حلية العلماء في معرفة مذاهب الفقهاء

فصل فِي الْعَقِيقَة
الْعَقِيقَة سنة وَهُوَ مَا يذبح عَن الْمَوْلُود
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيست بِسنة
وَقَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَدَاوُد هِيَ وَاجِبَة
وَوقت الذّبْح الْيَوْم السَّابِع وَفِي أول وَقت جَوَازه وَجْهَان
أَحدهمَا من يَوْم الْولادَة
وَالثَّانِي بعد يَوْم الْولادَة

(3/332)


وَيسْتَحب أَن يذبح عَن الْغُلَام شَاتَان وَعَن الْجَارِيَة شَاة
وَقَالَ مَالك شَاة عَن الْغُلَام أَيْضا
وَفِي كسر عظمها وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول البغداديين
وَالثَّانِي لَا يكره وَهُوَ قَول الْبَصرِيين
وَلَا يمس رَأس الْمَوْلُود بِدَم الْعَقِيقَة
وَقَالَ قَتَادَة تُؤْخَذ صوفة من صوفها فيستقبل بهَا أوداجها ثمَّ تجْعَل على يافوخ الصَّبِي حَتَّى يسيل ثمَّ يغسل

(3/333)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب النّذر
يَصح النّذر من كل مُسلم بَالغ عَاقل وَلَا يَصح نذر الْكَافِر وَقيل يَصح وَلَا يَصح النّذر إِلَّا بالْقَوْل فَيَقُول لله عَليّ كَذَا أَو عَليّ كَذَا
وَقَالَ فِي الْقَدِيم إِذا اشْترى بَدَنَة وقلدها وَنوى أَنَّهَا هدي أَو أضْحِية صَارَت هَديا وأضحية
وَخرج ابو الْعَبَّاس وَجها آخر أَنه يصير هَديا وأضحية بِمُجَرَّد النِّيَّة
فَإِن قَالَ إِن اشْتريت شَاة فَللَّه عَليّ أَن أجعلها أضْحِية فاشتراها لزمَه أَن يَجْعَلهَا أضْحِية وَهُوَ نذر مَضْمُون فِي الذِّمَّة غير مُتَعَلق بِعَين فَلَزِمَ
وَإِن قَالَ إِن اشْتريت هَذِه الشَّاة فَللَّه عَليّ أَن أجعلها أضْحِية فَفِيهِ وَجْهَان

(3/334)


أَحدهمَا أَنه يغلب حكم التَّعْيِين فَلَا يلْزمه
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه وَالْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْوَجْهَيْنِ لَا يتَحَقَّق
وَنذر الْمعاصِي لَا يَصح وَلَا يلْزم بِهِ قربَة كنذر صَوْم يَوْم والعيد وَأَيَّام التَّشْرِيق وَأَيَّام الْحيض وَغير ذَلِك
وَحكى الرّبيع أَن الْمَرْأَة إِذا نذرت صَوْم ايام حَيْضهَا لَزِمَهَا كَفَّارَة يَمِين
وَقَالَ أَبُو حنيفَة ينْعَقد نَذره بِصَوْم الْعِيد وَأَيَّام التَّشْرِيق غير أَنه لَا يجوز أَن يَصُوم الْمَنْذُور فِيهَا فَإِن صَامَهُ صَحَّ
فَإِن نذر الصَّلَاة فِي أَوْقَات النَّهْي فقد حُكيَ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ الإِمَام ابي إِسْحَاق أَنه لَا يَصح نَذره
وَالثَّانِي أَنه يَصح نَذره وَيجوز أَن يُصليهَا فِي هَذَا الْوَقْت
وَالثَّالِث أَنه ينْعَقد نَذره على الْقَضَاء فِي غَيره دون الْوَفَاء فِيهِ
وَإِن نذر ذبح وَلَده لم ينْعَقد نَذره وَلم يلْزم بِهِ شَيْء وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف

(3/335)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد يلْزمه ذبح شَاة وَكَذَا إِذا نذر ذبح نَفسه
وَإِن نذر ذبح وَالِده أَو عَبده لم يلْزمه شَيْء
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا أَنه يلْزمه ذبح كَبْش
وَالثَّانيَِة أَنه يلْزمه كَفَّارَة يَمِين وَحكي ذَلِك عَن سعيد بن الْمسيب
فَإِن قَالَ لله عَليّ صَوْم أَو صَلَاة لزمَه ذَلِك فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس بن سُرَيج وابي سعيد الْإِصْطَخْرِي وَأبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة
وَالثَّانِي لَا يلْزمه وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي وابي بكر الصَّيْرَفِي
وَإِن نذر قربَة فِي لجاج بِأَن قَالَ إِن كلمت فلَانا فَللَّه عَليّ صَوْم أَو صَلَاة أَو صَدَقَة بِمَالِه خير بَين كَفَّارَة يَمِين أَو بَين الْوَفَاء بِمَا الْتَزمهُ
وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ إِن كَانَت الْقرْبَة حجا أَو عمْرَة لزمَه الْوَفَاء بِهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة يلْزمه الْوَفَاء بِهِ بِكُل حَال إِن لم يكن لَهُ مَال فَإِن كَانَ صَدَقَة بِمَال لزمَه أَن يتَصَدَّق بِالْمَالِ الزكاتي
وَقَالَ مَالك يلْزمه أَن يتَصَدَّق بِثلث مَاله وَبِه قَالَ الزُّهْرِيّ

(3/336)


وَقَالَ النَّخعِيّ وَعُثْمَان البتي يتَصَدَّق بِجَمِيعِ مَاله الزكاتي وَغير الزكاتي
وَقَالَ ربيعَة يلْزمه أَن يتَصَدَّق من مَاله بِقدر الزَّكَاة
وَقَالَ جَابر بن زيد بن الشعْثَاء إِن كَانَ مَاله كثيرا لزمَه أَن يتَصَدَّق بعشره وَإِن كَانَ وسطا تصدق بسبعه وَإِن كَانَ قَلِيلا تصدق بخمسه وَالْكثير الفان وَالْوسط الف والقليل خمس مائَة
وَحكي عَن الحكم وَحَمَّاد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يلْزمه شَيْء
فَإِن نذر أَن يتَصَدَّق بِمَالِه لزمَه أَن يتَصَدَّق بِجَمِيعِهِ
وَقَالَ ابو حنيفَة يتَصَدَّق بِالْمَالِ الزكاتي
وَإِن نذر أَن يعْتق رَقَبَة أَجزَأَهُ مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الرَّقَبَة على ظَاهر الْمَذْهَب
وَقيل لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْكَفَّارَة وَأَصله الْقَوْلَانِ فِيهِ إِذا نذر هَديا

(3/337)


قَالَ فِي الْقَدِيم يهدي مَا شَاءَ مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم
وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْأُضْحِية وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأحمد
فَإِن نذر أَن يهدي بَدَنَة أَو بقرة أَو شَاة أَجزَأَهُ على القَوْل الأول مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم
وعَلى القَوْل الثَّانِي لَا يُجزئهُ إِلَّا مَا يجزىء فِي الْأُضْحِية
فَإِن نذر أَن يهدي شَاة فأهدى بَدَنَة أَجزَأَهُ وَهل يكون جَمِيعهَا وَاجِبا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَن جَمِيعهَا وَاجِب
وَالثَّانِي أَن سبعها وَاجِب
فَإِن نذر بَدَنَة وَهُوَ وَاجِد لَهَا تعيّنت عَلَيْهِ فِي اُحْدُ الْوَجْهَيْنِ فَإِن لم يجد بَدَنَة فبقرة فَإِن لم يجد انْتقل إِلَى سبع من الْغنم
وَمن اصحابنا من قَالَ ثبتَتْ الْبَدنَة فِي ذمَّته إِلَى أَن يقدر عَلَيْهَا

(3/338)


وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يتَخَيَّر بَينهَا وَبَين الْبَقَرَة وَبَين السَّبع من الْغنم
فَإِن نذر بَدَنَة من الْإِبِل تعيّنت عَلَيْهِ فَلَا تُجزئه الْبَقَرَة وَالْغنم وَجها وَاحِدًا كَذَا ذكره الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله
فَإِن عدمت الْإِبِل فالمنصوص عَلَيْهِ أَنه يُجزئهُ الْبَقَرَة بِالْقيمَةِ فَإِن كَانَت قيمتهَا كقيمة الْبَدنَة من الْإِبِل أَجْزَأت وَإِن كَانَت أقل أخرج الْفضل وَلم يعْتَبر الْقيمَة إِذا أطلق
وَمن اصحابنا من قَالَ تجب الْبَدنَة فِي ذمَّته كَذَا حكى الشَّيْخ أَبُو نصر رَحمَه الله وَلم يحك فِي الْبَدنَة الْمُطلقَة ذَلِك
وَذكر بعض أَصْحَابنَا أَنه إِذا نذر بَدَنَة من الْإِبِل فَلَا بدل لَهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
وَفِي الثَّانِي لَهَا بدل
وَفِي حكم انْتِقَاله إِلَيْهِ وَهُوَ الْبَقَرَة وَجْهَان
أَحدهمَا ينْتَقل من غير اعْتِبَار قيمَة فَإِن لم يجد بقرة انْتقل إِلَى سبع من الْغنم فَإِن لم يجد لم ينْتَقل إِلَى صِيَام وَلَا إطْعَام
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يعدل إِلَى الْبَقَرَة بِأَكْثَرَ الْأَمريْنِ مِنْهَا أَو قيمَة الْبَدنَة وَكَذَا فِي انْتِقَاله من الْبَقَرَة إِلَى الْغنم وَفِي الْقيمَة الَّتِي تعْتَبر فِي الِانْتِقَال إِلَى الْغنم ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه يعْتَبر أَكثر الْأَمريْنِ من قيمَة الْبَدنَة أَو سبع من الْغنم

(3/339)


وَالثَّانِي أَنه يعْتَبر اكثر الْأَمريْنِ من قيمَة الْبَقَرَة أَو سبع من الْغنم
وَالثَّالِث أَنه يعْتَبر أَكثر الثَّلَاثَة من قيمَة الْبَدنَة أَو الْبَقَرَة أَو سبع من الْغنم
فَإِن نذر أَن يهدي إِلَى الْحرم لزمَه ذَلِك وَفِيه إِذا أطلق وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يلْزمه أَن يهدي إِلَى الْحرم
وَالثَّانِي أَنه لَا يتَعَيَّن الْحرم فيهدي حَيْثُ شَاءَ فعلى هَذَا إِذا نذر أَن يهدي لرتاج الْكَعْبَة أَو عمَارَة مَسْجِد صرفه فِيمَا نَذره وَإِن لم يعين مَا يصرفهُ فِيهِ بل نذر أَن يهدي فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يصرفهُ فِيمَا شَاءَ من الْقرب
وَالثَّانِي أَنه يصرفهُ إِلَى الْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِين فِي الْبَلَد الَّذِي نذر ان يهدي إِلَيْهِ
وَمن أَصْحَابنَا من حكى أَنه إِذا قَالَ لله عَليّ أَن أجعَل هَذَا الْمَتَاع هَديا لزمَه نَقله إِلَى الْحرم وَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أهدي هَذَا الْمَتَاع وَلم يَجعله

(3/340)


هَديا فقد تقَابل فِيهِ عرف اللَّفْظ وَهُوَ الْهَدِيَّة بنية الْهِبَة وَعرف الشَّرْع فَإِن لم يكن لَهُ نِيَّة فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يحمل على عرف الشَّرْع
وَالثَّانِي أَنه يحمل على عرف اللَّفْظ
فَإِن نذر هَديا للكعبة صرف فِي مصالحها فَإِن نذر هَديا لأهل الْحرم صرف إِلَى الْمَسَاكِين وَهل يصرف مِنْهُ إِلَى ذَوي القربي فِيهِ وَجْهَان
وَإِن نذر النَّحْر فِي الْحرم لزمَه النَّحْر فِيهِ وَهل يلْزمه تَفْرِقَة اللَّحْم فِيهِ فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر والتفرقة فِي الْحرم
وَالثَّانِي أَن لَهُ التَّفْرِقَة فِي غير الْحرم
وَإِن نذر النَّحْر فِي الْحرم والتفرق على أهل الْحل لزمَه التَّفْرِقَة على مَسَاكِين الْحل وَهل يلْزمه النَّحْر فِي الْحرم فِيهِ قَولَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عَليّ ابْن أبي هُرَيْرَة
وَإِن نذر النَّحْر فِي بلد غير الْحرم فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر وتفرقة اللَّحْم
وَالثَّانِي أَنه لَا يَصح نَذره
وَذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نذر النَّحْر بِالْبَصْرَةِ وتفرقة اللَّحْم بهَا لزمَه تَفْرِقَة اللَّحْم بِالْبَصْرَةِ وَهل يلْزمه النَّحْر بهَا فِيهِ وَجْهَان

(3/341)


أَحدهمَا أَنه يلْزمه النَّحْر بهَا كَمَا لَو نذر النَّحْر فِي الْحرم
وَالثَّانِي لَا يلْزمه النَّحْر بهَا
وَإِن نذر النَّحْر بِالْبَصْرَةِ وَأطلق فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجه
أَحدهَا أَنه يلْزمه النَّحْر بِالْبَصْرَةِ والتفرقة بهَا
وَالثَّانِي يلْزمه النَّحْر فِي الْبَصْرَة والتفرقة حَيْثُ شَاءَ
وَالثَّالِث أَنه ينْحَر حَيْثُ شَاءَ وَيفرق فِي الْبَصْرَة
وَإِن نذر النَّحْر مُطلقًا فَفِيهِ قَولَانِ بِنَاء على نقل الزَّكَاة من بلد المَال إِلَى غَيره وَفِي هَذَا الْبناء فِي هَذِه الصُّور نظر وَإِن نذر الصَّلَاة لزمَه أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي اظهر الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد وَيلْزمهُ فِي القَوْل الثَّانِي رَكْعَة
وَإِن نذر صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْحَرَام تعين عَلَيْهِ فعلهَا فِيهِ وَإِن نذر صَلَاة فِي الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَمَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لزمَه ذَلِك فِي اصح الْقَوْلَيْنِ
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يتَعَيَّن الصَّلَاة بِالنذرِ فِي مَسْجِد بِحَال
فَإِن نذر صَوْم سنة بِعَينهَا لزمَه صَومهَا مُتَتَابِعًا فَإِن كَانَ النَّاذِر امْرَأَة فَحَاضَت فَهَل تقضي أَيَّام حَيْضهَا فِيهِ قَولَانِ

(3/342)


أَحدهمَا أَنه يلْزمهَا قَضَاؤُهَا
وَالثَّانِي أَنه لَا يلْزمهَا
وَإِن أفطر فِي هَذِه السّنة لمَرض فَهَل يقْضِي ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَإِن أفطر لسفر لزمَه قَضَاؤُهُ وَجها وَاحِدًا فَإِن كَانَ قد شَرط التَّتَابُع فِي صَوْم هَذِه السّنة فَأفْطر من غير عذر لزمَه الِاسْتِئْنَاف وَإِن أفطر لمَرض فَهَل يلْزمه الِاسْتِئْنَاف فِيهِ قَولَانِ وَإِن أفطر لسفر وَقُلْنَا يَنْقَطِع التَّتَابُع بِالْمرضِ فَفِي السّفر أولى وَإِن قُلْنَا لَا يَنْقَطِع بِالْمرضِ فَفِي السّفر وَجْهَان
وَإِن نذر صَوْم سنة مُطلقَة وَشرط فِيهَا التَّتَابُع كَانَ الحكم فِيهَا على مَا ذَكرْنَاهُ وَإِن نذر صَوْم كل اثْنَيْنِ لم يلْزمه قَضَاء أثانين رَمَضَان وَفِيمَا يُوَافق أَيَّام الْعِيد قَولَانِ
أصَحهمَا أَنه لَا يَقْضِيهَا
فَإِن لزمَه صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين ثمَّ نذر صَوْم كل اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يَصُوم الشَّهْرَيْنِ وَيَقْضِي الأثانين الَّتِي تقع فيهمَا كَمَا لَو سبق نذر الأثانين

(3/343)


وَقيل لَا يلْزمه قَضَاء الأثانين فِي هَذَا النّذر
فَإِن نذر صَوْم يَوْم بِعَيْنِه وَأفْطر لعذر قَضَاهُ
وَقَالَ مَالك إِذا افطر لمَرض لم يلْزمه قَضَاؤُهُ
فَإِن نذر صِيَام عشرَة أَيَّام مُطلقَة وَشرط أَن يصومها فصامها متتابعة فَفِيهِ وَجْهَان
أظهرها أَنه يُجزئهُ فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَصوم عشرَة ايام جَازَ أَن يصومها مُتَتَابِعًا ومتفرقا
وَقَالَ دَاوُد يلْزمه أَن يصومها مُتَتَابِعًا
فَإِن نذر صَوْم الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان فَفِي صِحَة نَذره قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه صَحَّ نَذره وَهُوَ اخْتِيَار القَاضِي أبي الطّيب رَحمَه الله وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَالثَّانِي لَا يَصح وَهُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ أبي حَامِد
فَإِن قُلْنَا يَصح نَذره وَكَانَ النَّاذِر فِي يَوْم قدومه صَائِما صَوْم التَّطَوُّع فَإِنَّهُ يتمه وَيَقْضِي عَن نَذره وَهل يلْزمه إِتْمَامه فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يتحتم إِتْمَامه
وَإِن كَانَ صَائِما فِيهِ صَوْم قَضَاء أَو كَفَّارَة لزمَه إِتْمَامه عَن فَرْضه وَهل يلْزمه قَضَاؤُهُ عَن ذَلِك الْفَرْض فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق الْمروزِي أَنه يلْزمه قَضَاؤُهُ
وَالثَّانِي وَهُوَ قَول ابي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه يسْتَحبّ لَهُ قَضَاؤُهُ وَلَا

(3/344)


يجب وَعَلِيهِ أَن يقْضِي صَوْم النّذر للقدوم وَإِن كَانَ صَائِما يَوْم الْقدوم عَن فرض مُتَعَيّن كَصَوْم رَمَضَان وَالنّذر الْمعِين أكمل صَوْمه عَن فَرْضه وَلم يلْزمه قَضَاؤُهُ وَيسْتَحب لَهُ قَضَاؤُهُ وَيَقْضِي عَن النّذر هَذَا كُله ذكره فِي الْحَاوِي
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام أيده الله وَعِنْدِي أَن ذكر الْقَضَاء للصَّوْم الَّذِي وَافق يَوْم الْقدوم لَا وَجه لَهُ وَاجِبا وَلَا مُسْتَحبا لِأَنَّهُ يعْتد بِهِ عَمَّا شرع فِيهِ لَا خلاف فِيهِ وموافقة النّذر لَهُ مَا أوجبت خللا فِيهِ محَال وَكَذَا إِيجَاب الْإِتْمَام فِي التَّطَوُّع لَا وَجه لَهُ فَإِنَّهُ لم يخرج عَن كَونه تَطَوّعا وَالزَّمَان لَا حُرْمَة لَهُ فِي نَفسه
فَإِن نوى صِيَام غَد عَن نذر الْقدوم وَهُوَ على ثِقَة من قدومه فِيهِ فَقدم فِيهِ فَهَل يُجزئهُ صِيَامه حكى فِيهِ فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن
أظهرهمَا أَنه يُجزئهُ
وَالثَّانِي لَا يُجزئهُ وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن نذر اعْتِكَاف الْيَوْم الَّذِي يقدم فِيهِ فلَان صَحَّ نَذره فَإِن قدم نَهَارا لزمَه اعْتِكَاف بَقِيَّة النَّهَار وَهل يلْزمه قَضَاء مَا مضى مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يلْزمه
وَالثَّانِي يلْزمه وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ
وَإِن قدم فلَان وَهُوَ مَحْبُوس أَو مَرِيض فالمنصوص أَنه يلْزمه الْقَضَاء

(3/345)


وَقَالَ القَاضِي ابو حَامِد وَأَبُو عَليّ الطَّبَرِيّ لَا يلْزمه
وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام لزمَه الْمَشْي إِلَيْهِ بِحَجّ أَو عمْرَة وَمن أَي مَوضِع يلْزمه الْمَشْي فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا وَهُوَ قَول أبي إِسْحَاق أَنه يلْزمه ذَلِك من دويرة أَهله
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه من الْمِيقَات وَهُوَ قَول عَامَّة أَصْحَابنَا وَيلْزمهُ أَن يمشي إِلَى أَن يتَحَلَّل التَّحَلُّل الثَّانِي فِي الْحَج فَإِن فَاتَهُ لزمَه أَن يَقْضِيه مَاشِيا وَهل يلْزمه الْمَشْي فِي فَائِتَة فِيهِ قَولَانِ
فَإِن حج رَاكِبًا لعَجزه عَن الْمَشْي فَهَل يلْزمه دم فِيهِ قَولَانِ
وَمن أَصْحَابنَا من حكى فِي وجوب الْمَشْي وَالرُّكُوب إِلَى بَيت الله الْحَرَام إِذا نذرهما ثَلَاثَة أوجه
أَحدهمَا أَنه لَا يتَعَيَّن وَاحِد مِنْهُمَا بِالنذرِ وَنسبه إِلَى أَحْمد
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه الْأَمْرَانِ بِالنذرِ
وَالثَّالِث أَنه يلْزمه الْمَشْي بِالنذرِ وَلَا يلْزمه الرّكُوب بِهِ
فَإِن قُلْنَا بوجوبهما فَترك أَحدهمَا إِلَى الآخر فَهَل يلْزمه الْجبرَان فِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا أَنه لَا يجب بِوَاحِد مِنْهُمَا جبران
وَالثَّانِي أَنه يجْبر كل وَاحِد مِنْهُمَا بِدَم إِذا تَركه إِلَى الآخر

(3/346)


وَالثَّالِث أَنه يجب بترك الْمَشْي إِلَى الرّكُوب دم وَلَا يجب عَلَيْهِ بِتَرْكِهِ الرّكُوب إِلَى الْمَشْي وَذكر فِي الْفِدْيَة وَجْهَيْن
أَحدهمَا فديَة ترك الْإِحْرَام من الْمِيقَات
وَالثَّانِي فديَة الْحلق
فَإِن نذر الْحَج مَاشِيا فِي الْعَام الْمقبل فَإِنَّهُ يلْزمه الْحَج فِيهِ وَهل يجوز لَهُ تَقْدِيمه عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان فَإِن أحرم بِهِ ففاته فَفِي وجوب قَضَائِهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه يَقْضِيه كَغَيْر الْمُصَلِّين فَإِن أخر الْإِحْرَام عَن عَامه فَفِي وجوب قَضَائِهِ قَولَانِ أَيْضا
وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام لَا حَاجا وَلَا مُعْتَمِرًا فَفِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا ينْعَقد نَذره
وَالثَّانِي أَنه ينْعَقد وَيلْزمهُ الْمَشْي بِحَجّ أَو عمْرَة
ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يَصح نَذره فَفِي الشَّرْط وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه بَاطِل
وَالثَّانِي أَن الشَّرْط صَحِيح وَلَا يلْزمه الْإِحْرَام بِحَجّ وَلَا عمْرَة فعلى هَذَا فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه أَن يضم إِلَى قصد الْبَيْت عبَادَة من صَلَاة أَو صِيَام أَو اعْتِكَاف أَو طواف ليصير الْقَصْد قربَة
ذكر فِي الْحَاوِي أَنه إِذا نذر قصد بَيت الله الْحَرَام وَلم يكن لَهُ

(3/347)


نِيَّة حج وَلَا عمْرَة فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُور أَنه يلْزمه الْقَصْد بِحَجّ أَو عمْرَة
وَقَالَ ابو عَليّ بن أبي هُرَيْرَة يَبْنِي على اخْتِلَاف قَول الشَّافِعِي رَحمَه الله فَمن أَرَادَ دُخُول الْحرم من غير الْخَطَأ بِهِ بِغَيْر إِحْرَام هَل يجوز أم لَا
فَإِن قُلْنَا لَا يجوز لَهُ دُخُوله إِلَّا بِإِحْرَام بِحَجّ أَو عمْرَة انْصَرف نَذره إِلَيْهِ هَا هُنَا
وَإِن قُلْنَا لَا يلْزمه الْإِحْرَام لدُخُوله فَفِي تعلق نَذره هَا هُنَا بِالْإِحْرَامِ وَجْهَان تخريجا من اخْتِلَاف قَوْله فِيمَن نذر الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى وَهَذَا التَّخْرِيج وَإِن كَانَ مُحْتملا فَهُوَ مُخَالف لنَصّ الشَّافِعِي رَحمَه الله
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يلْزمه الْقَصْد بِحجَّة وَلَا عمْرَة إِلَّا فِيهِ إِذا نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام فَأَما نذر الْقَصْد والذهاب إِلَيْهِ فَلَا يلْزمه بِهِ الْإِحْرَام
وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بقْعَة من الْحرم لزم الْمَشْي إِلَيْهَا بِحَجّ أَو عمْرَة وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد
وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْزمه مشي وَإِنَّمَا يلْزمه إِذا نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام أَو إِلَى مَكَّة أَو إِلَى الْكَعْبَة اسْتِحْسَانًا
وَإِن نذر الْمَشْي إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى أَو إِلَى مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَهَل يلْزمه فِيهِ قَولَانِ

(3/348)


قَالَ فِي الْأُم لَا ينْعَقد نَذره وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة
وَالثَّانِي ينْعَقد نَذره وَبِه قَالَ أَحْمد وَمَالك
ذكر فِي الْحَاوِي أَنا إِذا قُلْنَا يَصح نَذره فَهَل يلْزمه مَعَ الْمَشْي عبَادَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه غير قصدهما
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يضيف إِلَى ذَلِك عبَادَة فعلى هَذَا فِيمَا يلْزمه من الْعِبَادَة وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يضيف إِلَيْهِ مَا شَاءَ من صَوْم أَو صَلَاة
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه أَن يُصَلِّي فيهمَا وَهل يلْزمه الْمَشْي إِلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه يلْزمه الْمَشْي
وَالثَّانِي أَنه يجوز لَهُ الرّكُوب فَإِن قُلْنَا يلْزمه الْمَشْي فَركب هَل يُجزئهُ فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يُجزئهُ وَعَلِيهِ إِعَادَة قَصده إِلَيْهِ مَاشِيا
وَالثَّانِي يُجزئهُ إِذا قُلْنَا أَنه يلْزمه أَن يضيف إِلَيْهِ عبَادَة فِيهِ وَيصير هُوَ الْمَقْصُود بِالنذرِ وَلَا يلْزمه أَن يجب بِدَم كالإحرام لاخْتِصَاص الْإِحْرَام بذلك فَأَما إِذا نذر الصَّلَاة فِيهِ فَإِنَّهُ يلْزمه فِي أظهر الْوَجْهَيْنِ

(3/349)


فَإِن نذر الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْخيف وَلم يكن من أهل الْحرم انْعَقَد نَذره وَفِيمَا ينْعَقد بِهِ نَذره وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه ينْعَقد بِمَا ذكره من الصَّلَاة فِي الْحرم إِذا قيل يجوز دُخُول الْحرم بِغَيْر إِحْرَام وَفِي تعْيين بعض الصَّلَاة فِي مَسْجِد الْخيف وَجْهَان
وَالْوَجْه الثَّانِي أَنه يلْزمه بنذره قصد الْحرم بِحجَّة أَو عمْرَة إِذا قيل لَا يجوز دُخُوله بِغَيْر إِحْرَام فعلى هَذَا فِي الْتِزَام مَا عقد عَلَيْهِ نَذره من الصَّلَاة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا أَنه لَا يلْزمه الصَّلَاة لِأَن الشَّرْع نقل نَذره إِلَى غَيره
وَالثَّانِي أَنه يلْزمه
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَنه يلْزمه الصَّلَاة بِالنذرِ وَقصد الْحرم بِإِحْرَام إِذا نذر الصَّلَاة فِيهِ لِأَنَّهُ إِذا لزمَه ذَلِك بِنذر الْمَشْي إِلَيْهِ وَالْقَصْد فَلِأَن يلْزمه ذَلِك بِنذر الصَّلَاة فِيهِ اولى
فَإِن نذر الْمَشْي إِلَى بَيت الله وَلم يقل الْحَرَام وَلَا نَوَاه فَالْمَذْهَب أَنه يلْزمه الْمَشْي إِلَى بَيت الله الْحَرَام وَهُوَ ظَاهر مَا نَقله الْمُزنِيّ وَظَاهر مَا قَالَه الشَّافِعِي رَحمَه الله فِي الْأُم
وَنقل القَاضِي أَبُو حَامِد فِي جَامعه أَنه لَا يلْزمه

(3/350)


فَإِن قَالَ لله عَليّ أَن أَمْشِي وَلم يكن لَهُ نِيَّة شَيْء فَلَا شَيْء عَلَيْهِ
وَحكي عَن أَحْمد أَنه قَالَ إِذا نذر فعلا مُبَاحا انْعَقَد نَذره وَكَانَ بِالْخِيَارِ بَين الْوَفَاء بِهِ وَبَين الْكَفَّارَة
فَإِن نذر الْهَدْي لأهل الْحرم وَكَانَ مِمَّن يُمكن تفرقته عَلَيْهِم فرقة فيهم وَإِن كَانَ الْهَدْي مَتَاعا لَا يُمكن تفرقته عَلَيْهِم كَاللُّؤْلُؤِ والجواهر وَغير ذَلِك كَانَ حَقهم فِي قِيمَته وَهل يلْزمه بَيْعه وتفرقة الثّمن أم يجوز لَهُ دفع قِيمَته فِيهِ وَجْهَان مخرجان من الْقَوْلَيْنِ فِي العَبْد الْجَانِي هَل يفْدِيه السَّيِّد بِقِيمَتِه أَو بِثمنِهِ
فَإِن قُلْنَا يفْدِيه بِقِيمَتِه كَانَ للناذر صرف قِيمَته إِلَيْهِم وَلَا يَبِيعهُ
وَإِن قُلْنَا عَلَيْهِ بيع العَبْد الْجَانِي لِأَنَّهُ رُبمَا زيد فِي الثّمن لزم هَذَا النَّاذِر بيع هَذَا الْمَتَاع
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا بِنَاء بعيد لِأَن هَذَا الْهَدْي للحرم أخرجه إِلَى الله تَعَالَى فَلَا يجوز أَن يبقي حَقه فِيهِ وَلَا يجوز أَن يَشْتَرِيهِ من نَفسه لنَفسِهِ وَالْعَبْد الْجَانِي مَا صَار مُسْتَحقّا للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا تعلق حَقه بِهِ تعلق الارتهان وَلِهَذَا لَهُ أَن يفْدِيه بارش الْجِنَايَة وَلَا يلْزمه البيع وَهَا هُنَا لَا بُد من البيع فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلِهَذَا لَو كَانَ فِيمَا يُمكنهُ نَقله وتفرقته عَلَيْهِم لوَجَبَ نَقله وتفرقته فقد صَار مُسْتَحقّا لَهُم غير أَنه تعذر نَقله إِلَيْهِم وتفرقته فيهم فَتعين البيع فَأَما أَن يدْفع هُوَ الْقيمَة فَلَا

(3/351)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْأَطْعِمَة
يحل من الدَّوَابّ دَوَاب الْأنس كالخيل وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق وابي ثَوْر وابي يُوسُف وَمُحَمّد
وَقَالَ ابو حنيفَة يكره كَرَاهَة يتَعَلَّق بهَا مأثم وَلَا يَقُول إِنَّهَا مُحرمَة
وَلَا تحل البغال وَالْحمير
وَحكي عَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَالَ هِيَ حَلَال
وَحكي عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا إِبَاحَة الْحمر الْأَهْلِيَّة
وَفِي السنور الْبري وَجْهَان
وَيحل أكل الضبع والثعلب من الوحوش وَبِه قَالَ أَحْمد وَعنهُ رِوَايَة أُخْرَى فِي الثَّعْلَب خَاصَّة

(3/352)


وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحل أكلهَا
وَقَالَ مَالك يكره اكلها
وَيحل اليربوع وَبِه قَالَ أَحْمد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل
وَيحل الْقُنْفُذ
وَقَالَ ابو حنيفَة وَأحمد لَا يحل
والوبر مُبَاح وَهُوَ دويبة أنبل من ابْن عرس كحلاء الْعَينَيْنِ وَابْن عرس حَلَال خلافًا لأبي حنيفَة وَأحمد
والضب حَلَال وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة لَا يحل
وَفِي ابْن آوى وَجْهَان
أَحدهمَا لَا يحل
وَالثَّانِي يحل
وَالشَّاة الْجَلالَة هِيَ الَّتِي يكون أَكثر عَلفهَا الْعذرَة الْيَابِسَة يكره أكلهَا وَلَا يحرم

(3/353)


وَقَالَ أَحْمد يحرم لَحمهَا ولبنها وَكَذَا الدَّجَاجَة يحرم لَحمهَا وبيضها وتحبس وتعلف علفا طَاهِرا حَتَّى تَزُول رَائِحَة النَّجَاسَة فَتحل عِنْده وتزول الْكَرَاهَة عندنَا
وَقَالَ بعض أهل الْعلم يحبس الْبَعِير وَالْبَقَرَة أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَالشَّاة سَبْعَة ايام والدجاجة ثَلَاثَة أَيَّام وَقيل سَبْعَة وَكَذَا نقُول فِي الزروع الَّتِي تطرح فِيهَا النَّجَاسَة وتروى بهَا
وَذكر فِي الْحَاوِي إِذا كَانَ قد تغير رَائِحَة لَحمهَا بِالنَّجَاسَةِ تغيرا كثيرا فَفِي إِبَاحَة أكله وَجْهَان حَكَاهُمَا أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة
أَحدهمَا أَنه مُبَاح
وَالثَّانِي انه حرَام وعَلى هَذَا إِذا ارتضع الجدي من كلبة أَو خنزيرة حَتَّى نبت لَحْمه مِنْهُ كَانَت إِبَاحَته على الْوَجْهَيْنِ
وَلَا يحل مَا يتقوى بنابه كالأسد والنمر وَالذِّئْب وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد
وَقَالَ مَالك يكره ذَلِك وَلَا يحرم وَكَذَا قَالَ فِي الْكَلْب وَاخْتلف فِي عِلّة التَّحْرِيم فِي نَهْيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أكل كل ذِي نَاب من السبَاع

(3/354)


فعلل الشَّافِعِي رَحمَه الله بِمَا قوي بنابه وَعدا عَن الْحَيَوَان
وَقَالَ ابو إِسْحَاق من اصحابنا هُوَ مَا كَانَ عيشه بنابه دون غَيره وَلَا يَأْكُل إِلَّا مَا يفترس من الْحَيَوَان
وَقَالَ ابو حنيفَة هُوَ مَا فرس بنابه وَإِن لم يبتد بالعدوى وعاش بِغَيْر نابه
وَيحرم آكل حشرات الأَرْض كالفار والخنافس والعناكب والوزغ والعظاء واللحكاء وَهِي دويبة كالسمكة تسكن الرمل صيفا صقيلة الْجلد يعرض مقدمها ويدق مؤخرها إِذا احست بِإِنْسَان غاصت فِي الرمل
وَقَالَ مَالك يكره ذَلِك وَلَا يحرم
وَيحرم من الطير مَا لَهُ مخلب والمستخبث كالغراب الأبقع وَالْأسود الْكَبِير وَفِي الغداف وَهُوَ صَغِير الْجِسْم لَونه لون الرماد وَجْهَان
أَحدهمَا يحل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَكَذَا غراب الزَّرْع وَيُسمى الزاغ
وَمَا عدا الْمَنْصُوص عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْعَرَب من أهل الرِّيف والقرى فَمَا استطابته حل أكله وَمَا استخبثته حرم أكله
وَمَا كَانَ فِي بِلَاد الْعَجم وَلم يكن لَهُ شبه فِيمَا يحل وَلَا فِيمَا يحرم فِيهِ وَجْهَان

(3/355)


أَحدهمَا أَنه يحل وَهُوَ قَول أبي الْعَبَّاس وابي عَليّ الطَّبَرِيّ
وَالثَّانِي أَنه لَا يحل
فَأَما إِذا اتّفق مَا استطابه قوم من الْعَرَب واستخبثه قوم فَإِنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْأَشْبَه فَإِن اسْتَويَا فِي الشّبَه فَفِيهِ وَجْهَان من اخْتِلَاف أَصْحَابنَا فِي الْأَشْيَاء قبل الشَّرْع هَل هِيَ على الْحَظْر ام على الْإِبَاحَة
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام فَخر الْإِسْلَام رَحمَه الله وَعِنْدِي أَن هَذَا بِنَاء فَاسد وَيَنْبَغِي أَن يحرم
وَأما حَيَوَان المَاء فالسمك مِنْهُ حَلَال والضفدع حرَام
قَالَ القَاضِي ابو الطّيب رَحمَه الله وَكَذَلِكَ النسناس لِأَنَّهُ يشبه الْآدَمِيّ
قَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد رَحمَه الله والسرطان مثله وَفِيمَا سوى ذَلِك وَجْهَان
أَحدهمَا يحل وَالثَّانِي أَن مَا أكل مثله فِي الْبر حل وَمَا لَا يحل مثله فِي الْبر لَا يحل

(3/356)


وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ لَا يحل من حَيَوَان المَاء إِلَّا السّمك وَمَا كَانَ من جنسه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
فَإِن قُلْنَا أَنه يحل جَمِيعه فَإِنَّهُ يحل إِذا أخرجه إِلَى الْبر وَإِن بَقِي الْيَوْم واليومين فَإِن شَاءَ تَركه حَتَّى يَمُوت وَإِن شَاءَ استعجل قَتله وَمن قَالَ يحل مَا كَانَ يحل مثله فِي الْبر اعْتبر فِيهِ الذَّكَاة
وَقَالَ أَحْمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ أَنه لَا يحل مَا عدا السّمك إِلَّا بِذَكَاة
وَمن قَالَ يحل السّمك فَسَوَاء مَاتَ بِسَبَب أَو بِغَيْر سَبَب فَإِنَّهُ يحل وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد
وَقَالَ ابو حنيفَة إِذا مَاتَ بِسَبَب حل وَإِن مَاتَ بِغَيْر سَبَب لم يحل وَإِن مَاتَ بِسَبَب حر المَاء أَو برده فقد اخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ
وَيحل الْجَرَاد وَلَا فرق بَين أَن يَمُوت بِسَبَب وَبَين أَن يَمُوت من غير سَبَب
وَقَالَ مَالك لَا يحل إِلَّا إِذا مَاتَ بِسَبَب وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَحكى أَصْحَابنَا عَن مَالك أَنه يعْتَبر قطف رَأسه فَإِن أَخذ السّمك الصغار فَبَلغهُ حَيا
فقد قَالَ ابْن الْقَاص يحل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد لَا يحل لِأَنَّهُ تَهْذِيب لَهُ وَكَذَا قَالَ لَا يحل طبخه قبل مَوته

(3/357)


فَأَما إِذا ضرب سَمَكَة فَانْقَطع مِنْهَا قِطْعَة وأفلت بَاقِيهَا حَيا هَل يحل أكل هَذِه الْقطعَة فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا أَبُو عَليّ بن ابي هُرَيْرَة
أظهرهمَا أَنه يحل
وَإِن وجد سَمَكَة فِي جَوف سَمَكَة وانفصلت الدَّاخِلَة وَقد تغير لَحمهَا فَفِي إِبَاحَة أكلهَا وَجْهَان
فَأَما السّمك الصغار الهاربي الَّذِي يقلى من غير أَن يشق جَوْفه فقد قَالَ أَصْحَابنَا لَا يجوز أكله لِأَن رجيعه نجس
قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر غير أَن يشق إِخْرَاجه
فصل
وَمن اضْطر إِلَى أكل الْميتَة أَو لحم الْخِنْزِير جَازَ لَهُ أكله وَهل يجب عَلَيْهِ أكله فِيهِ وَجْهَان
أصَحهمَا أَنه يجب وَهل يجوز أَن يشْبع مِنْهَا فِيهِ قَولَانِ
أَحدهمَا أَنه لَا يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتِيَار الْمُزنِيّ

(3/358)


وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه يجوز أَن يشْبع وَهُوَ قَول مَالك وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد
وَإِن اضْطر إِلَى إطْعَام غَيره وَصَاحبه غير مُضْطَر إِلَيْهِ وَجب عَلَيْهِ بذله لَهُ فَإِن طلب مِنْهُ أَكثر من ثمن مثله وَامْتنع من بذله لَهُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ بذلك فَهَل يلْزمه الزِّيَادَة فِيهِ وَجْهَان
أَحدهمَا يلْزمه
وَالثَّانِي لَا يلْزمه
وَاخْتَارَ أقضى الْقُضَاة أَبُو الْحسن الْمَاوَرْدِيّ تَفْصِيلًا خلاف الْوَجْهَيْنِ
فَقَالَ ينظر فَإِن كَانَت الزِّيَادَة لَا تشق عَلَيْهِ ليساره فَهُوَ فِي بذلها غير مكره فَيلْزمهُ وَإِن كَانَت شاقة عَلَيْهِ لإعساره فَهُوَ مكره فِي بذلها فَلَا تلْزمهُ
قَالَ الإِمَام أَبُو بكر وَهَذَا عِنْدِي خلاف الْقيَاس وَلَا وَجه للتفرقة بَين الْمُوسر والمعسر فِي الزِّيَادَة فَإِن الْمُوسر لَا يلْزمه قبُول الزِّيَادَة وَيجوز لَهُ الِانْتِقَال إِلَى أكل الْميتَة وَلَا يلْزم صَاحب الطَّعَام بذله من غير ثمن إِمَّا فِي ذمَّته إِن رَضِي بِذِمَّتِهِ أَو بِمَال فِي يَده إِذا كَانَ فِي يَده مَال

(3/359)


وَحكي عَن بعض النَّاس أَنه قَالَ يلْزمه بذله من غير ثمن وَحَكَاهُ فِي الْحَاوِي عَن بعض اصحابنا فَإِن امْتنع من بذله كَانَ لَهُ مكابرته على أَخذه وقتاله قدر مَا يكاثره عَلَيْهِ قَولَانِ
فَإِن وجد ميتَة وَطَعَام الْغَيْر وَصَاحبه غَائِب فَفِيهِ وَجْهَان
واحدهما أَنه يَأْكُل طَعَام الْغَيْر وَيضمن قِيمَته
وَالثَّانِي أَنه يَأْكُل الْميتَة وَبِه قَالَ أَحْمد
وَإِن وجد ميتَة وصيدا وَهُوَ محرم فَفِيهِ طَرِيقَانِ
أظهرهمَا أَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه إِذا ذبح الصَّيْد صَار ميتَة أكل الْميتَة وَإِن قُلْنَا لَا يصير ميتَة ذبح الصَّيْد وَأكله
وَمن اصحابنا من قَالَ إِذا قُلْنَا لَا يصير ميتَة فَفِيهِ قَولَانِ
وَإِن وجد الْمحرم صيدا وَطَعَام الْغَيْر فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه
أَحدهَا يَأْكُل الصَّيْد
وَالثَّانِي يَأْكُل طَعَام الْغَيْر
وَالثَّالِث يتَخَيَّر بَينهمَا

(3/360)


وَإِن اضْطر وَلم يجد مَا يَأْكُلهُ فَهَل يجوز أَن يقطع من بدن نَفسه ويأكله فِيهِ وَجْهَان
قَالَ أَبُو إِسْحَاق يجوز
وَالثَّانِي لَا يجوز
فَإِن اضْطر إِلَى شرب الْخمر فَفِيهِ ثَلَاثَة اوجه
أَحدهَا أَنه لَا يجوز شربهَا
وَالثَّانِي يجوز وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
وَالثَّالِث أَنه لَا يجوز شربهَا للعطش وَيجوز شربهَا للدواء
وَقيل بِالْعَكْسِ من ذَلِك
فَإِن وجد آدَمِيًّا مَيتا جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ
وَقَالَ احْمَد لَا يَأْكُل مِنْهُ وَحكي ذَلِك عَن دَاوُد
وَلَا يجوز اسْتِعْمَال الْخِنْزِير فِي غرز وَلَا غَيره وَمَتى اصاب شَيْئا رطبا نجسه

(3/361)


وَقَالَ اصحاب ابي حنيفَة يجوز اسْتِعْمَاله فِي الْحِرْز
إِذا وَقعت نَجَاسَة فِي دهن جامد ألقيت وَمَا حولهَا وَإِن كَانَ مَائِعا نجس جَمِيعه وَلَا يجوز أكله وَلَا بَيْعه وَيجوز الاستصباح بِهِ
وَقَالَ قوم من أَصْحَاب الحَدِيث لَا يجوز الاستصباح بِهِ
وَقَالَ دَاوُد إِن كَانَ سمنا فَذَلِك حكمه وَإِن كَانَ غَيره لم ينجس
وَذكر فِي الْحَاوِي إِذا وجد الْمُضْطَر ميتَة مَأْكُول اللَّحْم وَغير مَأْكُول أَو ميتَة حَيَوَان طَاهِر فِي حَال حَيَاته وميتة حَيَوَان نجس فَفِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه يتَخَيَّر بَينهمَا
وَالثَّانِي يَأْكُل ميتَة الْمَأْكُول الطَّاهِر وَلَيْسَ بِشَيْء
وَإِن مر ببستان غَيره وَهُوَ غير مُضْطَر لم يجز أَن يَأْكُل من ثمره شَيْئا بِغَيْر إِذْنه
وَقَالَ أَحْمد إِذا مر ببستان فِيهِ ثَمَرَة رطبَة غير محوطة جَازَ لَهُ أَن يَأْكُل مِنْهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَأما السواقط تَحت الْأَشْجَار من الثِّمَار

(3/362)


إِذا لم تكن محوزة وَجَرت عَادَة أَهلهَا بإباحتها فَهَل تجرى الْعَادة فِي ذَلِك مجْرى الْإِذْن حكى فِي الْحَاوِي وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَن الْعَادة تجرى فِيهِ مجْرى الْإِذْن فَيجوز لَهُ الْأكل
فَإِن استضاف مُسلم بِمُسلم لم يكن بِهِ ضَرُورَة لم يجب عَلَيْهِ إِضَافَته وَإِنَّمَا يسْتَحبّ
وَقَالَ احْمَد يجب
وَلَا يحرم كسب الْحجام وَيكرهُ للْحرّ أَن يكْتَسب بالصنائع الدنيئة وَلَا يكره للْعَبد
وَحكي عَن بعض أَصْحَاب الحَدِيث أَنه حرَام على الْأَحْرَار وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي عِلّة كَرَاهَة كسب الْحجام

(3/363)


فَقيل لأجل مُبَاشرَة النَّجَاسَة فعلى هَذَا يكره كسب الكناس والزبال والقصاب وَاخْتلف قَول هَذَا الْقَائِل فِي الفصاد على وَجْهَيْن
أَحدهمَا أَنه من جُمْلَتهمْ
وَالثَّانِي هُوَ قَول أبي عَليّ بن أبي هُرَيْرَة أَنه لَا يكره لاقترانه بِعلم الطِّبّ فَأَما الْخِتَان فمكروه كالحجام
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن كَرَاهَة التكسب بالحجامة لدنائتها وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله فعلى هَذَا يكره كسب الدّباغ والحلاق

(3/364)


والقيم وَاخْتلف فِي الحمامي على وَجْهَيْن وَحكي فِي كَرَاهَة ذَلِك للعبيد وَجْهَيْن ذكر ذَلِك فِي الْحَاوِي وَالصَّحِيح مَا قدمْنَاهُ
وَاخْتلف فِي أطيب المكاسب
فَقيل الزِّرَاعَة
وَقيل الصِّنَاعَة
وَقيل التِّجَارَة وَهِي أظهرها على مَذْهَب الشَّافِعِي رَحْمَة الله عَلَيْهِ

(3/365)


- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الصَّيْد والذبائح لَا تحل ذَبِيحَة غير أهل الْكتاب وهم الْيَهُود وَالنَّصَارَى من الْكفَّار
وَقَالَ أَبُو حنيفَة تحل ذَبِيحَة نَصَارَى الْعَرَب
فَأَما إِذا كَانَ ولد كتابي من مَجُوسِيَّة أَو وثنية فَفِي ذَبِيحَته قَولَانِ
أَحدهمَا لَا يحل كَمَا لَو كَانَ الْأَب مجوسيا
وَالثَّانِي يحل وَهُوَ قَول ابي حنيفَة وَكَذَا لَو كَانَ الْأَب مجوسيا وَالأُم كِتَابِيَّة حل عِنْده وَتَصِح ذَكَاة الصَّبِي وَالْمَجْنُون فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا السَّكْرَان
وَذكر فِي الْحَاوِي ان فِي النَّصَارَى وَالْيَهُود من بني إِسْرَائِيل من لَا يعْتَقد أَن العزير والمسيح ابْن الله فَتحل ذَبِيحَته وَمن اعْتقد مِنْهُم أَن العزير ابْن الله والمسيح ابْن الله لَا تحل ذَبِيحَته فِي أحد الْوَجْهَيْنِ

(3/366)


وَلَا يحل الذّبْح بِالسِّنِّ وَالظفر
وَقَالَ ابو حنيفَة تصح بهما إِذا كَانَا منفصلين
وَيسْتَحب أَن يُسَمِّي الله عز وَجل على الذّبْح وإرسال الْجَارِحَة على الصَّيْد فَإِن ترك التَّسْمِيَة لم يحرم وَبِه قَالَ مَالك
وَقَالَ ابو ثَوْر وَدَاوُد التَّسْمِيَة شَرط فِي الْإِبَاحَة بِكُل حَال
وَقَالَ ابو حنيفَة هِيَ شَرط فِي حَال الذّكر وَعَن أَحْمد ثَلَاث رِوَايَات رِوَايَة مثل قَول دَاوُد وَرِوَايَة مثل قَول ابي حنيفَة وَرِوَايَة أَن يُسَمِّي فِي إرْسَال الْجَارِحَة على الصَّيْد وَلَا يلْزمه فِي إرْسَال السهْم

(3/367)


وَأما الذَّكَاة فَلَا يشْتَرط فِيهَا التَّسْمِيَة فِي حَال النسْيَان وَفِي حَال الْعمد رِوَايَتَانِ
وَالْمُسْتَحب أَن يقطع الْحُلْقُوم والمرىء والودجين
فالحلقوم مجْرى النَّفس فِي مقدم الرئة
والمرىء مجْرى الطَّعَام وَالشرَاب وَبِهِمَا تبقى الْحَيَاة
والودجان عرقان فِي جَانِبي الْعُنُق من مُقَدّمَة لَا تفوت الْحَيَاة بفوتهما وَقد يسلان من الْحَيَوَان فَيبقى وَيُقَال لَهما الوريدان وَلَا يعْتَبر قطعهمَا فِي الذَّكَاة
وَقَالَ ابو حنيفَة يعْتَبر قطع الْأَكْثَر من كل وَاحِد مِنْهُمَا
وَقَالَ ابو يُوسُف لَا يحل حَتَّى يقطع أَكْثَرهَا عددا ثَلَاثَة من أَرْبَعَة
وَحكي فِي الْحَاوِي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يحل حَتَّى يقطع جَمِيع هَذِه الْأَرْبَعَة
وَحكي عَن سعيد بن الْمسيب أَنه يحرم إِذا فعل ذَلِك
فَإِن قطع الْحُلْقُوم وَأكْثر المرىء فَهَل تحصل الذَّكَاة فِيهِ وَجْهَان
أظهرهمَا أَنه لَا يحل
وَالثَّانِي يحل فَإِن ذبحه من قَفاهُ وَبَقِي فِيهِ حَيَاة مُسْتَقِرَّة عِنْد قطع الْحُلْقُوم وَيعلم ذَلِك بالحركة القوية حل وَإِن بَقِي فِيهِ حَرَكَة مَذْبُوح لم يحل

(3/368)


وَحكي عَن مَالك وَأحمد أَنَّهُمَا قَالَا لَا يحل بِحَال
وتنحر الْإِبِل معقولة ويذبح الْبَقر وَالْغنم مُضْطَجِعَة فَإِن ذبح الْإِبِل وَنحر الْبَقر كره وَحل
وَحكي عَن مَالك أَنه قَالَ لَا يجوز ذبح الْجمل فَإِن ذبحه لم يحل