روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الحيض (1)
فيه خمسة أبواب.
الاول : في حكم الحيض والاستحاضة. أما سن الحيض، فأقله استكمال تسع سنين على الصحيح، وما رأته قبله: دم فساد. والثاني: بالطعن في أول التاسعة. والثالث: مضي نصف التاسعة. والمراد: السنون القمرية على الاوجه كلها. وهذا الضبط للتقريب على الاصح. فلو كان بين رؤية الدم واستكمال التسع على الصحيح ما لا يسع حيضا وطهرا، كان ذلك الدم حيضا، وإلا فلا. وسواء في سن الحيض، البلاد الحارة، وغيرها على الصحيح. وقال الشيخ أبو محمد: في الباردة وجهان. قلت: الوجه الذي حكاه أبو محمد: هو أنه إذا وجد ذلك في البلاد الباردة (2) التي لا يعهد ذلك في مثلها، فليس بحيض. والله أعلم. وأقل الحيض يوم وليلة على المذهب، وعليه التفريع. وأكثره: خمسة عشر

(1/247)


يوما. وغالبه: ست أو سبع. وأقل الطهر بين حيضتين: خمسة عشر يوما، وغالبه: تمام الشهر بعد الحيض، ولا حد لاكثره. ولو وجدنا امرأة تحيض على الاطراد أقل من يوم وليلة، أو أكثر من خمسة عشر، أو بطهر أقل من خمسة عشر، فثلاثة أوجه. الاصح: لا عبرة به. والثاني: يتبعه. والثالث: إن وافق ذلك مذهب بعض السلف، أتبعناه. وإلا فلا. والاول: هو المعتمد: وعليه تفريع مسائل الحيض، ويدل عليه الاجماع على أنها لو رأت النقاء يوما، والدم يوما على الاستمرار، لا نجعل كل نقاء طهرا كاملا. فصل: يحرم على الحائض ما يحرم على الجنب، ولا يجب عليها قضاء الصلاة (1). ولو أرادت العبور في المسجد، فإن خافت تلويثه لعدم إحكامها الشد، أو لغلبة الدم، حرم العبور عليها، ولا يختص هذا بها، بل المستحاضة، والسلس، ومن به جراحة نضاخة، يحرم عليهم العبور إذا خافوا التلويث. فإن أمنت الحائض التلويث، جاز العبور على الصحيح، كالجنب ومن عليه نجاسة لا يخاف تلويثها. ويحرم عليها الصوم، ويجب قضاؤه. وهل يقال: إنه واجب حال الحيض ؟ وجهان. قلت: الصحيح الذي عليه المحققون والجماهير: أنه ليس واجبا، بل يجب القضاء بأمر جديد. والله أعلم. وأما الاستمتاع بالحائض، فضربان. أحدهما: الجماع في الفرج، فيحرم ويبقى تحريمه إلى أن ينقطع الحيض، وتغتسل، أو تتيمم عند عجزها عن الغسل. فلو لم تجد ماء ولا ترابا، صلت الفريضة، وحرم وطؤها على الصحيح. ومتى جامع في الحيض متعمدا عالما بالتحريم، فقولان. المشهور الجديد: لا غرم عليه، بل يستغفر الله ويتوب، لكن يستحب أن يتصدق بدينار إن جامع في إقبال الدم، أو بنصف دينار إن جامع في

(1/248)


إدباره والقول (1) والقديم: يلزمه غرامة. وفيها قولان. المشهور منهما ما قدمنا استحبابه في الجديد. والثاني: عتق رقبة بكل حال. ثم الدينار الواجب، أو المستحب، مثقال الاسلام من الذهب الخالص، يصرف إلى الفقراء والمساكين. ويجوز صرفه إلى واحد. وعلى قول الوجوب: يجب على الزوج دون الزوجة. وفي المراد بإقبال الدم وإدباره: وجهان. الصحيح المعروف: أن إقباله: أوله وشدته. وإدباره: ضعفه وقربه من الانقطاع. والثاني: قول الاستاذ أبي إسحاق الاسفراييني: إقباله: ما لم ينقطع، وإدباره: إذا انقطع ولم تغتسل. أما إذا وطئها ناسيا، أو جاهلا التحريم، أو الحيض، فلا شئ عليه قطعا. وقيل: يجئ وجه على القول (2) القديم: أنه يجب الغرم. الضرب الثاني: الاستمتاع بغير الجماع. وهو نوعان. أحدهما: الاستمتاع بما بين السرة والركبة، والاصح المنصوص: أنه حرام (3)، والثاني: لا يحرم. والثالث: إن أمن على نفسه التعدي إلى الفرج لورع، أو لقلة (4) شهوة، لم يحرم، وإلا حرم. وحكي الثاني (5) قولا قديما. النوع الثاني: ما فوق السرة وتحت الركبة، وهو جائز، أصابه دم الحيض، أم لم يصبه. وفي وجه شاذ: يحرم الاستمتاع بالموضع المتلطخ بالدم. ومن أحكام الحيض: أنه يجب الغسل (6) عند انقطاعه، وأنه يمنع صحة الطهارة ما دام الدم مستمرا، إلا الاغسال المشروعة، لما لا يفتقر إلى طهارة، كالاحرام، والوقوف، فإنها تستحب للحائض، وإذا قلنا بالضعيف: إن الحائض تقرأ القرآن، فلها أن

(1/249)


تغتسل إذا أجنبت لتقرأ. ومن أحكام الحيض: أنه يوجب البلوغ، وتتعلق به العدة والاستبراء، ويكون الطلاق فيه بدعيا، وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ وما بعده. قلت: ومن أحكامه: منع وجوب طواف الوداع، ومنع قطع التتابع في صوم الكفارة، وقول الامام (1) الرافعي: وحكم النفاس حكم الحيض إلا في إيجاب البلوغ، وما بعده، يقتضي أن لا يكون الطلاق فيه بدعيا، وليس كذلك، بل هو بدعي، لان المعنى المقتضي بدعيته في الحيض موجود فيه، وقد صرح الرافعي أيضا في كتاب (الطلاق) بكونه بدعيا. والله أعلم. وإذا انقطع الحيض، ارتفع تحريم الصوم وإن لم تغتسل، وكذا الطلاق، وسقوط قضاء الصلاة، بخلاف الاستمتاع وما يفتقر إلى الطهارة. قلت: ومما يزول بانقطاع الحيض، تحريم العبور في المسجد إذا قلنا بتحريمه في زمن الحيض، ولنا وجه شاذ في (الحاوي) و (النهاية) أنه لا يزول تحريمه وليس بشئ. والله أعلم. فصل في الاستحاضة (2): الاستحاضة ضربان (3) قد تطلق على كل دم تراه المرأة، غير دم الحيض والنفاس. سواء اتصل بالحيض المجاوز أكثره أم لم يتصل، كالذي تراه لسبع سنين مثلا. وقد تطلق على المتصل به خاصة، ويسمى غيره: دم فساد، ولا تختلف الاحكام في جميع ذلك، والخارج حدث دائم،

(1/250)


كسلس البول، فلا يمنع الصلاة والصوم، ويجوز وطؤها، وإنما أثر الحدث الدائم: الاحتياط في الطهارة، وإزالة النجاسة، فتغسل المستحاضة فرجها قبل الوضوء أو التيمم (1)، وتحشوه بقطنة أو خرقة دفعا للنجاسة وتقليلا. فإن اندفع به الدم، وإلا شدت مع ذلك خرقة في وسطها، وتلجمت بأخرى مشقوقة الطرفين، فكل هذا واجب، إلا أن تتأذى بالشد أو تكون صائمة فتترك الحشو وتقتصر على الشد. وسلس البول (2) يدخل قطنة في إحليله، فإن انقطع، وإلا عصب (2) مع ذلك رأس الذكر. ثم تتوضأ المستحاضة بعد الاحتياط الذي ذكرناه. ويلزمها تقديم هذا الاحتياط على الوضوء (3)، ويجب الوضوء لكل فريضة، ولها ما شاءت من النوافل بعد الفريضة، ويجب أن تكون طهارتها بعد الوقت على الصحيح. وفي وجه شاذ: تجزئها الطهارة قبل الوقت إذا انطبق آخرها على أول الوقت. وينبغي لها أن تبادر بالصلاة عقب طهارتها. فإن تطهرت في أول الوقت، وصلت في آخره أو بعده. فإن كان تأخيرها لسبب الصلاة، كالاذان، والاجتهاد في القبلة، وستر العورة، وانتظار الجمعة والجماعة ونحوها، لم يضر، وإلا فثلاثة أوجه. الصحيح: المنع. والثاني: الجواز. والثالث: الجواز ما لم يخرج الوقت. أما تجديد غسل الفرج، وحشوه، وشده لكل فريضة، فإن زالت العصابة عن موضعها زوالا له وقع، أو ظهر الدم في جوانبها، وجب التجديد. وإن لم تزل، ولا ظهر الدم، أو زالت زوالا يسيرا، وجب التجديد على الاصح. وقيل: الاظهر. كما يجب تجديد الوضوء،

(1/251)


ويجري الخلاف فيما لو أحدثت بريح ونحوه قبل أن تصلي، فلو بالت، وجب التجديد قطعا. ولو خرج منها الدم بعد الشد لغلبة الدم، لم يبطل وضوؤها. وإن كان لتقصيرها في الشد، بطل، وكذا لو زالت العصابة عن موضعها لضعف الشد، وزاد خروج الدم بسببه. ولو (1) اتفق ذلك في صلاة، بطلت، وإن كان بعد فريضة، حرم النفل بعدها. فرع: طهارة المستحاضة تبطل بالشفاء، وفي وجه شاذ: لو اتصل الشفاء بآخر الوضوء، لم يبطل، وليس بشئ. ولو شفيت في صلاة، بطلت على المذهب. ومتى انقطع دمها وهي تعتاد الانقطاع والعود، أو لا تعتاده، لكن أخبرها به من يعتمد من أهل البصر، نظر، إن كانت مدة الانقطاع يسيرة لا تسع الطهارة والصلاة التي تطهرت لها، فلها الشروع في الصلاة. فلو امتد الانقطاع، بان بطلان الطهارة، ووجب قضاء الصلاة. وإن كانت مدة الانقطاع تسع الطهارة والصلاة، لزمها إعادة الوضوء بعد الانقطاع. فلو عاد الدم على خلاف العادة، قبل الامكان، لم يجب إعادة الوضوء على الاصح. لكن لو شرعت في الصلاة بعد هذا الانقطاع، ولم تعد الوضوء، فعاد الدم قبل الفراغ، وجب إعادة الصلاة على الاصح. أما إذا انقطع دمها وهي لا تعتاد الانقطاع والعود، ولم يخبرها أهل البصر بالعود، فيجب إعادة الوضوء. فلو عاد الدم قبل إمكان الوضوء والصلاة، فالاصح أن وضوءها السابق يبقى على صحته. والثاني: يجب إعادته. ولو خالفت أمرنا، وشرعت في الصلاة من غير إعادة الوضوء بعد الانقطاع، فإن لم يعد الدم، لم تصح صلاتها، لظهور الشفاء. وكذا إن عاد بعد مضي إمكان الطهارة والصلاة، لتمكنها من الصلاة بلا حدث، وكذا إن عاد قبل الامكان على الاصح، لترددها عند الشروع. ولو توضأت عند انقطاع دمها وهي لا تدري أنه شفاء، أم لا ؟ فسبيلها أن تنظر هل تعتاد الانقطاع، وتجري على مقتضى الحالين كما بينا. قلت: ولنا وجه شاذ: أن المستحاضة لا تستبيح النفل بحال. وإنما استباحت الفريضة مع الحدث الدائم للضرورة. والصواب المعروف أنها تستبيح النوافل مستقلة، وتبعا للفريضة ما دام الوقت باقيا، وبعده أيضا على الاصح. والمذهب:

(1/252)


أن طهارتها تبيح الصلاة ولا ترفع الحدث. والثاني: ترفعه. والثالث: (1) ترفع الماضي دون المقارن والمستقبل. وإذا كان دمها ينقطع في وقت، ويسيل في وقت، لم يجز أن تصلي وقت سيلانه، بل عليها أن تتوضأ وتصلي في وقت انقطاعه، إلا أن تخاف فوت الوقت، فتتوضأ وتصلي في سيلانه. فإن كانت ترجو انقطاعه في آخر الوقت، فهل الافضل أن تعجل الصلاة في أول الوقت، أم تؤخرها إلى آخره ؟ فيه وجهان مذكوران في (التتمة)، بناء على القولين في مثله في التيمم. قال صاحب (التهذيب) لو كان سلس البول، بحيث لو صلى قائما سال بوله، ولو صلى قاعدا، استمسك، فهل يصلي قائما، أم قاعدا ؟ وجهان. الاصح: قاعدا حفظا للطهارة، ولا إعادة عليه على الوجهين. والله أعلم.
الباب الثاني في المستحاضات هن أربع: الاولى: المبتدأة المميزة وهي: التي ترى الدم على نوعين، أو أنواع، أحدها أقوى، فترد إلى التمييز، فتكون حائضا في أيام القوي، مستحاضة في أيام الضعيف. وإنما يعمل بالتمييز بثلاثة شروط. أحدها: أن لا يزيد القوي على خمسة عشر يوما، والثاني: أن لا ينقص عن يوم وليلة ليمكن جعله حيضا. والثالث: أن لا ينقص الضعيف عن خمسة عشر يوما ليمكن جعله طهرا بين حيضتين، والمراد بخمسة عشر الضعيف، أن لا (2) تكون متصلة فلو رأت يوما أسود، ويومين أحمر (3)، وهكذا أبدا، فجملة الضعيف في الشهر تزيد على خمسة

(1/253)


عشر، لكن لا يعد هذا تمييزا لعدم إتصاله. هذا الذي ذكرناه من أن (1) الشروط ثلاثة هو الصحيح المعروف في المذهب. ولنا وجهان شاذان باشتراط شرط رابع. أحدهما قاله صاحب (التتمة): أنه يشترط أننا يزيد القوي والضعيف، على ثلاثين يوما. فإن زاد، سقط التمييز. والثاني: مذكور في (النهاية): أن الدمين إن كانا تسعين يوما فما دونها، عملنا بالتمييز، فإن جاوز تسعين، ابتدأت حيضة أخرى بعد التسعين. وجعل دورها تسعين أبدا. وفي المعتبر في القوة والضعف وجهان. أصحهما هو قول العراقيين وغيرهم، أن القوة تحصل بإحدى ثلاث خصال: اللون، والرائحة، والثخانة. فالاسود أقوى من الاشقر. والاشقر أقوى من الاصفر ومن الاكدر إذا جعلناهما حيضا. وما له رائحة أقوى مما لا رائحة له. والثخين أقوى من الرقيق. ولو كان دمها بعضه موصوفا بصفة من الثلاث، وبعضه خاليا عن جميعها، فالقوي هو الموصوف بالصفة. ولو كان للبعض صفة، وللبعض صفتان، فالقوي ما له صفتان. فإن (2) كان للبعض صفتان، وللبعض ثلاث، فالقوي ما له الثلاث. وإن وجد لبعضه صفة، ولبعضه أخرى، فالقوي: السابق منهما. كذا ذكره في (التتمة) وهو موضع تأمل. والوجه الثاني: أن المعتبر في القوة اللون وحده، وادعى إمام الحرمين إتفاق الاصحاب على هذا الوجه، واقتصر عليه أيضا الغزالي. والصحيح عند الاصحاب: الوجه الاول. فرع إذا وجدت شروط التمييز، فتارة يتقدم الدم القوي، وتارة الضعيف. فإن تقدم القوي، نظر. فإن استمر بعده ضعيف واحد، بأن رأت خمسة سوادا، ثم حمرة مستمرة، فحيضها السواد. والحمرة طهر وإن طال زمانها، وفيه الوجهان الشاذان المتقدمان عن (التتمة) و (النهاية) وإن وجد بعده ضعيفان، وأمكن جعل أولهما مع القوي حيضا (3)، بأن رأت خمسة سوادا، ثم خمسة حمرة، ثم صفرة مطبقة،

(1/254)


فطريقان. أحدهما: القطع بأن القوي مع الضعيف الاول حيض. والثاني: وجهان، أحدهما: هذا. والثاني: حيضها القوي وحده، فإن لم يمكن جعلهما، بأن رأت خمسة سوادا، ثم أحد عشر حمرة، ثم صفرة مطبقة، فالمذهب: أن حيضها السواد. وقيل: فاقدة التمييز، فكأنها رأت ستة عشر أسود. أما إذا تقدم بعد القوي أضعف الضعيفين، فرأت سوادا، ثم صفرة، ثم حمرة، فإنه يبنى على ما إذا توسطت الحمرة. فإن الحقناها بما بعده، وقلنا: الحيض هو السواد وحده، فهنا أولى. وإن ألحقناها بالسواد، فحكمها كما إذا رأت سوادا، ثم حمرة، ثم عاد السواد. وذلك يعلم بما ذكرناه من شروط التمييز. أما إذا تقدم الضعيف أولا، فإن أمكن الجمع بين القوي وما تقدمه، بأن رأت خمسة حمرة، ثم خمسة سوادا، ثم حمرة مطبقة، فثلاثة أوجه. الصحيح: أن الحكم للون، فحيضها السواد، وأما ما قبله وبعده، فطهر والثاني: يجمع بينهما، فحيضها السواد وما قبله. والثالث: أنها فاقدة للتمييز. وإن لم يمكن الجمع، بأن رأت خمسة حمرة، ثم أحد عشر سوادا، فإن قلنا في حالة الامكان، حيضها السواد، فهنا أولى. وإن قلنا بالآخرين، ففاقدة للتمييز على الصحيح المعروف. وقيل: حيضها الحمرة المتقدمة مراعاة للاولية. فلو صار السواد ستة عشر، ففاقدة للتمييز بالاتفاق، إلا على الشاذ فإنه يقدم الاولية. وإذا فرعنا على الصحيح وهو تقديم اللون، فرأت المبتدأة خمسة عشر حمرة، ثم خمسة عشر سوادا، تركت الصوم والصلاة في جميع الشهر. فإن زاد السواد على خمسة عشر، فقد فات التمييز، فيرد إلى يوم وليلة في قول، وإلى ست أو سبع في القول الآخر، فتترك الصلاة والصوم أيضا بعد الشهر يوما وليلة، أو ستا، أو سبعا. ولا يتصور مستحاضة تؤمر بترك الصلاة أحدا وثلاثين يوما أو ستة أو سبعة وثلاثين، إلا هذه. فرع: وإذا بلغت المرأة سن الحيض، فرأت دما، لزمها ترك الصوم والصلاة والوطئ بمجرد رؤية الدم على الصحيح. وقيل: لا يترك الصوم والصلاة حتى ترى الدم يوما وليلة. فعلى الصحيح لو انقطع لدون يوم وليلة، بان أنه ليس حيضا، فتقضي الصلاة. واعلم أن المبتدئة المميزة لا تشتغل بالصوم والصلاة عند انقلاب الدم من القوة إلى الضعف، لاحتمال انقطاع الضعيف قبل مجاوزة خمسة عشر، فيكون الجميع

(1/255)


حيضا، فتتربص إلى انقضاء الخمسة عشر. فإن انقضت والدم مستمر، عرفنا أنها مستحاضة، فتقضي صلوات ما زاد على الدم القوي. هذا حكم الشهر الاول. وأما الثاني وما بعده، فبانقلاب الدم تغتسل وتصلي وتصوم، ولا يخرج ذلك على الخلاف في ثبوت العادة بمرة، فلو اتفق الشفاء في بعض الادوار، فانقطع الدم قبل مجاوزة الخمسة عشر، فالضعيف حيض مع القوي، كالشهر الاول. وسواء في كون جميعه حيضا إذا لم يجاوز، وتقدم الضعيف أو القوي على الصحيح المعروف. وعلى الشاذ إن تقدم القوي، فالجميع حيض، وإن تقدم الضعيف، وبعده قوي وحده، أو قوي، ثم ضعيف آخر، كمن رأت خمسة حمرة، ثم خمسة سوادا، ثم خمسة حمرة، فحيضها في الصورة الاولى: السواد. وفي الثانية: السواد وما بعده. فرع: مفهوم كلام الاصحاب وما صرح به إمام الحرمين: أن المراد بانقلاب الدم القوي ضعيفا، أن تتمحض ضعيفا، حتى لو بقيت خطوط من السواد، وظهرت خطوط من الحمرة، لا ينقطع حكم الحيض، وإنما ينقطع إذا لم يبق شئ من السواد أصلا. المستحاضة الثانية: مبتدأة لا تمييز لها بأن يكون جميع دمها بصفة واحدة، أو يكون قويا وضعيفا، وفقد شرط من شروط التمييز، فينظر فيها، فإن لم تعرف وقت ابتداء الدم، فحكمها حكم المتحيرة - ويأتي بيانه إن شاء الله تعالى - وإن عرفته، فقولان. أظهرهما: تحيض يوما وليلة، والثاني: ستا أو سبعا وعلى هذا في الست أو السبع وجهان. أحدهما: للتخيير، فتحيض إن شاءت ستا وإن شاءت سبعا، وأصحهما ليس للتخيير، بل إن كانت عادة النساء ستا، تحيضت ستا، وإن كانت سبعا، فسبعا. وفي النساء المعتبرات أوجه. أصحها: نساء عشيرتها من الابوين. فإن لم يكن عشيرة، فنساء بلدها. والثاني: نساء العصبات خاصة. والثالث: نساء بلدها وناحيتها، فإن كانت المعتبرات يحضن كلهن ستا أو سبعا، أخذت به. وإن نقصت عادتهن كلهن عن ست، أو زادت على سبع، فوجهان. أصحهما: ترد إلى ست في صورة النقص، وسبع في الزيادة. والثاني: ترد إلى عادتهن. ولو اختلفت عادتهن، فحاض بعضهن ستا، وبعضهن سبعا، ردت إلى الاغلب. فإن استوى البعضان، أو حاض بعضهن دون ست، وبعضهن فوق سبع، ردت إلى الست.

(1/256)


هذا بيان مردها في الحيض. أما الطهر: فإن قلنا: ترد في الحيض إلى غالبه، فكذا في الطهر، فترد إلى ثلاث وعشرين أو أربع وعشرين. وإن رددناها في الحيض إلى الاقل، فالصحيح أن طهرها تسع وعشرون تتمة الشهر. والثاني: أنه ثلاث وعشرون، أو أربع وعشرون، وقيل: على هذا يتعين الاربع والعشرون. والصواب المعروف ترديده بين الاربع والعشرين والثلاث والعشرين كما ذكرنا. والثالث: وهو نص غريب للشافعي رحمه الله: أنه أقل الطهر. فعلى هذا دورها ستة عشر، وهو شاذ ضعيف. واعلم أن ابتداء مردها في الحيض في حين رأت الدم، سواء كان بصفة واحدة، أم متميزا لفقد (1) منه شرط التمييز. ولنا وجه ضعيف عن ابن سريج رحمه الله: أنه إذا ابتدأ الضعيف، وجاوز القوي بعده أكثر الحيض، فابتداء حيضها من أول القوي. فرع: غير المميزة كالمميزة في ترك الصوم والصلاة في الشهر الاول إلى تمام خمسة عشر يوما، فإن جاوزها الدم، تبينا الاستحاضة، فإن رددناها إلى أقل الحيض، قضت صلوات أربعة عشر يوما، وإن رددناها إلى الست أو السبع، قضت صلوات تسعة أيام أو ثمانية. وأما الشهر الثاني وما بعده، فإن وجدت فيه تمييزا بشرطه قبل تمام المرد أو بعده، فهي في ذلك الدور: مبتدأة مميزة. وإن استمر فقد التمييز، وجب عند مجاوزة المرد، الغسل، والصوم، والصلاة. فإن شفيت في بعض الشهور، قبل مجاوزة خمسة عشر، بان أنها غير مستحاضة في ذلك الشهر، وجميع دمها فيه حيض، فتقضي ما صامته في أيام الدم. وتبينا أن غسلها لم يصح، ولا تأثم بالصوم والصلاة والوطئ، فيما وراء المرد، وإن كان قد وقع في الحيض لجهلها. وإن لم تشف، فهل يلزمها الاحتياط فيما وراء المرد إلى تمام خمسة عشر، أم تكون طاهرا كسائر المستحاضات الطاهرات ؟ قولان. أظهرهما: الثاني. فإن قلنا: تحتاط، لم تحل للزوج، إلا بعد خمسة عشر، ولا تقضي في هذه المدة فوائت الصوم والصلاة والطواف. ويلزمها أداء الصوم والصلاة والغسل لكل صلاة، وتقضي الصوم كله، ولا تقضي الصلاة. وإذا قلنا: لا تحتاط، صامت وصلت، ولا تقضيهما، ولا غسل عليها، ولها قضاء الفوائت. ويباح وطؤها.

(1/257)


المستحاضة الثالثة: المعتادة غير المميزة، فترد إلى عادتها. ولها حالان. أحدهما: أن لا تختلف عادتها، فإن تكررت عادت حيضها وطهرها مرارا، ردت إليها في قدر الحيض، والطهر، ووقتها. والصحيح: أنه لا فرق بين أن تكون عادتها، أن تحيض أياما من كل شهر، أو من كل سنة، وأكثر. وقيل: لا يجوز أن يزيد الدور على تسعين يوما، وسنعيد المسألة في النفاس إن شاء الله تعالى. وإن لم تتكرر. فالاصح: أن العادة تثبت بمرة. والثاني: لا بد من مرتين. والثالث: لا بد من ثلاث مرات. فلو كانت تحيض خمسا، فحاضت في شهر ستا، ثم استحيضت بعده، فإن اثبتنا العادة بمرة، ردت إلى الست، وإلا، فإلى الخمس. ثم المعتادة في الشهر الاول من شهور استحاضتها، تتربص كالمبتدأة، لجواز انقطاع دمها على خمسة عشر، فإن جاوزها، قضت صلوات ما وراء العادة. وأما الشهر الثاني وما بعده، فتغتسل وتصلي وتصوم عند مضي العادة. ولا يجئ هنا قول الاحتياط المتقدم في المبتدأة، لقوة العادة. الحال الثانية: أن تختلف عادتها، ولها صور. منها: أن تستمر لها عادات مختلفة منتظمة بأن كانت تحيض في شهر ثلاثة، ثم في شهر خمسة، وفي شهر سبعة، ثم في الرابع ثلاثة، ثم في الخامس خمسة، وفي السادس سبعة، وهكذا أبدا، فهل ترد بعد الاستحاضة إلى هذه العادة ؟ وجهان. أصحهما: ترد، ويجري الوجهان، سواء كانت عادتها منتظمة على هذا الترتيب، أم على ترتيب آخر، بأن كانت ترى خمسة، ثم ثلاثة، ثم سبعا، ثم تعود الخمسة. وسواء رأت كل قدر مرة، كما ذكرنا، أم مرتين، بأن ترى في شهرين ثلاثة ثلاثة. وفي شهرين بعدهما خمسة خمسة، وفي شهرين بعدهما سبعة سبعة. ثم محل الوجهين إذا تكررت العادة الدائرة. فأما إذا رأت الاقدار الثلاثة، في ثلاثة أدوار، ثم استحيضت في الرابع، فلا خلاف أنها لا ترد إلى الاقدار، لانا إن أثبتنا العادة بمرة، فالاخير ينسخ ما قبله، وإن لم نثبتها بمرة، فلانه لم تتكرر الاقدار لتصير عادة، ولهذا قال الائمة: أقل ما تستقيم فيه العادة في المثال المذكور ستة أشهر، فإن رأت هذه الاقدار مرتين، فأقله سنة. ثم إذا قلنا: ترد إلى هذه العادة، فاستحضيت عقب شهر الثلاثة، ردت في أول شهور الاستحاضة إلى الخمسة. وفي

(1/258)


الثاني: إلى السبعة. وفي الثالث: إلى الثلاثة. وإن استحيضت بعد شهر الخمسة، ردت إلى السبعة، ثم الثلاثة، ثم الخمسة. وإن استحيضت بعد شهر السبعة، ردت إلى الثلاثة، ثم الخمسة، ثم السبعة. وإن قلنا: لا ترد إليها، فقد ذكر الغزالي ثلاثة أوجه. أحدها: ترد إلى ما قبل الاستحاضة أبدا. والثاني: إلى القدر المشترك بين الحيضتين السابقتين للاستحاضة. فإن استحيضت بعد شهر الخمسة، ردت إلى الثلاثة. والثالث: أنها كالمبتدأة. ولم أر هذه الاوجه بعد البحث لغيره، ولا لشيخه، بل المذهب والذي عليه الاصحاب في كل الطرق، أنها ترد إلى القدر المتقدم على الاستحاضة. وعلى هذا، هل يجب عليها الاحتياط فيما بين أقل العادات وأكثرها ؟ وجهان. أصحهما: لا. كصاحبة العادة الواحدة، فإنها لا تحتاط بعد المرد. والثاني: يجب. فعلى هذا، يجتنبها الزوج في المثال المذكور إلى انقضاء السبعة. ثم إن استحيضت بعد شهر الثلاثة، تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام، ثم تغتسل، وتصلي، وتصوم. وتغتسل مرة أخرى في آخر الخمسة، ومرة أخرى في آخر السبعة. وتقضي صوم السبعة دون صلاتها. وإن استحيضت بعد شهر الخمسة، تحيضت من كل شهر خمسة. ثم تغتسل، وتصلي، وتصوم، وتغتسل مرة أخرى في آخر السابع، وتقضي صوم السبعة، وتقضي صلوات اليوم الرابع، والخامس، لاحتمال عدم الحيض فيهما، ولم تصل فيهما. وإن استحيضت بعد شهر السبعة، تحيضت من كل شهر سبعة، واغتسلت في آخر السابع، وقضت صيام السبعة، وصلوات الرابع، والخامس، والسادس، والسابع. هذا كله إذا ذكرت العادة المتقدمة. فإن نسيتها، تحيضت من كل شهر ثلاثة أيام، ثم تغتسل، وتصلي، وتصوم، ثم تغتسل في آخر الخامس، وآخر السابع. وتتوضأ فيما بينهما لكل فريضة. سواء قلنا: ترد إلى العادة الدائرة، أم لا ؟ هذا مقتضى كلام الاصحاب. وقال امام الحرمين: هذا مخصوص بقولنا: ترد إلى الدائرة. فأما إن قلنا: ترد إلى ما قبل الاستحاضة، فقيل: هنا ترد إلى أقل العادات. وقيل: هي كمبتدأة. وقد تقدم قولان في أمرها بالاحتياط إلى آخر الخمسة عشر. الصورة الثانية. أن لا تكون تلك العادات منتظمة. بل تتقدم هذه مرة، وهذه مرة. فقال إمام الحرمين والغزالي إن لم نردها في حال الانتظام إلى العادة الدائرة، فهنا أولى، وترد إلى ما تقدم على الاستحاضة. وإن رددنا المنتظمة

(1/259)


إلى الدائرة، فغير المنتظمة كناسية النوبة المتقدمة، فتحتاط كما سبق. وذكر غيرهما أوجها، أصحها: الرد إلى ما تقدم في الاستحاضة، بناء على ثبوت العادة بمرة. والثاني: ترد إلى المتقدم إن تكرر مرتين، أو ثلاثة، وإلا فإلى الاقل. والثالث، أنها كالمبتدأة. فإن قلنا بالاصح، أو الثاني، احتاطت إلى آخر أكثر العادات. وإن قلنا: كالمبتدأة، ففي الاحتياط إلى آخر الخامس عشر الخلاف المذكور في المبتدأة. هذا إذا عرفت القدر المتقدم على الاستحاضة، فإن نسيته، فوجهان. قال الاكثرون: ترد إلى أكثر (1) العادات. وقيل: كالمبتدأة، فعلى الثاني في الاحتياط، الخلاف المذكور في المبتدأة، فعلى الاول يجب الاحتياط إلى آخر أكثر العادات. وقيل: يستحب ولا يجب، فحصل من المجموع خلاف في أنها: هل تحتاط في الحال الثاني، سواء عرفت القدر المتقدم، أم نسيته ؟ وإذا احتاطت، فإلى آخر الخمسة عشر، أو آخر المقادير فيه. وفي حالة الانتظام، سواء نسيت، أو علمت، الخلاف. لكن الصحيح عند العلم في حالة الانتظام، أنها لا تحتاط. والصحيح: عند النسيان. وفي حالة عدم الانتظام، أنها تحتاط لكن إلى آخر الاقدار، لا إلى تمام الخمسة عشر. هذا كله حكم العادة المختلفة الدائرة. ومن المختلفة، أن يكون في المتقدم من عادتها، اختلاف قدر أو وقت. وتسمى: المتنقلة. فمن صورها، لو كانت تحيض أول كل شهر خمسة وتطهر باقيه، فحاضت في دور أربعة من الخمسة، ثم استحيضت، فإن أثبتنا العادة بمرة، رددناها إلى ما قبل الاستحاضة، وإلا فإلى العادة القديمة. ولو كانت المسألة بحالها، فرأت في دور ستة، وفي دور بعده سبعة، ثم استحيضت، فإن أثبتنا العادة بمرة، رددناها إلى السبعة. وإن لم نثبتها إلا بثلاث مرات، رددناها إلى الخمسة. وإن أثبتناها بمرتين، فالاصح: ترد إلى الستة. والثاني: إلى الخمسة. ولو كانت بحالها، فحاضت في دور الخمسة الثانية، فقد تغير وقت حيضها، وصار دورها المتقدم على هذه الخمسة خمسة وثلاثين، خمسة حيض، والباقي طهر. فإن تكرر هذا، بأن حاضت في الدور الآخر الخمسة الثالثة هكذا مرارا، ثم استحيضت، ردت إليه، فتحيض من أول الدم الدائم الخمسة، وتطهر ثلاثين، وهكذا أبدا. وإن لم يتكرر،

(1/260)


بل استمر الدم في الدور الاول من الخمسة الثانية، فوجهان. قال أبو إسحاق: لا تحيض (1) في هذا الشهر، فإذا جاء الشهر الثاني، ابتدأت منه دورها القديم حيضا وطهرا. والصحيح، قول الجمهور: أنا نحيضها خمسة من ابتداء الدم المبتدئ من الخمسة الثانية، ثم إن اثبتنا العادة بمرة، حكمنا بالطهر ثلاثين، وأقمنا عليه الدور أبدا. وإن لم نثبتها بمرة، فوجهان. أصحهما: أن خمسة وعشرين بعدها طهر، لانه المتكرر. والثاني: أن طهرها باقي الشهر لا غير، وتحيض الخمسة الاولى من الشهر الثاني، وتراعي عادتها القديمة قدرا ووقتا. ولو رأت الخمسة الثانية دما، وانقطع، وطهرت بقية الشهر، وعاد الدم في أول الشهر، فقد صار دورها خمسة وعشرين، فإن تكرر ذلك، بأن رأت الخمسة الاولى من الشهر بعده دما وطهرت عشرين، وهكذا مرارا، ثم استحيضت، ردت إليه. وإن لم يتكرر، بأن رأت الخمسة الاولى، فاستمر، فالخمسة الاولى حيض بلا خلاف. وأما الطهر، فإن أثبتنا العادة بمرة، فهو عشرون، وإلا فخمسة وعشرون. ولو كانت بحالها، فطهرت بعد خمستها المعهودة عشرين، وعاد الدم في الخمسة الاخيرة، فقد تغير وقت حيضها بالتقدم، وصار دورها خمسة وعشرين، فإن تكرر الدور، بأن رأت الخمسة الاخيرة دما، وانقطع، وطهرت عشرين، وهكذا مرارا، ثم استحيضت، ردت إليه. وإن لم يتكرر، بل استمر الدم العائد، فأربعة أوجه في هذا ونظائره. أصحها: تحيض خمسة من أوله، وتطهر عشرين، وهكذا أبدا. والثاني: تحيض خمسة، وتطهر خمسة وعشرين. والثالث: تحيض عشرة منه، وتطهر خمسة وعشرين، ثم تحافظ على الدور القديم، والرابع: أن الخمسة الاخيرة استحاضة. وتحيض من أول الشهر خمسة، وتطهر خمسة وعشرين على عادتها القديمة. ولو كانت بحالها، وحاضت خمستها، وطهرت أربعة عشر يوما، ثم عاد الدم، واستمر، فأربعة أوجه. أصحها: أن يوما من أول الدم العائد، استحاضة، تكميلا للطهر. وخمسة بعده حيض، وخمسة عشر طهر، وصار دورها عشرين. والثاني: أن اليوم الاول استحاضة، والعشرة الباقية من الشهر مع خمسة من الشهر بعده حيض، ثم تطهر خمسة وعشرين، وتحافظ على دورها القديم. والثالث: أن اليوم

(1/261)


الاول استحاضة، وبعده خمسة حيض وخمسة (1) وعشرون طهر، وهكذا أبدا. والرابع: جميع الدم العائد إلى آخر الشهر، استحاضة. وتفتتح من أول الشهر دورها القديم. المستحاضة الرابعة: المعتادة الذاكرة المميزة. إن اتفقت عادتها، والتمييز، بأن كانت تحيض خمسة من أول الشهر، وتطهر باقيه، فاستحيضت، ورأت خمسها سوادا، وباقي الشهر حمرة، فحيضها تلك الخمسة. وإن لم تتوافق العادة والتمييز، ولم يتخلل بينهما أقل الطهر، بأن كانت تحيض خمسة، فرأت في دور عشرة سوادا، ثم حمرة مستمرة، فثلاثة أوجه. أصحها: تعمل بالتمييز، فحيضها العشرة. والثاني: بالعادة، فحيضها خمسة من أوله. والثالث: إن أمكن الجمع بينهما، عمل بالدلالتين، وإلا سقطتا، وكانت كمبتدأة لا تمييز لها، وفيها القولان. مثال إمكان الجمع ما ذكرنا من عشرة السواد. وعدم إمكانه، بأن ترى خمستها حمرة، وأحد عشر عقبها سوادا. أما إذا تخلل بينهما أقل الطهر، بأن رأت عشرين فصاعدا دما ضعيفا، ثم خمسة قويا، ثم ضعيفا، وعادتها القديمة خمسة، فقدر العادة حيض للعادة، والقوي حيض آخر، لان بينهما طهرا كاملا. هذا هو الصحيح. ومنهم من بنى هذه الصورة على السابقة، فقال: إن قدمنا التمييز، فحيضها خمسة السواد، وطهرها المتقدم عليه خمسة وأربعون، وصار دورها خمسين. وإن قدمنا العادة فحيضها من (2) أول الشهر، خمسة. وبعدها، عشرون طهرا. وإن جمعنا، فحيضها الخمسة الاولى بالعادة، وخمسة السواد بالتمييز. فرع: العادة التي ترد إليها المعتادة، ليس من شرطها أن تكون عادة حيض وطهر صحيحين بلا استحاضة، بل قد تكون كذلك، وقد تكون مستفادة من التمييز، بأن ترى المبتدأة خمسة سوادا، ثم خمسة وعشرين حمرة، وهكذا مرارا، ثم يستمر السواد والحمرة في بعض الشهور، فقد عرفنا، أن عادتها خمسة من أول كل شهر، فترد إليه (3) على الصحيح المعروف. وعلى الشاذ: هي كمبتدأة غير

(1/262)


مميزة. ولو كانت بحالها، فرأت في بعض الادوار عشرة سوادا، وباقي الشهر حمرة، ثم استمر السواد في الذي بعده، فقال الائمة: فحيضها عشرة السواد، ومردها بعد ذلك عشرة. ولو اعتادت خمسة سوادا، ثم استمر الدم، ثم رأت في بعض الادوار عشرة، ردت في ذلك الدور إلى العشرة. وفي هاتين الصورتين إشكالان. أحدهما: أن الصورة الثانية، ينبغي أن تخرج على الخلاف في اجتماع العادة والتمييز. والثاني: أن ردها إلى العشرة في الصورة الاولى، طاهر إذا أثبتنا العادة بمرة، وإلا فينبغي ألا تكتفق بسبق العشرة مرة. قال الغزالي في الجواب عن هذا: هذه عادة تمييزية، فتنسخها مرة، فلا يجري فيها الخلاف كغير المستحاضة، إذا تغيرت عادتها القديمة مرة، فإنا نحكم بالحالة الناجزة. وللمعترض أن يقول: لم اختص الخلاف بغير التمييزية ؟ قلت: قد نقل الخلاف في هذه الصورة وتخريجها على الخلاف في ثبوت العادة بمرة، جماعة كثيرة. منهم، القاضي أبو الطيب، والمحاملي، والسرخسي (1)، والشيخ أبو الفتح المقدسي وصاحب (البيان) وغيرهم. وقد أوضحت ذلك في (شرح المهذب) ونقلت فيه عباراتهم. وعجب من الامام الرافعي، كونه لم يذكر هذا الخلاف. والله أعلم. فصل في الصفرة والكدرة الصفرة: شئ كالصديد، تعلوه صفرة. والكدرة: شئ كدر. وليسا على لون الدماء، وهما حيض في أيام العادة بلا خلاف (2). وفي غيرها أوجه. الصحيح: أن لها حكم السواد. والثاني: ليس لها حكمه. والثالث: إن سبق دم قوي.

(1/263)


من سواد، أو حمرة، فالصفرة، والكدرة بعده حيض، وإلا فلا. والرابع: إن سبقهما دم قوي وتعقبهما قوي، فهما حيض، وإلا فلا. وعلى الثالث والرابع: يكفي في تقدم القوي وتأخره أي قدر مكان، ولو لحظة على الاصح. وقيل: لا بد من يوم وليلة. والمبتدأة في مردها على القولين: الاقل، والغالب، إذا رأت الصفرة، والكدرة، كالمعتادة فيما وراء العادة على الصحيح الذي قطع به الجمهور. وقيل: كأيام العادة.
البالب الثالث في المستحاضة المعتادة الناسية
الناسية ضربان: مميزة، وغيرها. فالمميزة: ترد إلى التمييز على الصحيح. وعلى الثاني: هي كغير مميزة، أما غير المميزة، فلها أحوال. الاول: أن تنسى عادتها قدرا ووقتا، لغفلة، أو علة، أو جنون، ونحو ذلك، وتسمى: المتحيرة (1)، والمحيرة، وفي حكمها طريقان. جحدهما: أنها مأمورة بالاحتياط. والثاني: على قولين. المشهور: الاحتياط. والثاني: أنها كالمبتدأة، فيكون فيما ترد إليها القولان، إلى يوم وليلة (2). والثاني: ست، أو سبع. وقيل: ترد على هذا القول إلى يوم وليلة قطعا. وعلى هذا القول ابتداء حيضها أول الهلال، حتى لو أفاقت المجنونة في أثناء الشهر الهلالي، كان باقي الشهر استحاضة. هذا هو المعروف وقول الجمهور تفريعا على هذا القول. وقال القفال: ابتداء حيضها، من وقت الافاقة. قال الائمة: قول القفال: ضعيف، لاحتمال الافاقة في الحيض. وكذا قول الجمهور ضعيف، لان تعيين أول الهلال تحكم. وهذا مما ضعف به أصل هذا القول. وعلى هذا القول: في أمرها بالاحتياط، في انقضاء المرد إلى آخر الخمسة عشر، القولان في المبتدأة. ومتى أطلقنا الشهر في مسائل المستحاضات، أردنا به ثلاثين يوما. سواء كان ابتداؤه من أول الهلال، أم لا. ولا نعني به الشهر الهلالي، إلا في هذا الموضع. وأما قول

(1/264)


الاحتياط وهو المعمول به، وعليه التفريع، فيجب الاحتياط في ستة أشياء. الاول: يحرم وطؤها أبدا على الصحيح. وقيل: يباح للضرورة. فعلى الصحيح، لو وطئ فلا كفارة قطعا. والاستمتاع بغير الوطئ لها فيه حكم الحائض. الثاني: يحرم عليها، مس المصحف، والقراءة خارج الصلاة إذا حرمناها على الحائض. ولا تحرم في الصلاة الفاتحة، ولا تحرم السورة أيضا على الاصح. وحكمها في دخول المسجد، حكم الحائض. الثالث: يجب عليها الصلوات الخمس أبدا، ولا تحرم النوافل على الاصح وقيل تحرم. وقيل: يحرم غير الراتبة. ويجري الخلاف في نفل الصوم، والطواف. ويجب الغسل لكل فريضة، ويشترط وقوعه في الوقت. وفي وجه شاذ: يجوز غسلها قبل الوقت، إذا انطبق أول الصلاة على أول الوقت وآخر الغسل، ويلزمها المبادرة بالصلاة عقب الغسل على وجه. والاصح أنها لا تلزم. لكن إن أخرت، لزمها لتلك الصلاة وضوء آخر إذا لم نجوز للمستحاضة تأخير الصلاة عن الطهارة. الرابع: يجب عليها صوم جميع شهر رمضان، ويحسب لها منه خمسة عشر يوما على المنصوص وقول طائفة من الاصحاب. وأربعة عشر على قول أكثرهم. وتأولوا النص، على ما إذا علمت أن دمها كان ينقطع في الليل، فإن نقص الشهر، حصل على الاول أربعة عشر، وعلى الثاني ثلاثة عشر، وقال صاحب (المهذب): تحصل أربعة عشر، ووافقه صاحب (البيان) وهو غلط. قلت: لم يغلط صاحب (المهذب)، بل كلامه محمول على شهر تام. وقد أوضحته في شرح (المهذب). والله أعلم. أما الصلوات الخمس، إذا أدتها، فوجهان. أحدهما: لا يجب قضاؤها، والصحيح عند الجمهور، وجوب القضاء (1). وقطع به بعضهم، فعلى هذا تغتسل في أول وقت الصبح، وتصليها، ثم بعد طلوع الشمس تغتسل، وتعيدها. ولا يشترط البدار بالاعادة بعد خروج الوقت، بل متى أعادتها، قبل انقضاء خمسة عشر

(1/265)


يوما من أول الصبح، أجزأها، ولا يشترط تأخير جميع الصلاة الثانية عن الوقت. بل لو وقع بعضها في آخر الوقت، جاز بشرط أن يكون دون تكبيرة، إذا قلنا: تلزم الصلاة بإدراك تكبيرة. أو دون ركعة، إذا قلنا: لا تلزم إلا بإدراك ركعة، لانه إن فرض الانقطاع قبل الثانية، فقد اغتسلت، وصلتها، والانقطاع لا يتكرر وإن فرض في أثنائها. فلا (1) شئ عليها، كذا قاله إمام الحرمين فلك (2) أن تقول أشكالا. المرة الثانية، يتقدمها الغسل، فإذا وقع بعضها في الوقت، والغسل سابق، جاز أن يقع الانقطاع في أثناء الغسل، ويكون الباقي من وقت الصلاة من حينئذ قدر ركعة أو تكبيرة، فيجب أن ينظر إلى زمن الغسل سوى الجزء الاول منه. وإلى الجزء الواقع من الصلاة في الوقت. ويقال: إن كان ذاك دون ما يلزم به الصلاة، جاز، وإلا، فلا، ولا يقتصر النظر على جزء الصلاة. ومعلوم أنه لا يمكن أن يكون ذلك دون تكبيرة، ويبعد أن يكون دون ركعة. هذا الكلام في الصبح. وأما العصر، والعشاء، فيصليهما مرتين كذلك. وأما الظهر، فلا يكفي وقوعها المرة الثانية في أول وقت العصر، ولا وقوع المغرب في أول وقت العشاء، لاحتمال انقطاع الحيض في الوقت المفروض، فيلزم الظهر مع العصر، أو المغرب مع العشاء، فيجب إعادة الظهر في الوقت الذي يجوز إعادة العصر فيه. وهو بعد ذهاب وقت العصر، وتعيد المغرب بعد ذهاب وقت العشاء. ثم إذا أعادت الظهر والعصر بعد المغرب (3)، نظر، إن قدمتهما على أداء المغرب، فعليها أن تغتسل للظهر، وتتوضأ للعصر، وتغتسل للمغرب. وإنما كفى للظهر والعصر غسل، لان دمها إن انقطع قبل الغروب، فقد اغتسلت بعده. وإن انقطع بعد الغروب، فليس عليها ظهر، ولا عصر. وإنما لزمها إعادة الغسل للمغرب، لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر، أو العصر، أو عقبيهما. وهكذا الحكم إذا قضت المغرب، والعشاء، قبل أداء الصبح بعد طلوع الفجر. وحينئذ، تكون مصلية الصلوات الخمس مرتين بثمانية أغسال، ووضوءين. وإن أخرت الظهر، والعصر، عن أداء المغرب، اغتسلت للمغرب، وكفاها ذلك للظهر والعصر، لانه إن انقطع حيضها قبل الغروب، لم تعد إلى إتمام

(1/266)


مدة الطهر. وإن انقطع بعده، لم يكن عليها ظهر ولا عصر، لكن تتوضأ لكل واحدة منهما كسائر المستحاضات. وكذا القول في المغرب والعشاء، إذا أخرتهما عن الصبح. وحينئذ، تكون مصلية الخمس مرتين. بالغسل ستا، وبالوضوء أربعا. ثم بالطريق الثاني، تخرج عن عهدة الصلوات الخمس. وأما بالطريق الاول، فقد أخرت المغرب والصبح، عن أول وقتهما، لتقديمها القضاء عليهما، فتخرج عن عهدة ما عداهما، وأما هما، فقد قال في (النهاية): إذا أخرت الصلوات عن أول الوقت، حتى مضى ما يسع الغسل، فتلك الصلاة لم يكف فعلها مرة أخرى، في آخر الوقت، أو بعده، على التصوير السابق. لاحتمال طهرها في أول الوقت، ثم حدوث الحيض، فتجب الصلاة، وتكون المرتان واقعتين في الحيض. بل تحتاج إلى فعلها مرتين أخريين بغسلين. ويشترط أن تكون إحداهما بعد انقضاء وقت الرفاهية. والضرورة، قبل تمام خمسة عشر يوما من افتتاح الصلاة، المرة الاولى. وتكون الثانية، في أول السادس عشر، من آخر الصلاة، المرة الاولى، فتخرج عن العهدة بيقين. ومع هذا كله، لو اقتصرت على أداء الصلوات في أوائل أوقاتها، ولم تقض شيئا، حتى مضت خمسة عشر يوما، أو مضى شهر، لم يجب عليها لكل خمسة عشر، وإلا قضاء صلوات يوم وليلة. لان القضاء لا يجب إلا لاحتمال الانقطاع، ولا يتصور الانقطاع في الخمسة عشر، إلا مرة. ويجوز أن يجب به قضاء صلاتي جمع، وهما الظهر، والعصر، أو المغرب والعشاء. فإذا أشكل الحال، أوجبنا قضاء يوم وليلة، كمن نسي صلاة أو صلاتين من خمس. ولو كانت تصلي في أوساط الاوقات، لزمها أن تقضي للخمسة عشر صلوات، يومين وليلتين، لجواز أن يطرأ الحيض في وسط صلاة، فيبطل، وينقطع في وسط أخرى، فيجب. ويجوز أن يكونا مثلين. ومن فاتته صلاتان متماثلتان، لم تعرف عينهما، لزمه صلوات يومين وليلتين، بخلاف ما إذا كانت تصلي في أول الوقت، فإنه لو فرض ابتداء الحيض في أثناء الصلاة، لم يجب، لانها لم تدرك من الوقت ما يسعها. الخامس: إذا أرادت قضاء صوم يوم، فأقل ما يحصل بصيام ثلاثة، فتصوم يوما، وتفطر يوما، وتصوم الثالث، ثم السابع عشر. ولا يتعين الثالث، للصوم الثاني. ولا السابع عشر، للصوم الثالث. بل لها أن تصوم بدل الثالث، يوما بعده إلى آخر

(1/267)


الخامس عشر. وبدل السابع عشر، يوما بعده، إلى آخر تسعة وعشرين يوما. ولكن الشرط، أن يكون المخلف، من أول السادس عشر، مثل ما بين صومها الاول، والثاني، أو أقل منه. فلو صامت الاول، والثالث، والثامن عشر، لم يجز، لان المخلف من أول السادس عشر، يومان. وليس بين الصومين الاولين إلا يوم. فلو صامت الاول، والرابع، والثامن عشر، أو السابع عشر، جاز. ولو صامت الاول، والخامس عشر، فقد تخلل بين الصومين ثلاثة عشر، فلها أن تصوم التاسع والعشرين، ولها أن تصوم يوما قبله، غير السادس عشر. ولنا وجه شاذ: أن يكفيها في صوم اليوم، أن تصوم يومين، بينهما أربعة عشر. وحكي هذا عن نص الشافعي رحمه الله، وهو قول من قال: يحسب لها من رمضان، خمسة عشر. وقطع الجماهير: بأنه لا يكفي اليومان، لاحتمال ابتداء الحيض في اليوم الاول، وانقطاعه في السادس عشر. وتأولوا النص، على ما إذا علمت الابتداء والانقطاع في الليل. أما إذا أرادت قضاء أكثر من يوم فتضعف ما عليها، وتزيد يومين، فتصوم نصف الجموع متواليا متى شاءت، وتصوم النصف الآخر من أول السادس عشر. فإذا أرادت يومين، صامت ثلاثة متوالية متى شاءت. ثم أفطرت تمام خمسة عشر، ثم صامت السادس عشر، والسابع عشر، والثامن عشر. وإن أرادت ثلاثة، صامت أربعة، ثم أربعة، أولها السادس عشر. وإن أرادت أربعة عشر، صامت الشهر كله. ولو أنها صامت ما عليها على الولاء متى شاءت من غير زيادة، وأعادته من أول السابع عشر، وصامت بينهما يومين مجتمعين، أو متفرقين، إما متصلين بالصوم الاول أو الثاني، وإما غير متصلين، لخرجت عن (1) العهدة. هذا كله في قضاء الصوم الذي لا تتابع فيه، وأما المتتابع، بنذر، أو غيره. فإن كان قدرا يقع في شهر، صامته (2) على الولاء، ثم صامته (3) مرة أخرى من السابع عشر. مثاله: عليها يومان متتابعان. تصوم يومين، وتصوم السابع عشر، والثامن عشر، وتصوم بينهما يومين متتابعين. فإن كان عليها شهران متتابعان، صامت مائة وأربعين يوما متوالية. أما إذا أرادت تحصيل صلاة فائتة، أو منذورة، فإن كانت

(1/268)


واحدة، صلتها بغسل متى شاءت ثم أمهلت زمانا يسع الغسل، وتلك الصلاة، ثم تعيدها بغسل آخر، بحيث تقع في خمسة عشر، من أول الصلاة الاولى. وتمهل من أول السادس عشر قدر الامهال الاول، ثم تعيدها بغسل آخر قبل تمام شهر من المرة الاولى. ويشترط أن لا يؤخر الثالثة عن أول السادس عشر أكثر من الزمان المتخلل بين آخر المرة الاولى، وأول الثانية، كما ذكرنا في الصوم. وإن أرادت صلوات. فلها طريقان. أحدهما: أن تنزلها منزلة الصلاة الواحدة فتصليها متوالية ثلاث مرات كما ذكرنا في الواحدة. وتغتسل في كل مرة للصلاة الاولى، وتتوضأ لكل واحدة بعدها. وسواء اتفقت الصلوات، أو اختلفت. والطريق الثاني: ينظر ما عليها، إن لم تختلف، ضعفته وزادت صلاتين، وصلت نصف الجملة متواليا. ثم النصف الآخر من أول السادس عشر من أول الشروع في النصف الاول. مثاله: عليها خمس صلوات صبح، تضعفها، وتزيد صلاتين، فتصلي ستا متى شاءت، وستا أول السادس عشر. وإن كان العدد مختلفا، صلت ما عليها بأنواعه متواليا متى شاءت، ثم صلت صلاتين، من كل نوع مما عليها، بشرط أن يقعا في خمسة عشر يوما من أول الشروع. وتمهل من أول السادس عشر زمانا يسع الصلاة المفتتح بها، ثم تعيد ما عليها، على ترتيب فعلها في المرة الاولى. مثاله: عليها ظهران، وثلاث أصباح، تصلي الخمس متى شاءت، ثم تصلي بعدها في الخمسة عشر صبحين وظهرين، وتمهل من السادس عشر ما يسع صبحا، ثم تعيد الخمس كما فعلت أولا. وفي هذا الطريق، تفتقر لكل صلاة إلى غسل، بخلاف الطريق الاول. وأما الطواف، فكالصلاة، واحدا كان، أو عددا، ويصلي مع كل طواف ركعتيه ويكفي غسل واحد للطواف وركعتيه إن لم نوجب الركعتين. فإن أوجبناهما، فالاصح، أنه يجب وضوء للركعتين بعد الطواف. والثاني: يجب غسل آخر لهما. والثالث: لا يجب شئ. السادس: في عدة المتحيرة. الصواب: الذي عليه الجماهير، أن عدتها، ثلاثة أشهر في الحال (1). وفي وجه شاذ: تقعد إلى سن اليأس، ثم تعتد بالاشهر.

(1/269)


فرع: اعلم أن إمام الحرمين مال إلى رد المتحيرة إلى مرد المبتدأة في قدر الحيض، وإن لم نجعل الهلال، ابتداء دورها. ومما استشهد به، مسألة عدتها، فإنها تدل على تقريب أمرها من المبتدأة في عدد الحيض، والطهر. وهذا توسط بين القول الضعيف، والاحتياط التام. وفيه تخفيق أمرها، في المحسوب من رمضان، فإن غاية حيضها على هذا، سبعة، يفسد به ثمانية، فيحصل لها من شهر رمضان الكامل، اثنان وعشرون يوما. وكذا قضاء الصوم، والصلاة، فيكفيها على هذا، إذا أرادت صوم يوم، أن تصوم يومين، بينهما سبعة. لكن الذي عليه الجمهور، ما تقدم. قلت: قد أتقن الامام الرافعي رحمه الله، باب المتحيرة ولخص مقاصده في أوراق قليلة. وقد بسطت أنا في شرح (المهذب) جميع مسائله. وذكرت في عدتها طريقة أخرى، اختارها الدارمي، فيها إنكار على الاصحاب في المذكور هنا. وكذا في صومها المتتابع، وكذا في غير المتتابع. ومن جملة ذلك، أن من عليها صوم يومين، يحصل لها ذلك بصيام خمسة أيام. فتصوم الاول، والثالث، والسابع عشر، والتاسع عشر. وتخلي الرابع، والسادس عشر، يبقى بينهما أحد عشر يوما. تصوم منها يوما، أيها شاءت. ثم بسط تفريع ذلك، وتقسيمه. وعلى زوج المتحيرة، نفقتها. ولا خيار له في فسخ نكاحها، لان جماعها متوقع. بخلاف الرتقاء. ولا تصح صلاة طاهرة خلف متحيرة، ولا صلاة متحيرة خلف متحيرة على الصحيح. ولا يلزمها الكفارة بالجماع، في نهار شهر رمضان على الصحيح، إن قلنا: يجب على المرأة، ولا فدية عليها إذا أفطرت لارضاع على الصحيح، إن أوجبناها على غيرها. ولا يصح جمعها بين الصلاتين بالسفر أو المطر في وقت الاولى (2). وإذا وجب عليها صوم يوم، فشرعت في الصيام على التفصيل المتقدم، فصامت يوما شكت بعد فراغها منه، هل نوت صومه، أم لا ؟ حكم بصحته على الصحيح، لانه شك بعد الفراغ. وعلى الثاني: لا يصح. لان هذا

(1/270)


الصيام، كيوم واحد. فصار كالشك في أثنائه. والله أعلم. الحال الثاني: للناسية أن تحفظ زمن عادتها. وضابطه، أن كل زمن تيقن فيه الحيض، ثبت فيه أحكام الحيض كلها. وكل زمن تيقن فيه الطهر، ثبت في حكم الطهر. لكن بها حدث دائم، وكل زمن يحتمل الحيض والطهر، فهي في الاستمتاع، كالحائض. وفي لزوم العبادات، كالطاهر. ثم إن كان ذلك الزمن محتملا للانقطاع، وجب الغسل لكل فريضة، ووجب الاحتياط على ما يقتضيه الحال. فإذا عينت ثلاثين يوما، وقالت: كان حيضي يبتدئ لاولها، وكذا كل ثلاثين بعدها، فيوم وليلة من أول الثلاثين حيض بيقين. وبعده، يحتمل الحيض والطهر. والانقطاع إلى آخر الخمسة عشر، وبعده إلى آخر الشهر، طهر بيقين. وكذا الحكم في كل ثلاثين، والمراد بالشهر، في هذه المسائل، الايام التي تعينها هي، لا الشهر الهلالي. ولو عينت ثلاثين، وقالت: أعلم أن الدم كان ينقطع آخر كل شهر، فالنصف الاول، طهر بيقين. وبعده، يحتمل الحيض والطهر، دون الانقطاع. وليلة الثلاثين ويومها حيض بيقين. ولو قالت: كنت أخلط شهرا بشهر، أي كنت في آخر كل شهر، [ وأول ما بعده حائضا فلحظة من أول كل شهر ] (1) ولحظة من آخره، حيض بيقين. ولحظة من آخر الخامس عشر، ولحظة من أول ليلة السادس عشر، طهر بيقين. وما بين اللحظة من أول الشهر، واللحظة من آخر الخامس عشر، يحتمل الحيض، والطهر، والانقطاع. وما بين اللحظة من أول ليلة السادس عشر، واللحظة من آخر الشهر، يحتملهما دون الانقطاع. ولو قالت: كنت أخلط شهرا بشهر طهرا، فليس لها حيض بيقين، ولها لحظتا طهر بيقين في أول كل شهر، وآخره. ثم قدر أقل الحيض بعد اللحظتين، لا يمكن فيه الانقطاع، وبعده يحتمل. ولو قالت: كنت أخلط شهرا بشهر حيضا، أو كنت اليوم الخامس حائضا، فلحظة من كل آخر شهر، إلى آخر خمسة أيام من الذي بعده، حيض بيقين، ولحظة من آخر الخامس عشر، إلى آخر العشرين، طهر بيقين، وما بينهما، كما سبق. الحال الثالث: أن تحفظ قدر عادتها. وإنما تخرج الحافظة (2) عن التحير

(1/271)


بحفظ قدر الدور وابتدائه، وقدر الحيض. إذ لو قالت: حيضي خمسة وأضللتها في دوري، ولا أعرف سوى هذا، فلا فائدة في حفظها، لاحتمال الحيض، والطهر، والانقطاع كل زمان. وكذا لو قالت: حيضي خمسة، ودوري ثلاثون، لا أعرف ابتداءه. وكذا لو قالت: حيضي خمسة وابتداؤه يوم كذا، ولا أعرف قدره. فإن حفظتهما مع قدر الحيض، فإضلالها بعد ذلك يكون لاضلال الحيض. والاضلال، قد يكون في كل الدور، وقد يكون في بعضه. فإن كان في كله، فكله يحتمل الحيض والطهر. وقدر الحيض، من أول الدور، لا يحتمل الانقطاع [ وبعده يحتمله ] (1). مثاله: قالت: دوري ثلاثون، أولها كذا، وحيضي عشرة. فعشرة في أولها، لا يحتمل الانقطاع، والباقي يحتمله، والجميع، يحتمل الحيض والطهر. فلو قالت: حيضي إحدى عشرات الشهر، فهذه كالاولى، إلا أن احتمال الانقطاع هنا، لا يكون إلا في آخر كل عشرة. ومثال الاضلال في بعض الدور أن تقول: أضللت عشرة، في عشرين من أول الشهر، فالعشرة الاخيرة، طهر بيقين، والعشرون، تحتمل الحيض والطهر. ولا يمكن الانقطاع في الاولى، ويمكن في الثانية. ولو قالت: أضللت خمسة عشر، في عشرين من الاول، فالعشرة الاخيرة، طهر بيقين. والخمسة الثانية، والثالثة، حيض بيقين. فالاولى، تحتمل الحيض والطهر، دون الانقطاع. والرابعة، تحتمل الجميع، ولو قالت: حيضي خمسة. وكنت اليوم الثالث عشر طاهرا، فخمسة من أول الدور، تحتمل الحيض والطهر، دون الانقطاع. وما بعده، تحتمل الجميع، إلى آخر الثاني عشر. ثم الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، طهر بيقين. ومن أول السادس عشر، إلى آخر العشرين، تحتمل الحيض والطهر دون الانقطاع. ومنه إلى آخر الشهر، تحتمل الجميع. ومتى كان القدر الذي أضلته، زائدا على نصف المضل فيه، حصل حيض بيقين، من وسطه، وهو الزائد على النصف مع مثله. فهذا ضابطه وقد ذكرنا مثاله في قولها: أضللت خمسة عشر، في عشرين.

(1/272)


الباب الرابع في التلفيق إذا انقطع دمها، فرأت يوما دما، ويوما نقاء. أو يومين، ويومين. فتارة، يجاوز التقطع خمسة عشر، وتارة لا يجاوزها. فإن لم يجاوزها، فقولان. أظهرهما عند الاكثرين: أن الجميع، حيض. ويسمى: قول السحب. والثاني: حيضها الدماء خاصة. وأما النقاء، فطهر. ويسمى: قول التلفيق. وعلى هذا القول: إنما نجعل النقاء طهرا، في الصوم، والصلاة، والغسل ونحوها دون العدة. والطلاق فيه بدعي. ثم القولان: إنما هما في النقاء الزائد على الفترة المعتادة. فأما الفترة المعتادة بين دفعتي الدم، فحيض بلا خلاف. قال إمام الحرمين في الفرق بين الفترة والنقاء: دم الحيض يجتمع في الرحم، ثم الرحم يقطره شيئا فشيئا، فالفترة: ما بين ظهور دفعة، وانتهاء أخرى من الرحم إلى المنفذ. فما زاد على ذلك، فهو النقاء. قال الرافعي: وربما تردد الناظر، في أن مطلق الزائد، هل يخرج عن الفترة، لان تلك مدة يسيرة ؟ قلت: الصحيح المعتمد في الفرق، أن الفترة: هي الحالة التي ينقطع فيها جريان الدم، ويبقى أثر، بحيث لو أدخلت فرجها قطنة، لخرج عليها أثر الدم من حمرة، أو صفرة، أو كدرة، فهذه حالة حيض قطعا، طالت، أم قصرت. والنقاء: أن يصير فرجها بحيث لو أدخلت القطنة، لخرجت بيضاء، فهذا الضبط، هو الذي ضبطه الامام الشافعي رضي الله عنه (1) في (الام) والشيوخ الثلاثة: أبو حامد الاسفراييني، وصاحبه القاضي أبو الطيب، وصاحبه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في تعاليقهم. فلا مزيد عليه، ولا محيد عنه. والله أعلم. ولا فرق في جريان القولين بين أن يستوي قدر الدم والنقاء، أو يزيد أحدهما لو رأت صفرة، أو كدرة بين سوادين، وقلنا: إنها في غير أيام العادة، ليست حيضا، فهي كالنقاء. وإذا قلنا بالسحب، فشرطه كون النقاء محتوشا بدمين في الخمسة عشر. فإن لم يقع بينهما، فهو طهر بلا خلاف.

(1/273)


مثاله: رأت (الدم) يوما، ويوما، إلى الثالث عشر، ولم يعد الدم في الخامس عشر، فالرابع عشر، والخامس عشر، طهر قطعا، لان النقاء فيهما لم يتعقبه دم في الخمسة عشر. فرع: الدماء المتفرقة، إن بلغ مجموعها أقل الحيض، نظر، إن بلغ الاول، والآخر، كل منهما أقل الحيض، فعلى القولين. وقيل: النقاء هنا حيض قطعا (1). وإنما القولان، إذا لم يبلغ كل طرف الاقل. وإن لم يبلغ واحد منهما الاقل، بأن رأت نصف يوم دما، ونصفه نقاء، إلى آخر الخمسة عشر، فثلاثة طرق. أصحها: طرد القولين. فعلى قول التلفيق: حيضها أنصاف الدم سبعة ونصف. وعلى السحب، حيضها أربعة عشر ونصف، فإن النصف الاخير لم يحتوشه دمان. والثاني: القطع بأن لا حيض أصلا، وكله دم فساد. والثالث: أن توسطهما قدر أقل الحيض متصلا، فعلى القولين، وإلا فالجميع دم فساد. وإن بلغ أحدهما الاقل، دون الآخر، فثلاثة طرق. أصحها: طرد القولين. والثاني: ما بلغه حيض، وما سواه، دم فساد. والثالث: إن بلغ الاول أقل الحيض، فالجميع حيض. وإن بلغ الآخر، فهو حيض دون ما سواه. هذا كله إذا بلغ مجموع الدماء أقل الحيض. فإن لم يبلغه، فطريقان. أصحهما: طرد القولين. فإن لفقنا، فلا حيض، وكذا إن سحبنا، على الاصح. وعلى الضعيف: الدم والنقاء كله حيض. والطريق الثاني: القطع بأن لا حيض. فحصل في المعتبر من الدمين لنجعل ما بينهما حيضا على قول السحب أوجه. أصحهما: يشترط بلوغ مجموع الدماء قدر أقل الحيض. والثاني: يشترط أن يكون كل واحد من الدمين قدر أقل الحيض، حتى لو رأت دما ناقصا عن الاقل، ودمين آخرين غير ناقصين، فالاول: دم فساد، والآخران، وما بينهما من النقاء، حيض. والثالث: لا يشترط، بل لو كان مجموع الدماء، نصف يوم، أو أقل، فهي وما بينهما من النقاء حيض، على قول التلفيق (2). قاله الانماطي (3).

(1/274)


والرابع: يشترط بلوغ أولهما، وحده أقل الحيض. والخامس: يشترط أن يكون أحدهما أقل الحيض. والسادس: يشترط الاقل في الاول، أو الاخير، أو الوسط. فرع: إذا انقطع دم المبتدأة، فعند انقطاعه وهو بالغ أقل الحيض، يلزمها على القولين الغسل، والصلاة، والصوم، ولها الطواف، والجماع. وفي وجه: لا يحل الجماع إذا قلنا بالسحب. ثم إذا عاد الدم، تركت الصوم، والصلاة، والجماع، وغيرها. وبينا على قول السحب وقوع العبادات، والجماع في الحيض. لكن لا تأثم، وتقضي الصوم، والطواف، دون الصلاة. وعلى قول التلفيق: ما مضى، صحيح، ولا قضاء. وهكذا حكم الانقطاع الثاني، والثالث، وما بعدهما في الخمسة عشر. وفيه وجه شاذ ضعيف: أن ما سوى الانقطاع الاول، يبنى على أن العادة بماذا ثبتت. فإذا ثبتت، توقفنا في الغسل، وسائر العبادات ارتقابا للعود. وأما الشهر الثاني، وما بعده، فعلى قول التلفيق: لا يختلف الحكم. وعلى السحب، في الدور الثاني، طريقان. أصحهما: يبنى على الخلاف في العادة، إن أثبتناها بمرة، فقد عرفنا التقطع بالشهر الاول، فلا تغتسل، ولا تصلي ولا تصوم، حملا على عود الدم. فإن لم يعد، بان أنها كانت طاهرة، فتقضي الصوم، والصلاة. وإن لم نثبتها بمرة، فحكمها كما مضى في [ الشهر الاول وفي ] (1) الشهر الثالث. وما بعده، تثبت العادة بالمرتين السابقتين. فلا تغتسل عند الانقطاع، ولا تصلي. وإذا قلنا: لا تثبت العادة إلا بثلاث مرات، لم يخف قياسه. والطريق الثاني: أن التقطع وإن تكرر مرات كثيرة، فحكم المرة الاخيرة، حكم الاولى. قاله أبو زيد. قلت: قطع بالطريق الثاني، الشيخ أبو حامد، وصاحب (الشامل)

(1/275)


وغيرهما. وهو ظاهر نصه في (الام) وهو الاصح. والله أعلم. هذا كله إذا كان الانقطاع بعد بلوغ الدم أقل الحيض، فإن رأت المبتدأة نصف يوم دما، وانقطع، وقلنا بطرد القولين، فعلى قول السحب، لا غسل عليها عند الانقطاع الاول، وتتوضأ وتصلي. وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ مجموع ما سبق دما ونقاء أقل الحيض، صار حكمها ما سبق في الحالة الاولى. وعلى قول التلفيق: لا غسل في الانقطاع الاول أيضا على الاصح، لشكنا في الحيض، وفي سائر الانقطاعات إذا بلغ ما سبق من الدم وحده أقل الحيض، يلزمها الغسل، وقضاء الصوم، والصلاة. وحكم الدور الثاني، والثالث، على القولين جميعا. كما ذكرنا في الحالة الاولى. فصل إذا جاوز الدم بصفة التلفيق، الخمسة عشر، صارت مستحاضة. كغيرها إذا جاوز دمها، ولا صائر إلى الالتقاط من جميع الشهر وإن لم يزد مبلغ الدم على أكثر الحيض. وإذا صارت مستحاضة، فالفرق بين حيضها، واستحاضتها، بالرجوع إلى العادة، أو التمييز، كغير ذات التلفيق. وقال محمد (1) بن بنت الشافعي رحمهم الله تعالى: إن اتصل الدم المجاوز، بدم الخمسة عشر، فالحكم كذلك. وإن انفصل بتخلل نقاء، فالمجاوز استحاضة. وجميع ما في الخمسة عشر من الدماء، حيض. وفي نقائها، القولان. مثال المتصل: رأت ستة دما، ثم ستة نقاء، ثم ستة دما. ومثال غير المتصل: رأت يوما، ويوما، فالسادس عشر نقاء، هذا قول ابن بنت الشافعي. وبه قال أبو بكر المحمودي (2)، وغيره. والصحيح: أنها مستحاضة

(1/276)


في الجميع، وعليه التفريع. فالمستحاضات، خمس. الاولى: المعتادة الحافظة عادتها. وهي ضربان: (الضرب الاول) عادة لا ينقطع فيها. والثاني عادة منقطعة. فالتي لا ينقطع لها كل عادة، ترد إليها عند الاطباق. والمجاوزة، ترد إليها عند التقطع والمجاوزة. ثم على قول السحب: كل دم يقع في أيام العادة، وكل نقاء يتخلل دمين فيها، فهو حيض. والنقاء الذي لا يتخلل، ليس بحيض. وأيام العادة، كالخمسة عشر عند عدم المجاوزة، فلا معدل عنه. وعلى قول التلفيق: فيما يجعل حيضا، وجهان. أصحهما: قدر عادتها من الدماء الواقعة في الخمسة عشر. فإن لم تبلغ الدماء في خمسة عشر قدر عادتها، جعل الموجود فيها حيضا. والثاني: حيضها الدماء الواقعة في أيام العادة لا غير. مثاله: كانت تحيض خمسة متوالية من أول الشهر، فيقطع دمها يوما يوما، فعلى السحب: حيضها خمسة من أول الدور. وعلى التلفيق: من الخمسة عشر، حيضها الاول، والثالث، والخامس، والسابع، والتاسع. وعلى التلفيق من العادة: حيضها الاول، والثالث، والخامس. ولو كانت تحيض ستة، فعلى السحب: حيضها خمسة، وسقط السادس، لانه ليس محتوشا بدمي حيض في أيام العادة. وعلى التلفيق من الخمسة عشر: حيضها أيام الدماء، آخرها الحادي عشر. وعلى التلفيق من العادة: حيضها الاول، والثالث، والخامس. ولو انتقلت عادتها بتقدم، أو تأخر، ثم استحيضت، عاد الخلاف كما ذكرنا في حالة الاطباق. وكذا الخلاف فيما تثبت به العادة. مثال التقدم: كان عادتها خمسة من ثلاثين، فرأت في بعض الاشهر يوم الثلاثين دما، واليوم الذي بعده نقاء، وهكذا إلى أن انقطع دمها، وجاوز الخمسة عشر، قال أبو إسحاق: حيضها، أيامها القديمة، وما قبلها استحاضة. فإن سحبنا، فحيضها، اليوم الثاني، والثالث، والرابع (1). قال الجمهور - وهو المذهب -: تنتقل العادة بمرة. فإن سحبنا، فحيضها

(1/277)


خمسة متوالية. أولها: الثلاثون. وإن لفقنا من العادة، فحيضها الثلاثون. والثاني، والرابع، إن لفقنا من الخمسة عشر، ضممنا إليها السادس، والثامن. ومثال التأخر: أن ترى في بعض الاشهر، اليوم الاول: نقاء. والثاني: دما، واستمر التقطع. فعند أبي إسحاق: الحكم كما سبق في الصورة السابقة. وعلى المذهب: إن سحبنا، فحيضها خمسة متوالية، أولها الثاني. وإن لفقنا من العادة، فالثاني، والرابع، والسادس. وهو: إن خرج عن (1) العادة القديمة، فبالتأخر انتقلت عادتها، وصار الثاني: أولها. والسادس: آخرها. وإن لفقنا من الخمسة عشر، ضممنا إليها الثامن، والعاشر. وقد صار طهرها السابق على الاستحاضة في هذه الصورة، ستة وعشرين. وفي صورة التقدم، أربعة وعشرين. ولو لم يتقدم الدم في المثال المذكور، ولا تأخر، لكن تقطع، هو والنقاء يومين يومين، لم يعد خلاف أبي إسحاق، بل مبني على القولين. فإن سحبنا، فحيضها خمسة متوالية. والسادس استحاضة، كالدماء بعده. وإن لفقنا من العادة، فحيضها الاول، والثاني، والخامس. وإن لفقنا من الخمس عشر، ضممنا إليها السادس، والتاسع. وحكي وجه شاذ: أن الخامس لا يجعل حيضا، إذا لفقنا من العادة، ولا التاسع، إذا لفقنا من الخمسة عشر، لانهما ضعفا باتصالهما بدم الاستحاضة. ويجرى هذا الوجه في كل نوبة دم يخرج بعضها عن أيام العادة، إن اقتصرنا عليها، أو عن الخمسة عشر، إن اعتبرناها. هذا بيان حيضها. فأما قدر طهرها بعده، إلى استئناف حيضة أخرى، فينظر، إن كان التقطع، بحيث ينطبق الدم على أول الدور، فهو ابتداء الحيضة الاخرى. وإن لم ينطبق، فابتداؤها أقرب نوب الدماء إلى الدور، تقدمت أو تأخرت، فإن استويا في التقدم، والتأخر، فابتداء حيضها النوبة المتأخرة، ثم قد يتفق التقدم والتأخر في بعض أدوار الاستحاضة، دون بعض. وطرائق معرفة ذلك، أن تأخذ نوبة دم ونقاء، وتطلب عددا صحيحا يحصل من مضروب مجموع النوبتين فيه مقدار دورها، فإن وجدته، فاعلم انطباق الدم على أول الدور، وإلا، فاضربه في عدد يكون الحاصل منه، أقرب إلى دورها، زائدا كان، أو ناقصا. واجعل حيضها الثاني، أقرب الدماء إلى أول الدور، فإن استوى

(1/278)


طرف الزيادة والنقص، فالاعتبار بالزائد. مثاله: عادتها خمسة من ثلاثين، وتقطعا يوما يوما، وجاوز، فنوبة الدم، يوم، ونوبة النقاء، مثله. وتجد عددا إذا ضربت الاثنين فيه، بلغ ثلاثين، وهو خمسة عشر، فيعلم انطباق الدم، على أول دورها أبدا، ما دام التقطع بهذه الصفة. ولو كانت المسألة بحالها، وانقطع يومين يومين، فلا تجد عددا يحصل من ضرب أربعة، فيه ثلاثون. فاطلب ما يقرب الحاصل فيه من الضرب فيه، من ثلاثين، وهنا عددان، سبعة وثمانية. أحدهما: يحصل منه ثمانية وعشرون. والآخر: اثنان وثلاثون. فاستوى طرفا الزيادة والنقص، فخذ بالزيادة، واجعل أول الحيضة الاخرى، الثالث والثلاثين. وحينئذ، يعود خلاف أبي إسحاق، لتأخر الحيض، فحيضها عنده في الدور الثاني، هو اليوم الثالث، والرابع، فقط على القولين. وأما على المذهب، فإن سحبنا، فحيضها خمسة متوالية. أولها: الثالث. وإن لفقنا من العادة، فحيضها الثالث، والرابع، والسابع. وإن لفقنا من الخمسة عشر، ضممنا إليها الثامن، والحادي عشر. ثم في الدور الثالث، ينطبق الدم على أول الدور، فلا يبقى خلاف أبي إسحاق، ويكون الحكم كما ذكرنا في الدور الاول. وفي الدور الرابع، يتأخر الحيض، ويعود الخلاف. وعلى هذا أبدا. ولو كانت المسألة بحالها، ورأت ثلاثة أيام دما، وأربعة نقاء، فمجموع النوبتين، سبعة. ولا تجد عددا إذا ضربت السبعة فيه، بلغ ثلاثين، فاضربه في أربعة، لتبلغ ثمانية وعشرين. واجعل أول الحيضة الثانية، التاسع والعشرين. وقد تقدم الحيض على أول الدور. فعلى قياس أبي إسحاق ما قبل الدور، استحاضة، وحيضها اليوم الاول فقط على القولين. وقياس المذهب، لا يخفى. ولو كانت عادتها ستة من ثلاثين، ويقطع الدم في بعض الادوار، ستة ستة، وجاوز، ففي الدور الاول حيضها، الستة الاولى بلا خلاف. وأما الدور الثاني، فإنها ترى ستة من أوله نقاء، وهي أيام العادة. فعند أبي إسحاق: لا حيض لها في هذا الدور أصلا، وعلى المذهب، وجهان. أصحهما: تحيضها الستة الثانية، على قولي السحب والتلفيق جميعا. والثاني: حيضها الستة الاخيرة من الدور الاول. ويجئ هذا الوجه، حيث خلا جميع أيام العادة عن الحيض. هذا كله، إذا لم ينقص الدم الموجود في زمن العادة عن أقل الحيض. فإن نقص، بأن كانت عادتها يوما وليلة، فرأت في بعض الادوار يوما دما، وليلة

(1/279)


نقاء. واستحيضت، فثلاثة أوجه، على قول السحب: الاصح، لا حيض لها في هذه الصورة. والثاني، تعود إلى قول التلفيق. والثالث: حيضها الاول، والثاني، والليلة بينهما. وأما على قول التلفيق، فلا حيض لها إن لفقنا على العادة. فإن لفقنا من الخمسة عشر: حيضها الاول، والثاني، وجعلنا الليلة بينهما طهرا. قلت: قوله: لا حيض لها إن لفقنا من العادة، هو الاصح. وذكر الامام وجها آخر عن المحمودي: أنه تلفق من الخمسة عشر. وادعى في (الوسيط) أنه لا طريق غيره. والله أعلم. الضرب الثاني: العادة المتقطعة. فإذا استمرت لها عادة متقطعة قبل الاستحاضة، ثم استحيضت مع التقطع، نظر، إن كان التقطع بعد الاستحاضة كالتقطع قبلها، فمردها قدر حيضها على اختلاف القولين. مثاله: كانت ترى ثلاثة دما، وأربعة نقاء، وثلاثة دما، وتطهر عشرين، ثم استحيضت، والتقطع على هذه الصفة، فإن سحبنا، كان حيضها قبل الاستحاضة عشرة، وكذا بعدها. وإن لفقنا، كان حيضها ستة، بتوسط بين نصفيها أربعة، وكذا الآن. فإن اختلف التقطع، بأن تقطع في المثال المذكور في بعض الادوار يوما يوما، ثم استحيضت، فإن سحبنا، فحيضها الآن تسعة أيام. وإن لفقنا من العادة، فحيضها الاول، والثالث، والتاسع، إذ ليس لها (1) في أيام حيضها القديم على هذا القول دم، إلا في هذه الثلاثة. وإن لفقنا من الخمسة عشر، ضممنا إليها الخامس، والسابع، والحادي عشر. المستحاضة الثانية: المبتدأة: قد تقدم أنها تصلي وتصوم عند الانقطاع الاول. وكذا في سائر الانقطاع الواقع في خمسة عشر. فإذا جاوز دمها الخمسة عشر المنقطعة، علمت استحاضتها. فإن قلنا: ترد المبتدأة، إلى يوم وليلة، وكان التقطع يوما يوما فحيضها يوم وليلة، والباقي طهر. وإن قلنا: ترد إلى ست أو سبع، فإن سحبنا، ورددناها إلى ست، فحيضها خمسة متوالية، لان السادس نقاء لم يحتوشه دمان في المرد. وإن رددناها إلى سبع، فحيضها سبع متوالية. وإن لفقناها من العادة،

(1/280)


ورددناها إلى ست، فحيضها الاول، والثالث، والخامس. وإن رددناها إلى سبع، ضممنا إليها السابع. وإن لفقنا من الخمسة عشر، ورددناها إلى ست، فحيضها ستة من أيام الدماء. وإن رددناها إلى سبع، فحيضها سبعة من أيام الدماء. وكل هذا على ما تقدم في المعتادة. وابتداء الحيضة الثانية، طريقه ما ذكرناه في المعتادة. ثم إن صامت، وصلت في أيام النقاء حتى جاوز الدم الخمسة عشر، وتركتها في أيام الدم كما أمرناها، قضت صيام أيام الدم بعد المرد، وصلواتها بلا خلاف. وأما صلوات أيام النقاء، فلا تقضيها، ولا تقضي صيامها أيضا إن لفقنا. وكذا إن سحبنا على الاظهر. ويجري القولان في الادوار كلها. خرج من هذا، أنا إن حكمنا بالتلفيق، لم تقض من الخمسة عشر، إلا صلوات سبعة أيام، وصيامها. وإن رددنا المبتدأة إلى يوم وليلة، وهي أيام الدم سوى الاولى. وإن رددناها إلى ست، أو سبع فإن لفقنا من العادة، وكان الرد إلى ست، قضت صيام خمسة أيام وصلواتها. وإن ردت إلى سبع، قضت الصوم والصلاة عن أربعة أيام. وإن لفقنا من الخمسة عشر، وردت إلى ست، قضتهما عن يومين. وإن ردت إلى سبع، فعن يوم واحد. وأما إذا سحبنا، فإن رددناها إلى يوم، قضت صلوات سبعة أيام، وهي أيام الدماء سوى الاول. وفي الصوم، قولان. الاظهر: تقضي ثمانية فقط. وهي أيام الدماء. والثاني: تقضي الخمسة عشر. وإن رددناها إلى ست، أو سبع. فإن ردت إلى ست، قضت صلوات خمسة أيام. وهي أيام الدماء التي لم تصل فيها بعد المرد. فإن ردت إلى سبع، قضت صلوات أربعة أيام. وأما الصوم، فعلى أحد القولين: تقضي الخمسة عشر. وعلى أظهرهما: إن ردت إلى ست، قضت صيام عشرة أيام، ثمانية منها أيام الدماء في الخمسة عشر، ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما. وإن ردت إلى سبع، قضت صيام أحد عشر يوما. المستحاضة الثالثة: المبتدأة المميزة. تمييزها تارة يكون مع وجود شروط التمييز كلها، وتارة بفقد بعضها. فإن فقد بأن رأت يوما دما أسود، ويوما أحمر، وهكذا إلى آخر الشهر، فقد فات أحد الشروط. وهو عدم مجاوزة القوي خمسة عشر، فلها حكم المبتدأة غير مميزة، وقد تقدم. وإن وجدت شروط التمييز كلها، فإن سحبنا، فحيضها الدماء القوية في الخمسة عشر، مع النقاء المتخلل، أو الضعيف المتخلل. وإن لفقنا، فحيضها القوي دون ما تخلله.

(1/281)


مثاله: رأت يوما سوادا، ويوما حمرة، إلى آخر الخمسة عشر، ثم استمرت الحمرة وحدها، متصلة، أو منقطعة، فإن سحبنا، فحيضها جميع الخمسة عشر. وإن لفقنا، فأيام السواد الثمانية. المستحاضة الرابعة: المميزة المعتادة. وقد تقدم الخلاف في المميزة المعتادة التي لا تقطع في دمها، بل يرجح التمييز، أو العادة. وحكم هذه، حكم تلك بلا فرق، فأي الامرين قلنا به، صارت كالمنفردة به. المستحاضة الخامسة: الناسية. قد تنسى عادتها من كل وجه، وهي المتحيرة، وقد تنساها من وجه دون وجه، كما في حالة الاطباق، فالمتحيرة يعود فيها القولان في حالة الاطباق، وإن قلنا: هي كالمبتدأة، فحكمها ما تقدم في المبتدأة. وإن قلنا بالمشهور: إنها تحتاط، بنينا أمرها على قولي التلفيق. فإن سحبنا، احتاطت في أزمنة الدم، من الوجوه المذكورة في حالة الاطباق بلا فرق. وتحتاط في زمن النقاء أيضا، لان كل زمن منه يحتمل الحيض. لكن لا تؤمر بالغسل زمن النقاء، ولا تؤمر أيضا فيه بتجديد الوضوء، بل يكفيها لكل نقاء الغسل في أوله. وإن لفقنا، فعليها أن تحتاط في أيام الدم، وعند كل انقطاع. وأما أزمنة النقاء، فهي طاهر فيها، في الجماع، وسائر الاحكام. وأما الناسية من وجه دون وجه، فتحتاط على قول التلفيق، مع رعاية ما تذكره. مثاله: قالت: أضللت خمسة في العشرة الاولى من الشهر وتقطع الدم والنقاء يوما يوما، واستحيضت، فإن سحبنا، فالعاشر طهر، لانه نقاء لم يحتوشه دما حيض. ولا غسل في الخمسة الاولى، لتعذر الانقطاع. فإذا انقضت، اغتسلت. ولا تغتسل بعدها في أيام النقاء. وتغتسل في آخر السابع، والتاسع. ولا تغتسل في أثنائهما على الصحيح، وقول الجمهور. وإن لفقنا من العادة، فالحكم ما ذكرنا على قول السحب. إلا أنها طاهر في أيام النقاء في كل حكم. وإنها تغتسل عقب كل نوبة من نوب الدم في جميع المدة. وإن لفقنا من الخمسة عشر، فحيضها خمسة أيام. وهي: الاول، والثالث، والخامس، والسابع، والتاسع، على تقدير انطباق الحيض على الخمسة الاولى. وعلى تقدير تأخره إلى الخمسة الثانية، فليس لها في

(1/282)


الخمسة الثانية، إلا يوما دم. وهما: السابع، والتاسع، فتضم إليها الحادي عشر، والثالث عشر، والخامس عشر. فهي إذا حائض في السابع، والتاسع، لتيقن دخولهما في كل تقدير.
الباب الخامس في النفاس أكثره، ستون يوما على المشهور. وحكى أبو عيسى الترمذي، عن الشافعي (1): أنه أربعون. وغالبه: أربعون. ولا حد لاقله، بل يثبت حكم النفاس لما وجدته، وإن قل. وقال المزني: أقله: أربعة أيام. وسواء في حكم النفاس، كان الولد كامل الخلقة، أو ناقصها، أو حيا أو ميتا ولو ألقت مضغة، أو علقة. وقال القوابل: إنه مبتدأ خلق آدمي، فالدم الموجود بعده، نفاس. فصل: ما تراه الحامل من الدم على ترتيب أدوارها، فيه قولان. القديم: أنه دم فساد. والجديد الاظهر: أنه (2) حيض. وسواء ما تراه قبل حركة الحمل وبعدها، على المذهب. وقيل: القولان فيما بعد الحركة، فأما قبلها، فحيض قطعا. ثم على القديم: هو حدث دائم، كسلس البول. وعلى الجديد: يحرم فيه الصوم، والصلاة. وتثبت جميع أحكام الحيض، إلا أنه لا تنقضي به العدة (3). ولا يحرم فيه الطلاق. قلت: عدم انقضاء العدة به، متفق عليه إذا كان عليها عدة واحدة لصاحب الحمل. فإن كان (لها) عدتان، ففي انقضاء إحداهما بالحيض على الحمل، خلاف. وتفصيله يأتي في كتاب (العدة) إن شاء الله تعالى. وقد نبهت عليه هنا في شرحي (المهذب) و (التنبيه). والله أعلم.

(1/283)


وعلى الجديد، إذا رأت الدم، ثم ولدت بعد خمسة عشر يوما، فهو حيض قطعا. وكذا إن ولدت قبل الخمسة عشر، أو متصلا بآخر الدم على الاصح فيهما. وعلى الثاني: يكون دم فساد، وليس بنفاس بلا خلاف، لان النفاس، لا يسبق الولادة، بل هو عند الفقهاء: الدم الخارج عقب الولادة. وقطع معظم الاصحاب، بأن ما يبدو عند الطلق، ليس بنفاس. وقالوا: ابتداء النفاس يحسب من وقت انفصال الولد، وليس هو حيضا أيضا على الصحيح. وفي وجه شاذ: أنه نفاس. وفي وجه: حيض. وأما الدم الخارج مع الولد، ففيه أوجه. أصحها: أنه كالخارج قبل الولادة. والثاني: أنه نفاس. والثالث: أنه كالخارج بين التوأمين. فإن قلنا: إنه نفاس، وجب به الغسل، وبطل به الصوم، وإن لم تر بعده دما أصلا. وإذا قلنا: ليس بنفاس، لم يجب به الغسل، ولم يبطل الصوم. فحصل من الخلاف المذكور في هذه المسائل، أن في ابتداء مدة النفاس، أوجها. أحدها: من وقت الدم البادئ عند الطلق. والثاني: من الخارج مع ظهور الولد. والثالث وهو الاصح: من انفصال الولد. وحكى إمام الحرمين وجها: أنها لو ولدت ولم تر الدم أياما، ثم ظهر الدم، فابتداء مدة النفاس، تحسب من وقت خروج الدم، لا من وقت الولادة. فهذا وجه رابع. وموضعه، إذا كانت الايام المتخللة، دون أقل الطهر. فصل: في الدم الذي تراه بين التوأمين، وجهان. أصحهما: ليس بنفاس. والثاني: نفاس. فإن قلنا: ليس بنفاس، فقال الاكثرون: يبنى على دم الحامل. فإن جعلناه حيضا، فهذا أولى، وإلا، فقولان. وفي كلام بعض الاصحاب: ما يقتضي كونه دم فساد، مع قولنا: الحامل تحيض. وإذا قلنا: هو نفاس، فما بعد الولد الثاني معه، نفاس واحد، أم نفاسان ؟ وجهان. الاصح: نفاسان. ولا تبالي مجاوزة الدم ستين من الولادة الاولى. الثاني: نفاس واحد. فعلى هذا إذا زاد الدم على ستين من الولد الاول، فهي مستحاضة. قال الصيدلاني: موضع الوجهين، إذا كانت المدة المتخللة بين الدمين دون الستين، فإن بلغت ستين، فالثاني: نفاس آخر قطعا. وقال الشيخ أبو محمد: لا فرق. قلت: الاصح، قول الصيدلاني. ولم يحكه الامام الرافعي على وجهه. قال إمام الحرمين: قال الصيدلاني: اتفق أئمتنا في هذه الصورة، أنها تستأنف بعد الولد

(1/284)


الثاني نفاسا. إذا كان بينهما ستون. واختار إمام الحرمين هذا. وضعف قول والده أبي محمد. والله أعلم. وإذا ولدت الثاني بعد الستين، وقلنا باتخاذ النفاس، فما بعده استحاضة. ولو سقط عضو من الولد، وباقيه مجتن، ورأت بينهما دما، ففي كونه نفاسا، الوجهان في الدم بين التوأمين. فصل: إذا جاوز دم النفساء ستين، فقد اختلط نفاسها باستحاضتها. وطريق التمييز بينهما، ما تقدم في الحيض. هذا هو الصحيح المعروف. وفي وجه: نفاسها ستون. وما بعدها استحاضة إلى تمام طهرها المعتاد، أو المردود إليه إن كانت مبتدأة، وما بعده حيض. في وجه ثالث: نفاسها، ستون. وما بعدها حيض متصل به. واتفق الجمهور على تضعيف هذين الوجهين، والتفريع على الصحيح. والمستحاضات: خمس. الاولى: المعتادة. فإن كانت معتادة أربعين مثلا، كان نفاسها الآن أربعين. ولها في الحيض حالان. أحدهما: أن تكون معتادة فيه، فطهرها بعد الاربعين، قدر عادتها في الطهر، ثم تحيض قدر عادتها في الحيض. الحال الثاني: أن تكون مبتدأة فيه، فتجعل القدر الذي ترد إليه المبتدأة في الطهر، طهرا لها بعد الاربعين. والذي ترد إليه في الحيض، حيضا لها بعده. ثم الخلاف فيما تثبت به العادة، وفيما تقدم من العادة والتمييز إذا اجتمعا يجري هنا كما في الحيض. ولو ولدت مرارا ولم تر دما، ثم ولدت، واستحيضت، لم يكن عدم النفاس عادة، بل هي مبتدأة فيه، كالتي لم تلد أصلا. المستحاضة الثانية والثالثة: المبتدأة المميزة، وغير المميزة. أما غير المميزة، فترد إلى لحظة على الاظهر. وإلى أربعين على الثاني. هذا هو المذهب. وفي قول غريب: ترد إلى ستين. وفي وجه: إلى اللحظة جزما. ثم إن كانت هذه النفساء معتادة في الحيض حسب لها بعد مرد النفاس طهرها ثم حيضها المعتادان. وإن كانت مبتدأة فيه، أقمنا طهرها ثم حيضها على ما تقتضيه حال المبتدأة. وأما المميزة، فترد إلى التمييز بشرطه. كالحائض، وشرط تمييز

(1/285)


النفساء، أن لا يزيد القوي على ستين يوما. ولا ضبط في أقله، ولا أقل الضعيف. المستحاضة الرابعة: المعتادة المميزة. تقدم حكمها هنا في المعتادة. المستحاضة الخامسة: الناسية لعادة نفاسها، فيها القولان، كناسية الحيض. فعلى قول ترد إلى مرد المبتدأة. ورجحه إمام الحرمين هنا. وعلى قول: تؤمر بالاحتياط. وعلى هذا، إن كانت مبتدأة في الحيض أيضا، وجب الاحتياط أبدا. وكذا، إن كانت معتادة في الحيض ناسية عادتها. وإن كانت ذاكرة لعادة الحيض، فهي كناسية وقت الحيض، العارفة بقدره. وقد سبق بيانها. فرع: إذا انقطع دم النفساء، فله حالان. أحدهما: أن لا يجاوز ستين، فينظر، إن لم تبلغ مدة النقاء بين الدمين أقل الطهر، بأن رأت يوما دما، ويوما نقاء، فأزمنة الدم نفاس قطعا. وفي النقاء، القولان، كالحيض. وإن بلغته، بأن رأت عقب الولادة دما أياما، ثم رأت النقاء خمسة عشر فصاعدا، ثم عاد الدم، فالاصح، أن العائد دم حيض. والثاني: أنه نفاس. ولو ولدت ولم تر الدم خمسة عشر يوما فصاعدا، ثم رأته، فعلى هذين الوجهين. فإن جعلناه حيضا، فلا نفاس لها أصلا. وفي هذه الصورة الاخيرة: لو نقص العائد في الصورتين عن أقل الحيض، فالاصح، أنه دم فساد. والثاني: أنه نفاس، لتعذر جعله حيضا. ولو زاد العائد على أكثر الحيض، فهي مستحاضة. فينظر، أهي معتادة، أم مبتدأة ؟ ويحكم بما تقتضيه الحال. وإن جعلنا العائد نفاسا، فمدة النقاء على القولين في التلفيق. إن سحبنا، فنفاس. وإن لفقنا، فطهر. هذا هو المذهب. وقيل: هو طهر على القولين. الحال الثاني: أن تجاوز ستين. فإن بلغ زمن النقاء في الستين أقل الطهر، ثم جاوز العائد، فالعائد حيض قطعا (1)، ولا يجئ فيه الخلاف المذكور في الحال الاول. وإن لم تبلغه، فإن كانت مبتدأة مميزة، ردت إلى التمييز. وإن لم تكن مميزة، فعلى القولين في المبتدأة. وإن كانت معتادة، ردت إلى العادة. وفي

(1/286)


الاحوال يراعى قولا التلفيق. فإن سحبنا، فالدماء في أيام المرد مع النقاء، نفاس. وإن لفقنا، فتلفق من أيام المرد، أم من أيام الستين ؟ فيه الخلاف المذكور في الحيض. قلت: والصفرة، والكدرة، في النفاس، كهي في الحيض وفاقا وخلافا، هذا هو المذهب. وبه صرح الفوراني، والبغوي، وصاحب (العدة)، وغيرهم. وقطع الماوردي: بأنها نفاس قطعا، لان الولادة شاهد للنفاس، بخلاف الحيض. وإذا انقطع دم النفساء، واغتسلت، أو تيممت حيث يجوز، فللزوج وطؤها في الحال بلا كراهة. حتى قال صاحب (الشامل) و (البحر): لو رأت الدم بعد الولادة ساعة، وانقطع، لزمه الغسل، وحل الوطئ. فإن خافت عود الدم، استحب له التوقف احتياطا. والله أعلم.

(1/287)