روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الرهن
فيه أربعة أبواب.
الاول: في أركانه، وهي أربعة. الاول: المرهون، وله شروط. والاول: كونه عينا، فلا يصح رهن المنفعة، بأن يرهنه سكنى الدار مدة،

(3/281)


سواء كان الدين المرهون به حالا أو مؤجلا. ولا يصح رهن الدين على الاصح، ويصح رهن المشاع سواء رهنه عند شريكه أو غيره، قبل القسمة أم لم يقبلها. قلت: سواء كان الباقي من المشاع المراهن أم لغيره. والله أعلم. ولو رهن نصيبه من بيت من دار باذن شريكه، صح، وبغير إذنه، وجهان. أصحهما عند الامام: صحته كما يصح بيعه. وأصحهما عند البغوي: فاسده، وادعى طرد الخلاف في البيع. قلت: وممن وافق الامام في تصحيح صحته الغزالي في البسيط، وصاحب التتمة، وغيرهما. وأما طرد الخلاف في البيع، فشاذ، فقد قطع الاصحاب بصحته. والله أعلم. فان قسمت الدار، فوقع هذا البيت في نصيب شريكه، فهل هو كتلف المرهون بآفة سماوية، أم يغرم الراهن قيمته ويكون رهنا لكونه حصل له بدله ؟ فيه احتمالان للامام. أصحهما: الثاني. وقال الامام محمد بن يحيى: إن كان مختارا في القسمة، غرم، وإن كان مجبرا، فلا. قلت: هذا المذكور تفريع على الصحيح الذي قطع به جماهير الاصحاب: أن هذه الدار تقسم قسمة واحدة. وشذ صاحب التتمة فقال: لا تقسم قسمة واحدة، بل يقسم البيت وحده، ويسلم نصيب الرهن للمرتهن، ثم يقسم الباقي،

(3/282)


كما لو باع نصيبه من ذلك البيت. وقد أشار صاحب المهذب ومن تابعه، إلى أنهما إذا اقتسما فخرج البيت في نصيب شريكه، يبقى مرهونا، وهذا ضعيف. والمتحصل من هذا الخلاف: أن المختار جواز قسمتهما جملة، وأن لا يبقى مرهونا، بل يغرم. والله أعلم. فرع إذا رهن المشاع، فقبضه بتسليم له، فإذا قبض، جرت المهايأة بين المرتهن والشريك جريانها بين الشريكين. ولا بأس بتبعض اليد بحكم الشرع، كما لا بأس به لاستيفاء الراهن المنافع. قلت: قال أصحابنا: إن كان المرهون مما لا ينقل، خلى الراهن بين المرتهن وبينه، سواء حضر الشريك أم لا. وإن كان مما ينقل، لم يحصل قبضه إلا بالنقل، ولا يجوز نقله بغير إذن الشريك. فان أذن، قبض، وان امتنع، فان رضي المرتهن بكونها في يد الشريك، جاز، وناب عنه في القبض، وإن تنازعا، نصب الحاكم عدلا يكون في يده لهما، فان كان له منفعة آجره. والله أعلم. الشرط الثاني: مختلف فيه، وهو صلاحية المرتهن، لثبوت اليد عليه. فان رهن عبدا مسلما أو مصحفا عند كافر، أو السلاح عند حربي، أو جارية حسناء عند أجنبي، صح على المذهب في جميعها، فيجعل العبد والمصحف في يد عدل. قلت: وإذا صححنا رهن العبد والمصحف عند الكافر، ففي تهذيب الشيخ نصر المقدسي الزاهد وغيره: أن العقد حرام. وفي التهذيب للبغوي: أنه مكروه، ذكره في كتاب الجزية. والله أعلم. ثم إن كانت الجارية صغيرة لا تشتهى، فهي كالعبد، وإلا، فان رهنت عند

(3/283)


محرم أو امرأة، فذاك. وإن رهنت عند أجنبي ثقة وعنده زوجته، أو جاريته، أو نسوة يؤمن معهم الالمام بها، فلا بأس، وإلا، فلتوضع عند محرم لها أو امرأة ثقة، أو رجل عدل بالصفة المذكورة في المرتهن. فان شرط وضعها عند غير من ذكرنا، فهو شرط فاسد. وألحق الامام بالصغيرة، الخسيسة مع دمامة الصورة، لكن الفرق ظاهر. ولو كان المرهون خنثى، فكالجارية، إلا أنه لا يوضع عند امرأة. الشرط الثالث: كون العين قابلة للبيع عند حلول الدين، فلا يصح رهن أم الولد، والمكاتب، والوقف، وسائر ما لا يصح بيعه. وسواد العراق وقف على المسلمين على المذهب، فلا يجوز رهنه. وأبنيته، وأشجاره، إن كانت من تربته وغراسه الذي كان قبل الوقف، فهي كالارض. وإن أحدثت فيها من غيرها، جاز رهنها. فان رهنت مع الارض، فهي من صور تفريق الصفقة، وكذا رهن الارض مطلقا إن قلنا: إن البناء والغراس يدخلان فيه. وإذا صح الرهن في البناء، فلا

(3/284)


خراج على المرتهن، وإنما هو على الراهن. فان أداه المرتهن بغير إذنه، فهو متبرع، وإن أداه بإذنه بشرط الرجوع، رجع. وإن لم يشرط الرجوع، فوجهان يجريان في أداء دين الغير باذنه مطلقا، وظاهر النص: الرجوع.
فصل التفريق بين الأم وولدها الصغير، حرام، وفي إفساده البيع قولان سبقا. ويصح رهن أحدهما دون الآخر. وإذا أريد البيع، ففيه وجهان. أحدهما: يباع المرهون وحده، ويحتمل التفريق للضرورة. وأصحهما: يباعان جميعا، ويوزع الثمن على قيمتهما. وفي كيفيته كلام يحتاج إلى مقدمة، وهي رجل رهن أرض بيضاء، فنبت فيها نخل، فله حالان. أحدهما: أن يرهن الارض ثم يدفن النوى فيها، أو يحمله السيل أو الطير، فهي للراهن، ولا يجبر في الحال على قلعها، فلعله يؤدي الدين من موضع آخر. فان دعت الحاجة إلى بيع الارض، نظر، إن وفى ثمن الارض إذا بيعت وحدها بالدين، بيعت وحدها ولم يقلع النخل. وكذا لو لم يف به، إلا أن قيمة الارض وفيها الاشجار كقيمتها بيضاء. ولو لم يف به وقيمتها تنقص بالاشجار، فللمرتهن قلعها لبيع الارض بيضاء، إلا أن يأذن الراهن في بيعها مع الارض، فتباعان ويوزع الثمن عليها. هذا إذا لم يكن الراهن محجور عليه بالافلاس. فان كان، فلا قلع بحال، لتعلق حق الغرماء به، بل يباعان ويوزع الثمن عليهما، فما قابل الارض، اختص به المرتهن، وما قابل الاشجار، قسم بين الغرماء. فان نقصت قيمة الارض بسبب الاشجار، حسب النقص على الشجر، لان حق المرتهن في الارض فارغة.

(3/285)


الحال الثاني: أن يكون النوى مدفونا في الارض يوم الرهن، ثم ينبت. فان كان المرتهن جاهلا بالحال، فله الخيار في فسخ البيع الذي شرط فيه هذا الرهن. فان فسخ، وإلا فهو كما لو كان عالما، وإن كان عالما فلا خيار. وإذا بيعت الارض مع النخل، وزع الثمن عليهما. والمعتبر في الحال الاول، قيمة الارض فارغة. وفي الحال الثاني، قيمة أرض مشغولة، لانها كانت مشغولة يوم الرهن. وفي كيفية اعتبار الشجر وجهان نقلهما الامام في الحالين. أصحهما: تقوم الارض وحدها. فإذا قيل: هي مائة، قومت مع الاشجار، فإذا قيل: هي مائة وعشرون، فالزيادة بسبب الاشجار سدس، فيراعي في الثمن نسبة الاسداس. والثاني: تقوم الاشجار وحدها. فإذا قيل: هي خمسون، كانت النسبة بالثلث، ثم في المثال المذكور لايضاح الوجهين تكون قيمة الارض ناقصة بسبب الاجتماع، لانا فرضنا قيمتها وحدها مائة، وقيمة الاشجار وحدها ثابتة خمسين، وقيمة المجموع مائة وعشرين. عدنا إلى مسألة الام والولد، فإذا بيعا معا، وأردنا التوزيع، ففيه طريقان. أحدهما: أن التوزيع عليهما كالتوزيع على الارض والشجر، فتعتبر قيمة الام وحدها. وفي الولد الوجهان. والثاني: أن الام لا تقوم وحدها، بل تقوم مع الولد وهي خاصته، لانها رهنت وهي ذات ولد، والارض بلا أشجار. وبهذا الوجه قطع الاكثرون. فلو حدث الولد بعد الرهن والتسليم من نكاح أو زنى، وبيعا معا، فللمرتهن قيمة جارية لا ولد لها. قلت: ذكر الامام الرافعي في مسألة الغراس والارض الفرق بين علم المرتهن وجهله في ثبوت الخيار، ولم يذكره هنا، فكأنه أراد أنه مثله. وقد صرح صاحب الشامل بذلك فقال: إن كان عالما بالولد حال الارتهان، فلا خيار، وإلا، فله الخيار في فسخ البيع المشروط فيه الرهن. وقال صاحب الحاوي: إن علم، فلا خيار، وإلا، فان قلنا: تباع الام دون الولد، فلا خيار، وإن قلنا: يباعان، ففي الخيار وجهان. وجه المنع: أنه لا يتحقق نقصها، بل قد تزيد. فان قيل: ما فائدة الخلاف في التوزيع، والراهن يجب عليه قضاء الدين بكل حال ؟ ! قلنا: تظهر فائدته عند ازدحام غرماء الميت والمفلس، وفي تصرف الراهن في الثمن قبل قضاء

(3/286)


الدين، فينفذ في حصة الولد دون الام، ذكره الامام، والغزالي في البسيط. والله أعلم.
فصل إذا رهن ما يتسارع إليه الفساد، فان أمكن تجفيفه كالرطب والعنب، صح رهنه وجفف. وإن لم يمكن كالثمرة التي لا تجفف، والريحان، والجمد، فان رهنه بدين حال، صح، ثم إن بيع في الدين، أو قضي الدين من موضع آخر، فذاك، وإلا بيع وجعل الثمن رهنا، فلو تركه المرتهن حتى فسد، قال في التهذيب: إن كان الراهن أذن له في بيعه، ضمن، وإلا، فلا. ويجوز أن يقال: عليه الرفع إلى القاضي ليبيعه. قلت: هذا الاحتمال الذي قاله الامام الرافعي رحمه الله، قوي أو متعين. وقد قال صاحب التتمة في هذه الصورة: إن سكتا حتى فسد، أو طلب المرتهن بيعه، فامتنع الراهن، فهو من ضمان الراهن. وإن طلب الراهن بيعه، فامتنع المرتهن، فمن ضمان المرتهن. والله أعلم. وإن رهنه بدين مؤجل، فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يعلم حلول الاجل قبل فساده، فهو كرهنه بالحال. الثاني: أن يعلم عكسه. فان شرط في الرهن بيعه عند الاشراف على الفساد، وجعل ثمنه رهنا، صح ولزم الوفاء بالشرط. فلو شرط أن لا يباع بحال عند حلول الاجل، بطل الرهن لمناقضته مقصود الرهن. وإن لم يشرط ذا ولا ذاك، فهل هو كشرط البيع أم كشرط عدم البيع ؟

(3/287)


قولان، أظهرهما عند العراقيين: الثاني، وميل غيرهم إلى الاول. قلت: قال الامام الرافعي في المحرر أظهرهما: لا يصح الرهن. والله أعلم. الثالث: أن لا يعلم واحد من الامرين وهما محتملان، فالمذهب: الصحة. ولو رهن ما لا يسرع إليه الفساد، فحدث ما عرضه للفساد قبل الاجل، بأن ابتلت الحنطة، وتعذر تجفيفها، لم ينفسخ بحال. ولو طرأ ذلك قبل قبض المرهون، ففي الانفساخ وجهان، كما في حدوث الموت والجنون. وإذا لم ينفسخ، بيع وجعل الثمن رهنا مكانه. قلت: الارجح: أنه لا ينفسخ، وهذا الذي قطع به، من أنه إذا لم ينفسخ يباع، وهو المذهب. ونقل الامام: أن الائمة قطعوا بأنه يستحق بيعه. ونقل صاحب الحاوي فيه قولين. أحدهما: يجبر الراهن على بيعه حفظا للوثيقة، كما يجبر على نفقته. والثاني: لا، لان حق المرتهن في حبسه فقط، وهذا ضعيف. والله أعلم.
فصل رهن العبد المحارب، كبيعه. ورهن المرتد صحيح على المذهب كبيعه. فان علم المرتهن ردته، فلا خيار له في فسخ البيع المشروط فيه الرهن. وإن جهل، يخير، فان قتل قبل قبضه، فله فسخ البيع. وإن قتل بعده، فمن ضمان من ؟ فيه وجهان سبقا في البيع. فان قلنا: من ضمان البائع، فللمرتهن فسخ البيع، وإلا فلا فسخ ولا أرش، كما لو مات في يده.

(3/288)


قلت: ولو رهنه عبدا مريضا، لم يعلم بمرضه المرتهن حتى مات في يده، فلا خيار له، قاله في المعاياة، قال: لان الموت بألم حادث، بخلاف قتل المرتد. والله أعلم. فرع الجاني إن لم نصحح بيعه، فرهنه أولى، وإلا، فقولان، لان الجناية الطارئة، يقدم صاحبها على حق المرتهن، فالمتقدمة أولى. فان لم نصحح رهنه، ففداه السيد، أو أسقط المجني عليه حقه، فلا بد من استئناف رهن. وإن صححناه، فقال المسعودي والامام: يكون مختارا للفداء كما لو باعه، وقال ابن الصباغ: لا يلزمه الفداء، بخلاف البيع، لان محل الجناية باق هنا، والجناية لا تنافي الرهن. قلت: قال البغوي أيضا: يكون ملتزما للفداء. ولكن الاكثرون قالوا كقول ابن الصباغ منهم الشيخ أبو حامد، والماوردي، وصاحب العدة وغيرهم. قالوا: هو مخير بين فدائه وتسليمه للبيع في الجناية. فان فداه، بقي الرهن، وإلا بيع في الجناية، وبطل الرهن إن استغرقه الارش، وإلا بيع بقدره، واستقر الرهن في الباقي. وإذا قلنا: لا يصح رهن الجاني، فسواء كان الارش درهما، والعبد يساوي الوفاء، أم غير ذلك، نص عليه الشافعي رضي الله عنه والاصحاب. وأما إثبات الخيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه رهنه، ففيه تفصيل في الحاوي وغيره. إن كان عالما بالجناية، فلا خيار في الحال. فان اقتص منه في طرفه، بقي رهنا، ولا خيار للمرتهن في البيع، لعلمه بالعيب. وإن قتل قصاصا، فان قلنا: إنه من ضمان البائع، فله الخيار كما لو بان مستحقا، وإن قلنا: من ضمان المشتري، فلا خيار، لانه معيب علم به، وإن عفا مستحق القصاص على

(3/289)


ماله، فان فداه، بقي رهنا، ولا خيار للمرتهن، وإن بيع للجانية، بطل الرهن. وفي الخيار وجهان. وإن عفا عن القصاص، سقط أثر الجناية. أما إذا كان جاهلا بالجناية، فان علم قبل استقرار حكمها، يخير. فان فسخ، وإلا فيصير عالما، وحكمه ما سبق. وإن لم يعلم إلا بعد استقرار حكمها على قصاص طرف، لم يبطل الرهن بالقصاص، لكن للمرتهن الخيار. وإن كان قصاص نفس، بطل الرهن. وفي الخيار الوجهان. وإن استقر حكمها على مال، فان فداه، كان كالعفو على مال. وإن بيع، بطل الرهن. وفي الخيار الوجهان. وإن عفا بلا مال، سقط أثر الجناية، ثم إن لم يتب العبد من الجناية وكان مصرا، فهذا عيب، فللمرتهن الخيار. وإن تاب، فهل ذلك عيب في الحال ؟ وجهان. فان قلنا: عيب، فله الخيار، وإلا، فوجهان. أحدهما: يعتبر الابتداء فيثبته. والآخر: ينظر في الحال، هذا كلام صاحب الحاوي وفيه نفائس. والله أعلم. وإذا قلنا: يصح رهن الجاني جناية توجب القصاص، ولا يصح إذا أوجبت مالا، فرهن والواجب القصاص، فعفا على مال، فهل يبطل الرهن من أصله، أم يكون كجناية تصدر من المرهون حتى يبقى الرهن لو يبع في الجناية ؟ وجهان. اختار الشيخ أبو محمد أولهما. فعلى هذا لو كان العبد حفر بئرا في محل عدوان، فمات فيها بعدما رهن إنسان، ففي تبين الفساد، وجهان. والفرق أنه رهن في الصورة الاولى وهو جان. فرع رهن المدبر باطل على المذهب، وهو نصه، ورجحه الجمهور. فعلى هذا، التدبير باق على صحته. وإن صححنا رهنه، بطل التدبير بناء على أنه وصية، فقد رجع عنها. وقيل: لا يبطل فيكون مدبرا مرهونا. فعلى هذا إن قضى الدين من غيره، فذاك، وإن رجع في التدبير وباعه في الدين، بطل التدبير. وإن امتنع من الرجوع ومن بيعه، فان كان له مال آخر، أجبر على قضائه منه، وإلا فوجهان. أصحهما: يباع في الدين. والثاني: يحكم بفساد الرهن.

(3/290)


قلت: هذا الذي ذكر حكم المذهب، ولا يغتر بقوله في الوسيط: ذهب أكثر الاصحاب إلى صحة رهنه، وإن كان قويا في الدليل. والله أعلم. فرع رهن المعلق عتقه بصفة، له صور. إحداها: رهنه بدين حال أو مؤجل تيقن حلوله قبل وجود الصفة، فيصح ويباع في الدين. فان لم يتفق بيعه حتى وجدت الصفة، بني على القولين في أن الاعتبار بالعتق المعلق بحالة التعليق، أم بحال وجود الصفة ؟ إن قلنا بالاول، عتق، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه الرهن إن كان جاهلا. قلت: هذا الذي جزم به من ثبوت الفسخ للمرتهن على هذا القول، هو الذي جزم به صاحب التهذيب وجزم صاحب التتمة بأنه لا خيار له، وقد سقط حقه، لان الرهن سلم له ثم بطل فصار كموته، والاول: أصح، وأقيس. والله أعلم. وإن قلنا بالثاني، فهو كاعتاق المرهون، وسنذكره إن شاء الله تعالى. الثانية: رهنه بدين مؤجل تيقن وجود الصفة قبل حلوله، فالمذهب: بطلان الرهن. وقيل: قولان، وهو ضعيف. فعلى الصحة: يباع إذا قرب أوان الصفة. ويجعل ثمنه رهنا. الثالثة: أن لا يتيقن تقدم الصفة على الحلول وعكسه، فالاظهر: بطلانه. وقيل: باطل قطعا. فرع رهن الثمر على الشجر له حالان. أحدهما: أن يرهنه مع الشجر. فان كان الثمر مما يمكن تجفيفه، صح، سوابدا فيها الصلاح. أم لا، وسواء كان الدين حالا أو مؤجلا، وإن لم يمكن ولم نصحح رهن ما يسرع الفساد، فالمذهب: بطلان رهن الثمر. وفي الشجر قولا تفريق الصفقة. وقيل: يصح فيهما قطعا. الثاني: رهن الثمر وحده. فان لم يمكن تجفيفه، فهو كرهن ما يسرع فساده، وإلا، فهو ضربان. أحدهما: يرهن قبل بدو الصلاح. فان رهن بدين حال وشرط قطعها وبيعها بشرط القطع، جاز. وإن أطلق، جاز أيضا على الاظهر.

(3/291)


وإن رهن بمؤجل، نظر، إن كان يحل قبل بلوغ الثمر وقت الادراك أو بعده، فهو كالحال. وإن كان يحل قبل بلوغه وقت الادراك، فان رهنها مطلقا، لم يصح عل الاظهر. وقيل: لا يصح قطعا كالبيع. وإن شرط القطع، فقيل: يصح قطعا. وقيل: على القولين، وجه المنع: التشبيه بمن باع بشرط القطع بعد مدة. قلت: المذهب الصحة فيما إذا شرط القطع، وبه قطع جماعة. والله أعلم. الضرب الثاني: أن يرهن بعد بدو الصلاح، فيجوز بشرط القطع ومطلقا. إن رهن بحال أو مؤجل، هو في معناه. وإن رهنه بمؤجل يحل قبل بلوغها وقت الادراك، فعلى ما سبق في الضرب الاول. ومتى صح رهن الثمار على الاشجار، فمؤنة السقي والجداد والتجفيف على الراهن. فان لم يكن له شئ، باع الحاكم جزءا منها وأنفقه عليها. ولو توافق الراهن والمرتهن على ترك السقي، جاز على الصحيح. وقيل: يجبر عليه كما يجبر على علف الحيوان. وادعى الروياني أنه لا يصح. ولو أراد أحدهما قطع الثمرة قبل وقت الجداد، فللآخر الامتناع، وليس له الامتناع بعد وقت الجداد، بل يباع في الدين إن حل، وإلا، أمسكه رهنا. فرع الشجرة التي تثمر في السنة مرتين، يجوز رهن ثمرها الحاصل بدين حال. وبمؤجل يحل قبل اختلاط الثمرة الثانية بالاولى، وإلا، فان شرط أن لا يقطع عند خروج الثانية، لم يصح. وإن شرط قطعه، صح. وإن أطلق، فقولان. فان صححنا، أو رهن بشرط القطع، فلم يقطع حتى اختلط، ففي بطلان الرهن قولان كالقولين في البيع إذا عرضت هذه الحالة قبل القبض. والرهن بعد القبض، كالبيع قبله، فان قلنا: يبطل الرهن، فذاك. وإن قلنا: لا يبطل، فلو اتفقا قبل القبض، بطل على الصحيح. وإذا لم يبطل، فان رضي الراهن، يكون الجميع رهنا أو توافقا على كون النصف - من الجملة مثلا - رهنا، فذاك، وإن اختلفا في قدر المرهون، هل هو نصف المختلط، أو ثلثه، أو نحو ذلك ؟ فالقول قول الراهن مع يمينه. وقال المزني: قول المرتهن. فرع رهن زرعا بعد اشتداد حبه، فكبيعه، إن كان ترى حباته في سنبله، صح، وإلا فلا، على الاظهر. وإن رهنه وهو بقل، فكرهن الثمرة قبل بدو الصلاح. وقال صاحب التلخيص: لا يجوز قطعا إن كان الدين مؤجلا، وإن

(3/292)


صرح بشرط القطع عند المحل، لان الزرع لا يجوز بيعه مسنبلا. وقد يقع الحلول في تلك الحالة، ولان زيادة الزرع يطوله، فهو كثمرة تحدث وتختلط.
فصل لا يشترط كون المرهون ملك الراهن على المذهب، فلو استعاد عبدا ليرهنه بدين، فرهنه، جاز. وهل سبيله سبيل الضمان، أم العارية ؟ قولان. أظهرهما: الاول. ومعناه: أنه ضمن الدين في رقبة عبده. قال الامام: هذا العقد أخذ شبها من ذا، وشبها من ذاك، وليس القولان في تمحضه عارية أو ضمانا، وإنما هما في أن المغلب أيهما ؟ وقال ابن سريج: إذا جعلناه عارية، لم يصح هذا التصرف، لان الرهن ينبغي أن يلزم بالقبض، والعارية لا يلتزم. فعلى هذا يشترط في المرهون كونه ملك الراهن. والصواب، ما سبق، وعليه التفريع. والعارية قد تلزم، كالاعارة للدفن، ونظائره. ويتفرع على المذهب فروع. أحدها: لو أذن في رهن عبده، ثم رجع قبل أن يقبض المرتهن، جاز، وبعد قبضه: لا رجوع على قول الضمان قطعا، ولا على قول العارية على الاصح، وإلا، فلا فائدة في هذا العقد ولا وثوق به. وقال صاحب التقريب إن كان الدين حالا، رجع. وإن كان مؤجلا، ففي جواز رجوعه قبل الاجل، وجهان، كما لو أعار للغراس مدة. ومتى جوزناه فرجع، وكان الرهن مشروطا في بيع، فللمرتهن فسخ البيع إن جهل الحال. الثاني: لو أراد المالك إجبار الراهن على فكه، فله ذلك بكل حال، إلا إذا كان الدين مؤجلا، وقلنا: إنه ضمان، وإذا حل الاجل وأمهل المرتهن الراهن، فللمالك أن يقول للمرتهن: إما أ ترد إلي، وإما أن تطالبه بالدين ليؤدي فينفك الرهن، كما إذا ضمن دينا مؤجلا ومات الاصيل، فللضامن أن يقول: إما أن تطالب بحقك، وإما أن تبرئني.

(3/293)


الثالث: إذا حل المؤجل، أو كان حالا، قال الامام: إن قلنا: إنه ضمان، لم يبع في حق المرتهن، إن قدر الراهن على إداء الدين إلا باذن جديد، وإن كان معسرا، بيع وإن سخط المالك. وإن قلنا: عارية، لم يبع إلا باذن جديد، سواء كان الراهن موسرا، أو معسرا. ولك أن تقول: الرهن وإن صدر من المالك، لا يسلط على البيع إلا باذن جديد، فان لم يأذن، بيع عليه، فالمراجعة لا بد منها. ثم إذا لم يأذن في البيع، فقياس المذهب أن يقال: إن قلنا: عارية، عاد الوجهفي جواز رجوعه، وإن قلنا: ضمان، ولم يؤد الراهن الدين، لم يمكن من الانتفاع، ويباع عليه معسرا كان الراهن أو موسرا، كما لو ضمن في ذمته، يطالب موسرا كان الاصيل، أو معسرا، ثم إذا بيع في الدين بقيمته، رجع بها المالك على الراهن. وإن بيع بأقل، بقدر يتغابن الناس بمثله، فان قلنا: ضمان، رجع بما بيع به. وإن قلنا: عارية، رجع بقيمته، وإن بيع بأكثر من قيمته رجع بما بيع به إن قلنا: ضمان. وإن قلنا: عارية، فقال الاكثرون: لا يرجع إلا بالقيمة، لان العارية بها يضمن. وقال القاضي أبو الطيب: يرجع بما بيع به كله، لانه ثمن ملكه وقد صرف إلى دين الراهن، وهذا أحسن، واختاره الامام، وابن الصباغ، والروياني. قلت هذا الذي قاله القاضي، وهو الصواب، واختاره أيضا الشاشي وغيره. والله أعلم. الرابع: لو تلف في يد المرتهن، فان قلنا: عارية، لزم الراهن الضمان. وإن قلنا: ضمان، فلا شئ عليه ولا شئ على المرتهن بحال، لانه مرتهن لا مستعير. ولو تلف في يد الراهن، قال الشيخ أبو حامد: هو على القولين، كما لو تلف في يد المرتهن، وأطلق الغزالي، أنه يضمن، لانه مستعير. قلت: المذهب: الضمان. والله أعلم. الخامس: لو جنى في يد المرتهن، فبيع في الجناية، فان قلنا: عارية، لزم الراهن القيمة. قال الامام: هذا إذا قلنا: العارية تضمن ضمان المغصوب، وإلا، فلا شئ عليه. السادس: إذا قلنا: ضمان، وجب بيان جنس الدين وقدره وصفته في الحلول

(3/294)


والتأجيل وغيرهما، وحكي قول قديم غريب ضعيف: ان الحلول والتأجيل لا يشترط ذكرهما، والاصح: أنه يشترط بيان من يرهن عنده، ولا خلاف أنه إذا عين شيئا من ذلك، لم يجز مخالفته، لكن لو عين قدرا فرهن بما دونه، جاز، ولو زاد عليه، فقيل: يبطل في الزائد، وفي المأذون قولا تفريق الصفة والمذهب: القطع بالبطلان في الجميع للمخالفة. وكم الو باع الوكيل بغبن فاحش، لا يصح في شئ. ولو قال: أعرني لارهنه بألف، أو عند فلان، كان ذلك كتقييد المعير على الاصح. قلت: وإذا قلنا: عارية، فله أن يرهن عند الاطلاق بأي جنس شاء، وبالحال والمؤجل. قال في التتمة لكن لا يرهنه بأكثر من قيمته، لان فيه ضررا. فانه لا يمكنه فكه إلا بقضاء جميع الدين. ولو أذن في حال فرهنه بمؤجل، لم يصح كعكسه، لانه لا يرضى أن يحال بينه وبين عبده إلى أجل. والله أعلم. السابع: لو اعتقه المالك، إن قلنا: ضمان، فقد حكى الامام عن القاضي: أنه ينفذ ويوقف فيه. وفي التهذيب أنه كإعتاق المرهون، وإن قلنا: عارية، قال القاضي: كاعتاق المرهون، وهذا تفريع على اللزوم هذا الرهن على قول العارية. وفي التهذيب أنه يصح ويكون رجوعا، وهو تفريع على عدم اللزوم. الثامن: لو قال مالك العبد: ضمنت ما لفلان عليك في رقبة عبدي هذا، قال القاضي: صح ذلك على قول الضمان، ويكون كالاعارة للرهن. قال الامام: وفيه تردد من جهة أن المضمون له لم يقبل، ويجوز أن يعتبر القبول في الضمان المتعلق بالاعيان، تقريبا له من المرهون، وإن لم يعتبر ذلك في الضمان المطلق في الذمة. التاسع: لو قضى المعير الدين بمال نفسه، انفك الرهن، ثم رجوعه على الراهن يتعلق بكون القضاء باذن الراهن أم بغيره، وسنوضحه في باب الضمان إن شاء الله تعالى. فلو اختلفا في الاذن، فالقول قول الراهن، ولو شهد المرتهن للمعير، قبلت شهادته لعدم التهمة. ولو رهن عبده بدين غيره دون إذنه، جاز، وإذا بيع فيه، فلا رجوع.
الركن الثاني : المرهون به، وله ثلاثة شروط.

(3/295)


أحدهما: كونه دينا، فلا يصح بالاعيان المضمونة بحكم العقد، كالمبيع، أو بحكم اليد كالمغصوب، والمستعار، والمأخوذ على جهة السوم، وفي وجه ضعيف: يجوز كل ذلك. الثاني: كونه ثابتا، فلا يصح بما لم يثبت، بأن رهنه بما يستقرضه، أو بثمن ما سيشتريه. وفي وجه شاذ: يصح أن عين ما يستقرضه. وفي وجه: لو تراهنا بالثمن، ثم لم يتفرقا حتى تبايعا، صح الرهن إلحاقا للحاصل في المجلس بالمقارن، والصحيح: الاول. فعلى الصحيح: لو ارتهن قبل ثبوت الحق وقبضه، كان مأخوذا على جهة سوم الرهن. فإذا استقرض أو اشترى منه، لم يصر دينا إلا برهن جديد. وفي وجه ضعيف: يصير. ولو امتزج الرهن وسبب ثبوت الدين، بأن قال: بعتك هذا بألف، وارتهنت هذا الثوب به، فقال: اشتريت ورهنت، أو قال: أقرضتك هذه الدراهم، وارتهنت بها عبدك، فقال: استقرضتها ورهنته، صح

(3/296)


الرهن على الاصح، وهو ظاهر النص. ولو قال البائع: ارتهنت وبعت، وقال المشتري اشتريت ورهنت، لم يصح لتقدم شقي الرهن على أحد شقي البيع. وكذا لو قال: ارتهنت وبعت، وقال المشتري: رهنت واشتريت، لتقدم شقي الرهن على شقي البيع، فالشرط أن يقع أحد شقي الرهن بين شقي البيع، والآخر بعد شقي البيع. ولو قال: بعني عبدك بكذا ورهنت به هذا الثوب، فقال: بعت وارتهنت، بني على الخلاف في مسألة الايجاب والاستيجاب. ولو قال: بعني بكذا على أن ترهنني دارك، فقال اشتريت ورهنت، فوجهان. أحدهما، يتم العقد بما جرى. قال في التتمة هو ظاهر النص. والثاني، قاله القاضي: لا يتم بل يشترط أن يقول بعده: ارتهنت أو قبلت، لان الذي وجد منه الشرط إيجاب الرهن لا استيجابه، كما لو قال: افعل كذا لتبيعني، لا يكون مستوجبا للبيع، وهذا أصح عند صاحب التهذيب والاولى أن يفرق، فانه لم يصرح في المقيس عليه بالتماس، وإنما أخبر عن السبب الداعي له إلى ذلك الفعل، وهنا باع وشرط الرهن، وهو يشتمل الالتماس، أو أبلغ منه. الشرط الثالث: كونه لازما. والديون الثابتة ضربان. أحدهما: ما لا يصير لازما بحال، كنجوم الكتابة، فلا يصح الرهن به، والآخر غيره. وهو نوعان. لازم في حال الرهن، وغير لازم. فالاول يصح الرهن به، سواء كان مسبوقا بحالة الجواز، أم لا، وسواء كان مستقرا، كالقرض وأرش الجناية، وثمن المبيع المقترض، أو غير مستقر، كالثمن

(3/297)


قبل قبض المبيع، والاجرة قبل استيفاء المنفعة والصداق قبل الدخول. وأما الثاني: فينظر، إن كان الاصل في وضعه اللزوم، كالثمن في مدة الخيار، صح الرهن به أيضا، لقربه من اللزوم، قال الامام: وهذا مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك في الثمن إلى البائع، فأما إذا جعلناه مانعا، فالظاهر منع الرهن، لوقوعه قبل ثبوت الدين، ولا شك أنه لا يباع المرهون في الثمن ما لم يمض مدة الخيار. أما ما كان أصل وضعه على الجواز، كالجعل في الجعالة بعد الشروع في العمل، وقبل تمامه، فلا يصح الرهن به على الاصح. وإن كان بعد الفراغ من العمل، صح قطعا، للزومه. وإن كان قبل الشروع، لم يصح قطعا، لعدم ثبوته، وعدم تعين المستحق. قلت: هذا الذي جزم به الامام الرافعي هو الصواب، لكن ظاهر كلام كثيرين من الاصحاب، أو أكثرهم، إجراء الوجهين قبل الشروع في العمل، لا سيما عبارة الوسيط وتعليله. والله أعلم. أما المسابقة، فان جعلناها كالاجارة، أو كالجعالة، فلها حكمها. فرع يصح الرهن بالمنافع المستحقة بالاجارة إن وردت على الذمة، ويباع المرهون عند الحاجة، وتحصل المنفعة من ثمنه، وإن كانت إجارة عين، لم يصح لفوات الشرط الاول. فرع لا يصح رهن الملاك بالزكاة، والعاقلة بالدية قبل تمام الحول، لفوات الشرط الثاني، ويجوز بعده. فرع التوثق بالرهن والضمان شديد التقارب، فما جاز الرهن به، جاز ضمانه، وكذا عكسه إلا أن ضمان العهدة جائز. ولا يجوز الرهن به. هذا هو المذهب وحكي وجه: أنه لا يصح ضمان العهدة. ووجه عن القفال: أنه يصح الرهن بها. قلت: كذا قال الشيخ أبو حامد في التعليق والغزالي في الوسيط ما صح ضمانه، صح الرهن به إلا في مسألة العهدة ويستثنى أيضا، أن ضمان رد الاعيان المضمونة، صحيح على المذهب بها، باطل على الصحيح، وممن استثناها

(3/298)


الغزالي في البسيط. والله أعلم.
فصل يجوز أن يرهن بالدين الواحد رهنا بعد رهن، ثم هو كما لو رهنهما معا. ولو كان الشئ مرهونا بعشرة، وأقرضه عشرة أخرى على أن يكون مرهونا بها أيضا، لم يصح على الجديد الاظهر. فان أراد ذلك، فطريقه أن يفسخ المرتهن الرهن الاول، ثم يرهنه بالجميع. ولو جنى المرهون، ففداه المرتهن باذن الراهن ليكون مرهونا، بالدين والفداء، صح على المذهب وهو نصه، لانه من مصالح الرهن، فإنه يتضمن إبقاءه. وقيل: فيه القولان. ولو اعترف الراهن أنه مرهون بعشرين، ثم رهنه أولا بعشرة ثم بعشرة، وقلنا: لا يجوز، ونازعه المرتهن، فالقول قول المرتهن مع يمينه، لان اعتراف الراهن، يقوي جانبه، ولو قال المرتهن في جوابه: فسخنا الرهن الاول، واستأنفنا بالعشرين رهنا، فهل القول قول المرتهن لاعتضاده بقول الراهن، رهن بعشرين أم قول الراهن لان الاصل عد الفسخ ؟ وجهان، ميل الصيدلاني إلى أولهما، وصحح صاحب التهذيب الثاني، ورتب عليه فقال: لو شهد شاهدان أنه رهنه بألف، ثم بألفين، لم يحكم بأنه رهن بألفين، ما لم يصرحا بأن الثاني كان بعد فسخ الاول. فرع رهن بعشرة ثم استقرض عشرة ليكون رهنا بهما، وأشهد شاهدين أنه رهن بالعشرين، فإن لم يعلم الشاهدان الحال ونقلا ما سمعا، فهل يحكم بكونه رهنا بالعشرين، إذا كان الحاكم يعتقد القول الجديد، وجهان. وإن عرفا

(3/299)


الحال، فإن كانا يعتقدان جواز الالحاق، فهل لهما أن يشهدا بأنه رهن بالعشرين، أم عليهما بيان الحال ؟ وجهان. قلت: أصحهما: لا يجوز، لان الاجتهاد إلى الحاكم، لا إليهما. والله أعلم. وإن كانا يعتقدان منع الالحاق، لم يشهدا إلا بما جرى باطنا على الصحيح. وهذا التفصيل، فيما إذا شهدا بنفس الرهن، وفيه صور الجمهور: فان شهدا على إقرار الراهن، فالوجه تجويزه مطلقا. قلت: كذا أطلق الجمهور هذا التفصيل، وقال صاحب الحاوي: إن كان الشاهدان مجتهدين، ففيه التفصيل، وإن كانا غير مجتهدين، لم يجز مطلقا، ولزمهما شرح الحال. ولو مات وعليه دين مستغرق، فرهن الوارث التركة عند صاحب الدين على شئ آخر أيضا، ففي صحته الوجهان بناء على القولين. والله أعلم.
الركن الثالث : الصيغة، فيعتبر الايجاب والقبول، اعتبارهما في البيع، والخلاف في المعاطاة والاستيجاب والايجاب عائد كله هنا. فرع الرهن قسمان. أحدهما: مشروط في عقد، كمن باع، أو أجر، أو أسلم، أو زوج بشرط الرهن بالثمن، أو الاجرة، أو المسلم فيه، أو الصداق. والقسم الثاني: ما لم يشرط، ويسمى: رهن التبرع، والرهن المبتدأ. فالاول، كبعتك داري بكذا على أن ترهنني به عبدك، فقال: اشتريت ورهنت، وقد ذكرنا خلافا في أنه يتم الرهن بهذا، أم لا بد من قوله بعده: ارتهنت. فعلى الاول يقوم الشرط مقام القبول، كما يقوم الاستيجاب مقامه، وحكي وجه:

(3/300)


أنهما إذا شرطا الرهن في نفس البيع، صار مرهونا من غير استئناف رهن، ويقام التشارط مقام الايجاب والقبول. فرع الشرط في الرهن ضربان. أحدهما: شرط يقتضيه، فلا يضر ذكره في رهن التبرع، ولا في الرهن المشروط في عقد، كقوله: رهنتك على أن تباع في دينك، أو لا تباع إلا باذنك، أو يتقدم به على الغرماء. والثاني: ما لا يقتضيه، وهو إما متعلق بمصلحة العقد، كالاشهاد، وإما لا غرض فيه، كقوله: بشرط أن لا يأكل إلا الهريسة، وحكمهما كما سبق في كتاب البيع. وأما غيرهما، وهو نوعان. أحدهما ينفع المرتهن ويضر الراهن، كشرط المنافع أو الزوائد للمرتهن، فالشرط باطل، فان كان رهن تبرع، بطل الرهن أيضا على الاظهر، وإن كان مشروطا في بيع، نظر، إن لم يجر جهالة الثمن، بأن الشرط في البيع رهنا على أنه يبقى بعد قضاء الدين محبوسا شهرا، فسد الرهن على الاظهر. وفي فساد البيع القولان فيما إذا شرط عقدا فاسدا في بيع، فإن صححنا البيع، فللبائع الخيار، صح الرهن أم فسد، لانه وإن صح، لم يسلم له الشرط، وإن جر جهالة، بأن شرط في البيع رهنا تكون منافعه للمرتهن، فالبيع باطل على المذهب. وقيل: هو الذي لا يجر جهالة، ثم البطلان فيما إذا أطلق المنفعة. فلو قيدها فقال: ويكون منفعتها لي سنة مثلا، فهذا جمع بين بيع وإجارة في صفقة، وفيه خلاف سبق. النوع الثاني: ينفع الراهن ويضر المرتهن، كرهنتك بشرط أن لا يباع في الدين، أو لا يباع إلا بعد المحل بشهر أو بأكثر من ثمن المثل، أو برضاي،

(3/301)


فالرهن باطل، كذا قطع به الاصحاب. وعن ابن خيران: أنه قال: يجئ في فساده القولان، وهو غريب. والصواب الاول، فلو كان مشروطا في بيع، عاد القولان في فساده بفساد الرهن، فان لم يفسد، فللبائع الخيار. فرع زوائد المرهون غير مرهونة، فلو رهن شجرة أو شاة بشرط أن تحدث الثمرة أو الولد مرهونا، لم يصح الشرط على الاظهر. وقيل: قطعا، لانه مجهول معدوم، فان صححنا، ففي اكساب العبد إذا شرط كونها مرهونة وجهان. أصحهما: المنع، لانها ليست من أجزاء الاصل. وإن أفسدنا، ففي صحة الرهن قولان. فان كان شرطا في بيع، وصححنا الشرط، أو أبطلناه وصححنا الوجهن، صح البيع، وللبائع الخيار، وإلا ففي صحة البيع قولان. وإذا اختصرت. قلت: فيه أربعة أقوال. أحدها: بطلان الجميع. والثاني: صحة الجميع. والثالث: صحة البيع فقط. والرابع: صحته مع الرهن دون الشرط. قلت: هذا الرابع، هو المنصوص، كذا قاله في الشامل. والله أعلم. فرع إقرضه بشرط أن يرهن به شيئا يكون منافعه للمقرض، فالقرض باطل. فلو شرط كون المنافع مرهونة، فالشرط باطل، والقرض صحيح، لانه لا يجر نفعا وفي صحة الرهن القولان. فرع لو قال: أقرضتك هذا الالف بشرط أن ترهن به، وبالالف الذي لي عليك كذا أو بذلك الالف وحده، فالقرض فاسد. ولو قال المستقرض: أقرضني ألفا على أن أرهبه، وبالالف القديم، أو بالقديم فقط كذا، فالاصح فساد القرض. لو باع بشرط أن يرهن بالثمن والدين، أو بالدين رهنا، بطل البيع كما سبق. فلو رهن المستقرض، أو المشتري كما شرط، فإن علم فساد الشرط، نظر،

(3/302)


إن رهن بالالف القديم، صح، وإن رهن بهما، لم يصح بالالف الذي فسد قرضه، لانه لم يملكه، وإنما هو مضمون في يده، والاعيان لا يرهن بها. وفي صحته في الالف القديم قولا تفريق الصفقة. فان صح، لم يوزع، بل كله مرهون بالالف القديم، لان وضع الرهن على وثيق كل بعض من (أبعاض) الدين بجميع المرهون. فلو تلف الالف الذي فسد قبضه في يده، صار دينا في ذمته، وصح الرهن بالالفين حينئذ. وإن ظن صحته، فإن رهن بالقديم، فوجهان. قال القاضي: لا يصح، وقال الشيخ أبو محمد وغيره: يصح. قلت: قول الشيخ أبي محمد، هو الاصح، واختاره الامام، والغزالي في البسيط وزيف الامام قول القاضي. والله أعلم. ولو رهن بالالفين وقلنا: الصفقة تفرق، فصحته بالالف القديم على هذا الخلاف. وكذا لو باع بشرط بيع آخر، فأنشأه ظانا صحة العقد، وقد سبقت هذه الصورة في بابها. فصل سبق ذكر الخلاف في دخول الابنية والاشجار في الرهن تحت إسم الارض، وفي دخول المغرس تحت رهن الشجرة، والاس تحت الجدار، خلاف مرتب على البيع، و (الرهن) أولى بالمنع لضعفه. ولا تدخل الثمرة المؤبرة تحت رهن الشجرة قطعا، ولا غير المؤبرة على الاظهر. وقيل: قطعا. ولا يدخل البناء بين الاشجار تحت رهن الاشجار، وإن كان بحيث يمكن إفراده بالانتفاع. وإن لم ينتفع به إلا بتبعية الاشجار فلذلك على المذهب. وقيل: فيه الوجهان كالمغرس. ويدخل في الاشجار، الاغصان، والاوراق، لكن الذي يفصل غالبا، كأغصان الخلاف، وورق الآس، والفرصاد، فيه القولان في الثمرة غير المؤبرة، وفي اندراج الجنين تحت رهن الحيوان خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى. واللبن في الضرع لا يدخل على المذهب، ولا يدخل الصوف على الظهر.

(3/303)


وقيل: يدخل قطعا. وقيل: إن كان قد بلغ أوان الجز لم يدخل، وإلا دخل. فصل قال: رهنتك هذه الخريطة بما فيها، أو هذا الحق بما فيه، فان كان ما فيهما معلوما مرئيا، صح الرهن في الظرف والمظروف، وإلا، لم يصح في المظروف. وفي الخريطة والحق قولا الصفقة. وأما نصه في المختصر على الصحة في الحق، وعدمها في الخريطة، فسببه أنه فرض المسألة في حق له قيمة تقصد بالرهن، وفي خريطة ليست لها قيمة تقصد بالرهن، وحينئذ يكون المقصود ما فيها. ولو كان اللفظ مضافا إلى ما فيهما جميعا، وكان ما فيهما بحيث لا يصح الرهن فيه، بطل فيهما جميعا، وفي وجه: يصح فيها وإن كانت قليلة القيمة اعتبارا باللفظ ولو عكست التصوير في الحق والخريطة، كان الحكم يعكس، كما نص عليه بلا فرق. ولو قال: رهنتك الظرف دون ما فيه، صح الرهن فيه مهما كان له قيمة. فان قلت: لانه إذا أفرده فقد وجه الرهن نحوه، وجعله المقصود. وإن رهن الظرف ولم يتعرض لما فيه نفيا ولا إثباتا. فإن كان بحيث يقصد بالرهن وحده، فهو المرهون لا غير، وإن كان لا يقصد منفردا لكنه متمول، فهل المرهون الظرف فقط ؟ أو مع المظروف ؟ وجهان. أصحهما: أولهما. ويجئ على قياسه وجهان إذا لم يكن متمولا، لان الرهن ينزل على المظروف أم يلغى. قلت: قال إمام الحرمين، والغزالي في البسيط كما ذكرناه في الرهن، يجري مثله في البيع حرفا حرفا، فيما إذا قال: بعتك الخريطة بما فيها، أو وحدها، أو الخريطة، لان مأخذه اللفظ. والله أعلم.
الركن الرابع : العاقدان، فيعتبر فيهما التكليف، لكن الرهن تبرع. فإن صدر من أهل التبرع فيما له، فذاك، وإلا فالشرط وقوعه على وفق المصلحة والاحتباط، فرهن الولي مال الصبي، والمجنون، والمحجور عليه لسفه،

(3/304)


وارتهانه لهم، مشروطان بالمصلحة والاحتياط، فمن صور الرهن للمصلحة، أن يشتري للطفل ما يساوي مائتين بمائة نسيئة، ويرهن به ما يساوي مائة من ماله، فيجوز لانه إن لم يعرض تلف، ففيه غبطة ظاهرة. وإن تلف المرهون، كان في المشترى ما يجبره. ولو امتنع البائع إلا برهن ما يزيد على مائة، ترك هذا الشراء، لانه ربما تلف المرهون. فإن كان مما لا يتلف في العادة كالعقار، فالمذهب أنه لا يجوز. وعن الشيخ أبي محمد ميل إلى جوازه. ومنها إذا وقع نهب أو حريق، وخاف الولي على ماله، فله أن يشتري عقارا، ويرهن بالثمن شيئا من ماله إذا لم يمكن أداؤه في الحال، ولم يبع صاحب العقار عقاره إلا بشرط الرهن. ولو اقترض له والحالة هذه، ورهن به، لم يجز، قاله الصيدلاني، لانه يخاف التلف على ما يقرضه خوفه على ما يرهنه. ولك أن تقول: إن لم يجد من يستودعه، ووجد من يرتهنه، والمرهون أكثر قيمة من القرض، وجب أن يجوز رهنه. ومنها أن يقترض له لحاجته إلى النفقة، أو الكسوة، أو لتوفية ما لزمه، أو لاصلاح ضياعه أو مرمتها ارتقابا لغلتها، أو لانتظار حلول دين له مؤجل، أو نفاق متاعه الكاسد فإن لم يرتقب شيئا من ذلك، فبيع ما يريد رهنه أولى من الاستقراض. وحكي وجه شاذ: أنه لا يجوز رهن مال الصبي بحال، وليس بشئ. وأما الارتهان، فمن صور المصلحة فيه، أن يتعذر على الولي استيفاء دين الصبي، فيرتهن به إلى تيسيره. ومنها أن يكون دينه مؤجلا بأن ورثه كذلك. ومنها أن يبيع الولي ماله مؤجلا بغبطة، فلا يكتفى بيسار المشتري، بل لا بد من الارتهان بالثمن. وفي النهاية إشارة إلى خلاف ذلك، أخذا من جواز إبضاع ماله. وإذا ارتهن جاز أن يرتهن بجميع الثمن على الصحيح. وفي وجه: يشترط أن يستوفي ما يساوي المبيع نقدا، وإنما يرتهن ويؤجل بالنسيئة للفاضل. قلت: هذا الوجه حكاه بعض العراقيين عن الاصطخري. وقول الغزالي: إنه

(3/305)


مذهب العراقيين، ليس بجيد، ولا ذكر لهذا الوجه في معظم كتب العراقيين. وإنما اشتهر الخلاف عندهم، فيما إذا باع ما يساوي مائة نقدا، ومائة وعشرين نسيئة بمائة وعشرين نسيئة، وأخذ بالجميع رهنا، ففيه عندهم وجهان. الصحيح وظاهر النص، وقول أكثرهم: إنه صحيح. قال صاحب الحاوي، وشيخه الصيمري، وصاحب البيان وآخرون من العراقيين: فإذا جوزنا البيع نسيئة، فشرطه كون المشتري ثقة موسرا، ويكون الاجل قصيرا: قال واختلفوا في حد الاجل التي لا تجوز الزيادة عليه، فقيل: سنة. وقال الجمهور: لا يتقدر بالسنة، بل يعتبر عرف الناس. ويشترط كون الرهن وافيا بالثمن، فان فقد شرط من هذه، بطل البيع، ويلزمه أن يشهد عليه، فان ترك الاشهاد، ففي بطلان البيع وجهان. والله أعلم. ومنها أن يقرض ماله أو يبيعه لضرورة نهب، ويرتهن به، قال الصيدلاني: والاولى أن لا يرتهن إذا خيف تلف المرهون، لانه قد يتلف ويرفعه إلى حاكم يرى سقوط الدين بتلف الرهن، وحيث جاز الرهن، فشرطه أن يرهن عند أمين يجوز إيداعه. وسواء في ذلك كان الولي أبا، أو جدا، أو وصيا، أو حاكما، أو أمينه. لكن حيث جاز الرهن أو الارتهان، جاز للاب والجد أن يعاملا به أنفسهما، ويتوليا الطرفين، وليس لغيرهما ذلك، وإذا تولى الاب الطرفين، فقبضه وإقباضه سنذكرهما قريبا في رهن الوديعة عند المودع إن شاء الله تعالى.
فصل رهن المكاتب وارتهانه، جائزان بشرط المصلحة والاحتياط، كما ذكرنا في الصبي. وتفصيل صور الارتهان، كما سبق في الصبي. وقيل: لا يجوز أن يستقل بالرهن، وبإذن السيد قولان، تنزيلا لرهنه منزلة تبرعه. وقيل: لا يجوز استقلاله بالبيع نسيئة بحال، وبإذن السيد القولان.

(3/306)


فصل المأذون إذا دفع إليه سيده مالا ليتجر فيه، فهو كالمكاتب إلا في شيئين. أحدهما: أن رهنه أولى بالمنع، لكون الرهن ليس من عقد التجارة. والثاني: له البيع نسيئة بإذن سيده بلا خلاف. فإن قال له: اتجر بجاهك، ولم يدفع إليه مالا، فله البيع والشراء في الذمة حالا ومؤجلا، وكذا الرهن والارتهان، إذ لا ضرر على سيده. فإن فضل في يده مال، كان كما لو دفع إليه مالا. قلت: قوله: إن رهنه أولى بالمنع، يعني ما منعناه في المكاتب فهنا أولى، وما لا، فوجهان. وهذا ترتيب الامام، وقطع الشيخ أبو حامد وصاحبا الشامل والتهذيب بأنه كالمكاتب. والله أعلم. الباب الثاني في حكم القبض والطوارئ قبله
القبض ركن في لزوم الرهن. ولو رهن ولم يقبض، فله ذلك. فإن كان شرط في بيع، فللبائع الخيار. ثم من صح ارتهانه، صح قبضه. وتجري النيابة في القبض جريانها في العقد، لكن لا يصح أن يستنيب الراهن، ولا عبده ومدبره، وأم ولده قطعا، ولا عبده المأذون على أصح الاوجه.

(3/307)


وفي الثالث: إن ركبته ديون، صحت استنابته، لانقطاع سلطة السيد عما في يده كالمكاتب، وإلا، فلا، ويصح استنابة المكاتب، لاستقلاله باليد والتصرف.
فصل صفة القبض هنا في العقار والمنقول، كما سبق في البيع، ويطرد الخلاف في كون التخلية في المنقول قبضا، وعن القاضي: القطع بأنها لا تكفي هنا، لان القبض مستحق هناك. فرع أودع عند رجل مالا، ثم رهنه عنده، فظاهر نصه: أنه لا بد من إذن جديد في القبض، ولو وهبه له، فظاهر نصه: حصول القبض بلا إذن في القبض، وللاصحاب طرق. أصحها: فيهما قولان، أظهرهما: اشتراط الاذن فيهما. والطريق الثاني: تقرير النصين، لان الرهن توثيق، وهو حاصل بغير القبض، والهبة تمليك، ومقصوده الانتفاع، ولا يتم ذلك إلا بالقبض، فكانت الهبة لمن في يده رضا بالقبض. والثالث باعتبار الاذن فيهما، قاله ابن خيران. وسواء شرط الاذن الجديد، أم لا، فلا يلزم العقد ما لم يمض زمان يتأتى فيه صورة القبض. لكن إذا شرط الاذن، فهذا الزمان يعتبر من وقت الاذن. وإن لم يشترطه، فمن وقت العقد. وقال حرملة: لا حاجة إلى مضي هذا الزمان، ويلزم العقد بنفسه، والصحيح الاول. قلت: قوله: قال حرملة معناه: قال حرملة مذهبا لنفسه، لا نقلا عن الشافعي رضي الله عنه، كذا صرح به الشيخ أبو حامد آخرون. وإنما نبهت على هذا، لئلا يغتر بعبارة صاحب المهذب فإنها صريحة، أو كالصريحة، في أن حرملة نقله عن الشافعي رضي الله عنه، فحصل أن المسألة ذات وجهين، لا قولين. والله أعلم. فعلى الصحيح، إن كان المرهون منقولا غائبا، اعتبر زمان يمكن المصير فيه إليه ونقله. وهل يشترط مع ذلك نفس المصير ومشاهدته ؟ فيه أوجه. أصحهما: لا. والثاني: نعم. والثالث: إن كان مما يشك في بقائه، كالحيوان، فإنه معرض

(3/308)


للآفات، اشترط. وإن تيقن بقاؤه، فلا، فإن شرطنا الحضور والمشاهدة، فالمذهب أنه لا يشترط مع ذلك نقله، فإن شرطنا النقل، أو المشاهدة، فهل يصح التوكيل فيه ؟ فيه وجهان. أصحهما: الصحة، كابتداء القبض. والثاني: لا، لان ابتداء القبض له، فليتمه. فرع لو ذهب ليقبضه، فوجده قد ذهب من يده، نظر، إن أذن له في القبض بعد العقد، فله أخذه حيث وجده، وإلا، لم يأخذه حتي يقبضه الراهن، سواء شرطنا الاذن الجديد، أم لا، كذا قاله ابن عبدان، وكأنه صوره فيما إذا علم خروجه من يده قبل العقد. أما إذا خرج بعده ولم يشترط الاذن الجديد، فقد جعلنا الرهن ممن هو في يده إذنا في القبض، فليكن كما لو استأنف إذنا. فرع إذا رهن الاب مال الطفل عند نفسه، أو ماله عند الطفل، ففي اشتراط مضي زمان يمكن فيه القبض، وجهان. فإن شرطناه، فهو كرهن الوديعة عند المودع، فيعود الخلاف المذكور. وقصد الاب قبضا وإقباضا، كالاذن الجديد هناك. فرع إذا باع المالك الوديعة، أو العارية ممن في يده، فهل يعتبر زمان إمكان القبض لجواز التصرف وانتقال الضمان ؟ وجهان. أصحهما: نعم. ثم اشتراط المشاهدة والنقل، كما سبق في الرهن والهبة، فعلى هذا، هل يحتاج إلى إذن في القبض ؟ نظر، إن كان الثمن حالا ولم يوفه، لم يحصل على القبض إلا بإذ البائع، فإن وفاه أو كان مؤجلا، فالمذهب: أنه لا يحتاج إليه، وبهذا قطع الجمهور. وقيل: هو كالرهن، والفرق على المذهب: أن القبض مستحق في البيع، فكفى دوامه. فرع إذا رهن المالك ماله عند الغاصب، أو المستعير، أو المستام، أو الوكيل، صح.

(3/309)


والقول في افتقار لزومه إلى مضي زمان يتأتي فيه القبض، وإلى إذن جديد في القبض، على ما ذكرناه في رهن الوديعة عند المودع. وقيل: لا بد في الغصب من إذن قطعا، لعدم الاذن في أول اليد. وإذا رهن عند الغاصب، لا يبرأ من الضمان، فإن أراد البراءة، رده إلى الراهن، ثم له الاسترداد بحكم الارتهان. فإن امتنع الراهن من قبضه، فله إجباره. ولو أراد الراهن إجبار المرتهن على رده إليه، ثم يرده هو عليه، لم يكن له ذلك على الاصح، وبه قال القاضي، إذ لا غرض له في براءة ذمة المرتهن. وإن أودعه عند الغاصب، برئ على الاصح، لان مقصود الايداع، الائتمان، والضمان والامانة لا يجتمعان، فإنه لو تعدى في الوديعة، لم يبق أمينا، بخلاف الرهن، فإنه يجتمع هو والضمان، فإنه لو تعدى في الرهن، صار ضامنا وبقي الرهن. والاجارة، والتوكيل، والقراض على المال المغصوب، وتزويجه للجارية التي غصبها لا يفيد البراءة على المذهب. ولو صرح بإبراء الغاصب من ضمان الغصب، والمال باق في يده، ففي براءته ومصير يده يد أمانة، وجهان أصحهما لا يبرأ. قلت: قطع صاحب الحاوي بأنه يبرأ، وصححه البغوي، قال صاحبا الشامل والمهذب: هو ظاهر النص. والله أعلم. فرع لو رهن العارية عند المستعير، أو المقبوض بالسوم، أو بشراء فاسد عند قابضه، لم يبرأ على الاصح. قلت: قال صاحب الشامل: إذا رهن العارية عند المستعير، لم يزل ضمانها، وكان له الانتفاع بها. فإن منعه الانتفاع، ففي زوال الضمان وجهان. وقال في الحاوي: في بطلان العارية وجهان. أحدهما: لا تبطل، وله

(3/310)


الانتفاع. فعلى هذا، يبقى الضمان. والثاني: تبطل العارية، وليس له الانتفاع، ويسقط الضمان. والله أعلم.
فصل في الطوارئ المؤثرة في العقد قبل القبض وهي ثلاثة أنواع. الاول: ما ينشؤه الراهن من التصرفات، فكل مزيل للملك، كالبيع، والاعتاق، والاصداق، وجعله أجرة، والرهن، والهبة مع القبض والكتابة، والوطئ مع الاحبال، يكون رجوعا عن الرهن إذا وجد قبل القبض. والتزويج، والوطئ بلا إحبال، ليس برجوع، بل رهن المزوجة ابتداء جائز. وأما الاجارة، فإن جوزنا رهن المستأجر وبيعه، فليس برجوع، وإلا، فرجوع على الاصح. والتدبير، رجوع على الصحيح المنصوص. قلت: قال أصحابنا العراقيون وصاحب التتمة: إن كانت الاجارة إلى مدة تنقضي قبل محل الدين، لم يكن رجوعا قطعا، وإلا فعلى الخلاف والبناء المذكور. والاصح على الجملة: أنها ليست رجوعا مطلقا، ونص عليه في الام وقطع به الشيخ أبو حامد والبغوي. والله أعلم. النوع الثاني: ما يعرض للمتعاقدين، فإن مات أحدهما قبل القبض، فنص: أنه يبطل بموت الراهن دون المرتهن، وفيهما طرق. أصحها. فيهما قولان. أظهرهما: لا يبطل فيهما، لان مصيره إلى اللزوم، فلا يبطل بموتهما كالبيع. والثاني: يبطل، لانه جائز، فبطل كالوكالة. والطريق الثاني: تقرير النصين، لان المرهون بعد موت الراهن، ملك لوارثه. وفي إبقاء الرهن ضرر عليهم، وفي موت ا لمرتهن يبقى الدين والوارث محتاج إلى الوثيقة حاجة ميته. والثالث: القطع بعدم البطلان فيهما. فإذا قلنا بالقولين، فقيل: هما مختصان برهن التبرع. فأما المشروط في بيع، فلا يبطل قطعا لتأكده. والمذهب: طردهما في النوعين، وبه قال الجمهور.

(3/311)


فإذا أبقينا الرهن، قام وارث الراهن مقامه في الاقباض، ووارث المرتهن في القبض، وسواء أبطلناه أم لا، ولم يتحقق الوفاء بالرهن المشروط، ثبت الخيار في فسخ البيع. ولو جن أحدهما، أو أغمي عليه قبل القبض، فإن قلنا: لا يبطل بالموت، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. فإن لم نبطله، فجن المرتهن، قبض من ينظر في ماله. فإن لم يسلمه الراهن وكان مشروطا في بيع، فعل ما فيه المصلحة من الفسخ والاجازة. وإن جن الراهن، فإن كان مشروطا في بيع، وخاف الناظر فسخ المرتهن إن لم يسلمه، والحظ في الامضاء، سلمه. وإن لم يخف، أو كان الحظ في الفسخ، أو كان رهن تبرع، لم يسلمه، كذا أطلقوه، ومرادهم: إذا لم يكن ضرورة ولا غبطة، لانهما تجوزان رهن مال المجنون ابتداء، فالاستدامة أولى. ولو طرأ على أحدهما حجر سفه، أو فلس، لم يبطل على المذهب. النوع الثالث: ما يعرض في المرهون. فلو رهن عصيرا وأقبضه، فانقلب في يد المرتهن خمرا، بطل الرهن على الصحيح، وبه قطع الجمهور، لخروجه عن المالية. وقيل: إن عاد خلا، بان أن الرهن لم يبطل، وإلا، بأن بطلانه، فإن أبطلنا، فلا خيار للمرتهن إن كان مشروطا في بيع لانه حدث في يده، فإن عاد خلا، عاد الرهن على المشهور، كما يعود الملك. ومرادهم ببطلانه أولا: إرتفاع حكمه ما دام خمرا، ولم يريدوا اضمحلال أثره بالكلية. ولو رهن شاة فماتت في يد المرتهن، فدبغ جلدها، لم يعد رهنا على الاصح، واختاره الاكثرون، لان ماليته حدثت بالمعالجة، بخلاف الخمر، ولان العائد غير ذلك الملك. ولو انقلب خمرا قبل القبض، ففي بطلانه البطلان الكلي، وجهان.

(3/312)


أحدهما: نعم، لاختلاله في حال ضعف الرهن، وعدم لزومه. والثاني: لا، كما بعد القبض. ومقتضى كلامهم، ترجيح هذا. قلت: قد قطع صاحبا الشامل والبيان بالاول، ولكن في الثاني أصح، وصححه في المحرر. والله أعلم. قال في التهذيب وعلى الوجهين لو كان مشروطا في بيع، ثبت الخيار للمرتهن، لان الخل دون العصير. ولا يصح الاقباض في حال الخمرية، فلو فعل وعاد خلا، فعلى الوجه الثاني: لا بد من استئناف قبض، وعلى الاول: لا بد من استئناف عقد، ثم القبض فيه على ما ذكرنا فيما إذا رهنه ما هو في يده. فرع لو انقلب المبيع خمرا قبل القبض، فالكلام في انقطاع البيع وعوده إذا عاد خلا على ما ذكرناه في انقلاب العصير المرهون خمرا بعد القبض. قلت: هذا هو المذهب، وبه قال الاكثرون، وقطع جماعة من العراقيين، منهم صاحب الشامل بأنه يبطل البيع، وفرقوا بينه وبين الرهن بعد القبض، بأن الرهن عاد تبعا لملك الراهن، وهنا يعود ملك البائع لعدم البيع، ولا يصح أن يبيع ملك المشتري. والله أعلم. ولو جنى المرهون قبل القبض، وتعلق برقبته أرش، وقلنا: رهن الجاني إبتداء فاسد، ففي بطلان الرهن وجهان، كتخمر العصير، وهنا أولى بعدم البطلان، لدوام الملك في الجاني. قال الامام: وإباق المرهون قبل القبض يخرج على وجهين، لانه انتهى إلى حاله تمنع ابتداء الرهن. قلت: أصحهما: لا يبطل، وصححه في المحرر. والله أعلم.
فصل في تخلل الخمر وتخليلها
الخمر نوعان. أحدهما: محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها ليصير خلا، وإنما كانت

(3/313)


محترمة، لان إتخاذ الخل جائز بالاجماع، ولا ينقلب العصير إلى الحموضة إلا بتوسط الشدة، فلو لم يحترم وأريق في تلك الحال، لتعذر إتخاذ الخل. النوع الثاني: غير محترمة، وهي التي اتخذ عصيرها للخمرية. ثم في النوعين مسائل. إحداها: تخليل الخمر بطرح العصير، أو الملح، أو الخل، أو الخبز الحار، أو غيرها (فيها) حرام. والخل الحاصل منها نجس لعلتين إحداهما: تحريم التخليل. والثانية: نجاسة المطروح بالملاقاة، فتستمر نجاسته، إذ لا مزيل لها، ولا ضرورة إلى الحكم بانقلابه طاهرا، بخلاف أجزاء الدن. ثم سواء في هذا الخمر المحترمة وغيرها، والمطروح قصدا، أو إتفاقا، كإلقاء الريح. وفي وجه: يجوز تخليل المحترمة. وفي وجه: تطهر إذا طرح تعبير على حساب قصد. والصحيح: الاول. ولو طرح في العصير بصلا، أو ملحا، واستعجل به الحموضة بعد الاشتداد، فوجهان. أحدهما: يطهر، لانه لاقاه في حال طهارته كأجزاء الدن. وأصحهما: لا، لان المطروح تنجس بالتخمر، فيستمر، بخلاف أجزاء الدن للضرورة. ولو طرح العصير على الخل، وكان العصير غالبا يغمر الخل عند الاشتداد، ففي طهارته إذا انقلب خلا هذان الوجهان. ولو كان الخل غالبا يمنع العصير من الاشتداد، فلا بأس. المسألة الثانية: إمساك المحترمة لتصير خلا، جائز، وغير المحترمة يجب إراقتها. فلو لم يرقها فتخللت، طهرت، لان النجاسة والتحريم للشدة، وقد زالت، وحكي وجه: أنه لو أمسك غير المحترمة فتخللت، لم تطهر. وحكى الامام عن بعض الخلافيين: أنه لا يجوز إمساك المحترمة، بل طريقه

(3/314)


أن يعرض عن العصير إلى أن يصير خلا، فإن اتفق رؤيته إياه خمرا، أراقه، وهذان شاذان منكران. فرع متى عادت الطهارة بالتخلل، طهرت أجزاء الظرف للضرورة، وعن الداركي: إن لم يتشرب شيئا من الخمر كالقوارير، طهر، وإلا، فلا، والصواب المعروف: الطهارة مطلقا. وكما يطهر ما يلاقي الخل بعد التخلل، يطهر ما فوقه مما أصابه الخمر في حال الغليان، قاله القاضي حسين، وأبو الربيع الايلاقي. قلت: هو بكسر الهمزة، وبالياء المثناة تحت، وبالقاف منسوب إلى إيلاق، وهي ناحية من بلاد الشاش، واسم أبي الربيع هذا: طاهر بن عبد الله، إمام جليل، من أصحاب القفال المروزي، وأبي إسحاق الاسفراييني. والله أعلم. الثالثة لو كان ينقلها من الظل إلى الشمس وعكسه، أو يفتح رأسها ليصيبها الهواء إستعجالا للحموضة، طهرت على الاصح، وقال أبو سهل الصعلوكي: لا تطهر، والمحترمة أولى بالطهارة. فرع عن الشيخ أبي علي، خلاف في صحة بيع الخمر المحترمة، بناء على الخلاف في طهارتها، وقد سبق في الهارة. وإذا استحالت أجواف حبات العناقيد خمرا، ففي بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها، وتوقع طهارة باطنها، وجهان، وطردوهما في البيضة المستحيل باطنها دما، والصحيح: المنع.
الباب الثالث في حكم المرهون بعد القبض فيه ثلاثة أطراف.
الاول: في جانب الراهن، وهو ممنوع من كل تصرف يزيل الملك وينقل

(3/315)


العين، كالبيع والهبة ونحوهما. ومما يزحم المرتهن في مقصود الرهن، وهو الرهن عند غيره، ومن كل تصرف ينقص المرهون، أو يقلل الرغبة فيه، كالتزويج. قلت: فلو خالف فزوج العبد أو الامة المرهونين، فالنكاح باطل، صرح به القاضي أبو الطيب، لانه ممنوع منه، وقياسا على البيع. والله أعلم. وأما الاجارة، فإن كان الدين حالا أو مؤجلا يحل قبل انقضاء مدتها، بطلت الاجارة على المذهب، وبه قطع الجمهور، وقيل: إن جوزنا بيع المستأجر، صحت، وإلا فلا، وقال في التتمة: تبطل في قدر الاجل. وفي الزائد قولا تفريق الصفة. ولم يفصل الجمهور، بل أطلقوا القول بالبطلان. وإن كان الاجل يحل بعد انقضائها مدة الاجارة أو معها، صحت قطعا. فإن حل قبل انقضاء بموت الراهن، فوجهان. أحدهما: تنفسخ الاجارة رعاية لحق المرتهن، لانه أسبق، ويضارب المستأجر بالاجرة المدفوعة مع الغرماء. والثاني وهو اختيار ابن القطان: أن المرتهن يصبر إلى انقضاء مدة الاجارة، كما يصبر الغرماء إلى انقضاء العدة لتستوفي المعتدة حق السكنى جمعا بين الحقين. وعلى هذا، يضارب المرتهن بدينه في الحال. فإذا انقضت المدة وبيع المرهون، قضي باقي دينه. فإن فضل شئ، فللغرماء. هذا كله إذا أجر لغير المرتهن. فلو أجره، جاز ولا يبطل الرهن، وكذا لو كان مستأجره فرهنه عنده، جاز. فلو كانت الاجارة قبل تسليم الرهن، ثم سلمه عنهما جميعا، جاز. ولو سلم عن الرهن، وقع عنهما جميعا، لان القبض في الاجارة مستحق. ولو سلم عن الاجارة، لو يحصل قبض الرهن. وما قدمناه من منع الراهن [ من ] البيع وسائر التصرفات. والحكم بإبطالها، هو الجديد المشهور. وعلى القديم المجوز وقف العقود: تكون هذه التصرفات موقوفة على الفكاك وعدمه، ومال الامام إلى تخريجها

(3/316)


على الخلاف في بيع المفلس ماله، وسيأتي إن شاء الله تعالى. فرع إذا أعتق الراهن المرهون، ففي تنفيذه ثلاثه أقوال. أظهرها: الثالث، وهو إن كان موسرا، نفذ، وإلا، فلا، فإن قلنا: لا ينفذ، فالرهن بحاله، فلو انفك بإبداء أو غيره، فقولان، أو وجهان، أصحهما: لا ينفذ، لانه أعتق وهو لا يملك إعتاقه، فأشبه ما لو أعتق المحجور عليه بسفه، ثم زال حجره. وقطع جماعة بالنفوذ. وإن بيع في الدين ثم ملكه، لم يعتق على المذهب. وقيل: على الخلاف. وإن قلنا: ينفذ مطلقا، لزم الراهن قيمته يوم الاعتاق، فإن كان موسرا، أخذت في الحال، وجعلت رهنا مكانه، وإلا، أمهل إلى اليسار، فإذا أيسر، أخذت وجعلت رهنا إن لم يحل الدين، وإن حل، طولب به، ولا معنى للرهن، كذا قاله العراقيون. ولك أن تقول: كما أن ابتداء الرهن قد يكون بالحال، وقد يكون بالمؤجل، فكذا قد تقتضي المصلحة أخذ القيمة رهنا وإن حل إلى تيسر الاستيفاء. قال الامام: ومهما بذل القيمة على قصد الغرم، صارت رهنا ولا حاجة إلى عقد مستأنف، والاعتبار بقصد المؤدي. ومتى كان موسرا، وقلنا: ينفذ مطلقا، أو من الموسر، ففي وقت نفوذه طريقان. أحدهما: على الاقوال في وقت

(3/317)


نفوذ عتق نصيب شريكه. ففي قول: يتعجل. وفي قول: يتأخر إلى دفع القيمة. وفي قول: يتوقف. فإذا غرم، أسندنا العتق تبينا. والطريق الثاني، وهو المذهب: القطع بنفوذه في الحال. والفرق: أن العتق هناك إلى ملك غيره، فلا يزول إلا بقبضه قيمته، وهنا يصادف ملكه. قلت: قوله: إذا كان موسرا، ففيه طريقان، إشارة إلى أن المعسر إذا نفذنا عتقه، يعتق في الحال بلا خلاف، وبهذا صرح الشيخ أبو حامد، وصاحب الشامل وغيرهما. والله أعلم. فرع لو علق عتقه بفكاك الرهن، نفذ عند الفكاك، إذ لا ضرر على المرتهن. وإن علق بصفة أخرى، فإن وجدت قبل فكاك الرهن، ففيه أقوال التنجيز. وإن وجدت بعده، نفذ على الاصح. فرع لو رهن نصف العبد ثم أعتق نصفه، فإن أضاف العتق إلى النصف المرهون، ففيه الاقوال. وإن أضافه إلى النصف الآخر، أو أطلق، عتق ما ليس بمرهون، ويسري إلى المرهون إن نفذنا إعتاقه، وكذا إن لم ننفذه على الاصح لانه يسري إلى ملك غيره، فملكه أولى. وعلى هذا، يفرق بين الموسر والمعسر على الاصح، حكاه الامام عن المحققين، وجزم في التتمة بأن لا فرق لانه ملكه. قلت: إذا أعتق المرهون عن كفارته، أجزأه إن قلنا: ينفذ إعتاقه. وإن أعتقه عن كفارة غيره، فلا يعتق، لانه بيع، قاله القاضي حسين في الفتاوى. والله أعلم. فرع وقف المرهون، باطل على المذهب. وقيل: على الاقوال. وقال في التتمة إن قلنا: لا يحتاج إلى القبول، فكالعتق، وإلا فباطل. فصل ليس للراهن وطئ المرهونة بكرا كانت أو ثيبا، عزل، أم لا.

(3/318)


وفي وجه ضعيف: يجوز وطئ ثيب لا تحبل لصغر، أو إياس، ووطئ الحامل من الزنا، ولكن وطئ الحامل من الزنا، مكروه مطلقا. قلت: وفي وجه: يحرم. والله أعلم. فلو خالف فوطئ، فلا حد ولا مهر، وعليه أرش البكارة إن افتضها. فإن شاء جعله رهنا، وإن شاء قضاه من الدين، فإن أولدها، فالولد نسيب حر، ولا قيمة عليه، وفي مصيرها أم ولد أقوال العتق، وهنا أولى بالنفوذ عند الاكثر، لقوة الاحبال. وقيل: عكسه، لان العتق أقوى من جهة، فإنه تنجز به الحرية، بخلاف الاستيلاد. وقيل: هما سواء. وإن شئت قالت: فيه ثلاثة طرق، القطع بالنفوذ، وعدمه، وأصحها وهو الثالث: طرد الاقوال، فإن نفذ بالاستيلاد، لزمه القيمة، والحكم على ما سبق في العتق، وإلا، فالرهن بحاله. فلو حل الحق وهي حامل، لم يجز بيعها على الاصح، لانها حامل بحر. وإذا ولدت لا تباع حتى تسقي الولد اللبأ، ونجد مرضعا خوفا من أن يسافر بها المشتري، فيهلك الولد، فإذا وجدت المرضع، بيعت الام، ولا يبالى بالتفريق بينها وبين الولد للضرورة. ثم إن استغرقها الدين، بيعت كلها، وإلا فيباع قدر الدين وإن أفضى التشقيص إلى نقصان رعاية لحق الاستيلاد، فإن لم يوجد من يشتري البعض، بيع الجميع للضرورة، وإذا بيع بقدر الدين، انفك الرهن عن الباقي واستقر الاستيلاد فيه، وتكون النفقة على المشتري والمستولد بحسب النصيبين، ويكون الكسب بينهما. ومتى عادت إلى ملكه بعد بيعها في الدين، نفذ الاستيلاد على الاظهر. وقيل: قطعا. ولو انفك رهنها من غير بيع، نفذ الاستيلاد على المذهب. وقيل: هو كما لو بيعت ثم ملكها. وليس للراهن أن يهب هذه الجارية للمرتهن، وإنما تباع في الحق للضرورة، وهذا معنى قول الائمة: الاستيلاد ثابت في حق الراهن. وإنما الخلاف في ثبوته في حق المرتهن. فرع لو ماتت هذه الجارية بالولادة. وقلنا: الاستيلاد لا ينفذ، لزمه قيمتها

(3/319)


على الصحيح، فتكون رهنا مكانها. ولو أولد أمة غيره بشبهة وماتت بالولادة، وجبت قيمتها على الصحيح. ولو كانت حرة، لم تجب الدية على الاصح، لان الوطئ سبب ضعيف، وإنما أوجبنا الضمان في الامة، لان الوط إستيلاء عليها، والعلوق من آثاره، فأدمنا الاستيلاء كالمحرم إذا نفر صيدا وبقي نفاره إلى الهلاك بالتعثر وغيره. والحرة لا تدخل تحت الاستيلاء. ولو أولد إمرأة بالزنا مكرهة، فماتت بالولادة حرة (كانت) أو أمة، يجب الضمان على الاظهر، لان الولادة غير مضافة إليه، لقطع النسب. ولو ماتت زوجته من الولادة، لم يجب الضمان بلا خلاف، لتولده من مستحق. وحيث أوجبنا ضمان الحرة، فهو الدية على عاقلته. وحيث أوجبنا القيمة، وجب قيمتها يوم الاحبال على الاصح، لانه سبب التلف، كما لو جرح عبدا قيمته مائة، فبقي زمنا حتى مات وقيمته عشرة، لزمه مائة. والوجه الثاني: تجب قيمتها يوم الموت، لانه وقت التلف. والثالث: يجب أكثرهما، كالغصب. ولو لم تمت، ونقصت بالولادة، لزمه الارش. فإن شاء جعله رهنا معها، وإن شاء صرفه في قضاء الدين. فصل للراهن إستيفاء المنافع التي لا تضر بالمرتهن، كسكنى الدار، وركوب الدابة، استكساب العبد، ولبس الثوب، وإلا إذا نقص باللبس، وإنزاء الفحل، إلا إذا نقص قيمته. والانزاء على الانثى، إن كان الدين يحل قبل ظهور الحمل، أو تلد قبل حلوله. فإن كان يحل بعد ظهوره وقبل الولادة، فإن قلنا: الحمل لا يعرف، جاز أيضا، لانها تباع مع الحمل. وإن قلنا: يعرف هو الاظهر،

(3/320)


لم يجز، لانه لا يمكن بيعها دون الحمل، وهو غير مرهون. وليس له البناء في الارض المرهونة، ولا الغراس، وفي وجه: يجوز إن كان الدين مؤجلا، والصحيح: المنع. والزرع إن نقص قيمة الارض لاستيفاء قوتها، ممنوع. وإن لم ينقص وكان بحيث يحصد قبل حلول الاجل، فلا [ منع ]. فلو تأخر الادراك لعارض، ترك إلى الادراك. وإن كان بحيث يحصد بعد الحلول، أو كان الدين حالا، منع على المشهور، لانه تقل الرغبة في المزروعة. وفي قول: لا منع، ويجبر على القطع عند المحل إن لم يف قيمتها مزروعة دون الزرع بالدين. ولو غرس أو بنى حيث منعناه، لم يقلع قبل حلول الاجل على الصحيح، فلعله يقضي الدين من غيره. وأما بعد حلول الاجل والحاجة إلى البيع، فيقلع إن لم تف قيمة الارض بدينه، وزادت بالقلع. فلو صار الراهن محجورا عليه بالافلاس، ففي القلع وجهان، بخلاف ما لو نبت النخل من نوى حمله السيل، حيث جزمنا بأنه لا يقلع في مثل هذه الحالة، لانا منعناه هنا. فصل اليد على المرهون، مستحقة للمرتهن لانها مقصود التوثق. فما لا منفعة فيه مع بقاء عينه، كالنقود والحبوب، لا تزال يد المرتهن عنه. وأما غيره، فإن أمكن تحصيل الغرض مع بقائه في يد المرتهن، تعين فعله جمعا بين الحقين، وإنما تزال يده عند إشتداد الحاجة إليه. فإن كان العبد مكتسبا وتيسر إستكسابه هناك، لم يخرج من يده إن أراد الراهن الاستكساب. فإن أراد الاستخدام أو الركوب أو غيرهما من الانتفاع المحوج إلى إخراجه من يده، ففي قول قديم: لا يخرج، والمشهور: أنه يخرج. ثم إن استوفى تلك المنافع بإعارة لعدل، أو إجارة بشرطها السابق، فله ذلك. وإن أراد استيفاءها

(3/321)


بنفسه، قال في الام: له ذلك، ومنعه في القديم، فحمل حاملون الاول على الثقة المأمون جحوده. والثاني: على غيره. وقال آخرون: هما قولان مطلقا، وهذا أصح. قلت: المذهب: جوازه مطلقا. والله أعلم. وفرع الامام والغزالي على الجواز: أنه إن وثق المرتهن بالتسليم، فذاك، وإلا أشهد عليه شاهدين أنه يأخذه للانتفاع، فإن كان موثوقا به عند الناس، مشهور العدالة، لم يكلف الاشهاد في كل أخذة على الاصح. فإن كان المرهون جارية، فأراد أخذها للاستخدام، لم يمكن منه، إلا إذا أمن غشيانه، بأن كان محرما، أو ثقة وله أهل. ثم إن كان له إخراج المرهون من يد المرتهن لمنفعة يدوم إستيفاؤها، فذاك. وإن كانت تستوفى (في) بعض الاوقات، كالركوب، والاستخدام، إستوفي نهارا، ورد إلى المرتهن ليلا. فرع ليس للراهن المسافرة به بحال وإن قصر سفره، لما فيه من الخطر. ولهذا منع زوج الامة من السفر بها. وإنما جاز لسيدها السفر بها لحقه المتعلق بالرقبة، ولئلا يمتنع من تزويجها، ويجوز للحر السفر بزوجته الحرة. فرع كلام الغزالي يدل على أنه لا ينتزع العبد من يد المرتهن إذا أمكن استكسابه وإن طلب الراهن خدمته، ولم يتعرض إلا الاكثر لذلك. ومقتضى كلامهم: أن له الاستخدام مع إمكان الاستكساب. قلت: كلام الغزالي، محمول على موافقة الاصحاب، وقد ذكرت تأويله في شرح الوسيط. والله أعلم. فرع لا تزال يد البائع عن العبد المحبوس بالثمن بسبب الانتفاع، لان ملك المشتري غير مستقر قبل القبض، وملك الراهن مستقر. وهل يستكسب في يده للمشتري، أم تعطل منافعه ؟ فيه خلاف للاصحاب.

(3/322)


قلت: الارجح: إستكسابه. والله أعلم. فرع التصرفات التي منع بها الراهن لحق المرتهن، إذا أذن فيها، نفذت. فإن أذن في الوطئ، حل، فإن لم تحبل، فالمرهون والرهن بحاله. وإن أحبل، أو أعتق، أو باع بالاذن، نفذت وبطل الرهن، وله الرجوع عن الاذن قبل تصرف الراهن. وإذا رجع، فالتصرف بعده تصرف بلا إذن. ولو أذن في الهبة والاقباض، ورجع قبل الاقباض، صح وامتنع الاقباض. ولو أذن في البيع فباع الراهن بشرط الخيار، فرجع المرتهن، لم يصح رجوعه على الاصح، لان البيع مبني على اللزوم. ولو رجع عن الاذن ولم يعلم الراهن، فتصرف لم ينفذ على الاصح. ومتى أحبل، أو أعتق، أو باع وادعى الاذن، فالقول قول المرتهن مع يمينه. فإن حلف، فتصرفه بغير إذن. وإن نكل، فحلف الراهن، فهو كالتصرف بالاذن. فإن نكل الراهن، ففي رد اليمين على الجارية والعبد، طريقان. أحدهما: على القولين في الرد على الغرماء إذا نكل الوارث وأصحهما: القطع بالرد، لان الغرماء يثبتون الحق إبتداء للميت، وهذان يثبتان لانفسهما. ولو إختلف الراهن وورثة المرتهن، حلفوا على نفي العلم. ولو اختلف المرتهن وورثه الراهن، حلفوا يمين الرد على البت. وفي ثبوت إذن المرتهن برجل و إمرأتين، وجهان حكاهما إبن كج، القياس: المنع، كالوكالة. فرع لو حصل عند المرهونة ولد، فقال الراهن: وطئتها بإذنك فأتت بهذا الولد مني وهي أم ولد، فقال المرتهن: بل هو من زوج أو زنى، فالقول قول الراهن بلا

(3/323)


يمين، لانه إذا أقر بكون الولد منه، لم يقبل رجوعه، فلا يحلف، وإنما يقبل قوله بشرط أن يسلم له المرتهن أربعة أشياء، وهي: الاذن في الوطئ، وأنه وطئ، وأنها ولدت، وأنها مضت مدة إمكان الولد منه. فإن أنكر واحدا من الاربعة، فالقول قوله، لان الاصل عدمه. وفي وجه: القول قول الراهن في الوطئ، ولو لم يتعرض المرتهن لهذه الاشياء منعا وتسليما، واقتصر على إنكار الاستيلاد، فالقول قوله، وعلى الراهن إثبات هذه الاشياء. فرع لو أعتق أو وهب بإذن المرتهن، بطل حقه من الرهن، سواء كان دينه حالا أو مؤجلا، وليس عليه أن يجعل قيمته رهنا مكانه. ولو باع بإذنه والدين مؤجل، فكذلك. وإن كان حالا، قضى حقه من ثمنه، وحمل إذنه المطلق على البيع لغرضه. ولو أذن بشرط أن يجعل الثمن رهنا مكانه، فقولان، سواء كان الدين حالا، أو مؤجلا. أظهرهما: يبطل الاذن والبيع. والثاني: يصحان، ويلزم الراهن ا لوفاء بالشرط. ولو أذن في الاعتاق بشرط جعل القيمة رهنا، أو في الوطئ بهذا الشرط، إن أحبل، ففيه القولان. ولو أذن في البيع بشرط أن يجعل حقه من ثمنه وهو مؤجل، فالصحيح المنصوص: فساد البيع والاذن، لفساد الشرط. وفي قول مخرج: يصحان، ويجعل الثمن رهنا مكانه. ولو اختلفا فقال المرتهن: أذنت بشرط أن ترهن الثمن، فقال الراهن: بل أذنت مطلقا، فالقول قول المرتهن. ثم إن كان الاختلاف قبل البيع، فليس له البيع. وإن كان بعده، وحلف المرتهن، فإن صححنا الاذن، فعلى الراهن رهن الثمن، وإلا، فإن صدق المشتري المرتهن، فالبيع باطويبقى مرهونا. وإن كذبه، نظر، إن أنكر أصل الرهن، حلف، وعلى الراهن أن يرهن قيمته، وإن أقر بكونه مرهونا، وادعى مثل ما ادعاه الراهن، فعليه رد المبيع ويمين المرتهن حجة عليه. قال الشيخ أبو حامد: ولو أقام المرتهن بينة أنه كان مرهونا، فهو كإقرار المشتري به. فرع منقول عن الام لو أذن المرتهن للراهن في ضرب العبد

(3/324)


المرهون، فهلك في الضرب، فلا ضمان، لانه تولد من مأذون فيه، كما لو أذن في الوطئ وأحبل. ولو قال: أدبه، فضربه فهلك، لزمه الضمان. فصل الديون التي على الميت، تتعلق بتركته قطعا. وقد سبق في آخر باب زكاة الفطر، أن هذا التعلق لا يمنع الارث على الصحيح. فعلى هذا، في كيفيته قولان، ويقال: وجهان. أحدهما: كتعلق الارش برقبة الجاني. وأظهرهما: كتعلق الدين بالمرهون، لان الشارع إنما أثبت هذا التعلق نظرا للميت، لتبرأ ذمته، فاللائق به، أن لا يسلط الوارث عليه. فلو أعتق الوارث أو باع وهو معسر، لم يصح قطعا، سواء جعلناه كالجاني أو كالمرهون. ويجئ في الاعتاق خلاف، فإن كان موسرا، نفذ في وجه، بناء على تعلق الارش، ولا ينفذ في وجه، بناء على تعلق المرهون. وفي وجه: هما موقوفان. فإن قضي الدين، تبينا نفوذهما، وإلا، فلا. ولا فرق بين كون الدين مستغرقا للتركة، أو أقل منها على الاصح على قياس المرهون. والثاني: إن كان الدين أقل، نفذ تصرف الوارث إلى أن لا يبقى إلا قدر الدين، لان الحجر في مال كثير لشئ حقير، بعيد. وإذا حكمنا ببطلان تصرف الوارث، فلم يكن على التركة دين ظاهر، فتصرف، ثم ظهر دين، بأن كان باع شيئا وأكل ثمنه، فرد بالعيب، ولزم رد الثمن، أو سقط ساقط في بئر كان احتفرها عدوانا، فوجهان. أحدهما: تبين فساد التصرف لتقدم سبب الدين، فألحق بالمقارن. وأصحهما: لا يفسد. فعلى هذا، إن أدى الوارث الدين، وإلا، فوجهان. أصحهما: يفسخ ذلك التصرف ليصل الى المستحق حقه. والثاني: لا، بل يطالب الوارث بالدين، ويجعل كالضامن، وللوارث على كل حال أن يمسك عين التركة ويؤدي الدين من خالص ماله. ولو كان الدين أكثر من التركة، فقال الوارث: آخذها بقيمتها، وأراد الغرماء

(3/325)


بيعها لتوقع زيادة راغب، أيهما يجاب ؟ وجهان. أصحهما: الوارث. وفي تعلق حق الغرماء بزوائد التركة، كالكسب والنتاج، خلاف مبني على أن الدين يمنع الارث، أم لا ؟ إن منع، تعلق، وإلا، فلا. قلت: سواء تصرف الوارث في جميع التركة أو في بعضها، ففيه الخلاف السابق، وسواء علم الوارث بالدين المقارن، أم لا، قاله الشيخ نصر المقدسي، لان ما يتعلق بحقوق الآدميين، لا يختلف به. والله أعلم.
الطرف الثاني : في جانب المرتهن، وهو مستحق لليد بعد لزوم الرهن، ولا تزال يده إلا للانتفاع كما سبق، ثم يرد إليه ليلا، وإن كان العبد ممن يعمل ليلا كالحارس، رد إليه نهارا. ولو شرطا في الابتداء وضعه في يد ثالث، جاز فإن شرطا عند إثنين، ونصا على أن لكل واحد منهما الانفراد بالحفظ، أو على أن يحفظاه معا في حرر، اتبع الشرط. وإن أطلقناه، فوجهان. أصحهما: ليس لاحدهما أن ينفرد بالحفظ. كما لو أوصى إلى رجلين، أو وكل رجلين في شئ لا يستقل أحدهما، فعلى هذا يجعلانه في حرز لهما. والثاني: يجوز الانفراد لئلا يشق عليهما، فعلى هذا إن إتفقا على كونه عند أحدهما، فذاك، وإن تنازعا والرهن مما ينقسم، قسم وحفظ كل واحد نصفه، وإلا حفظ هذا مدة، وهذا مدة. ولو قسماه بالتراضي والتفريع على الوجه الثاني، فأراد أحدهما أن يرد ما في يده على صاحبه، ففي جوازه وجهان. قلت: قطع صاحب التهذيب بأنه لا يجوز. والله أعلم. فرع إذا أراد الذي وضعاه عنده الرد، رده إليهما، أو إلى وكيلهما، فإن كانا غائبين ولا وكيل، فهو كرد الوديعة، وسيأتي إن شاء الله تعالى. وليس له دفعه إلى أحدهما بغير إذن الآخر، فإن فعل ضمن واسترد منه إن كان باقيا، وإن تلف في يد المدفوع إليه، نظر، إن دفعه إلى الراهن، رجع المرتهن بكمال قيمته وإن زادت على حقه، ليكون رهنا مكانه، ويغرم من شاء من العدل والراهن، والقرار على الراهن، وإن دفع إلى المرتهن، ضمنا، والقرار على المرتهن، فإن كان الدين حالا وهو من جنس القيمة، جاء الكلام في التقاص، وإن غصب المرتهن الرهن من يد العدل، ضمن. فلو رده إليه برئ. وقيل: لا يبرأ إلا بالرد إلى المالك، أو

(3/326)


بإذن جديد للعدل في أخذه، والصحيح: الاول. وكذا الحكم لو غصب الوديعة من المودع، أو العين المستأجرة من المستأجر، أو المرهونة من المرتهن، ثم رد إليهم. ولو غصب اللقطة من الملتقط، ثم رد إليه، لم يبرأ. ولو غصب من المستعير أو المستام، ثم رده إليه، فوجهان، لانهما مأذونان من جهة المالك، لكنهما ضامنان. فرع لو اتفق المتراهنان على نقل الرهن إلى يد عدل آخر، جاز، وإن طلبه أحدهما، لا يجاب، إلا أن يتغير حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ، أو تحدث بينه وبين أحدهما عداوة، ويطلب نقله، فينقل آخر يتفقان عليه، فإن تشاحا، وضعه الحاكم عند من يراه. ولو كان من وضعاه عنده فاسقا في الابتداء، فازداد فسقا، فهو كما لو حدث فسقه. وكذا لو مات وأراد أحدهما إخراجه من يد وارثه. ولو كان في يد المرتهن فتغير حاله، أو مات، كان للراهن نقله على الصحيح، وفي وجه: لا تزال يد ورثته، لكن إذا لم يرض بيدهم، ضم القاضي إليهم مشرفا. فرع إذا ادعى العدل هلاك الرهن في يده، أو رده، فالقول قوله مع يمينه، كالمودع. ولو أتلف الرهن عمدا، أخذت منه القيمة ووضعت عند آخر. ولو أتلفه مخطئا، أو أتلفه غيره، أخذت القيمة ووضعت عنده، كذا قاله الاكثرون، وذهب الامام إلى أنه لا بد من استحفاظ جديد. وقياسه، أن يقال: لو كان في يد المرتهن، فأتلف وأخذ بدله، كان للراهن أن لا يرضى بيده في البدل.
فصل المرتهن يستحق بيع المرهون عند الحاجة، ويتقدم بثمنه على سائر الغرماء، وإنما يبيعه أو وكيله بإذن المرتهن، فلو لم يأذن المرتهن

(3/327)


وأراد الراهن بيعه، قال له القاضي: ائذن في بيعه وخذ حقك من ثمنه، أو أبرئه. وإن طلب المرتهن بيعه، وأبى الراهن، ولم يقض الدين، أجبره القاضي على قضائه، أو البيع، إما بنفسه، أو وكيله، فإن أصر، باعه الحاكم. ولو كان الراهن غائبا، أثبت الحال عند الحاكم ليبيعه. فإن لم يكن له بينة، أو لم يكن في البلد حاكم، فله بيعه بنفسه كمن ظفر بغير جنس حقه من مال المديون وهو جاحد ولا بينة. فرع لو أذن الراهن للمرتهن في بيعه بنفسه، فباع في غيبة الراهن، فوجهان. أحدهما: يصح البيع كما لو أذن له في بيع غيره. وأصحهما: لا، لانه يبيعه لغرض نفسه، فيتهم في الاستعجال وترك النظر. وإن باعه بحضوره، صح على الصحيح، وهو ظاهر النص لعدم التهمة. وقيل: لا يصح، لانه توكيل فيما يتعلق بحقه، فعلى هذا، لا يصح توكيله ببيعه أصلا، ويتفرع عليه، أنه لو شرط ذلك في إبتداء الرهن، فإن كان الرهن مشروطا في بيع، فالبيع باطل. وإن كان رهن تبرع، فعلى القولين في الشرط الفاسد النافع للمرتهن أنه هل يبطل الرهن ؟ ولو قال للمرتهن: بع المرهون، واستوف الثمن لي، ثم استوفه لنفسك، صح البيع، والاستيفاء للراهن، ولا يحصل الاستيفاء لنفسه بمجرد إدامة اليد والامساك، فلا بد من وزن جديد، أو كيل جديد، كما هو شأن القبض في المقدرات. ثم إذا استوفاه لنفسه بعد ذلك بكيل أو وزن، ففي صحته وجهان ذكرناهما في نظائرهما في البيع، لاتحاد القابض والمقبض. فإن صححنا، برئت ذمة الراهن من الدين، والمستوفى من ضمانه. وإن أبطلنا وهو الاصح، لم يبرأ الراهن، ويدخل المستوفى في ضمانه، لان القبض الفاسد كالصحيح في اقتضاء الضمان. قلت: دخوله في ضمانه، يكون بعد قبضه لنفسه، فأما قبله، فهو في يده أمانة بلا خلاف. وكذا لو نوى إمساكه لنفسه من غير إحداث فعل، فالامانه مستمرة، صرح به الامام والغزالي في البسيط وغيرهما. ولو قبضه لنفسه بفعل

(3/328)


من غير وكيل ولا وزن، دخل في ضمانه، لانه قبض فاسد، فله في الضمان حكم الصحيح. والله أعلم. ولو كانت الصيغة: ثم أمسكه لنفسك، فلا بد من إحداث فعل على الاصح. وعلى الثاني: يكفي مجرد الامساك. ولو قال: بعه لي واستوف الثمن لنفسك، صح البيع، ولم يصح استيفاء الثمن، لانه ما لم يصح القبض للراهن، لا يتصور القبض لنفسه، وهنا بمجرد قبضه يصير مضمونا عليه. ولو قال: بعه لنفسك، فقولان. أظهرهما: أن الاذن باطل، ولا يتمكن من البيع، لانه لا يتصور أن يبيع الانسان مال غيره لنفسه. والثاني: يصح اكتفاء بقوله: بعه، وإلغاء للباقي، ولان السابق أن الفهم منه، الامر بالبيع لغرضه بالتوصل إلى دينه. ولو أطلق وقال بعه، ولم يقل: لي، ولا لنفسك، فوجهان. أصحهما: صحة البيع، كما لو قال لاجنبي: بعه. والثاني: المنع لعلتين. إحداهما: أن البيع مستحق للمرتهن، فكأنه قال: بعه لنفسك. والثانية: التهمة كما سبق. وعلى العلتين، لو كان الثمن مؤجلا وقال: بعه، صح، لانتفائهما. وإن قال: بعه واستوف حقك من ثمنه، جاءت التهمة. وإن قدر له الثمن، لم يصح البيع على العلة الاولى، ويصح على الثانية، وكذا لو كان الراهن حاضرا عند البيع. فرع إذن الوارث لغرماء الميت في بيع التركة، كإذن الراهن للمرتهن، وكذا إذن السيد للمجني عليه في بيع الجاني. فرع إذا وضعا الرهن عند عدل، وشرطا أن يبيعه عند المحل، جاز، وهل يشترط تجديد إذن الراهن ؟ وجهان. أصحهما: لا، لان الاصل بقاؤه. وأما المرتهن، فقال العراقيون: يشترط مراجعته قطعا، لان البيع لايصاله حقه إذا طالب، فليستأذن، فربما أمهل، وربما أبرأ. وعكسه الامام فقال: لا خلاف أنه لا يراجع، لان غرضه توفية الحق، بخلاف الراهن، فإنه قد يبقي العين لنفسه. فرع لو عزل الراهن العدل قبل البيع، إنعزل. ولو عزله المرتهن، فوجهان. أصحهما: لا ينعزل، لانه وكيل الراهن، فإنه المالك. والثاني:

(3/329)


ينعزل، وهو ظاهر النص، كما لو عزله الراهن، لانه يتصرف لهما، ولا خلاف أنه لو منعه من البيع، لم يبع، وكذا لو مات أحدهما. وإذا قلنا: لا ينعزل بعزل المرتهن، فجدد له إذنا، جاز البيع، ولم يشترط تجديد توكيل الراهن. قال في الوسيط ومساق هذا، أنه لو عزله الراهن، ثم عاد فوكله، إشترط إذن جديد من المرتهن، ويلزم عليه أن يقال: لا يعتد بإذن المرتهن قبل توكيل الراهن، ولا بإذن المرأة للوكيل قبل توكيل الولي إياه، والكل محتمل. فرع إذا باع العدل وأخذ الثمن، فهو أمين، والثمن من ضمان الراهن إلى أن يتسلمه المرتهن. فلو تلف في يد العدل، ثم خرج الرهن مستحقا، فالمشتري بالخيار بين أن يرجع بالثمن على العدل أو الراهن، والقرار على الراهن. ولو مات الراهن، فأمر الحاكم العدل أو غيره ببيعه فباعه، وتلف الثمن ثم خرج مستحقا، رجع المشتري في مال الرهن، ولا يكون العدل طريقا في الضمان على الاصح، لانه نائب الحاكم، والحاكم لا يضمن. والثاني: يكون كالوكيل والوصي. وإذا ادعى العدل تلف الثمن في يده، قبل قوله مع يمينه. وإن ادعى تسليمه إلى المرتهن فالقول قول المرتهن مع يمينه. فإذا حلف، أخذ حقه من الراهن، ورجع الراهن على العدل وإن كان قد أذن له في التسليم. ولو صدقه الراهن في التسليم، فإن كان أمره بالاشهاد، ضمن العدل بلا خلاف، لتقصيره. وكذا إن لم يأمره على الاصح، لتفريطه. فلو قال: أشهدت ومات شهودي، وصدقه الراهن، فلا ضمان. وإن كذبه، فوجهان سنذكرهما مع نظائرهما في باب الضمان إن شاء الله تعالى. فرع لو باع العدل بدون ثمن المثل بما لا يتغابن الناس به، أو بثمن مؤجل، أو بغير

(3/330)


نقد البلد، لم يصح. وقيل: بالمؤجل، وهو غلط. ولو سلم المال إلى المشتري، صار ضامنا. فإن كان المبيع باقيا، استرد، وجاز للعدل بيعه بالاذن السابق وإن صار مضمونا عليه. وإذا باعه وأخذ ثمنه، لم يكن الثمن مضمونا عليه، لانه لم يتعد فيه. وإن كان تالفا، فإن باع بغير نقد البلد، أو بمؤجل، فالراهن بالخيار في التغريم من شاء من العدل والمشتري كمال قيمته. وكذا إن باع بدون ثمن المثل على الاظهر. وعلى الثاني: إن غرم العدل، حط النقص الذي كان يحتمل في الابتداء للغبن المعتاد. مثاله، ثمن مثله عشرة، ويتغابن فيه بدرهم، فباعه بثمانية، نغرمه تسعة، ونأخذ الدرهم الباقي من المشتري، كذا نقلوه. وغالب الظن طرد هذا الخلاف في البيع بغير نقد البلد، وفي المؤجل، وإنما اتفق النص على القولين في الغبن، لانه يخالف الامرين الآخرين. ويدل عليه أن صاحب التهذيب وآخرين، جعلوا كيفية تغريم الوكيل إذا باع على صفة من هذه الصفات، وسلم المبيع على هذا الخلاف، وسووا بين الصور الثلاث. ومعلوم أنه لا فرق بين العدل في الرهن وسائر الوكلاء. وعلى كل حال، فالقرار المشتري، لحصول الهلاك عنده. فرع لو قال أحد المتراهنين: بعه بالدراهم، وقال الآخر: بالدنانير، لم يبع بواحد منهما، فيرفعان الامر إلى القاضي ليبيع بنقد البلد، ثم إن كان الحق من نقد البلد، وإلا صرف نقد البلد إليه. فلو رأى الحاكم بيعه بجنس حق المرتهن، جاز. فرع لو باع بثمن المثل، فزاد راغب قبل التفرق، فليفسخ البيع، وليبعه له. فإن لم يفعل، فوجهان. أحدهما: لا ينفسخ البيع، لان الزيادة غير موثوق

(3/331)


بها، وأصحهما الانفساخ، لان المجلس كحال العقد. فعلى هذا، لو بدا للراغب قبل التمكن من بيعه، فالبيع الاول بحاله، وإن كان بعده، بطل، فلا بد من بيع جديد. وفي وجه: إذا بدا له، بان أن البيع بحاله، وهو ضعيف. ولو لم يفسخ العدل، بل باع الراغب، ففي كونه فسخا لذلك البيع، ثم في صحته في نفسه، خلاف سبق في البيع، وأشار الامام إلى أن الوكيل لو باع ثم فسخ البيع، هل يتمكن من البيع مرة أخرى، فيه خلاف. والامر بالبيع من الراغب هنا، تفريع على أنه يتمكن. أو مفروض فيمن صرح له في الاذن بذلك. وأكثر هذه المسائل، تطرد في جميع الوكالات. قلت: قوله فزاد راغب قبل التفرق، فيه نقص، وكان ينبغي أن يقول: قبل انقضاء الخيار، ليعم خياري المجلس والشرط، فإن حكمها في هذا سواء. صرح به صاحب الشامل وغيره. قال أصحابنا: ولو زاد الراغب بعد انقضاء الخيار، لزم البيع، ولا أثر للزيادة، لكن يستحب للعدل أن يستقيل المشتري ليبيعه بالزيادة للراغب، أو لهذا المشتري إن شاء. والله أعلم.
فصل مؤنة الرهن التي يبقى بها، كنفقة العبد وكسوته، وعلف الدابة على الراهن. وفي معناها، سقي الاشجار والكروم، ومؤنة الجداد، وتجفيف الثمار، وأجرة الاصطبل، والبيت الذي يحفظ فيه المتاع المرهون إذا لم يتبرع به من هو في يده، وأجرة من يرد الآبق، وما أشبه ذلك. وحك الامام والمتولي وجهين، في أن هذه المؤن، هل يجبر عليها الراهن حتى يقوم بها من خالص ماله، أصحهما: الاجبار، حفظا للوثيقة. والثاني: عن الشيخ أبي محمد وغيره: لا يجبر، بل يبيع القاضي جزءا منه فيها بحسب الحاجة. وفرع الامام على هذا، أن النفقة لو كانت تأكل الرهن قبل الاجل، ألحق في ذلك بما يفسد قبل الاجل، فيباع ويجعل ثمنه رهنا، وهذا ضعيف، وكذا أصله المفرع عليه. وإذا قلنا بالاصح فلم يكن للراهن شئ، أو لم يكن حاضرا، باع الحاكم جزءا من المرهون واكترى به بيتا يحفظ فيه الرهن، كذا قاله الاصحاب. وأما المؤنات الدائرة، فيشبه أن يقال: حكمها حكم

(3/332)


ما لو هرب الجمل وترك الجمال المستأجرة، أو عجز عن الانفاق عليها. قلت: قال القاضي أبو الطيب: إن قال المرتهن: أنا أنفق عليه لارجع في مال الراهن، أذن له الحاكم. فإن اتفق وأراد أن يكون رهنا بالنفقة والدين، فهو كفدائه المرهون الجاني على أن يكون رهنا بالدين والفداء، وقد نص على جوازه، وفيه طريقان تقدما. والمذهب: الصحة. فإن أنفق بغير إذن الحاكم، فإن أمكنه الحاكم، أو لم يمكنه، ولم يشهد، فلا رجوع، وإن أشهد، فوجهان بناء على هرب الجمال. والله أعلم. فرع لا يمنع الراهن مصلحة في المرهون، كفصده وحجامته، وتوديج الدابة وبزغها والمعالجة بالادوية والمراهم، لكن لا يجبر عليها، بخلاف النفقة. وطرد صاحب التتمة الوجهين في المداواة. ثم إن كانت المداواة مما يرجى نفعه ويؤمن ضرره، فذاك، وإن خيف وغلبت السلامة، فهل للمرتهن منعه ؟ وجهان. قلت: أصحهما: لا. والله أعلم. ويجريان في قطع اليد المتأكلة إذا كان في قطعها وتركها خطر. فإن كان الخطر في الترك دون القطع، فله القطع، وليس له قطع سلعة وأصبع لا خطر في تركها، إذا خيف ضرر، فإن كان الغالب السلامة، فعلى الخلاف. وله ختان العبد والامة في وقت اعتدال الهواء، إن كان يندمل قبل حلول الاجل، لانه ضروري، والغالب منه السلامة. وإن لم يندمل، وكان فيه نقص، لم يجز. وكذا لو كان به عارض يخاف معه من الختان.

(3/333)


قلت: كذا أطلق أكثر الاصحاب، أو كثيرون منهم، جواز الختان من غير فرق بين الصغير والكبير، وصرح المتولي والشيخ نصر، بأنه لا فرق. وقال صاحب المهذب ومن تابعه: يمنع من ختان الكبير دون الصغير، لخوف التلف. وهذا ظاهر نصه في الام والمختصر ويؤيده، أنهم عدوا عدم الختان عيبا في الكبير، دون الصغير، كما سبق. والله أعلم. فرع له تأبير النخل المرهونة. ولو ازدحمت وقال أهل الخبرة: تحويلها أنفع، جاز تحويلها، وكذا لو رأوا قطع البعض لصلاح الاكثر. ثم ما يقطع منها أو يجف، يبقى مرهونا، بخلاف ما يحدث من السعف ويجف، فإنه غير مرهون، كالثمرة، وما كان ظاهرا منها عند الرهن، قال في التتمة: هو مرهون. وقال في الشامل: لا فرق. قلت: قال القاضي أبو الطيب: وما يحصل من الليف، والعراجين والكرب، كالسعف. والكرب بفتح الكاف والراء: أصول السعف. والله أعلم. فرع لايمنع من رعي الماشية وقت الامن، وتأوي ليلا إلى يد المرتهن أو العدل. ولو أراد الراهن أن يبعد في طلب النجعة، وبالقرب ما يبلغ منها مبلغا، فللمرتهن المنع، وإلا، فلا منع، وتأوي إلى يد عدل يتفقان عليه، وإلا، فينصبه الحاكم. وإن أراد المرتهن ذلك، وليس بالقرب ما يكفي، لم يمنع. وكذا لو أراد نقل المتاع من بيت عير محرز إلى محرز. ولو أراد الانتقال من مكانهما، فإن انتقلا إلى أرض واحدة، فذاك، وإلا، جعلت الماشية مع الراهن، ويحتاط ليلا كما سبق.
فصل الرهن أمانة في يد المرتهن، لا يسقط بتلفه شئ من الدين،

(3/334)


ولا يلزمه، ضمانه إلا إذا تعدى فيه. وإذا برئ الراهن من الدين بأداء أو إبراء أو حوالة، بقي الرهن أمانة في يد المرتهن، ولا يصير مضمونا إلا إذا امتنع من الرد بعد المطالبة. وقال ابن الصباغ: ينبغي أن يكون المرتهن بعد الابراء، كمن طيرت الريح ثوبا إلى داره، فيعلم المرتهن به، أو يرده، لانه لم يرض بيده إلا على سبيل الوثيقة. فرع كل عقد اقتضى صحيحه الضمان، فكذلك فاسده. وما لا يقتضي صحيحه الضمان، فكذا فاسده. أما الاول: فلان الصحيح إذا أوجب

(3/335)


الضمان، فالفاسد أولى. وأما الثاني: فلان إثبات اليد عليه بإذن المالك، ولم يلتزم بالعقد ضمانا. فرع لو أعار الراهن المرهون للمرتهن لينتفع به، ضمنه المرتهن، ولو رهنه أرضا، وأذن له في غراسها بعد شهر، فهي بعد الشهر عارية، غرس، أم لا ؟ وقبله أمانة، حتى لو غرس قبله قلع. فرع رهنه مالا على أنه إذا حل الاجل، فهو مبيع له، أو على أنه مبيع له بعد شهر، فالبيع والرهن باطلان، ويكون المال أمانة في يده قبل دخول وقت البيع، وبعده مضمون، لان البيع عقد ضمان. وفي وجه: إنما يصير مضمونا، إذا أمسكه على سبيل الشراء. أما إذا أمسكه على موجب الدين، فلا، والصحيح: الاول. فلو كان أرضا، فغرس فيها المرتهن، أو بنى قبل وقت البيع، قلع مجانا، وكذا لو غرس بعده عالما بفساد البيع. وإن كان جاهلا، لم يقلع مجانا، لوقوعه بإذن المالك وجهله التحريم، فيكون حكمه كما لو غرس المستعير ورجع المعير.

(3/336)


فرع إذا ادعى المرتهن تلف المرهون في يده، قبل قوله مع يمينه. وإن ادعى رده إلى الراهن، قال العراقيون: القول قول الراهن مع يمينه، لانه أخذه لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير، بخلاف دعوى التلف، فإنه لا يتعلق بالاختيار، فلا تساعده فيه البينة. قالوا: وكذا حكم المستأجر إذا ادعى الرد، ويقبل قول المودع والوكيل بغير جعل مع يمينهما. لانهما أمينان متحمضان. وفي الوكيل الجعل. والمضارب والاجير المشترك، إذا لم نضمنه، ذكروا وجهين. أصحهما: يقبل قولهم مع اليمين، لانهم أخذوا العين لمنفعة المالك، وانتفاعهم بالعمل في العين، لا بالعين، بخلاف المرتهن والمستأجر. وهذه الطريقة، هي طريقة أكثر الاصحاب، لاسيما قدماؤهم، وتابعهم الروياني. وقال بعض الخراسانيين من المراوزة وغيرهم: كل أمين يصدق في دعوى الرد، كالتلف. فقد اتفقوا في الطرق، على تصديق جميعهم في دعوى التلف وفي عبارة الغزالي ما يقتضي خلافا فيه، وليس هو كذلك قطعا. فرع لو رهن الغاصب المغصوب عند إنسان، فتلف في يد المرتهن، فللمالك تضمين الغاصب. وفي تضمينه المرتهن، طريقان. قال العراقيون: فيه وجهان. أحدهما: لا، لان يده يد أمانة. وأصحهما: يضمن، لثبوت يده على ما لم يأتمنه مالكه عليه. فعلى هذا، وجهان. أحدهما: يستقر الضمان عليه، لحصول التلف عنده ونزول التلف منزلة الاتلاف في الغصب. وأصحهما: يرجع على الغاصب لتغريره. والطريق الثاني: القطع بتضمين هو عدم الاستقرار، قاله المراوزة ويجري الطريقان في المستأجر من الغاصب، والمستودع، والمضارب، ووكيله في بيعه. وكل هذا إذا جهلوا الغصب، فإن علموا، فهم غاصبون أيضا، والمستعير منه، والمستام، يطالبان ويستقر عليهما الضمان، لانها يد ضمان.

(3/337)


فرع لو رهن بشرط كونه مضمونا على المرتهن، فسد الشرط والرهن، ولا يكون مضمونا عليه لما سبق. فرع قال: خذ هذا الكيس واستوف حقك منه، فهو أمانة في يده قبل أن يستوفي منه، فإذا استوفى، كان مضمونا عليه. ولو كان فيه دراهم، فقال خذه بدراهمك، وكانت الدراهم التي فيه مجهولة القدر، أو كانت من أكثر دراهمه، لم يملكه، ودخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد. وإن كانت معلومة وبقدر حقه، ملكه. ولو قال: خذ هذا العبد بحقك، ولم يكن سلما، فقبل، ملكه. وإن لم يقبل وأخذه، دخل في ضمانه بحكم الشراء الفاسد.
فصل ليس للمرتهن في المرهون إلا حق الاستيثاق، وهو ممنوع من جميع التصرفات القولية والفعلية، ومن الانتفاع. فلو وطئ المرهونة بغير إذن الراهن، فكوطئ غيرها. فإن ظنها زوجته أو أمته، فلا حد، وعليه المهر، والولد نسيب حر، وعليه قيمته للراهن. وإن لم يظن ذلك، ولم يدع جهلا، فهو زان يلزمه الحد، كما لو وطئ المستأجر المستأجرة، ويجب المهر إن كانت مكرهة. وإن طاوعته، فلا على الاصح. وإن ادعى الجهل بالتحريم، لم يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالاسلام، أو نشفي بادية بعيدة عن علماء المسلمين، فيقبل، لدفع الحد. وحكى المسعودي في قبوللثبوت النسب وحرية الولد والمهر، خلافا. والاصح: ثبوت الجميع، لان الشبهة كما تدفع الحد، تثبت النسب والحرية. وإذا سقط الحد، وجب المهر. وإن وطئ بإذن الراهن، فإن علم أنه حرام، لزمه الحد على الصحيح. وإن ادعى جهل التحريم، فوجهان. أحدهما: لا يقبل إلا أن يكون قريب عهد بالاسلام، أو في معناه. وأصحهما: يقبل مطلقا، لانه قد يخفى التحريم مع الاذن. وإذا سقط الحد،

(3/338)


سقط المهر إن كانت مطاوعة، وإلا وجب على الاظهر، لسقوط الحد، وقياسا على المفوضة في النكاح. والثاني لا يجب، لاذن مستحقه، فأشبه زنا الحرة. فإن أولدها بوطئه، فالولد له نسيب حر، وتجب قيمته على المذهب. وقيل: فيه القولان في المهر، ولا تصير الجارية أم ولد له في الحال. فإن ملكها، فقولان، أظهرهما: لا تصير. فرع زعم المرتهن بعد الوطئ أن الراهن كان باعه إياها، أو وهبها له، وأقبضه، وأنكر الراهن، فالقول قول الراهن مع يمينه. فإن حلف، فهي والولد رقيقان له. فإن ملكها المرتهن، فهي أم ولد له، والولد حر لاقراره. فإن نكل الراهن، فحلف المرتهن، فهي أم ولد، والولد حر.
فصل فيما يتعلق به حق الوثيقة وهي متعلقة بعين المرهون قطعا. وأما غير العين، فضربان. أحدهما: بدل العين فلو جنى على المرهون، وأخذ الارش، وانتقل الرهن إليه، كما ينتقل الملك لقيامه مقام الاصل، ويجعل في يد من كان الاصل في يده. وما دام الارش في ذمة الجاني، هل يحكم بأنه مرهون ؟ وجهان. أحدهما: لا، لان الدين لا يكون رهنا. فإذا تعين، صار مرهونا، والحالة المتخللة، كتخمر العصير وتخلله بعد. والثاني: نعم، لانه مال بخلاف الخمر، وإنما يمتنع رهن الدين إبتداء. قلت: الثاني: أرجح، وبالاول قطع المراوزة. والله أعلم.

(3/339)


والخصم في بدل المرهون، هو الراهن. فلو ترك الخصومة، فهل يخاصم المرتهن ؟ قولان. أظهرهما عند الاصحاب: لا، كذا قاله في التهذيب. قلت: وقطع الامام، والغزالي، بأنه يخاصم. والله أعلم. وإذا خاصم الراهن، فللمرتهن حضور خصومته، لتعلق حقه بالمأخوذ. ثم إن أقر الجاني، أو أقام الراهن بينة، أو حلف بعد نكول المدعى عليه، ثبتت الجناية. وإن نكل الراهن، فهل يحلف المرتهن ؟ قولان، كغرماء المفلس إذا نكل. فرع إذا ثبتت الجناية، فإن كانت عمدا، فللراهن أن يقبض ويبطل حق المرتهن. وإن عفا عن القصاص، ثبت المال إن قلنا: مطلق العفو يقتضي المال، وإلا، لم يجب، وهو الاصح، كذا قاله في التهذيب. وإن عفا على أن لا مال، فإن قلنا: يوجب العمد أحد الامرين، لم يصح عفوه عن المال، وإن قلنا: موجبه القود، فإن قلنا العفو المطلق لا يوجب المال، لم يجب شئ، وإن قلنا: يوجبه، فالاصح: أنه لا يجب أيضا، لان القتل لم يوجبه، وإنما يجب بعفوه، وذلك نوع اكتساب، ولا يجب عليه الاكتساب للمرتهن. وإن لم يقبض ولم يعف، فقيل: يجبر على أحدهما. وقيل: إن قلنا: موجب أحد الامرين، أجبر، وإلا، فلا، لانه يملك إسقاطه، فتأخيره أولى بأن يملكه. قلت: ينبغي أن يقال: إن قلنا: إذا عفا على أن لا مال لا يصح، أجبر، وإلا، فلا. والله أعلم. وإن كانت الجناية خطأ، أو عفا ووجب المال، فعفا عنه، لم يصح عفوه على المشهور لحق المرتهن. وفي قول العفو موقوف، ويؤخذ المال في الحال لحق المرتهن، فإن انفك الرهن، رد إلى الجاني، وبان صحة العفو، وإلا بان بطلانه. ولو أراد الراهن المصالحة عن الارش الواجب على جنس آخر، لم يصح إلا بإذن المرتهن. وإذا أذن، صح وكان المأخوذ مرهونا، كذا نقلوه.

(3/340)


ولو أبرأ المرتهن الجاني، لم يصح، لكن لا يسقط حقه من الوثيقة على الاصح، لانه لم يصح الابراء، فلا يصح ما تضمنه. كما لو وهب المرهون لرجل. الضرب الثاني: زوائده، فإن كانت متصلة، كسمن العبد، وكبر الشجرة، تبعت الاصل في الرهن. وإن كانت منفصلة، كالثمرة، والولد، واللبن، والبيض، والصوف، لم يسر إليها الرهن، وكذا الاكساب والمهر، وما أشبه ذلك مما يحدث بعد الرهن. ولو رهن حاملا، واحتيج إلى بيعها حاملا، بيعت كذلك في الدين، لانا إن قلنا: الحمل يعلم، فكأنه رهنهما، وإلا، فقد رهنها والحمل محض صفة. ولو ولدت قبل البيع، فهل الولد رهن قولان. إن قلنا: الحمل لا يعلم، فلا، وإلا فنعم. وقيل: قولان، لضعف الرهن عن الاستتباع. فإن قلنا: لا فقال في ابتداء العقد: رهنتها مع حملها، لا يكون مرهونا على الاصح. ولو جاز ذلك، لجاز إفراده بالرهن. أما إذا حبلت بعد الرهن، وكانت يوم البيع حاملا، فإن قلنا: لا يعلم، بيعت، وهو كالسمن، وإلا، فلا يكون مرهونا، ويتعذر بيعها، لان استثناء الحمل متعذر، ولا سبيل إلى بيعها حاملا وتوزيع الثمن، لان الحمل لا تعرف قيمته. فرع لو رهن نخلة، ثم أطلعت، فطريقان. أحدهما: أن بيعها مع الطلع، على القولين كالحمل. والثاني: القطع بأن الطلع غير مرهون. فعلى هذا يباع النخل، ويستثنى الطلع، بخلاف الحامل. ولو كانت مطلعة وقت الرهن، ففي دخول الطلع، على ما سبق في الباب الاول. فإن أدخلناه، فكان وقت البيع طلعا بعد، بيع مع النخلة، وإن كانت قد أبرت، فطريقان. أحدهما: على القولين، كما لو ولدت الحامل. والثاني: القطع ببيعه مع النخلة، لانه معلوم مشاهد وقت الرهن. فرع الاعتبار في مقارنة الولد الرهن وحدوثه، وسائر الزوائد، بحالة العقد

(3/341)


على الصحيح. وقيل: بحالة القبض، لان الرهن به يلزم. فرع أرش البكارة، وأطراف العبد مرهون لانهما ليسا من الزوائد، بل بدل جزء. فرع ضرب الرجل الجارية المرهونة، فألقت جنينا ميتا، لزم الضارب عشر قيمة الام، ولا يكون مرهونا، لانه بدل الولد، فإن دخلها نقص، لم يجب بسببه شئ، ولكن قدر أرش النقص من العشر يكون رهنا، فإن ألقته حيا ومات، ففيما يلزم الجاني ؟ قولان. أظهرهما: قيمة الجنين حيا، وأرش نقصان الام إن نقصت. فعلى هذا القيمة للراهن، والارش مرهون. والثاني: أكثر الامرين من أرش النقض، وقيمة الجنين. فعلى هذا، إن كان الارش أكثر، فالمأخوذ رهن كله. وإن كانت القيمة أكثر، فقدر الارش رهن. وأما البهيمة المرهونة، إذا ضربت فألقت جنينا ميتا، فلا شئ على الضارب سوى أرش النقص إن نقصت، ويكون رهنا. الطرف الثالث: في فك الرهن. ينفك بأسباب. أحدها: فسخ المرتهن. والثاني: تلف المرهون بآفة سماوية. إذا جنى المرهون، لم يبطل الرهن بمجرده، بل الجناية ضربان. أحدهما: يتعلق بأجنبي، فيقدم حق المجني عليه، لانه متعين في الرقبة. وحق المرتهن ثابت في الذمة. فإن اقتص منه، بطل الرهن. فإن وجب مال، فبيع فيه، بطل أيضا. حتى لو عاد إلى ملك الراهن، لم يكن رهنا. ولو كان الواجب دون قيمة العبد، بيع بقدره، والباقي رهن. فإن تعذر بيع بعضه، أو نقص بالتبعيض، بيع كله، وما فضل عن الارش يكون رهنا. ولو عفا عن الارش، أفداه الراهن، بقي رهنا. وكذا لو فداه المرتهن. ثم في رجوعه على الراهن، ما سبق في رهن أرض الخراج. هذا كله إذا جنى بغير إذن سيده. فإن أمره السيد بها فإن لم يكن مميزا، أو كان أعجميا يعتقد وجوب طاعة السيد في كل ما يأمر به، فالجاني هو السيد، وعليه القصاص أو الضمان، ولا يتعلق المال برقبة العبد على الاصح. فإن

(3/342)


قلنا: يتعلق، فبيع في الجناية، لزم السيد أن يرهن قيمته مكانه. وإذا جنى مثل هذا العبد، فقال السيد: أنا أمرته بذلك، لم يقبل قوله في حق المجني عليه، بل يباع العبد فيها، وعلى السيد القيمة، لاقراره. وإن كان العبد مميزا يعرف أنه لا يطاع ا لسيد فيه، بالغا كان أو غير بالغ، فهو كما لو لم يأذن السيد إلا أن السيد يأثم. الضرب الثاني: أن يتعلق بالسيد، وفيه مسائل. إحداها: إذا جنى على طرف سيده عمدا، فله القصاص. فإن اقتص، بطل الرهن. وإن عفا على مال، أو كانت الجناية خطأ، فالصحيح: أنه لا يثبت المال، لان السيد لا يثبت له على عبده مال، فيبقى الرهن كما كان. وقال إبن سريج: يثبت للسيد المال، ويتوصل به إلى فك الرهن. الثانية: جنى على نفس السيد عمدا، فللوارث القصاص. فإن عفا على مال، أو كانت الجناية خطأ، لم يثبت على الاظهر. الثالثة: جنى على طرف من يرثه السيد، كأبيه، فله القصاص، وله العفو على مال. ولو جنى خطأ، ثبت المال. فإن مات قبل الاستيفاء، وورثه السيد، فوجهان. أصحهما عند الصيدلاني والامام: يسقط بمجرد إنتقاله، ولا يجوز أن يثبت له على عبده إستدامة الدين، كما لا يجوز إبتداؤه. والثاني وبه قطع العراقيون: لا يسقط، وله بيعه فيه كما كان للمورث. الرابعة: جنى على نفس المورث عمدا، فللسيد القصاص. فإن عفا على مال، أو كانت خطأ، بني على أن الدية تثبت للوارث إبتداء، أم يتلقاها عن المورث. إن قلنا بالاول، لم يثب‍ ت، وإلا، فعلى الوجهين فيما إذا جنى على طرفه وانتقل إليه بالارث. الخامسة: قتل عبدا آخر للراهن، نظر، إن لم يكن المقتول مرهونا، فهو كما

(3/343)


(لو) جنى على السيد. وحكم القن والمدبر وأم الولد سواء. وإن كان مرهونا أيضا، فله حالان. أحدهما: أن يكون مرهونا عند غير المرتهن القاتل، فإن قتل عمدا، فللسيد القصاص، ويبطل الرهنان جميعا، وإن عفا على مال، أو قتل خطأ، وجب المال متعلقا برقبته لحق المرتهن القتيل. وإن عفا بلا مال، فإن قلنا: موجب العمد أحد الامرين، وجب المال، ولم يصح العفو إلا برضى المرتهن. وإن قلنا: موجبه القود، فإن قلنا: العفو المطلق لا يوجب المال، لم يجب شئ، وإن قلنا: يوجبه، فكذلك على الاصح، وإن عفا مطلقا، فإن قلنا: مطلق العفو يوجب المال، ثبت كما لو عفا على مال. وإن قلنا: لا يوجبه، صح العفو، وبطل رهن مرتهن القتيل، وبقي القاتل رهنا. وعفو المحجور عليه بالفلس، كعفو الراهن، لان أموال المفلس والمرهون سواء في الحجر. ثم متى وجب المال، نظر، إن كان الواجب أكثر من قيمة القاتل أو مثلها، فوجهان. أحدهما: ينقل القاتل إلى يد المرتهن القتيل، ولا يباع، لانه لا فائدة فيه، وأصحهما: يباع ويجعل الثمن رهنا في يده، لان حقه في مالية العبد، لا في عينه، لانه قد يرغب راغب بزيادة. وإن كان أقل من قيمة القاتل، فعلى الوجه الاول: ينتقل من القاتل بقدر الواجب إلى مرتهن القتيل. وعلى الثاني: يباع منه بقدر الواجب، ويبقى الباقي رهنا. فإن تعذر بيع البعض، أو نقص بالتبعيض، بيع الجميع، وجعل الزائد على الواجب عند مرتهن القاتل وإنما يجئ الوجهان، إذا طلب الراهن النقل، ومرتهن القتيل البيع، فأيهم يجاب ؟ فيه الوجهان. أما إذا طلب الراهن البيع، ومرتهن القتيل النقل، فالمجاب الراهن، لانه لا حق للمرتهن المذكور في عينه. ولو اتفق الراهن والمرتهنان على أحد الطريقين، فهو المسلوك قطعا. ولو اتفق الراهن ومرتهن القتيل على النقل، قال الامام: ليس لمرتهن القاتل المنازعة فيه، وطلب البيع. ومقتضى التعليل السابق، يتوقع راغب أنه له ذلك.

(3/344)


الحال الثاني: أن يكون مرهونا عند مرتهن القاتل أيضا. فإن كان العبدان مرهونين بدين واحد، فقد نقصت الوثيقة ولا جابر، كما لو مات أحدهما. وإن كانا مرهونين بدينين، نظر في الدينين، أهما مختلفان حلولا وتأجيلا، أم لا ؟ فإن اختلفا، فله التوثق لدين القتيل بالقاتل، لانه إن كان الحال دين المقتول، ففائدته الاستيفاء من ثمنه في الحال. وإن كان دين القاتل، فتحصل الوثيقة بالمؤجل، ويطالب بالحال. وكذا الحكم، لو كانا مؤجلين، وأحد الاجلين أطول. وإن اتفقا في الحلول والتأجيل، نظر، هل بينهما اختلاف قدر، أم لا ؟ فإن لم يكن كعشرة وعشرة، فإن كان العبدان مختلفي القيمة، وقيمة القتيل أكثر، لم تنقل الوثيقة. وإن كانت قيمة القاتل أكثر، نقل منه قدر قيمة القتيل إلى دين القتيل، وبقي الباقي رهنا بما كان. وإن كانا سواء في القيمة، بقي القاتل رهنا بما كان، ولا فائدة في النقل. وإن اختلف قدر الدينين، نظر، إن تساوت قيمة العبدين، أو كان القتيل أكثر قيمة، فإن كان المرهون بأكثر الدينين هو القتيل، فله توثيقه بالقاتل. وإن كان المرهون بأقلهما هو القتيل، فلا فائدة في النقل. وإن كان القتيل أقلهما قيمة، فإن كان مرهونا بأقل الدينين، فلا فائدة في النقل. وإن كان بأكثرهما، نقل من القاتل قدر قيمة القتيل إلى الدين الآخر. وحيث قلنا: تنقل الوثيقة، فهل يباع ويقام ثمنه مقام القتيل، أم يقام عينه مقامه ؟ فيه الوجهان السابقان. فرع هذا الذي ذكرناه من أقسام إختلاف الدينين، هو المعتبر فقط، كذا قاله الاكثرون. فلو اختلف الدينان في الاستقرار وعدمه، بأن كان أحدهما عوض ما يتوقع رده بالعيب، أو صداقا قبل الدخول، فلا أثر له عند الجمهور. وحكى في الشامل عن أبي إسحق المروزي أنه إن كان القاتل مرهونا بالمستقر، فلا فائدة في النفل. وإن كان مرهونا بالآخر، فوجهان وكذا قول الغزالي في الوسيط: إختلاف جنس الدينين، كاختلاف القدر، فهو وإن كان متجها في المعنى، فمخالف لنص الشافعي رضي الله عنه والاصحاب كلهم: لا تأثير لاختلاف الجنس. قلت: المراد باختلاف الجنس، أن يكون أحدهما دنانير، والآخر دراهم،

(3/345)


واستويا في المالية بحيث لو قوم أحدهما بالآخر، لم يزد ولم ينقص. والله أعلم. فرع لو تساوى الدينان في الاوصاف، وقلنا: الوثيقة لا تنقل، فقال المرتهن: قد جنى فلا آمنه، فبيعوه وضعوا ثمنه رهنا مكانه، هل يجاب ؟ وجهان. فرع لو جني على مكاتب السيد، فانتقل الحق إليه بموته أو عجزه، فهو كالمنتقل من المورث. السبب الثالث لانفكاك الرهن: برائة الذمة عن جميع الدين بالقضاء، أو الابراء، أو الحوالة، أو الاقالة المسقطة للثمن المرهون به، أو المسلم فيه المرهون به. ولو اعتاض عن الدين عينا، انفك الرهن، لتحول الحق من الذمة إلى العين. ثم لو تلفت العين قبل التسليم، بطل الاعتياض، ويعود الرهن كما عاد الدين، ولا ينفك بالبراءة عن بعض الدين بعض الرهن، كما أن حق الحبس يبقى ما بقي شئ من الثمن، ولا يعتق شئ من المكاتب ما بقي شئ من المال. ولو رهن عبدين وسلم أحدهما، كان المسلم مرهونا بجميع الدين. فرع إنما يتصور إنفكاك بعض المرهون عن بعض أمور. أحدها: تعدد العقد، بأن رهنه نصف العبد بعشرة، ونصفه الآخر في صفة أخرى. الثاني: أن يتعدد مستحق الدين، بأن رهنه عند رجلين صفقة واحدة، ثم برئ من دين أحدهما بأداء أو إبراء، انفك الرهن بقسط دينه. وفي وجه: إن اتحدت جهة دينيهما، بأن أتلف عليهما مالا، أو ابتاع منهما، لم ينفك شئ بالبراءة عن أحدهما، وإنما ينفك إذا اختلفت الجهة. والصحيح: الانفكاك مطلقا. الثالث: أن يتعدد من عليه الدين، بأن رهن رجلان عند رجل، فإذا برئ أحدهما، انفك نصيبه. الرابع: إذا وكل رجلان رجلا يرهن عبدهما عند زيد بدينه عليهما، ثم قضى أحد الموكلين دينه، فقيل: قولان. والمذهب: القطع بإنفكاك نصيبه، ولا نظر إلى إتحاد الوكيل وتعدده. قال الامام: لان مدار الباب على إتحاد الدين وتعدده،

(3/346)


ومتى تعدد المستحق أو المستحق عليه، تعدد الدين. ويخالف هذا، البيع والشراء، حيث ذكرنا خلافا في أن الاعتبار في تعدد الصفقة وإتحادها بالمتبايعين، أم بالوكيل ؟ لان الرهن ليس عقد ضمان حتى ينظر فيه إلى المباشر. الخامس: إذا استعار عبدا من مالكيه ليرهنه، فرهنه، ثم أدى نصف الدين، وقصد به الشيوع من غير تخصيص بحصة أحدهما، لم ينفك من الرهن شئ. وإن قصد أداء عن نصيب أحدهما بعينه لينفك نصيبه، ففي انفكاكه أقوال. ثالثها: أنه إن علم المرتهن أن العبد لمالكين، إنفك، وإلا، فلا، حكاه المحاملي وغيره. قال الامام: ولا نعلم لهذا وجها، لان عدم الانفكاك لاتحاد الدين والعاقدين، ولا يختلف ذلك بالجهل والعلم، وإنما أثر الجهل إثبات الخيار. ثم في عيون المسائل، ما يدل على أن الاظهر الانفكاك. قلت: صرح صاحب الحاوي وغيره، بأن الانفكاك أظهر. والله أعلم. ولو كان لرجلين عبدان متماثلا القيمة، فاستعارهما للرهن، فرهنهما، ثم قضى نصف الدين لينفك أحدهما، فالاصح طرد القولين. وقيل: ينفك قطعا. وإذا قلنا بالانفكاك، وكان الرهن مشروطا في بيع، فللمرتهن الخيار إذا جهل بأنه لمالكين على الاصح. وقيل: الاظهر. ولو استعار من رجلين ورهن عند رجلين، كان نصيب كل واحد من المالكين مرهونا عند الرجلين. فلو أراد فك نصيب أحدهما بقضاء نصف دين كل واحد من المرتهنين، فعلى القولين. وإن أراد فك نصف العبد بقضاء دين أحدهما، فله ذلك بلا خلاف. ولو استعار اثنان من واحد، ورهنا عند واحد، ثم قضى أحدهما ما عليه، انفك النصف لتعدد العاقد، هكذا نقلوه. فرع قال في التهذيب: لو استعار ليرهن عند واحد، فرهن عند اثنين، أو بالعكس، لم يجز. أما في الصورة الاولى، فلعدم الاذن، وأما العكس، فلانه إذا رهن عند إثنين، ينفك بعض الرهن بأداء دين أحدهما، وإذا رهن عند واحد، لا ينفك شئ إلا بأداء الجميع، ونقل صاحب

(3/347)


التتمة وغيره الجواز في الطرفين، والاول أصح. السادس: لو رهن عبدا بمائة، ثم مات عن اثنين، فقضى أحدهما حصته من الدين، ففي انفكاك نصيبه قولان. أظهرهما: لا ينفك، وقطع به جماعة، لان الرهن صدر أولا من واحد. ولو مات من عليه دين، وتعلق الدين بتركته، فقضى بعض الورثة نصيبه، قال الامام: لا يبعد أن يخرج انفكاك نصيبه من التركة على قولين، بناء على أن أحد الورثة لو أقر بالدين، وأنكر الباقون، هل على المقر أداء جميع الدين من نصيبه من التركة ؟ وعلى هذا البناء، فالاصح الانفكاك، لان الجديد: أنه لا يلزم أداء جميع الدين مما في يده من التركة ثم الحكم بانفكاك نصيبه، إنما يظهر إذا كان إبتداء التعلق مع إبتداء تعدد الملاك. فلو كان الموت مسبوقا بالمرض، كان التعلق سابقا على ملك الورثة، فإن للدين أثرا بينا في الحجر على المريض. فيشبه أن يكون القول في انفكاك نصيبه، كما سبق في الصورة السابقة، ولا فرق بين أن يكون تعلق الدين بالتركة في هذه الصورة، ثابتا بإقرار الوارث، أو ببينة وقد قيدها الغزالي، بما إذا ثبت بإقرار الوارث، وصورة المسألة غنية عن هذا القيد، ولم يذكره إمام الحرمين. قلت: قول الامام الرافعي: الحكم بالانفكاك، إنما يظهر إذا كان إبتداء التعلق... إلى آخره. هذا خلاف مقتضى إطلاق الامام، والغزالي، والظاهر أن المسألة على إطلاقها، وليست هذه الصورة من الاولى في شئ، لان الاولى: في انفكاك نصيب الابن من العين التي رهنها الميت. والثانية: ففك نصيبه من تعلق التركة، وليس للرهن في الثانية وجود، ففي قول: ينفك تعلق الدين بنصيبه، فينفذ تصرفه فيه. وفي قول: لا ينفك التعلق، فلا ينفذ تصرفه فنصيبه إذا منعنا تصرف الوارث في التركة قبل قضاء الدين. والله أعلم. فرع إذا كان المرهون لمالكين، وانفك نصيب أحدهما بأداء أو إبراء فأراد القسمة، فإن كان مما ينقسم بالاجزاء كالمكيل والموزون، فله أن يقاس المرتهن بإذن شريكه، نص عليه وإن كان مما لا ينقسم بالاجزاء كالثياب، والعبيد، قال العراقيون: لا يجاب إليه. وإن كان أرضا مختلفة الاجزاء كالدار، قالوا: لزم الشريك أن يوافقه، وفي المرتهن، وجهان. أصحهما: له الامتناع لما في القسمة

(3/348)


من التبعيض وقلة الرغبة، هذا ما ذكره العراقيون في طرقهم. وزاد آخرون، منهم أصحاب القفال، فقالوا: تجويز القسمة حيث جوزناه مبني على أن القسمة إفراز حق، فإن جعلناها بيعا، فهو بيع المرهون بغيره، وهو ممتنع. والجمهور أطبقوا على تجويز القسمة هنا، وجعلوا تأثير كونها بيعا إفتقارها إلى إذن المرتهن. ثم إذا جوزنا القسمة، فطريق الطالب أن يراجع الشريك، فإن ساعد، فذاك، وإلا، فيرفع الامر إلى القاضي ليقسم. وفي وجه: لا حاجة إلى إذن الشريك في المتماثلات، لان قسمتها إجبار، والصحيح الاول. ولو قاسم المرتهن وهو مأذون له من جهة المالك، أو الحاكم عند إمتناع المالك، جاز، وإلا، فلا. وإذا منعناها فرضي المرتهن، فالمفهوم من كلام الجمهور صحتها. قال الامام: لا يصح وإن رضي، لان رضاه إنما يؤثر في فك الرهن. فأما في بيعه بما ليس برهن ليصير رهنا، فلا. وهذا إشكال قوي. قلت: ليس بقوي لمن تأمله، ولا يسلم الحكم الذي إدعاه، فالمعتمد ما قاله الاصحاب. والله أعلم. ولو أراد الراهنان القسمة قبل إنفكاك شئ من الرهن، فعلى التفصيل الذي بيناه. ولو رهن واحد عند إثنين، وقضى نصيب أحدهما، ثم أراد القسمة ليمتاز ما بقي رهنا، ففي إشتراط رضى الذي بقي رهنه ما ذكرنا.
الباب الرابع في الاختلاف
التنازع في الرهن يفرض في أمور.
الاول: أصل العقد. فإذا قال: رهنتني، فأنكر المالك، أو رهنتني ثوبك، فقال: بل عبدي. أو بألفين، فقال: بل بألف. أو رهنتني الارض بأشجارها، فقال: بل وحدها، فالقول قول المالك مع يمينه. ولو قال: رهنتني الاشجار مع الارض يوم رهن الارض، فقال: لم تكن هذه الاشجار أو بعضها يوم رهن الارض، بل أحدثتها بعد، نظر، فإن كانت الاشجار بحيث لا يتصور وجودها يوم الرهن، فالمرتهن كاذب،

(3/349)


والقول قول الراهن بلا يمين. وإن كانت بحيث لا يتصور حدوثها بعده، فالراهن كاذب، فإن إعترف في مفاوضتها أنه رهن الارض بما فيها، كانت الاشجار مرهونة، ولا حاجة إلى يمين المرتهن، وإن زعم رهن الارض وحدها، أو ما سوى الاشجار المختلف فيها، واقتصر على نفي الوجود، فلا يلزم من كذبه في إنكار الوجود كونها مرهونة، فيطالب بجواب دعوى الرهن، فإن أصر على إنكار الوجود، فقد جعل ناكلا، وردت اليمين على المرتهن. فإن رجع إلى الاعتراف بالوجود، وأنكر رهنها، قبلنا إنكاره، وحلف لجواز صدقه في نفي الرهن. وإن كان الشجر بحيث يحتمل الوجود يوم رهن الارض، والحدوث بعده فالقول قول الراهن. فإذا حلف، فهي كالشجرة الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الاحكام، وقد سبق بيانها. هذا كله تفريع على الاكتفاء منه بإنكار الوجود، وهو الصحيح. وفي وجه: لا بد من إنكار الرهن صريحا. والحكم بتصديق الراهن في هذه الصورة، مفروض فيما إذا كان إختلافهما في رهن تبرع. فإن اختلفا في رهن مشروط في بيع، تحالفا كسائر صفات البيع إذا إختلف فيها فصل لو إدعى رجل على رجلين أنهما رهناه عبدهما بمائة، وأقبضاه، فأنكرا الرهن، أو الرهن والدين جميعا، فالقول قولهما مع اليمين. وإن صدقه أحدهما، فنصيبه رهن بخمسين، والقول قول المكذب في نصيبه مع يمينه. فلو شهد المصدق للمدعي على شريك المكذب، قبلت شهادته، فإن شهد معه آخر، وحلف المدعي، ثبت رهن الجميع. ولو زعم كل منهما أنه ما رهن نصيبه، وأن شريكه رهن، وشهد عليه، فوجهان. ويقال: قولان: أحدهما: لا تقبل شهادته، لان كل واحد يزعم أن صاحبه كاذب ظالم بالجحود. وطعن المشهود له في الشاهد، يمنع قبول شهادته له. وأصحهما: تقبل، وبه قال الاكثرون، لانه ربما نسيا. فإن تعمدا، فالكذبة الواحدة لا توجب الفسق. ولهذا، لو تخاصم رجلان في شئ، ثم شهدا في حادثة، قبلت شهادتهما وإن كان أحدهما كاذبا في

(3/350)


ذلك التخاصم. فعلى هذا، إذا حلف مع كل واحد، أو أقام شاهدا آخر، ثبت رهن الجميع. وقال ابن القطان: الذي شهد أولا يقبل، دون الآخر، لانه انتهض خصما منتقما. فرع إدعى رجلان على رجل أنه رهنهما وأقبضهما، فإن صدقهما أو كذبهما، لم يخف الحكم. وإن صدق أحدهما، فنصف العبد رهن عنده، ويحلف للآخر. وهل تقبل شهادة المصدق للمكذب ؟ قال ابن كج: نعم. وقال الآخرون: لا. وحكى الامام والغزالي وجهين بناء على أن الشريكي إذا ادعيا حقا أو ملكا بابتياع أو غيره، فصدق أحدهما، هل يستبد بالنصف، أم يشاركه الآخر فيه ؟ فيه وجهان. إن قلنا: يستبد، قبلت، وإلا، فلا، لانه متهم. وقال البغوي: إن لم ينكر إلا الرهن، قبل. وإن أنكر الرهن والدين، فحينئذ يفرق بين دعواهما الارث وغيره. والذي ينبغي أن يفتى به، القبول إن كانت الحال لا تقتضي الشركة، والمنع إن اقتضت، لانه متهم. فرع منصوص عليه إدعى زيد وعمروعلى ابني بكر، أنهما رهنا عندهما عبدهما المشترك بينهما بمائة، فصدقا أحد المدعيين، ثبت ما ادعاه، وكان له على كل واحد منهما ربع المائة، ونصف نصيب كل واحد منهما مرهون به. وإن صدق أحد الابنين زيدا، والآخر عمرا، ثبت الرهن في نصف العبد، لكل واحد من المدعيين في ربعه بربع المائة. فلو شهد أحد الاثنين على أخيه، قبلت. ولو شهد أحد المدعيين للآخر، فعلى ما ذكرناه في الصورة الثانية. فرع منصوص في المختصر إدعى رجلان على رجل، فقال كل واحد: رهنتني عبدك هذا وأقبضتنيه، فإن كذبهما، فالقول قوله، ويحلف لكل

(3/351)


واحد يمينا. وإن كذب أحدهما، وصدق الآخر، قضي بالرهن للمصدق. وفي تحليفه للمكذب قولان. أظهرهما: لا. فإن قلنا: يحلف، فنكل، فحلف المكذب يمين الرد، ففيما يستفيد بها وجهان. أحدهما: يقضى له بالرهن وينزع من الاول. وأصحهما: يأخذ القيمة من المالك، ليكون رهنا عنده. وإن صدقهما جميعا، نظر، فإن لم يدعيا السبق، أو ادعاه كل منهما، وقال المدعى عليه: لا أعرف السابق، وصدقاه، فوجهان. أحدهما: يقسم بينهما، كما لو تنازعا شيئا في يد ثالث فاعترف لهما، وأصحهما: يحكم ببطلان العقد، كما لو زوج وليان ولم يعرف السابق. وإن إدعى كل واحد السبق، وأن الراهن عالم بصدقه، فالقول قوله مع يمينه. فإن نكل، ردت اليمين عليهما. فإن حلف أحدهما، قضي له. وإن حلفا، أو نكلا، تعذر معرفة السابق، وعاد الوجهان. وإن صدق أحدهما في السبق، وكذب الآخر، قضي للمصدق. وهل يحلفه المكذب ؟ فيه القولان السابقان. وحيث قلنا: مقتضى الصدق، فذلك إذا لم يكن العبد في يد المكذب. فإن كان، فقولان. أحدهما: يقضى لصاحب اليد. وأظهرهما: المصدق يقدم، لان اليد لا دلالة لها على الرهن. ولو كان العبد من أيديهما، فالمصدق مقدم في النصف الذي في يده، وفي النصف الآخر، القولان. والاعتبار في جميع ما ذكرناه بسبق القبض، لا العقد. حتى لو صدق هذا في سبق العقد، وهذا في سبق القبض، قدم الثاني. قلت: ولو قال المدعى عليه: رهنته عند أحدكما، ونسيت، حلف على نفي العلم. فإن نكل، ردت عليهما، فإن حلفا، أو نكلا، إنفسخ العقد على المذهب الذي قطع به الجماهير في الطرق، ونقله الامام وغيره عن الاصحاب. وخرج وجه: أنه لا ينفسخ، بل يفسخه الحاكم، وبهذا الوجه قطع صاحب الوسيط، وهو شاذ ضعيف. وإن حلف الراهن على نفي العلم، تحالفا على الصحيح، كما لو نكل. وفي وجه: انتهت الخصومة. والله أعلم. فرع دفع متاعا إلى رجل، وأرسله إلى غيره ليستقرض منه للدافع ويرهن

(3/352)


المتاع، ففعل، ثم اختلفا، فقال المرسل إليه: استقرض مائة ورهنه بها، وقال المرسل: لم آذن إلا في خمسين، نظر، إن صدق الرسول المرسل، فالمرسل إليه مدع على المرسل بالاذن، وعلى الرسول بالاخذ، فالقول قولهما في نفي دعواه. وإن صدق المرسل إليه، فالقول فنفي الزيادة قول المرسل، ولا يرجع المرسل إليه على الرسول بالزيادة إن صدقه في الدفع إلى المرسل، لانه مظلوم بزعمه. وإن لم يصدقه، رجع عليه. هكذا ذكره، وفيه إشكال، وينبغي أن يرجع على الرسول وإن صدقه في الدفع إلى المرسل. الامر الثاني: القبض. فإذا تنازعا في قبض المرهون، فإن كان في وقت النزاع في يد الراهن، فالقول قوله مع يمينه. وإن كان في يد المرتهن وقال: قبضته عن الرهن، وأنكر الراهن، فقال: غصبتنيه، فالقول قول الراهن على الصحيح. وقيل: قول المرتهن، وهو شاذ ضعيف. وإن قال الراهن: بل قبضته عن جهة أخرى مأذون فيها، بأن قال: أودعتكه، أو أعرت، أو أكريت، أو أكريته لفلان فأكراكه، فهل القول قول المرتهن، لاتفاقهما على قبض مأذون فيه، أو قول الراهن، لان الاصل عدم ما ادعاه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، وهو المنصوص. ويجري مثل هذا التفصيل، فيما إذا اختلف البائع والمشتري، حيث كان للبائع حق الحبس، وصادفنا المبيع في يد المشتري، فادعى البائع أنه أعاره، أو أودعه، لكن الاصح هنا حصول القبض، لقو يده بالملك. وهذا تفريع على أنه لا يبطل حق الحبس بالاعارة والايداع، وفيه خلاف سبق. ولو صدقه الراهن في إذنه في القبض على جهة الرهن، ولكن قال: رجعت قبل قبضك، فالقول قول المرتهن في عدم الرجوع، لان الاصل عدمه. ولو قال الراهن لم يقبضه بعد، وقال المرتهن قبضته، فمن كان المرهون في يده منهما، فالقول قوله باتفاق الاصحاب، وعليه حملوا النصين المختلفين في الام. فرع إقرار الراهن بإقباض المرهون، مقبول ملزم، لكن بشرط الامكان. حتى لو قال: رهنته اليوم داري بالشام، وأقبضته إياها وهما بمكة، فهو لاغ. ولو

(3/353)


قامت البينة على إقراره بالاقباض في موضع الامكان، فقال: لم يكن إقراري عن حقيقة، فحلفوه أنه قبض، نظر، إن ذكر لاقراره تأويلا، بأن قال: كنت أقبضته بالقول، وظننت أنه يكفي قبضا، أو وقع إلي كتاب على لسان وكيلي بأنه أقبض وكان مزورا، أو قال: أشهدت على رسم القبالة قبل حقيقة القبض، فله تحليفه. وإن لم يذكر تأويلا، فوجهان. أصحهما عند العراقيين: يحلفه، وبه قال: ابن خيران وغيره، وهو ظاهر النص. وأصحهما عند المراوزة: لا، وبه قال أبو إسحق. قلت: طريقة العراقيين أفقه وأصح. والله أعلم. وقد حكى في الوسيط وجها: أنه لا يحلفه مطلقا وإن ذكر تأويلا. وهذا الوجه غريب ضعيف مخالف لما قطع به الاصحاب. ولو لم يقم بينة على إقراره، بل أقر في مجلس القضاء بعد توجه الدعوى عليه، فوجهان. قال القفال: لا يحلفه وإن ذكر تأويلا، لانه لا يكاد يقر عند القاضي إلا عن تحقيق. وقال غيره: لا فرق، لشمول الامكان. ولو شهد الشهود على نفس القبض، فليس له التحليف بحال، وكذا لو شهدوا على إقراره، فقال: ما أقررت، لانه تكذيب للشهود. فرع لو كان الرهن مشروطا في بيع، فقال المشتري: أقبضت، ثم تلف الرهن، فلا خيار لك في البيع، وأقام على إقراره بالقبض حجة، فأراد المرتهن تحليفه، فهو كما ذكرنا في إقرار الرهن وطلب الراهن يمين المرتهن. ويقاس على هذا، ما إذا قامت بينة بإقراره لزيد بألف، فقال: إنما أقررت وأشهدت ليقرضني، ثم لم يقرضني، وكذا سائر نظائرها. الامر الثالث: الجناية، وهي ضربان. الاول: جني على العبد المرهون، فأقر رجل أنه الجاني، فإن صدقه المتراهنان أو كذباه، لم يخف حكمه. وإن صدقه الراهن فقط، أخذ الارش وفاز

(3/354)


به، فليس للمرتهن التوثق به. وإن صدقه المرتهن فقط، أخذ الارش وكان مرهونا. فإن قضى الدين من غيره، أو أبرأه المرتهن، فالاصح: أنه يرد الارش إلى المقر. والثاني: يجعل في بيت المال، لانه مال ضائع لا يدعيه أحد. الضرب الثاني: جناية المرهون، والنزاع في جنايته، يقع تارة بعد لزوم الرهن، وتارة قبله. الحال الاول: بعده، فإذا أقر المرتهن بأنه جنى، ووافقه العبد أم لا، فالقول قول الراهن مع يمينه. وإذا بيع في دين المرتهن، لم يلزمه تسليم الثمن إليه بإقراره السابق. ولو أقر الراهن بجنايته، وأنكر المرتهن، فالقول قوله. وإذا بيع في الدين، فلا شئ للمقر له على الراهن. وحكى ابن كج وجها: أنه يقبل إقرار الراهن، ويباع العبد في الجناية، ويغرم الراهن للمرتهن. الحال الثاني: تنازعا في جنايته قبل لزوم الرهن، فأقر الراهن بأنه كان أتلف مالا، أو جنى جناية توجب المال، فإن لم يعين المجني عليه، أو عينه فلم يصدقه، أو لم يدع ذلك، فالرهن مستمر بحاله. وإن عينه وادعاه المجني عليه، نظر، إن صدقه المرتهن، بيع في الجناية، والمرتهن بالخيار إن كان الرهن مشروطا في بيع. وإن كذبه، فقولان. أظهرهما: لا يقبل قول الراهن، صيانة لحق المرتهن. والثاني: يقبل، لانه مالك. ويجري القولان فيما لو قال: كنت غصبته، أو اشتريته شراء فاسدا، أو بعته، أو وهبته وأقبضته وأعتقته. ولا حاجة في صورة العتق إلى تصديق العبد ودعواه، بخلاف المقر له في باقي الصور. وفي الاقرار بالعتق قول ثالث: أنه إن كان موسرا، نفذ، وإلا، فلا، كالاعتاق. ونقل الامام هذا القول في جميع هذه الصور. فإن قلنا: لا يقبل إقرار الراهن، فالقول في بقاء الرهن قول المرتهن مع يمينه، ويحلف على نفي العلم بالجناية. وإذا حلف واستمر الرهن، فهل يغرم الراهن للمجني عليه ؟ قولان. قال الائمة. أظهرهما: يغرم كما لو قبله، لانه حال بينه وبين حقه، وهما كالقولين فيمن أقر بالدار لزيد، ثم لعمرو، هل يغرم لعمرو ؟ ويعبر عنهما بقولي الغرم للحيلولة، لانه بإقراره الاول حال بين من أقر له ثانيا وبين حقه. فإن قلنا: يغرم، طولب في الحال إن كان موسرا. وإن كان معسرا فإذا

(3/355)


أيسر. وفيما يغرم للمجني عليه ؟ طريقان. أحدهما: على قولين. أظهرهما: الاقل من قيمته وأرش الجناية. وثانيهما: الارش بالغا ما بلغ. والطريق الثاني وهو المذهب وبه قال الاكثرون: يغرم الاقل قطعا، كأم الولد، لامتناع البيع بخلاف القن. وإذا قلنا: لا يغرم الراهن، فإن بيع في الدين، فلا شئ عليه. لكن لو ملكه، لزمه تسليمه في الجناية، وكذا لو انفك رهنه. هذا كله إذا حلف المرتهن، فإن نكل، فعلى من ترد اليمين ؟ قولان. ويقال: وجهان. أحدهما: على الراهن، لانه مالك العبد، والخصومة تجري بينه وبين المرتهن. وأظهرهما: على المجني عليه، لان الحق له، والراهن لا يدعي لنفسه شيئا. فإذا حلف المردود عليه منهما، بيع العبد في الجناية، ولا خيار للمرتهن في فسخ البيع المشروط فيه، لان فواته حصل بنكوله. ثم إن كان يستغرق الواجب قيمته، بيع كله، وإلا فبقدر الارش. وهل يكون الباقي رهنا ؟ وجهان. أصحهما: لا، لان اليمين المردودة كالبينة، كالاقرار بأنه كان جانيا في الابتداء، فلا يصح رهن شئ منه. وإذا رددنا على الراهن، فنكل، فهل يرد على المجني عليه ؟ قولان. ويقال: وجهان. أحدهما: نعم لان الحق له. وأصحهما: لا، لان اليمين لاترد مرة بعد أخرى. فعلى هذا، نكول الراهن كحلف المرتهن في تقرير الرهن. وهل يغرم الراهن للمجني عليه ؟ فيه القولان. وإن رددناه على المجني عليه فنكل، قال الشيخ أبو محمد: تسقط دعواه، وانتهت الخصومة. وطرد العراقيون في الرد منه على الراهن الخلاف المذكور في عكسه. وإذالم ترد، لا يغرم له الراهن، قولا واحدا، وتحال الحيلولة على نكوله، هذا تماالتفريع على أحد القولين في أصل المسألة، وهو أن ا لراهن لا يقبل إقراره. فإن قبلناه، فهل يحلف، أم يقبل بلا يمين ؟ قولان، أو وجهان. أحدهما: لا يحلف، لان اليمين للزجر ليرجع الكاذب. وهنا لا يقبل رجوعه. وأصحهما عند الشيخ أبي حامد ومن وافقه: يحلف لحق المرتهن، ويحلف على البت. وسواء حلفناه، أم لا، فيباع العبد في الجناية كله أو بعضه على ما سبق، وللمرتهن الخيار في فسخ البيع. وإن نكل، حلف المرتهن، لانا إنما حلفنا الراهن لحقه. وفي فائدة حلفه قولان حكاهما الصيدلاني وغيره. أظهرهما: أن فائدته: تقدير الرهن في العبد على ما هو قياس الخصومات. والثاني: فائدته: أن يغرم الراهن قيمته، ليكون رهنا مكانه، ويباع العبد في الجناية

(3/356)


بإقرار الراهن. فإن قلنا بالاول، فهل يغرم الراهن للمقر له لكونه حال بنكوله بينه وبين حقه ؟ فيه القولان السابقان. وإن قلنا بالثاني، فهل للمرتهن الخيار في فسخ البيع ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لفوات العين المشروطة. والثاني: لا، لحصول الوثيقة بالقيمة. وإن نكل المرتهن، بيع العبد في الجناية، ولا خيار له في فسخ البيع، لا غرم على الراهن. وجميع ما ذكرناه مبني على أن رهن الجاني لا يصح، فإن صححناه، فقيل: يقبل إقراره قطعا، فيغرم المجني عليه، ويستمر الرهن. وقال آخرون: بطرد القولين. ووجه المنع: أنه يحل بلزوم الرهن، لان المجني عليه يبيع المرهون لو عجز عن تغريم الراهن. فرع لو أقر السيد عليه بجناية توجب القصاص، لم يقبل إقراره على العبد، فلو قال، ثم عفا على مال، فهو كما لو أقر بما يوجب المال. فرع لو أقر بالعتق وقلنا: لا يقبل، فالمذهب والمنصوص: أنه يجعل كإنشاء الاعتاق. وفيه الاقوال، لان من ملك إنشاء أمر، قبل إقراره به. ونقل الامام في نفوذه وجهين، مع قولنا: ينفذ الانشاء. فرع رهن الجارية الموطوءة جائز، ولا يمنع من التصرف، لاحتمال الحمل. فإذا رهن جارية، فأتت بولد، فإن كان الانفصال لدون ستة أشهر من الوطئ، أو لاكثر من أربع سنين، فالرهن بحاله، والولد مملوك له، لانه لا يلحق به. وإن كان لستة أشهر فأكثر إلى أربع سنين، فقال الراهن: هذا الولد مني، وكنت وطئتها قبل لزوم الرهن، فإن صدقه المرتهن، أو قامت بينة، فهي أم ولد له، والرهن باطل، وللمرتهن فسخ البيع المشروط فيه رهنها. وإن كذبه ولا بينة، ففي قبول إقراره لثبوت الاستيلاد، قولان، كإقراره بالعتق ونظائره، والتفريع كما سبق. وعلى كل حال، فالولد حر ثابت النسب عند الامكان. ولو لم يصادف ولدا في الحال، وزعم الراهن أنها ولدت منه قبل الرهن، ففيه التفصيل السابق والخلاف، وحيث قلنا: يحلف المجني عليه، تحلف المستولدة، فإنها في مرتبته، وفي العتق يحلف العبد.

(3/357)


قلت: ولو أقر بأنه استولدها بعد لزوم الرهن، فإن لم ينفذ إستيلاده، لم يقبل إقراره، وإلا، ففيه الوجهان السابقان في إقراره بالعتق، أصحهما: يقبل. والله أعلم. فرع لو باع عبدا، ثم أقر بأنه كان غصبه، أو باعه، أو اشتراه شراء فاسدا، لم يقبل قوله، لانه أقر في ملك الغير، وهو مردود ظاهرا، ويخالف إقرار الراهن فإنه في ملكه. وقيل بطرد الخلاف، والمذهب: الاول. وعلى هذا، فالقول قول المشتري. فإن نكل فهل الرد على المدعي، أم على المقر البائع ؟ قولان ولو أجر عبدا، ثم قال: كنت بعته، أو أجرته، أو أعتقته، ففيه الخلاف المذكور في الرهن، كبقاء الملك. ولو كاتبه، ثم أقر بما لا يصح معه كتابة، قال ابن كج: فيه الخلاف. وقطع الشيخ أبو حامد بأنه لا يقبل، لان المكاتب كمن زال ملكه عنه الامر الرابع: ما يفك به الرهن. فإذا أدن المرتهن في بيع الرهن، فباع الراهن، ورجع المرتهن عن الاذن، ثم اختلفا، فقال: رجعت قبل البيع، فلم يصح، وبقي رهنا كما كان، وقال الراهن: بل رجعت بعده، فالقول قول المرتهن على الاصح عند الاكثرين، وقيل: قول الراهن. وقال في التهذيب: إن قال الراهن أولا: تصرفت بإذنك، ثم قال المرتهن: كنت رجعت قبله، فالقول قول الراهن. وإن قال: رجعت، ثم قال الراهن: كنت بعت قبل رجوعك، فالقول قول المرتهن. ولو أنكر الراهن أصل الرجوع، فالقول قوله مع يمينه.

(3/358)


فصل عليه دينان، أحدهما حال، وبه رهن، أو كفيل، أو هو ثمن مبيع محبوس به، فسلم إليه ألفا، وقال: أعطيتك عنه، وقال القابض: بل عن الدين الآخر، فالقول قول الدافع، سواء اختلفا في نيته أو لفظه. قال الائمة: فالاعتبار في أداء الدين، بقصد المؤدي. حتى لو ظن المستحق أنه يودعه عنده، ونوى من عليه الدين أداء الدين برئت ذمته، وصار المدفوع ملكا للقابض. فرع كان عليه دينان، فأدى عن أحدهما بعينه، وقع عنه. وإن ادعى عنهما، قسط عليهما. وإن لم يقصد في الحال شيئا، فوجهان. أصحهما: يراجع، فيصرفه إليهما أو إلى ما شاء منهما. والثاني: يقع عنهما. وعلى هذا تردد الصيدلاني في حكايته، أنه يوزع عليهما بالتسوية، أم بالتقسيط ؟ وعلى هذا القياس نظائر المسألة، كما إذا تبايع مشركان درهما بدرهمين، وسلم الزيادة من التزمها، ثم أسلما، فإن قصد تسليمه عن الزيادة، لزمه الاصل، وإن قصد تسليمه عن الاصل فلا شئ عليه. وإن قصد تسليمه عنهما، وزع عليهما، وسقط ما بقي من الزيادة. وإن لم يقصد شيئا، ففيه الوجهان. ولو كان لزيد عليه مائة، ولعمرو مثلها، فوكلا وكيلا بالاستيفاء، فدفع المديون إلى الوكيل لزيد أو لعمرو، فذاك، وإن أطلق، فعلى الوجهين. ولو قال: خذه وادفعه إلى فلان، أو إليهما، فهذا توكيل منه بالاداء، وله التغيير ما لم يصل إلى المستحق. قلت: هذا الذي ذكره، اقتصار على الاصح. فقد قال إمام الحرمين: إذا

(3/359)


قال من عليه الدين لهذا الوكيل: خذ الالف وادفعه إلى فلان، فوجهان. أفقههما أنه بالقبض ينعزل عن وكالة المستحق، وصار وكيلا للمديون. والثاني: يبقى وكيلا للاول. فعلى هذا، لو تلف في يد الوكيل بغير تقصير، فمن ضمان صاحب الدين وقد برئ الدافع. وعلى الاول: هو من ضمان الدافع، والدين باق عليه. وإن قصر الوكيل، فعليه الضمان. وأيهما يطالبه ؟ فيه الوجهان. قال الامام: ولا يشترط في جريان الوجهين قبول الوكيل صريحا بالقول، بل مجرد قوله: إدفع إلى فلان، فيه الوجهان. والله أعلم. ولو أبرأ مستحق الدينين المديون عن مائة، وكل واحد منهما مائة، فإن قصدهما أو أحدهما، فهو لما قصد. وإن أطلق، فعلى الوجهين. وإن اختلفا فقال المبرئ: أبرأت عن الدين الخالي عن الرهن والكفيل، فقال المديون: بل عن الآخر، فالقول قول المبرئ مع يمينه. فصل إختلفا في قدم عيب المرهون وحدوثه، فقد سبق بيانه في كتاب البيع. ولو رهنه عصيرا، ثم بعد قبضه اختلفا، فقال المرتهن: قبضته وقد تخمر، فلي الخيار في فسخ البيع المشروط، وقال الراهن: بل صار عندك خمرا، فالاظهر: أن القول قول الراهن، لان الاصل بقاء لزوم البيع. والثاني: قول المرتهن، لان الاصل عدم قبض صحيح. ولو زعم المرتهن أنه كان خمرا يوم العقد، وكان شرطه في البيع شرط رهن فاسد، فقيل بطرد القولين. وقيل: القول قول المرتهن قطعا. ولو سلم العبد المشروط رهنه ملتفا بثوب، ثم وجد ميتا، فقال الراهن: مات عندك، فقال: بل أعطيتنيه ميتا، فأيهما يقبل ؟ فيه القولان. ولو اشترى مائعا، وجاء بظرف فصبه البائع فيه، فوجدت فيه فأرة ميتة، فقال البائع: كانت في ظرفك، وقال المشتري: قبضته وفيه الفأرة، ففيمن يصدق ؟ القولان. ولو زعم المشتري كونها فيه حال البيع، فهذا إختلاف في جريان العقد صحيحا، أم فاسدا ؟ وقد سبق بيانه. فصل ليس للراهن أن يقول: أحضر المرهون وأنا أقضي دينك من مالي، (بل) لا يلزمه الاحضار بعد قضائه، وإنما عليه التمكين كالمودع. والاحضار، وما

(3/360)


يحتاج إليه من مؤنة على رب المال. ولو احتيج إلى بيعه في الدين، فمؤنة الاحضار على الراهن. قلت: قال صاحب المعاياة: إذا رهن شيئا ولم يشرط جعله في يد عدل، أو المرتهن، فإن كان جارية، صح قطعا، وكذا غيرها على الصحيح. والفرق أنها لا تكون في يد المرتهن، وغيرها قد يكون، فيتنازعان. قال أصحابنا: لو كان بالمرهون عيب، ولم يعلم به المرتهن حتى مات، أو حدث به عيب في يده، لم يكن له فسخ البيع المشروط فيه، كما لو جرى ذلك في يد المشتري، وليس له أن يطالب بالارش ليكون مرهونا، صرح به القاضي أبو الطيب وغيره. قال القاضي: ولو رهن عبدين، وسل أحدهما فمات في يد المرتهن، وامتنع الراهن من تسليم الآخر، لم يكن له خيار في فسخ البيع لانه لم يمكنه رده على حاله. والله أعلم.

(3/361)