة وَحكي عَن أبي حنيفَة نَحْو الْمَنْصُوص
وَقَالَ أَحْمد إِذا لم يجد النَّعْلَيْنِ يجوز أَن يلبس الْخُفَّيْنِ من غير قطع وَرُوِيَ ذَلِك عَن عَطاء فَإِن خضب رَأسه بِالْحِنَّاءِ أَو طينه بالطين وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة ذكره القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله
فَمن اصحابنا من قَالَ صورته أَن يخضبه ويغلفه بالمخيط
وَقيل لَا يعْتَبر ذَلِك وَيَكْفِي أَن يطلي عَلَيْهِ الطين وَنَظِيره الْعُرْيَان إِذا طلى عَوْرَته بطين وَصلى وَقيل فِيهِ وَجْهَان
وَيحرم على الْمَرْأَة ستر وَجههَا وَلَا يحرم على الرجل
وَقَالَ ابو حنيفَة وَمَالك يحرم على الرجل ايضا ستر وَجهه
وَلَا يجوز للرجل لبس القفازين وَهل يجوز للْمَرْأَة فِيهِ قَولَانِ

(3/244)


وَيسْتَحب للْمَرْأَة أَن تختضب للْإِحْرَام بِالْحِنَّاءِ وَيكرهُ لَهَا ذَلِك بعد الْإِحْرَام فَإِن اختضبت ولفت على يَديهَا خرقا
قَالَ فِي الْأُم رَأَيْت أَن تَفْتَدِي
وَقَالَ فِي الْإِمْلَاء لَا يتَبَيَّن فِي أَن عَلَيْهَا الْفِدْيَة
حكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله عَن ابْن الْمَرْزُبَان وَالشَّيْخ أبي حَامِد انهما قَالَا إِن لم تلف الْخرق عَلَيْهَا فَلَا فديَة وَإِن لفت الْخرق عَلَيْهَا فَفِي الْفِدْيَة قَولَانِ
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله لَا فديَة قولا وَاحِدًا وعَلى هَذَا حكم الرجل إِذا لف على رجله خرقا فَإِن لم يجد إزارا وبذل لَهُ وَلَده إزارا فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو بذل لَهُ نَفَقَة طَرِيق الْحَج
فصل
وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الطّيب فِي ثِيَابه وَيجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة بِهِ وَلَا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب وَلَا مصبوغا بالطيب وَتجب بِهِ الْفِدْيَة وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الطّيب فِي بدنه
وَقَالَ ابو حنيفَة يجوز للْمحرمِ أَن يتبخر بِالْعودِ والند وَلَا يجوز أَن يَجْعَل الكافور والمسك والزعفران على بدنه وَيجوز أَن يَجعله على ظَاهر ثَوْبه

(3/245)


وَإِن جعله على بَاطِن ثَوْبه وَكَانَ لَا ينفض فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ ينفض فَعَلَيهِ الْفِدْيَة فَإِن كَانَ الطّيب فِي طَعَام فَظهر عَلَيْهِ طعمه أَو رَائِحَته حرم عَلَيْهِ أكله وَإِن ظهر لَونه فصبغ اللِّسَان من غير طعم وَلَا رَائِحَة
فقد قَالَ فِي الْمُخْتَصر الْأَوْسَط من الْحَج لَا يجوز
وَقَالَ فِي الْأُم يجوز
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يجوز قولا وَاحِدًا
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج فِيهِ قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا فديَة
وَإِن ظهر عَلَيْهِ طعمة من غير لون وَلَا رَائِحَة
فَمن اصحابنا من قَالَ لَا فديَة عَلَيْهِ
وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالقولين فِي اللَّوْن
وَمِنْهُم من قَالَ تجب بِهِ الْفِدْيَة قولا وَاحِدًا وَهُوَ الْأَصَح
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا طبخ الطّيب فِي طَعَام فَلَا فديَة على الْمحرم فِي أكله وَلَا يحرم وَإِن ظهر رَائِحَته وَبِه قَالَ مَالك وَعنهُ رِوَايَتَانِ فِيهِ إِذا جعل الطّيب فِي طَعَام أَو شراب من غير ان تمسه نَار
إِحْدَاهمَا عَلَيْهِ الْفِدْيَة
وَالثَّانيَِة لَا فديَة عَلَيْهِ
وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب سوى بَين الرَّائِحَة والطعم
وَالْقَاضِي حُسَيْن رَحمَه الله قَالَ يُمكن بِنَاء الْقَوْلَيْنِ فِي اللَّوْن على الْقَوْلَيْنِ فِي النَّجَاسَة فِي الثَّوْب إِذا زَالَت الرَّائِحَة وَبَقِي اللَّوْن فِيهِ قَولَانِ

(3/246)


وَمن أَصْحَابنَا من رتب الرَّائِحَة على اللَّوْن إِذا قُلْنَا يلْزمه الْفِدْيَة مَعَ بَقَاء اللَّوْن فَمَعَ بَقَاء الرَّائِحَة أولى وَإِن قُلْنَا لَا يفدى مَعَ بَقَاء اللَّوْن فَمَعَ بَقَاء الرَّائِحَة وَجْهَان وَمَا ذَكرْنَاهُ أصح
وَالطّيب مَا يتطيب بِهِ ويتخذ مِنْهُ الطّيب كالمسك والزعفران والعنبر والصندل والورد والياسمين والكافور وَفِي الريحان الْفَارِسِي قَولَانِ وَكَذَلِكَ المرزنجوش واللينوفر والنرجس اللينوفر مَعَ هَذَا الذرب وَذكره القَاضِي أَبُو الطّيب مَعَ الأترج والتفاح
وَأما البنفسج فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَيْسَ بِطيب
فَمن اصحابنا من قَالَ هُوَ طيب قولا وَاحِدًا
وَمِنْهُم من قَالَ لَيْسَ بِطيب قولا وَاحِدًا
وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كالنرجس ودهن البنفسج مَبْنِيّ على البنفسج
وَحكي فِي الْحَاوِي فِي دهن الأترج وَجْهَيْن
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحرم على الْمحرم شَيْء من الرياحين بِحَال
والعصفر لَيْسَ بِطيب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن وَضعه على بدنه وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة

(3/247)


وَإِن لبس ثوبا مصبوغا بِهِ وَكَانَ إِذا عرق فِيهِ ينفض عَلَيْهِ وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة
والحناء لَيْسَ بِطيب
وَقَالَ ابو حنيفَة هُوَ طيب تجب بِهِ الْفِدْيَة
إِذا طيب بعض عُضْو وَجَبت عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة تجب عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن غطى بعض عُضْو وَجب عَلَيْهِ صَدَقَة وَإِن غطى ربع رَأسه وَجب عَلَيْهِ فديَة كَامِلَة وَإِن غطى دون الرّبع وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة وَالصَّدَََقَة عِنْده صَاع يَدْفَعهُ إِلَى مِسْكين من أَي طَعَام كَانَ إِلَّا الْبر فَإِنَّهُ يجزىء فِيهِ نصف صَاع وَعنهُ فِي التَّمْر رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا صَاع
وَالثَّانيَِة نصف صَاع
وَعَن أبي يُوسُف رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا كَقَوْل أبي حنيفَة
وَالثَّانيَِة أَن الِاعْتِبَار أَن يلبس أَكثر الْيَوْم أَو أَكثر اللَّيْلَة أَو يطيب أَكثر الْعُضْو أَو يُغطي من ربع الرَّأْس أَكْثَره فَإِن لبس نصف يَوْم أَو نصف لَيْلَة أَو طيب نصف عُضْو أَو غطى نصف ربع رَأسه وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة

(3/248)


وَيُقَال إِن أَبَا حنيفَة كَانَ يذهب قَدِيما إِلَى هَذَا ثمَّ رَجَعَ عَنهُ
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن فِي وجوب كَمَال الْفِدْيَة كَقَوْل أبي حنيفَة
وَإِن لبس أقل من يَوْم أَو أقل من لَيْلَة فَعَلَيهِ بِقدر ذَلِك من الْفِدْيَة وَكَذَلِكَ إِذا طيب بعض عُضْو أَو غطى أقل من ربع الرَّأْس لزمَه من الْفِدْيَة بِحِسَابِهِ وَيحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال الأدهان المطيبة كدهن الْورْد والزنبق والبان المنشوش وَهُوَ المغلي بالمسك وَتجب بِهِ الْفِدْيَة
وَأما غير المطيب كالشيرج الزَّيْت وألبان غير المنشوش فَإِنَّهُ يجوز اسْتِعْمَاله فِي غير الرَّأْس واللحية
وَقَالَ ابو حنيفَة جَمِيع ذَلِك طيب يحرم اسْتِعْمَاله فِي جَمِيع الْبدن
وَقَالَ الْحسن بن صَالح يجوز اسْتِعْمَال الشيرج فِي رَأسه ولحيته أَيْضا وَقَالَ مَالك لَا يدهن بِهِ أعضاءه الظَّاهِرَة كاليدين وَالرّجلَيْنِ وَالْوَجْه ويدهن أعضاءه الْبَاطِنَة
وَحكى الشَّيْخ ابو حَامِد فِي كَرَاهَة الْجُلُوس عِنْد العطارين وَمَوْضِع فِيهِ بخور وَجْهَيْن
فصل
وَيحرم عَلَيْهِ ان يتَزَوَّج أَو يُزَوّج غَيره بِالْولَايَةِ الْخَاصَّة وَلَا

(3/249)


يُوكل فِي النِّكَاح فَإِن فعل لم ينْعَقد النِّكَاح وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري النِّكَاح صَحِيح جَائِز
وَهل يجوز للْإِمَام وَالْحَاكِم التَّزْوِيج بِولَايَة الحكم فِيهِ وَجْهَان
وَحكي فِي الْحَاوِي أَن الإِمَام إِذا كَانَ محرما لم يجز أَن يُزَوّج وَهل يجوز لخلفائه من الْقُضَاة المحلين فِيهِ وَجْهَان وَالْأول أصح
وَيجوز أَن يشْهد فِي النِّكَاح
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي لَا يجوز
وَتجوز الرّجْعَة فِي حَال الْإِحْرَام
وَقَالَ احْمَد لَا تجوز الرّجْعَة وَإِذا رَجَعَ لم يَصح وَحكى ذَلِك عَن بعض أَصْحَابنَا
وَإِذا تزَوجهَا فِي حَال الْإِحْرَام فرق بَينهمَا فِي الْمَكَان
وَحكي عَن مَالك وَأحمد أَنَّهُمَا قَالَا بِفَسْخ النِّكَاح مَعَ فَسَاده بِطَلْقَة احْتِيَاطًا لتحل للأزواج
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي التَّعْلِيق أَن ابْن الْقطَّان حكى عَن مَنْصُور

(3/250)


ابْن اسماعيل الْفَقِيه أَنه ذكر فِي كتاب الْمُسْتَعْمل أَن الْمحرم إِذا وكل وَكيلا ليزوجه إِذا تحلل من إِحْرَامه صَحَّ ذَلِك
وَلَو وكل رجلا ليزوجه إِذا طلق فلَان امْرَأَته لم يَصح التَّوْكِيل
قَالَ ابْن الْقطَّان لَا فرق بَينهمَا عِنْدِي إِمَّا أَن يَصح فِي الْجَمِيع أَو لَا يَصح
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن تَصْحِيح الْوكَالَة مِمَّن لَا يملك التَّصَرُّف بعيد
وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَن ابْن الْمَرْزُبَان حكى عَن أبي الْحُسَيْن ابْن الْقطَّان أَن الْمحرم إِذا أذن لعَبْدِهِ فِي النِّكَاح لم يَصح إِذْنه وَلَا يَصح نِكَاحه فَقيل لَهُ فالمحرمة إِذا كَانَ لَهَا عبد فَأَذنت لَهُ فِي النِّكَاح فَقَالَ لَا يجوز
قَالَ ابْن الْمَرْزُبَان وفيهَا نظر

(3/251)


قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه يجب أَن يَصح فِي الْجَمِيع لِأَن العَبْد يعْقد لنَفسِهِ وَالْمحرم لَيْسَ بعاقد وَلَا نَائِب عَن الْعَاقِد فَلَا تعلق لَهُ بِالنِّكَاحِ
فصل
إِذا خلص الْمحرم صيدا من فَم سبع فداواه فَمَاتَ فِي يَده لم يضمنهُ
قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه وَلَو قيل يضمن لِأَنَّهُ تلف فِي يَده كَانَ مذهبا
وَيجب عَلَيْهِ الْجَزَاء بقتل الصَّيْد عمدا وَخطأ وَالْقيمَة للآدمي إِن كَانَ مَمْلُوكا
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء بقتل الصَّيْد الْمَمْلُوك وَهُوَ قَول مَالك وَأحمد
وَقَالَ دَاوُد يجب الْجَزَاء بقتْله خطأ وَلَا يجب بقتْله عمدا

(3/252)


وَيحرم عَلَيْهِ أَن يعين على قَتله فَإِن أعَان على قَتله بِدلَالَة أَو إِشَارَة إِلَيْهِ وَقَتله الْمَدْلُول لم يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ عَطاء يجب الْجَزَاء على الدَّال والمدلول نِصْفَيْنِ
وَقَالَ ابو حنيفَة وَالثَّوْري يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا جَزَاء كَامِل حَتَّى قَالَ أَبُو حنيفَة لَو دلّ جمَاعَة من الْمُجْرمين محرما أَو حَلَالا على قتل صيد فَقتله وَجب على كل وَاحِد مِنْهُم جَزَاء كَامِل وَيحرم على الْمحرم أكل مَا صيد لَهُ وَأكل مَا أعَان على قَتله بِدلَالَة أَو إِشَارَة إِلَيْهِ فَإِن أكل مِنْهُ فَهَل يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يحرم عَلَيْهِ أكل مَا دلّ عَلَيْهِ قَتله دلَالَة ظَاهِرَة وَلَا مَا صيد بِهِ فَإِن ضمن صيدا بِالْقَتْلِ ثمَّ أكله لم يجب عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ جَزَاء آخر وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجب عَلَيْهِ بِأَكْلِهِ جَزَاء آخر
فَإِن ذبح صيدا حرم عَلَيْهِ اكله وَهل يحرم على غَيره فِيهِ قَولَانِ

(3/253)


قَالَ فِي الْجَدِيد يحرم
وَقَالَ فِي الْقَدِيم لَا يحرم
فَإِن مَاتَ من يَرِثهُ وَله صيد فَهَل يَرِثهُ فِيهِ وَجْهَان
فَإِن أحرم وَفِي ملكه صيد فَهَل يَزُول ملكه عَنهُ فِيهِ قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يَزُول ملكه عَنهُ وَيجب عَلَيْهِ إرْسَاله فَإِن لم يُرْسِلهُ حَتَّى تحلل فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يعود إِلَى ملكه وَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه عَنهُ فَلهُ أَن يَبِيعهُ وَلَيْسَ لَهُ أَن يذبحه فَإِن اشْترى رجل من رجل صيدا فَوجدَ المُشْتَرِي بِهِ عَيْبا وَالْبَائِع محرم
فَإِن قُلْنَا إِنَّه يملك الصَّيْد بِالْإِرْثِ رده عَلَيْهِ
وَإِن قُلْنَا لَا يَرِثهُ فَيحْتَمل أَن يُقَال يجوز رده وَيحْتَمل أَن يُقَال يُؤْخَذ مِنْهُ بِالثّمن وَيُوقف الصَّيْد إِلَى أَن يتَحَلَّل فَيَأْخذهُ وَإِن كَانَ الصَّيْد غير مَأْكُول وَلَا متولد من مَأْكُول لم يحرم قَتله بِالْإِحْرَامِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحرم قتل كل وَحشِي بِالْإِحْرَامِ وَيجب الْجَزَاء بقتْله إِلَّا الذِّئْب

(3/254)


وَقَالَ مَالك السبَاع المبتدئة بِالضَّرَرِ من الْوَحْش وَالطير كالذئب والفهد والغراب والحدأة لَا جَزَاء فِيهِ فخالفنا فِيمَا لَا يُؤْكَل مِمَّا لَا يُؤْذِي من الصيود وَمَا يحرم عَلَيْهِ من الصَّيْد يحرم عَلَيْهِ بيضه وَإِذا كَسره ضمنه بِقِيمَتِه
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا جَزَاء عَلَيْهِ فِيهِ
وَقَالَ مَالك يجب فِي بيض النعامة عشر قيمتهَا وَرُوِيَ عَنهُ عشر قيمَة بدنه فَإِن كسر بيض الصَّيْد حرم عَلَيْهِ أكله لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَهل يحرم على غَيره
من أَصْحَابنَا من قَالَ هُوَ كالصيد إِذا ذبحه الْمحرم وَكَذَا قَالَ هَذَا الْقَائِل إِذا قتل الْمحرم جَرَادَة حرم عَلَيْهِ أكلهَا وَهل يحرم على غَيره فِيهِ قَولَانِ
قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله هَذَا عِنْدِي فِيهِ نظر لِأَن الْبيض لَا روح فِيهِ
وَالْجَرَاد يحل مَيتا فَإِن افترش التجراد فِي طَرِيقه فَقتله فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا لَا شَيْء عَلَيْهِ
وَالثَّانِي تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَإِن باض الصَّيْد على فرَاشه فنقله فَلم يحضنه فقد حكى الشَّافِعِي

(3/255)


رَحمَه الله عَن عَطاء أَنه لَا يضمنهُ قَالَ وَيحْتَمل أَن يضمن فَحصل فِيهِ قَولَانِ كالجراد
وَإِن لبس أَو تطيب أَو دهن رَأسه ولحيته نَاسِيا لإحرامه أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ لم تجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَبِه قَالَ عَطاء وَالثَّوْري
وَقَالَ مَالك وابو حنيفَة يجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة وَاخْتَارَهُ الْمُزنِيّ
فَإِن لبس الْمحرم الْمخيط فِي وقتنا هَذَا أَو اسْتعْمل الطّيب وَادّعى الْجَهْل بِتَحْرِيمِهِ فَفِي وجوب الْفِدْيَة وَجْهَان
أَحدهمَا تلْزمهُ الْفِدْيَة لِأَن التَّحْرِيم قد ظهر وَاسْتقر فِي الشَّرْع
وَالثَّانِي يقبل قَوْله

قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن تَخْرِيج الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِك فِيهِ نظر لِأَنَّهُ إِن كَانَ الْوَجْهَانِ فِي قبُول دَعْوَاهُ فَلَا وَجه لَهُ لِأَن الدَّعْوَى تعْتَبر فِيمَا للْإِمَام فِيهِ مُطَالبَة وَالْكَفَّارَة هَا هُنَا بَينه وَبَين الله تَعَالَى فَلَا معنى لذكر قبُول الدَّعْوَى وَإِن كَانَ الْوَجْهَانِ فِي وجوب الْكَفَّارَة مَعَ

(3/256)


جَهله بِالتَّحْرِيمِ فَلَا معنى لَهُ لِأَنَّهُ يلْزم أَن يبْنى عَلَيْهِ الْجَاهِل بِتَحْرِيم الْكَلَام فِي الصَّلَاة
فَإِن لبس قَمِيصًا نَاسِيا فَذكر فَإِنَّهُ يَنْزعهُ من قبل رَأسه
وَحكي عَن بعض التَّابِعين أَنه قَالَ يشق ثَوْبه شقا
فَإِن مس طيبا ظَنّه يَابسا فَبَان رطبا لَزِمته الْفِدْيَة فِي اصح الْقَوْلَيْنِ
فَإِن حلق الشّعْر أَو قلم الظفر نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ فالمنصوص أَنه تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَفِيه قَول مخرج أَنه لَا تجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة
وَإِن قتل صيدا نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ وَجب عَلَيْهِ الْفِدْيَة وَإِن جنى وَهُوَ محرم فَقتل صيدا فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ الْجَزَاء وَمن أَصْحَابنَا من خرج هذَيْن الْقَوْلَيْنِ فِي قتل الصَّيْد نَاسِيا وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن جَامع نَاسِيا أَو جَاهِلا بِالتَّحْرِيمِ فَلَا كَفَّارَة عَلَيْهِ فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَلَا يفْسد حجه وَفِي القَوْل الثَّانِي يفْسد حجه وَتجب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَإِن حلق رَأس محرم وَهُوَ نَائِم أَو مكره وَجَبت الْفِدْيَة وعَلى من تجب فِيهِ قَولَانِ

(3/257)


أصَحهمَا على الحالق وَبِه قَالَ مَالك وللمحلوق مُطَالبَته بإخراجها
وَالثَّانِي يجب على المحلوق فعلى هَذَا يَأْخُذهَا من مَال الحالق ويخرجها فَإِن أخرجهَا المحلوق رَجَعَ على الحالق بِأَقَلّ الْأَمريْنِ من الشَّاة أَو ثَلَاثَة آصَع هَذِه طَريقَة ابي الْعَبَّاس بن سُرَيج وَأبي إِسْحَاق
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة تجب الْفِدْيَة على الحالق ابْتِدَاء قولا وَاحِدًا وَالْقَوْلَان فِيهِ إِذا غَابَ الحالق أَو أعْسر فَهَل يلْزم المحلوق إِخْرَاج الْفِدْيَة ثمَّ يرجع على الحالق فِيهِ قَولَانِ
وَقَالَ ابو حنيفَة تجب الْفِدْيَة على المحلوق وَاخْتلف أَصْحَابه فِي الرُّجُوع على الحالق
فَقَالَ أَكْثَرهم لَا يرجع
وَقَالَ أَبُو حَازِم يرجع
وَذكر الشَّيْخ ابو حَامِد أَن الْقَوْلَيْنِ مبنيان على أَن شعر الْمحرم على رَأسه بِمَنْزِلَة الْعَارِية أَو بِمَنْزِلَة الْوَدِيعَة وَفِيه قَولَانِ
وَقيل وَجْهَان
أصَحهمَا قَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه كَالْوَدِيعَةِ فَإِن قُلْنَا يجب على الحالق
قَالَ أَصْحَابنَا فَلَا شَيْء على المحلوق وَلكنه يملك مُطَالبَته بإخراجها
قَالَ الشَّيْخ ابو نصر وَلَيْسَ تَحت هَذَا معنى
فَإِن كفر المحلوق بِالصَّوْمِ لم يرجع عَلَيْهِ شَيْء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يرجع بِثَلَاثَة أَمْدَاد

(3/258)


ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يجب على الحالق كفر بِالْإِطْعَامِ وَالْهَدْي وَهل يكفر بالصيام فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يكفر بِهِ
وَالثَّانِي لَا يَصُوم مخرج من القَوْل الَّذِي يَقُول إِنَّه إِذا أعْسر تحملهَا المحلوق وَأما المحلوق إِذا أَوجَبْنَا الْفِدْيَة عَلَيْهِ فمخير بَين الْإِطْعَام وَالْهَدْي وَلَا يُجزئهُ الصّيام لِأَنَّهُ يتحمله عَن غَيره وَهَذَا بالضد مِمَّا ذَكرْنَاهُ بِنَاء على طَريقَة أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة وَذكر ايضا أَن المحلوق إِذا كفر بِالصَّوْمِ لم يرجع بِشَيْء على الحالق فِي قَول أَكثر أَصْحَابنَا
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يرجع وبماذا يرجع
قَالَ أَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ فِي الإفصاح يرجع عَلَيْهِ بِثَلَاثَة أَمْدَاد من طَعَام
وَحكى أَبُو الْحسن بن الْقطَّان أَنه يرجع عَلَيْهِ بِأَقَلّ من الْأَمريْنِ من الدَّم أَو إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين مدان
فَإِن حلق حَلَال رَأس محرم بِإِذْنِهِ وَجَبت الْفِدْيَة على الْمحرم دون الْحَلَال
وَقَالَ ابو حنيفَة تجب على الْمحرم فديَة وعَلى الْحَلَال صَدَقَة
وَيجوز للْمحرمِ حلق شعر الْحَلَال وَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَكَذَا تقليم ظفره
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجوز لَهُ فعل ذَلِك فَإِن فعله فَعَلَيهِ صَدَقَة

(3/259)


وَيجوز للْمحرمِ أَن يغْتَسل بالسدر والخطمي
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ ذَلِك فَإِن فعل لَزِمته الْفِدْيَة فَإِن كَانَ على بدنه وسخ جَازَ لَهُ إِزَالَته
وَقَالَ مَالك إِذا أزاله لَزِمته صَدَقَة
وَقَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله يكره للْمحرمِ أَن يكتحل بالإثمد
وَنقل الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه لَا بَأْس بِهِ
وَسُئِلَ سعيد بن الْمسيب أيكتحل الْمحرم فَقَالَ لَا يكتحل فَإِنَّهُ زِينَة
وَيجوز للْمحرمِ أَن يفتصد ويحتجم إِذا لم يقطع من شعره شَيْئا
وَحكى الْأَبْهَرِيّ عَن مَالك أَنه إِذا فعل شَيْئا من ذَلِك وَجَبت عَلَيْهِ صَدَقَة

(3/260)


وَيجوز للْمحرمِ أَن يتقلد السَّيْف ويشد على وَسطه المنطقة
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه كرهه
وَحكى القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله عَن مَالك أَنه لَا يجوز لَهُ شدّ المنطقة وَأَصْحَابه حكوا جَوَازه

(3/261)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب مَا يجب بمحظورات الْإِحْرَام من كَفَّارَة وَغَيرهَا
إِذا حلق الْمحرم رَأسه فكفارته ذبح شَاة أَو إطْعَام سِتَّة مَسَاكِين ثَلَاثَة آصَع أَو صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام وَهِي على التَّخْيِير
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا حلق من غير عذر وَجب عَلَيْهِ الدَّم من غير تَخْيِير
فَإِن حلق ثَلَاث شَعرَات لزمَه دم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن حلق ربع رَأسه لزمَه دم
وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِن حلق نصف رَأسه لزمَه دم وَإِن حلق مَا دونه لزمَه صَدَقَة
وَقَالَ مَالك إِن حلق من رَأسه مَا يحصل بِهِ إمَاطَة الْأَذَى عَنهُ وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن حلق مَا لَا يحصل بِهِ ذَلِك لم يجب عَلَيْهِ
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ

(3/262)


إِحْدَاهمَا ثَلَاث شَعرَات
وَالثَّانيَِة الرّبع
فَإِن حلق شعر رَأسه وَشعر بدنه وَجب عَلَيْهِ فديَة وَاحِدَة وَكَذَا إِن قلم اظفار يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم الْأنمَاطِي تجب فديتان
وَإِن حلق شعره فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يجب ثلث دم
وَالثَّانِي دِرْهَم
وَالثَّالِث مد وَفِي الشعرتين مدان
وَحكي عَن مُجَاهِد أَنه قَالَ لَا ضَمَان فِيمَا دون ثَلَاث شَعرَات وَكَذَا روى ابْن الْمُنْذر عَن عَطاء فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
فَإِن حلق شَعرَات مُتَفَرِّقَة وَلم يكفر عَن الأول فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا يجب فِي الْجَمِيع دم
وَالثَّانِي لكل شَعْرَة حكم نَفسهَا إِذا انْفَرَدت فَيجب فِي كل شَعْرَة مد وَاصل ذَلِك الْقَوْلَانِ فِيهِ
إِذا لبس قَمِيصًا أول النَّهَار وَسَرَاويل فِي وَسطه وتعمم فِي آخِره قَوْله الْقَدِيم إِنَّه يتداخل

(3/263)


وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يتداخل
الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَنه لَا يتداخل قولا وَاحِدًا وَيجب لكل وَاحِد فديَة وَاصل الْقَوْلَيْنِ فيهمَا طَريقَة الترفه كالطيب واللباس والمباشرة
إِذا وجدت مِنْهُ فعال مُتَفَرِّقَة من جنس وَاحِد فِي مجْلِس وَاحِد أَو مجَالِس من غير تَكْفِير فَفِي تدَاخل الْكَفَّارَة قَولَانِ
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب أَن من أَصْحَابنَا من قَالَ إِنَّه إِذا اخْتلفت أَسبَاب اللّبْس كَأَنَّهُ لبس الْمخيط لأجل الْبرد وغطى رَأسه لأجل الْحر أَنه يكون بِمَنْزِلَة اخْتِلَاف الْأَجْنَاس فِي عدم التَّدَاخُل قولا وَاحِدًا وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن حلق تسع شَعرَات فِي ثَلَاثَة أَوْقَات وَقُلْنَا يتداخل لزمَه دم وَإِن قُلْنَا لَا يتداخل لزمَه ثَلَاثَة دِمَاء وعَلى هَذَا حكم الْأَظْفَار
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا قلم أظفار يَد وَاحِدَة أَو رجل وَاحِدَة وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن قلم أَرْبَعَة أظفار من يَد أَو رجل فَمَا دون وَجب عَلَيْهِ صَدَقَة
ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه إِذا حلق نصف رَأسه بِالْغَدَاةِ وَنصفه بالْعَشي وَجب عَلَيْهِ كفارتان قولا وَاحِدًا بِخِلَاف الطّيب واللباس فِي اعْتِبَار التَّفْرِيق والتتابع

(3/264)


وَحكى القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله أَنه بِمَنْزِلَة الطّيب واللباس فِي التَّفْصِيل وَالِاخْتِلَاف
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف إِذا كَانَت هَذِه الْمَحْظُورَات سوى قتل الصَّيْد فِي مجْلِس وَاحِد وَجَبت كَفَّارَة وَاحِدَة كفر عَن الأول أَو لم يكفر وَإِن كَانَت فِي مجَالِس وَجب كل وَاحِد كَفَّارَة إِلَّا أَن يكون تكراره لِمَعْنى وَاحِد بِأَن يكون لرفض الْإِحْرَام أَو لمَرض
وَحكي عَن مَالك نَحْو قَول أبي حنيفَة فِي الصَّيْد وَنَحْو قَوْلنَا فِيمَا سواهُ
إِذا قطع شعره فِي أَيَّام فِي كل يَوْم قطع جُزْءا فِيهَا ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يجب بِقطع كل جُزْء مِنْهَا فديَة
وَالثَّانِي أَنه يجب بِقطع الْجُزْء الأول فديَة وَلَا يجب بِقطع الْبَاقِي فِيهَا شَيْء
وَالثَّالِث أَنه يجب بِقطع الْجُزْء الأول فديَة وَفِيمَا زَاد صدقه حكى هَذِه الْوُجُوه القَاضِي أَبُو الطّيب وَذكر أَن الأول أظهر
وَحكى فِي الْحَاوِي فِي ذَلِك وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه يجب فِي قطع الْجُزْء من الشعرة بِالْقِسْطِ من الْوَاجِب فِي الشعرة وَذكر أَنه الْأَصَح

(3/265)


وَالثَّانِي أَنه يجب بِهِ فديَة كَامِلَة
فَإِن وطىء فِي الْحَج أَو الْعمرَة قبل التَّحَلُّل فسد نُسكه وَيجب عَلَيْهِ الْمُضِيّ فِي فاسده وَالْقَضَاء وَيجب الْقَضَاء على الْفَوْر فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ ظَاهر النَّص وَيلْزمهُ الْقَضَاء من حَيْثُ أحرم فِي الْأَدَاء
فَإِن كَانَ قد أحرم من دون الْمِيقَات لزمَه الْقَضَاء من الْمِيقَات وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ قد أحرم من وَرَاء الْمِيقَات جَازَ لَهُ الْإِحْرَام فِي الْقَضَاء من الْمِيقَات وَيجب عَلَيْهِ بدنه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ وَطئه قبل الْوُقُوف فسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ شَاة وَإِن كَانَ بعد الْوُقُوف لم يفْسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ بَدَنَة
وَظَاهر مَذْهَب مَالك الَّذِي حَكَاهُ أَصْحَابه كَقَوْلِنَا وَعنهُ رِوَايَة شَاذَّة أَنه يفْسد إِحْرَامه بالوطىء بعد الرَّمْي وَعقد الْإِحْرَام لَا يرْتَفع بالوطىء فِي الْحَالين
وَقَالَ دَاوُد يرْتَفع عِنْد الْإِحْرَام بالوطىء بِكُل حَال
وَإِن وطىء بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَقبل التَّحَلُّل الثَّانِي لم يفْسد حجه وَيجب عَلَيْهِ بَدَنَة فِي أحد الْقَوْلَيْنِ

(3/266)


وَقَالَ مَالك لَا يفْسد مَا مضى غير أَنه يفْسد مَا بَقِي وَلكنه يمْضِي فِيهِ فَإِذا فرغ مِنْهُ أَتَى بِأَفْعَال عمره وَيكون بَدَلا عَمَّا أفْسدهُ
وَفِي نَفَقَة الْقَضَاء وَجْهَان
أَحدهمَا فِي مَال الزَّوْج
وَالثَّانِي فِي مَالهَا وَفِي ثمن المَاء الَّذِي تَغْتَسِل بِهِ وَجْهَان
أَحدهمَا على الزَّوْج
وَالثَّانِي فِي مَالهَا وَهل يجب عَلَيْهِمَا أَن يَتَفَرَّقَا فِي مَوضِع الوطىء فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يسْتَحبّ
وَالثَّانِي يجب وَهُوَ قَول أَحْمد
وَقَالَ مَالك يفترقان من حَيْثُ يحرمان
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمهُمَا الِافْتِرَاق
وَيجب عَلَيْهِ بَدَنَة فَإِن لم يجد فبقرة فَإِن لم يجد فسبع من الْغنم فَإِن لم يجده قوم الْبَدنَة دَرَاهِم وَالدَّرَاهِم طَعَاما وَصَامَ عَن كل مد يَوْمًا
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق فِيهِ قَول آخر إِنَّه مُخَيّر بَين هَذِه الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة
وَقَالَ أَحْمد إِنَّهَا على التَّخْيِير بَين الْأَشْيَاء الْخَمْسَة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
فَإِن عدم الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة عدل إِلَى الْإِطْعَام وَالصِّيَام بِقِيمَة أحد

(3/267)


الثَّلَاثَة على سَبِيل التَّعْدِيل إِذا قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر بَينهمَا ايما شَاءَ وَإِن قُلْنَا إِنَّهَا مرتبَة فبقيمة الْبَدنَة
وَقَالَ ابو الْعَبَّاس بل بِقِيمَة سبع من الْغنم يعدل مَا ينْتَقل إِلَيْهِ وَيعْتَبر قيمتهَا فِي الْغَالِب لَا بِحَالَة الرُّخص وَلَا بِحَالَة الغلاء
فَإِن تصدق بِطَعَام على مَسَاكِين الْحرم فَفِيمَا يُعْطي كل فَقير وَجْهَان
أَحدهمَا مد
وَالثَّانِي أَنه غير مُقَدّر
وَفِي جَوَاز تَقْدِيم كَفَّارَة اللّبْس وَالطّيب على وُجُوبهَا وَجْهَان وَفِي كَفَّارَة الوطىء فِيمَا دون الْفرج وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا تجْرِي مجْرى فديَة الْأَذَى
وَالثَّانِي تجرى مجْرى جَزَاء الصَّيْد وَهل تجب كَفَّارَة أَو كفارتان عَلَيْهِمَا على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الصَّوْم
وَإِن وطىء ثمَّ وطىء وَلم يكفر عَن الأول فَهَل يجب بالوطىء الثَّانِي كَفَّارَة ثَانِيَة فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه تجب بِهِ كَفَّارَة ثَانِيَة وَفِي الْكَفَّارَة قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه بَدَنَة
وَالثَّانِي أَنَّهَا شَاة

(3/268)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيهِ شَاة كفر عَن الأول أَو لم يكفر إِلَّا أَن يتَكَرَّر ذَلِك فِي مجْلِس وَاحِد أَو على وَجه الرَّفْض للْإِحْرَام بِأَن يَنْوِي أَنه يرفض الْإِحْرَام
وَقَالَ مَالك لَا يجب بالوطىء الثَّانِي شَيْء
وَقَالَ أَحْمد إِن كفر عَن الأول وَجب فِي الثَّانِي بَدَنَة
فَإِن لف على ذكره خرقَة وأولجه فِي فرج فسد حجه فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَوَجَب عَلَيْهِ الْكَفَّارَة
وَالثَّانِي لَا يجب
وَقيل إِن كَانَت خَفِيفَة فسد
فَإِن قبل بِشَهْوَة وَأنزل وَجَبت الْفِدْيَة فَإِن وَطئهَا بعد ذَلِك فَهَل تسْقط الْفِدْيَة فِيهِ وَجْهَان ذكره فِي الْحَاوِي
وَإِن كَانَ الْمحرم صَبيا فوطىء عَامِدًا وَقُلْنَا عمده خطأ كَانَ كالناسي
وَإِن قُلْنَا عمده عمد فسد حجه وَوَجَبَت الْكَفَّارَة بِهِ
وَإِن وطىء العَبْد فِي إِحْرَامه عمدا فسد وَوَجَب عَلَيْهِ الْقَضَاء
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يلْزمه الْقَضَاء وَهل يَصح مِنْهُ الْقَضَاء فِي حَال الرّقّ على مَا ذَكرْنَاهُ من الْقَوْلَيْنِ فِي الصَّبِي فَإِن قُلْنَا يَصح مِنْهُ فَهَل للسَّيِّد مَنعه مِنْهُ يَبْنِي على أَن الْقَضَاء على الْفَوْر أم لَا

(3/269)


فَإِن أعتق قبل التَّحَلُّل فِي الْفَاسِد وَبعد الْوُقُوف مضى فِي فاسده ثمَّ يحجّ حجَّة الْإِسْلَام فِي السّنة الثَّانِيَة ثمَّ يحجّ عَن الْقَضَاء فِي السّنة الثَّالِثَة وَإِن أعتق قبل الْوُقُوف مضى فِي فاسده ثمَّ يقْضِي وَيجزئهُ قَضَاؤُهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام
فَإِن وطىء الْمَرْأَة فِي الْمحل الْمَكْرُوه فسد حجه وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَفِي وطىء الْبَهِيمَة طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَن يفْسد
وَالثَّانِي أَنه يَبْنِي على الْحَد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يفْسد حجه بِجَمِيعِ ذَلِك
فَإِن قبل بِشَهْوَة أَو وطىء فِيمَا دون الْفرج فَأنْزل لم يفْسد حجه وَوَجَب عَلَيْهِ فديَة الْأَذَى
وَقَالَ مَالك يفْسد حجه إِذا أنزل وَيجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ وبدنة وَإِن لم ينزل لم يفْسد فَإِن قبل الْمحرم زَوجته وَقد قدم من السّفر وَلم يقْصد بِهِ الشَّهْوَة وَلَا التَّحِيَّة فَهُوَ كالتقبيل للتحية فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلَا فديَة عَلَيْهِ
وَالثَّانِي أَنه بِمَنْزِلَة التَّقْبِيل بِشَهْوَة
فَإِن وطىء الْمُعْتَمِر قبل تحلله فَسدتْ عمرته وَعَلِيهِ الْقَضَاء وبدنة
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وطىء قبل ان يطوف أَرْبَعَة أَشْوَاط فَسدتْ عمرته وَوَجَب عَلَيْهِ شَاة

(3/270)


وَقَالَ أَحْمد يجب بالوطىء الْقَضَاء وشَاة إِذا وجد فِي الْإِحْرَام
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا وطىء بعد أَرْبَعَة أَشْوَاط لم تفْسد عمرته وَعَلِيهِ شَاة
فصل
إِذا قتل صيدا لَهُ مثل من النعم وَجب عَلَيْهِ مثله من النعم وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه ذَلِك وَإِنَّمَا يلْزمه قيمَة الصَّيْد وَله أَن يصرف قِيمَته فِي جَزَاء من النعم وَيجوز أَن يَشْتَرِي الْهَدْي من الْحرم وينحره فِيهِ
وَقَالَ مَالك لَا بُد أَن يَسُوق الْهَدْي من الْحل إِلَى الْحرم
فَإِن اشْترك جمَاعَة فِي قتل صيد وَجب عَلَيْهِم جَزَاء وَاحِد
وَقَالَ ابو حنيفَة يجب على كل مِنْهُم جَزَاء كَامِل
وَيضمن الْكَبِير بالكبير وَالصَّغِير بالصغير
وَقَالَ مَالك يضمن صغَار أَوْلَاد الصَّيْد بكبار النعم
وَالْحمام وَمَا يجْرِي مجْرَاه يضمن بِشَاة
وَقَالَ مَالك إِن كَانَت حمامة مَكِّيَّة ضمنهَا بِشَاة وَإِن كَانَت مجلوبة من الْحل إِلَى الْحرم ضمن قيمتهَا
وَمَا هُوَ أَصْغَر من الْحمام يضمنهُ بِقِيمَتِه
وَقَالَ دَاوُد لَا جَزَاء فِيهِ

(3/271)


وَمَا هُوَ أكبر من الْحمام كالقطا والبط واليعقوب والأوز فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْوَاجِب فِيهَا شَاة
وَالثَّانِي أَنَّهَا تضمن بِالْقيمَةِ
وَمَا حكمت الصَّحَابَة فِيهِ بِالْمثلِ لَا يحْتَاج فِيهِ إِلَى اجْتِهَاد وَمَا لم تحكم فِيهِ فَلَا بُد فِيهِ من حكمين وَهل يجوز أَن يكون الْقَائِل أَحدهمَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ الْمَذْهَب أَنه يجوز
وَقَالَ مَالك لَا بُد من حكمين فِي الْجَمِيع
وَإِن جنى عَن صيد فأزال امْتِنَاعه وَقَتله غَيره فَفِيهِ طَرِيقَانِ
قَالَ ابو الْعَبَّاس عَلَيْهِ ضَمَان مَا نقص وعَلى الْقَاتِل جَزَاؤُهُ مجروحا إِن كَانَ محرما وَلَا شَيْء عَلَيْهِ إِن كَانَ حَلَالا
وَقَالَ غَيره فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا عَلَيْهِ ضَمَان مَا نقص
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجب عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ كَامِلا

(3/272)


فَإِن كسر الصَّيْد ثمَّ أَخذه وأطعمه وسقاه حَتَّى عَاد مُمْتَنعا فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا لَو نتف ريش طَائِر فَعَاد وَنبت فَفِي سُقُوط ضَمَانه وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا قلع سنّ من ثغر فَعَاد وَنبت وَإِن لم يعد مُمْتَنعا فَهُوَ على الْقَوْلَيْنِ
أَحدهمَا يلْزمه ضَمَان مَا نقص
وَالثَّانِي يلْزمه جَزَاء كَامِل
وَيضمن الجرادة بالجزاء
وَرُوِيَ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ لَا جَزَاء فِيهَا
فَإِن نتف ريش طَائِر مَضْمُون بالجزاء فَإِنَّهُ يضمن مَا نقص مِنْهُ وَمَا الَّذِي يضمنهُ قَالَ فِي مَوضِع يضمن مَا بَين قِيمَته منتوفا وَقِيمَته عافيا فَإِن كَانَ الصَّيْد مَضْمُونا بِالْقيمَةِ ضمن مَا بَين الْقِيمَتَيْنِ وَإِن كَانَ مَضْمُونا بِالْمثلِ فَهَل يعْتَبر مَا نقص بِقسْطِهِ من الْمثل أَو من قيمَة الْمثل فِيهِ وَجْهَان بِنَاء عَلَيْهِ إِذا جرح صيدا فنقص من قِيمَته الْعشْر على مَا يَأْتِي ذكره

(3/273)


إِذا قتل صيدا ثمَّ قتل صيدا آخر وَجب عَلَيْهِ جزاءان
وَقَالَ دَاوُد لَا شَيْء عَلَيْهِ فِي قتل الثَّانِي
وَإِن جرح ظَبْيًا فنقص من قِيمَته الْعشْر فَعَلَيهِ الْعشْر من ثمن شَاة
قَالَ الْمُزنِيّ عَلَيْهِ عشر شَاة أولى بِأَصْلِهِ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي ذَلِك
فَمنهمْ من قَالَ مَا قَالَه الْمُزنِيّ صَحِيح وَالشَّافِعِيّ رَحمَه الله أَرَادَ إِذا لم يجد عشر شَاة فَيجب عَلَيْهِ عشر قيمَة شَاة
وَمِنْهُم من قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا عشر ثمن شَاة سَوَاء وجد عشر شَاة أَو لم يجد
وَقَالَ دَاوُد لَا ضَمَان عَلَيْهِ فِي نُقْصَان الصَّيْد بِالْجرْحِ
وَيعْتَبر الْمثل بالصيد إِن أَرَادَ إِخْرَاجه وَإِن أَرَادَ إِخْرَاج الطَّعَام قوم الْمثل دَرَاهِم وَاشْترى بهَا طَعَاما وَتصدق بِهِ
وَقَالَ مَالك يقوم الصَّيْد نَفسه وَيَشْتَرِي بِقِيمَتِه طَعَاما
وَيجب على الْقَارِن مَا يجب على الْمُفْرد من الْكَفَّارَة فِيمَا يرتكبه
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تجب كفارتان وَفِي قتل الصَّيْد الْوَاحِد جزاءان
وَإِن أفسد إِحْرَامه وَجب عَلَيْهِ الْقَضَاء قَارنا وَالْكَفَّارَة وَدم الْقُرْآن

(3/274)


وَيلْزمهُ دم فِي الْقَضَاء فَإِن قَضَاهُ مُفردا جَازَ وَلَا يسْقط عَنهُ دم الْقُرْآن وَبِه قَالَ أَحْمد إِلَّا أَنه قَالَ لَا يجب عَلَيْهِ دم إِذا قضى مُفردا
وَقَالَ ابو حنيفَة يفْسد إِحْرَامه وَيجب عَلَيْهِ شَاة لإفساد الْحَج وشَاة لإفساد الْعمرَة وشَاة لِلْقُرْآنِ إِلَّا أَن يكون قد وطىء بَعْدَمَا طَاف فِي الْعمرَة اربعة أَشْوَاط
فَإِن اضْطر وَعِنْده صَيْده وميتة وَقُلْنَا إِن ذبحه للصَّيْد يصيره ميتَة أكل الْميتَة وَلم يذبح الصَّيْد
وَقَالَ أَبُو يُوسُف لَهُ أَن يذبح الصَّيْد وَيَأْكُل مِنْهُ وَإِن كَانَ عِنْده إِذا ذبح الصَّيْد صَار ميتَة لَا يحل لَهُ وَلَا لغيره
فصل
وَيحرم صيد الْحرم على الْحَلَال وَالْحرَام فَإِن ذبح الْحَلَال صيدا فِي الْحرم حرم عَلَيْهِ أكله وَهل يحرم على غَيره فِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ
وَالثَّانِي يحرم قولا وَاحِدًا

(3/275)


فَإِن رمى من الْحل إِلَى صيد فِي الْحرم ضمنه بالجزاء وَإِن رمى من الْحل إِلَى صيد فِي الْحل وَبَينهمَا قِطْعَة من الْحرم فَمر السهْم فِي تِلْكَ الْقطعَة فَأصَاب الصَّيْد فَفِي وجوب الْجَزَاء وَجْهَان
فَإِن دخل كَافِر الْحرم فَقتل فِيهِ صيدا ضمنه بالجزاء على مَا ذكره بعض أَصْحَابنَا
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام ابو إِسْحَاق رَحمَه الله يحْتَمل عِنْدِي أَن لَا يضمنهُ
وَحكم صيد الْحرم فِي الْجَزَاء والتخيير حكم صيد الْإِحْرَام
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ ذَلِك
وَلَا يجوز قطع شجر الْحرم
وَمن اصحابنا من قَالَ مَا أَنْبَتَهُ الْآدَمِيّ يجوز قطعه وَيضمنهُ بالجزاء فَفِي الْكَبِيرَة بقرة وَفِي الصَّغِير شَاة
وَقَالَ مَالك وَدَاوُد لَا يضمنهُ بالجزاء فَإِن قطع غصنا من شَجَرَة ضمنه بِمَا نقص فَإِن نبت مَكَانَهُ فَهَل يسْقط الضَّمَان فِيهِ قَولَانِ بِنَاء على السن
وَيحرم قطع حشيش الْحرم وَيجوز رعي الْغنم فِيهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يجوز

(3/276)


وَيحرم صيد الْمَدِينَة وَقطع شَجَرهَا فَإِن قتل فِيهَا صيدا فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يسلب الْقَاتِل وَهُوَ قَوْله الْقَدِيم وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا جَزَاء عَلَيْهِ
فَإِذا وَجب عَلَيْهِ دم لأجل الْإِحْرَام كَدم التَّمَتُّع وَالْقرَان وَالطّيب واللباس وَجَزَاء الصَّيْد وَيجب ذبحه فِي الْحرم وَصَرفه إِلَى مَسَاكِين الْحرم فَإِن ذبحه فِي الْحل وَأدْخلهُ إِلَى الْحرم وَلم يتَغَيَّر فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه لَا يُجزئهُ
فَإِن ذبح الْهَدْي فَسرق لم يجز عَمَّا فِي ذمَّته وَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة

(3/277)


قَالَ ابو حنيفَة يُجزئهُ وَلَا إِعَادَة عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك لَا يخْتَص مَا يجب من الْفِدْيَة بِالْإِحْرَامِ بمَكَان
فَإِن اضْطر إِلَى قتل صيد فِي الْحل فَقتله جَازَ أَن يهدي فِي الْحل نَص عَلَيْهِ الشَّافِعِي رَحمَه الله وَبِه قَالَ أَحْمد
قَالَ ابو حنيفَة ينْحَر فِي الْحرم وَيجوز أَن يفرق اللَّحْم فِي الْحل

(3/278)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صفة الْحَج وَالْعمْرَة
إِذا أَرَادَ دُخُول مَكَّة فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ دَخلهَا لَيْلًا وَإِن شَاءَ دَخلهَا نَهَارا وَقَالَ النَّخعِيّ وَإِسْحَاق دُخُولهَا نَهَارا أفضل
فَإِذا رأى الْبَيْت قَالَ اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وعظمه مِمَّن حجه واعتمره تَشْرِيفًا وتعظيما وتكريما اللَّهُمَّ أَنْت السَّلَام ومنك السَّلَام فحينا رَبنَا بِالسَّلَامِ وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي هَذَا الدُّعَاء وَرُوِيَ ذَلِك عَن أَحْمد وَكَانَ مَالك لَا يرى ذَلِك

(3/279)


ويبتدىء بِطواف الْقدوم وَهُوَ سنة
وَقَالَ ابو ثَوْر هُوَ نسك يجب بِتَرْكِهِ دم
وَقَالَ مَالك إِن تَركه مرهقا أَي معجلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن تَركه مطيقا فَعَلَيهِ دم وَبَعض أَصْحَاب مَالك يعبر عَنهُ بِالْوُجُوب لتأكده
وَمن شَرط الطّواف الطَّهَارَة وَستر الْعَوْرَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ليسَا شرطا فِي صِحَّته وَاخْتلف اصحابه فِي وجوب الطَّهَارَة لَهُ
فَقَالَ ابو شُجَاع هِيَ سنة وَيجب بِتَرْكِهَا دم فِي الطّواف الْوَاجِب

(3/280)


وَقَالَ الرَّازِيّ هِيَ وَاجِبَة وَإِذا طَاف مُحدثا أعَاد الطّواف إِن كَانَ بِمَكَّة وَإِن كَانَ قد عَاد إِلَى بَلَده فَعَلَيهِ شَاة وَإِن طَاف جنبا فَعَلَيهِ بَدَنَة
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِن قَامَ بِمَكَّة أعَاد وَإِن رَجَعَ إِلَى أَهله جبره بِدَم وَهل يفْتَقر إِلَى النِّيَّة فِيهِ وَجْهَان
وَإِذا أَرَادَ الطّواف فَإِنَّهُ يبتدىء من الرُّكْن الَّذِي فِيهِ الْحجر الْأسود وَيَطوف بِجَمِيعِ الْبَيْت سبعا فَيجْعَل الْبَيْت عَن يسَاره وَيَطوف عَن يَمِين نَفسه وَالتَّرْتِيب مُسْتَحقّ فِيهِ وَبِه قَالَ احْمَد وَمَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَصح طَوَافه من غير تَرْتِيب وَيُعِيد مَا دَامَ بِمَكَّة فَإِن خرج إِلَى بَلَده لزمَه دم
وَحكي عَن دَاوُد أَنه قَالَ إِذا نكسه اجزأه وَلَا دم عَلَيْهِ فَإِن احرم بِالْعُمْرَةِ وتحلل مِنْهَا ووطىء بعْدهَا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ وتحلل مِنْهُ ثمَّ تَيَقّن أَنه كَانَ مُحدثا فِي أحد الطوافين وَلم يعلم فِي أَيهمَا فَعَلَيهِ طواف وسعي وَيجب عَلَيْهِ دم بِيَقِين وَهل يجب عَلَيْهِ مَعَ ذَلِك دم ثَان فِيهِ وَجْهَان
فَإِن ترك من الأشواط شَيْئا لم يعْتد لَهُ بطوافه وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد

(3/281)


وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا طَاف أَربع طوفات فَإِن كَانَ بِمَكَّة لزمَه إتْمَام الطّواف الْوَاجِب وَإِن كَانَ قد خرج جبره بِدَم
وَيسْتَحب أَن يطوف رَاجِلا فَإِن طَاف رَاكِبًا جَازَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة وَأحمد إِن كَانَ ذَلِك لعذر فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ لغير عذر لزمَه دم فَإِن حمل محرم محرما وَطَاف بِهِ ونويا وَقع الطّواف عَن أَحدهمَا وَلمن يكون فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا للمحمول
وَالثَّانِي للحامل
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يَقع لَهما جَمِيعًا
وَيسْتَحب أَن يسْتَقْبل الْحجر وَيَضَع شَفَتَيْه عَلَيْهِ ويحاذيه بِجَمِيعِ بدنه وَهل يُجزئهُ محاذاته بِبَعْض بدنه فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يُجزئهُ
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يجب أَن يحاذيه بِجَمِيعِ بدنه فعلى هَذَا إِذا حاذاه بِبَعْض بدنه فِي الطوفة الأولى وتمم عَلَيْهَا لم تجزه الأولى وَفِيمَا بعْدهَا وَجْهَان

(3/282)


أصَحهمَا أَنَّهَا تجزىء
ويستلم الْحجر ويقبله فَإِن لم يُمكنهُ أَن يقبله استلمه بِيَدِهِ وَقبلهَا
وَقَالَ مَالك يَضَعهَا على فِيهِ وَلَا يقبلهَا
ذكر فِي الْحَاوِي عَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه يسْتَلم الْحجر الْأسود وَيسْجد عَلَيْهِ إِن أمكنه لِأَن فِيهِ تقبيلا وَزِيَادَة
وَقَالَ مَالك السُّجُود عَلَيْهِ بِدعَة فَإِن لم يقدر على التَّقْبِيل والاستلام إِلَّا بمزاحمة لشدَّة الزحمة وَكَانَ لَا يَرْجُو زَوَال الزحمة أَشَارَ رَافعا ليديه ويقبلها
وَحكى عَن طَائِفَة أَن الْمُزَاحمَة للاستقبال والتقبيل أفضل
ويستلم الرُّكْن الْيَمَانِيّ بِيَدِهِ ويقبلها وَلَا يقبله
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يستلمه
وَقَالَ مَالك يستلمه وَلَا يقبل يَده وَإِنَّمَا يَضَعهَا على فِيهِ
وروى الْخرقِيّ عَن أَحْمد أَنه يقبله

(3/283)


وَلَا يسْتَلم الرُّكْنَيْنِ الآخرين اللَّذين يليان الْحجر وروى ذَلِك عَن عمر وَابْن عمر وَمُعَاوِيَة رَضِي الله عَنْهُم
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَجَابِر رَضِي الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا يستلمونها
وَيسْتَحب أَن يرمل فِي الثَّلَاثَة الأولى وَيَمْشي فِي الْأَرْبَعَة ويضطبع
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يعرف الاضطباع وَلَا رَأَيْت أحدا فعله

(3/284)


فَإِن ترك الرمل والاضطباع جَازَ وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَالثَّوْري وَعبد الْملك بن الْمَاجشون أَنه يجب عَلَيْهِ بترك ذَلِك دم فَإِن كَانَ مَحْمُولا رمل بِهِ حامله
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَن للشَّافِعِيّ رَحمَه الله قولا آخر أَن الْمَرِيض لَا يرمل بِهِ حامله
فَإِن طَاف طواف الْقدوم وسعى عَقِيبه ورحل واضطبع فيهمَا فَإِذا طَاف طواف الزِّيَارَة لم يرمل فِيهِ وَلم يضطبع وَلَا يسْعَى عَقِيبه فَأَما إِذا كَانَ قد طَاف وسعى وَلم يرمل وَلم يضطبع فيهمَا فَإِذا طَاف طواف الزِّيَارَة لم يسع عَقِيبه وَهل يرمل ويضطبع فِي الطّواف
ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يرمل ويضطبع
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب فِي ذَلِك وَجْهَيْن وَذكر أَن الْمَذْهَب أَنه لَا يَقْتَضِيهِ
فَإِن طَاف للقدوم وَرمل واضطبع وَلم يسع عَقِيبه فَإِنَّهُ يسْعَى عقيب طواف الزِّيَارَة ويرمل ويضطبع
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يضطبع فِي السَّعْي بِحَال
فَإِن طَاف الصَّبِي اسْتحبَّ لَهُ الاضطباع فِي طَوَافه
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة لَا يسْتَحبّ لَهُ ذَلِك
وَيسْتَحب لَهُ أَن يقْرَأ الْقُرْآن فِي طَوَافه

(3/285)


وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره أَن يقْرَأ الْقُرْآن فِي طَوَافه
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ يكره أَن يقْرَأ فِي طَوَافه
فَإِن سلك فِي الْحجر فِي طَوَافه لم يعْتد بِهِ وَلَا بِمَا بعده لِأَنَّهُ من الْبَيْت وَبِه قَالَ مَالك
وَعند أبي حنيفَة يُجزئهُ مَا بعد الْحجر لِأَن التَّرْتِيب عِنْده لَيْسَ بِشَرْط
وَيَأْتِي بالجزء الَّذِي بَقِي من الْحجر إِن كَانَ بِمَكَّة وَإِن كَانَ قد خرج جبره بِدَم
فَمن أَصْحَابه من قَالَ هُوَ مَبْنِيّ على أَن التَّرْتِيب لَيْسَ بِشَرْط وَأَن مُعظم الطّواف يقوم مقَام جَمِيعه
وَقيل إِنَّه مَبْنِيّ على أَن الْحجر لَيْسَ من الْبَيْت قطعا ويقينا
فَإِن أحدث فِي الطّواف تَوَضَّأ وَبنى عَلَيْهِ فَإِن تطاول الْفَصْل فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْقَدِيم يبطل بِالتَّفْرِيقِ الْكثير
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يبطل وَلَا فرق بَين عمده وسهوه

(3/286)


قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد يَنْبَغِي أَن يكفر إِذا سبقه الْحَدث وَقُلْنَا لَا تبطل الصَّلَاة وَأَن لَا يبطل الطّواف بِهِ وَإِن طَال الْفَصْل
وَحكى القَاضِي أَبُو حَامِد فِي جَامعه أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله قَالَ فَإِن قطعه لغير عذر وزايل مَوْضِعه وَهُوَ الْمَسْجِد اسْتَأْنف
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب هَذَا يَقْتَضِي أَنه إِذا أحدث عمدا يبطل طَوَافه وَإِن لم يَتَطَاوَل الْفَصْل فَيكون فِي حدث الْعَامِد قَولَانِ وَإِن لم يبطل الْفَصْل وَبنى فِي الْحَاوِي التَّفْرِيق فِي السَّعْي على التَّفْرِيق فِي الطّواف فَإِن قُلْنَا فِي الطّواف لَا يمْنَع الْبناء فَفِي السَّعْي أولى وَإِن قُلْنَا فِي الطّواف يمْنَع فَفِي السَّعْي وَجْهَان
فَإِذا فرغ من الطّواف صلى رَكْعَتَيْنِ وهما واجبتان فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَالثَّانِي أَنَّهُمَا سنتَانِ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَالْمُسْتَحب أَن يُصَلِّيهمَا عِنْد الْمقَام وَفِي أَي مَوضِع صلاهما من الْمَسْجِد وَغَيره جَازَ

(3/287)


وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَصح فعلهمَا إِلَّا خلف الْمقَام ذكره فِي الْحَاوِي
فَإِن تَركهمَا وَقُلْنَا بوجوبهما قضاهما فِي الْحرم وَغَيره
وَقَالَ الثَّوْريّ لَا يَصح قضاؤهما فِي غير الْحرم
وَقَالَ مَالك إِن قضاهما فِي غير موضعهما فَعَلَيهِ دم ثمَّ يسْعَى وَالسَّعْي ركن فِي الْحَج وَالْعمْرَة وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هُوَ وَاجِب وَلَيْسَ بِرُكْن فينوب عَنهُ الدَّم
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا مثل قَوْلنَا
وَالثَّانيَِة أَنه مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بِوَاجِب
ويستجب لَهُ أَن يرقأ على الصَّفَا حَتَّى يرى الْكَعْبَة ويستقبلها وَيكبر فَإِذا نزل من الصَّفَا مَشى حَتَّى إِذا كَانَ دون الْميل الْأَخْضَر الْمُعَلق بِنَحْوِ من سِتَّة أَذْرع سعى سعيا شَدِيدا حَتَّى يُحَاذِي الميلين الأخضرين اللَّذين بِفنَاء الْمَسْجِد وحذاء دَار الْعَبَّاس فَإِذا بلغ الْمَرْوَة رقأ عَلَيْهَا وصنع

(3/288)


عَلَيْهَا مَا صنع على الصفاء يحْسب مَمَره ذَلِك لَهُ مرّة ثمَّ يرجع إِلَى الصَّفَا فيحسب رُجُوعه مرّة ثَانِيَة
وَقَالَ أَبُو بكر الصَّيْرَفِي لَا يحْسب مَمَره ورجوعه إِلَّا مرّة وَاحِدَة
وَحكى عَن ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَنه أفتى بِهِ وَتَابعه الصَّيْرَفِي
فَإِن لم يصعد على الصَّفَا والمروة أَجزَأَهُ
وَحكي عَن أبي حَفْص بن الكيول أَنه قَالَ لَا يَصح سَعْيه حَتَّى يصعد على الصَّفَا والمروة ليستوفي السَّعْي بَينهمَا
وَالتَّرْتِيب مُعْتَبر فِي السَّعْي فَيبْدَأ بالصفا وَيخْتم بالمروة فَإِن بَدَأَ بالمروة وَختم بالصفا لم يعْتد بِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يعْتد بِهِ
ثمَّ يخرج إِلَى منى فِي الْيَوْم الثَّامِن من ذِي الْحجَّة وَهُوَ يَوْم التَّرويَة فَيصَلي بهَا الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ويبيت بهَا إِلَى أَن يُصَلِّي الصُّبْح فَإِذا طلعت الشَّمْس على ثبير سَار إِلَى الْموقف وَالْمَبِيت فِي هَذِه اللَّيْلَة

(3/289)


إِنَّمَا هُوَ للاستراحة فَإِذا زَالَت الشَّمْس فِي الْيَوْم التَّاسِع خطب خطْبَة خَفِيفَة وَيجْلس ثمَّ يقوم إِلَى الْخطْبَة الثَّانِيَة وَيَأْخُذ الْمُؤَذّن فِي الْأَذَان وَالْإِمَام فِي الْخطْبَة الثَّانِيَة حَتَّى يكون فرَاغ الإِمَام مَعَ فرَاغ الْمُؤَذّن
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَنه يُؤذن المؤذنون قبل الْخطْبَة فَتكون خطبَته بعد الْأَذَان كَالْجُمُعَةِ ثمَّ يُقيم وَيُصلي الظّهْر وَيُقِيم وَيُصلي الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا وَهل يجوز لأهل مَكَّة الْجمع بَين هَاتين الصَّلَاتَيْنِ
هُوَ على الْقَوْلَيْنِ فِي السّفر الْقصير
وَمن جَاءَ بعد صَلَاة الإِمَام يجمع
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجمع إِلَّا مَعَ الإِمَام وَالْجمع عِنْده بِحكم النّسك
وَمَكَان الْوُقُوف مَا جَاوز وَادي عَرَفَة إِلَى الْجبَال الْقَابِلَة إِلَى عَرَفَة مِمَّا يَلِي حَوَائِط بني عَامر وَطَرِيق الْحَضَر وَمَا جَاوز ذَلِك فَلَيْسَ من عَرَفَة فَلَا يعْتد بِالْوُقُوفِ فِيهِ
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد عَن مَالك أَنه قَالَ إِذا وقف بِعَرَفَة أَجزَأَهُ وَلَزِمَه دم
وزمان الْوُقُوف إِذا زَالَت الشَّمْس من يَوْم عَرَفَة إِلَى طُلُوع الْفجْر من يَوْم النَّحْر فَإِن أدْرك الْوُقُوف فِي جُزْء من هَذَا الزَّمَان فقد أدْرك الْحَج

(3/290)


وَقَالَ مَالك إِن لم يقف فِي جُزْء من اللَّيْل لم يجزه
وَالْأَفْضَل أَن يجمع بَين النَّهَار وَاللَّيْل فِي الْوُقُوف فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس دفع وَكَيف حصل بِعَرَفَة قَائِما أَو جَالِسا أَو مجتازا عَالما بِكَوْنِهَا عَرَفَة أَو جَاهِلا أَجزَأَهُ
وَحكى ابْن الْقطَّان عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل أَنه إِذا وقف بِعَرَفَة جَاهِلا بِكَوْنِهَا عَرَفَة لم يجزه وَلَيْسَ بِشَيْء فَإِن وقف مغمى عَلَيْهِ لم يَصح وُقُوفه فَإِن كَانَ نَائِما صَحَّ وقوفا
وَحكى ابْن الْقطَّان فِي النَّائِم وَجها آخر أَنه يُجزئهُ وَلَيْسَ بشىء
وَحكى فِي الْمَجْنُون والمغمى عَلَيْهِ آخر أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد
قَالَ فِي الْقَدِيم الْوُقُوف رَاكِبًا أفضل وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ فِي الْأُم لَا مزية للرُّكُوب على غَيره

(3/291)


فَإِن شهد وَاحِد بِرُؤْيَة هِلَال ذِي الْحجَّة أَو اثْنَان ورد الْحَاكِم شَهَادَتهمَا فَإِنَّهُمَا يقفان يَوْم التَّاسِع بِحكم رُؤْيَتهمَا وَإِن وقف النَّاس الْعَاشِر عِنْدهمَا كَمَا قُلْنَا فِي صَوْم رَمَضَان
وَحكي عَن مُحَمَّد بن الْحسن أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ حَتَّى يقف مَعَ النَّاس الْيَوْم الْعَاشِر
فَإِذا غربت الشَّمْس دفع إِلَى الْمزْدَلِفَة فَإِن دفع قبل غرُوب الشَّمْس وَعَاد قبل طُلُوع الْفجْر إِلَى الْموقف فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَإِن عَاد بعد طُلُوع الْفجْر جبره بِدَم وَهَذَا الدَّم وَاجِب فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَفِي الثَّانِي مُسْتَحبّ
وَقَالَ أَحْمد إِن رَجَعَ وَأقَام حَتَّى غربت الشَّمْس لم يجب عَلَيْهِ شَيْء وَإِن رَجَعَ لَيْلًا وَجب عَلَيْهِ دم وَيجمع بِالْمُزْدَلِفَةِ بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي وَقت الْعشَاء يُقيم لكل وَاحِدَة مِنْهُمَا وَهل يُؤذن للأولى على الْأَقْوَال فِي الْفَوَائِت وَإِن صلى كل وَاحِدَة مِنْهُمَا فِي وَقتهَا جَازَ وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَأَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد لَا يُجزئهُ ذَلِك
ويبيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وَهُوَ نسك وَلَيْسَ بِرُكْن
وَحكي عَن الشّعبِيّ وَالنَّخَعِيّ أَنه ركن فَإِن لم يبت بهَا وَجب عَلَيْهِ دم فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن احْمَد

(3/292)


وَقَالَ مَالك وَلَا يجب على القَوْل الثَّانِي وَهُوَ الرِّوَايَة الثَّانِيَة عَن أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا كَانَ بهَا بعد الْفجْر وَقبل طُلُوع الشَّمْس فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن دفع قبل طُلُوع الْفجْر فَعَلَيهِ دم
وَيقطع التَّلْبِيَة مَعَ أول حَصَاة من رمي جَمْرَة الْعقبَة
وَقَالَ مَالك يقطع التَّلْبِيَة بعد الزَّوَال من يَوْم عَرَفَة
وَلَا يجوز الرَّمْي بِغَيْر الْحِجَارَة وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز الرَّمْي بِكُل مَا كَانَ من جنس الأَرْض
وَقَالَ دَاوُد يجوز الرَّمْي بِكُل شَيْء حَتَّى لَو رمى بعصفور ميت لأجزأه
وَيَرْمِي يَوْم النَّحْر وَآخر أَيَّام التَّشْرِيق رَاكِبًا وَفِي الْيَوْمَيْنِ الآخرين رَاجِلا
وَقَالَ مَالك يَرْمِي فِي أَيَّام منى رَاجِلا
وَإِن رمى بِمَا قد رمي بِهِ كره وأجزأه
وَحكي عَن احْمَد أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ

(3/293)


وَعَن الْمُزنِيّ أَنه قَالَ لَا يُجزئهُ أَن يَرْمِي بِمَا رمى هُوَ بِهِ
فَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت على ثوب إِنْسَان فنفضها فَوَقَعت فِي المرمى لم تجزه
وَقَالَ أَحْمد يُجزئهُ
وَحكى الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله وَجها آخر نَحوه
وَإِن رمى حَصَاة نَحْو المرمى وَلم يعلم هَل وَقعت فِي المرمى أم لَا لم يجزه فِي قَوْله الْجَدِيد وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ
وَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت فِي الْجَمْرَة ثمَّ ازدلفت لحدتها وقوتها حَتَّى سَقَطت وَرَاء الْجَمْرَة أَجزَأَهُ فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَإِن رمى حَصَاة فَوَقَعت على مَكَان أَعلَى من الْجَمْرَة فتدحرجت إِلَى المرمى لم يجزه فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا إِذا وَقعت دون المرمى ثمَّ تدحرجت إِلَى المرمى فعلى وَجْهَيْن
وَالْمُسْتَحب أَن يَرْمِي بعد طُلُوع الشَّمْس فَإِن رمى قبل طُلُوع الْفجْر وَبعد نصف اللَّيْل أَجزَأَهُ وَبِه قَالَ عَطاء وَأحمد

(3/294)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك لَا يجوز الرَّمْي إِلَّا بعد طُلُوع الْفجْر الثَّانِي
وَقَالَ مُجَاهِد وَالنَّخَعِيّ وَالثَّوْري لَا يجوز الرَّمْي إِلَّا بعد طُلُوع الشَّمْس
ويختار أَن لَا يَرْمِي عَن الْمَرِيض وَالْعَاجِز إِلَّا من قد رمى عَن نَفسه فَإِن رمى عَن الْمَرِيض أَولا ثمَّ عَن نَفسه أَجزَأَهُ عَن نَفسه وَأيهمَا يجزى عَن نَفسه
ذكر فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْن وَهل يجزىء عَن الْمَرِيض فِيهِ وَجْهَان
فَإِذا فرغ من الرَّمْي ذبح هَديا إِن كَانَ مَعَه ثمَّ يحلق وَمَا يَفْعَله فِي يَوْم النَّحْر أَرْبَعَة أَشْيَاء الرَّمْي والنحر وَالْحلق وَالطّواف وَالْمُسْتَحب أَن يَأْتِي بهَا على هَذَا التَّرْتِيب فَإِن قدم الحلاق على النَّحْر جَازَ وَإِن قدمه على الرَّمْي وَقُلْنَا إِنَّه نسك فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا اسْتِبَاحَة مَحْظُور لزمَه دم
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ مُفردا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ قَارنا أَو مُتَمَتِّعا وَجب عَلَيْهِ دم
وَقَالَ مَالك إِذا قدمه على النَّحْر لَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن قدمه على الرَّمْي لزمَه دم

(3/295)


وَقَالَ أَحْمد هَذَا التَّرْتِيب وَاجِب
فَإِن قدم الحلاق على الذّبْح أَو الرَّمْي سَاهِيا أَو جَاهِلا فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَإِن كَانَ عَامِدًا فَفِي وَجب الدَّم رِوَايَتَانِ
وَالْحلق أفضل من التَّقْصِير وَالْأَفْضَل أَن يحلق جَمِيع رَأسه وَأقله ثَلَاث شَعرَات
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يحلق الرّبع
وَقَالَ مَالك يحلق الْكل أَو الْأَكْثَر بِنَاء على مسح الرَّأْس
وَلَا فرق فِي التَّقْصِير بَين مَا يُحَاذِي الرَّأْس وَبَين مَا نزل مِنْهُ وَقيل لَا يُجزئهُ إِلَّا التَّقْصِير المحاذي للرأس فَإِن كَانَ قد لبد شعره لم يجزه إِلَّا الْحلق على قَوْله الْقَدِيم وَفِي قَوْله الْجَدِيد وَهُوَ الصَّحِيح يُجزئهُ التَّقْصِير
وَإِذا أَرَادَ الْحلق بَدَأَ الحالق بشقه الْأَيْمن
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يبْدَأ بشقه الْأَيْسَر فاعتبرنا يَمِين المحلوق وَاعْتبر يَمِين الحالق
فَإِن لم يكن على رَأسه شعر اسْتحبَّ أَن يمر الموسى عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك

(3/296)


نحر الْهَدْي فِي مَوضِع التَّحَلُّل يكون فَإِن كَانَ مُعْتَمِرًا فَعِنْدَ الْمَرْوَة وَإِن كَانَ حَاجا فبمنى بعد رمي جَمْرَة الْعقبَة وَحَيْثُ نحر من فجاج مَكَّة أجزأهما
وَقَالَ مَالك لَا يجزىء الْمُعْتَمِر النَّحْر إِلَّا عِنْد الْمَرْوَة والحاج إِلَّا بمنى
فصل
ثمَّ يطوف طواف الْإِفَاضَة وَهُوَ ركن من أَرْكَان الْحَج وَأول وقته من نصف اللَّيْل لَيْلَة النَّحْر وأفضله ضحى نَهَار يَوْم النَّحْر وَآخره غير مُؤَقّت وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة أول وقته من حِين طُلُوع الْفجْر الثَّانِي من يَوْم النَّحْر وَآخره الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق فَإِن أَخّرهُ إِلَى الْيَوْم الثَّالِث وَجب عَلَيْهِ دم وَإِذا رمى وَطَاف وَحلق فقد حصل لَهُ التحللان وَحل لَهُ كل شَيْء فَإِن قُلْنَا إِن الحلاق نسك حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول بِاثْنَيْنِ من

(3/297)


الثَّلَاثَة وَحصل لَهُ التَّحَلُّل الثَّانِي بالثالث وَإِن قُلْنَا إِن الحلاقة اسْتِبَاحَة مَحْظُور حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول بِوَاحِد من اثْنَيْنِ الرَّمْي وَالطّواف وَحصل لَهُ التَّحَلُّل الثَّانِي بالثالث مِنْهُمَا
وَقَالَ أَبُو سعيد الْإِصْطَخْرِي إِذا دخل وَقت الرَّمْي حصل لَهُ التَّحَلُّل الأول وَإِن لم يرم وَفِيمَا يحل لَهُ بالتحلل الأول وَالثَّانِي قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه يحل لَهُ بِالْأولِ جَمِيع الْمَحْظُورَات إِلَّا الوطىء وَيحل بِالثَّانِي الوطىء
وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يحل لَهُ بِالْأولِ كل شَيْء إِلَّا الطّيب وَالنِّكَاح والاستمتاع بِالنسَاء وَقتل الصَّيْد فَإِنَّهَا تحل بِالثَّانِي
وَجُمْلَة مَا يحرم بِالْإِحْرَامِ تِسْعَة الطّيب اللبَاس وَحلق الشّعْر وقلم

(3/298)


الظفر وَقتل الصَّيْد واللمس بِشَهْوَة والوطىء فِيمَا دون الْفرج والوطىء فِي الْفرج وَعقد النِّكَاح
ذكر الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله أَن الوطىء لَا يحل بالتحلل الأول قولا وَاحِدًا واللباس وَحلق الشّعْر وقلم الظفر يحل بِهِ قولا وَاحِدًا وَفِي النِّكَاح واللمس بِشَهْوَة والوطىء فِيمَا دون الْفرج وَقتل الصَّيْد قَولَانِ
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي الطّيب
فَمنهمْ من قَالَ هُوَ كاللباس
وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ كَالنِّكَاحِ
فَإِن نوى بطوافه الْوَدَاع دون طواف الزِّيَارَة وَقع عَن طواف الزِّيَارَة وَكَذَا لَو نوى طواف نفل
وَقَالَ أَحْمد لَا يَقع عَن فَرْضه ويفتقر إِلَى تعْيين النِّيَّة
ثمَّ يرجع إِلَى منى فَيَرْمِي الجمرات الثَّلَاث فِي أَيَّام التَّشْرِيق فِي كل يَوْم ثَلَاث جمرات كل جَمْرَة سبع حَصَيَات بعد الزَّوَال فَيَرْمِي الْجَمْرَة الأولى وَهِي الَّتِي تلِي مَسْجِد الْخيف
وَيقف وَيَدْعُو الله عز وَجل بِقدر سُورَة الْبَقَرَة ثمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى

(3/299)


وَيقف وَيَدْعُو مثل ذَلِك ثمَّ يَرْمِي الثَّالِثَة وَهِي جَمْرَة الْعقبَة وَلَا يقف عِنْدهَا وَيجب رميها على هَذَا التَّرْتِيب وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا رمى مُنَكسًا أعَاد فَإِن لم يفعل فَلَا شَيْء عَلَيْهِ وَقَالَ يجوز الرَّمْي فِي الْيَوْم الثَّالِث قبل الزَّوَال اسْتِحْسَانًا
وروى الْحَاكِم أَنه يجوز الرَّمْي قبل الزَّوَال فِي الْيَوْم الأول وَالثَّانِي أَيْضا وَالْأول أشهر
فَإِن نسي رمي يَوْم فَهَل يَأْتِي بِهِ فِي الْيَوْم الَّذِي يَلِيهِ فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يَأْتِي بِهِ فِيهِ فَإِن كَانَ عَلَيْهِ رمى الْيَوْم الأول فَزَالَتْ الشَّمْس فِي الْيَوْم الثَّانِي قبل أَن يرميه فَإِنَّهُ يَرْمِي وَيَنْوِي عَن الْيَوْم الأول ثمَّ يَرْمِي وَيَنْوِي عَن الْيَوْم الثَّانِي فَإِن بَدَأَ فَنوى بِالرَّمْي عَن الْيَوْم الثَّانِي فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يَقع عَن الأول
وَالثَّانِي أَنه لَا يَقع عَن وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن قُلْنَا بالْقَوْل الثَّانِي

(3/300)


إِن رمى كل يَوْم مُؤَقّت بيومه فَترك رمي الْيَوْم الأول فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَنه يسْقط الرَّمْي إِلَى الدَّم
وَالثَّانِي أَنه يقْضِي الرَّمْي وَيلْزمهُ مَعَه دم
وَالثَّالِث أَنه يقْضِي الرَّمْي وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
فَإِن نسي رمي يَوْم النَّحْر فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه كرمي أَيَّام التَّشْرِيق فَيَرْمِي رمي يَوْم النَّحْر فِي أَيَّام التَّشْرِيق وهلى قَوْله الآخر يكون على الْأَقْوَال الثَّلَاثَة فِي رمي الْيَوْم الأول إِذا تَركه
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَنه يسْقط رمي يَوْم النَّحْر قولا وَاحِدًا
فَإِن ترك حَصَاة فَفِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا ثلث الدَّم
وَالثَّانِي مد
وَالثَّالِث دِرْهَم وَإِن ترك رمي يَوْم وَجب عَلَيْهِ دم وَإِن ترك رمي الْأَيَّام الثَّلَاثَة وَقُلْنَا إِنَّهَا بِمَنْزِلَة الْيَوْم الْوَاحِد وَجب دم وَاحِد فِي الْكل وَإِن قُلْنَا رمي كل يَوْم مُؤَقّت بيومه وَجب لرمي كل يَوْم دم فَإِن ترك مَعهَا جَمْرَة الْعقبَة أَيْضا وَقُلْنَا بِأحد الطَّرِيقَيْنِ أَن حكمه حكم رمي أَيَّام التَّشْرِيق فِي جَوَاز رميه فِيهَا وَجب عَلَيْهِ دم وَاحِد للْكُلّ

(3/301)


وَإِن قُلْنَا رمي يَوْم النَّحْر مُنْفَرد بِنَفسِهِ وَرمي أَيَّام التَّشْرِيق شَيْء وَاحِد وَجب بِهِ دم وَبهَا دم
وَإِن قُلْنَا كل يَوْم من أَيَّام التَّشْرِيق لَهُ حكم نَفسه وَجب عَلَيْهِ أَرْبَعَة دِمَاء فَيكون فِيهَا ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْجُمْلَة دم وَدَمَانِ وَأَرْبَعَة دِمَاء
فَإِن ترك الْمبيت لَيْلَة بمنى أَو لَيْلَتَيْنِ كَانَ على الْأَقْوَال فِي الْحَصَاة والحصاتين فَإِن كَانَ لَهُ عذر من غير السِّقَايَة والرعي بِأَن يكون لَهُ بِمَكَّة مَال يخَاف ضيَاعه إِن بَات بمنى أَو بِهِ مرض فشق عَلَيْهِ الْمبيت مَعَه فَهَل يجوز لَهُ ترك الْمبيت كالرعاء وَأهل السِّقَايَة فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يجوز
نزُول المحصب لَيْلَة الرَّابِع عشر مُسْتَحبّ وَلَيْسَ بنسك فَيصَلي بِهِ الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء ويبيت بِهِ
وَرُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ هُوَ نسك وَحكي ذَلِك عَن أبي حنيفَة

(3/302)


وَيسْتَحب أَن يخْطب الإِمَام يَوْم النَّفر الأول وَهُوَ الْيَوْم الثَّانِي من أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يسْتَحبّ الْخطْبَة فِي هَذَا الْيَوْم
وَله أَن ينفر قبل غرُوب الشَّمْس وَلَا يَرْمِي الْيَوْم الثَّالِث فَإِن أَقَامَ حَتَّى غربت الشَّمْس وَجب عَلَيْهِ أَن يبيت حَتَّى يَرْمِي من الْغَد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ أَن ينفر مَا لم يطلع الْفجْر وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ
وَقَالَ دَاوُد إِذا دخل عَلَيْهِ وَقت الْعَصْر لم ينفر
فَإِن رَحل من منى فغربت الشَّمْس وَهُوَ راحل قبل انْفِصَاله مِنْهَا لم يلْزمه الْإِقَامَة وَإِن كَانَ مَشْغُولًا بالتأهب فغربت الشَّمْس فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْمقَام
فَإِن حَاضَت الْمَرْأَة قبل طواف الْإِفَاضَة لم تنفر حَتَّى تطهر وَتَطوف وَلَا يلْزم الْجمال حبس الْجمال عَلَيْهَا بل ينفر مَعَ النَّاس وتركب غَيرهَا مَكَانهَا
وَقَالَ مَالك يلْزمه حبس الْجمال عَلَيْهَا أَكثر الْحيض وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي
إِذا فرغ من أَفعَال الْحَج وَأَرَادَ الْإِقَامَة بِمَكَّة فَلَا وداع عَلَيْهِ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا نوى الْإِقَامَة بعْدهَا حل لَهُ النَّفر الأول لم يسْقط

(3/303)


عَنهُ طواف الْوَدَاع
أَرْكَان الْحَج أَرْبَعَة الْإِحْرَام وَالْوُقُوف بِعَرَفَة وَطواف الزِّيَارَة وَالسَّعْي بَين الصَّفَا والمروة
وواجباته الْإِحْرَام من الْمِيقَات وَالرَّمْي وَفِي الْوُقُوف بِعَرَفَة إِلَى أَن تغرب الشَّمْس وَالْمَبِيت بِالْمُزْدَلِفَةِ وبمنى ليَالِي الرَّمْي وَطواف الْوَدَاع قَولَانِ وَمَا سوى ذَلِك سنة
وَحكي عَن عبد الْملك بن الْمَاجشون أَن رمي جَمْرَة الْعقبَة ركن
فالأركان لَا يتَحَلَّل من الْحَج دون الْإِتْيَان بهَا والواجبات إِذا تَركهَا لزمَه دم جبران وَالسّنَن لَا يلْزمه بِتَرْكِهَا شَيْء
وَالْأَيَّام المعلومات عشر ذِي الْحجَّة والمعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَبِه قَالَ أَحْمد
وَرُوِيَ عَنهُ أَنه حُكيَ عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أَنه قَالَ هِيَ أَرْبَعَة أَيَّام يَوْم النَّحْر وَأَيَّام التَّشْرِيق وَاسْتَحْسنهُ
وَقَالَ مَالك المعلومات ثَلَاثَة يَوْم النَّحْر ويومان بعده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ ثَلَاثَة يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَالْيَوْم الأول من أَيَّام التَّشْرِيق

(3/304)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْفَوات والإحصار
من أحرم بِالْحَجِّ فَلم يقف بِعَرَفَة حَتَّى طلع الْفجْر من يَوْم النَّحْر فقد فَاتَهُ الْحَج وَعَلِيهِ أَن يتَحَلَّل بِعَمَل عمْرَة وَهُوَ الطّواف وَالسَّعْي وَالْحلق وَيسْقط الْمبيت وَالرَّمْي وَعَلِيهِ هدي وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة إِلَّا فِي الْهَدْي فَإِنَّهُ لم يُوجب عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَنْقَلِب إِحْرَامه عمْرَة ويتحلل بهَا
وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا يسْقط الْمبيت وَالرَّمْي كَمَا لَا يسْقط الطّواف وَالسَّعْي وَرُوِيَ ذَلِك عَن عمر وَإِلَيْهِ ذهب مَالك
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن مَالك فِي إِحْدَى رواياته أَنه يبْقى على إِحْرَامه حَتَّى يقف بِعَرَفَة من الْعَام الْقَابِل فَيتم حجه
وَفِي وَقت وجوب الْهَدْي وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يجب فِي سنة الْقَضَاء

(3/305)


وَالثَّانِي أَنه يجب فِي سنة الْفَوات
وَحكى أَبُو حَامِد فِي التَّعْلِيق فِي وَقت إِخْرَاجه قَوْلَيْنِ
وَهل يجب الْقَضَاء على الْفَوْر على مَا ذَكرْنَاهُ فِي الْإِفْسَاد فَإِن كَانَ قَارنا ففاته الْحَج لزمَه قَضَاؤُهُ وَفِي الْعمرَة قَولَانِ
أَحدهمَا لَا قَضَاء عَلَيْهِ فِيهَا وَيجزئهُ عَن عمْرَة الْإِسْلَام
وَالثَّانِي يجب عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا كَمَا يجب قَضَاء الْحَج
فَإِن أحصره عَدو عَن الْوُقُوف أَو الطّواف وَالسَّعْي وَكَانَ لَهُ طَرِيق آخر يُمكنهُ الْوُصُول فِيهِ لزمَه قَصده بعد أم قرب وَلم يجز لَهُ التَّحَلُّل فَإِن سلكه ففاته الْحَج تحلل بِعَمَل عمْرَة وَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يجب ويروى عَن مَالك وَعَطَاء
وَالثَّانِي يجب
وَقَالَ أَبُو حنيفَة عَلَيْهِ أَن يقْضِي حجه وَعمرَة
وَإِن لم يكن لَهُ طَرِيق آخر فَإِنَّهُ يجوز لَهُ التَّحَلُّل وَيلْزمهُ شَاة
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا يتَحَلَّل إِلَّا أَن يكون الْعَدو كَافِرًا

(3/306)


وَقَالَ مَالك يتَحَلَّل وَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ قد أحْصر عَن الْوُقُوف وَالْبَيْت جَمِيعًا جَازَ لَهُ التَّحَلُّل وَإِن أحْصر عَن الْوُقُوف دون الْبَيْت أَو عَن الْبَيْت بعد الْوُقُوف فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل
وَإِن كَانَ محرما بِالْعُمْرَةِ فأحصر جَازَ لَهُ التَّحَلُّل مِنْهَا
وَقَالَ مَالك لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل مِنْهَا
فَإِن أحْصر عَن الْبَيْت وَأمكنهُ الْوُصُول إِلَى الْحرم لزمَه أَن ينْحَر فِي الْحرم فِي أصح الْوَجْهَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز لَهُ النَّحْر إِلَّا فِي الْحرم فيواطىء رجلا يحمل الْهَدْي ويؤقت لَهُ وقتا لينحر فِيهِ فيتحلل فِي ذَلِك الْوَقْت
وَإِن لم يجد الْهَدْي فَهَل لَهُ بدل فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا بدل لَهُ فعلى هَذَا هَل يُقيم على الْإِحْرَام إِلَى أَن يجد الْهَدْي أَو يتَحَلَّل فِي الْحَال فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يتَحَلَّل فِي الْحَال

(3/307)


وَالثَّانِي أَنه يُقيم على الْإِحْرَام وَالْقَوْل الثَّانِي لَهُ بدل وَفِي الْبَدَل ثَلَاثَة أَقْوَال
أَحدهَا أَن بُد لَهُ الْإِطْعَام
وَالثَّانِي الصّيام
وَالثَّالِث أَنه مُخَيّر بَينهمَا
فَإِن قُلْنَا بدله الْإِطْعَام فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا إطْعَام بالتعديل
وَالثَّانِي إطْعَام فديَة الْأَذَى لسِتَّة مَسَاكِين لكل مِسْكين نصف صَاع
وَإِن قُلْنَا بدله الصّيام فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا صِيَام التَّمَتُّع
وَالثَّانِي صِيَام التَّعْدِيل
وَالثَّالِث صِيَام فديَة الْأَذَى
وَإِن قُلْنَا إِنَّه مُخَيّر خير بَين صِيَام فديَة الْأَذَى وَبَين إطعامها فيطعم ويتحلل
وَإِن لم يجد الْإِطْعَام فَهَل يتَحَلَّل أَو لَا يتَحَلَّل مَتى يجد الطَّعَام

(3/308)


على الْقَوْلَيْنِ فِي الْهَدْي وَإِن قُلْنَا يَصُوم فَهَل يتَحَلَّل قبيل الصَّوْم فِيهِ وَجْهَان
فَإِن تحلل وَكَانَ فِي حج تقدم وُجُوبه بَقِي الْوُجُوب فِي ذمَّته وَإِن كَانَ فِي حج تطوع أَو فِي سنة الْإِمْكَان لم يلْزمه الْقَضَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه الْقَضَاء فِي كل حَال
وَإِن كَانَ الْحصْر خَاصّا بِأَن حَبسه غَرِيمه فَفِي وجوب الْقَضَاء قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يلْزمه
وَالثَّانِي يلْزمه
فَأَما إِذا أحصره مرض فَإِنَّهُ لَا يجوز لَهُ التَّحَلُّل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ التَّحَلُّل
فَإِن أحرم العَبْد بِغَيْر إِذن مَوْلَاهُ صَحَّ إِحْرَامه وَله أَن يحلله
وَقَالَ أهل الظَّاهِر لَا ينْعَقد إِحْرَامه
فَإِن ملكه الْمولى مَالا وَقُلْنَا يملكهُ تحلل بِالْهَدْي وَإِن لم يكن لَهُ هدي فَهُوَ كَالْحرِّ المسعد يتَحَلَّل بِالصَّوْمِ وَهل يتَحَلَّل قبل الْهَدْي أَو الصَّوْم على الْقَوْلَيْنِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجوز للْعَبد أَن يتَحَلَّل قبل الصَّوْم وَالْهَدْي قولا وَاحِدًا

(3/309)


وَإِن أحرم بِإِذن مَوْلَاهُ لم يجز لَهُ أَن يحلله فَإِن بَاعه وَهُوَ محرم وَلم يعلم المُشْتَرِي بِحَالهِ فَلهُ الْخِيَار فَإِن رَضِي بِهِ لم يكن لَهُ أَن يحلله
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَهُ ذَلِك بِنَاء على أَصله
فَأَما الْأمة فَإِنَّهَا كَالْعَبْدِ إِلَّا أَن يكون لَهَا زوج فَيعْتَبر إِذن الزَّوْج مَعَ الْمولى
وَحكى ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه لَا يعْتَبر إِذن الْمولى دون الزَّوْج
وَأما الْمكَاتب إِذا أحرم بِغَيْر إِذن سَيّده فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أَحدهمَا أَنه على الْقَوْلَيْنِ فِي سفر التِّجَارَة
وَالثَّانِي أَنه لَهُ أَن يمنعهُ قولا وَاحِدًا
فَأَما الْمَرْأَة إِذا أَحرمت بِغَيْر إِذن زَوجهَا فَإِن كَانَ تَطَوّعا كَانَ لَهُ أَن يحللها وَإِن كَانَ فرضا فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَن لَهُ أَن يحللها وَله أَن يمْنَعهَا من ابْتِدَائه وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة

(3/310)


وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه لَيْسَ لَهُ أَن يحللها
وَذكر القَاضِي أَبُو الطّيب رَحمَه الله فِي التَّعْلِيق فِي حج التَّطَوُّع وَإِذا أَحرمت بِغَيْر إِذْنه من أَصْحَابنَا من قَالَ لَهُ أَن يحللها قولا وَاحِدًا وَمِنْهُم من قَالَ فِيهِ قَولَانِ كحجة الْإِسْلَام وَالْأول أصح
وللأبوين منع الْوَلَد من حج التَّطَوُّع فَإِن أحرم بِهِ بِغَيْر إذنهما فَهَل لَهما أَو لأَحَدهمَا تَحْلِيله فِيهِ قَولَانِ كَالزَّوْجَةِ الْحرَّة
فَإِن أعتق العَبْد وَهُوَ محرم أَو بلغ الصَّبِي وَهُوَ محرم فَإِن كَانَ قبل الْوُقُوف أَو فِي حَال الْوُقُوف أَجزَأَهُ عَن حجَّة الْإِسْلَام وَإِن كَانَ بعد فَوَات وَقت الْوُقُوف لم يجزه وَإِن كَانَ بعد الْوُقُوف وَقبل فَوَات وقته وَلم يرجع إِلَى الْموقف لم يجزه عَن حجَّة الْإِسْلَام على الصَّحِيح من الْمَذْهَب
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج يُجزئهُ
وَقَالَ مَالك لَا يَنْقَلِب حجهما فرضا بِحَال
فَإِن أفسد العَبْد الْحَج قبل الْوُقُوف لزمَه إِتْمَامه وَلَزِمَه الْقَضَاء كَالْحرِّ
وَحكى بعض أَصْحَابنَا أَنه لَا قَضَاء عَلَيْهِ تخريجا من الصَّبِي يفْسد الْحَج قبل الْبلُوغ
فَهَل للسَّيِّد أَن يمنعهُ من الْقَضَاء فِيهِ وَجْهَان
فَإِن أحرم بِالْحَجِّ وَشرط أَن يتَحَلَّل مِنْهُ لعرض صَحِيح بِأَن يَقُول إِذا مَرضت تحللت فَفِيهِ طَرِيقَانِ

(3/311)


أَحدهمَا أَنه على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا ان الشَّرْط لَا يثبت
وَالثَّانِي يثبت
وَالطَّرِيق الثَّانِي أَن الشَّرْط صَحِيح قولا وَاحِدًا لحَدِيث ضباعة بنت الزبير رَضِي الله عَنْهُمَا
فَإِن شَرط إِنَّه إِذا مرض صَار حَلَالا فَمَرض صَار حَلَالا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يتَحَلَّل إِلَّا بِالْهَدْي بِكُل حَال فَإِن تحلل بِحكم الشَّرْط فَهَل يجب عَلَيْهِ بِهِ دم فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجب عَلَيْهِ دم كَمَا لَو تحلل بالإحصار بالعدو
وَالثَّانِي وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي رَحمَه الله أَنه لَا دم عَلَيْهِ
فَإِن أحرم ثمَّ ارْتَدَّ بَطل إِحْرَامه فِي إِحْدَى الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّانِي لَا يبطل فَيَعُود إِلَى الْإِسْلَام وَيَبْنِي عَلَيْهِ

(3/312)