حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْهَدْي
يسْتَحبّ لمن قصد مَكَّة حَاجا أَو مُعْتَمِرًا أَن يهدي إِلَيْهَا من بَهِيمَة الْأَنْعَام وينحره بهَا ويفرقة فِيهَا ويستحسنه ويستسمنه فَإِن كَانَ من الْإِبِل أَو الْبَقر اسْتحبَّ أَن يشعره فِي صفحة سنامها الْأَيْمن ويقلده نَعْلَيْنِ وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا يشعرها فِي الْجَانِب الْأَيْسَر
وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِشْعَار محرم
ويقلد الْغنم

(3/313)


وَقَالَ مَالك لَا يسْتَحبّ تَقْلِيد الْغنم وَلَا يصير محرما بتقليدها
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه قَالَ يصير محرما بتقليدها
فَإِن كَانَ الْهَدْي تَطَوّعا فَهُوَ بَاقٍ على ملكه وتصرفه إِلَى أَن ينحره
وَحكي عَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه قَالَ يصير بالإشعار والتقليد وَاجِبا حَتَّى أَنه لَو كَانَ قد أحرم بِالْعُمْرَةِ وسَاق هَديا تَطَوّعا ثمَّ أحرم بِالْحَجِّ لم يجز أَن يصرفهُ إِلَى قرانه وَإِن كَانَ الْهَدْي منذورا زَالَ ملكه عَنهُ وَصَارَ للْمَسَاكِين فَلَا يجوز لَهُ بَيْعه وَلَا إِبْدَاله بِغَيْرِهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز لَهُ بَيْعه وإبداله بِغَيْرِهِ
وَيجوز لَهُ أَن يشرب من لبنه مَا يفضل عَن وَلَده
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يجوز أَن يشرب من لبنه شَيْئا بل يرش على الضَّرع المَاء حَتَّى يَنْقَطِع اللَّبن إِذا لم يكن هُنَاكَ ولد
وَحكم الْأُضْحِية الْمَنْذُورَة حكم الْهَدْي فِي ذَلِك وَمَا وَجب من الدِّمَاء جبرانا لَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يجوز أَن يَأْكُل من دم التَّمَتُّع وَالْقرَان لِأَنَّهُ عِنْده نسك
وَقَالَ مَالك يجوز أَن يَأْكُل من جَمِيع الدِّمَاء الْوَاجِبَة إِلَّا جَزَاء الصَّيْد وفدية الْأَذَى

(3/314)


وَإِن عطب الْهَدْي نَحره وغمس نَعله فِي دَمه وَضرب بِهِ صفحته وَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ وَهل يجوز لفقراء الرّفْقَة الْأكل مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يجوز وَمن يمر بِهِ بعد ذَلِك هَل يجوز لَهُ الْأكل مِنْهُ بالعلامة من غير سَماع الْإِبَاحَة من الْمهْدي على قَوْلَيْنِ
أَحدهمَا أَنه يُبَاح لَهُ بالعلامة
وَالثَّانِي لَا يُبَاح
فَإِن أخر ذبحه حَتَّى مَاتَ أَو أتْلفه ضمنه بِأَكْثَرَ من الْأَمريْنِ من قِيمَته أَو هدي مثله
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يضمنهُ بِقِيمَتِه لَا غير
فَإِن كَانَت قِيمَته أَكثر من هدي مثله اشْترى هَديا وَينظر فِي الزِّيَادَة
فَإِن أمكنه ان يشري بهَا هَديا آخر لزمَه ذَلِك فَإِن لم يُمكنهُ أَن يَشْتَرِي بهَا هَديا آخر فَفِيهَا ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يَشْتَرِي بهَا جُزْءا من حَيَوَان يُشَارك فِيهِ غَيره ويذبحه
وَالثَّانِي أَن يَشْتَرِي بهَا اللَّحْم
وَالثَّالِث أَن يتَصَدَّق بِالْفَضْلِ

(3/315)


ذكر فِي الْحَاوِي إِنَّا إِذا قُلْنَا يَشْتَرِي بِهِ جُزْءا من حَيَوَان كَانَ حكمه حكم الْهَدَايَا والضحايا وَإِن قُلْنَا إِنَّه يَشْتَرِي بهَا لَحْمًا أَو يفرق الزِّيَادَة فَهَل يسْلك بِهِ مَسْلَك الْهَدَايَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الْهَدَايَا
وَالثَّانِي أَنه يخْتَص بِهِ الْفُقَرَاء فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا
وَإِن أتْلفه أَجْنَبِي من غير تَفْرِيط من جِهَة الْمهْدي وَجَبت عَلَيْهِ الْقيمَة فَإِن زَادَت الْقيمَة على هدي مثله كَانَ فِي الزِّيَادَة مَا ذَكرْنَاهُ من الْوُجُوه وَإِن لم تبلغ قِيمَته هَديا مثله فَهُوَ على الْأَوْجه الْمُتَقَدّمَة
وَحكى فِي الْحَاوِي فِي الْمهْدي وَجْهَيْن
أَحدهمَا مَا ذَكرْنَاهُ
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه هدي
وَإِن ذبحه أَجْنَبِي بِغَيْر إِذْنه وَقع الْموقع وَيلْزمهُ أرش مَا نقص من قِيمَته
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا ضَمَان عَلَيْهِ
وَقَالَ مَالك لَا يجزى عَنهُ يلْزمه هدي بدله اَوْ أضْحِية إِن كَانَت أضْحِية وَله على الْأَجْنَبِيّ الْأَرْش وَتَكون شَاة لحم
وَحكم الْأَرْش عندنَا مَا ذَكرْنَاهُ فِي الزِّيَادَة
وَحكي فِي الْحَاوِي فِي هَذَا الْأَرْش ثَلَاثَة أوجه

(3/316)


أَحدهَا أَن يكون للمهدي
وَالثَّانِي أَنه للْمَسَاكِين خَاصَّة
وَالثَّالِث أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الضَّحَايَا
فَإِن ذبح رجلَانِ كل وَاحِد مِنْهُمَا أضْحِية الآخر وَفرق لَحمهَا لم يجزه وَضمن كل وَاحِد مِنْهُمَا قيمَة أضْحِية صَاحبه لَهُ وَفِي الْقيمَة وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول الْجُمْهُور أَنه يضمن قيمتهَا قبل الذّبْح
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة انه يضمن أَكثر الْأَمريْنِ من قيمتهَا حَيَّة اَوْ قيمَة لَحمهَا بعد الذّبْح لتعديه بالتفرقة وَهُوَ الْأَظْهر
وَيكرهُ ذَبحهَا لَيْلًا
وَقَالَ مَالك لَا يجزىء ذَبحهَا لَيْلًا حَكَاهُ فِي الْحَاوِي
فَإِن ضل الْهَدْي الْمعِين فَهَل يجب عَلَيْهِ مثله فِيهِ قَولَانِ
احدهما يجب
وَالثَّانِي لَا يجب
فَإِن عين هَديا عَمَّا فِي ذمَّته تعين وَزَالَ ملكه عَنهُ وَحكمه حكم الْمعِين ابْتِدَاء وَهل يتبعهُ الْوَلَد الْحَادِث فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يتبعهُ

(3/317)


فَإِن حدث بِهِ عيب يمْنَع الْإِجْزَاء أَو عطب فنحره عَاد الْوَاجِب إِلَى ذمَّته وَهل يعود مَا نَحره إِلَى ملكه فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يعود إِلَى ملكه فَيجوز لَهُ اكله ثمَّ ينظر فَإِن كَانَ الَّذِي عينه أَعلَى مِمَّا فِي ذمَّته فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه مثل مَا عينه
وَالثَّانِي أَنه يهدي مثل الَّذِي فِي ذمَّته

(3/318)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأُضْحِية
الْأُضْحِية سنة مُؤَكدَة وَبِه قَالَ أَحْمد وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة هِيَ وَاجِبَة على المقيمين من أهل الْأَمْصَار وَيعْتَبر فِي وُجُوبهَا النّصاب وَهُوَ قَول مَالك وَالثَّوْري وَلم يعْتَبر مَالك الْإِقَامَة
وَوقت الْأُضْحِية إِذا طلعت الشَّمْس من يَوْم النَّحْر وَمضى قدر صَلَاة العيبد والخطبتين صلى الإِمَام أَو لم يصل

(3/319)


فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْتَبر قدر صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وخطبتيه وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ سُورَة قَاف واقتربت السَّاعَة وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على ذَلِك
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يعْتَبر قدر رَكْعَتَيْنِ خفيفتين أقل مَا تكون صَلَاة عَامَّة وخطبتين خفيفتين
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ وَقت الْأُضْحِية كَانَ فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدْخل بِفعل الصَّلَاة والخطبتين وَبعده يدْخل وَقتهَا بِقدر الصَّلَاة والخطبتين
وَقَالَ عَطاء يدْخل وَقتهَا إِذا طلعت الشَّمْس
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد من شَرط صِحَة الْأُضْحِية أَن يُصَلِّي الإِمَام ويخطب إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة قَالَ يجوز لأهل السوَاد ان يضحوا إِذا طلع الْفجْر الثَّانِي وَآخر وَقتهَا آخر أَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقت الْأُضْحِية يَوْم النَّحْر ويومان بعده
قَالَ سعيد بن جُبَير يجوز لأهل الْأَمْصَار يَوْم النَّحْر خَاصَّة وَلأَهل السوَاد فِيهِ وَفِي أَيَّام التَّشْرِيق
وَقَالَ ابْن سِيرِين لَا يجوز التَّضْحِيَة إِلَّا فِي يَوْم النَّحْر خَاصَّة

(3/320)


وَحكى عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَالنَّخَعِيّ وَقتهَا من يَوْم النَّحْر إِلَى آخر ذِي الْحجَّة فَإِن كَانَت الْأُضْحِية وَاجِبَة لم يسْقط بِفَوَات أَيَّام التَّشْرِيق ويذبحها وَتَكون قَضَاء
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يسْقط الذّبْح ويدفعها إِلَى الْفُقَرَاء فَإِن ذَبحهَا وَفرق لَحمهَا ضمن مَا نقصت بِالذبْحِ
وَحكي فِي الْحَاوِي قَالَ بعض الْفُقَهَاء ينْتَظر بهَا إِلَى مثل وَقتهَا من الْعَام الْمقبل كَمَا ينْتَظر بِفَوَات الْحَج قَضَاؤُهُ فِي مثل وقته
فَإِذا ذَبحهَا كَانَ حكمهَا حكم مَا فِي وَقتهَا
وَقَالَ أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة إِنَّهَا تكون للْمَسَاكِين خَاصَّة لَا يَأْكُل مِنْهَا شَيْئا
وَمن دخل عَلَيْهِ عشر ذِي الْحجَّة وَأَرَادَ أَن يُضحي فالمستحب أَن لَا يحلق شعره وَلَا يقلم أَظْفَاره وَقد رُوِيَ فِي الْخَبَر أَن لَا يمس شعره وَلَا بشره شَيْئا
فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ أَرَادَ بالشعر شعر الرَّأْس وبالبشرة شعر الْبدن فعلى هَذَا لَا يدْخل مِنْهُ قلم الظفر وَلَا يكره
وَقيل المُرَاد بالشعر جَمِيع الشّعْر وبالبشرة الْأَظْفَار

(3/321)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا تثبت الْكَرَاهَة فِي ذَلِك إِلَّا بعد تعْيين الْأُضْحِية من مَاشِيَته أَو سواهَا وَالْمذهب الأول
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يكره ذَلِك بِحَال
وَقَالَ أَحْمد يحرم ذَلِك
وَلَا يجزىء فِي الْأُضْحِية إِلَّا الْأَنْعَام وَهِي الْإِبِل وَالْبَقر وَالْغنم وَلَا يجزىء إِلَّا الثني من الْإِبِل وَالْبَقر والمعز ويجزىء الْجذع من الضَّأْن
والثني من الْإِبِل مَا لَهُ خمس سِنِين وَدخل فِي السَّادِسَة وَمن الْبَقر وَالْغنم مَا لَهُ سنتَانِ وَدخل فِي الثَّالِثَة
وَحكي عَن الزُّهْرِيّ أَنه قَالَ لَا يجزىء الْجذع من الضَّأْن أَيْضا
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجزىء الْجذع من جَمِيع الْأَجْنَاس
والبدنة أفضل من الْبَقَرَة وَالْبَقَرَة أفضل من شَاة وَالشَّاة أفضل من مُشَاركَة سِتَّة فِي بَدَنَة أَو بقرة والضأن أفضل من الْمعز وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك الْجذع من الضَّأْن أفضل من الثني من الْبَقر ثمَّ الثني من الْإِبِل

(3/322)


وَلَا يجزىء مَا فِيهِ عيب ينقص اللَّحْم كالعمياء والجرباء والعرجاء الَّتِي تعجز عَن الْمَشْي فِي المرعى
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن بعض أهل الظَّاهِر أَنه قَالَ تجزىء العمياء
ذكر فِي الْحَاوِي فِي الْمَرِيضَة مَرضا يَسِيرا أَن الشَّافِعِي رَحمَه الله أَشَارَ فِي الْقَدِيم أَنَّهَا لَا تجزىء
وَقَالَ فِي الْجَدِيد تجزىء
وَذكر فِي الْحَاوِي أَيْضا أَن الْعَجز إِن كَانَ لمَرض لم يجز وَإِن كَانَ لغير مرض أَجْزَأَ وَلَيْسَ بِشَيْء
وَيكرهُ الجلحاء وَهِي الَّتِي لم يخلق لَهَا قرن والعصماء وَهِي الَّتِي انْكَسَرَ غلاف قرنها والعضباء وَهِي الَّتِي انْكَسَرَ قرنها والشرقاء وَهِي الَّتِي تثقب من الكي إِذْنهَا والخرقاء الَّتِي شقّ بالطول إِذْنهَا ويجزىء جَمِيعهَا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة

(3/323)


وَقَالَ مَالك إِن كَانَت العضباء يخرج من قرنها الدَّم لم يجز
وَقَالَ النَّخعِيّ وَأحمد لَا تجوز التَّضْحِيَة بالعضباء
وَتكره التَّضْحِيَة بمقطوعة الْإِذْن وتجزىء
وَقَالَ أَحْمد لَا يجوز التَّضْحِيَة بهَا
وَالْمُسْتَحب أَن يذبح أضحيته بِنَفسِهِ فَإِن استناب يَهُودِيّا اَوْ نَصْرَانِيّا فِي ذَبحهَا كره وأجزأه
وَقَالَ مَالك لَا تكون أضْحِية
فَإِن اشْترى شَاة بنية الْأُضْحِية لم تصر أضْحِية
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تصير أضْحِية
وَيسْتَحب أَن يُسَمِّي الله عز وَجل وَيُصلي على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَالَ مَالك وَأَبُو حنيفَة تكون الصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الذّبْح
وَقَالَ أَحْمد لَيْسَ بمشروع وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة من أَصْحَابنَا أَنه لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره

(3/324)


وَيسْتَحب ان يَقُول اللَّهُمَّ مِنْك وَإِلَيْك تقبل مني
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يكره ذَلِك
وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه لَا يسْتَحبّ وَلَا يكره
وَإِذا ذبح الْأُضْحِية وَكَانَت تَطَوّعا اسْتحبَّ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا
وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ الْأكل مِنْهَا وَاجِب وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن أبي حَفْص بن الْوَكِيل وَلَيْسَ بِشَيْء
وَقَالَ أَبُو الطّيب بن سَلمَة الْأكل وَاجِب وَالصَّدَََقَة وَاجِبَة
وَفِي قدر الْأَفْضَل فِي الْأكل قَولَانِ
أَحدهمَا أَن الْأَفْضَل أَن يَأْكُل النّصْف وَيتَصَدَّق بِالنِّصْفِ
وَقَالَ فِي الْجَدِيد يَأْكُل الثُّلُث وَيهْدِي الثُّلُث وَيتَصَدَّق بِالثُّلثِ
وَأما الْجَوَاز
فقد قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بن سُرَيج وَابْن الْقَاص يجوز أَن يَأْكُل الْجَمِيع
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ يجب أَن يبقي مِنْهُ قدر مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الصَّدَقَة

(3/325)


فَإِن أكل الْجَمِيع لم يضمن على قَول أبي الْعَبَّاس شَيْئا وَيضمن على قَول سَائِر أَصْحَابنَا وَكم قدر مَا يضمن فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يضمن أقل مَا يجزىء
وَالثَّانِي أَنه يضمن الْقدر الْمُسْتَحبّ بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيهِ إِذا فرق سهم الْفُقَرَاء على اثْنَيْنِ كم يضمن للثَّالِث
وَحكي فِي الْحَاوِي وَجها آخر عَن أبي إِسْحَاق الْمروزِي وَأبي عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة أَنه يضمن جَمِيعهَا بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ من قيمتهَا أَو مثلهَا فَحصل فِي قدر مَا يضمنهُ أَرْبَعَة أوجه
احدها الْجَمِيع
وَالثَّانِي النّصْف
وَالثَّالِث الرّبع
وَالرَّابِع أقل مَا يجزىء
فَإِن كَانَ مَا ذبحه وَجب عَلَيْهِ عَن نذر مجازاة لم يجز أَن يَأْكُل مِنْهُ فَإِن أكل مِنْهُ شَيْئا ضمنه وَفِيمَا يضمنهُ بِهِ الْأَوْجه الثَّلَاثَة الَّتِي تقدم ذكرهَا فِي الْهَدْي

(3/326)


فَإِن كَانَ قد الْتَزمهُ بِنذر مُطلق فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا
وَالثَّانِي أَنه يجوز أَن يَأْكُل مِنْهُ
وَالثَّالِث أَنه إِن كَانَ أضْحِية جَازَ لَهُ الْأكل مِنْهُ وَإِن كَانَ هَديا لم يجز قَالَ أقضى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيّ وَالأَصَح عِنْدِي أَنه ينظر إِلَى الْمَنْذُور فَإِن كَانَ مستعينا لم يضمن فِي الذِّمَّة كَقَوْلِه لله عَليّ أَن أضحي بِهَذِهِ الْبَدنَة جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهَا وَأَن كَانَ مَضْمُونا فِي الذِّمَّة كَقَوْل لله عَليّ أَن أضحي بَدَنَة فَلَا يجوز أَن يَأْكُل مِنْهَا وَلَيْسَ لما ذكره معنى يعول عَلَيْهِ
فَإِن أخر الْأُضْحِية فَتلفت فِي يَد الْمُسْتَأْجر لم يضمنهَا الْمُسْتَأْجر وضمنها الْمُؤَجّر وَيضمن الْمُسْتَأْجر الْأُجْرَة وَفِي قدر مَا يضمنهُ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يضمن أُجْرَة الْمثل
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَنه يضمن أَكثر الْأَمريْنِ من الْأُجْرَة الْمُسَمَّاة أَو أُجْرَة الْمثل ثمَّ قَالَ مَاذَا يصنع بِهَذِهِ الْأُجْرَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يسْلك بهَا مَسْلَك الْأُضْحِية

(3/327)


وَالثَّانِي أَنَّهَا تصرف إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين
وَلَا يجوز بيع شَيْء من الْهَدْي وَالْأُضْحِيَّة نذرا كَانَ أَو تَطَوّعا وَحكي فِي جَوَاز تفرد المضحي بجلد الْأُضْحِية وَجْهَان
أَحدهمَا يجوز
وَالثَّانِي لَا يجوز حَتَّى يُشَارك فِيهِ الْفُقَرَاء
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ يجوز بيع جلودها بِآلَة الْبَيْت الَّتِي تعار كالفأس وَالْقدر والمنخل وَالْمِيزَان
وَقَالَ عَطاء لَا بَأْس بيع أهب الْأَضَاحِي وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا ذَبحهَا جَازَ لَهُ بيع مَا شَاءَ مِنْهَا وَالتَّصَدُّق بِثمنِهِ فَإِن بَاعَ جلدهَا بِآلَة الْبَيْت جَازَ لَهُ الِانْتِفَاع بِهِ

(3/328)


وَيجوز أَن يشْتَرك السَّبْعَة فِي بَدَنَة وَفِي بقرة سَوَاء كَانُوا متقربين أَو بَعضهم يُرِيد اللَّحْم أهل بَيت وَاحِد كَانُوا أَو مُتَفَرّقين
وَقَالَ مَالك إِن كَانَ مُتَطَوعا جَازَ إِذا كَانُوا أهل بَيت وَاحِد
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا كَانُوا متقربين جَازَ
وَقَالَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه الْبَدنَة عَن عشرَة وَالْبَقَرَة عَن عشرَة
وَحكم الْهَدَايَا والضحايا سَوَاء إِلَّا فِي الْمحل فَإِن الْهَدَايَا تحمل إِلَى الْحرم والضحايا تكون فِي كل بلد وَهل يتَعَيَّن الْبَلَد ذكر فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِي نقل الصَّدَقَة فَإِن ضلت الْأُضْحِية فِي أَيَّام النَّحْر وَقد مضى بَعْضهَا وَبَقِي بَعْضهَا فَهَل يكون مفرطا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يكون مفرطا
وَالثَّانِي أَنه مفرط
فَإِن ولدت الْأُضْحِية تبعها وَلَدهَا فيذبحهما جَمِيعًا فَإِن تصدق بِأَحَدِهِمَا وَأكل الآخر فَهَل يجوز فِيهِ ثَلَاثَة أوجه

(3/329)


أَحدهَا أَنه لَا يجوز حَتَّى يتَصَدَّق من كل وَاحِد مِنْهُمَا وَيَأْكُل
وَالثَّانِي أَنه يجوز ذَلِك
وَالثَّالِث أَنه إِن تصدق بِالْأُمِّ وَأكل الْوَلَد جَازَ وَإِن تصدق بِالْوَلَدِ وَأكل الْأُم لم يجز
فَإِن الْتزم أضْحِية مُعينَة سليمَة من الْعُيُوب فَحدث بهَا عيب لم يمْنَع اجزاءها
وَقَالَ أَبُو حنيفَة يمْنَع
فَإِن أوجب أضْحِية مَعِيبَة فَزَالَ عيبها فَهَل تُجزئه فِيهِ قَولَانِ
قَالَ فِي الْجَدِيد لَا تجزىء
وَقَالَ فِي الْقَدِيم تجزىء
وَيجوز الادخار من لُحُوم الْأَضَاحِي وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ من أجل الدافة يَعْنِي عَن الإدخار
فَمنهمْ من قَالَ هُوَ نهي تَحْرِيم على الْعُمُوم فِي الْمَدِينَة الَّتِي دفت الْبَادِيَة إِلَيْهَا وَفِي غَيرهَا يحرم ادخار لحم الْأَضَاحِي بعد ثَلَاث فِي جَمِيع الْبِلَاد

(3/330)


وَعَلِيهِ جَمِيع الْمُسلمين وَكَانَت الدافة سَببا للتَّحْرِيم ثمَّ وَردت الْإِبَاحَة بعده نسخا للتَّحْرِيم فعلى هَذَا إِذا قدم إِلَى بلد لم يحرم فِيهِ ادخار الْأَضَاحِي
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه نهي تَحْرِيم خَاص لِمَعْنى حَادث اخْتصَّ بِالْمَدِينَةِ وَمن فِيهَا دون غَيرهم لنزول الدافة فيهم ثمَّ ارْتَفع التَّحْرِيم بارتفاع علته فعلى هَذَا اخْتلف أَصْحَابنَا إِذا حدث مثل ذَلِك فِي زَمَاننَا فدف نَاس إِلَى بلد هَل يحرم على أَهله ادخاره فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحرم عَلَيْهِم كَمَا حرم على أهل الْمَدِينَة
وَالثَّانِي لَا يحرم
فَأَما العَبْد إِذا ضحى بِإِذن مَوْلَاهُ عَن نَفسه وَقُلْنَا إِنَّه يملك صَحَّ ذَلِك وَلَيْسَ للسَّيِّد أَن يرفع فِيهَا بعد الذّبْح فَأَما قبل الذّبْح فَإِن كَانَ قبل إِيجَاب الْأُضْحِية وتعيينها صَحَّ رُجُوعه فِيهَا وَإِن كَانَ بعد إِيجَابهَا وتعيينها لم يجز
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَنه لَا فرق بَين

(3/331)


مَا قبل الذّبْح وَبَين مَا بعده فِيمَا ذكره من الرُّجُوع وَعَدَمه وَيجوز أَن يخْتَلف الْإِيجَاب وَالتَّعْيِين وَعدم الْإِيجَاب
وَأما الْمكَاتب إِذا أذن لَهُ الْمولى فِي التَّضْحِيَة فَفِيهِ قَولَانِ
قَالَ الإِمَام أيده الله إِن ذَلِك يبْنى على أَن تبرعات الْمكَاتب بِإِذن الْمولى هَل تصح أم لَا