حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل وَيجوز الصَّيْد بالجوارح المعلمة كَالْكَلْبِ والفهد والبازي والصقر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأحمد لَا يجوز الِاصْطِيَاد بالكلب الْأسود البهيم
وَحكى عَن مُجَاهِد وَابْن عمر أَنه لَا يجوز الِاصْطِيَاد إِلَّا بالكلب
والمعلم هُوَ الَّذِي إِذا أرْسلهُ على الصَّيْد طلبه وَإِذا زَجره انزجر وَإِذا أشلاه استشلى وَإِذا أَخذ الصَّيْد أمْسكهُ عَلَيْهِ وخلى بَينه وَبَينه فَإِذا تكَرر ذَلِك مِنْهُ مرّة بعد مرّة صَار معلما وَلم يقدر أَصْحَابنَا عدد المرات وَإِنَّمَا اعتبروا الْعرف

(3/369)


وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد إِذا تكَرر ذَلِك مرَّتَيْنِ صَار معلما
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ يصير بالمرة الْوَاحِدَة معلما
فَإِن أرسل مُسلم كَلْبه على صيد وَأرْسل مَجُوسِيّ كَلْبه أَيْضا عَلَيْهِ فَرد كلب الْمَجُوسِيّ الصَّيْد على كلب الْمُسلم فعقره كلب الْمُسلم وَقَتله حل أكله وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل
فَإِن عقر الصَّيْد وَلم يقْتله فأدركه وَفِيه حَيَاة مُسْتَقِرَّة غير أَنه مَاتَ قبل أَن يَتَّسِع الزَّمَان لذكاته فَإِنَّهُ يحل
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل
فَإِن قتل الْجَارِحَة المعلمة الصَّيْد بثقله من غير جرح فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يحل وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي حنيفَة رَوَاهُ الْحسن ابْن زِيَاد
وَالْقَوْل الثَّانِي لَا يحل وَهُوَ رِوَايَة أبي يُوسُف وَمُحَمّد عَن أبي حنيفَة وَقَول احْمَد وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله
إِذا أرسل مُسلم كلب مَجُوسِيّ على صيد فَقتله حل وَإِن أرسل مَجُوسِيّ كلب مُسلم على صيد لم يحل
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن ابْن جرير الطَّبَرِيّ أَن الِاعْتِبَار بِمَالك الْكَلْب دون مرسله

(3/370)


فَإِن قتل الْكَلْب الْمعلم الصَّيْد وَأكل مِنْهُ فَفِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا يحل وَبِه قَالَ مَالك
وَالثَّانِي لَا يحل وَبِه قَالَ أَحْمد وابو يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُؤْكَل مِمَّا أكل مِنْهُ وَلَا مِمَّا صَاده قبل ذَلِك مِمَّا لم يَأْكُل مِنْهُ
وَأما جارحة الطير إِذا أكلت فَهُوَ كَالْكَلْبِ وَغَيره
وَقَالَ الْمُزنِيّ لَا يحرم مَا أكل مِنْهُ جوارح الطير وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَقَالَ ابو عَليّ فِي الإفصاح إِذا قُلْنَا يحرم مَا أكل الْكَلْب مِنْهُ فَفِيمَا أكل الْبَازِي والصقر وَجْهَان
فَإِن حسا الْجَارِح دم الصَّيْد وَلم يَأْكُل مِنْهُ شَيْئا لم يحرم أكله قولا وَاحِدًا
وَحكى ابْن الْمُنْذر عَن النَّخعِيّ وَالثَّوْري أَنَّهُمَا كرها اكله لذَلِك
وَإِن رمى سَهْما إِلَى صيد فأثبته وَفَاته ذَكَاته مَعَ مبادرته حل

(3/371)


لَهُ أكله وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا يعْتَبر فِي مبادرته إِلَيْهِ على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه يعْتَبر فِي الْمُبَادرَة الْمَشْي على المألوف
وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر فِيهِ السَّعْي الْمُعْتَاد لطلب الصَّيْد
إِذا أَدخل الْكَلْب ظفره أَو نابه فِي الصَّيْد نجس وَهل يجب غسله فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يجب
وَالثَّانِي لَا يجب
وَيجوز الصَّيْد بِالرَّمْي فَإِن رمى سَهْما فازدلف واصاب الصَّيْد وَقَتله فَهَل يحل أكله فِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْقَوْلَيْنِ فِيمَن رمى إِلَى الْفَرْض فِي الْمُسَابقَة فَوَقع السهْم دون الْفَرْض فازدلف وَبلغ الْفَرْض
فَإِن رمى صيدا أَو أرسل عَلَيْهِ كَلْبا فعقره وَغَابَ عَنهُ ثمَّ وجده مَيتا الْعقر مِمَّا يجوز أَن يَمُوت مِنْهُ وَيجوز أَن لَا يَمُوت فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله لَا يحل إِلَّا أَن يكون خبر فَلَا رَأْي

(3/372)


فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ فِيهِ قَولَانِ
وَمِنْهُم من قَالَ يُؤْكَل قولا وَاحِدًا فَإِنَّهُ قد صَحَّ الْخَبَر فِيهِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن اتبعهُ عقيب الرَّمْي فَوَجَدَهُ مَيتا حل وَإِن أخر اتِّبَاعه لم يحل
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ إِن وجده فِي يَوْمه حل أكله وَإِن وجده بعد يَوْمه لم يحل
فَإِن أرسل كَلْبا على صيد فِي جِهَة أُخْرَى فَأصَاب صيدا غَيره فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يحل وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق
وَالثَّانِي يحل
قَالَ أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ وَأَصَح من هذَيْن الْوَجْهَيْنِ عِنْدِي أَن يُرَاعى مخرج الْكَلْب عِنْد إرْسَاله فَإِن خرج وَعَاد لَا عَن جِهَة إرْسَاله إِلَى غَيرهَا لم يُؤْكَل صَيْده فِيهَا وَإِن خرج فِي جِهَة إرْسَاله خلف صيد فَعدل إِلَى غَيرهَا فَأخذ صيدا حل وَهَذَا يدل على فراهته

(3/373)


قَالَ الإِمَام ابو بكر وَهَذَا لَيْسَ بجيد فَإِن عدوله عِنْد إرْسَاله إِن كَانَ طلب صيد فسنح لَهُ فَلَا فرق بَين أَن يكون فِي جِهَة إرْسَاله وَبَين أَن يكون فِي غَيرهَا عِنْد ابْتِدَاء إرْسَاله وَإِن كَانَ عدوله لغير صيد فَهَذَا يخرج عَن كَونه معلما لِأَن من صفة شَرط التَّعْلِيم أَن يطْلب الصَّيْد إِذا أرْسلهُ فَإِذا عدل عَن الصَّيْد إِلَى غير صيد دلّ على عدم التَّعْلِيم
فَإِن رمى سَهْما فِي الْهَوَاء وَهُوَ لَا يرى صيدا فَأصَاب صيدا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحل وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق
وَالثَّانِي لَا يحل
فَإِن رأى صيدا فَظَنهُ حجرا أَو حَيَوَانا غير الصَّيْد فَرَمَاهُ فَقتله حل أكله وَإِن أرسل عَلَيْهِ كَلْبا فَقتله فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يحل
وَحكى أَبُو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا أَخطَأ فِي قطع حلق شَاة لم تُؤْكَل وَقد نَص الشَّافِعِي رَحمَه الله على إِبَاحَة أكلهَا وَهَذَا أَقيس وَأَصَح لِأَن ذَكَاة الصَّبِي وَالْمَجْنُون تصح وَلَا قصد لَهما
فَإِن رمى سَهْما إِلَى الْهَوَاء فَسقط من علوه على صيد فَقتله حل أكله فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

(3/374)


وَفِي الثَّانِي لَا يحل وَكَذَا إِن كَانَ فِي يَده سكين فَسَقَطت على حلق شَاة فذبحتها كَانَ على وَجْهَيْن ذكره ذَلِك فِي الْحَاوِي
فَإِن رمى صيدا يمْتَنع بالجناح وَالرجل كالقبج والقطا فَأصَاب رجله ورماه آخر فاصاب جنَاحه فَفِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يكون للثَّانِي
وَالثَّانِي أَنه بَينهمَا
وَحكى فِي الْحَاوِي وَجها آخر أَنه يكون لمن كسر الْجنَاح تقدم أَو تَأَخّر
فَإِن نصب أحبولة فَوَقع فِيهَا صيد وَمَات لم يحل كَانَ فِيهَا سلَاح أَو لم يكن
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي حنيفَة أَنه إِذا كَانَ فِيهَا سلَاح فَقتله بحده حل
فَإِن رمى اثْنَان صيدا أَحدهمَا بعد الآخر وَلم يعلم بإصابته أَيهمَا زَالَ امْتِنَاعه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْمُخْتَصر يُؤْكَل وَيكون بَينهمَا فَحَمله أَبُو إِسْحَاق على ظَاهره

(3/375)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحل
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا كَانَت إِصَابَة احدهما موجية وإصابة الآخر غير موجية فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحل وَيكون بَينهمَا
وَالثَّانِي أَنه للموجي خَاصَّة وَهَذَا وَجه لَا معنى لَهُ
فَإِن شكّ فِي الأول هَل أثْبته أم لَا ووجأه الثَّانِي فِي غير مَحل الذَّكَاة فقد حكى فِي الْحَاوِي فِي إِبَاحَته وَجْهَيْن
اصحهما أَنه يحل
وَالثَّانِي لَا يحل وَلَيْسَ بِشَيْء
فَإِن رمى صيدا فأزال امْتِنَاعه فقد ملكه فَإِن رَمَاه آخر وَلم يوجيه وَبَقِي مجروحا وَمَات فَإِن لم يكن قد تمكن من ذبحه وَجب عَلَيْهِ قِيمَته مجروحا وَإِن كَانَ قد تمكن من ذبحه فَلم يذبحه حَتَّى مَاتَ حرم أكله
وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيمَا يجب من ضَمَانه
فَقَالَ ابو سعيد الْإِصْطَخْرِي يجب على الثَّانِي كَمَال قِيمَته للْأولِ بعد جراحته
وَالْمذهب أَنه يجب عَلَيْهِ كَمَال قِيمَته وَإِنَّمَا يجب عَلَيْهِ مَا يخص جِنَايَته من الْقيمَة ويقسط الْقيمَة على الجنايتين

(3/376)


وَحكي فِي الْحَاوِي عَن أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه ينظر فِي الصَّيْد فَإِن حصل فِي يَد صَاحبه حَيا فعلى الثَّانِي قسط قِيمَته وَإِن لم يحصل فِي يَد صَاحبه إِلَّا مَيتا فعلى الثَّانِي جَمِيع قِيمَته
وَحكى أَيْضا وَجها آخر وَذكر أَنه عِنْده الْأَظْهر أَنه إِن مضى من الزَّمَان بَين الجراحتين قدر مَا يُدْرِكهُ صَاحبه فعلى الثَّانِي قسطه من الْقيمَة وَإِن لم يكن بَين الجراحتين زمَان يُمكن فِيهِ إِدْرَاكه فعلى الثَّانِي جَمِيع الْقيمَة
وَفرض اصحابنا الْمَسْأَلَة فِي جنايتين مضمونتين ليعرف مَا يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا فيحط عَن الأول قسطه فَيُقَال صيد مَمْلُوك يُسَاوِي عشرَة جرحه رجل فنقص من قِيمَته دِرْهَم وجرحه آخر فنقص من قِيمَته أَيْضا دِرْهَم وَمَات الصَّيْد من سرَايَة الجنايتين فَاخْتلف أَصْحَابنَا فِيهِ على سِتَّة طرق
أصَحهمَا أَن أرش جِنَايَة كل وَاحِد مِنْهُمَا يدْخل فِي جِنَايَته فيضم قيمَة الصَّيْد عِنْد جِنَايَة الأول إِلَى قِيمَته عِنْد جِنَايَة الثَّانِي فَتكون تِسْعَة ثمَّ يقسم قيمَة الصَّيْد وَهُوَ عشرَة على تِسْعَة عشر فَمَا يُقَابل عشرَة يجب على الأول وَمَا يُقَابل تِسْعَة يجب على الثَّانِي هَذِه طَريقَة أبي عَليّ بن خيران

(3/377)


وَالثَّانِي وَهُوَ قَول الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا أرش جِنَايَته ثمَّ يجب عَلَيْهِمَا قِيمَته بعد الجنايتين فَيجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا خمسه
وَالثَّالِث وَهُوَ قَول ابي إِسْحَاق أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف أرش جِنَايَته وَنصف قيمَة يَوْم جنى عَلَيْهِ فَيجب على الأول خَمْسَة دَرَاهِم وَنصف وعَلى الثَّانِي خَمْسَة ثمَّ يرجع الأول على الثَّانِي بِنصْف دِرْهَم وَحكى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن فِي صفة حمل الثَّانِي عَن الأول
أَحدهمَا أَنه يكون فِي ضَمَان الأول حَتَّى يُؤْخَذ من الثَّانِي وَالثَّانِي أَنه يسْقط عَن الأول نصف دِرْهَم بِضَمَان الثَّانِي كَمَا يسْقط عَنهُ نصف الْقيمَة بِضَمَان الثَّانِي لَهُ
وَالرَّابِع وَهُوَ قَول أبي الطّيب بن سَلمَة أَنه يجب على كل وَاحِد مِنْهُمَا نصف قِيمَته حَال جِنَايَته وَنصف أرش جِنَايَته كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق غير أَنه لم يثبت للْأولِ الرُّجُوع على الثَّانِي بِشَيْء وَإِنَّمَا جَمِيع مَا يجب عَلَيْهِمَا وَهُوَ عشرَة وَنصف فقسم الْعشْرَة الَّتِي هِيَ قيمَة الصَّيْد عَلَيْهِ فَمَا يخص خَمْسَة وَنصف يكون على الأول وَمَا يخص خمسه يكون على الثَّانِي
وَالْخَامِس أَنه يجب على الأول أرش جِنَايَته ثمَّ تجب بعد ذَلِك قِيمَته بَينهمَا نِصْفَيْنِ وَلَا تجب على الثَّانِي أرش جِنَايَته

(3/378)


وَالسَّادِس وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَن الْأَرْش يدْخل فِي قيمَة الصَّيْد فَيجب على الأول نصف قِيمَته حَال جِنَايَته وعَلى الثَّانِي نصف قِيمَته حَال جِنَايَته فَيذْهب نصف دِرْهَم من قيمَة الصَّيْد كُله فَإِن توحش أنسي بِأَن ند بعير فَلم يقدر عَلَيْهِ فذكاته حَيْثُ قدر عَلَيْهِ مِنْهُ كذكاة الوحشي وَبِه قَالَ ابو حنيفَة وَأحمد وَالثَّوْري
وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَمَالك وَرَبِيعَة ذَكَاته فِي الْحلق واللبة وعَلى هَذَا لَو تردى بعير فِي بِئْر أَو وهدة فَلم يُمكن ذَكَاته فِي مذبحه فعقره حَيْثُ امكنه ذكاه خلافًا لمَالِك
فَإِن أرسل عَلَيْهِ كلب صيد حَتَّى عقره لم يحل فِي أصح الْوَجْهَيْنِ ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي
وَذكر أَيْضا أَنه إِذا تنَازع الراميان للصَّيْد فَادّعى أَحدهمَا اجْتِمَاعهمَا على الْإِصَابَة وَادّعى الآخر التَّقَدُّم فِي الْإِصَابَة وَكَانَ الصَّيْد خَارِجا عَن يدهما فَالظَّاهِر تساويهما فِيهِ فَهَل يحكم بِالظَّاهِرِ أَو بِمُوجب الدَّعْوَى فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحكم بِالظَّاهِرِ فَيكون القَوْل قَول الْمُدَّعِي للاجتماع على الْإِصَابَة فَيكون بَينهمَا نِصْفَيْنِ

(3/379)


وَالثَّانِي أَنه يحكم بِمُوجب الدَّعْوَى فعلى هَذَا لكَون للْمُدَّعِي الْمُتَقَدّم النّصْف من غير يَمِين وَالنّصف الآخر يَتَحَالَفَانِ فِيهِ وَيكون بَينهمَا
فَإِن رمى صيدا فَقَطعه بِاثْنَيْنِ وَمَات الصَّيْد هَل كل وَاحِدَة من القطعتين بِكُل حَال وَبِه قَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَتَا سَوَاء حلتا وَكَذَا إِن كَانَت الْقطعَة الَّتِي مَعَ الرَّأْس أقل وَإِن كَانَت الْقطعَة الَّتِي مَعَ الرَّأْس أَكثر حلت وَلم تحل الْأُخْرَى
فَإِن استرسل الْكَلْب على الصَّيْد فزجره صَاحبه فَوقف ثمَّ أشلاه فاستشلى وَأخذ الصَّيْد حل أكله وَإِن لم يقف وَلكنه زَاد فِي عدوه وَأخذ الصَّيْد وَقَتله لم يحل
قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد يحل
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ
فَإِن أرسل مُسلم كَلْبا على صيد فأغراه مَجُوسِيّ فَزَاد فِي عدوه وَقتل الصَّيْد فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو حَامِد أَنه يحل وَهُوَ قَول أَحْمد
وَذكر القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله أَنه لَا يحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة

(3/380)


فَإِن رمى طائرا فجرحه فَسقط إِلَى الأَرْض فَوَجَدَهُ مَيتا حل وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَقَالَ مَالك إِن مَاتَ قبل سُقُوطه حل وَإِن مَاتَ بعد سُقُوطه إِلَى الأَرْض لم يحل
وَذكر فِي طير المَاء إِذا رَمَاه فَوَقع فِي المَاء حل فِي أحد الْوَجْهَيْنِ ذكرهمَا فِي الْحَاوِي
وَإِن افلت الصَّيْد من يَده لم يزل ملكه عَنهُ
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِذا أبعد فِي الْبَريَّة زَالَ ملكه عَنهُ
فَإِن كَانَ فِي ملكه صيد فَخَلَّاهُ زَالَ ملكه عَنهُ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَفِي الثَّانِي لَا يَزُول
وَحكي فِي الْحَاوِي أَنه إِذا قصد بِتَخْلِيَتِهِ التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى بإرساله زَالَ ملكه عَنهُ كَالْعِتْقِ وَهل يحل صَيْده بعد امْتِنَاعه فِيهِ وَجْهَان إِذا عرف
أَحدهمَا وَهُوَ قَول كثير من الْبَصرِيين أَنه لَا يحل صَيْده
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول أبي عَليّ بن ابي هُرَيْرَة أَنه يحل صَيْده
وَإِن لم يقْصد بإرساله التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى فَفِي زَوَال ملكه بِالْإِرْسَال وَجْهَان
أَحدهمَا يَزُول ملكه
وَالثَّانِي لَا يَزُول كَمَا لَو أرسل بعيره أَو فرسه
فَإِن اصطاد طائرا وحشيا وَجعله فِي برجه فطار مِنْهُ إِلَى برج غَيره لم يزل ملكه عَنهُ

(3/381)


وَالثَّانِي لَا يَزُول كَمَا لَو أرسل عَنهُ
وَقَالَ مَالك إِن لم يكن قد أنس برجه بطول ملكه صَار ملكا لمن انْتقل إِلَى برجه فَإِن عَاد إِلَى برج الأول عَاد إِلَى ملكه
فَإِن ذكي حَيَوَان مَأْكُول فَوجدَ فِي جَوْفه جَنِين ميت حل أكله
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل
فَإِن خلص الشَّاة من فَم السَّبع وَقد شقّ جوفها وذكيت وَوَقع الشَّك فِي حَال الذَّكَاة هَل وجدت فِي حَال إباحتها أَو فِي حَال حظرها فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنَّهَا تُؤْكَل
وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تحل لِأَن الأَصْل الْحَظْر وَالله أعلم
تمّ ربع الْعِبَادَات من المستظهري بِحَمْد الله وعونه يتلوه إِن شَاءَ الله تَعَالَى كتاب الْبيُوع وصلواته على مُحَمَّد وَآله الطاهرين

(3/382)