روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب السلم
يقال: السلم والسلف، ولفظة السلف تطلق أيضا على القرض، ويشترك السلم والقرض في أن كلا منهما إثبات مال في الذمة بمبذول في الحال، وذكروا في تفسير السلم عبارات متقاربة. منها: أنه عقد على موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلا. وقيل: إسلام عوض حاضر في موصوف في الذمة. وقيل: إسلاف عاجل في عوض لا يجب تعجيله. ثم السلم: بيع، كما سبق،
ويختص بشروط.
الشرط الاول: تسليم رأس المال في مجلس العقد.

(3/242)


فلو تفرقا قبل قبضه، بطل العقد. ولو تفرقا قبل قبض بعضه، بطل فيما لم يقبض، وسقط بقسطه من المسلم فيه. والحكم في المقبوض، كمن إشترى شيئين نتلف أحدهما قبل القبض. ولا يشترط تعيين رأس المال عند العقد، بل لو قال: أسلمت إليك دينارا في ذمتي في كذا، ثم عين وسلم في المجلس، جاز، وكذلك في الصرف لو باع دينارا بدينار، أو بدراهم في الذمة، عين وسلم في المجلس، ولو باع طعاما بطعام في الذمة، ثم عين وسلم في المجلس، فوجهان، أصحهما عند الاصحاب: الجواز. والثاني: المنع، لان الوصف فيه يطول بخلاف الصرف. فلو قبض رأس المال ثم أودعه عند المسلم فبل التفرق، جاز. ولو رده إليه عن دين، قال أبو العباس الروياني: لا يصح، لانه تصرف قبل إنبرام ملكه. فإذا تفرقا، فعن بعض الاصحاب أنه يصح السلم لحصول القبض وانبرام الملك، ويستأنف إقباضه للدين. ولو كان له في ذمة رجل دراهم، فقال: أسلمت إليك الدراهم التي لي في ذمتك في كذا، فإن أسلم مؤجلا أو حالا ولم يقبض المسلم فيه قبل التفرق، فهو باطل، وكذا إن أحضره وسلمه في المجلس على الاصح وأطلق صاحب التتمة الوجهين في أن تسليم المسلم فيه في المجلس وهو حال، هل يغني عن تسليم رأس المال ؟ والاصح: المنع. فرع لا يجوز أن يحيل المسلم برأس المال على رجل، وإن قبضه المسلم إليه من الرجل في المجلس. فلو قال للمحال عليه: سلمه إليه، ففعل، لم يكف لصحة السلم، لان الانسان في إزالة ملكه لا يصير وكيلا لغيره، لكن يصير المسلم إليه وكيلا عن المسلم في قبض ذلك. ثم السلم يقتضي قبضا آخرا، ولا يصح قبضه من نفسه. ولو أحال المسلم إليه برأس المال على المسلم، فتفرقا قبل التسليم، بطل العقد وإن جعلنا الحوالة قبضا، لان المعتبر في السلم القبض الحقيقي. ولو

(3/243)


أحضر رأس المال، فقال المسلم إليه: سلمه إليه، ففعل، صح، ويكون المحتال وكيلا عن المسلم إليه في القبض. فرع لو كان رأس المال دراهم في الذمة، فصالح عنها على المال، لم يصح وإن قبض ما صالح عليه. ولو كان عبدا فأعتقه المسلم إليه قبل القبض، لم يصح إن لم يصحح إعتاق المشتري قبل القبض، وإلا فوجهان. والفرق أنه لو نفذ، لكان قبضا حكما، ولا يكفي ذلك في السلم، فإن صححنا متفرقا قبل قبضه، بطل العقد. وإلا فيصح. وفي نفوذ العتق وجهان. فرع متى فسخ السلم بسبب يقتضيه، وكان رأس المال معينا في إبتداء العقد وهو باق، رجع المشتري بعينه. وإن كان تألفا، رجع إلى بدله، وهو المثل في المثلي، والقيمة في غيره. وإن كان موصوفا في الذمة، وعين في المجلس وهو باق، فهل له المطالبة بعينه، أم للمسلم إليه الابدال ؟ وجهان، أصحهما: الاول.

(3/244)


فرع لو وجدنا رأس المال في يد المسلم إليه، فقال المسلم: أقبضتكه بعد التفرق، وقال: بل قبله، وأقام كل واحد بينة على قوله، فبينة المسلم إليه أولى. حكي ذلك عن ابن سريج. فرع إذا كان رأس المال في الذمة، اشترط معرفة قدره، وذكر صفته أيضا إن كان عوضا. فان كان معينا وهو مثلي، فهل تكفي معاينته، أم لا بد من ذكر صفته وقدره، كيلا في المكيل، ووزنا في الموزون، وذرعا في المذروع ؟ قولان. أظهرهما: الاول. وقيل: إن كان حالا، كفت قطعا. والمذهب: طرد القولين فيهما. وإن كان متقوما وضبطت صفاته بالمعاينة، ففي اشتراط معرفة قيمته طريقان. قطع الاكثرون بعدم الاشتراط، وهو المذهب. وقيل بطرد القولين، ولا فرق على القولين بين السلم الحال والمؤجل على المذهب. وقيل القولان في المؤجل، فأما الحال، فتكفي فيه المعاينة قطعا، كما في البيع. ثم موضع القولين، إذا تفرقا قبل العلم بالقدر، والقيمة. فلو علما، ثم تفرقا، صح بلا خلاف. وبنى كثير من الاصحاب على هذين القولين، أنه هل يجوز أن يجعل رأس المال يجوز السلم فيه، كالجوهرة ؟ إن قلنا بالاظهر، جاز، وإلا فلا. قال امام رجمه الله هو على هذا الاطلاق، بل الجوهرة المثمنة إذا عرفا قيمتها وبالغا في وصفها، وجب أن يجوز جعلها رأس مال، منع السلم فيه سببه عزة الموجود، ولا معنى لاشتراط عموم الوجود في رأس المال. وإذا جوزنا السلم، ورأس المال جزاف، واتفق فسخ، وتنازعا في قدره، فالقول قول المسلم إليه لانه غارم. قلت: إذا كان رأس المال دراهم أو دنانير، حمل على غالب نقد البلد. فلو

(3/245)


استوت، لم يصح حتى يبين كالثمن في البيع. والله أعلم. الشرط الثاني: كون المسلم فيه دينا، فلو استعمل لفظ السلم في العين فقال: أسلمت إليك هذا الثوب في هذا العبد، فليس هذا سلما. وفي إنعقاده بيعا قولان. أظهرهما: لا لاختلال لفظه. ولو قال: بعتكه بلا ثمن، أو لا ثمن لي عليك، فقال: إشتريت، وقبضه، فهل يكون هبة ؟ فيه مثل هذين القولين، وهل يكون المقبول مضمونا ؟ وجهان. ولو قال: بعتك هذا ولم يتعرض للثمن أصلا، لم يكن تمليكا على المذهب، والمقبوض مضمون. وقيل: فيه الوجهان، ولو أسلم بلفظ الشراء، فقال: اشتريت طعاما أو ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال: بعتك، انعقد. وهل هو سلم اعتبارا بالمعنى، أم بيع اعتبارا بلفظه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فعلى هذا، لا يجب تسليم الدراهم في المجلس، ويثبت فيه خيار الشرط. وفي جواز الاعتياض عن الثوب قولان، كما في الثمن. ومنهم من قطع بالمنع. وإن قلنا: الاعتبار بالمعنى، وجب تسليم الدراهم في المجلس، ولم

(3/246)


يثبت فيه خيار الشرط، ولم يجز الاعتياض عن الثوب. ولو قال: اشتريت ثوبا صفته كذا في ذمتك بعشرة دراهم في ذمتي، فإن جعلناه سلما، وجب تعيين الدراهم وتسليمها في المجلس. وإن قلنا: بيع، لم يجب. فصل يصح السلم الحال، كالمؤجل. فان صرح بحلول أو تأجيل، فذاك، وإن أطلق، فوجهان. وقيل: قولان، أصحهما عند الجمهور: يصح ويكون حالا. والثاني، لا ينعقد. ولو أطلقا العقد ثم ألحقا به أجلا في المجلس، فالنص لحوقه، وهو المذهب، ويجئ فيه الخلاف السابق في سائر الالحاقات. ولو صرحا بالاجل في نفس العقد، ثم أسقطاه في المجلس، سقط وصار العقد حالا. فرع الشرط المفسد للعقد، إذا حذفاه في المجلس، هل ينحذف وينقلب العقد صحيحا ؟ وجهان. الصحيح الذي عليه الجمهور: لا. وفي وجه: لو حذفا الاجل المجهول في المجلس، انقلب العقد صحيحا. واختلفوا في جريان هذا

(3/247)


الوجه في سائر المفسدات، كالخيار والرهن الفاسدين وغيرهما. قال الامام: الاصح تخصيصه بالاجل. واختلفوا في أن زمن الخيار المشروط، هل يلحق بالمجلس في حذف الاجل المجهول تفريعا على هذا الوجه الضعيف ؟ والاصح أنه لا يلحق به. فصل إذا أسلم مؤجلا، اشترط كونه معلوما، فلا يجوز توقيته بما يختلف، كالحصاد، وقدوم الحاج. ولو قال: إلى العطاء، لم يصح، إن أراد وصوله، فان أراد وقت خروجه وقد عين السلطان له وقتا، جاز، بخلاف ما إذا قال: إلى وقت الحصاد، إذ ليس له وقت معين. ولو قال: إلى الشتاء، أو الصيف، لم يجز إلا أن يريد الوقت. ولنا وجه شاذ قاله ابن خزيمة من أصحابنا: أنه يجوز التوقيت باليسار. فرع التوقيت بشهور الفرس والروم جائز كشهور العرب، لانها معلومة، وكذا التوقيت بالنيروز، والمهرجان جائز على الصحيح. وفي وجه: لا

(3/248)


يصح. قال الامام: لانهما يطلقان على الوقتين اللذين تنتهي الشمس فيهما إلى أوائل برجي الحمل والميزان، وقد يتفق ذلك ليلا، ثم ينحبس مسير الشمس كل سنة قدر ربع يوم وليلة. ولو وقت بفصح النصارى، نص الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يصح، فقال بعض أصحابه بظاهره اجتنابا لمواقيت الكفار. وقال جمهور الاصحاب: إن اختص بمعرفته الكفار، لم يصح، لانه لا اعتماد على قولهم، وإن عرفه المسلمون، جاكالنيروز. ثم إعتبر جماعة فيهما معرفة المتعاقدين. وقال أكثر الاصحاب: يكفي معرفة الناس. وسواء اعتبرنا معرفتهما، أم لا. فلو عرفا، كفى على الصحيح. وفي وجه: يشترط معرفة عدلين من المسلمين سواهما، لانهما قد يختلفان، فلا بد من مرجع. وفي معنى الفصح سائر أعياد أهل الملل، كفطير اليهود ونحوه. قلت: الفصح، بكسر الفاء وإسكان الصاد والحاء المهملتين، وهو عيد لهم معروف، وهو لفظ عربي. والفطير، عيد اليهود، ليس عربيا، وقد طرد صاحب الحاوي، الوجه في الفصح في شهور الفرس وشهور الروم. والله أعلم. فرع لو وقتا بنفر الحجيج وقيدا بالاول أو الثاني، جاز. وإن أطلقا، فوجهان. أحدهما: لا يصح. والاصح المنصوص: صحته، ويحمل على النفر الاول لتحقق الاسم به، ويجري الخلاف في التوقيت بشهور ربيع، أو جمادي، أو العيد، ولا يحتاج إلى تعيين السنة إذا حملنا المذكور على الاول. وفي الحاوي وجه: أن التوقيت بالنفر الاول، أو الثاني، لا يجوز لغير أهل مكة، لان أهل مكة يعرفونه دون غيرهم. وذكر وجهين في التوقيت بيوم القر لاهل مكة، لانه لا يعرفه إلا خواصهم. وهذا الذي قاله ضعيف، لانا إن اعتبرنا علم العاقدين، فلا فرق، وإلا فهي مشهورة في كل ناحية عند الفقهاء وغيرهم. قلت: يوم القر، بفتح القاف وتشديد الراء، وهو الحادي عشر من ذي الحجة، سمي به لانهم يقرون فيه بمنى، وينفرون بعده النفرين، في الثاني عشر،

(3/249)


والثالث عشر. وهذا الوجه الذي ذكره في الحاوي قوي. ودعوى الامام الرافعي رحمه الله شهرته عند غير الفقهاء ومن في معناهم لا تقبل، بل ربما لا يعرف القر كثير من المتفقهين. والله أعلم. فرع لو أجلا إلى سنة أو سنين مطلقة، حمل على الهلالية. فان قيد بالرومية، أو الفارسية، أو الشمسية، أو العددية. وهي ثلاثمائة وستون يوما، تقيد. وكذا مطلق الاشهر محمول على الاشهر الهلالية. ثم إن جرى العقد في أول الشهر، اعتبر الجميع بالاهلة، تامة كانت أو ناقصة. وإن جرى بعد مضي بعض الشهر، عد باقيه بالايام، واعتبرت الشهور بعده بالاهلة، ثم يتمم المنكسر بثلاثين. وفيه وجه: أنه إذا انكسر شهرا، اعتبر جميع الشهور بالعدد. وضرب الامام مثلا للتأجيل بثلاثة أشهر مع الانكسار فقال: عقدا وقد بقي من صفر لحظة، ونقص الربيعان وجمادى، فيحسب الربيعان بالاهلة، ويضم جمادى إلى اللحظة من صفر، ويكمل جمادى الآخرة يوم إلا لحظة. ثم قال الامام: كنت أود أن يكتفي في هذه الصورة بالاشهر الثلاثة، فانها جرت عربية كوامل. وما تمناه الامام، هو الذي نقله صاحب التتمة وغيره، وقطعوا بحلول الاجل بانسلاخ جمادى الاولى. قالوا: وإنما يراعى العدد، إذا عقد في غير اليوم الاخير، وهذا هو الصواب. فرع لو قال: إلى يوم الجمعة، أو إلى رمضان، حل بأول جزء منه، لتحقق الاسم. وربما يقال: بانتهاء ليلة الجمعة، وبانتهاء شعبان، وهما بمعنى، ولو قال محله: في الجمعة، أو في رمضان، فوجهان. أصحهما: لا يصح العقد، لانه جعل اليوم ظرفا، فكأنه قال: في وقت من أوقاته. والثاني: يصح ويحمل على الاول. قلت: كذا قاله جمهور الاصحاب. إذا قال في يوم كذا، أو شهر كذا، أو سنة كذا، لا يصح على الاصح، وسووا بينهما، وحكى الطبري في العد وجها: أنه

(3/250)


يصح في يوم كذا دون الشهر، وجعل صاحب الحاوي هذه الصور على مراتب، فقال: من الاصحاب من قال: يبطل في السنة دون الشهر، قال: فأما اليوم، فالصحيح فيه الجواز لقرب ما بين طرفيه. والاصح المعتمد قدمناه. والله أعلم. ولو قال: إلى أول رمضان أو آخره، بطل، كذا قاله الاصحاب، لانه يقع على جميع النصف الاول أو الاخير. قال الامام والبغوي: ينبغي أن يصح، ويحمل على الجزء الاول من كل نصف، كمسألة النفر، وكاليوم والشهر، يحمل على أولهما، وكتعليق الطلاق. فرع لو أسلم في جنس إلى أجلين، أو جنسين إلى أجل، صح على الاظهر. الشرط الثالث: القدرة على التسليم، وهذا الشرط ليس من خواص السلم، بل يعم كل بيع كما سبق، وإنما تعتبر القدرة على التسليم عند وجوبه. وذلك في البيع والسلم الحال في الحال، وفي السلم المؤجل عند المحل. فلو أسلم في منقطع لدى المحل، كالرطب في الشتاء، أو فيما يعز وجوده كالصيد حيث يعز، لم يصح. فلو غلب على الظن وجوده، لكن لا يحصله إلا بمشقة عظيمة، كالقدر الكثير في الباكورة، فوجهان. أقربهما إلى كلام الاكثرين: البطلان. ولو أسلم في شئ لا يوجد ببلده ويوجد في غيره، قال الامام: إن كان قريبا منه، صح، وإلا فلا، قال: ولا تعتبر فيه مسافة القصر، وإنما التقريب فيه أن يقال: إن كان يعتاد نقله إليه في غرض المعاملة، لا للتحف والمصادرات، صح السلم، وإلا فلا. ولو كان المسلم فيه عام الوجود عند المحل، فلا بأس بانقطاعه

(3/251)


قبله وبعده. وإن أسلم فيما يعم، ثم انقطع عند المحل لجائحة، فقولان. أحدهما: ينفسخ العقد. وأظهرهما: لا، بل يتخير المسلم، فإن شاء فسخ، وإن شاء صبر إلى وجوده. ولا فرق في جريان القولين بين أن لا يوجد عند المحل أصلا، أو وجد فسوف المسلم إليه حتى انقطع. وقيل: القولان في الحالة الاولى. أما الثانية، فلا ينفسخ فيها قطعا بحال، فإن أجاز ثم بدا له، مكن من الفسخ كزوجة المولى إذا رضيت ثم أرادت المطالبة، كان لها ذلك. قلت: هذا هو الصحيح، وذكر صاحب التتمة في باب التفليس وجهين في أن هذا الخيار على الفور، أم لا ؟ كالوجهين في خيار من ثبت له الرجوع في المبيع بالافلاس. والله أعلم. ولو صرح بإسقاط حق الفسخ، لم يسقط على الاصح. ولو قال المسلم إليه: لا تصبر وخذ رأس مالك، لم يلزمه على الصحيح. ولو حل الاجل بموت المسلم إليه في أثناء المدة، والمسلم فيه معدوم، جرى القولان. وكذا لو كان موجودا عند المحل وتأخر التسليم لغيبة أحد المتعاقدين، ثم حضر وقد انقطع بعض المسلم فيه، فقد ذكرنا حكمة في باب تفريق الصفقة. ولو أسلم فيما يعم عند المحل، فعرضت آفة علم بها انقطاع الجنس عن المحل، فهل يتنجز حكم الانقطاع في الحال، أم يتأخر إلى المحل ؟ وجهان. أصحهما الثاني.

(3/252)


فرع فيما يحصل به الانقطاع فإذا لم يوجد المسلم فيه أصلا، بأن كان ذلك الشئ ينشأ بتلك البلدة، فأصابه جائحة مستأصلة، فهذا انقطاع حقيقي. ولو وجد في غير ذلك البلد، لكن يفسد بنقله، أو لم إلا عند قوم امتنعوا من بيعه، فهو انقطاع. ولو كانوا يبيعونه بثمن غال، فليس بانقطاع، بل يجب تحصيله. ولو أمكن نقله، وجب إن كان قريبا. وفيما يضبط به القرب خلاف، نقل فيه صاحب التهذيب في آخرين وجهين. أصحهما: يجب نقله مما دون مسافة القصر. والثاني: من مسافة لو خرج إليها بكرة أمكنه الرجوع إلى أهله ليلا. وقال الامام: لا اعتبار لمسافة القصر. فان أمكن النقل على عسر، فالاصح أنه لا ينفسخ قطعا. وقيل: على القولين. الشرط الرابع: بيان محل التسليم. في اشتراط بيان مكان تسليم المسلم فيه المؤجل اختلاف نص وطرق للاصحاب. أحدها: فيه قولان مطلقا. والثاني: إن عقدا في موضع يصلح للتسليم، لم يشترط التعيين، وإلا، اشترط. والثالث: إن كان لحمله مؤنة، اشترط، وإلا، فلا. والرابع: إن لم يصلح الموضع، اشترط، وإلا، فقولان. والخامس: إن لم يكن لحمله مؤنة، لم يشترط، وإلا، فقولان. والسادس: إن كان له مؤنة، اشترط. وإلا فقولان. قال الامام: هذا اصح الطرق، وهو اختيار القفال. والمذهب الذي يفتى به من هذا كله: وجوب التعيين إن لم يكن الموضع صالحا، أو كان لحمله مؤنة، وإلا، فلا، ومتى شرطنا التعيين، فتركاه، بطل العقد. وإن لم نشرطه فعين، تعين. وعند الطلاق يحمل على مكان العقد على الصحيح. وفي التتمة: إذا لم يكن لحمله مؤنة، سلمه في أي موضع صالح شاء. وحكى وجها: أنه إذا لم يكن الموضع صالحا للتسليم، حمل على أقرب موضع صالح. ولو عين موضعا فخرب، وخرج عن صلاحية التسليم، فأوجه.

(3/253)


أحدها: يتعين ذلك الموضع. والثاني: لا، وللمسلم الخيار. والثالث: يتعين أقرب موضع صالح. قلت: الثالث، أقيسها. والله أعلم. وأما السلم الحال، فلا يشترط فيه التعيين، كالبيع. ويتعين موضع العقد للتسليم، لكن لو عينا غيره، جاز، بخلاف البيع، لان السلم يقبل التأجيل، فقبل شرطا يتضمن تأخير التسليم. والايمان لا تحتمل التأجيل، فلا تحتمل ما يتضمن تأخير التسليم. قال في التهذيب: ولا نعني بمكان العقد ذلك الموضع بعينه، بل تلك الناحية. وحكم الثمن في الذمة، حكم المسلم فيه. وإن كان معينا، فهو كالمبيع. قلت: قال في التتمة: الثمن في الذمة والاجرة إذا كانت دينا، وكذا الصداق، وعوض الخلع، والكتابة ومال الصلح عن دم العمد، وكل عوض ملتزم في الذمة، له حكم السلم في الحال، إن عين للتسليم مكان، جاز، وإلا تعيين موضع العقد، لان كل الاعواض الملتزمة في الذمة تقبل التأجيل كالمسلم فيه. والله أعلم. الشرط الخامس: العلم بالمقدار، والعلم يكون بالكيل، أو الوزن، أو الذرع، أو العد. ويجوز السلم في المكيل وزنا، وفي الموزون كيلا إذا تأتى كيله. وفي وجه ضعيف: لا يجوز في الموزون كيلا، وحمل إمام الحرمين إطلاق الاصحاب جواز كيل الموزون على ما يعد الكيل في مثله ضابطا، حتى لو أسلم في فتات المسك والعنبر ونحوهما كيلا، لم يصح.

(3/254)


وأما البطيخ، والقثاء، والبقول، والسفرجل، والرمان، والباذنجان، والرانج، والبيض، فالمعتبر فيها الوزن. ويجوز السلم في الجوز واللوز وزنا إذا لم تختلف قشوره غالبا، ويجوز كيلا على الاصح، وكذا الفستق والبندق. فصل لا يجوز السلم في البطيخة، والسفرجلة، ولا في عدد منها، لانه يحتاج إلى ذكر حجمها ووزنها، وذلك يورث عزة الوجود. وكذا لو أسلم في ثوب وصفه، وقال: وزنه كذا، أو في مائة صاع حنطة على أن وزنها كذا، لا يصح لما ذكرنا. ولو ذكر وزن الخشب مع صفاته المشروطة، جاز، لانه إن زاد، أمكن نحته. وأما اللبن، فيجمع فيه بين العدد والوزن. فيقول: كذا لبنة، وزن كل واحدة كذا، لانه باختياره، فلا يعز، ثم الامر فيها على التقريب. قلت: هكذا قال أصحابنا الخراسانيون يشترط في اللبن الجمع بين العدد والوزن، ولم يعتبر العراقيون أو معظمهم الوزن. ونص الشافعي رضي الله عنه في آخر كتاب السلم من الام على أن الوزن فيه مستحب، لو تركه فلا بأس، لكن يشترط أن يذكر طوله وعرضه وثخانته، وأنه من طين معروف. والله أعلم. فرع لو عين للكيل مالا يعتاد الكيل به، كالكوز، بطل السلم.

(3/255)


ولو قال في البيع: بعتك مل ء هذا الكوز من هذه الصبرة، جاز على الاصح، لعدم الغرر. ولو عين في البيع أو السلم مكيالا معتاد، لم يفسد العقد على الاصح، بل يلغو تعيينه كسائر الشروط التي لا غرض فيها. وهل السلم الحال كالمؤجل، أم كالبيع ؟ وجهان. قطع الشيخ أبو حامد، بأنه كالمؤجل، لان الشافعي رضي الله عنه قال: لو أصدقها مل ء هذه الجرة خلا، لم يصح، لانها قد تنكسر، فلا يمكن التسليم، فكذا هنا. ولو قال: أسلمت اليك في ثوب كهذا الثوب، أو مائة صاع حنطة كهذه الحنطة، قال العراقيون: لا يصح كمسألة الكوز، لان هذه الحنطة والثوب قد يتلفان. وقال في التهذيب: يصح ويقوم مقام الوصف. ولو أسلم في ثوب وصفه، ثم أسلم في ثوب آخر بتلك الصفة، جاز إن كانا ذاكرين لتلك الاوصاف. فرع لو أسلم في حنطة قرية صغيرة بعينها، أو ثمرة بستان بعينه، لم يصح. وإن أسلم في ثمرة ناحية، أو قرية كبيرة، نظر، إن أفاد تنويعا كمعقلي البصرة، جاز، لانه مع معقلي بغداد صنف (واحد)، لكن يختلفان في الاوصاف، فله غرض في ذلك. وإن لم يفد تنويعا، فوجهان. أحدهما: أنه كتعيين المكيال لعدم الفائدة. وأصحهما: الصحة، لانه لا ينقطع غالبا. الشرط السادس: معرفة الاوصاف. فذكر أوصاف المسلم فيه في العقد، شرط، فلا يصح السلم فيما لا ينضبط أوصافه، أو كانت تنضبط، فتركا بعض ما يجب ذكره.

(3/256)


ثم من الاصحاب من يشترط التعرض للاوصاف التي يختلف بها الغرض، ومنهم من يعتبر الاوصاف التي تختلف بها القيمة، ومنهم من يجمع بينهما، وليس شئ منها على إطلاقه، فان كون العبد قويا في العمل، أو ضعيفا، أو كاتبا، أو أميا، وما أشبه ذلك، أوصاف يختلف بها الغرض والقيمة، ولا يجب التعرض لها. ولتعذر الضبط أسباب، منها: الاختلاط، والمختلطات أربعة أنواع. الاول: المختلطات المقصودة الاركان، ولا ينضبط أقدار أخلاطها، وأوصافها، كالهريسة، ومعظم المرق، والحلوى، والمعجونات، والغالية المركبة من المسك، والعود، والعنبر، والكافور، والقسي، فلا يصح السلم فيها، ولا يجوز في الخفاف، والنعال على الصحيح. والترياق المخلوط كالغالية. فان كان نباتا واحدا، أو حجرا، جاز السلم فيه. والنيل بعد الخرط، والعمل عليه لا يجوز السلم فيه، وقبلهما، يجوز، والمغازل كالنبال. الثاني: المختلطات المقصودة الاركان، التي تنضبط أقدارها وصفاتها، كثوب العتابي، والخز المركب من الابريسم، والوبر، ويجوز السلم فيها على الصحيح المنصوص لسهولة ضبطها. ويجري الوجهان في الثوب المعمول عليه بالابرة بعد النسج من غير جنس الاصل، كالابريسم على القطن، والكتان، فان كان تركيبها بحيث لا تنضبط أركانها، فهي كالمعجونات. الثالث: المختلطات التي لا يقصد منها إلا الخليط الواحد، كالخبز فيه الملح، لكنه غير مقصود في نفسه. وفي السلم فيه وجهان، أصحهما عند

(3/257)


الجمهور: لا يصح، وأصحهما عند الامام والغزالي: الصحة. ويجوز السلم في الجبن، والاقط، وخل التمر، والزبيب، والسمك الذي عليه شئ من الملح على الاصح في الجميع، لحقارة أخلاطها. وأما الادهان المطيبة، كدهن البنفسج، والبان، الورد، فان خالطها شئ من جرم الطيب، لم يجز السلم فيها، وإن تروح السمسم بها واعتصر، جاز. ولا يجوز في المخيض الذي يخالطه الماء، نص عليه. وفي التتمة: أن المصل كالمخيض، لانه يخالطه الدقيق. الرابع: المختلطات خلقة، كالشهد، والاصح: صحة السلم فيه، والشمع فيه كنوى التمر. ويجوز في العسل والشمع. فرع سبق أن ما يندر وجوده لا يجوز السلم فيه، والشئ قد يندر من حيث جنسه، كلحم الصيد في غير موضعه، وقد يندر باستقصاء الاوصاف لندور اجتماعها، فلا يجوز السلم في اللآلئ الكبار، واليواقيت، والزبرجد، والمرجان، ويجوز في اللآلئ الصغار إذا عم وجودها كيلا ووزنا. قلت: هذا مخالف لما تقدم في الشرط الخامس عن إمام الحرمين: أن مالا يعد الكيل فيه ضبطا، لا يصح السلم فيه كيلا، فكأنه اختار هنا، ما تقدم من إطلاق الاصحاب. والله أعلم. واختلف في ضبط الصغير، فقيل: ما يطلب للتداوي، صغير، وما طلب للزينة، كبير. وعن الشيخ أبي محمد: أن ما وزنه سدس دينار، يجوز السلم فيه، وإن كان يطلب للتزين. والوجه: أن اعتباره السدس للتقريب.

(3/258)


فرع لو أسلم في الجارية وولدها، أو أختها، أو عمتها، أو شاة وسخلتها، لم يصح لندور اجتماعهما بالصفات، هكذا أطلقه الشافعي رضي الله عنه والاصحاب. وقال الامام: لا يمتنع ذلك في الزنجية التي لا تكثر صفاتها، وتمتنع فيمن تكثر. ولو أسلم في عبد وجارية، وشرط كونه كاتبا وهي ماشطة، جاز. ولو أسلم في الجارية، وشرط كونها حاملا، بطل السلم في المذهب. وقيل: قولان بناء على أن الحمل، هل له حكم، أم لا ؟ إن قلنا: نعم، جاز، وإلا، فلا. لو أسلم في شاة لبون، ففي صحته قولان. أظهرهما: المنع، وبه أجاب البغوي.
فصل يجوز السلم في الحيوان، وهو أنواع. منها، الرقيق، فإذا أسلم فيه، وجب التعرض لامور. أحدها: النوع، فيذكر أنه تركي أو رومي، فان اختلف صنف النوع، وجب ذكره على الاظهر. الثاني: اللون، فيذكر انه أبيض أو أسود، ويصف البياض بالسمرة أو الشقرة، والسواد بالصفاء أو الكدرة، هذا إن اختلف لون الصنف، فان لم يختلف، لم يجب ذكر اللون. الثالث: الذكورة والانوثة.

(3/259)


الرابع: السن، فيقول: محتلم، أو ابن ست، أو سبع، والامر في السن على التقريب، حتى لو شرط كونه ابن سبع سنين مثلا بلا زيادة ولا نقصان، لم يجز لندوره. والرجوع في الاحتلام، إلى قول العبد. وفي السن، يعتمد قوله إن كان بالغا، وقول سيده إن ولد في الاسلام، وإلا، فالرجوع إلى النخاسين، فتعتبر ظنونهم. الخامس: القد، فيبين أنه طويل، أو قصير، أو ربع، ونقل الامام عن العراقيين، إنه لا يجب ذكر القد. والموجود في كتب العراقيين، القطع بوجوبه، ولا يشترط وصف كل عضو على حياله بأوصافه المقصودة، وإن تفاوت به الغرض والقيمة، لان ذلك يورث غرة. وفي ذكر الاوصاف التي يعتبرها أهل الخبرة ويرغب في الارقاء، كالكحل، والدعج، وتكلثم الوجه، وسمن الجارية وما أشبهها، وجهان، أحدهما: يجب، قاله الشيخ أبو محمد، وأصحهما: لا. والاصح: أنه لا يشترط ذكر الملاحة. ويستحب أن يذكر كونه مفلج الاسنان أو غيره، وجعد الشعر أو سبطه. ويجب ذكر الثيابة، والبكارة، على الاصح. فرع لو شرط كون العبد يهوديا أو نصرانيا، جاز. قال الصيمري: ولو

(3/260)


شرط أنه ذو زوجة، أو أنها ذات زوج، جاز، وزعم أنه لا يندر. قال: ولو شرط كونه زانيا، أو قاذفا، أو سارقا، جاز، بخلاف ما لو شرط كون الجارية مغنية، أو قوادة، لا يصح. فرع لو أسلم جارية صغيرة في كبيرة، فوجهان. قال أبو إسحاق: لا يجوز، لانها قد تكبر وهي بالصفة المشروطة، فيسلمها بعد أن يطأها، فيكون في معنى اقتراض الجواري. والصحيح: الجواز، كاسلام صغار الابل في كبارها. وهل يمكن من تسليمها عما عليه ؟ وجهان. فان قلنا: يمكن، فلا مبالاة بالوطئ كوطئ الثيب، وردها بالعيب. ومنها الابل، ويجب فيها ذكر الانوثة، والذكورة، والسن، واللون، والنوع، فيقول: من نعم بني فلان ونتاجهم، هذا إذا كثر عددهم وعرف لهم النتاج، كبني تميم. فأما النسبة إلى طائفة يسيرة، فكتعين ثمرة بستان. ولو اختلف نعم بني فلان، فالاظهر: أنه يشترط التعيين. ومنها الخيل، فيجب ذكر ما يجب في الابل. ولو ذكر معها الشيات كالاغر، والمحجل، واللطيم، كان أولى. فان تركه، جاز. وهكذا القول في البقر، والغنم، والبغال، والحمير. وما لا يبين نوعه

(3/261)


بالاضافة إلى قوم، يبين بالاضافة إلى بلد وغيره. ويجوز السلم في الطيور على الصحيح، وبه قطع الجماهير. وفي المهذب: لا يجوز. فان جوزناه، وصف منها النوع، والصغر، والكبر من حيث الجثة، ولا يكاد يعرف سنها. فان عرف، وصف به. ويجوز السلم في السمك والجراد حيا وميتا عند عموم الوجود، ويوصف كل جنس من الحيوان بما يليق به.
فصل السلم في اللحم جائز، ويجب فيه بيان أمور. أحدها: الجنس، كلحم بقر أو غنم. الثاني: النوع. فيقول: لحم بقر عراب أو جواميس، وضأن أو معز. الثالث: ذكر أو أنثى، خصي أو فحل. الرابع: السن، فيقول: لحم صغير أو كبير، ومن الصغير، رضيع أو فطيم. ومن الكبير، جذع أو ثني. الخامس: يبين أنه من راعية أو معلوفة. قال الامام: ولا أكتفي بالعلف بالمرة والمرات، حتى ينتهي إلى مبلغ يؤثر في اللحم. السادس: يبين أنه من الفخد، أو الكتف أو الجنب. وفي كتب العراقيين، أمر سابع، وهو بيان السمن والهزال. ولا يجوز شرط الاعجف، لانه عيب، وشرطه مفسد للعقد. ويجوز في اللحم المملح، والقديد إذا لم يكن عليه غير المملح. فان كان، فقد سبق الخلاف في جوازه في نظيره. ثم إذا أطلق السلم في اللحم، وجب قبول ما فيه من العظم على العادة. وإن شرط نزعه، جاز ولم يجب قبوله. فرع يجوز السلم في الشحم، والالية، والكبد، والطحال، والكلية، والرئة.

(3/262)


فرع إذا أسلم في لحم صيد، ذكر ما يجب في سائر اللحوم. لكن الصيد لا يكون خصيا، ولا معلوفا، فلا يجب ذكر هذين الامرين. قال الشيخ أبو حامد والمقتدون به: يبين أنه صيد بأحبولة، أو بسهم، أو بجارحة، وأنها كلب، أو فهد، لان صيد الكلب أطيب. فرع في لحم الطير والسمك يبين الجنس، والنوع، والصغر، والكبر من حيث الجثة. ولا يشترط ذكر الذكورة والانوثة، إلا إذا أمكن التمييز، وتعلق به غرض. ويبين موضع اللحم إذا كان الطير والسمك كبيرين. ولا يلزمه قبول الرأس والرجل من الطير، والذنب من السمك.
فصل لا يجوز السلم في اللحم المطبوخ والمشوي، ولا في الخبز على الاصح كما سبق. وفي الدبس، والعسل المصفى بالنار، والسكر، والفانيذ، واللبأ، وجهان، واستبعد الامام المنع فيها كلها. قلت: وممن اختار الصحة في هذه الاشياء الغزالي وصاحب التتمة. والله أعلم. وتردد صاحب التقريب في السلم في الماء، ورد لاختلاف تأثير النار فيما

(3/263)


يتصعد ويقطر، ولا عبرة بتأثير الشمس، فيجوز السلم في العسل المصفى بالشمس فرع لا يجوز السلم في رؤوس الحيوان على الاظهر، والاكارع كالرؤوس. قلت: فإذا جوزناه في الاكارع، فمن شرطه أن يقول: من الايدي والارجل. والله أعلم. فان جوزنا، فله ثلاثة شروط. أن تكون نيئة، وأن تكون منقاة من الشعر والصوف، ويسلم فيها وزنا، فان فقد شرط، لم يجز قطعا.
فصل يذكر في التمر النوع، فيقول: معقلي أو برني، والبلد، فيقول: بغدادي، واللون، وصغر الحبات، وكبرها، وكونه جديدا، أو عتيقا. والحنطة، وسائر الحبوب، كالتمر. وفي الرطب، يذكر جميع ذلك، إلا الجديد والعتيق. قال في الوسيط يجب ذكر ذلك في الرطب دون الحنطة والحبوب، وهو خلاف ما عليه الاصحاب. وفي العسل، يذكر أنه جبلي، أو بلدي، صيفي أو خريفي، أو أصفر أو أبيض، ولا يشترط ذكر الجديد والعتيق، ويقبل ما رق بسبب الحر، ولا يقبل ما رق رقة عيب. فصل يجوز السلم في اللبن، ويبين فيه ما يبين في اللحم، سوى الامر

(3/264)


الثالث والسادس، ويبين نوع العلف، لاختلاف الغرض به، ولا حاجة إلى ذكر اللون والحلاوة، لان المطلق ينصرف إلى الحلو، بل لو أسلم في اللبن الحامض، لم يجز، لان الحموضة عيب. وإذا أسلم في لبن يومين أو ثلاثة، فإنما يجوز إذا بقي حلوا في تلك المدة. وإذا أسلم في السمن، يبين ما يبين في اللبن، ويذكر أنه أبيض، أو أصفر. وهل يحتاج إلى ذكر العتيق والجديد ؟ وجهان. قال الشيخ أبو حامد: لا بل العتيق معيب لا يصح السلم فيه. وقال القاضي أبو الطيب: العتيق المتغير هو المعيب، لا كل عتيق، فيجب بيانه. وفي الزبد يذكر ما يذكر في السمن، وأنه زبد يومه أو أمسه. ويجوز في اللبن كيلا ووزنا، لكن لا يكال حتى تسكن رغوته، ويوزن قبل سكونها. والسمن يكال ويوزن، إلا إذا كان جامدا يتجافى في المكيال، فيتعين الوزن، وليس في الزبد الا الوزن، وكذا اللبأ المجفف، وقبل الجفاف، هو كاللبن. وإذا جوزنا السلم في الجبن، وجب بيان نوعه وبلده، وأنه رطب أو يابس. وأما المخيض الذي فيه ماء، فلا يجوز السلم فيه، نص الشافعي رضي الله عنه. وإن لم يكن فيه ماء، جاز، وحينئذ لا يضر وصف الحموضة، لانها مقصودة فيه.
فصل إذا أسلم في الصوف، قال: صوف بلد كذا، وذكر لونه وطوله وقصره، وأنه خريفي أو ربيعي، من ذكور أو إناث، لان صوف الاناث أشد نعومة. واستغنوا بذلك عن ذكر اللين والخشونة، ولا يقبل إلا خالصا من الشوك والبعر، فان شرط كونه مغسولا، جاز، إلا أن يعيبه الغسل. والشعر والوبر، كالصوف، ويضبط الجميع وزنا فصل يبين في القطن بلده، ولونه، وكثرة لحمه، وقلته، والخشونة،

(3/265)


والنعومة، وكونه عتيقا أو جديدا إن اختلف الغرض به، والمطلق يحمل على الجاف وعلى ما فيه الحب. ويجوز في الحليج، وفي حب القطن، ولا يجوز في القطن في الجوزق قبل التشقق. وأما بعده، ففي التهذيب: أنه يجوز. وقال في التتمة: ظاهر المذهب: أنه لا يجوز، لاستتار المقصود بما لا مصلحة فيه، وهذا هو الذي أطلق العراقيون حكايته عن النص.
فصل يبين في الابريسم لونه، وبلده، ودقته، وغلظه، ولا يشترط ذكر الخشونة والنعومة، ولا يجوز السلم في القز وفيه الدود، لا حيا ولا ميتا، لانه يمنع معرفة وزن القز. وبعد خروج الدود، يجوز.
فصل وإذا أسلم في الغزل، ذكر ما يذكر في القطن، ويذكر الدقة والغلظ. ويجوز السلم في غزل الكتان، ويجوز شرط كونه مصبوغا، ويشترط بيان الصبغ.
فصل إذا أسلم في الثياب، ذكر جنسها من إبريسم، أو قطن، أو كتان، والنوع، والبلد الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض، وقد يغني ذكر النوع عنه، وعن الجنس أيضا، ويبين الطول، والعرض، والغلظ، والدقة، والنعومة، والخشونة، ويجوز في المقصود، والمطلق محمول على الخام. ولا يجوز في الملبوس، لانه لا ينضبط. ويجوز فيما صبغ غزله قبل النسج، كالبرود. والمعروف في كتب الاصحاب: أنه لا يجوز المصبوغ بعد النسج. وفيه وجه: أنه يجوز، قاله طائفة، منهم الشيخ أبو محمد، وصاحب الحاوي، وهو القياس. قال

(3/266)


الصيمري: يجوز السلم في القمص، والسراويلات، إذا ضبطت طولا وعرضا، وسعة وضيقا. فصل الخشب أنواع. منها الحطب، فيذكر نوعه، وغلظه، ودقته، وأنه من نفس الشجر، أو أغصانه، ووزنه، ولا يجب التعرض للرطوبة، والجاف، والمطلق محمول على الجفاف، ويجب قبول المعوج، والمستقيم. ومنها ما يطلب للبناء، كالجذوع، فيذكر النوع، والطول، والغلظ، والدقة، ولا يشترط الوزن على الصحيح، وشرطه الشيخ أبو محمد، ولو ذكر، جاز، بخلاف الثياب. ولا يجوز في المخروط، لاختلاف أعلاه وأسفله. ومنها ما يطلب ليغرس، فيذكر العدد، والنوع، والطول، والغلظ. ومنها ما يطلب ليتخذ منه القسي والسهام، فيذكر فيه النوع، والدقة، والغلظ، وزاد بعضهم كونه سهليا، أو جبليا، لان الجبلي أصلح. ومنهم من شرط الوزن فيه، وفي خشب البناء.
فصل إذا أسلم في الحديد، ذكر نوعه، وأنه ذكر أو أنثى، ولونه، وخشونته، ولينه. وفي الرصاص يذكر نوعه من قلع وغيره. وفي الصفر، من شبه وغيره، ولونهما، وخشونتهما، ولينهما، ولا بد من الوزن في جميع ذلك. فرع كل شئ لا يتأتى وزنه بالقبان لكبره، يوزن بالعرض على الماء. قلت: قد سبقت كيفية الوزن بالماء في باب الربا. والله أعلم. فصل في مسائل منثورة تتعلق بما سبق إحداها: السلم في المنافع، كتعليم القرآن وغيره، جائز، ذكره الروياني

(3/267)


الثانية: السلم في الدراهم والدنانير، جائز على الاصح، بشرط أن يكون رأس المال غيرهما. قلت: اتفق أصحابنا على أنه لا يجوز إسلام الدراهم في الدنانير، ولا عكسه سلما مؤجلا. وفي الحال وجهان محكيان في البيان وغيره. الاصح المنصوص في الام في مواضع: أنه لا يصح. والثاني: يصح بشرط قبضهما في المجلس، قاله القاضي أبو الطيب. والله أعلم. الثالثة: يجوز السلم في أنواع العطر العامة الوجود، كالمسك، والعنبر، والكافور، فيذكر وزنها ونوعها فيقول: عنبر أشهب. الرابعة: يجوز السلم في الزجاج، والطين، والجص، والنورة، وحجارة الارحية، والابنية، والاواني، فيذكر نوعها وطولها وعرضها وغلظها، ولا يشترط الوزن. قلت: عدم اشتراط الوزن في الارحية، هو الاصح، وبه قطع الشيخ أبو حامد، والبغوي، وآخرون، وقطع الغزالي باشتراطه. وادعى إمام الحرمين الاتفاق عليه، وليس كما ادعى. والله أعلم. الخامسة: لا يجوز السلم في الحباب، والكيزان، والطسوت، والقماقم، والطناجير والمنائر، والبرام المعمولة، لندور اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة. ويجوز السلم فيما يصب منها في القالب، لعدم اختلافه، وفي الاسطال المربعة. السادسة: يجوز السلم في الكاغد عددا، ويبين نوعه وطوله. ويجوز في الآجر على الاصح. وفي وجه: لا يصح لتأثير النار. ولا يجوز السلم في العقار، ولا في الارز، والعلس، لاستتارهما بالكمام، ويجوز في الدقيق على الصحيح.

(3/268)


فصل هل يشترط ذكر الجودة والرداءة في المسلم فيه ؟ وجهان. قال العراقيون: يشترط، وهو ظاهر النص، لاختلاف الغرض به. وقال غيرهم: لا يشترط، ويحمل المطلق على الجيد، وهو الاصح. قلت: قوله: ظاهر النص، مما ينكر عليه. فقد نص عليه في مواضع من الام نصا صريحا، وهو مبين في شرح المهذب. والله أعلم. وسواء قلنا بالاشتراط، أو شرطا، ينزل على أقل الدرجات. ولو شرط الاجود، لم يصح العقد على المذهب. وقيل: فيه قولان كالاردأ. ولو شرطا الرداءة، فان كانت رداءة العيب، لم يصح العقد. وإن كانت رداءة النوع، فقال كثيرون: يصح. وأطلق الغزالي في الوجيز البطلان. قلت: وقد قال بالبطلان أيضا إمام الحرمين. والاصح: الصحة، وبه قطع العراقيون. ونص عليه الشافعي رضي الله عنه في الام نصا صريحا في مواضع. والله أعلم. وإن شرط الاردأ، جاز على الاظهر. وقيل: الاصح. فرع ينزل الوصف في كل شئ على أقل درجاته. فإذا أتى بما يقع على إسم الوصف المشروط، كفى، ووجب قبوله، لان الرتب لا نهاية لها، وهي كمن باع بشرط أنه كاتب أو خباز.
فصل صفات المسلم فيه مشهورة عند الناس، وغير مشهورة، ولابد من معرفة العاقدين صفاته. فان جهلها أحدهما، لم يصح العقد، وهل يكفي

(3/269)


معرفتهما ؟ وجهان. أصحهما: لا، وهو منصوص، بل لا بد من معرفة عدلين ليرجع إليهما عند تنازعهما. وقيل: تعتبر فيها الاستفاضة، ويجري الوجهان فيما إذا لم يعرف المكيال المذكور إلا عدلان. وما ذكرناه الآن، يخالف ما قدمناه في فصح النصارى من بعض الوجوه. ولعل الفرق، أن الجهالة هناك عائدة إلى الاجل، وهنا إلى المعقود عليه، فجاز أن يحتمل هناك ما لا يحتمل هنا. فصل في أداء المسلم فيه، والكلام في صفته وزمانه ومكانه أما صفته، فإن أتى بغير جنسه، لم يجز قبوله، إذ لا يجوز الاعتياض عنه. وإن أتى بجنسه وعلى صفته المشروطة، وجب قبوله قطعا، وإن كان أجود، جاز قبوله قطعا، ووجب على الاصح. وإن كان أردأ، جاز قبوله ولم يجب. وإن أتى بنوع آخر، بأن أسلم في التمر المعقلي، فأحضر البرني، أو في ثوب هروي، فأتى بمروي، فأوجه. أصحها: يحرم قبوله. والثاني: يجب. والثالث: يجوز، كما لو اختلفت الصفة، واختلفوا في أن التفاوت بين التركي والهندي، تفاوت جنس، أم تفاوت نوع ؟ والصحيح: الثاني. وفي أن التفاوت بين الرطب والتمر، وبين ما سقي بماء السماء وما سقي بغيره، تفاوت نوع، أو صفة ؟ والاصح الاول. فرع ما أسلم فيه كيلا قبضه كيلا. وما أسلم فيه وزنا، قبضه وزنا ولا يجوز العكس. وإذا كال لا يزلزل المكيال، ولا يضع الكف على جوانبه. ويجب تسليم الحنطة ونحوها نقية من الزوان والمدر والتراب، فان كان فيها شئ قليل من ذلك، وقد أسلم كيلا، جاز، وإن أسلم وزنا، لم يجز. قلت: هكذا أطلق جمهور الاصحاب، وقال صاحب الحاوي: فيما إذا أسلم كيلا، إلا أن يكون لاخراج التراب مؤنة، فلا يلزمه قبولها. قال في البيان دقاق التبن كالتراب. والله أعلم.

(3/270)


ويجب تسليم التمر جافا، والرطب صحيحا غير مشدخ. وأما زمانه: فان كان السلم مؤجلا، لم يخف انه لا مطالبة قبل المحل. فان أتى به المسلم إليه قبله، فامتنع من قبوله، قال جمهور الاصحاب: إن كان له غرض في الامتناع، بأن كان وقت نهب، أو كان حيوانا يحتاج علفا، أو ثمرة، أو لحما يريد أكلها عند المحل طريا، أو كان يحتاج إلى مكان له مؤنة، كالحنطة وشبهها، لم يجبر على القبول. وإن لم يكن له غرض في الامتناع، فان كان للمؤدي غرض سوى براءة الذمة، بأن كان به رهن أو كفيل، أجبر على القبول على المذهب. وقيل: قولان. وهل يلحق بهذه الاعذار خوفه من انقطاع الجنس قبل الحلول ؟ وجهان. الاصح: يلحق. وإن لم يكن للمؤدي غرض سوى براءة الذمة، فقولان، أصحهما: يجبر، وإن تقابل غرضاهما، فالمرعي جانب المستحق على المذهب. وقيل بطرد القولين، وعكس الغزالي هذا الترتيب، وهو شاذ مردود. وحكم سائر الديون المؤجلة فيما ذكرنا حكم المسلم فيه. وأما إذا كان السلم حالا، فله المطالبة به في الحال. فلو أتى به المسلم إليه، فامتنع من قبضه، فان كان للدافع غرض سوى البراءة، أجبر على القبول، وإلا، فالمذهب: أنه يجبر على القبول أو الابراء. وقيل: على القولين، وحيث ثبت الاجبار، فلو أصر على الامتناع، أخذه الحاكم له. وأما مكانه: فإذا قلنا: يتعين مكان العقد للتسليم، أو قلنا: لا يتعين فعيناه، وجب التسليم فيه. فلو وجد المسلم إليه في غير ذلك المكان، فإن كان لنقله مؤنة، لم يطالب به. وهل يطالب بالقيمة للحيلولة ؟ وجهان. الصحيح: لا، لان أخذ العوض عن المسلم فيه قبل القبض غير جائز، وبهذا قطع العراقيون

(3/271)


وصاحب التهذيب، فعلى هذا، للمسلم الفسخ واسترداد رأس المال، كما لو انقطع المسلم فيه. وإن لم يكن لنقله مؤنة كالدراهم والدنانير، فله مطالبته به، وأشار إمام الحرمين إلى الخلاف فيه. ولو ظفر المالك بالغاصب في غير مكان الغصب أو الاتلاف، فهل له مطالبته بالمثل ؟ فيه خلاف، الاصح: ليس له المطالبة إلا بالقيمة. ولو أتى المسلم إليه بالمسلم فيه في غير مكان التسليم، فامتنع المستحق من أخذه، فان كان لنقله مؤنة، أو كان الموضع مخوفا، لم يجز، وإلا فوجهان بناء على القولين في التعجيل قبل المحل. فلو رضي، وأخذه، لم يكن له أن يكلفه مؤمنة النقل. قلت: أصحهما: إجباره. ولو اتفق كون رأس المال على صفة المسلم فيه، فأحضره، فوجهان مشهوران. أصحهما: يجب قبوله. والثاني: لا يجوز. والله أعلم.
باب القرض
هو مندوب إليه.

(3/272)


وأركانه أربعة. العاقدان، والصيغة، والشئ المقرض، فلا يصح إلا من أهل التبرع. وأما الصيغة، فالايجاب لا بد منه، وهو أن يقول أقرضتك، أو أسلفتك، أو خذه هذا بمثله، أو خذ هذا واصرفه في حوائجك ورد بدله، أو ملكتك على أن ترد بدله، فلو اقتصر على ملكتكه فهو هبة، فان اختلفا في ذكر البدل، فالقول قول الآخذ. قلت: وحكي وجه: أن القول قول الدافع، وهو متجه. وفي التتمة وجه: أن الاقتصار على ملكتكه قرض. والله أعلم. وأما القبول، فشرط على الاصح، وبه قطع الجمهور. وادعى إمام المحرمين أن عدم الاشتراط أصح. قلت: وقطع صاحب التتمة بأنه لا يشترط الايجاب، ولا القبول، بل إذا قال لرجل: أقرضني كذا، أو أرسل إليه رسولا، فبعث إليه المال، صح القرض. وكذا قال رب المال: أقرضتك هذه الدراهم، وسلمها إليه، ثبت القرض. والله أعلم.

(3/273)


وأما الشئ المقرض، فالمال ضربان. أحدهما: يجوز السلم فيه، فيجوز إقراضه حيوانا كان، أو غيره. لكن إن كان جارية، نظر، إن كانت محرما للمستقرض، بنسب، أو رضاع، أو مصاهرة، جاز إقراضها قطعا. وإن كانت حلالا، لم يجز على الاظهر المنصوص قديما وجديدا. قلت: هذا الذي جزم به من جواز إقراض المحرم، هو الذي قطع به الجماهير. وقال في الحاوي، إن كانت ممن لا يستبيحها المستقرض، بأن اقترضها محرم، أو امرأة، فوجهان. قال البغداديون: يجوز. وقال البصريون: لا يجوز ويصرن جنسا لا يجوز قرضه. والله أعلم. الضرب الثاني: ما لا يجوز السلم فيه، فجواز إقراضه يبنى على أن الواجب في المتقومات رد المثل أو القيمة، إن قلنا بالاول، لم يجز. وبالثاني، جاز. وفي إقراض الخبز، وجهان، كالسلم فيه. أصحهما في التهذيب: لا يجوز. واختار صاحب الشامل وغيره: الجواز. وأشار في البيان إلى ترتيب الخلاف، إن

(3/274)


جوزنا السلم، جاز هنا، وإلا فوجهان. قال: فان جوزناه، رد مثله وزنا إن أوجبنا في المتقومات المثل. وإن أوجبنا القيمة، وجبت هنا. فان شرط المثل فوجهان. قلت: قطع صاحب التتمة والمستظهري، بجواز قرضه وزنا. واحتج صاحبا الشامل والتتمة باجماع أهل الامصار على فعله في الاعصار بلا إنكار، وهو مذهب أحمد رضي الله عنه، وأبي يوسف، ومحمد، وذكر صاحب التتمة وجهين في إقراض الخمير الحامض. أحدهما: الجواز، لاطراد العادة. وفي فتاوى القاضي حسين: لا يجوز إقراض الروبة، لانها تختلف بالحموضة. قال: ولا يجوز إقراض المنافع، لانه لا يجوز السلم فيها، ولا إقراض ماء القناة، لانه مجهول. والله أعلم. فرع يشترط أن يكون المقرض معلوم القدر، ويجوز إقراض المكيل وزنا وعكسه كالسلم. وقال القفال: لا يجوز إقراض المكيل وزنا، بخلاف السلم، فانه لا يشترط فيه استواء العوضين. وزاد فقال: لو أتلف مائة رطل حنطة، ضمنها بالكيل. ولو باع شقصا بمائة رطل حنطة، أخذ الشفيع بمثلها كيلا. والاصح في الجميع: الجواز.
فصل يحرم كل قرض جر منفعة، كشرط رد الصحيح عن المكسر، أو الجيد عن الردئ، وكشرط رده ببلد آخر، فان شرط زيادة في القدر، حرم إن كان المال ربويا، وكذا إن كان غير ربوي على الصحيح. وحكى الامام أنه يصح الشرط الجار للمنفعة في غير الربوي، وهو شاذ غلط. فان جرى القرض بشرط من هذه،

(3/275)


فسد القرض على الصحيح، فلا يجوز التصرف فيه. وقيل: لا يفسد، لانه عقد مسامحة. ولو أقرضه بلا شرط، فرد أجود أو أكثر أو ببلد آخر، جاز، ولا فرق بين الربوي وغيره، ولا بين الرجل المشهور برد الزيادة أو غيره على الصحيح. قلت: قال في التتمة: لو قصد إقراض المشهور بالزيادة للزيادة، ففي كراهته وجهان. والله أعلم. ولو شرط رد الاردأ أو المكسر، لغا الشرط، ولا يفسد العقد على الاصح، وأشار بعضهم إلى خلاف في صحة الشرط. ولايجوز شرط الاجل فيه، ولا يلزم بحال. فلو شرط أجلا، نظر، إن لم يكن للمقرض غرضفيه، فهو كشرط رد المكسر عن الصحيح. وإن كان، بأن كان زمن نهب والمستقرض ملئ، فهو كالتأجيل بلا غرض، أم كشرط رد الصحيح عن المكسر ؟ وجهان. أصحهما: الثاني، ويجوز فيه شرط الرهن والكفيل، وشرط أن يشهد عليه أو يقر به عند الحاكم. فان شرط رهنا بدين آخر، فهو كشرط زيادة الصفة.

(3/276)


ولو شرط أن يقرضه مالا آخر، صح على الصحيح، ولم يلزمه ما شرط، بل هو وعد، كما لو وهبه ثوبا بشرط أن يهبه غيره.
فصل فيما يملك به المقرض قولان منتزعان من كلام الشافعي رضي الله عنه. أظهرهما: بالقبض. والثاني: بالتصرف. فان قلنا: بالقبض، فهل للمقرض أن يلزمه رده بعينه ما دام باقيا، أم للمستقرض رد بدله مع وجوده ؟ وجهان. أصحهما عند الاكثرين: الاول. ولو رده المستقرض بعينه لزم المقرض قبوله قطعا. وإ قلنا: يملك بالتصرف، فمعناه: إذا تصرف، تبين ثبوت ملكه. ثم في ذلك التصرف، أوجه. أصحها: أنه كل تصرف يزيل الملك. والثاني: كل تصرف يتعلق بالرقبة. والثالث: كل تصرف يستدعي الملك. فعلى الاوجه: يكفي البيع، والهبة، والاعتاق، والاتلاف. ولا يكفي الرهن، والتزويج، والاجارة، وطحن الحنطة، وخبز الدقيق، وذبح الشاة، على الوجه الاول. قلت: فتكون هذه العقود باطلة والله أعلم. ويكفي ما سوى الاجارة على الثاني، وما سوى الرهن، على الثالث، لانه يجوز أن يستعير الرهن، فيرهنه. وحكي عن الشيخ أبي حامد: أنه كل تصرف يمنع رجوع الواهب والبائع عند إفلاس المشتري. فان قلنا بالاول، فهل يكفي البيع بشرط الخيار ؟ إن قلنا: لا يزيل الملك، فلا، وإلا، فوجهان، لانه لا يزيله بصفة اللزوم. فرع اقترض حيوانا، إن قلنا: يملك بالقبض، فنفقته على المفترض، وإلا، فعلى المقرض إلى أن يتصرف المستقرض. ولو اقترض من يعتق عليه، عتق

(3/277)


إذا قبضه إن قلنا: يملك به، ولا يعتق إن قلنا: بالتصرف. قال في التهذيب ويجوز أن يقال: يعتق ويحكم بالملك قبيله. قلت: جزم صاحب التتمة بهذا الاحتمال، ولكن المعروف: أن لا يعتق. والله أعلم.
فصل أداء القرض في الصفة والمكان والزمان، كالمسلم فيه. ولو ظفر بالمستقرض في غير مكان الاقراض، فليس له مطالبته بالمثل، وله مطالبته بالقيمة. فلو عاد إلى مكان الاقراض، فهل له رد القيمة والمطالبة بالمثل ؟ وهل اللمقرد مطالبته برد القيمة ؟ وجهان. قلت: أصحهما: لا. والله أعلم. والقيمة التي يطالب بها، قيمة بلد القرض يوم المطالبة. وكذا في السلم يطالب بقيمة بلد العقد إذا جورنا أخذ قيمته. قلت: المعتبر في السلم، قيمة الموضع الذي يستحق فيه التسليم. والله أعلم. فرع إذا اقترض مثليا، رد مثليا، وإن رد متقوما، فالاصح عند الاكثرين: أنه يرد مثله من حيث الصورة. والثاني: يرد القيمة يوم القبض إن

(3/278)


قلنا: يملك به. وإن قلنا بالتصرف، فوجهان. أحدهما: كذلك. والثاني: تجب قيمته أكثر ما كانت من القبض إلى التصرف. وإذا اختلفا في قدر القيمة، أو صفة المثل، فالقول قول المستقرض. قلت: قال في المهذب لو قال: أقرضتك ألفا وقبل وتفرقا، ثم دفع إليه ألفا، فان لم يطل الفصل، جاز، وإلا، فلا، لانه لا يمكن البناء مع طول الفصل. وإذا جوزنا إقراض الخبز، فهل يرد المثل أو القيمة ؟ فيه الوجهان. فان قلنا: القيمة، فشرط الخبز، فوجهان. أحدهما: يصح الشرط، لان مبناه على المساهلة والرفق. قال الشاشي: قال القاضي أبو حامد: إذا أهدى المستقرض للمقرض هدية، جاز قبولها بلا كراهة، هذا مذهبنا ومذهب ابن عباس، وكرهها ابن مسعود. قال المحاملي وغيره من أصحابنا: يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخر، للحديث الصحيح في ذلك ولا يكره للمقرض أخذ ذلك. ولو أقرضه نقدا، فابطل السلطان المعاملة به، فليس له إلا النقض الذي أقرضه، نص عليه الشافعي رضي الله عنه، ونقله عنه أيضا ابن المنذر، وقد سبق نظيره في البيع.

(3/279)


وفي فتاوى القاضي حسين: أنه لو قال: أقرضني عشرة، فقال: خذها من فلان، فأخذها منه، لا يكون قرضا، بل هذا توكيل بقبض الدين، فبعد القبض لا بد من قرض جديد. ولو كانت العشرة في يد فلان معينة، وديعة أو غيرها، صح. والله أعلم.

(3/280)