روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - مقدمات

بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) * (1) * (يا أيها الذين اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء. واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام، أن الله كان عليكم رقيبا) * (2). * (يا الذين آمنوا اتقوا الله قولا سديدا. يصلح لكم أعمالكم، ويغفر لكم ذنوبكم، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا علظيما) * (3) أما بعد: فنستهل تقدمتنا على روضة الطالبين ببيان فضل العلم وأهله وشروط تعلمه فنقول ولله الحمد والمنة.
اعلم هدانا الله وإياك إلى سبيل والرشاد ورزقنا الحرص على تحصيل مرضاته فلا بد للعبد حتى يستقيم مع منهج الله سبحانه وتعالى من أربعة أشياء : العلم والعمل والاخلاص والخوف - فمن لم يعلم فهو أعمى ومن لم يعمل بما

(1/3)


علم فهو محجوب ومن لم يخلص العمل فهو مغبون ومن لم يلازم الخوف فهو مغرور كما هو معلوم ومشهور. فأما فضائل العلم وأهله فأكثر من أن تحصى وأعظم من أن تستقصى من الآيات والاحاديث النبوية ولنتبرك بذكر شئ منها. فأما الكتاب :
قال الله تعالى: * (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) * (1) وقال تعالى: * (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) * (2) وقال تعالى: * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط) * (3) بدأ الله سبحانه وتعالى بنفسه وثنى بالملائكة وثلث بالعلماء دون سائر خلقه فيكون من عداهم دونهم وهو المطلوب. وقال تعالى: * (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما) * (4) وعادة العرب في سياق الامتنان تأخير الافضل وتقديم المفضول على الافضل فتكون موهبته عليه السلام من العلم أفضل من موهبته من الانزال المتضمن للبنوة والرسالة وهذا أشرف. وقال تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام في أمر الهدهد: * (لاعذبنه عذابا شديدا) * فلما جاء الهدهد قال: * (أحطت بما لم تحط به) * (5) اشتدت نفسه واستعلت بما عليه على سيد أهل الزمان ورسول الملك الديان مع عظم ملكه وهيبة مجلسه وعلم الهدهد بحقارة نفسه. فلولا أن العلم يرفع من

(1/4)


الثرى إلى الثريا لما عَظُم الهدهد بعد أن كان نسيا منسيا. فلا جرم أبدل له العقوبة الاكرام النفيس وأسبع عليه خلع الرسالة إلى بلقيس. وقال تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري عن تحتها الانهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) * (1) فنقول إن خير البرية من يخشى الله وكل من يخشى الله تعالى فهو عالم فخير البرية عالم فأثبت الخشية لخير البرية وهو المطلوب. وقال الله تعالى: * (إنما يخشى الله من عبادة العلماء) (2). أضاف الخشية إلى كل عالم على وجه الحصر فيكون كل من يخشى الله تعالى فهو عالم وهو المطلوب. وأما السنة : - فعن معاوية رضي الله عنه قال : قال : رسول - صلى الله عليه وسلم - من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين وإنما أنا قاسم والله يعطي ولا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك (3) والقاعدة أن المبتدأ مخصور في الخير والشرط اللغوي محصور في مشروطه لانه سبب فيكون المراد: الخير محصور في المتفقة فمن ليس بمتفقه لا خير فيه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة وما اجتمع قوم في مسجد من مساجد الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وخفت بهم الملائكة وذكر هم الله فيمن عنده (4)

(1/5)


فالريق الذي يسلك به فيها إلى الجنة فمعناه أن هذه الحالة سبب موصل إلى الجنة. وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - من سلك طريقا يطلب فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الانبياء وإن الانبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر (1) وأما وضع الملائكة أجنحتها فقيل تكف عن الطيران لتجلس فتسمع منه وقيل تكف عن الطيران توقيرا له وقيل ستكف عن الطيران لتبسط أجنحتها له بالدعاء ولو لم تعلم الملائكة أن منزلته عند الله تستحق ذلك له فعلته. وأما استغفار هم فهو طلب ودعاء له بالمغفرة ظنك بدعاء قوم لا يعصون الله ما أمر هم ويفعلون بالبدر ففيه أمور: منها: أن العالم يكمل بقدر اتباعه للنبي - صلى الله عليه وسلم - لان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الشمس لقوله تعالى: * (إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيان إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) * (2). والسراج الشمس لقوله تعالى: * (وجعلنا سراجا وهاجا) * (3) ولما كان القمر يستفيد من الشمس وكلما كثر توجهه إليها كثر ضوءه حتى يصير بدرا

(1/6)


فكذلك العالم كلما كثر توجهه للنبي - صلى الله عليه وسلم - وإقباله عليه توفر كماله. ومنها: أن العالم إذا أعرض عن فهم النبي صلى الله عليه وآله فسد حاله كما أن القمر إذا حيل بينه وبين الشمس كسف. ومنها: ان الكوكب مع البدر كالمطموس الذي لا أثر له وضوء البدر عظيم المنفعة منتشر الاضواء منبعث الاشعة في الاقطار برا وبحرا وهذا هو شأن العالم، وأما العابد فكالكوب حينئذ لا يتعدى نوره محله ولا يصل نفعه إلى غيره. وعن أبي أمامة الباهلي قال: ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله رجلان أحدهما عابد والآخر عالم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن الله وملائكة وأهل السموات والارض حتى النملة في حجرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير (1) وهذا الحديث أبلغ من الحديث السابق فإن فضله عليه السلام على أدنا هم أعظم من فضل القمر على الكواكب أضعافا مضاعفة. أولا: إن العلم معتبر في الالهية وكفى بذلك شرفا عند كل عاقل على العبادات وغيرها. ثانيا: إن كل خير مكتسب في العالم بسبب العلم وكل شريكتسب في العالم فهو بسبب الجهل. ثالثا: إن الله تعالى لما أراد بيان فضل آدم على الملائكة وإقامة الحجة عليهم علمه أسماء الاشياء كلها ثم سألهم فلم يعلموا وسأله فعلم فاعترفوا حينئذ بقضيلة وأمرهم بالسجود له في لعنته وهذا حال العلم بأسماء الاشياء أو علامتها على الخلاف في من الله تعالى بقبيح لعنته وهذا حال العلم بأسماء أو علامتها على الخلاف في ذلك فكيف العلم بحدود الدين وما يتوصل به إلى رب العالمين. فإن العالم ينقل عن الحق للخلق فيقول: إن الله تعالى حرم عليكم كذا

(1/7)


وأوجب عليكم كذا وأذن لكم في كذا فهو القائم بأمر الله تعالى في خلقه وموصله إلى مستحقه والدافع عن تحريف المحرفين وتبديل المبدلين وشبه المبطلين. وكفى بذلك شهيدا على فضل العلم والعلماء. شروط تعلمه فأما عن شروط تعلم العلوم وتعليمها فكثيرة: أحد ها: أن يقصد بها ما وضع ذلك العلم له فلا يقصد غير ذلك كاكتساب مال أوجاه أو مغالبة خصم أو مكابرة. ثانيا: أن يقصد العلم الذي تقبله طباعه إذ ليس كل أحد يصلح لتعلم العلوم ولا كل من يصلح لتعلمها يصلح لجميعها لجميعها بل كل ميسر لما خلق له. ثالثا: أن يعلم غاية العلم ليكون على ثقة من أمره. رابعا: أن يستوعب ذلك العلم من أوله إلى آخره تصورا وتصديقا. خامسا: أن يقصد فيها الكتب الجيدة المستوعبة لجميع مسائل العلم. سادسا: أن يقرأ على شيخ مرشد وأمنى ناصح ولا يستبد بنفسه وذكائه. والله در القائل: - من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة * يكن عن الزيغ والتحريف في حرم من يكن آخذا للعلم عن صحت * فعلمه عند أهل العلم كالعدم وقال آخر: أمدعيا علما وليس بقاري * كتابا على شيخ به يسهل الحزن أتزعم أن الذين يوضح مشكلا * بلا مخبر تالله قد كذب الذهن وإن ابتغاء العلم دون معلم * كموقد مصباح وليس له دهن سابعها: أن يذاكر الاقران والانظار طالبا للتحقيق لا المغالبة بل للمعاونة على الفائدة بل للاستفادة.

(1/8)


ثامنا: أنه إذا علم ذلك العلم لا يضيعه بإهماله ولا يمنعه مستحقه ولا يؤتيه غير مستحقه. تاسعا: أن لا يعتقد في علم أنه حصل مقدارا لا تمكنه الزيادة عليه فذلك نقص وحرمان. عاشرا: أن يعلم أن لكل علم حدا فلا يتجاوزه ولا ينقص عنه. وبهذا يتضح لنا أن العلم حياة للقلوب وبه يعرف الحلال والحرام فمن تحلى به فقد ساد.
الفقه وتطوره
إن المقصد الأسنى من علم الفقه تطبيق الاحكام الشرعية على أفعال الناس وأقوالهم فالفقه هو مرجع القاضي في قضائه والمفتي في فتواه ومرجع لكل مكلف لمعرفة الحكم الشرعي فيما يصدر عنه من أقوال وأفعال وهذه الغاية منه. فيطلن الفقه في اللغة على الفهم مطلقا سواء كان المفهوم دقيقا أم غيره وسواء كان غرضا لمتكلم أم غيره (1). وفي الاصطلاح: هو العلم بالاحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية (2). وقيل الفقه علم مستنبط يعرف منه أحكام الدين. وقال النسفي: الفقه هو الوقوف على المعنى الخفي الذي يحتاج في حكمه إلى النظر والاستدلال. يقول ابن خلدون (3) رحمه الله. الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب والحظر والندب والكراهة والاباحة وهي متلقاة من الكتاب والسنة وما نصه الشارع لمعرفته من الادلة فإذا استخرجت الاحكام من تلك الادلة قيل لها فقه.

(1/9)


ومن تتبع تاريخ النظم والشرائع يستبين أن أي نظام في الحياة منذ بدأت وكان لها تاريخ لم يقم طفرة ولم يتكون جملة على نحو متماسك بل لابد أن يمر بجميع الادوار التي يمر بها كل كائن ذي حياة حتى يصل إلى غايته من النضج وهكذا شأن تحت ظل قواعد كلية وأصول عامة بوحي من الله تعالى وتلك القواعد والاصول قد الحتواها القرآن الكريم وسنة وسوله صلى الله عليه وآله التشريعية قولا وعملا و تقريرا. ثم جاء دور البناء على تلك الاصول والاسس ثم جاء دور النضج واستكمال مقوماته والارتفاع به على يد طائفة من الائفة المجتهدين المخلصين الذين كان لهم صدق في القول والفعل فوصلوا به إلى غايته. وتنحصر هذه الادوار فيما يأتي: - أولا: التشريع في عهد النبي الخاتم صلى الله عليه وآله لقد جاء الاسلام إلى كافة لكنه بدأ بإصلاح شأن العرب الذين اختارهم. الله لنصرة دينه ودعاء إليه وكان حال العرب آنذاك قائما على الوثنية في الدين والفوضى في نظان المجتمع فكان لابد من خلاصهم من هذه الفوضى واستخلاصهم لنصرة سبحانه وتعالى ويوجهم نحو إخلاص العبادة له تعالى ويمحو من بينهم العادات المستخبثة ويطبعهم على غرار حسن من الاخلاق الفاضلة والنوايا الكريمة، وبأن يصح لهم نظاما حكما يتناول كل شؤونهم ليسيروا على هدية في نواحي الحياة المختلفة ولقد اتجه الاسلام في أول أمره إلى إصلاح القيده فإنها القاعدة التي بنى عليها ما عداه حتى إذا تم له الغرض الاول أخذ فيما يليه من وضع نظم الحياة فشرع لهم الاحكام التي تتناول شؤونهم وتفصل بحياة الفرد والجماعة في كل ناحية من نواحيها في العبادات والمعاملات والجهاد والجنايات والمواريث والوصايا والزواج والطلاق والايمان النذور والقضاء ومتعلقاته وكل مسائل الفقة الاسلامي. وطريقة التشريع في هذا العصر كانت سائرة على نهج واحد لان السلطة التشريعية كانت للنبي صلى الله عليه وآله وحده دون أن يتدخل فيها أحد سواه وأن المرجع الاساسي له صلى الله عليه وآله كان الوحي بقسميه المتلو وهو القرآن وغيره المتلو وغير المتلو وهو السنة.

(1/10)


قال الله تعالى * (وما ينطق عن الهوى طن هو إلا وحى يوحى) *. فلم يكن ثمة خلاف لان المصدر الالهي قد أفاض بالنور على الامة البشرية. ثم يأتي الدور الثاني وهو بعد التقاء النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الاعلى وهو ما يسمى عند البحاحثين بالتشريع في عهد الخلفاء الراشدين فلما توفى الحيبب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله تاركا وراءه أصحابه رضي الله عنهم الذين رأوه وحفظوا كلامه وشاهدوا أفعاله فلم يترك لهم فقها مدونا إنما ترك لهم جملة من الاصول والتشريعات كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله سواء كانت أقوال أو أفعال أو تقريرات وكان هذا كفاية لهم في شؤونهم آنذاك ولكن لما استعت رقعة الاسلام وامتد سلطانه إلى أمم إلى تنظيم ذلك وتقعيده سواء في هذا أمور الدين أو أمور الدنيا فبدأ الفقه حينئذ يتطور وأخذ يخطو الصحابة للاحكام في ذلك العصر. قال: كان أبو بكر رضي الله عنه إذا ورد عليه الخصوم نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي به بينهم قضى وإن لم يجد في الكتاب وعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة قضى بها فإن أعياه خرج فسأل المسلمين أتاني كذا وكذا فهل علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء فربما اجتمع عليه النفر كلهم يذكر فيه عن رسول الله صلى عليه وسلم فضاء فإن أعياه أن يجد فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشار هم فإن أجمع رأيهم على شئ قضى به. وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فكان اعتماد هم في فتاوا هم على الكتاب والسنة والاجماع والقياس (1). وبعد عصر الخلفاء الراشدين وكبار أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أوائل القرن الثاني من هجرة سيد الانام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1/11)


وكان التشريع في هذا الدور يسير على سنن ماكان عليه في الدور السابق من حيث الاعتماد على الكتاب والسنة والاجماع والقياس ويضاف إلى ذلك فتاوى أصحاب الصدر الاولى فالخطة التشريعية في هذا العصر هي بعينها في العصر الاول غير أن مبدأ الشورى لم يعدله من المنزلة وما كان له في العصر السابق لاحتلاف المسلمين وتفرقهم بعد مقتل عثمان رضي الله عنه وانقسموا بسبب ذلك إلى خوارج وشيعة وأهل السنة والجماعة وهو جمهور الامة وانتج هذا الخلاف تشعب الخلافات الفقهية وظهور المدارس الكثيرة وانقسام العلماء في ذلك العصر إلى أهل حديث وأهل رأي ولكل منهما مدرسته إلى الخاصة التي أنشأها وكان لها دور كبير في نشأة الفقه الاسلامي وتطوره ثم بدأ الفقه إلى نمو آخر في أول القرن الثاني من هجرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وينتهي في منتصف القرن الرابع من الهجرة وهذا العصر كما يقول عنه الباحثون هو العصر الذهبي للتشريع الاسلامي فقد نضج وأثمر ثروة تشريعية أغنت الدولة الاسلامية بالقوانين والاحكام على سعة أرجائها وإختلاف شؤونها وتعدد مصالحها واتجه المسلمون في هذا العصر إلى ما لم يتسع له زمن أسلافهم ولم تتهيأ لهم أسبابه فأفرغوا كثيرا من جهود هم في التدوين والتصنيف وتنظيم المسائل وفي تتهيأ لهم أسبابه فأفرغوا كثيرا من جهودهم في التدوين والتصنيف وتنظيم المسائل وفي هذا العهد نشأ أعلام الهم مواهبهم واستعداداتهم وساعدتهم البيئة التي عاشوا فيها على استثمار هذه المواهب والاستعدادات فتكونت الملكات التشريعية لكثير من أفذاذ هم أمثال أبي حنيفة ومالك وبهذا فقد تضخم الفقه الاسلامي ونما وعلا وأصبح شاملا لما تجدد مع الحضارة الحديثة من الوقائع ومقتضيات العمران.
في ذكر شئ من كتب المذهب وبيان المعتمد منها
اعلم أن كتب الامام الشافعي رحمه الله تعالى صنفها في صنفها في الفقه أربعة: الام - الاملاء - البويطي ومختصر المزني. هذا في الجديد وأما القديم فالأمالي ومجمع الكافي وعيون المسائل والبحر المحيط. فاختصر الاربعة الاولى المتحدثة بلسان الجديد من مذهب الامام الشافعي إمام

(1/12)


الحرمين في كتابه النهاية وقيل غير ذلك واختصر الغزالي رحمه الله النهاية إلى البسيط ثم اختصر البسيط إلى الوسيط وهو إلى الوجيز ثم اختصر الوجيز إلى الخلاصة واختصر المصنف رحمه الله المحرر للرافعي إلى المنهاج ثم اختصر الشيخ زكريا الانصاري المنهاج إلى المنهج ثم اختصر الجوهري المهنج إلى النهج وشرح الرافعي الوجيز بشرحين صغير لم يسمه وكبير سماه العزيز فاختصر المصنف رحمه الله العزيز إلى الروضة وهو الكتاب الذي نحن بصدده ثم اختصر ابن مقري الروضة إلى الروض وشرحه شيخ الاسلام زكريا الانصاري في كتاب سماه أسنى المطالب ثم اختصر ابن حجر الروض في كتاب سماه النعيم واختصر الروضة أيضا المزجد في كتاب سماه العباب فشرحه ابن حجر شرحا جمع فيه فأوعى سماه الايعاب واختصر الروضة الحافظ السيوطي مختصرا سماه الغيثية ونظمها نظما سماه الخلاصة واختصر القزويني العزيز شرح الوجيز إلى الحاوي الصغير فنظمنه ابن الودري في بهجته فشرحه شيخ الاسلام بشرحين فأتى ابن المقري فاختصر الحاوي الصغير إلى الارشاد فشرحه ابن حجر في شرحين. قال ابن حجر الهيثمي رحمه الله: في أثناء كلام من ذيل تحرير المقال بعد أن تكلم عن المختصرات قال: ثم جاء النووي واختصر هذا الشرح يريد العزيز - ونقحه وحرره واستدرك على كثير من كلامه مما وجده محلا للاستدراك وسمى هذا المختصر روضه الطالبين - وهو الذين نحن بصدد تحقيقة - قال: ثم جاء المتأخرون بعده فاختلفت أغراضهم فمنهم المحشون وهم كثيرون أطالوا النفس في ذلك حتى بلغت حاشية الامام الاذرعي وهي التوسط والفتح بين الروضة والشرح إلى فوق الثلاثين سفرا وكذلك الاسنوي حشى في كتاب سماه المهمات وكذلك ابن العماد والبلقيني فجمع الزركشي حواشيهم في كتابه المشهور الخادم وقد مرت الاشارد إليه. قال العلامة ابن حجر وغيره من المتأخرين. قد أجمع المحققون على أن الكتب المتقدمة على الشخين لا يعتد بشئ منها إلا بعد كمال البحث والتحرير حتى يغلب على الظن أنه راجح في مذهب الشافعي ثم قالوا هذا في حكم لم يتعرض له الشيخان أو أحد هما تعرضا له فالذي أطبق عليه المحققون أن المعتمد ما اتفقا عليه فإن اختلفا ولم يوجد لهما مرجح أو وجد ولكن على السواء فالمعتمد ما قاله

(1/13)


النووي وإن وجد لاحدهما دون الآخر فالمعتمد ذو الترجيح. قال الكردي رحمه الله تعالى في المسلك العدل والفوائد المدنية: فإن تحالفت كتب النووي فالغالب أن المعتمد التحقيق فالمجموع فالتنقيح فالروضة والمنهاج ونحو فتواه معتمدا لكنه نادر حدا وقد تتبع من جاء بعدهما كلامهما وبينوا المتعمدمن عيره بحسب ما ظهر لهم ثم إن لم يكن للشيخ ترجيح فإن كان المفتى من أهل الترجيح في المذهب أفتى بما ظهر له ترجيحه مما اعتمد أئمة مذهبة ولا تجوز له الفتوي بالضعيف عندهم وإن ترجح عنده لانه إنما يسأل عن الراجح في المذهب لا عن الراجح عنده إلا إن نبه على ضعفه وأنه لا يجوز تقليده للعمل به حيث كان كذلك فلا بأس وإن لم يكن من أهل الترجيح.
المخطوطات التي استعنا بها في كتابة الحاشية
1 - البيان. تأليف الامام أبي الخير يحيى بن سالم بن سعيد بن عبد الله بن محمد بن موسى به عمران الشهير بالعمراني اليمني المولود سنة 558. - نسخة تحت رقم (1543).
2 - التاج في زوائد الروضة على المنهاج: تأليف نجم الدين محمد بن عبد الله ابن قاضي عجلون المتوفي سنة 786. نسخة تحت رقم (17017).
3 - التدريب: لشيخ الاسلام سراج الدين أبي حفص عمربن رسلان بن نصير بن صالح الكناني البلقيني المولود الثاني عشر من رمضان سنة 724 المتوفى عاشر ذي القعدة سنة 805. نسخة (527).
4 - التعقبيات على المهمات: تأليف العلامة شهاب الدين أمحمد بن العماد ابن يوسف الافقهيسي المتوفي سنة 808. - نسخة تحت رقم (1584).
5 - مختصر الروضة: اختصار العلامة الاصفوني من علماء القرن الثامن.

(1/14)


- نسخة تحت رقم (16790)
6 - المهمات في شرح الرافعي والروضة صاحب جواهر البحرين. - نسخة تحت رقم (1684).
7 - فتح العزيز على كتاب الوجيز: للامام أبي القاسم عبد الريم الرافعي القسم المخطوط منه. - نسخة تحت رقم (1681)
8 - قوت المحتاج شرح المنهاج: للاذرعي صاحب التوسط ذكره. - نسخة (1723)، (17825).
9 - زوائد روضة الطالبين: جمعها الصدر الكبير شرف الدين أبي عمر عثمان بن حمزة بن عثمان الرومي من علماء القرن السابع. - نسخة تحت رقم (1652).
10 - الشامل: تأليف العلامة أبي نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن جعفر المعروف بابن الصباغ المولود ببغداد سنة 400 المتوفى يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الاولى سنة 477 ببغداد. - نسخة تحت رقم (1658).
11 - الحاوي: تأليف الامام أبي الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري المعروف بالماوري المتوفي يوم الثلاثاء من شهر ربيع الاول سنة 4 50 وعمره ست وثمانون سنة - نسخ رقم (1600)، (19303).
12 - جواهر البحرين في تناقض الحبرين: تأليف جمالدين أبي محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن إبراهيم الامولي الاسنوي المولود بإسنا من صعيد مصر في العشر الاخير من ذي الحجة سنة 704 المتوفي سنة 772. - نسخة تحت رقم (159 6).
13 - تعليقة الفوائد على شرح الرافعي والروضة. تأليف أبي عبد الرحمن بن زهرة الشافعي.

(1/15)


- نسخة تحت رقم (6985).
14 - التوسط والفتح بين الروضة والشرح تأليف الامام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن حجربن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود بن يوسف بن خالد الاذرعي المولود بأذرعات في وسط سنة 807 المتوفي في خامس عشر جمادى الآخرة سنة 783. - نسخ 1576، (1718)، (19259).
15 - ارشاد المختاج إلى شرح المنهاج: تأليف قاضي القضاة بدر الدين أبي الفضل محمد بن أبي بكر المعروف بقاضي شهبة الاسدي المتوفي سنة 874.
- نسخة دار الكتب المصرية تحت رقم (1528).
16 - الاعتناء في الفرق والاستثناء تأليف الشيخ الامام بدر الدين محمد بن أبي بكر بن سليمان البكري وهو بتحقيقنا (فمنا بتحقيقه على ثلاث نسخ).
17 - البحر المحيط في الشرح الوسيط: تأليف الامام نجم الدين أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي الحرم مكي المخزومي المشهور بالقمولي المتوفى في سنة 727 وهو في الثمانين.
- نسخة دار الكتب تقع تحت رقم (19258).
18 - بحر المذهب : تأليف الشيخ الإمام أبي المحاسن عبد الواحد بن اسماعيل بن أحمد بن محمد المشهور بالروياني المولود سنة 415 من ذي الحجة المتوفى 502 .
19 - المعاياة في العقل لابي العباس أحمد بن محمد الجرجاني الشافعي المتوفى سنة 482. - نسخة تحت رقم (915) فقه شافعي.
20 - خادم الرافعي والروضة في الفروع. قال ابن حجر عنه ثم جمع الخادم طريق المهمات فاستمد من التوسط للاذرعي كثيرا وهي كثيرا وهي تقع في أثني عشر جزءا وهي خزانة دار الكتب المصرية.

(1/16)


21 - حاشية الكبري: وهي نكت على روضة الطالبين وهي نسخة محفوظة بمكتبة مسجد بدمياط بمصر ونسخة أخرى بمكتبة البلدية بالاسكندرية (1).
المصنف وزوائده
قال لفيف من أهل العلم: إن الشارح إذا زاد على الاصل فالزائد لا يخلوا إما أن يكون بحثا أو اعتراضا إن كان بصيغة البحث والاعتراض أو تفضيلا لما أجمله أو نكميلا لما نقصه وأهمله والتكميل إن كان له مأخذ من كلام سابقة أو لا حقه فابراز وإلا فاعتراض وضيغ الاعتراض ويتوجه وما اشتق منه أعم منه من غيره ونحو إن قيل له لمالا يندفع له يزعم المتعرض ويتوجه وما اشتق منه أعم منه من غيره ونحو إن قيل له مع ضعف فيه وقد يقال ونحوه لما فيه من ضعف شديد ونحوه لقائل لما فيه ضعف ضغيف وفيه بحث ونحوه لما فيه قوة سواء تحقق الجواب أولا وصيغة المجهول ماضيا أو مضارعا ولا بيعد. ويمكن كلها ضيغ التمريض تدل على ضعف مدخولها بحثان كان أو جوابا. وأقول وقلت لما هو خاصة القائل. وإذا قيل حاصله أو محصله أو تحريره أو تنقيحه أو نحو ذلك فذلك إشارة إلى قصور في الاصل أو اشتماله على حشو. وتراهم يقولون في مقام إقامة شئ مقام آخر مرة تنزل منزلة وأخرى أنيب منابه وأخرى أقيم مقامه فالاول في إقامة الاعلى مقام الادني والثاني بالعكس والثالث في المساواة وإذا رأيت واحد منها مقام آخر فهناك نكته. يقول السبكي في طبقاته (2): ولا يخفي على ذي بصيرة أن لله تبارك وتعالى عناية بالنووي ومصنفاته ويستدل على ذلك بما يقع في ضمنه من فوائد حتى لا تخلو ترجمته عن الفوائد. فنقول: ربما غير لفظا من ألفاظ الرافعي إذا تأمله المتأمل استدركه عليه وقال: لم يف بالاختصار ولا جاء بالمراد نجده عند التنقيب قد وافق الصواب ونطق بفصل

(1/17)


الخطاب وما يكون من ذلك عن قصد منه لا يعجب منه فإن المختصر ربما غير كلام من يختصر كلامه لمثل ذلك وإنما العجب من تغيير يشهد العقل بأنه لم يقصد إليه ثم وقع فيه على الصواب وله أمثله: منها قال الرافعي رحمه الله في كتاب الشهادات في فصل التوبة عن المعاصي الفعلية في التاوب أنه يختبر مدة يغلب على الظن فيها أنه أصلح عمله وسريرته وأنه صادق في توبته. وهل تتقدر تلك المدة ؟ قال قائلون: لا، إنما المعتبر حصول غلبة الظن بصدقه ويختلف الامر فيه بالاشخاص وأمارات الصدق هذا ما اختاره الامام والعبادي واليه أشار صاحب الكتاب بقوله حتى يستبرئ مدة فيعلم إلى آخره، وذهب آخرون إلى يقدير ها وفيه وجهان قال أكثر هم يستبرأ سنة، انتهى بلفظه فإذا تأملت قوله قال أكثر هم وجدت الضمير فيه مستحق العود على الآخرين الذاهبين إلى تقديرها، لا إلى مطلق الاصحاب، فلا يلزم أن يكون أكثر الاصحاب على التقدير، فضلا عن التقدير بستة، فهذا ما يعطيه لفظ الرافعي، في الشرح الكبير وصرح النووي في الروضة بأن الاكثرين على تقدير المدة بسنة فمن عارض بينها وبين الرافعي بتأمل قضى بمخالفتها له لان عبارة الشرح لا تنقضي أن أكثر الاصحاب على التقدير، وأنه سنة، بل إن أكثر المقدرين الذين هم من الاصحاب على ذلك، ثم يتأيد هذا القاضي بالمخالفة بأن عبارة الشافعي رضى الله عنه ليس فيها تقدير بسنة، ولا بستة أشهر، وإنما قال: أشهر، وأطلق الاشهر رضي الله عنه إطلاقا، إلا أن هذا إذا عاود كتب المذهب وجد الصواب ما فعله النووي، فقد عزا التقدير، وإن مقداره سنة إلى أصحابنا قاطبة، فضلا عن أكثر هم، الشيخ أبو حامد الاسفراييني في تعليقة وهذه عبارته: قال الشافعي: ويختبر مدة أشهر ينتقل فيها من السيئة إلى الحسنة، ويعف عن المعاصي. وقال أصحابنا: يختبر سنة انتهى. وكذلك قال القاضي الحسين في تعليقته ولفظه قال الشافعي: مدة من المدد. قال أصحابنا: سنة انتهى. وكذلك الماوردي، ولفظه: وصلاح عمله معتبر بزمان اختلف الفقهاء في

(1/18)


حده، فاعتبر بعضهم بستة أشهر، واعتبره أصحابنا بسنة كاملة) انتهى. وكذلك الشيخ أبو إسحاق، فإنه قال في المهذب: وقدر أصحابنا المدة بسنة وكذلك البغوي في (التهذيب)، وجماعات كلهم عزوا التقدير بالسنة إلى الاصحاب، فضلا عن أكثر هم، ولم يقل: بعض الاصحاب إلا القاضي أبو الطيب، وإلامام، ومن تبعهما، فإنهم قالوا: قال بعض أصحابنا تقدر بسنة، وقال بعضهم، زاد الامام أن المتحققيق على عدم التقدير. ومن تأمل ما نقلناه، أيقن بأن الاكثرين على التقدير بسنة، وبه صرح الرافعي في (المحرر) ولوح إليه تلويحا في الشرح العصير)، فظهر حسن صنع النووي، وإن لم يقصد، عناية من الله تعالى به.
وصف مخطوطات الكتب
وهي تنقسم إلى قسمين: أولا: النسخ التي اعتمدنا عليها في ضبط النص. الاولى: وهي النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية مكتوبة بخطوط مختلفة بخط جيد واضح وهي كاملة لا نقص فيه وقع في آخرها قوله: فرغ من نسخ هذه المجلدة يوم الجمعة قبل الزوال خامس عشرين جمادى الاولى سنة إحدى واربعين وسبعمائة بمدينة السلام بغداد حماها الله وصانها مع سائر المسلمين اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وقد جعلنا تلك النسخة أصلا للكتاب ورمزنا له بالرمز (أ). الثانية: وهي النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية مكتوبة نسخ غير أنها تنتهي إلى نهاية كتاب الطلاق وقد أشرنا إلى ذلك في حاشيتنا على الكتاب ورمزنا لها بالرمز (ب). الثالثة: وهي النسخة المطبوعة التي قام المكتب الاسلامي فيها بجهد مشكور ورمزنا لها بالرمز (ط). وقد قمنا بمقابلة هذه النسخ فأنبتنا فروقها وبذلنا جل جهدنا حتى خرج النص سليما خاليا من التصحيف والتخريف وقد تكلمنا عن طريقة الامام النووي - رضي الله

(1/19)


عنه - من خلال تقدمتنا على الكتاب ووضعنا في أسفل الكتاب حاشية استعنا فيها بما سبق ذكره من المخطوطات فضلا عن المطبوعات وسميناها (هداية الراغبين بتحقيق روضة الطالبين) ولله الحمد والمنة. ثانيا: النسخ التي ألحقنا بالكتاب. الاول: المنتقى من الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع للحافظ السيوطي وهي نسخة محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (521) مجاميع (5066) ميكروفيلم مكتوبة بحظ جيد واضح، وقد ألحقتها بالكتاب تتميما للفائدة بعد بند نصها وتحقيقها. الثانية: المنهج السوي في ترجمة الامام النووي للحاظ جلال الدين السيوطي وهي النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم (3943) تاريخ (35323) ميكروفيلم مكتوبة بحظ جيد واضح وقد ألحقتها في بداية الكتاب تكميلا لتقدمتنا على هذا الكتاب. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون عملنا خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به المسلمين. والحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
المحققان

(1/20)


صور مخطوطات كتاب الروضة وبعض الكتب الاخرى التي استفيد منها في كتاب الحاشية

(1/21)


بداية كتاب روضة الطالبين

(1/23)


باب تارك الصلاة من الروضة

(1/24)


كتاب الزكاة من الروضة

(1/25)


بداية كتاب الجنايات من الروضة

(1/26)


آخر ربع النكاح من الروضة

(1/27)


التحقيق للنووي

(1/28)


مسائل الخلاف للصيمري

(1/29)


طريقة القاضي حسين

(1/30)


أول ورقة من طريقة القاضي حسين

(1/31)


آخر المجلد الاول من طريقة القاضي حسين

(1/32)


تعليقة القاضي حسين

(1/33)


أول روقة من التعليقة للقاضي حسين

(1/34)


آخر ورقة من التعليقة

(1/35)


كتاب الفروق للجرجاني

(1/36)


أول ورقة من الفروق

(1/37)


آخر ورقة من الفروق

(1/38)


كتاب الحدود والاحكام الفقهية

(1/39)


أول ورقة من كتاب الحدود والاحكام الفقهية

(1/40)


آخر ورقة من كتاب الحدود والاحكام الفقيهة

(1/41)


منحة الراغبين للبكري

(1/42)


الشرح الكبير للرافعي

(1/43)


التاج في زوائد المنهاج لابن قاضي عجلون

(1/44)


خادم الرافعي والروضة

(1/45)


كتاب المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي

(1/47)


صورة الورقة الاولي من المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي

(1/49)


صورة الورقة الاخيرة من المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي

(1/50)


بسم الله الرحمن الرحيم المنهاج السوي في ترجمة الامام النووي الحمد لله العزيز الحكيم، الرؤوف الرحيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب السموات والارض وما بينهما، ورب العرش الكريم.. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، المخصوص بالاصطفاء والتكريم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أولى الفضل الجسيم. هذه أوراق ترجمت (1) فيها الشيخ الامام، شيخ، الاسلام، ولي الله تعالى: محيي الدين، أبا زكريا النووي، رحمه الله ذكرت فيها بعض مناقبه الكريمة، وسميتها: المهناج السوي، في ترجمة الامام النووي، فأقول: هو الامام أبوذكريا محيي الدين، يحيى بن شرف بن مري بضم الميم، وكسر الراء، كما رأيته مضبوطا بخطه - ان حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حرام - بكسر الحاء المهملة، وبالزاي المعجمة - الحزامي، النووي، ثم الدمشقي.

(1/51)


محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومرتبه، امام أهل عصره علما وعبارة، وسيد أوانه ورعا وسيادة، العلم الفرد، فدونه واسطة الدر والجوهر، السراج الوهاج فعنده يخفي الكوكب الازهر، عابد العلماء وعالم العبادة، وزاهد المحققين ومحقق الزهاد. لم تسمع بعد التابعين بمثله أذن، ولم ما يدانيه عين، وجمع له في العلم والعبادة محكم النوعين. راقب الله في سره وجهره، ولم يبرح طرفة عين عن امتثال أمره، ولم يضيع من عمره ساعة في غير طاعة مولاه، إلى أن صار قطب عصره، وحوى من الفضل ما حواه، وبلغ مانواه، فتشرفت به نواه، ولم يلف له من ناواه. وإذا الفتى الله أخلص سره * فعليه منه رداء طيب يظهر وإذا الفتى جعل الاله مراده * فلذكره عرف ذكي ينشر أثنى عليه الموافق والمخالف وقبل، الناني والآلف، وشاع ثناوه الحسن بين المذاهب، ونشرت له راية مجد تخفق في المشارق والمغارب من سلك منهاجه أيقن بروضة قطوفها دانية، ومن تتبع آثاره فهو مع الصالحين في رياض عيونها جارية ومن لزم اذكاره ومهذب أخلافه، فالخير فيه مجموع، ومن استقى من بحره ظفر بأروى وأصفى ينبوع، فيه ثبت الله أركان المذهب والقواعد، وبين مهمات وليس على الله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد وقال فيه الشيخ تاج الدين السبكي في طبقاته: أستاذ المتأخرين، وحجة الله على اللاحقين، ما رأت الاعين أزهد منه في يقظة ولا منام، ولا عاينت أكثر اتباعا منه لطرق السالفين من أمة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، له التصانيف المفيدة، والمناقب المحميدة، والخصال التي جمعت طاوف كل فضل وتليده، والورع الذي به خرب دنياه وجعل دينه معمورا، والزهد الذي كان به يحيا سيدا وحصورا، هذا إلى قدر في العلم لو أطل على المجرة لما ارتضى شربا في اعطانها، أو جاور الجوزاء لما استطاب مقاما في أوطانها، أو حل في دارة الشمس لانف من مجاروة سلطانها، وطالما فاه بالحق لا تأخذه لومة لائم، ونادى بحضرة الاسود الضراغم، وصدع بدين الله تعالى مقال ذي سريرة، يخاف يوم تبلى السرائر، ونطلق معتصما بالباطن والظاهر، غير ملتفت إلى الملك الظاهر، وقبض على دينه والجمر

(1/52)


ملتهب، وصمم على مقاله والصارم للارواح منتهب، لم يزل - رحمه الله، طول عمره على طريق أهل السنة الجماعة، مواطبا على الخير لا يصرف ساعة في غير طاعة. وقال ابن فضل الله في المسالك: شيخ الاسلام، وعلم الاولياء، قدوة الزهاد ورجل علم وعمل، ونجاح سؤل وأمل، وكامل مثله في الناس من كمل، وفق للعلم وسهل عيه، ويسر له ويسر إليه، من أهل بيت من نوى من كرام القرى، وكرامة أهل القرى، لهم بها بيت مضيف لا تخمد ناره، ودار قرى لا يخمل مناره، طلع من أمم سادات، وجمع لكرمهم عادات، وجمع لهممهم أطراف السعادات، ونبت فيهم نباتا حسنا، ونبغ ذكاء ولسنا، ونبغ ذكاء ولسنا، وأتى دمشق متلقيا للاخذ من علمائها متقلا من عيشها، حتى كاد يعف فلا يشرب من مائها، فنبه ذكره، ونهب مدى الآفاق شكره، وحلا اسمه، وذكر تصنيفه وعلمه. فلما توسد الملك الظاهر امانيه وحدثته نفسه من الظلم بما كاد يأتي قواعده من مبانية، وكتب له من الفقهاء، من كتب، وحمله من الظلم بما كاد يأتي قواعده من مبانيه، وكتب له ن الفقهاء من كتب، وحمهله سوء رأيه على بيع آخرته بشئ من الذهب ولم يبق سواه فلما حضر هابه، وألقى إليه الفتيا، فألقاها وقال لقد أفتوك بالباطل، ليس لك أخذتم معونة، حتى تنفد أموال بيت المال، وتعيد أنت ونساؤك ومماليكك وأمراؤك ما أخذتم زائد عن حقكم، وتردوا فواضل بيت المال إليه. وأغلظ له في القول، فلما خرج قال: فمن أين يأكل ؟ قالوا مما يبعث إليه أبوه فقال: والله لقد هممت بقتله، فرأيت كأن أسدا فتحا فاه بيني وبينه، لو عرضت له لا لتقمني ثم وقرله في صدره ما وقر، ومد له يد المسالمة يسأله وما افتقر. ثم كانت سمعة النواوي التي شرفت وغربت، وبعدت وقربت، وعظم شأن تصانيفه، وبان البيان في مطاوي تآليفه، ثم هي اليوم محجة الفتوى، وعليها العمل، وما ثم سوى سببها الاقوى. وقال تلميده الشيخ علاء الدين بن العطار في ترجمة التي جمعها له: أوحد عصره، وفريد دهره. الصوام القوام، الزاهد في الدنيا، الراغب في الآخرة، صاحب الاخلاق الرضية، والمحاسن النسبة، العالم الرباني المتفق على علمه

(1/53)


وإمامته وجلالته، وزهده، وورعه وعبادته، وصيانته في أقواله وأفعاله وحالاته له الكرامات الواضحة، والمؤثر نفسه وماله للمسلمين، والقائم بحقوقهم وحقوق ولاة أمورهم بالنصح والدعاء في العالمين. ولد في العشر الاوسط من المحرم سنة احدى وثلاثين وسمتائة، بنوى قال ابن العطار: وذكر لي بعض الصالحين الكبار، أنه ولد وكتب من الصادقين، ونشأ بها وقرأ القرآن، فلما بلغ سبع سنين، وكانت ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان. قال ولده: وكان نائما إلى جنبى، فانتبه نحو نصف الليل وإيقظني وقال: يا ابت، ماهذا النور الذي قد ملا الدار ؟ فاستيقظ أهله جميعا، ولم نرشيئا فعرفت أنها ليلة القدر. ولما بلغ عشر سنين، وكان بنوي الشيخ وياسين ين يوسف المراكشي من أولياء الله تعالى، قرأه والصبيان يكرهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم وبيكي لاكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، قال: فوقع في قلبي محبته وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشغل بالبيع والشراء عن القرآن. قال الشيخ ياسين: فأتيت الذي يقرئه القرآن، فوصيت به، وقلت له هذا الصبي يرجى أن يكون أعلم أهل زمانه وأزهدهم، وينتفع الناس به، فقال أمنجم أنت ؟ فقال لا، وإنما انطقني الله بذلك فذكر ذلك الوالده، فحرص عليه إلى أن ختم القرآن وقد ناهز الاحتلام. قال ابن العطار: قال الشيخ، فلما كان عمري تسع عشرة سنة، قدم بي والدي إلى دمشق سنة تسع وأربعين، فسكنت المدرسة الرواحية، وبقيت نحو سنتين لم أضع جنبي إلى الارض وكان قوتي فيها جراية المدرسة لاغير: قال: وحفظت لاتنبيه في أربعة أشهر ونصف وحفظت ربع المهذب في بافي السنة قال. ولما قرأت مدة اغتسل منها بالماء البارد، حتى تشقق ظهري قال: وجعلت أشرح وأصحح على شيخنا الامام البارد، حتى ظهري قال: وجعلت أشرح وأصحح على شخننا الامام العالم، الزاهد الورع، أبي إبراهيم إسحاق بن أحمد بن عثمان، المغربي الشافعي، ولازمته فأعجب بي لما رأى من اشتغال وملازمتي وعدم اختلاطي بالناس، وأجبني محبة شديدة، وجعلني أعيد الدرس في حلقته الاكثر الجماعة.

(1/54)


قال: فلما كانت سنة إحدى وخمسين، حججت مع والدي، وكانت وفقة الجمعة، وكانت رحلتنا من أول رجب، فأقمت بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم نحو من شهر ونصف. قال والده: ولما توجهنا للرحيل من نوى، أخذته الحمى، إلى يوم عرفة قال ولم يتأوه قط. فلما عدنا إلى نوى، ونزل إلى دمشق صب الله عليه العلم صبا فلم يزل يشتغل بالعلم، ويقتفي آثار أبي إبراهيم إسحاق في العبادة، من الصلاة وصيام الدهر والزهد والورع، فلما توفي شيخه ازاداد اشتغاله بالعلم والعمل. وحج مرة أخرى، قال ابن العطار. وقال لي شيخنا القاضي أبو المفاخر محمد بن عبد القادر الانصاري، لو أدرك القشيري صاحب الرسالة شيخكم وشيخه، لما قدم عليهما في ذكره لمشائخها أحدا، لما جمع فيهما من العلم والعمل، والزهد الورع، والنطق بالحكمة، وغير ذلك. قال: وذكر لي الشيخ قال: كنت أقرأ كل يوم اثني عشر درسا على المشايخ شرحا، درسين في الوسيط ودرسا في المهذب، ودرسا في الجمع بين الصحيحين، ودرسا في صحيح مسلم، ودرسا في اللمع لابن جنى، ودرسا في إصلاح المنطلق لابن السكيت في اللغة ودرسا في التصريف، ودرسا في أصول الفقه، ودرسا في أسماء الرجال، ودرسا في أصول الدين. وقال: وكنت اعلق جميع ما يتعلق بها من شرح مشكل ووضوح، عبارة، وضبط لغة. قال: وبارك الله لي في وقتي واشتغالي وأعانني عليه و.. قال وخطر لي الاشتغال بعلم الطب، فاشتريت القانون وعزمت على الاشتغال بشئ، ففكرت في أمري، ومن أين علي الداخل فألهمني الله تعالى الاشتغال بشئ، ففكرت في أمري، ومن أين دخل على الداخل فالمهني الله تعالى أن سببه اشتغالي بالطب، فبعت في الحال الكتاب المذكور، وأخرجت من بيتي كل ما يتعلق بالطب، فاستنار قلبي، ورجع إلى حالي، وعدت إلى ما كنت عليه أولا. قال: وكنت مريضا بالمدرسة الرواحية، فبينما، أنا في بعض اليالي، في الصفة الشرقية يبمنها، ووالدي واخوتي وجماعة من أقاربي نائمون إلى جنبي، إذ نشطني الله تعالى وعافاني من الحمى، فاشتافت نفسي، إلى الذكر، فجعلت أسبح، فبينا أنا كذلك بين الجهر والاسرار، إذا شيخ حسن الصورة جميل المنظر، يتوضا على حافة

(1/55)


البركة وقت نصف الليل أو قريب منه، فلما فرغ من وضوئه أتاني وقال لي يا ولدي، لا تذكر الله تعالى تشوش على والدك وأخوتك وأهلك ومن في هذه المدرسة، فقلت: ياشخ، من أنت ؟ فقال، أنا ناصح لك، ودعني أكون من كنت، فوقع بالتسبيح، فأعرض عني ومشى إلى ناحية باب المدرسة، فأنبهت والدي والجماعة على صوتي فقمت إلى باب المدرسة فوجدته مقفلا، وفتشتها فلم أجد فيها أحد غير من كان فيها، فقال لي ولدي: يا يحيى، ما خبرك ؟ فأخبرته الخبر، فجعلوا يتعجبون، وقعدنا كلنا نسبح ونذكر. قال ابن العطار: نقلت من خط الشيخ - رحمه الله - أنه قرأ على: * القاضي أبي الفتح عمر بن بندار التفليسي * القاضي أبي الفتح عمربن بندار التفليسي المنتخب للرازي، وقطعة من المستصفى وغير ذلك. * وعلى فخر المالكي اللمع لابن جني. * وعلى أبي العباس أحمد بن سالم المصري، النحوي إصلاح المنطق في اللغة، بحثا، وكتابا في التصريف قال: وكان عليه درس، اما في سيبويه أو غيره - الشك مني. * وعلى الامام جمال الدين بن مالك، كتابا من تصانيفه، وعلق عليه أشياء كثيرة. * وعلى أبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المرادي صحيح مسلم شرحا، ومعظم البخار 0، وقطعة من الجمع بين الصحيحين للحميدي. * وقرأ على جماعة من أصحاب ابن الصلاح علوم الحديث له. * وعلى أبي البقاء خالدين يوسف النابلسي الكمال في أسماء الرجال للحافظ عبد الغني وعلق عليه حواشي، وضبط عنه أشياء حسنة. * وأخذ النفقة عن شيخة إسحاق المغربي، وكان يتأدى معه كثيرا، ويملا الابريق ويحمله معه إلى الطهارة. * أخذ عن اكمال سلاربن الحسن الاربلي.

(1/56)


* وعن الامام عبد الرحمن بن نوح المقدس. * وأبي حفص عمربن أسعد بن أبي غالب الربعي الاربلي، * وإسماعيل بن عبد الدائم. * وخالد النابلسي. * وعبد العزيز بن محمد بن عبد الحسن الانصاري. * والضياء ابن تمام الحنفي. * والحافظ أبي الفضل البكري. * وأبي الفضائل عبد الكريم بن عبد الصمد، خطيب دمشق. * وعبد الرحمن بن سالم الانباري. * وأبي زكريا يحيى بن أبي الفتح الصيرفي. * إبراهيم بن علي الواسطي: وغيرهم. ومن مسموعاته. الكتب الستة، والموطأ، ومسانيد. الشافعي: وأحمد، والدارمي، وأبي عوانة، وأبي يعلى وسنن الدارفطني، والبيهقي، وشرح السنة للبغوي، وتفسيره، والانساب اللزبيري، والخطب النباتية، ورسالة القشيري، وعمل اليوم واليلية لابن السني، وأدب السامع والراوي للخطيب، وغير ذلك. وسمع منه خلق من العلماء الحفاظ، والصدور الروساء، وتخرج به خلق كثير من الفقهاء، وسار علمه وفتاويه في الآفاق وانتفع الناس في سائر البلاد الاسلامية بتصانيفه، وأكبوا على تحصيلها. قال ابن العطار: وذكر لي أنه كان لا يضيع وقتا ليل ولا نهار إلا في وظيفة من الاشتغال بالعلم، حتى في ذهابه في الطريق ومجيئه، يشتغل في تكرار ومطالعد، أنه بقي على التحصيل على هذا الوجه نحو ست، سنين، ثم اشتغل بالتصينف والاشتغال والافادة، والمناصحة للمسلمين وولاتهم، مع ما هو عليه من المجاهدة النفسه والعمل بدقائق الفقة والاجنهاد على الخروج من خلاف العلماء وإن

(1/57)


كان بعيدا، والمراقبة لاعمال القلوب وتصفيها من الشوائب، يحاسب نفسه على الخطوة بع الخطوة. وكان محققا في علمه وفنونه مدققا، حافظا لحديث رسوله الله صلى الله عليه وسلم، عارفا بأنواعه كلها، وغربيه، ومعانيه، واستنباط فقهه، حافظا، الشافعي وقواعد، وأصوله وفروعه، ومذاهب الصحابة والتابعين، واختلاف العلماء ووفاقهم وإجماعهم، سالكا طريق السلف، قد صرف أقاته كلها في الخير، فبعضها للتأليف وبعضها للتعليم وبعضها للصلاة، وبعضها للتدبير وبعضها للامر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال الكمال الاذفوي في البدر السافر ونوزع مرة في النقل عن الوسيط فقال: أتنازعوني وقد طالعته أربعمائة مرة ؟ قال: وواقف الملك الظاهر بيبرس لما ورد دمشق في أمور، فظن أنه من أصحاب الوظائف يعزله فذكر له حاله فقال: وكان بعد ذلك يقول إني أفزع منه. قال ابن العطار: وذكر أبو عبد الله بن أبي الفتح البعلي: الحنبلي، العلامة، قال كنت ليلة في جامع دمشق الشيخ واقف يصلي إلى سارية في ظلمة، وهو يردد قوله تعالى: وقفوهم انهم مسؤولون مرارا. بحزن وخشوع، حتى حصل عندي من ذلك ما الله به عليم. وكان إذا ذكر الصالحين ذكر هم يتعظيم وتوقير واحترام، وذكر مناقبهم. قال: وأخبرني الشيخ القدرة المسلك، ولي الدين أبو الحسن، المقيم بجامع بيت لهيا، قال مرضت بالنقرس في رجلي فعادني الشيخ محيي الدين، فلما جلس، عندي، جعل يتكلم في الصبر، فكلما تكلم جعل الالم يدهب قيلا، حتى زال، فعرفت أنه من بركته. وكان لا يدخل الحمام، ولا يأكل في اليوم والليلة إلا أكله واحدة بعد العشاء، ولا يشرب إلا شربة واحدة عند السحر، ولا يشرب المبرد، أي الملقى فيه الثلج ولم يتروج.

(1/58)


قال ابن العطار: وأخبرني العلامة رشيد الدين الحنفي، قال عذلت الشيخ في تضييق عيشة، وقلت له أخشى عليك مرضا يعطلك عن أشياء أفضل مما تقصده، فقال: إن فلانا صام وعبد الله حتى عظمه قال: فعرفت أنه ليس له غرض في المقام في هذه الدار، ولا يلتفت إلى ما نحن فيه. قال: ورأيت رجلا من أصحاب قشر خيارة ليطعمه إياها، فامتنع من أكلها وقال أخشى ان ترطب جسمي وتجلب النوم قال الادفوى في البدر السافر: حكى لي قاضي، الفضاة بدر الدين ابن جماعة، أنه سألة عن نومه فقال، إذا غلبني النوم استندت إلى الكتب لحظة أنتبه. قال: وحكى لي أيضا أنه كان إذا أتى إليه ليزوره يضع بعض الكتب على بعض، ليوسع له موضعا يجلس فيه قال: وكان لا يجمع بين أدمين، ولا يأكل اللحم إلا عندما يتوجه إلى نوى. قال: وحكى عنه قاضي القضاة جمال الدين الزرعي: أنه كان يتردد إليه وهو شاب قال: فجئت إليه في يوم عبد، فوجدته يأكل حريرة مدخنة فقال سليمان. كل، فلم يطلب له، فقام أخوه وتوجه إلى السوق واحضر شويا، وحلوى، وقال له: كل فلم يأكل، فقال: يا أخي أهذا حرام ؟ فقال: لا، ولكنه طعام الجبابرة. قال ابن العطار: وكان لا يأكل فاكهة دمشق، فسألته عن ذلك فقال: دمشق الغبطة، والمعاملة فيها على وجه المساقاة، وفيها خلاف بين العلماء، ومن جوزها شرط الغبطة، والناس لا يفعلونها إلا على جزء من ألف جزء من الثمرة للمالك، فكيف تطيب نفسي بأكل ذلك ؟ قال: وقال لي الشيخ العارف المحقق، أبو عبد الرحيم محمد الاخميمي: كان الشيخ محيي الدين سالكا منهاج الصحابة ولا أعلم أحدا في عصرنا سالكا منها جهم غيره. قال: وكتب شيخنا أبو عبد الله محمد بن الاربلي، الحنفي، شيخ الادب في وقته تصحيح التنبيه، ليكون له عنه رواية، فلما فرع من قال لي ما وصل

(1/59)


ابن الصلاح إلى ما وصل إليه الشيخ من الفقه والحديث والغة وعذوبة الفظ والعبارة وقال الاسنوي: كان يلبس ثوبا قطنا وعمامة سختيانية، وكان في لحيته شعرات بيض، وعليه سكينة ووقار، في حال البحث وغيره. قال الشيخ تقي السبكي، ما اجتمع بعد التابعين المجموع الذي الجتمع في النووي ورأيت في مجموع بخط الشيخ شمس الدين الغيزري الشافعي، أو بواب الرواحية حكى قال: خرج الشيخ في الليل فتبعته، فانفتح له الباب من غير مفتاح، فخرج، مشيت معه خطوات، فإذا نحن مكة، فأحرم الشيخ وطاف وسعى ثم طاف إلى أثناه الليل، ورجع، فمشيت خلفه، فإذا نحن بالرواحية. قال الذهبي: تولى مشيخة دار الحديث الاشرفية بعد موت أبي شامة، سنة خمس وستين، وفي البلد من هو أسن منه وأعلى سندا، فلم يأخذ من معلومها شيئا إلى أن مات. قال ابن العطار: وأقرأ بها بحثا وشرحا. صحيح البخاري، ومسلم، وقطعة من أبي داود، ورسالة القشيري وصفوة، والحجة على تارك المحجة لنصر المقدسي، وغير ذلك. قال: وذكر لي تلميذه أبو العباس بن فرج قال: كان الشيخ محيي الدين قد صار إليه ثلاث مراتب، كل مرتبة منها لو كانت لشخص لشدت إليه آباط الابل من أقطار الارض. المرتبة الاولى: العلم والقيام بوظائفه، الثانية: الزهد في الدينا. الثالثة: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: وأخبرني الشيخ الصدوق أبو القاسم المزي - وكان من الاخبار - أن رأى في النوم بالمزة رايات كثيرة، وطبلا يضرب قال فقلت: ما هذا ؟ فقيل لي: الليلة قطب يحيى النووي، فاستيقظت من منامي، ولم أكن أعرف الشيخ ولا سمعت به قيل ذلك، فدخلت دمشق، في حاجة، فذكرت ذلك لشخص فقال: هو شيخ دار الحديث، وهو الآن جالس فيها، فدخلتها، فلما وقع بصره علي نهض إلى جهتي، الحديث، وهو الآن جالس فيها، فدخلتها، فلما وقع بصره علي نهض إلى جهتي، وقال: اكتم ما معك ولا تحدث به أحدا، ثم رجع إلى موضعه.

(1/60)


ورأيت في الدار الكامنة ليشخ الاسلام، حافظ العصر أبي الفضل، بن حجر، قال الشيخ، محيي الدين لتلميذه الشيخ الدين بن النقيب. يا شيخ شمس الدين، لا بد أن تلي الشامية البرانية، فما مات حتى وليها. ورأيت فيها عن بعضهم قال، توجهت لزيارة لاشيخ فرج الصفدي الزاهد، فرجرت مسألة النظر إلى الامرد، وأن الرافعي حرمه بشرط الشهورة، والنووي يقول: يحرم مطلقا، فقال الشيخ فرج، رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي: الحق في هذه المسألة مع النووي. وكان الشيخ محيي الدين إذا جاءه أمرد ليقرأ عليه، امتنع، وبعث به إلى الشيخ أمين الدين الحلبي، لعلمه بدينه وصيانته. وقال الشيخ تاج الدين السبكي، في الترشيح: وافق الوالد مرة وهو راكب على بغلته شيخا عاميا ماشيا، فتحادثا، فوقع في كلام ذلك الشيخ أنه رأى النووي ففي الحال نزل عن بغلته وقبل يد ذلك الشيخ العامي، وسألة الدعاء، وقال له: اركب خلفي فلا اركب وعين رأت وجه النووي تمشي بين يدي. قال وكان الوالد سكن دار الحديث الاشرفية، وكان يخرج في الليل يتهجد، ويمرغ خديه على الارض فوق البساط الذي يقال: إنه من زمن الواقف، ويقال إن النووي كان يدرس عليه، وينشد: وفي دار الحديث لطيف معنى * على بسط لها اصبو وآوي عسى اني أمس بحر وجهي * مكانا مسه قدم النواوي

(1/61)


* والعلامة رشيد الدين الحنفي. * والحمدث أبو العباس الاشبيلي. وخلائق غيرهم. قال الشيخ الدين - رحمه الله - لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن جعل ما يحصله ويقف عليه، تصينفا ينتفع به النظار فيه، فجعل تصنيفه تحصيلا، وتحصيله تصنيفا، وهو غرض صحيح جميل، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر له. وأما الرافعي فإنه سلك الطريقة العالية، فلم يتصد للتأليف إلا بعد كمال انتهائة، وكذا ابن الرفعة، رحمة الله عليهم أجمعين، ونفعنا بهم. وقال الشيخ جمال الدين الاسنوي في اوائل المهمات: اعلم ان الشيخ محيي الدين - رحمه الله - لما تأهل للنظر والتحصيل، رأى من المسارعة إلى الخيرات أن حعل ما يحصله ويقف عليه، تصنيفا ينتفع به الناظر فيه، فجعل تصنفيه تحصيلا، وتحصيله تصنيفا، وهو غرض صحيح، وقصد جميل، ولولا ذلك لم يتيسر له من التصانيف ما تيسر له وأما الرافعي فإنه سلك الطريقة العالية، فلم يتصد للتأليف إلا بعد كمال انتهائه، انتهائه، وكذا ابن الرفعة، رحمة الله عليهم أجمعين، ونفعنا بهم، وقال الاذرعي في أول التوسط والفتح بلغني أن الشيخ محيي الدين كان يكتب إلى أن يعيى فيضع القلم يستريح وينشد: تشوقت ليلى حين فارقت أرضها * فقلت، وعيني عند ذلك تدمع لئى كان هذا الدمع يجري صبابة * على غير سعدى، فهو دمع مضيع وذكر ابن العطار في تأليف له في الشعر: أن الشيخ لم ينظم شعرا قط، فمن تصانيفه: الروضة: مختصر الشرح الكبير للرافعي، وهو بخطه، في أربع مجلدات ضخمات، مائة كراس، وتقع غالبا في ستة مجلدات وثمانية لا ورأيت بخطه فيها أنه ابتداء في تأليفها يوم الخميس، الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وسمتائة، وختمها يوم الاحد خامس والعشرين من شهر رمضان سنة ست وستين وستمائة، وختمها يوم الاحد خامس عشر ريبع الاول سنة تسع وستين هي عمدة المذهب الآن، وفيها يقول الاسنوى، في المهمات: وكانت أنفس ما تأثر من تصانيفه ببركات أنفاسه، وثمرة من ثمرات غراسه، غرس فيها أحكام الشرع ولقحها، وضم إليها فروعا كانت منتشرة فهذبها ونقحها، فلذلك حلا ينبرعها، وبسقت فروعها، وطابت أصولها، ودنت قطوفها، إلى أن قال: وتلك منقبة قد أطاب الله ذكرها وسناها، وموهبة قد رفها سمكها وبناها، ومن أسر سريرة حسنة، ألبسه الله رداها. وفي الجواهر: فإن الروضة لما اشتاب المهذهب، وقطت أسباب غلق

(1/62)


المطلب لاشتمالها على أحكام الشرح واختصاصها بزيادات يحجم عنها الكثير، وردت من قبول الكافة موردا لا صدر منه لبعض، وعقدت لوقوفهم عند حكمها موثقها فلن تبرح الارض، فلذلك تمسكوا بفروعها وأعصانها، وتعلقوا بأصولها وأقيالها، حتى صارت منزل قاصد هم، ومنهل واردهم وقد استدرك فيها على الامام الرافعي في التصحيح مواضع جمة، وزاد عليه مسائل وقيودا وشروطا، وقد أفرد بعضهم زياداتها في مجلدين لطيفين. وقد ذكر الاذرعي في التوسط أنه هم قبل موته بغسلها، فقيل له سارت بها الركبان، فقال: في نفسي منها أشياء وقد أكثر الناس من الكتابة عليها، والكلام على مواضع وتصحيحات فيها ظاهرها التناقض، ومواضع فيها مخالفة لما في الشرح كالاسنوي، والاذرعي، والبلقيني، والزركشي، وغيرهم. وقد ذكر أن سبب ما وقع مخالفا للشرح. أنه اختصرها من نسخة منه سقيمة، مع أنه بحمدالله أجيب عن كثير مما زيفوه وجمع بين غالب ما زعموا تناقضه. وقد شرعت في تلخيص أحكامها من غير ذكر الخلاف، وضممت إليها زيادات شرح المهذب وبقية تصانيفه من بعده، كابن الرفعة، والسبكي، والاسنوي، ووصلت فيه الآن إلى... أعان الله على إتمامة. ومنها شرح صحيح مسلم، سماه - ب‍ المنهاج قريب من حجم الروضة. وشرح المهذب، سماه ب‍ المجموع وقد وصل فيه - قال ابن العطار - إلى باب المصراه، وقال الاسنوى: إلى أثناء الربا وهو قدر الروضة مرة ونصف أو هو أكثر، وقد ذكر في خطبة: أنه كتب قبل ذلك شرحا مبسوطا جدا وصل فيه إلى أثناء الحيض، في ثلاث مجلدات ضخمات، ثم رأى أن ذلك يكون سبب قلة الانتفاع في الخطبد إلا هذا الشرح. قال الاسنوي: وهذا الشرح من أجل كتبه وأنفسها، وكلامه فيه يدل على أنه اطلع على أنه يموت قبل إتمامه، فإنه يجمع النظائر في موضع ويقول فعلنا ذلك فلعلنا لا نصل إلى محله. وقال ابن العطار. كتب لي ورقة فيها أسماء الكتب التي كان يجمعه منها،

(1/63)


وقال إذا انتقلت إلى الله فأتمه من هذه الكتب وقد شرع في تكميله جماعة ولم ينهوه، فكتب الشيخ تقي الدين السبكي من الموضوع الذي انتهى إليه إلي أثناء التفليس، وفي خطبة تكملته يقول واصفا هذا الشرح: وبعد: فقد رغب إلي بعض الاصحاب في أن أكمل شرح المذهب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد، إلي بعض الاصحاب في أن أمكمل شرح المذهب للشيخ الامام العلامة علم الزهاد، وقدوة العباد، واحد عصره، وفريد رهره، محيى علوم الاولين، ومهذب سنن الصالحين، أبي ركريا النووي وطالب رغبة إلى، وكثر إلحاحه علي، أنا في ذلك أقدم رجلا وأؤخر أخرى، واستهون الخطب فرآه شيئا امرا، وهو في ذلك لا يقبل عذرا وأقول: قد يكون في تعرضي لذلك مع قصوري عن مقام هذا الشارح اساءة إليه، وجناية مني عليه، فأنى لي أن أنهض بها نهض به وقد أسعف بالتأييد، وساعدته المقادير فقربت منه كل بعيد ؟ ولا شك أن ذلك يحتاج بعد الاهلية إلى ثلاثة أشياء: فراغ البال، واتساع الزمان، وقد كان - رحمه الله - قد أوتي من ذلك الحظ الاوفر، بحيث لم يكن له شاغل عن ذلك من نفس ولا أهل. الثاني: جمع الكتب التي استعان بها على النظر والاطلاع على كلام العلماء، وكان رحمه الله قد حصل له من ذلك وافر، لسهو لة ذلك في بلده في ذلك الوقت. الثالث: حسن النية، وكثرة الورع والزهد، والاعمال الصالحة التي أشرقت أنوارها، وكان قد اكتان من ذلك بالمكيال الاوفى. فمن يكون قد اجتمعت فيه هذه الخلال الثلاث، أني يضاهيه، أو يدانيه من ليس من واحدة منها، فنسأل الله أن يحسن نياتنا وأن يمدنا بمعونته وعونه، وقد نفسي لعل ببركة صاحبه ونيته يعنينني الله، انه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، فإن من الله تعالى بإكماله، فلا شك من فضل الله ببركة صاحبه ونيته، إذ كان مقصوده النفع للناس ممن كان، انتهى. ومنها المنهاج مختصر المحرر. مجلد لطيف. ودقائقه، نحو ثلاث كراريس، ورأيت، بخطهه أنه فرع منه تاسع عشر شهر

(1/64)


رمضان سنة تسع وستين وهو الآن عمدة الطالبين والمدرسين والمفتين. قال ابن العطار: وقال لي العلامة جمال الدين ابن مالك: والله لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لحفظته. وأثنى على حسن اختصاره، وعذوبة ألفاظه. قال: ووقف عليه في حياته العلامة رشيد الدين الفارقي، شيخ الادب فامتدحه بأبيات وقف عليها الشيخ وهي هذه: عتنى بالفضل يحيى فاغتنى * عن بسيط بوجيز نافع وتحلى بتقاه فضله * فتحلى بالطيف جامع ناصيا أعلام علم، جازما * بمقال، رافعا للرافعي فكأن ابن الصلاح حاضر * وكأن ما غاب عنا الشافعي وقال فيه الشيخ جمال الدين الاسنوي: يا ناهجا منهاج حبر ناسك * دقت دقائق فكره وحقائقه بادر ل‍ محيى الدين فيما رمته * ياحبذا منهاجه ودقائقه وينسب للشيخ تقي الدين السبكي: ما صنف العلماء كالمنهاج * في شرعة سلفت، ولا منهاج فاجهد على تحصيله متيقنا * أن الكفاية فيه للمحتاج ولبعضهم: الشيخ محيي الدين هو القطب الذي * طلعت شموس العلم من أبراجه لا يرتقي أحد إلى شرف العلا * إلا فتى يمشي على منهاجه وقلت أنا: للناس سبل في الهداية والهوى * ما بين اصباح وليل داج فإذا أردت سلوك سبل المصطفي * حقا، فلا تعدل عن المنهاج قلت: ومن جلالة هذا الكتاب، أن الشيخ تاج الدين الفركاح، كتب عليه تصحيحا، وهو في مرتبة، شيوخ الشيخ محيي الدين، فإنه لما جاء إلى دمشق، واحضر إليه ليقرأ عليه، فبعث به إلى الرواحية، وأيضا فإنه كان بينهما أخيرا مقاطعة، كما ذكر ذلك الصفدي في تذكرته، وأنه لما توفي الشيخ

(1/65)


محيي الدين، لم يحضر الشيخ تاج الدين الصلاة عليه. ومن العجب أن الشيه علاء الدين الباجي شيخ السبكي اختصر المحرر، وسماه: التحرير، ومولده سنة مولد محيي الدين. وانظر ما بين المختصرين شهرة واعتمادا. وقد كنت في أول اشتغالي رأيت الشيخ في النوم، وكأني حضرت درسه، فقلت له في شأن المنهاج والاعتراضات التي أوردت عليه، فأخذ يصلح العبارة، إلى أن خرج عن هيئته، فقلت له: يا سيدي، اجعل هذا كتابا على حدة غير المنهاج لانه شرح وحفظ على تلك الهيئة، ثم إنه ركب حمارا عاليا، ومشيت خلفه مسافة يسيره، فأعطاني عمامته، وفارقته، فانتبهت. ورأيته مرة أخرى فأنشدني: من شاحح العالم في كلامه ليذهبن رونق انتظامه فاستيفظت وأنا أحفظه: ومنها: تهذيب الاسماء واللغات مجلدان ضخمان، ويقع غالبا في أربعة قال الاسنو: وقد مات عنه مسودة، وبيضه الحافظ جمال الدين، المزي. وفي هذا شئ، فقد وقفت على المجلد الاول بخطه مبيضا بالخزانة المحمودية، لكن فيه بياضات يسيرة. ورياض الصالحين مجلد. والافكار مجلد. ونكت التنبيه، مجلد، وتسمى: التعليقة، وقال الاسنوي: وهي من أوائل ما صنف، ولا ينبغي الاعتماد على ما فيها من التصحيحات المخالفة لكتبه المشهورة، ولعله جمعها من كلام شيوخه. وما استفدته منها في قص الاظفار، أنه يسن البداءة بمسبحة اليد اليمنى، ثم بالوسطى، ثم البنصر، ثم الخنصر ثم خنصر اليس ولاء الابهام، ثم يختم بابهام اليمنى. وفي الرجل يبدأ بخنصر اليمنى، ويختم بخنصر اليسرى ولاء، وذكر لذلك حديثا ومعنى لطيفا ذكرته في دقائق مختصر الروضة.

(1/66)


ولايضاح مناسك الحج، مجلد الطيف. والايجاز فيه. والمناسك الثالث والرابع والخامس. والتبيان في أدب حملة القرآن، مجلد ومختصره. وشرح التنبيه مطول، سماه تحفة الطالب النبيه، وصل فيه إلى أثناه الصلاة. وشرح الوسيط، المسمى ب التنقيح قال الاسنوي: وصل فيه إلى شروط الصلاة. قال: وهو كتاب جليل، من أواخر ما صنف، جعله مشتملا على أنواع متعلقة به ضرورية، كافية لمن يريد كثرة المسائل المأخوذة والمرور على الفقه كله في زمن قليل، لتصحيح مسائله، وتوضيح أدلته، وذكر غير ذلك من الانواع التي أكثر منها ولم يتعرض فيه لفروع الوسيط، قال وهي طريقة يتيسر معها اقراء الوسيط في كل عام مرة. ونكت على الوسيط، في نحو مجلدين. والتحقيق، وصل فيه إلى صلاة المسافر، ذكر فيه غالب ما في شرح المهذب ما الاحكام والخلاف، على سبيل الاختصار. ومهمات الاحكام، قال الاسنوي: وهو قريب من التحقيق من كثرة الاحكام إلا أنه لم يذكر فيه خلافا، وقد وصل فيه إلى أثنا طهارة الثوب والبدن. وشرح البخاري، كتب منه مجلدة. والعمدة في تصحيح التنبيه. والتحرير في لغات التنبيه. ونكت المهذب. ومختصر التذنيب للرافعي، سماه المنتخب قال الاسنوي: وقد أسقط من آخر الفصل السادس أوراقا، فلم يختصرها، ومن هنا تعلم أن قول من قال: إن الشيخ محيي وقف على النووي، نعم قول من الرافعي ذكره في خطبة التذنيب، وقد وقف عليه النووي: نعم، من قال يقف عليه ممكن. ودقائق الروضة. كتب منها إلى أثناه الاذان.

(1/67)


وطبقات الشافعية، مجلد، قال الاسنوي: ومات عنها مسودة، فبيضها المزي. وختصر الترمذي، مجلد وقفت عليه بخطه مسودة، وبيض منه أوراقا. وقسمه الغنائم، ومختصره، قال الاسنوي: وهذا الكتاب من أواخر ما صنف، وهو مشتمل على نفائس. وجزء في القيام لاهل الفضل. قال الاسنوي: وهما من أواخر تصانيفه وأمتعها. ومختصر تأليف الدارمي في المحيرة. ومختصر تصنيف أبي شامة في البسملة. ومناقب الشافعي. وهذه الكتب الثلاثة أحال عليها هو في شرح المهذب. والتقريب في علوم الحديث. والارشاد فيه. والخلاصة في الحديث. ومختصر مبهمات الخطيب. والاملاء على حديث: إنما الاعمال بالنيات، لم يتمه. وشرح سنن أبي داود، كتب منه يسيرا. وبستان العارفين. ورؤوس المسائل، والاصول والضوابط، كتب منه أوراقا. ومختصر التنبيه، كتب منه روقة واحدة. والمسائل المنثورة، وهي المعروفة بالفتاوى، وضعها غير مرتبة فرتبها تلميذه. ابن العطار، وزاد عليها أشياء سمعها منه. والاربعين، وشرح ألفاظها. هذا ما يحضرني من مصنفاته بعد الفحض. وقد قال في شرح المهذب في رفع اليدين في الركوع: أرجو أن أجمع فيه كتابا مستقلا، فلا أدري أفعل أولا ؟

(1/68)


قال الاسنوي: وينسب له تصنيفان، ليساله، النهاية اختصار الغاية الثاني: أغاليط على الوسيط، مشتملة على خمسين موضعا، بعضها فقهية، وبعضها حديثية. وممن نسبه له هذا ابن الرفعة في المطلب، فاحذره، فإنه لبعض المحويين، ولهذا لم يذكره ابن العطار حين عدد تصانيفه واستوعبها، انتهى. وقوله: إن ابن العطار: وله شرح ألفاظ، ومسودات كثيرة، ولقد أمرني مرة بجمع نحو ألف كراس بخطه، وأمرني أن أقف على غسلها في الوراقة، وخوفني ان خالفته في ذلك، فما أمكنني إلا طاعته وإلى الآن في قلبي منها حسرات. ذكر شئ من مكاتباته: قال ابن العطار: كتب ورقة إلى الملك الظاهر تتضمن العدل في الرعية وإزالة المكوس، وكتب معه فيها جماعة، ووضعها في ورقة كتبها إلى الامير بدر الدين بيلبك الخزندار بإيصال ورقة العلماء إلى السلطان، وصورتها. بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله يحيى النووي، سلام الله تعالى ورحمته وبركاته على المولى الحسن، ملك الامراء بدر الدين، أدام الله الكريم له الخيرات، وتولاه بالحسنات، وبلغه من أقصى الآخرة والاولى كل آماله، وبارك له قي جميع أحواله، آمين. وينهى إلى العلوم الشريفة أن أهل الشام في مذه السنة في ضيق عيش، وضعف حال، بسبب قلة الامطار، وغلاء الاسعار، وقلة الغلات والنبات، وهلاك المواشي، وغير ذلك، وأنتم تعلمون أنه يجب الشفقة على الرعية، ونصيحته في مصلحته ومصلحتهم، فإن الدين النصيحة. وقد كتب خدمة الشرع الناصحون للسلطان، النحبون له، كتابا يذكره النصيحة. وقد كتب خدمه الشرع الناصخون للسلطان، المحبون له، كتابا يذكره النظر في أحوال الرعية والرفق بهم، وليس فيه ضرر، بل هو نصيحة محضة، وشفقة، وذكرى لاولي الالباب. المسؤول من الامير - أيده الله تعالى - تقديمه إلى السلطان أدام الله له الخيرات، ويتكلم عنده من الاشارة بالرفق بالرعية بما يجده مدخرا له عند الله تعالى * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا ومات عملت من سوء تود لو أن بينها

(1/69)


وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه) * وهذا الكتاب العلماء أمانة ونصيحة للسلطان، أعز الله أنصاره، والمسلمين كلهم في الدنيا والآخرة فيجب عليكم إيصاله للسلطان أعز الله أنصاره، وأنتم مسؤولون عن هذه الامانة، ولا عذر لكم في التأخر عنها ولا حجة لكم في التقصير فيها عند الله تعالى، وتسألون عنها يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل أمرئ منهم يومنذ شأن يغنيه، وأنتم بحمد الله تحبون الخير وتحرصون عليه، وتسارعون إليه، وهذا من أهم الخيرات، وأفضل الطاعات، وقد اهلتم له وساقه الله إليكم، وهو فضل من الله ونحن خائفون أن يزداد الامر شدة، إن لم يحصل النظر في الرفق بهم، قال الله تعالى: * (إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) *، وقال تعالى: * (وما تفعلوا من خير فإن الله به عليهم) *. والجماعة الكاتبون منتظرون ثمرة هذا، فإذا فعلتموه فأجركم عند الله * (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) * والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فلما وصلت الورقتان إليه، أوقف عليهما السلطان، فرد جوابهما ردا عنيفا مؤلفا، فتنكدت خواطر الجماعة الكاتبين، فكتب - رضي الله عنه - جوابا لذلك الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آل محمد من عبد الله يحيي النووي، ينهي أن خدمة الشرع كانوا كتبوا ما بلغ السلطان أعز الله أنصاره، فجاء الجواب بالانكار والتوبيخ والتهديد، وفهمنا منه أن الجهاد ذكر في الجواب على خلاف حكم الشرع، وقد أوجب الله إيضاح الاحكام عند الحكام عند الحاجة إليها، فقال تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * فوجب علينا حينئذ بيانه، وحرم علينا السكوت وقال تعالى: * (ليس على الضعفاء ولا المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله، ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم) *. وذكر في الجواب أن الجهاد ليس مختصار بالاجناد، وهذا أمر لم ندعه، ولكن الجهاد فرض كفاية، فإذا قرر السلطان له أجنادا مخصوصين، ولهم اخباز معلومة من بيت المال، كما هو

(1/70)


الواقع، تفرغ باقي الرعية لمصالحهم ومصالح السلطان والاجناد وغير هم، من الزراعة والصنائع وغيرها، مما يحتاج الناس كلهم إليها، فجهاد الاجناد مقابل بالاخباز المقدرة لهم، ولا يحل أن يؤخذ من الرعية شئ مادام في بيت المال شئ من نقد أو متاع أو أرض أو ضياع تباع، أو غير ذلك. وهؤلاء علماء المسلمين في بلاد السلطان - أعز الله انصاره - متفقون على هذا، وبيت المال بحمد الله تعالى معمور، زاده الله عمارة وسعة وخيرا وبركة في حياة السلطان المقرونة بكمال السعادة والتوفيق والتسديد، والظهور على أعداء الدين، وما النصر إلا من عند الله، وإنما يستعان في الجهاد وغيره بالافتقار إلى الله تعالى، واتبارع آثار النبي صلى الله عليه وسلم وملازمة أحكام الشرع. وجميع ما كتبناه أولا وثانيا، هو النصيحة التي نعتقدها وندين الله بها، ونسألة الدوام عليها حتى نلقاه، والسلطان يعلم أنها نصيحة له وللرعيد، وليس فيها ما يلام عليه، ولم نكتب هذا للسلطان إلا لعلمنا أنه يجب الشرع ومتابعة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالرعية، والشفقة عليهم، وإكرامه لآثار النبي صلى الله عليه وسلم. ول ناصح للسلطان موافق على هذا الذي كتباه. وأما ما ذكر في الجواب من كوننا لم ننكر على الكفار كيف كانوا في البلاد، فكيف يقاس ملوك الاسلام وأهل الايمان وأهل الايمان والقرآن بطغار ؟ وبأي شئ كنا نذكر طغاة الكفارة وهم لا يعتقدون شيئا من ديننا ؟ وأما تهديد الرعية بسبب نصيحتنا، تهديد طائفة العلماء، فليس هو المرجو من عدل السلطان وحلمه، وأي حيلة لضعفار المسلمين الناصحين نصيحة للسلطان ولهم، ولا علم لهم به ؟ وكيف يؤاخدون به ولو كان فيه ما يلام عليه ؟ وأما أنا في نفسي فلا يضرني التهديد ولا أكثر منه، ولا يمنعني ذلك من نصيحة السلطان، فإنى أعتقد أن هذا واجب علي وعلى غيري، وما ترتب على الواجب فهو خير وزيادة عند الله تعالى، * (إنما هذه الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار) * وأفوض أمري إلى الله، ان الله بصير بالعباد وقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقول بالحق حيثما كنا، وأن لا نخاف في الله لانم، ونحق نحب للسطان أكمل الاحوال، وما ينفعه في آخرته ودنياه، ويكون سببا لدوام الخيرات له، ويبقى ذكره على ممر الايام، ويخلد به في الجنة، ويجد نفعه * (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا) *

(1/71)


وأما ما ذكر من تمهد السلطان البلاد، وإدامة الجهاد، وفتح الحصون، وقهر الاعداء، فهذا بحمد الله من الامور الشائعة التي اشترك في العلم بها الخاصة والعامة وطارت في أقطار الارض، فلله الحمد، وثواب ذلك مدخر للسطان إلى * (يوم تجد كل نفس من خير محضرا) *، ولا حجة لنا عند الله تعالى إذا تركنا هذه النصيحد الواجبة علينا. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وكتب للملك الظاهر لما احتيط على أملاك دمشق: بسم الله الرحمن الرحيم. قال الله تعالى: * (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) * وقال تعالى: * (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه) * وقال تعالى: * (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان) * وقد أوجب الله على المكلفين نصيحد السلطان - أعز الله أنصاره - ونصيحة عامة المسلمين، ففي الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الدين النصيحة لله وكتابه وأئمة الدين وعامتهم. ومن نصيحة السلطان - وفقه الله تعالى لطاعته وتولاه بكرامته - أن ننهي إليه الاحكام، إذا جرت على غير قواعد الاسلام، وأوجب الله تعالى الشفقة على الرعية، والاهتمام بالضعفة، إزالة الضرر عنهم. قال الله تعالى: * (واخفض جناحك للمؤمنين) *. وفي الحديث الصحيح. (إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم). وقال صلى الله عليه وسلم: (من كشف عن مسلم كربة من كرب الدينا، كشف الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) وقال صلى الله عليه وسلم: (من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم، فارفق اللهم به، ومن شق عليهم فاشقق اللهم عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته). صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين على منابر من نور، عن يمين الرحمن، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا). وقد أنعم الله علينا وعلى سائر المسلمين بالسطان، أعزه الله وأعز أنصاره، وأذل له الاعداء من جميع الطوائف، وفتح أعداء الدين، وسائر الماردين، ومهد له البلاد والعباد، وقمع بسيقه أهل الزيغ والفساد، وأمده بالاعانة واللطف والسعادة، فلله الحمد على هذه النعم الظاهره، والخيرات المتكاثرة، ونسأل الله الكريم دوامها له

(1/72)


وللمسلمين، وزيادتها في خير وعافية، آمين. وقد أوجب الله شكر نعمه، ووعد للشاكرين، فقال تعالى: * (لئن شكر تم لازيد نكم) *. وقد لحق المسلمين بسبب هذه الحوطة على أملاكهم أنواع من الضرر لا يمكن العتبير عنها، وطلب منهم إثبات لا يلزمهم، فهذه الحوطة لا تحل عند أحد من علماء المسلمين بل من في يده شئ فهو ملكه، لا يحل الاعتراض عليه، ولا يكلف بإثبات. وقد اشتهر من سيرة السلطان أنه يجب العمل بالشرع فيوصي نوابه فهو أول من عمل به، والمسؤول إطلاق الناس من هذه الحوطة، والافراج عن جميعهم، فأطلقهم أطلقك الله من كل مكروه، فهم ضعفه، وفيهم الايتام والارامل، والمساكين والضعفه، والصالحون، وبهم تنصر وتغاث وترزق، وهم سكان الشام المبارك، جيران الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وسكان ديارهم، فلهم حرمات من جهات. ولو رأى السلطان ما يلحق الناس من الشدائد لاشتد حزنه عليهم وأطلقهم في الحال ولم يؤخرهم ولكن لا تنهى إليه الامور على جهتها. فبالله أغث المسلمين يغثك الله، وارفق بهم يرفق الله بك، وعجل لهم الافراج قبل وقوع الامطار وتلف غلاتهم، فإن أكثر هم ورثوا هذه الاملاك من أسلافهم، ولا يمكنهم تحصيل كتب شراء وقد نهبت كتبهم. وإذا رفق السلطان بهم حصل له دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم لمن رفق بأمته، ونصره على أعدائه، فقد قال تعالى: * (إن تنصروا الله ينصر كم) *. ويتوفر له من رعيته الدعوات، وتظهر في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة فعلية ورزها ووزر من عمل بها إلى يوم لا قيامة). واسأل الله الكريم أن يوفق السلطان للسنن الحسنة التي يذكر بها إلى يوم القيامة، ويحمية من السنن السيئة. فهذه يصيحتنا الواجبة علينا للسطان، ونرجو من فضل الله تعالى أن يلهمه فيها القبول. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته. وكتب إليه لما رسم، بأن الفقيه لا يكون منزلا في أكثر من مدرسة واحدة:

(1/73)


بسم الله الرحمن الرحيم. خدمة الشرع ينهون أن الله أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونصيحة ولاة الامور وعامة المسلمين، وأخذ على العلماء العهد بتبليغ أحكام الدين، ومناصحة المسلمين، وحيث على تعظيم حرماته، وإعظام شعائر الدين وإكرام العلماء وابتاعهم. وقد بلغ الفقهاء أنه رسم في حقهم بأن يغيروا عن وظائفهم، ويقطعوا عن بعض مدارسهم، فتنكدت بذلك أحوالهم، وتضرروا بهذا التضييق عليهم، وهم محتاجون ولهم عيال، وفيهم الصالحون والمشتغلون بالعلوم، وإن كان فيهم أفراد لا يلتحقون بمراتب غيرهم، منتسبون إلى العلم ومشاركون فيه، ولا يخفى مراتب أهل العلم وفضلهم، وثناء الله عليهم وبيانه مرتببهم على غير هم، وأنهم ورثة الانبياء صلوات الله عليهم، فإن الملائكة عليهم السلام تضع أجنحتها لهم ويستغفر لهم كل شئ، حتى الحوت في الماء. واللائق بالجناب العالي إكرام هذه الطائفة، والاحسان إليهم ومعاضدتهم، ورفع المكروهات عنهم، والنظر في في أحوالهم، بما فيه من الرفق بهم، فقد ثبت في صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (اللهم من ولى أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به) وروى أبو عيسى التزمذي بإسناده عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه كان يقول لطلبة العلم: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجالا يأتونك يتفقهون، فاستوصوا بهم خيرا) والمسؤول أن لا يغير هذه الطائفة شئ، وتستجلب دعوتهم لهذه الدولة القاهرة. وقد ثبت في صحيح البخاري، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (هل تنصرون وترزفون إلا بضعفائكم) قود أحاطت العلوم بما أجاب به الوزير نظام الملك، حين أنكر عليه السلطان صرفه الاموال الكثيرة في جهة طلب العلم، فقال، أقمت لك بها جندا لا ترد سهامه بالاسحار. فاستصوب فعله وساعده عليه. والله الكريم يوفق الجناب دائما لمرضاته والمسارعة إلى طاعته، والحمد الله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. ذكر وفاته رحمه الله. قال ابن العطار: كان الشيخ لا يأخذ من أحد شيئا إلا ممن تحقق دينه

(1/74)


ومعرفته، ولا له به علقة من اقراء أو انتفاع به. قال: وكنت جالسا بين يديه، قبل انتقاله بشهرين، وإذا بفقير قد دخل عليه، وقال: الشيخ فلان من بلاد صرخد يسلم وأمرني بوضعه في بيت حوائجه، فتعجبت منه لقبوله، فشعر بتعجبي فقال، أرسل، إلي بعض الفقراء زربولا، وهذا إبريق، فهذه آلة السفر. قال الذهبي، وعزم عليه شخص في رمضان ليفطر عنده فقال: احضر طعامك هنا نفطر جملة. قال ابن العطار: ثم بعد أيام يسيرة كنت عنده، فقال لي: قد أذن لي في السفر، فقلت: كيف أذن لك ؟ قال: أنا جالس هاهنا يعني بيته بالمدرسة الرواحية، وقدامه طاقة مشرفة عليها مستقبل القبلة، إذ مر علي شخص في الهواء من هنا، ومن كذا يشير من غربي المدرسة إلى شرقيها - وقال: قم، سافر إلى بيت المقدس. ثم قال: قم حتى نودع أصحابنا وأحبابنا، فخرجت معه إلى القبور التى دفن فيها بعض شيوخه، فزارهم وبكى، ثم زار أصحابه الاحياء، ثم سافر صبيحة ذلك اليوم. قال: وجري لي معه وقائع، ورأيت منه أمورا تحتمل مجلدات. فسار إلى نوى، وزار القدس، والخليل عليه السلام ثم عاد إلى نوى، ومرض بها في بيت ولده، فبلغني مرضه، فذهبت من دمشق لعيادته، ففرح بي وقال: ارجع إلى أهلك، وودعته وقد أشرف لعى الغافية، يوم السبت العشرين من رجب، سنة ست وسبعين وستمائة، ثم توفي ليلة، الاربعاء، الرابع، والعشرين، من رجب، ودفن صبيحتها، بنوى. قال: فبينا أنا نائم تلك الليلة، إذ مناد ينادي بجامع دمشق: الصلاة على الشيخ ركن الدين الموقع، فساح الناس لذلك، فاستيقظت، فبلغنا ليلة الجمعة موته، وصلي عليه بجامع دمشق، وتأسف المسلمون عليه تأسفا بليغا، الخاص والعام والمادح والذام.

(1/75)


ورأيت في تاريخ الذهبي، أن بعض الكبار قتل الشيخ بالحال لامر، ثم ندم على ذلك، وأنه قال الوالده: اتحب أن يموت عندكم أو في دمشق ؟ فقال: عندنا. قلت: فهو رضي الله عنه شيهد، جمع بين مرتبتي العلم والشهادة، نفعا الله به. قال ابن العطار: وذكر لي جماعة من أقاربه، أنهم سألوه أن لا ينساهم في عرصات القيامة، فقال لهم: إن كان ثم جاه والله لا دخلت الجنة وأحد ممن أعرفه عرصات القيامة، فقال لهم: إن كان ثم جاه والله لا دخلت الجنة واحد ممن أعرفه ورائي، ولا أدخلها إلا بعد هم. ولما دفن أراد أهله أن يبنوا عليه قبة، فجاء في النوم طلى عمته وقال لها: قولي لاخي أو للجماعة، لا يفعلوا هذا الذي عزموا من البينان، فانهم كلما بنوا شيئا ينهدم فامتنعوا وحوطوا على قبره بحجارة. وقال ابن فضل الله: حكى لنا أخوه الشيخ عبد الرحمن، أنه لما مرض مرض موته، اشتهى أكرم نزلي، وتقبل عملي، وأول قراي جاءني الفتاح. وأخبرني بعض الطلبة أن شخصا جاء إلى قبره وجعل يقول: أنت الذي تخالف الرفعي وتقول: قلت.. قلت، ويشير إليه بيده، فما قام حتى لدغته عقرب. ورأيت في (إنباه الغمر) الشيخ الاسلام ابن حجر في ترجمة الجمال الريمي شارح التنبيه أنه كان كثير الازدراء، بالشيخ محيي الدين فلما مات جاءت هرة وهو على المغتسل، فانتزعت لسانه قال: فكان ذلك عبرة للناس. ذكر شئ مما رثي به: قال الشيخ الادب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أبي شاكر الحنفي الاربلي: عز العزاء، وعم الحادث الجلل * وخاب بالموت في تعميرك الامل واستوحشت بعدما كنت الانيس بها * وساءها فقدك: الاسحار والاصل أسلى قوامك عن قوم مضوا بدلا * وعن قوامك لا مثل ولا بدل فمثل فقدك ترتاع العقول به * وفقد مثلك جرح ليس يندمل

(1/76)


وكنت تتلو كتاب الله معتبرا * لا يعتريك على تكراره ملل قد كنت للدين نورا يستضاء به * مسدد منك فيه القول والعمل وكنت في سنة المختار مجتهدا * وأنت بالمن والتوفيق مشتمل وكنت زينا لاهل العلم مفتخرا * على جديد كساهم ثوبك السمل وهذت في باطل الدنيا وزخرفها * عزما وحزما، فمضروب بك المثل أعرضت عنها احتقارا غير محتفل * وأنت بالسعي في أخراك محتفل عزفت عن شهوات ما لعزم فتى * بها - سواك - إذا عنت له قبل عزفت عن شهوات ما لعزم فتى * بها - سواك - عنت له قبل أسهرت في العلم عينا لم تذق سنة * إلا وأنت به في الحكم مشتغل ترى ذرى تربة من غيبوه به * أو نعشه من على أعواده حملوا يا محيي الدين، كم عادرت من كبد * حرى عليك، وعين دمعها هطل وكم مقام كحد السف، لا جلد * يقوى على صولة فيه ولا جدل أمرت فيه بأمر الله منتضيا * سيفا من العزم لم يصفع له خلل وكم تواضعف عن فضل، وعن شرف * وهمة هامة الجوزاء تنتعل فجعت بالامس ليلا كنت ساهره * لله، والنوم قد خيطت به المقل رجاك نور نهار كنت صائمة * إذا الهجير بنار الشمس تشتعل * * * يا لاهيا لاهيا عن هول مصرعه * وضاحك السن منه يضحك الاجل لا تخل نفسك من زاد، فإنك من * حين الولاد مع الانفاس مرتحل وما مقام يديم اليسر يتبعه * إلى محل تلاة سابق عجل وقال أيضا: نبأ أصم به واصمى الناعي * فجنى على الابصار والاسماع غدت النفوس به شعاعاإذ بدت * شمس الضحى حزنا بغير شعاع أودى بها خوف التفرق قبله * ما أشبه الاوجال بالاوجاع حل المصاب برب كل فضيلة * وبباب كل ثنية طلاع هاد إلى السنن القويم وسنة ال‍ * هادي جميل مناقب ومساع يحيى الذي أحيا الفضائل سعيه * وهدى ببارق ذهنه اللماع القانت، القوام، والصوام، والس‍ * - اعي بخطو في العلوم وساع

(1/77)


ما زال وأحد عصره في دهره * إلى سبيل الحق أفضل داع حبر جليل، جل في تأبينه * عن رتبة الاشعار والاشجاع وقال قاضي القضاة نجم الدين أحمد بن محمد بن سالم بن الحسن بن صصري: أعيني جودا بالدموع الهوامل * وجودا بها كالساريات الهواطل على الشيخ محيي الدين ذي والتقي * ورب الهدى والزهد، حاوي الفضائل على قانت، بر، طهور، موفق على عالم بالنسك والدين عامل وسيلا دما، فالدمع ليس بناقع * غليلي، ولا مطف أوام مفاصلي لقدم كان فردا في الزمان مكفلا * عديم نظير أو شبيه مساجل لقد كان عن دين الاله مناضلا * فأكرم به من دين لقد كان فردا في الزمان مكفلا * عديم نظير أو شبيه مساجل لقد كان عن دين الاله مناضلا * فأكرم به من دين دومناضل لقد كان فج الدنيا الدنية زاهدا * فلم يله منها فظ يوما بطائل لقد كان في الاخرى العلية جاهدا فنوله منها رب أشرف نائل لقد كان بالمعروف للناس آمرا * وناهيهم عن منكرات وباطل فكم قام في الاسلام حق قيامه * وما عاقه عن قصده عذل عاذل وكم اذوي الجاهات واجه معلنا * بانكاره عند الصحى والاصائل وكم بالهدى والحق شافه منكرا * إذا لم يكن يصغي لاقوال قائل فإو هو عن رؤياه أصبح عاجزا * يبلغه إنكاره في الرسائل وقال الشيخ أبو الحسن علي بن المظفر بن إبراهيم الكندي: لهفي عليه سيدا وحصورا * سندا لاعلام الهدى، وظهيرا ومجاهدا ومجاهرا في الله لا * يخشى مليكا قاهرا، وأميرا ومشيدا ركن الشريعة، ناصحا، * بالباقيات الصالحات مشيرا عف من الدنيا، وكم عرضت له * جلا فأولاها قلى ونفورا هجر الكرى والطيبات تورعا، * إذ قام ديجورا، وصام هجيرا أحيى شريعة أحمد، وأفاضها * فأفادنا نشرا لها ونشروا

(1/78)


يفتي، فيفتن كل حبر علمه * مع أنه يهدي الهدى والنورا ما مات يحيى، إنما جبل هوى * قأخاف ذلك يذبلا وثبيرا إن المدارس وحشة لفراقه * أضحت دوارس لا تبين، دثورا وكذا المساجد بالمصابيح انثنت * تبدي عليه حرقة وزفيرا تلك الزوايات والثيات الخشن قد * عادت عليه جنة وحريرا آها على الاواه والاواب من * صدق المقال لنفسه، هجيرا والطاهر الاعراض والاعراض لا * يبدي رياء للانام وزورا وزر به عند الحوادث تتقى * عند الملوك به الورى المحذورا ضمن توى الجولان من أخلاقه * نورا إذا ظن السحاب غديرا وتقدست بقدومه من قدسه فيها قبورك طاهرا وطهورا وقال أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن مصعب، قال ابن فضل الله - وكان قرأ عليه قطعة من الروضة: أأكتم حزني والمدامع تبديه * لفقد امرئ كل البرية تبكيه رأى الناس منه زهد يحيى سميه * وتقواه، فيما كان يبدي ويخفيه ولم يرض بالدنيا، ولا مال لحظة * إلى عيشها، فالله لا شك يرضيه تحلى بأوصاف النبي وصحبه * وأتباعه هديا فمن ذا يدنيه ؟ حديث رسول الله والفقه دأبه * يصنفه في ذا، وهذاك يرويه يرى الموت يحيى في اماته بدعة * وكم سنة أحيى بحستن مساعيه شكافقده علم الحديث وحفظه * وأهلوه، والكتب الصحاح، وقاريه ولاح على وجه العلوم كآبة * تخبر أن الدين قد مات محييه إذا عدم الاسلام أشرف أهله * فلا غرو أنا في المصاب نعزيه وقال الفقيه سليمان بن أبي الحارث الانصاري الحنفي: مصاب أصاب القلب للجفن أرقا * وخطب أتى بالحزن للصبر فرقا ورزء تغشى المسلمين بأسرهم * وسهم إلى عين الشريعة فوقا ولم يعد قبل الشافعية فضله * وإن كان قد عم الطوائف مطلقا وضاق القضاء الرحب، حتى لقد غدا * كسم حياط، أو من السم أضقا

(1/79)


بمن كان حليا للزمان وأهله * وعقد نظام العلم والحلم والتقى إذا ما اقتضاه الشرع من أجل حادث * فرى هامة الخطب الجسيم، وفرقا فأصبحت الاقطار والكون كله * لفقدك محيي الدين بيدا سملقا فأرثيك لا أني طننتك مينا * وكيف وإحياء العلوم هو البقا أبا زكريا للمرء ملجا * يرد الردى عنه، ولو جر فيلقا أحيى ولو أن الموت يثنيه عن فتى * ثبات جنان، لانثنى عنه أخرقا وما مد صرف الدهر نحوك باعه * ولا ضم جنبيك الصفيح مطبقا وكيف يواري المرء علما غدا به * على سعة - صدر البسيطة ضيقا فطوبى لقبر ضمه، فلقد غدا * يباهي به دار المقامة والبقا وقال الفقيه أبو عبد الله محمد المنبجي، أحد فقهاء الناصرية بدمشق: سبل العلوم تقطعت أسبابها * وتعطلت من حليها طلابها لمصبية عز العزاء لها، كما * في الناس قد جلت وجل مصابها يا أيها الحبر الذي من بعده كل الفضائل غلقت أبوابها أضحى على الدنيا لفقدك وحشه * ما اعتادها من قبل ذا أربابها مسودة أيامها، متغير * أحوالها، مستوحش محرابها لله أي بحار فضل غيضت * من بعد ما زخرت، وعب عبابها من للمسائل اعضلت ؟ من للفتا * وى أشكلت عن أن يرد جوابها ؟ من للتقى ؟ من للحجى * طويت - لفقد أليفها - أثوابها وقال أبو الفضل يوسف بن محمد بن عبد الله الكاتب، قارئ دار الحديث، من قصيدة يرثي بها أشياخه، بعد ذكر ابن الصلاح، والسخاوي، وأبي شامة، وغير هم. وكذاك محيي الدين فاق بزهده * وبفقهه الفقها مع الزهاد القانت الاواب، والحبر الذي * نصر الشريعة دائما بجهاد تبكيه دار للحديث وأهلها * لخلوها من فضله المعتاد لم يبق بعدك للصحيح معرف * قد كنت فيه جهبذ النقاد من ذا يبين مسندا من مرسل * أو من حديث عد في الافراد

(1/80)


أو كان مقطوعا ضعيفا معضلا * أو كان مضوعا لذي الحساد أو من يبين منكرا في متنه * أو من يعرف علة الاسناد ؟ من ذا لرفع المنكرات وقد غدت * بين الانام كثيرة الترداد ؟ ونصرت دين الله وحدك جاهدا * ودفعت عنه شبهة المراد وقال العفيف التلمساني: نعم بعد يحيى معهد الفضل دارس * فما أنصفت إن لم تنحه المدارس فيا صبرمت عندي، ويا حزن فلتعش * فإن النواوي قد حوته الروامس بكته مساعيه التي بذت الالى * سعوا للعلى في أرضهم وهو جالس وناحت عليه ورق أوراقه، وما * لهامن سوى الاقلام قصب بوائس وأقسم ما نفس بكته نفيسه * إذا لم تساعدها الدموع النفائس تلهب قلب البرق، والدعد ضارخ * اسى، ودموع الغاديات بواجس وظل وبات اللؤلؤ الرطب حاسدا * مدامع فيه تقول المجالس ومثوى الربى فيه حسد الثرى * فماذا عسى فيه تقول المجالس لقد كان يحيي الليل يحيى ساهدا * وجفن سمير النجم في الافق ناعس ويطوي على الداء الدفين من الطوى * اضالع ما فيها سوى الذكر هاجس ويرضى جليس الخير ممتع بحثه * فينقاد للحق المماري الممارس فان تضحك الاخرى سرورا بمثله * فوجهك يا دنيا من الفقد عابس وكنت به مثل العروس فأصبحت * لديه من الحور الحسان عرائس فلله عضن عندما تم زهره * وأ ينع: أضحى رطبه وهو يابس وبدر تمام، والبدور متى تغب * تراح، وهذا منه قلبي آيس فأقسم ما النعمى بها القلب ناعم * عليه ولا البؤسى بها القلب بائس وهبهات لو اني صديق ومات لم * اعش بعده لما حوته الروامس فيا دهر هل كانت مناياه أكؤسا * ملئت بها سكرا، فرأسك ناكس ؟ لقد اجفلت غر المسائل بعده * وعهدي بها من قبل وهي أوانس نطار منهن الشرود كأنها * مها تدريها بالقسي الفوارس ولو أنه فينا لعدن وكنس ال‍ * - جواري لدينا، لا الظياء الكوانس

(1/81)


له في رسول الله والآل اسوة * وأصحابه، عنهم تقول الفرادس أبوا أن يؤوبوا نحو دنيا دنيه * ملابسه تعرى بها وهو لابس وكيف نبكيه ونعلم أنه * على ما إليه صار كان ينافس خاتمة الاولى: روى الحاكم في المستدرك، وأبو داود، وغيرهما، عن أبي هريرة، قال الامام أحمد: فكان على رأس المائة الاولى عمر بن عبد العزيز، وعلى رأس الثانية الامام الشافعي. قالوا: وعلى رأس الثالثة أبو العباس بن سريج، وقيل: الاشعري، والرابعة أبو الطيب سهل الصعلوكي، وقيل الشيخ أبو حامد إمام العراقيين والسادسة الفخر الرازي، وقيل: الرافعي، والسابعة ابن دقيق العيد. وهكذا ذكره ابن السبكي في الطبقات. قلت: وقد ذكر شيخ شيوخنا حافظ العصر زين الدين العراقي في ترجمة جمعها للشيخ جمال الدين الاسنوي، أنه المبعوث على رأس المائة الثامنة. والشيخ محيي الدين أحق بأن يكون على رأس المائة السابعة، بل هو أقرب إلى القرن من الاسنوي، فإن وفاته - كما تقدم - سنة 676، ووفاة الاسنوي سنة 673 وفي ظني أن الشيخ زين الدين العراقي نقل في ترجمته المذكورة، أن بعضهم ذكر ذلك في شأن النووي، وأنه قاس الاسنوي عليه من حيث تأخر زمنه عن رأس القرن. وقيل: إن المبعوث على رأس المائة الثامنة شيخ الاسلام سراج الدين البلقيني. وقد نظم فيمن تقدم أبيات مفرقة، فقال بعضهم يخاطب ابن سريج. اثنان قد مضيا، فبورك فيهما * عمر الخليفة، ثم حلف السودد الشافعي، الالمعي محمد * ارث النبوة، وابن عم محمد ابشر أبا العباس، أنك ثالث * من بعدهم، سقيا لتربة أحمد وقال بعضهم مذيلا: والرابع المشهور سهل محمد * أضحى إماما عند كل موحد يأوي إليه المسلمون بأسرهم * في العلم إن جاؤوا لخطب مؤيد

(1/82)


لا زلت فيما بيننا خير الورى * للمذهب المختار خير مجمدد وقال الشيخ تاج الدين السبكي مذيلا: ويقال: إن الاشعري الثالث ال‍ * - مبعوث للدين القويم الايد والحق ليس بمنكر هذا، ولا * هذا وعلهما أمران فعدد هذا لنصرة أصل دين محمد * كنظير ذلك في فروع محمد وضرورة الاسلام داعية إلى * هذا وذاك ليهتدي من يهتدي وقضى أناس أن أحمد الا سفرا * ييني رابعهم، ولا تستبعد فكلا هما فرد الورى المعدود من * حزب الامام الشافعي محمد الخامس الحبر الامام محمد * هو حجة الاسلام دون تردد وابن الخطيب السادس المبعوث إذ * هو للشريعة كان أي مؤيد السابع ابن دقيق عيد فاستمع * فالقوم بين محمد أو أحمد وانظر لسر الله أن الكل من * أصحابنا، فافهم، وانصف ترشد هذا على أن المصيب أمامنا * أجلى دليل واضح لمهتدي يا أيها الرجل المريد نجابة * دع ذا التعصب والمراء، وقلد هذا ابن عن المصطفى وسميه * والعالم المبعوث، خير مجدد وضح الهدى بكلامه وبهديه * يا أيها المسكين لم لا تقتدي ؟ وقلت أنا مذيلا: ويقال: إن السادس الشيخ الامام * م الرافعي، وليس بالمستبعد فهو المجدد للفروع وذلك ال‍ * - محيي حقيقا أصل دين محمد والسابع الشيخ النواوي الذي، قد حرر الدين الرضى للمقتدي والثامن الشيخ الجمال الاسنو * ي منقح الاحكام للمسترشد والعالم الاسمى سراج الدين ذو * يلقينة، نقلوا، ولا تستبعد فكلاهما شيخ لذلك العصر قد * كانا لاهل الدين أفضل مرشد والحق أن البعث لا * يختص فردا عنده عن مفرد بل كل حبر كان موجودا فهوا * ما قد أراد به حديث المرشد ودليله أن الغموس لمن يرى * فمفادها للجمع أظهر فاهتد

(1/83)


الثانية: في سلسلة الفقه للشيخ قال الشيخ في تهذيب الاسماء واللغات: هذ من المطلوبات المهمات، والنفائس الجليلات، التي للمتفقة والفقيه معرفتها، ويقبح بهما جهالتها، فإن شيوخه في العالم آباء له في الدين، ووصله بينه وبين وبين رب العالمين. وكيف لا يقبح جهله الانساب والوصلة بينه وبين ربه الكريم الوهاب، مع أه مأمور بالدعاء لهم، وبرهم، وذكر مآثر هم، والثناء عليهم، وشكر هم فأذكر هم مني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ يعرف من كان في عصرنا وبعده طريقة، باجتماعها هي وطريقي قريبا. وحينئذ يعرف من كان في عصرنا وبعده طريقة، باجتماعها هي وطريقي قريبا. قال: فأما أنا فأخذت الفقه قراءة وتصحيحا، ذ وسماعا، وشرحا وتعليقا، عن جماعات: أولهم: شيخي الامام أبو إبراهيم إسحاق بن أحمد المغربي: ثم شيخنا: عبد الرحمن بن نوح المقدسي. ثم شيحنا: أبو حفص عمر بن أسعد بن أبي غالب الربعي الاربلي: ثم شيخنا: أبو الحسن سلار بن الحسن الاربلي: وتفقه شيوخنا الثلاثة الاولون على الامام أبي عمرو بن الصلاح، وتفقه هو على والده في طريق العراقيين على أبي سعد بن أبي عصرون، وأبو سعد على أبي علي الفارقي، والفار في على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، والشيخ على القاضي أبي الطيب الطبري، والقاضي على أبي الحسين الماسرجي، وهو على أبي إسحاق المروزي، وهو على أبي العباس بن سريج، وهو على أبي القاسم الانماطي، وهو على المزني، وهو على الشافعي، وهو على مالك وهو على ربيعية، ونافع، وهما على ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال: وأما طريق الخراسانيين فأخذتها عن شيوخنا المذكورين عن ابن الصلاح، عن والده، عن أبي القاسم بن البزري، عن الكيال، عن أبي المعالي إمام الحرمين، عن والده، عن أبي عبد الله بن أحمد القفان الصغيره، عن أبي زيد المروزي، عن أبي إسحاق المروزي، عن ابن سريج بسنده السابق.

(1/84)


قال: وتفقه شيخنا سلار على الامام أبي بكر الماهاني، وهو عن ابن البزري بطريقه السابق. قلت: وأنا أخذت الفقه عن جماعة أجلهم: والده شيخ الاسلام سراج الدين عمربن رسلان البلقيني، وهو عن جماعة منهم الشيخ شمس الدين بن علان، وهو عن الوجيه عن الوهاب بن حسن البهنسي، وهو عن البهاء الجميري، وهو عن عبد الوهاب بن حسن البهنسي، وهو عن البهاء الجميزي، وهو عن ابن أبي عصرون بطريقه السابق، فباعتبار طريقنا هذا كان شيخي أخذه عن النووي. الثالثة: في نسبة الشيخ الحزامي قال ابن العطار: ذكر لي الشيخ - قدس الله روحه -: ان بعض أجداده كان يزعم أنها نسبة إلى حكيم بن حزام. قال الشيخ: وهو غلط، بل إلى حزام، جد لنا نزل الجولان، بقرية نوى، على عادة العرب، فأقام بها، الله ذرية، إلى أن صار منهم خلق كثير. الرابعة: نوى وفيها يقول بعضهم: لقيت خيرا يا نوى * وكفيت من شر النوى فلقد نشا بك عالم * لله أخلص ما نوى وعلى عداه فضله * فضل الحبوب على النوى والنسبة إليها نووي، بحذف الالف بين الواوين على الاصل، وقلب الالف الاصلية واوا. ويقال: نواوي، بتخفيف الياء والالف بدلا عن إحدى ياءي النسب، كما يقال: يمني ويماني بتخفيف الياء في الثانية. ورأيت كلا الامرين بخطه رحمه الله تعالى. ورأيت في تعليقة للقاضي عز الدين ابن جماعة بخطه. قال ابن العطار: لما ودعت الشيخ محيي الدين النووي بنوى حين أردت حين اردت السفر للحج، حملني السلام إلى الامام أبي اليمن عساكر، فلما بلغته سلامه، رد علي وسألني: أين تركته ؟ قلت: ببلدة نوى، فأنشدني بديها: أمجمعين على نوى اشتاقكم * شوقا يجدد لي الصبابة والجوى

(1/85)


فأروم قربكم لابي مرتج * يا سادتي قرب المقيم على نوى الخامسة: والد الشيخ شرف ذكره الصلاح الصفدي في تاريخه، وقال: توفي (1). إسناد حديث الشيخ رحمه الله تعالى أخبرني (1) شيخ الاسلام علم الدين البلقيني اجازة عن والده، عن الحافظ أبي الحجاج المزي، أخبرنا الامام أبو زكريا النووي، أخبرنا الامام ابن قدامة المقدسي، حدثنا أبو حفص بن طبرزد. وكتب لي عاليا بدر جتين أبو عبد الله الحلبي، عبد الصلاح بن أبي عمرو عن أبي الحسن بن البخاري، أخبرنا ابن طبرزد، أخبرنا أبو الفتح الكرخي، أخبرنا أبو عامر الازدي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا عبد الله بن أبي زياد، أخبرنا سيار، أخبرنا عبد الواحد بن زياد، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقيت إبراهيم حين أسري، بي، فقال: اقرئ امتك مني السلام، وأخبر هم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها فيعان، وان غراسها سبحان الله، والحمد الله ولا إله إلا الله، والله أكبر. قال الترمذي: حديث حسن: قال الشيخ في التهذيب: قد من الله علينا، ان جعل لنا رواية متصلد، وسببا متعلقا، بخليله إبراهيم صلى الله عليه وسلم. أخبرني أبو الفضل محمد بن عمر، أخبرنا أبو إسحاق التنوخي، أخبرنا الحافظ أبو الفضل محمد بن عمر، أخبرنا أبو إسحاق التنوخي، أخبرنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي، أخبرنا علي بن إبراهيم بن العطار، أخبرنا يحيى بن شرف الفقيه، أخبرنا خالد بن يوسف. وكبت إلى عاليا بثلاث درجات، أبو عبد الله الحلبي، عن ابن الصلاح أبي عمرو، عن أبي الحسن بن البخاري قالا: أخبرنا أبو اليمن الكندي، أخبرنا

(1/86)


المبارك بن الحسين، أخبرنا علي بن أحمد، أخبرنا محمد بن عبد الرحمن، أخبرنا عبد الله بن شيبان، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من طلب الشهادة صادقا من قلبه أعطيها ولو لم تصبه... أخرجه مسلم. وقد ختمنا بهذا الحديث كتابا، رجاء أن يختم الله لنا بالشهادة، وأن يجعلنا من الدين لهم الحسنى وزيادة. وهذا آخرة والله أعلم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.

(1/87)


الامام السيوطي نسبه (1) هو الامام المتأخرين، علم أعلان الدين، خاتمة الحفاظ أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكربن محمد بن سابق الدين بن الفخر عثمان الصلاح أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ همام الدين الهمام الخضيري الاسيوطي، ولقب رحمه الله بجلال الدين. وكنيته أبو الفضل: وكان سبب كنيته أنه عرض على العز الكناني الحنبلي فقال له ما كنيتك. قال: كنية لي. أبو الفضل وأما نسبه بالخضيري. فقد تحدث عنها رحمه الله في ترجمة لنفسه في حسن المخاضرة فقال: وأما نسبتنا بالخضيري فلا أعلم ما تكون إليه هذه النسبة إلا الخضيرية محلة ببغداد وقال أيضا. وقد حدثني من أثق به أنه سمع والدي رحمه الله تعالى يذكر أن جده الاعلى كان أعجميا أو من الشرق فالظاهر أن النسبة إلى المحلة المذكورة. مولده ولد رحمه اللهبعد المغرب ليلة الاحد مستهل رجب سنة وأربعين وثمانمائة

(1/89)


هجرية، فقد ولد رحمه الله في بيت عرف بالعلم والادب وسمو المكانة وعلو المننزلة، ولا عجب فقد كان أبوه، علما من الاعلام وفقيها من فقهاء الشافعية المرموقين، فقد ولي رحمه الله في مستهل حياته منصب القضاء في أسيوط ثم انتقل إلى مصر حيث أسند إليه بها منصب الافتاء على مذهب الامام الشافعي. وتوقي ولده وله من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر وقد وصل من حفظ القرآن إذا ذاك إلى سورة التحريم ولكن الله تعالى قد كلاه بعنايته وأحاطه برعايته فقيض له العلامة الكمال ابن الهمام، فكان رحمه الله يرعاه ويتابعه في تحفيظ القرآن وذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء، والله واسع عليم. نشأته نشأ رحمه الله نشأة علمية منذ نعومة أظفاره، فقد كان ولده رحمه الله شديد الحرص على توجيهه الوجهة الصالحة إذ كان يحفظ القرآن الكريم في صغره ويستصحبه إلى دور العلم ومجالس القضاء ودروس الفقهاء وسماع الحديث. ويذكر المؤرخون الذين ترجموا له رحمه الله أن أباه قد طلب من الشيخ شهاب الدين بن حجر العسقلاني صاحب الفتح أن يدعو له بالبركة والتوفيق، وكان رحمه الله يرى في الحافظ ابن حجر مثله الاعلى وكان يترسم خطاه ويحذو حذوه فيما بعد حتى قيل إنه شرب من ماء زمزم بنية أن يجعله الله مثل ابن حجر فاستجاب الله سبحانه وتعالى له فكان من أكبر الحفاظ. طلبه للعلم كان السيوطي رحمه الله شديد الذكاء، قوي الذاكرة، حفظ القرآن وهو دون ثماني سنين حفظ عمدة الاحكام وشرحه لابن دقيق العيد ثم حفظ منهاج الامام النووي في فقه الشافعية ثم منهاج البيضاوي في الاصول ثم ألفية ابن مالك في النحو ثم تفسير البيضاوي. وعرض ذلك رحمه الله على طائة من مشايخ الاسلام مثل البلقيني وعز الدين الحنبلي وشيخ الاقصراني فأجازه هؤلاء وغيرهم. ولم يدع رحمه الله من فروع المعرفة ولا نوعا من أنواع العلم إلا وقد أدلى

(1/90)


فيه بدلو وتلفاه عند أهله، فأخذ الفقه عن شيخ الشيوخ سراج الدين البلقيني وقد لازمه إلى أن توفي فلازم من بعده ولده علم الدين. أخذ الفرائض عن فرضي زمانه الشيخ شهاب الدين الشارمساحي، ولازم الشرف المناوي أبا زكريا محمد بن عبد الرؤوف شارح الجامع الصغير. وأخذ العلوم العربية عن الامام العلامة تقي الدين الشبلي الحنفي وكتب له تقريظا على شرح ألفية ابن مالك. ولزم العلامة محيي الدين الكافيجي أربع عشرة سنة فأخذه عنه التفسير والاصول والعربية والمعاني وأخذ عن جلال الدين المحلي وعن المعز الكناني أحمد بن إبراهيم الحنبلي، وحضر على الشيخ سيف الدين الحنفي دروسا عديدة في الكشاف والتوضيح وحاشية عليه وتلخيص المفتاح في البلاغة، وقد أجيز بتدريس في مستهل سنة ست وستين وثمانمائة، أي في سن الخامسة عشرة وأخذ أيضا عن المجد بن السباع وعبد العزيز الوقائي الميقات، وأخذ الطب عن محمد بن إبراهيم الدواني الرومي. والمتتبع لنشأة السيوطي يجد أنه قد أخذ الكثير من العلوم عن الكثير من المشايخ. وقد ذكر بعض أهل العلم ممن ترجعوا له أن شيوخه قد وصلوا نحو ستمائة ولا غرابة في ذلك ولا عجب فإن السيوطي قد عاش حياته يأخذ العلم حيث وجده وعن كل من يلقاه وأنه أكثر من السفر والترحال في سبيل تحصيل العلم ورواية الحديث. وذكر أيضا في بعض الروايات أنهم مائة وخمسون شيخا وشيخة وفي بعضها قارب عدد هم الستمائة على ما ذكر آنفا. قيامه بالتدريس كان الامام السيوطي رحمه الله خير مؤدبي عصره وأفضل مدرسيه إذ اشتهر بالبراعة في الشرح والروعة في الاملاء ومن ثم شدت إليه الرحال من كل مكان فكان رحمه الله يدرس العربية في سن مبكرة إذ كان عمره وقت إجازته بالتدريس خمسه عشر عاما فقط وهي قصيرة من أعمار العلماء الاعلام ثم شرع أيضا في تدريس الفقة وإملاء الحديث سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة أي بعد مباشرته تدريس العربية بنحو

(1/91)


ست سنوات ثم شرع بعد ذلك يزاول التدريس والاملاء، في مختلف العلوم وشتى الفنون فقال متحدثا عن نفسه متحدثا بنعمة الله أنه رزق التبحر في سبعة علوم: التفسير والفقه والحديث والنحو والمعاني والبيان والبديع على طريقة العرب البلغاء لا على طريقة العجم وأهل الفلسفة. وكان رحمه الله يقول أيضا إنه بلغ الاجتهاد إذ قال: وقد كملت عندي الآن آلات الاجتهاد وبحمد الله تعالى أقول ذلك متحدثا بنعمة الله تعالى لا فخر، ولو شئت أن أكتب في كل مسألة مصنفا بأقوالها وأدلتها النقلية والقياسية ومداركها ونقوحها وأجوبتها والموازنة بين اختلاف المذاهب فيها لقدرت على ذلك من فضل الله مصنفاته لم يدع السيوطي فناإلا وكتب فيه، وبدأ في التأليف في سن مبكرة إذ ذكر المترجمون له أنه شرع في التصنيف سنة ست وستين وثمانمائة هجرية وكان أول شئ ألفه في التفسير وهو تفسير للاستعاذة والبسملة وقد عرضه على شيخ الاسلام علم الدين البلقيني فأجازه وكتب له تقريظا حسنا، ثم توالى بعد ذلك تأليفه. وقد اختلف البالحثون في عدد المصنفات التي أثرى بها الحافظ الجلال السيوطي المكتبة اختلف الباحثون في عدد المصنفات التي أثرى بها الحافظ الجلال السيوطي المكتبة الاسلامية فمنهم من يرى أنها تبلغ إحدى وستين وخمسائة وهو ما ذهب إليه فلوجل وأما ما ذهب إليه بوركلمان فقد عدله خمسة عشر وأربعمائة كتاب. ولقد حدثنا رجل فاضل أنه ألف كتابا للحافظ السيوطي تكلم عنه وترجم له وعد مصنفاته حتى بلغت ستأ وألف كتاب وهذا إن دل إنما يدل على سعة يتحره كما ذكرنا. وهنا أورد بعض مصنفات هذا الامام الجليل. فمن أهم تصانيفة على سبيل المثال لا الحصر: 1 - الاخبار المروية في سبب وضع العربية. 2 - الاشباه والنظائر في النحو. 3 - الافتراح في علم أصول النحو.

(1/92)


4 - الالفاظ المعربة. 5 - البهجة المرضية في شرح الالفية. 6 - الفريده. وهي ألفية وله شرح عليها. 7 - التارج في إعراب شكل المهناج. 8 - المصاعد العلية في القواعد النحوية. 9 - النكت على الالفية والشافية والشذور والنزهة. 10 - المزهر في علوم اللغة. 11 - السيف الصقيل في حواشي ابن عقيل. 12 - الشمعة المضيئة شرح كافية ابن مالك. 13 - تعريف الاعجم بحروف المعجم. 14 - جمع الجوامع في النحو. 15 - رفع السنة في نصب الزنة. 16 - شرح جمع الجوامع. 17 - شرح القصيدة الكافية في التعريف. 18 - شرح تصريف العزى. 19 - شرح لمعة الاشراف في الاشتقاق. 20 - شذا العرف في إثبات المعنى للحرب. 21 - شرح شواهد المغني. 22 - شرح أبيات تلخيص المفتاح. 23 - عقود الجمان في علم المعاني والبيان. 24 - فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد. 25 - قطر الندى في ورود الهمزة للندى. 26 - نكت على التلخيص يسمى الافصاح. 28 - نكت على شرح الشواهد لليعني. 29 - نظم البديع في مدح خير شفيع. 30 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور.

(1/93)


31 - تناسق الدرر في تناسب السور. 32 - المعاني الدقيقة في إدراك الحقيقة. 33 - إتمام النعمة في اختصاص الاسلام بهذه الامة. 34 - الديباح على صحيح مسلم بن الحجاج. 35 - كشف الغطاء على موطأ مالك. 36 - تنوير السافرة عن أمور الآخرة. 37 - البدور السافرة عن أمور الآخرة. 38 - نتيجة الفكر في الجهر بالذكر. 39 - مسالك الحنفا في إسلام والدي المصطفى. 40 - نشر العلمين في إحياء الابوين الشريفين. 41 - ذم القضاء. 42 - ذم زيادة الامراء. 43 - التنفيس عن ترك الافتاء والتدريس. 44 - الاحاديث الحسان في فضل الطيلسان. 45 - طي اللسان عن ذم الطيلسان. 46 - التضلع في معنى المتقنع. 47 - عين الاصابة في ما استدركته عائشة على الصحابة. 48 - الاحتفال بالاطفال. 49 - الاوج في خبر عوج. 50 - الوديك في الديك. 51 - الوثوث في فوائد البرغوث. 52 - مختصر النهاية لابن الاثير. 53 - الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع. 54 - مختصر الخادم. 55 - شرح الروض لابن المقرى. وغير ذلك مما حوته كتب التراجم.

(1/94)


ثناء العلماء عليه لم أجد ترجم لهذا الامام إلا وقد شهد له بالبراعة والتبحر، ولقد أثنى عليه شيوخه وأقرانه وتلاميذه والعلماء من بعده ممن قرأ كتبه. فيقول أبو الحسنات محمد محمد عبد الحلي اللكنوي في حواشيه على الموطأ بعد أن ذكر السيوطي: وتصاننفه كلها مشتملة على فوائد لطيفة وفرائد شريفة تشهد كلها بتبحره وسعة نظره ودقة فكره وأنه حقيق بأن يعد من مجددي الملة المحمدية في بدء المائة العاشرة وآخر التعاسعة كما ادعاه بنفسه وشهد بكونه حفيا به ممن جاء بعده كعلي القارئ المكي في المرآة. انقطاعه عن التدريس والقضاء والافتاء انقطع الشيخ رحمه الله عن التدريس والافتاء لما بلغ أربعين سنة من عمره وأخذ في التجرد والانقطاع لله تعالى والاشتغال ووالاعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم وشرع في تحرير مؤلفاته التي سبقت الاشارة إليها وألف رسالة يعتذر فيها عن التدريس سماها (التنفيس في الاعتذار عمن ترك الافتاء والتدريس). وأقام رحمه الل في روضه المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات. فيردها، وفي ذات يوم من الايام أرسل له السلطان الغوري خصيا وألف دينار، فرد الالف وأخذ الخصي وأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية وقال لقاصده لا تعد تأتينا قط بهدية فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وقيل له مرة إن بعض الاولياء كان يتردد أسلم لدين المسلم. وقد طلبه السلطان مرارا يحضر إليه وألف كتابا سماه (ما رواه الاساطين في عدم التردد إلى السلاطين.). وفاته توفي رضي الله عنه في سحر ليلة الجمعة تاسع جمادى الاولى سنة إحدى وعشرة

(1/95)


وتسعمائة في منزله بروضة المقياس عن عمر بلغ اثنين وستين عاما وكان له مشهد عظيم، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة، وصلي عليه بدمشق بالجامع الاموي يوم الجمعة، وقيل أخذ الناس قميصه وقبعته فاشترى بعض الناس قميصه من الناس بخمسة دنانير للتبرك به وباع قبعته بثلاثة دنانير لذلك أيضا. وقد رثاه عبد الباسط بن خليل الحنفي بقوله: مات جلال الدين غيث الورى * مجتهد العصر إمام الوجود وحافظ السنة مهدي الهدى * ومرشد الضال بنفع يعود فيا عيون انهملي بعده * ويا قلوب انفطري بالوقود واظلمي يا دنيا إذ حق ذا * بل حق أن ترعد فيك الرعود وحق للضوء بأن ينطفى * وحق للقائم فيك القعود وحق للنور بأن يختفى * ولليالي البيض أن تبقى سود وحق للناس بأن يحزنوا * بل حق أن كل بنفس يجود وحق للاجيال خسرا وأن * تطوى السماء طيا كيومالوعود وأن يفور الماء والارض ان * تميد وعم المصاب الوجود مصيبة حلت فحلت بنا * وأرثت نار اشتعال الوجود صبرنا الله عليها وأولاده * نعيما حل دار الخلود والله يقول الحق ويهدي السبيل

(1/96)


كتاب منتقى الينبوع فيما زاد على الروضة من الفروع تأليف الحافظ جلال الدين السيوطي

(1/97)


بسم الله الرحمن الرحيم فرع: قال في شرح المهذب: من البدع المنكرة ما يفعل في كثير من البلدن من إيقاد العظيمة السرف في ليالي معروفة من السنة كليلة نصف شعبان فيحصل بسبب ذلك مفاسد كثيرة. منها: مضاهاة جلوس المجوسي في الاعتناء بالنار والاكثار منها. ومنها: إضاعة المال في غير وجهه. ومنها: ما يترتب على ذلك في كثير من المساجد من اجتماع الصبيان وأهل اليطالة ولعبهم ورفع أصواتهم ولقربانهم المساجد وانتهاك حرمتها وحصول أساخ فيها وغير ذلك من المفاسد التي يجب صيانه المسجد من أفادها (1). انتهى. قال ابن العماد: ومن المفاسد أيضا ما يفعل في الجوامع من إيقاد الفناديل وتركها إلى أن تطلع الشمس وترتفع، وهو من فعل اليهود في كنائسهم كما نبه على ذلك الشيخ زين الدين الكناني وأكثر ما يفعل ذلك في يوم العيد وهو حرام. قال: ويشبه ذلك وقود الشمع الكثير ليلة عرفة، وقد ذكر النووي في شرح المهذب أنه حرام شديد التحريم. وقال ابن الحاج في المدخل: ليس للانسان في المسجد إلا موضع قيامه

(1/99)


وسجوده وجلوسه وما زاد على ذلك فلسائر المسلمين (1) فإذا بسط لنفسه شيئا ليصلي عليه احتاج لاجل سعة ثوبه أن يبسط شيئا كثيرا ليعم ثوبه على سجادته فيكون في سجادته اتساع فيمسك بسبب ذلك موضع رجلين أو نحوهما إن سلم من الكبر من أنه لا يضم إلى سجادته أحدا. قال فإن لم يسلم من ذلك وولى الناس عنه وتباعدوا منه هيبة لكمه وثوبه وتركهم وهو لم بالقرب إليه فيمسك ما هو أكثر من ذلك فيكون غاصبا لذلك القدر من المسجد فيقع بسبب ذلك في المحرم المتفق عليه المنصوص عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم حيث قال: (من غصب شبرا من الارض طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين) (2) وذلك الموضع الذي أمسكه بسبب قماشه وسجادته ليس للمسلمين به حاجة في الغالب إلا وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة وهو في وقت الصلاة غاصب له فيقع في هذا الوعيد بسبب قماشه وسجادته وزيه، فإن بعث بسجادته إلى المسجد في أول الوقت أو قبله ففرشت له هناك وقعد هو إلى أن يمثلئ المسجد بالناس ثم يأتي كان غاصبا لذلك الموضع الذي عملت السجادة فيه لانه ليس له أن يحجره وليس لاحد فيه إلا موضع صلاته انتهى. فرع: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد (3): وأما فضيلة المساجد فليست راجعة إلى أجرامها ولا إلى اعراض قامت بأجرامها وإنما ترجع فضيلتها إلى مقصودها من إقامة الجماعات والجمعات فيها وذلك الاعتكاف فيها، ولذلك منع من البيع والشراء فيها، وإيداع الامكان والازمان لهذه الفضائل كإيداع الانبياء والرسل النبوة والرسالة ليست إلا جودا من الله ولذلك قالت الرسل لقومهم (إن نحن إلا بشر مثلهم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده)

(1/100)


وكذلك سائر الاوصاف الشراف لم يضعها الرب سبحانه في من شاء من عباده لمعنى اقتضاها واستدعاها بل ذلك من فضل الله يؤتيه من يشاء، كذلك من من به من المعارف والاحوال وحسن الاخلاق، ولم يكن ذلك إلا فضلا من فضله وجودا من جوده على من يشاء من عباده. وكذلك الامكان والازمان أودع الله في بعضها فضلا لاجودله في غيرها مع القطع بالتماثل والمساواة. وكذلك الاجسام التي فضلت بأعراضها كالذهب والفضة وسائر الجواهر النفيسة. فرع: قال ابن العماد: قال بعض مشايخنا: الابخر ومن به صنان مستحكم حكمه حكم من أكل الثوم والبصل (1) في منع دخول المسجد وأولى، وفي فتاوى ابن تيمية وبه صرح المالكية أن من بالجذام والبرص وهو من سكان المدارس والرباطات أزعج وأخرج لقوله صلى الله عليه وسلم لا يورد عاهة على مصح) (2). قال ابن العماد: وعلى هذا فيمنع من به برض أو جذام أو صنان مستحكم أو

(1/101)


يخر من الجماعات والجمعات ولا يمنع وحده خلف الصفوف ولا يمنع الغير من الصلاة معه وللغير من الوقوف معه ويمنع المجذوم والارص من الشرب من السقايا المسبلة في المساجد وغيرها للحديث السابق، وحكم من رائحة ثيابه كريهة كثياب الزياتين والدباغين ونحو هم حكم آكل الثوم (1). وقد نقل الخصوصي مسألة الابخر ومن به صنان عن شيخه البلقيني فهو الذي أشار به ابن العماد قال: ويستحب لقاصد المسجد أن يتوضا في بيته لحديث: قال الله تعالى إن بيوتي في أرضى المساجد وإن زواري فيها عمارها وطوبى لعبد تطهر في بيته زارني في بيتي انتهى. قال الزركشي: يجوز دخول الذمي المسجد بلا إذن لحاجة إلى مسلم أو حاجة مسلم إليه. ذكره الروياني وفيه نظر (2). انتهى. قال في شرح المهذب: جاء في دخول الحمام عن السلف آثار متعارضة في الاباحة والكراهة. وأما أصحابنا فكلا مهم فيه قليل وممن تكلم فيه من أصحابنا الامام الفقيه الحافظ أبو بكر السمعاني: جملة القول في دخول الحمام أنه مباح للرجال بشرط الستر (3) وغض البصر ومكروه للنساء إلا لعذر من نفاس أو مرض.

(1/102)


وللداخل آداب: منها أن ينذكر بحره حر النار ويستعيذ بالله من حرها ويسأله الجنة وأن يكون قصده التنظيف والتطهير دون التنعيم والترفه. وأن لا يدخله إذا رأى فيها عاريا، ويستغفر الله إذا خرج ويصلي ركعتين. وقال الغزالي في الاحياء: لا بأس بدخول الحمام، دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام، وعلى داخله واجبات وسنن فعليه واجبات في عورته صونها عن نظر غيره ومسه فلا يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده، وواجبات في عورة غيره أن يغض بصره عنها وأن ينهاه عن كشفها، لان النهى عن النكرات واجب فعليه ذلك وليس عليه القبول (1).

(1/103)


قال: ولا يسقط الانكار إلا لخوف ضرر أشتم أو نحوه، ولا يسقط عنه بظنه أنه لا يفيد. قال: ولهذا صار الحزم في هذه الازمان ترك دخول الحمام إذ لا يخلو عن عوراث مكشوفة لا سيما ما فوق العانة وتحت السرة، ولهذا يستحب إخلاء الحمام. قال: والسنن عشرة: النية بأن لايدخل عبثا ولا لغرض من الدنيا بل بقصد التنظيف المحبوب، وأن يعطي الحمام أجرة قبل دخوله، ويقدم رجله اليسرى في دخوله قائلا بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من الرجس النجس الخبث المخبث الشيطان الرجيم، وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء الحمام، فإنه وإن لم يكن في الحمام إلا أهل الدين والمحتاطون في العورات، ثم لا يخلو الناس في الحركات عن اكتشاف العوارت فيقع عليها البصر. وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الاول، وأن لا يكثر صب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه، وأن يذكر بحرارته نار جهنم لشبهه بها، وأن لا يكثر الله إذا فرع على هذه النعمة وهي النظافة، ويكره من جهة الطب صب الماء البارد على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه، ولا بأس بقوله لغيره عافاك الله، ولا بالمصافحة ولا بأن يدلكه غيره يعني في غير العورة. انتهى. قال ابن عبد السلام: وليس له أن يقيم به أكثر مما جرت به العادة (1). قلت: وروى أبو نعيم في الطب عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم غسل القدمين بالماء البادر بعد الخروج من الحمام أمان من الصداع (2). فرع: سئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن الرجل يدخل الحمام فيجلس بمعزل عن الناس إلا أنه يعرف بالعادة أن يكون معه في الحمام من هو كاشف عروته فهل يجوز له حضوره على هذه الحالة أم لا ؟

(1/104)


فأجاب: يجوز حضور الحمام، فإن قدر عن الانكار أنكر فيكون مأجورا على إنكاره وإن عجز على الانكار أنكر بقلبه فيكون مأجورا على كراهته، ويحفظ بصره عن العورات ما استطاع ولا يلزمه الانكار، إلا في السوءتين لان العلماء الختلفوا في قدر العورة فقال بعضهم: لا عورة إلا في السوء تين (1) إلا أن يكون فاعل ذلك معتقدا لتحريمه فينكر عليه حينئذ، وما زال الناس يقلدون (2) العلماء في مسائل الخلاف ولا ينكر عليهم ولا يجوز للشافعي أن ينكر على المالكي فيما يعتقد الشافعي تحريمه والمالكي تخليله (3)، وكذلك سائر مذاهب العلماء (4) اللهم إلا أن يكون

(1/105)


ذلك المذهب بعيد المأخوذ بحيث يجب نفضه فينكر حينئذ على الذاهب إليه وعلى من يقلده (1). انتهى. وسئل عما يعتاده الوعاظ من قص بعض الشعر لمن تاب من ذنوبه على أيديهم، ومن حلق جميع الرأس هل لهم مستند في ذلك أو هو بدعة ؟ فأجاب: أما خلق الرأس من غير النسك فإن كان لمرض فهو ضرب من التداوي المأمور به، وإن كان لغير عذر فهو مباح والمساعدة عليه محبوبة إذا كان تداويا، وجائزة إن كان مباحا، وقد كان الغالب على الصحابة قصا الشعر، ولذلك كان الحلق من شعار الخوارج وليس تعاطي ذلك بمحرم.

(1/106)


أما القص فهو على وفق كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، فإنه فعله الشيخ بالتائب كان مساعدا له على عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه وليس ذلك ركنا من أركان التوبة ولا شرطا من شروطها. والبدع (1) أضرب (2) منها: أحدها: ما دلت الشريعة على أنه مندوب أو واجب ولم يفعل مثله في العصر الاول فهذا بدعة حسنة. الثانية: ما دلت الشريعة على تحريمه أو كراهته مع كونه لم يعهد العصر الاول فهذا بدعة قبيحة. الثالث: ما دلت الشريعة على إباحته مع كونه لم يعهد في العصر الاول، فهذا من البدع المباحة، وقص الشعر على وفق السنة ليس بمكروه ولا من البدع. وأما الحلق الذي تمس الحاجة إليه فلا بأس به أبضا (3).

(1/107)


وقد أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام قد حلق بعض رأسه فقال: احلقوه كله أو اتركوه كله (1). انتهى. تم الكتاب بحمد الله تعالى وحسن توفيقه، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصبح وسلم.

(1/108)


روضة الطالبين للامام أبى زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي المتوفى سنة 676

(1/109)


بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر وأعن الحمد (1) لله ذي الجلال والاكرام، والفضل والطول والمنن الجسام، الذي هدانا للاسلام، وأسبغ علينا جزيل نعمه ألطافه العظام، وأنافض علينا من خزائن ملكه أنواعا من الانعام وكرم الادميين وفضلهم على غيرهم من الانام، وجعل فيهم قادة يدعون بأمره إلى دار السلام، واجتبى من لطف به منهم فجعلهم من الاماتل والاعلام، فطهر هم من أنواع الكدر (2) ووضر (3) الآثام، وصيرهم بفضله من أولي النهى والاحكام، ووفقهم للدوام على مراقبته ولزوم طاعته على تكرر السنين والايام، واختار من جميعهم حبيبه وخليله وعبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم، فمحا به عبادة الاصنام، وأدحض (4) به آثار الكفر ومعالم الانصاب والازلام، واختصه بالقرآن العزيز المعجز وجوامع الكلام. فبين صلى الله عليه وسلم للناس ما أرسل به من أصول الديانات والآداب، وفروع الاحكام،

(1/111)


وغير ذلك مما يحتاجون إليه على تعاقب الاحوال والاعوام، صلى الله وسلم عليه وعلى جميع الانبياء والملائكة وآله كل وأتباعهم الكرام، صلوات متضاعفات دائمات بلا انفصام. أحمده أبلغ الحمد وأكمله وأعظمه وأتمه وأشمله، وأشهد أن لا إله إلا الله اعتقادا لربوبيته، إذعانا لجلاله وعظمته وصمديته، وأشهد أن محمدا، عبده ورسوله المصطفى من خليقته، والمختار المجتبى من بريته، صلى الله عليه وسلم وزاده شرفا وفضلا لديه وكرم. أما بعد: فإن الاشتغال بالعلم من أفضل القرب وأجل الطاعات، وأهم أنواع الخير وآكد العبادات، وأولى ما أنفقت فيه نفائس الاوقات، وشمر في إدراكه والتمكن فيه أصحاب الانفس الزكيات، وبادر إلى الاهتمام به المسارعون إلى المكرمات، وسارع إلى التحلي به مستبقو الخيرات، وقد تظاهر على ما ذكرته جمل ما آيات القرآن الكريمات (1)، والاحاديث الصحيحة النبوية المشهورات (2)، ولا ضرورة إلى الاطناب بذكرها هنا لكونها من الواضحات الجليات. وأهم أنواع العلم في هذه الازمان الفروع الفقهيات، لافتقار جميع الناس إليها في جميع الحالات، مع أنها تكاليف محضة فكانت من أهم المهمات. وقد أكثر العلماء من أصحابنا الشافعيين وغيرهم من العلماء من التصنيف في الفروع من المبسوطات والمختصرات (3)، وأودعوا فيها من الاحكام والقواعد والادلة وغيرها من النفائس الجليلات، ما هو معلوم مشهور عند أهل العنايات. وكانت مصنفات أصحابنا رحمهم الله في نهاية من الكثرة فصاوت منتشرات، مع ما هي عليه من الاختلاف في الاختبارات، فصار لا يحقق المذهب من أجل ذلك إلا أفراد من

(1/112)


الموفقين الغوضين المطلعين أصحاب الهمم العاليات، فوفق الله سبحانه وتعالى، وله الحمد - من متأخري أصحابنا من جمع هذه الطرق المختلفات، ونقح المذهب أحسن تنقيح، وجمع منتشره بعبارات وجيزات، وحوى جميع ما وقع له من الكتب المشهورات، وهو إلامام الجليل المبرز المتضلع من علم المذهب أبو القاسم الرافعي (1) ذو التحقيقات (2)، فأتى في كتاب (شرح الوجيز) بما لا كبير مزيد عليه من الاستيعاب مع الايجاز والاتقان وإيضاح العبارات، فشكر الله الكريم له سعيه وأعظم له المثوبات، وجمع بينن وبينه مع أحبابنا في دار كرامته مع أولى الدرجات وقد عظم انتفاع أهل عصرنا بكتابه لما جمعة من جميل الصفات، ولكنه كبير الحجم لا يقدر على تحصيله أكثر الناس في معظم الاوقات. فألهمني الله سبحانه - وله الحمد - أن أختصره في قليل من المجلدات، فشرعت فيه قاصدا تسهيل الطريق إلى الانتفاع به لاولي الرغبات، أسلك فيه - إن شاء الله - طريقة متوسطة بين المنالغة في الاختصار والايضاح فإنها من المطلوبات، وأحذف الادلة في معظمه وأشير إلى الخفي منها إشارات، وأستوعب جميع فقه الكتاب حتى الوجوه الغربية المنكرات، وأقتصر على الاحكام دون المؤاخذات اللفظيات، وأضم إليه في أكثر المواطن تفريعات، وتتمات، وأذكر مواضع يسيرة على الامام الرافعي فيها استدراكات (3)، منبها على ذلك - قائلا في أوله: قلت: وفي آخره: والله أعلم - في جميع الحالات. وألتزم ترتيب الكتاب - إلا نادرا - لغرض من المقاصد الصالحات، وأرجو - إن تم هذا الكتاب - أن من حصله أحاط بالمذهب

(1/113)


وحصل له أكمل الوثوق به أدرك حكم جميع ما يحتاج إليه من المسائل الواقعات. وما أكره غريبا من الزيادات، غير مضاف إلى قائله، قصدت به الاختصار، وقد بينتها في (شرح المهذب) وذكرتها فيه مضافات. وحيث أقول: على الجديد، فالقديم خلافه، أو: القديم، فالجديد خلافه، أو: على قول أو وجه، فالصحيح خلافه. وحيث أقول: على الصحيح أو الاصح، فهو من الوجهين. وحيث أقول: على الاظهر، أو: المشهور، فهو من القولين. وحيث أقول: على المذهب، فهو من الطريقين أو الطرق. وإذا ضعف الخلاف، قلت: على الصحيح، أو المشهور. وإذا قوي، قلت: الاصح، أو الاظهر، وقد أصرح ببيان الخلاف في بعض المذكورات. واستمدادي المعونة والهداية والتوفيق والصيانة في جميع أموري من رب الارضين والسموات. أسأله التوفيق لحسن النيات، الاعانة على جميع أنواع الطاعات. وتيسيرها والهداية لها دائما في ازدياد حتى الممات. وأن يفعل ذلك بوالدي ومشايخي وأقربائي وإخواني وسائر من أحبه ويحبني فيه وجميع المسلمين والمسلمات، وأن يجود علينا برضاه ومحبته ودوام طاعته وغير ذلك من وجوه المسرات وأن لا ينزع منا ما وهبه لنا ومن به علينا من الموهوبات، من وجوه أجمعين، وكل من يقرأ هذا الكتاب به، وأن يجزان لنا العطيات، وأن يطهر قوبنا والاعراض عما سواه في جميع اللحظات. اعتصمت بالله، توكلت على الله، ما شاء الله، لا حول ولا قوة إلا بالله. وحسبي الله ونعم الوكيل، وله الحمد والنعمة، وبه التوفيق والعصمة.

(1/114)