روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الوكالة
فيه ثلاثة أبواب.
الباب الاول في أركانها وهي أربعة. الاول: ما فيه التوكيل. وله شروط. الاول: أن يكون مملوكا له. فلو وكله في طلاق من سينكحها، أو بيع عبد سيملكه، أو إعتاق من سيملكه، أو قضاء دين سيلزمه، أو تزويج بنته إذا انقضت عدتها أو طلقها زوجها، وما أشبه ذلك، لم يصح على الاصح.

(3/522)


الشرط الثاني: أن يكون قابلا للنيابة. والذي يفرض فيه النيابة، أنواع. منها العبادات. والاصل، امتناع النيابة فيها ويستثنى الحج، والزكاة، والكفارات، والصدقات، وذبح الهدي، والاضحية، وركعتا الطواف من الاجير. وفيهما كلام يأتي في الوصايا إن شاء الله تعالى. وفي صوم الولي عن الميت، خلاف سبق في موضعه. وألحق بالعبادات، الشهادات، والايمان. ومن الايمان: الايلاء، واللعان والقسامة، فلا يصح التوكيل في شئ منها قطعا، ولا في الظهار على الاصح. وفي معنى الايمان، النذور، وتعليق الطلاق، والعتق، وكذا التدبير على المذهب. وقيل: إن قلنا: إنه وصية، جاز. ومنها، المعاملات، فيجوز التوكيل في طرفي البيع بأنواعه، كالسلم، والصرف، والتولية، وغيرها، وفي الرهن، والهبة، والصلح، والابراء، والحوالة، والضمان والكفالة، والشركة، والمضاربة، والاجارة، والجعالة، والمساقاة، والايداع، والاعارة، والاخذ

(3/523)


بالشفعة، والوقف، والوصية، وقبولها. وفي وجه شاذ: لا يجوز التوكيل في الوصية، لانها قربة. ويجوز التوكيل في طرفي النكاح والخلع، وفي تنجيز الطلاق والاعناق والكتابة ونحوها. ويجوز في الرجعة على الاصح. ولو أسلم على أكثر من أربع نسوة، فوكل بالاختيار، أو طلق إحدى امرأتيه، أو أعتق أحد عبديه، ووكل بالتعبين، لم يصح. قلت: لو أشار إلى واحدة وقال: وكلتك في تعيين هذه للطلاق، أو النكاح، أو أشار إلى أربع من المسلمات، فقال: وكلتك في تعيين النكاح فيهن، فهو كالتوكيل في الرجعة، فيصح على الصحيح، قاله في التتمة. والله أعلم. ويجوز التوكيل في الاقالة وسائر الفسوخ، لكن ما هو على الفور، قد يكون التأخير بالتوكيل فيه تقصيرا. وفي التوكيل في خيار الرؤية، خلاف سبق. ويجوز التوكيل في قبض الاموال، مضمونة كانت أو غيرها، وفي قبض الديون وإقباضها، ومنها: الجزية، يجوز في قبضها وإقباضها. وفي وجه: يمتنع توكيل الذمي مسلما فيها. قلت: قال أصحابنا: ويجوز توكيل أصناف الزكاة في قبضها لهم. والله أعلم. ومنها: المعاصي، كالقتل، والسرقة، والغصب، والقذف، فلا مدخل للتوكيل فيها، بل أحكامها تثبت في حق مرتكبها، لان كل شخص بعينه مقصود بالامتناع منها. فرع في التوكيل في تملك المباحات، كاحياء الموات، والاحتطاب، والاصطياد، والاستقاء، وجهان. أصحهما: الجواز. فيحصل الملك للموكل

(3/524)


إذا قصده الوكيل له، لانه أحد أسباب الملك، فأشبه الشراء. قلت: هكذا حكاهما وجهين تقليدا لبعض الخراسانيين، وهما قولان مشهوران. والله أعلم . ولو استأجره ليحتطب له، أو ليستقي، قال في التهذيب: هو على الوجهين. وبالمنع أجاب ابن كج. وقطع الامام بالجواز، وقاس عليه وجه جواز التوكيل. قلت: الاصح: قوله في التهذيب. وسلك الجرجاني في كتابه التحرير طريقة أخرى فقال: يجوز التوكيل في الاحتطاب ونحوه بأجرة، وفي جوازه بغيرها وجهان. ولا يجوز في إحياء الموات بلا أجرة، ويجوز بأجرة على الاصح. والله أعلم. فرع التوكيل بالاقرار، صورته أن يقول: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، وفيه وجهان. أصحهما عند الاكثرين: لا يصح، لانه خبر، فأشبه الشهادة. فعلى هذا، هل يجعل مقرا بنفس التوكيل ؟ وجهان. أحدهما: نعم، قاله ابن القاص، واختاره الامام. وأصحهما عند البغوي: لا، كما أن التوكيل بالابراء لا يكون إبراء. قلت: قول ابن القاص أصح عند الاكثرين. وإذا صححنا التوكيل، لم يلزمه شئ قبل إقرار التوكيل على الصحيح الذي قطع به الجمهور، وفي الحاوي والمستظهري وجه: أنه يلزمه بنفس التوكيل. والله أعلم. وإذا صححنا التوكيل، فينبغي أن يبين الوكيل جنس المقر به وقدره. فلو

(3/525)


قال: أقر عني لفلان بشئ، فأقر، أخذ الوكيل بتفسيره. ولو اقتصر على قوله: أقر عني لفلان، فوجهان. أحدهما: هو كقوله: أقر عني بشئ. وأصحهما: لا يلزمه شئ بحال، لاحتمال أنه يريد الاقرار بعلم أو شجاعة، لا بمال. قلت: ولو قال: أقر عني لفلان بألف له علي، فهو إقرار بلا خلاف، صرح به الجرجاني وغيره. والله أعلم. فرع للمدعي والمدعى عليه التوكيل في الخصومة، رضي الخصم أم لم يرض، وليس لصاحبه الامتناع من مخاصمة الوكيل، سواء كان للموكل عذر، أم لا، وسواء كان المطلوب بالتوكيل في الخصومة مالا، أو عقوبة لآدمي، كالقصا ص وحد القذف. وأما حدود الله تعالى، فلا يجوز التوكيل في إثباتها، لانها مبنية على ا لدرء. فرع يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى للامام، وللسيد في حد مملوكه، ويجوز للوكيل استيفاء عقوبات الآدميين بحضرة المستحق. وفي غيبته، طرق. أشهرها على قولين. أظهرهما: الجواز. والطريق الثاني: الجواز قطعا. والثالث: المنع قطعا. قلت: قال ابن الصباغ: ولا يصح التوكيل في الالتقاط قطعا، كما لا يجوز في الاغتنام. فإن التقط، أو غنم، كان له دون الموكل. قال صاحب البيان: ينبغي أن يكون الالتقاط على الخلاف في تملك المباحات. وما قاله ابن الصباغ، أقوى. ولو اصطرف رجلان، فأراد أحدهما أن يفارق المجلس قبل القبض، فوكل

(3/526)


وكيلا في ملازمة المجلس، لم يصح، وينفسخ العقد بمفارقة الموكل، لان التنفيذ منوط بملازمة العاقد. فلو مات العاقد، فهل يقوم وارثه مقامه في القبض ليبقى العقد ؟ فيه وجهان حكاهما الامام والغزالي في البسيط بناء على بقاء خيار المجلس. والله أعلم. الشرط الثالث: أن يكون ما وكل فيه معلوما من بعض الوجوه، بحيث لا يعظم الغرر. وسواء كانت الوكالة عامة أو خاصة. أما العامة ففيها طريقة لامام الحرمين والغزالي، وطريقة للاصحاب. فأما طريقتهما، فقالا: لو قال: وكلتك في كل قليل وكثير، فباطلة. وإن ذكر الامور المتعلقة به مفصلة، فقال: وكلتك في بيع أملاكي، وتطليق زوجاتي، وإعتاق عبيدي، صح توكيله. ولو قال: وكلتك في كل أمر هو إلي مما يقبل التوكيل، ولم يفصل أجناس التصرفات، فوجهان. أصحهما: البطلان. وأما طريقة سائر الاصحاب، فقالوا: لو قال: وكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو في جميع حقوقي، أو في كل قليل وكثير أموري، أو فوضت إليك جميع الاشياء، أو أنت وكيلي فتصرف في مالي كيف شئت، لم تصح الوكالة. قالوا: ولو قال: وكلتك في بيع أموالي، أو استيفاء ديوني، أو استرداد ودائعي، أو إعتاق عبيدي، صحت، وهذه الطريقة هي الصحيحة نقلا ومعنى، وقد نص (عليها) الشافعي رضي الله عنه. وأما الوكالة الخاصة، ففيها صور. إحداها: لو وكله في بيع جميع أمواله، أو قضاء ديونه واستيفائها، صح قطعا. ولا يشترط كون أمواله معلومة على الصحيح. وكلام البغوي، يقتضي اشتراطه. وفي فتاو القفال: لو قال: وكلتك في استيفاء ديوني على الناس، جاز وإن كان لا يعرف من عليه الدين، وأنه واحد أو جماعة كثيرة، وأي جنس ذلك الدين. أما إذا قال: بع بعض مالي، أو طائفة منه، أو سهما، فلا يصح، لجهالته

(3/527)


من الجملة. وكأن الشرط أن يكون الموكل فيه معلوما أو يسهل علمه. ولو قال: بع ما شئت من مالي، أو اقبض ما شئت من ديوني، جاز، ذكراه في المهذب والتهذيب. وفي الحلية ما يخالفه، فإنه قال: لو قال: بع من رأيت من عبيدي، لم يصح حتى يميز. قلت: هذا المذكور عن المهذب هو الصحيح المعروف. قال في التهذيب: ولا يجوز أن يبيع الكل إلا أن يقبض الكل. وأما قول صاحب الحلية، ففي البيان أيضا عن ابن الصباغ نحوه، فإنه قال: لو قال: بع ما تراه من مالي، لم يجز. ولو قال: ما تراه من عبيدي، جاز، وكلاهما شاذ ضعيف. وهذا النقل عن الحلية، إن كان المراد به الحلية للروياني فغلط، فإن الذي في حلية الروياني: لو قال: بع من عبيدي هؤلاء الثلاثة من رأيت، جاز، ولا يبيع الجميع، لان من للتبعيض. ولو وكله أن يزوجه من شاء، جاز، ذكره القاضي أبو حامد، وهذا لفظ الروياني في الحلية بحروفه. وقد صرح إمام الحرمين، والغزالي في البسيط بأنه إذا قال: بع من شئت من عبيدي، يبيع جميعهم، لان من للتبعيض. فلو باعهم إلا واحدا، جاز، قال أصحابنا: لو قال: بع هذا العبد، أو هذا، لم يصح. ولو وكله ليهب من ماله ما يرى، قال في الحاوي: لا يصح. وقياس ما سبق، أنه يصح. والله أعلم. الثانية: التوكيل في الشراء. ولا يكفي فيه أن يقول: اشتر لي شيئا، أو حيوانا، أو رقيقا، بل يشترط أن يبين أنه عبد أو أمة. والنوع، كالتركي والهندي وغيرهما. ولا يشترط استقصاء

(3/528)


أوصاف السلم، ولا ما يقرب منها بلا خلاف. فإن اختلفت أصناف نوع اختلافا ظاهرا، قال الشيخ أبو محمد: لا بد من التعرض للصنف. وأما الثمن، فلا يشترط بيان قدره على الاصح. وعلى الثاني: يشترط بيان قدره أو غايته، بأن يقول: من مائة إلى ألف. وحكى صاحب التقريب وجها: أنه يصح التوكيل بشراء عبد مطلقا، وهذا لوجه، ضعيف جدا. وإذا طرد في قوله: اشتر شيئا، كان أبعد. قلت: ذكر فالبسيط ترددا في قوله: اشتر شيئا تفريعا على هذا الوجه. والله أعلم. ولو قال: اشتر لي عبدا كما تشاء، فقيل: يصح، كما لو قال في القراض: اشتر من شئت من العبيد. والصحيح الذي عليه الاكثرون: لا يصح. والفرق، أن المقصود هناك الربح، والعامل أعرف به. ولو وكله في شراء دار، يشترط ذكر المحلة والسكة. وفي الحانوت يذكر السوق، وعلى هذا القياس. قلت: وفي ذكر الثمن، الوجهان. والله أعلم. الثالثة: التوكيل في الابراء، يشترط فيه علم الموكل إذا قلنا بالاظهر: إنه لا يصح الابراء عن المجهول كما سبق في كتاب الضمان. ولا يشترط علم الوكيل على الاصح، وبه قطع القاضي والغزالي. وفي المهذب والتهذيب: اشتراط علمه بجنسه وقدره كما لو قال: (بع) بما باع به فلان فرسه، فإنه يشترط لصحة البيع علم الوكيل دون الموكل. ولا يشترط في الابراء علم من عليه الحق على الصحيح، والخلاف فيه مبني على ما سبق أن الابراء إسقاط أو تمليك. فإن قلنا: تمليك، اشترط علمه كالمتهب، وإلا، فلا. ثم إن كانت صيغته: أبرئ فلانا عن ديني، أبرأه عن جميعه. وإن قال: عن شئ منه، أبرأه عن قليل منه. وإن قال: عما شئت، أبرأه عما شاء، وأبقى شيئا.

(3/529)


قلت: قوله: أبرئه عن قليل منه، يعني أقل ما ينطلق عليه اسم الشئ، كذا صرح به في التتمة، وهو واضح. ولو قال: أبرئه عن جميعه، فأبرأ عن بعضه، جاز، بخلاف ما لو باع بعض ما أمره ببيعه. والله أعلم. الرابعة: قال: وكلتك في مخاصمة خصماي، وأطلق، صح على الاصح وصار وكيلا فجميع الخصومات. وقيل: يشترط تعيين من يخاصمه، لاختلاف الغرض به. الركن الثاني: الموكل. تشترط فيه صحة مباشرته بملك أو ولاية، فيخرج منه الصبي، والمجنون، والمغمى عليه، والنائم، والمرأة في التزويج، والفاسق في تزويج بنته إذا لم نجعله وليا. وأما السكران، فتوكيله كسائر تصرفاته، ويدخل فيه توكيل الاب والجد في التزويج والمال. وأما الاخ والعم وغيرهما مما لا يجبر، ففي توكيلهم في التزويج وجهان يذكران في النكاح إن شاء الله تعالى. وأما الوكيل في البيع ونحوه، فلا يملك التوكيل إلا إذا أذن له الموكل، أو دلت عليه قرينة. وسيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى. وفي معناه، توكيل العبد المأذون. وأما المحجور عليه بسفه، أو فلس، أو رق، فيجوز توكيله فيما يستقل به من التصرفا ت، ولا يجوز فيما لا يستقل به إلا بعد إذن الولي، والمولى، والغريم. ومن جوز التوكيل في بيع

(3/530)


عبد سيملكه، فقياسه جواز توكيل المحجور عليه فيما سيأذن فيه الولي، ولم يتعرض له. قلت: قد يمكن الفرق، بأن الخلل هناك في عبارة المحجور عليه. والله أعلم. ويستثنى مما سبق، بيع الاعمى، وشراؤه. فإنه يصح التوكيل فيه، وإن لم يصح من الاعمى للضرورة. قلت: قال في الحاوي: للاب والوصي والقيم أن يوكل في بيع مال

(3/531)


الطفل، إن شاء عن نفسه، وإن شاء عن الطفل. وفي جوازه عن الطفل، نظر. والله أعلم. الركن الثالث: الوكيل. وشرطه صحة مباشرته ذلك الشئ لنفسه، بأن يكون صحيح العبارة فيه، فلا يصح توكيل الصبي والمجنون في التصرفات. وفي جواز اعتماد قول الصبي في الاذن في دخول الدار والملك عند إيصاله الهدية وجهان، وسبقا في البيع. فإن جوزناه، فهو وكالة من الآذن والمهدي. وعلى هذا، لو وكل الصبي فيه غيره، فالقياس تخريجه على الخلا ف. والتفصيل في أن الوكيل، هل يوكل ؟ فإن جاز، صار الصبي أهلا للتوكيل، ولا يصح كون المرأة والمحرم وكيلين في النكاح. وفي توكيل العبد في الشراء ونحوه، وجهان سبقا في باب مداينة العبيد. وفي توكيله في قبول النكاح بغير إذن سيده، وجهان. أصحهما: الجواز. قلت: وفي توكيله فيه بإذن السيد أيضا، وجهان في الشامل والبيان، وقطعا بالمنع بغير إذنه، والمختار الجواز مطلقا. والله أعلم. وفي توكيله في الايجاب وجهان. أصحهما: المنع، لانه لا يزوج بنته، فبنت غيره أولى، كذا صححه الجمهور، وقطع به جماعة. وتوكيل المحجوز عليه لسفه في طرفي النكاح، كتوكيل العبد. والفاسق في الايجاب إذا سلبناه الولاية، كالعبد، وفي القبول يصح قطعا. والمحجوز عليه لفلس، يوكل فيما لا يلزم ذمته

(3/532)


عهدة قطعا، وفيما يلزمها أيضا على الاصح، كما يصح شراؤه على الصحيح. فرع يصح توكيل المرأة في طلاق غيرها على الاصح، كما يصح أن يفوض إليها طلاق نفسها. قال في التتمة: ولا يصح توكيلها في رجعة نفسها، ولا رجعة غيرها، لان الفرج لا يستباح بقول النساء. ولا يصح توكيلها في الاختيار في النكاح إذا أسلم على أكثر من أربع نسوة. وفي الاختيار للفراق وجهان، لانه يتضمن اختيار الاربع للنكاح. قلت: الاصح: لا يصح. والله أعلم. فرع توكيل المرتد في التصرفات المالية، يبنى على بقاء ملكه وزواله. إن أبقيناه، صح، وإن قطعناه، فلا، وإن وقفناه، فكذا التوكيل. ولو وكل، ثم ارتد، ففي انقطاع التوكيل، الاقوال الثلاثة. ولو وكل رجل مرتدا، أو ارتد الوكيل، لم يقدح في الوكالة، لان الخلاف في تصرفه لنفسه، لا لغيره، كذا نقل الاصحاب عن ابن سريج. وفي التتمة: أنه مبني على أنه يصير محجورا عليه، إن قلنا: نعم، انعزل، وإلا، فلا. قلت: ولو وكل المسلم كافرا ليقبل له نكاح مسلمة، لا يصح. ولو وكله في قبول كتابية، صح. وإن وكله في طلاق مسلمة، فوجهان، لانه لا يملك طلاق مسلمة، لكن يملك طلاقا في الجملة. وللمكاتب أن يوكل غيره في البيع والشراء وسائر التصرفات التي تصح منه، ولا يملك التوكيل في التبرع بغير إذن سيده. وبإذنه قولان، بناء على صحته بإذنه. ولو وكل رجل مكاتبا بجعل يفي بأجرته، جاز. وبغير جعل، له حكم تبرعه. والله أعلم. الركن الرابع: الصيغة. فيه مسائل. الاولى: لا بد من جهة الموكل من لفظ دال على الرضى، كقوله: وكلتك في

(3/533)


كذا، أو فوضته إليك، أو أنبتك فيه، وما أشبهه. ومثله: بع أو أعتق ونحوهما. وأما القبول، فيطلق بمعنيين. أحدهما: الرضى والرغبة فيما فو ض إليه، ونقيضه الرد. والثاني: اللفظ الدال عليه على النحو المعتبر في البيع وسائر المعاملات. ويعتبر في الوكالة القبول بالمعنى الاول. حتى لو رد فقال: لا أقبل، أو لا أفعل، بطلت الوكالة. فلو رد ثم ندم، وأراد أن يفعل، لم يجز، بل لا بد من إذن جديد، لان الوكالة جائزة، ترتفع في الدوام بالفسخ، فارتدادها بالرد في الابتداء أولى. وأما المعنى الثاني وهو القبول لفظا، ففيه أوجه. أصحها: لا يشترط. والثاني: يشترط. والثالث: إن أتى بصيغة عقد، ك‍: وكلتك، وفوضت إليك، اشترط. وإن أتى بصيغة أمر، نحو: بع، واشتر، لم يشترط. فإن شرطنا القبول لفظا، فهل يشترط على الفور كالبيع، أم في المجلس وإن طال ؟ أم يجوز أبدا وإن فارق المجلس، كالوصية ؟ فيه أوجه، الصحيح: الثالث. وأما القبول بالمعنى الاول، فلا يشترط فيه التعجيل بحال بلا خلاف. وإذا لم نشرط القبول، فوكله، والوكيل لا يعلم، ثبتت وكالته على الاصح. فعلى هذا لو تصرف الوكيل قبل العلم بالوكالة، ثم بان وكيلا، ففي صحة تصرفه الخلاف السابق فيمن باع مال أبيه يظنه حيا، فبان ميتا. وإن لم نثبت الوكالة، فهل نحكم بنفوذها حالة بلوغ الخبر ؟ وجهان. فرع حيث لا نشترط القبول، تكفي الكتابة والرسالة، ونجعله مأذونا في التصرف. وحيث شرطنا، فحكمه كما لو كتب بالبيع، وقطع الروياني في الوكالة بالجواز. قلت: قطع الماوردي أيضا، وكثيرون بالجواز وهو الصواب. والله أعلم. فرع إذا شرطنا القبول، فقال: وكلني في كذا، فقال: وكلتك، فهل يكفي، أم لا بد من قبول بعده ؟ فيه الخلاف السابق في البيع ونحوه. ثم قيل:

(3/534)


الوكالة أحوج إلى الاشتراط، لانها ضعيفة، ولو قيل: عكسه، لان الوكالة يحتمل فيها ما لا يحتمل في البيع، لكان أقرب. المسألة الثانية: إذا علق الوكالة بشرط، فقال: إذا قدم زيد، أو جاء رأس الشهر، فقد وكلتك في كذا، أو أنت وكيلي، لم يصح على الاصح. فلو نجز الوكالة وشرط للتصرف شرطا، بأن قال: وكلتك الآن في بيع هذا العبد، ولكن لا تبعه حتى يجئ رأس الشهر، صح التوكيل بلا خلاف، ولا يبيعه إلا إذا حصل الشرط. وإذا أفسدنا الوكالة بالتعليق، فتصرف الوكيل بعد حصول الشرط، صح تصرفه على الاصح، لحصول الاذن. وإن كان العقد فاسدا كما لو شرط للوكيل جعلا مجهولا، بأن قال: بع كذا ولك عشر ثمنه، تفسد الوكالة، ويصح البيع. فعلى هذا، فائدة فساد الوكالة سقوط الجعل المسمى إن كان، والرجوع إلى أجرة المثل، كما أن الشرط الفاسد في النكاح يفسد الصداق، ويوجب مهر المثل، ولا يؤثر في صحة النكاح. فرع لو قال: وكلتك، ومتى عزلتك فأنت وكيلي، ففي صحة الوكالة في الحال، وجهان. أصحهما: الصحة. فإذا قلنا بالصحة، أو كان قوله: متى

(3/535)


عزلتك، مفصولا عن الوكالة، فعزله، نظر، إن لم يعلم به الوكيل، واعتبرنا علمه في نفوذ العزل، فهو على وكالته. وإن لم نعتبره، أو كان عالما به، ففي عوده وكيلا بعد العزل وجهان بناء على تعليق الوكالة، لانه علق الوكالة ثانيا على العزل، أصحهما: المنع. فإن قلنا: يعود، نظر في اللفظ الموصول بالعزل. فإن كان قال: إذا عزلتك، أو مهما، أو متى، لم يقتض ذلك عود الوكالة إلا مرة واحدة. وإن قال: كلما عزلتك، اقتضى العود مرة بعد مرة أبدا، لان كلما للتكرار. فإن أراد أن لا يعود وكيلا، فطريقه أن يوكل غيره في عزله، فينعزل، لان المعلق عليه عزل نفسه. فإن كان قال: كلما عزلتك، أو عزلك أحد عني، فطريقه أن يقول: كلما عدت وكيلا، فأنت معزول. فإذا عزله، ينعزل لتقاوم التوكيل والعزل، واعتضاد العزل بالاصل، وهو الحجر في حق الغير. والخلاف في قبول الوكالة التعليق، جار في أن العزل هل يقبله، ولكن بالترتيب ؟ والعزل أولى بقبوله، لانه لا يشترط فيه قبول قطعا. وتصحيح إدارة الوكالة والعزل جميعا، مبني على قبولهما التعليق. قال الامام: وإذا نفذنا العزل، وقلنا: تعود الوكالة، فلا شك أن العزل ينفذ في وقت وإن لطف، ثم ترتب عليه الوكالة. فلو صادف تصرف الوكيل ذلك الوقت اللطيف، ففي نفوذ تصرفه وجهان. المسألة الثالثة: تصح الوكالة الموقتة، كقولك: وكلتك إلى شهر رمضان.
الباب الثاني في أحكام الوكالة الصحيحة وهي أربعة. الاول: صحة تصرف الوكيل إذا وافق، والموافقة والمخالفة تعرفان بالنظر إلى اللفظ تارة، وبالقرائن أخرى. فإن القرينة قد تقوى، فيترك لها إطلاق اللفظ. ولهذا لو أمره في الصيف بشراء الجمد، لا يشتريه في الشتاء. وقد يتعادل اللفظ والقرينة، ويحصل من تعادلهما خلاف في المسألة. وهذا القول الجملي، نوضحه بصور

(3/536)


تعرف بها أخواتها. إحداها: وكله في بيع شئ وأطلق، لا يصح بيعه بغير نقد البلد، ولا بثمن مؤجل، ولا بغبن فاحش على المشهور. وفي قول: يصح كل ذلك موقوفا على إجازة الموكل، وهذا هو القول المنقول في بيع الفضولي، والصواب: الاول، وعليه التفريع. فلو كان في البلد نقدان، لزمه البيع بأغلبهما. فإن استويا في المعاملة، باع بأنفعهما للموكل. فإن استويا، تخير فيهما على الصحيح. وفي وجه: لا يصح الوكيل حتى يبين. ثم إذا باع الوكيل على أحد الاوصاف الممنوعة، لم يصر ضامنا للمبيع ما لم يسلمه إلى المشتري. فإذا سلم، ضمن. ثم القول فيه إذا كان المبيع باقيا، أو تالفا. وفي كيفية تغريم الموكل الوكيل والمشتري على ما بيناه فيما إذا باع العدل الرهن بغبن فاحش أو بغير نقد البلد، أو بنسيئة. فأما بيع الوكيل بغبن يسير، فجائز. واليسير هو الذي يتغابن الناس به ويحتملونه غالبا. وبيع ما يساوي عشرة بتسعة، متحمل. وبثمانية غير متحمل قال الروياني: ويختلف القدر المتحمل باختلاف أجناس الثياب من الثياب والعبيد والعقار وغيرها. فرع لا يجوز للوكيل أن يقتص على البيع بثمن المثل وهناك طالب بزيادة. فلو باع بثمن المثل، ثم حضر المجلس طالب بزيادة، فالحكم على ما سبق في عدل الرهن. فرع لو قال الموكل: بعه بكم شئت، فله البيع بالغبن الفاحش، ولا يجوز بالنسيئة، ولا بغير نقد البلد. ولو قال: بما شئت، فله البيع بغير النقد، ولا

(3/537)


يجوز بالغبن، ولا بالنسيئة. ولو قال: كيف شئت، فله البيع بالنسيئة. ولا يجوز بالغبن، ولا بغير نقد البلد، وعن القاضي حسين، جواز الجميع. ولو قال: بعه بما عز وهان، قال في التتمة: هو كقوله: بكم شئت. وقال العبادي: له البيع بالعرض والغبن، ولا يجوز بالنسيئة، وهو الاولى. فرع الوكيل بالبيع مطلقا، هل يجوز بيعه لابيه وابنه وسائر أصوله وفروعه ؟ وجهان. أصحهما: الجواز، كما لو باع صديقه، وكالعم يزوج موليته لابنه البالغ إذا أطلقت الاذن، وقلنا: لا يشترط تعيين الزوج، فإنه يصح قطعا. ويجري الوجهان في البيع للزوج والزوجة إذا قلنا: لا تقبل شهادته له، أو فيما لو باع لمكاتبه، والوجهان في الفروع المستقلين. أما ابنه الصغير، فلا يصح البيع له مطلقا. وكذا لا يبيع من نفسه على الصحيح المعروف. وعن الاصطخري، جوازه. فعلى الصحيح: لو صرح في الاذن في بيعه لنفسه، فوجهان. قال ابن سريج: يصح. وقال الاكثرون: لا يصح. ولو أذن في بيعه لابنه الصغير، قال في التتمة: هو على هذا الخلاف. وقال البغوي: وجب أن يجوز. ويجري الوجهان فيما لو وكله في الهبة لنفسه، أو تزويج بنته لنفسه. وفي تولي ابن العم طرفي النكاح، أن يتزوج بنت عمه بإذنها وهو وليها، والنكاح أولى بالمنع. وفيما لو وكل مستحق الدين المدين باستيفائه من نفسه، أو وكل مستحق القصاص الجاني باستيفائه من نفسه في النفس أو الطرف، أو وكل الامام السارق في قطع يده، أو وكل الزاني ليجلد نفسه. والصحيح: المنع في كل ذلك، وطردوهما في الوكيل في الخصومة من الجانبين، والاصح: المنع. فعلى هذا يتخير ويخاصم لايهما شاء. ولو توكل في طرفي النكاح أو البيع، فعلى الوجهين. وقيل بالمنع قطعا. ولو وكل

(3/538)


من عليه الدين في إبراء نفسه، فقيل على الوجهين. وقيل: يجوز قطعا، وهو بناء على اشتراط القبول في الابراء. فإن اشترطناه، جرى الوجهان، وإلا فيجوز قطعا، كما لو وكل من عليه القصاص في العفو، والعبد في إعتاق نفسه. والوكيل في الشراء كالوكيل في البيع في أنه لا يشتري من نفسه، ولا مال ابنه الصغير. وفي ابنه الكبير، الوجهان في سائر الصور. قلت: وإذا وكل الابن الكبير أباه في بيع، لم يجز أن يبيع لنفسه على الاصح. وحكى في الحاوي وجها: أنه يجوز تغليبا للابوة، كما لو كان في حجره. والله أعلم. فرع إذا أذن في البيع مؤجلا، نظر. إن قدر الاجل، صح التوكيل. وإن أطلق، فوجهان. أحدهما: لا يصح، لاختلاف الغرض. وأصحهما: يصح. وفيما يحمل عليه، أوجه. أصحها: أنه ينظر إلى المتعارف في مثله. فإن لم يكن فيه عرف، راعى الانفع. والثاني. له التأجيل إلى ما شاء. والثالث: إلى سنة. الصورة الثانية: في قبض الثمن، وإقباض المبيع. فإذا وكله بالبيع مطلقا، فهل يملك الوكيل قبض الثمن ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانه لم يأذن فيه، وقد يرضاه للبيع، ولا يرضاه لقبض الثمن. وأصحهما: نعم، لانه من توابع البيع ومقتضياته. وهل يملك تسليم المبيع إذا كان معه ؟ أشار كثيرون إلى الجزم بجوازه. وقال الشيخ أبو علي: هو على الوجهين في قبض الثمن. ولو صرح

(3/539)


بهما، لم يملك التسليم ما لم يقبض الثمن، وعلى هذا جرى صاحب التهذيب وغيره. قلت: الاصح: جواز تسليمه، ولكن بعد قبض الثمن. فهذا هو الراجح في الدليل، وفي النقل أيضا، وقد صححه الرافعي في المحرر. والله أعلم. والوكيل في الصرف، يملك القبض والاقباض بلا خلاف، لانه شرط في صحة العقد، وكذلك في السلم يدفع وكيل المسلم رأس المال، ويقبضه وكيل المسلم إليه قطعا. فرع إذا باع الوكيل بمؤجل حيث يجوز، سلم المبيع على المذهب، إذ لا حبس بالمؤجل، ويجئ وجه مما ذكره أبو علي: أنه لا يسلم، إذ لم يفوض إليه. ثم إذا حل الاجل، لا يملك الوكيل قبض الثمن إلا بإذن مستأنف. وإذا باع بحال، وجوزنا قبض الثمن، لم يسلم المبيع حتى يقبضه كما لو أذن فيهما صريحا، وله مطالبة المشتري بتسليم الثمن. وإذا لم نجوز له القبض، فلا تجوز له المطالبة، وللموكل المطالبة بالثمن على كل حال. ولو منعه من قبض الثمن، لم يجز قبضه قطعا. ولو منعه من تسليم المبيع، فكذلك عند الشيخ أبي علي. وقال آخرون: هذا الشرط فاسد، فإن التسليم مستحق بالعقد. وفي فساد الوكالة به وجهان. أحدهما: تفسد، ويسقط الجعل المسمى، فيرجع بأجرة المثل. والصواب أن يقال: المسألة مبنية على أن في صورة الاطلاق، هل للوكيل التسليم، أم لا ؟ إن قلنا: لا، فعند المنع أولى، وإن قلنا: نعم، فذلك من توابع العقد وتتماته، لا لان تسليمه مستحق بالعقد، فإن المستحق هو التسليم، لا تسليمه بعينه، والممنوع منه تسليمه. فلو قال: امنع المبيع منه، فهذا شرط فاسد، لان منع الحق عمن

(3/540)


يستحق، وإثبات يده عليه، حرام. وفرق بين قوله: لا تسلمه إليه، وقوله: أمسكه أو امنعه. فرع الوكيل بالشراء، إن لم يسلم الموكل إليه الثمن، واشترى في الذمة، فسيأتي الكلام - في أن المطالبة بالثمن، على من تتوجه ؟ - في الحكم (من الباب) الثاني إن شاء الله تعالى. وإن سلمه إليه واشترى بعينه، أو في الذمة، فهل يملك تسليم الثمن وقبض المبيع بمجرد الاذن في الشراء ؟ قال في التتمة والتهذيب: فيه الخلاف السابق في وكيل البائع، وجزم الغزالي بالجواز، فإن العرف يقتضيه. قلت: الصحيح: القطع بالجواز، وهو الذي جزم به صاحب الحاوي والاكثرون. وقال صاحب الشامل: يسلم الثمن قطعا، ويقبض المبيع على الاصح، ففرق بينهما. والله أعلم. فرع إذا سلم المشتري الثمن إلى الموكل أو الوكيل حيث يجوز قبضه، لزم الوكيل تسليم المبيع وإن لم يأذن الموكل فيه، لان الثمن إذا قبض صار دفع المبيع مستحقا، وللمشتري الانفراد بأخذه. فإن أخذه المشتري، فذاك، وإن سلمه الوكيل، فالامر محمول على أخذ المشتري، فلا حكم للتسليم. فرع ذكرنا أن الوكيل لا يسلم المبى قبل قبض الثمن. فلو فعل، غرم للموكل قيمته إن كانت القيمة والثمن سواء، أو كان الثمن أكثر. فإن كانت القيمة أكثر، بأن باعه بغبن محتمل، فهل يغرم جميع القيمة، أم يحط قدر الغبن ؟ وجهان. أصحهما: أولهما. فإن باعه بغبن فاحش بإذن الموكل، فقياس الوجه الثاني: أن لا يغرم إلا قدر الثمن، ثم إذا قبض الوكيل الثمن بعدما غرم، دفعه إلى الموكل، واسترد المغروم. فرع الوكيل باستيفاء الحق، هل يثبته، أو باثباته، هل يستوفيه عينا كان أو دينا ؟ فيه أوجه. أصحها: لا. والثاني: نعم. والثالث: يثبت ولا يستوفي. فلو كان الحق قصاصا أو حدا، لم يستوفه على المذهب. وقال ابن خيران: على الوجهين.

(3/541)


الصورة الثالثة: في شرائه المعيب. فللوكيل بالشراء حالان. أحدهما: أن يوكل في شراء موصوف، فلا يشتري إلا سليما، فإن اشترى معيبا، نظر، إن كان مع العيب يساوي ما اشتراه به، فإن جهل العيب، وقع عن الموكل، وإن علمه، فأوجه. أصحها: لا يقع عنه، لان الاطلاق يقتضي سليما. والثاني: يقع. والثالث: إن كان عبدا يجزئ في الكفارة، وقع عنه، وإلا، فلا، إلا أن يكون كافرا، فإنه يجوز للوكيل شراؤه. وإن لم يساو ما اشتراه (به)، فإن علم، لم يقع عن الموكل، وإن جهل، وقع عنه على الاصح عند الاكثرين، كما لو اشتراه بنفسه جاهلا. وحيث قلنا بوقوعه عن الموكل، فإن كان جاهلا، فللموكل الرد قطعا، وكذا للوكيل على الصحيح. وعن ابن سريج: أنه لا ينفرد بالرد. وإن كان الوكيل عالما، فلا رد له، وللموكل الرد على الاصح. فعلى هذا، هل ينتقل الملك إلى الوكيل، أم ينفسخ العقد من أصله ؟ وجهان. فمن قال بالانتقال، كأنه يقول: ينعقد موقوفا حتى يتبين الحال، وإلا، فيستحيل ارتداد الملك من الموكل إلى الوكيل، قاله الامام. وهذا الخلاف، تفريع على وقوعه للموكل مع علم الوكيل، وهو خلاف ظاهر المذهب. الحال الثاني: أن يكون وكيلا في شراء معين. فإن لم ينفرد الوكيل في الحال الاول بالرد، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. الاصح المنصوص: الجواز، لان الظاهر أنه يريده بشرط السلامة. ولم يذكروا في هذا الحال، متى يقع عن الموكل، ومتى لا يقع ؟ والقياس: أنه كما سبق في الحال الاول. لكن لو كان المبيع معيبا يساوي ما اشتراه به وهو عالم، فايقاعه عن الموكل هنا أولى، لجواز تعلق الغرض بعينه. وكل ما ذكرناه في الحالين، فيما إذا اشترى في الذمة. أما إذا اشترى بعين مال الموكل، فحيث قلنا هناك: لا يقع عن الموكل، لا يصح هنا أصلا. وحيث قلنا: يقع، فكذا هنا، وليس للوكيل الرد على الاصح. ومتى ثبت الرد للوكيل في صورة الشراء في الذمة، فاطلع الموكل على العيب قبل اطلاع الوكيل أو بعده، ورضيه، سقط خيار الوكيل، ولا يسقط خيار الموكل بتأخير الوكيل وتقصيره. وإذا أخر الوكيل

(3/542)


الرد، أو صرح بالزام العقد، فهل له العود إلى الرد، لان أصل الحق باق وهو نائب، أم لا، لانه بالتأخير كالعازل نفسه عن الرد ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فإذا قلنا به، وأثبتنا له العود ولم يعد، فاطلع الموكل عليه، وأراد الرد، فله ذلك إن سماه الوكيل في الشراء، أو نواه وصدقه البائع، وإلا، فوجهان. أحدهما: يرده على الوكيل، ويلزمه المبيع، لانه اشترى في الذمة ما لم يأذن فيه الموكل. فانصرف إليه. وبهذا قطعا في التهذيب والتتمة. والثاني وبه قطع الشيخ أبو حامد وأصحابه: أن المبيع للموكل، وقد فات الرد لتفريط الوكيل. ويضمن الوكيل، وفيما يضمنه وجهان. قال أبويحيى البلخي: يضمن قدر نقص قيمته من الثمن. فلو كانت القيمة تسعين، والثمن مائة، رجع بعشرة. فإن تساويا، فلا رجوع. وقال الاكثرون: يرجع بارش العيب من الثمن. قلت: المذكور عن التهذيب والتتمة أصح، وقد نقله صاحب المهذب عن نص الشافعي رضي الله عنه. والله أعلم. فرع لو أراد الوكيل الرد بالعيب، فقال البائع: أخر حتى يحضر الموكل، لم يلزمه إجابته. وإذا رد، فحضر الموكل ورضيه، احتاج إلى استئناف الشراء. ولو أخر كما التمس البائع، فحضر الموكل ولم يرضه، قال البغوي: المبيع للوكيل، ولا رد، لتأخيره مع الامكان. وقيل: له الرد، لانه لم يرض بالعيب. ولقائل أن يقول للبغوي: أنت وسائر الاصحاب متفقون على أنه إذا رضي الوكيل بالعيب، ثم حضر الموكل وأراد الرد، فله ذلك إن كان الوكيل سماه أو نواه، وهنا الوكيل والموكل والبائع متصادقون على أن الشراء وقع للموكل، ومن ضرورة ذلك أن يكون سماه أو نواه، فوجب أن يقال: المبيع للموكل، وله الرد. فرع إذا أراد الوكيل الرد، فقال البائع: قد عرفه الموكل ورضيه، ولا رد لك، نظر، إن لم يحتمل بلوغ الخبر إليه، لم يلتفت إلى قوله، وإن احتمل، وأنكر الوكيل، حلف على نفي العلم برضى الموكل. وفوجه ضعيف: لا يحلف. فإن عرضنا اليمين على الوكيل، فحلف، رده. فإن حضر الموكل، فصدق البائع، فعن ابن سريح: أن له استرداد المبيع من البائع، لموافقته إياه على الرضى قبل الرد. وعن القاضي حسين: لا يسترد، وينفذ فسخ الوكيل.

(3/543)


قلت: المنقول عن ابن سريج أصح، وبه قطع صاحبا الشامل والبيان. والله أعلم. وإن نكل الوكيل، حلف البائع، وسقط رد الوكيل. ثم إذا حضر الموكل، وصدق البائع، فذاك. وإن كذبه، قال في التهذيب: يلزم العقد الوكيل، ولا رد له، لابطال الحق بالنكول. وفيه الاشكال السابق في الفرع قبله. فرع الوكيل بالبيع إذا باع، فوجد المشتري بالمبيع عيبا، رده عليه إن لم يعلمه وكيلا، وإن علمه، فإن شاء رده عليه، ثم هو يرد على الموكل، وإن شاء رد على الموكل. وهل للوكيل حط بعض الثمن للعيب ؟ فيه قولان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما: عدم الحط. والله أعلم. ولو زعم الموكل حدوث العيب في يد المشتري، وصدق الوكيل المشتري، رد على الوكيل، ولم يرد الوكيل على الموكل. فرع سيأتي في كتاب القراض إن شاء الله تعالى: أن الوكيل بالشراء، هل يشتري من يعتق على الموكل ؟ فإن قلنا: يشتريه، فكان معيبا، فللوكيل رده، لانه لا يعتق على الموكل قبل رضاه بالعيب، ذكره في التهذيب. الصورة الرابعة: في توكيل الوكيل، فإن سكت الموكل عنه، نظر، إن كان أمرا يتأتى له الاتيان به، لم يجز أن يوكل فيه. وإن لم يتأت منه، لكونه لا يحسنه، أو لا يليق بمنصبه، فله التوكيل على الصحيح، لان المقصود من مثله الاستنابة. وفي وجه: لا يوكل، لقصور اللفظ. ولو كثرت التصرفات الموكل فيها، ولم يمكنه الاتيان بجميعها، لكثرتها، فالمذهب: أنه يوكل فيما يزيد على الممكن، ولا يوكل في الممكن. وفي وجه: يوكل في الجميع. وقيل: لا يوكل في الممكن. وفي

(3/544)


الباقي وجهان. وقيل: في الجميع وجهان. وإن أذن له في التوكيل، فله أحوال. الاول: إذا قال: وكل عن نفسك، ففعل، انعزل الثاني بعزل الاول إياه، وبموته وجنونه على الصحيح في الجميع، لانه نائبه. ولو عزل الموكل الاول، انعزل. وفي انعزال الثاني بإنعزاله هذا الخلاف. ولو عزل الموكل الثاني، انعزل على الاصح، كما ينعزل بموته وجنونه. والثاني: لا، لانه ليس وكيلا من جهته. والذي يجمع هذه الاختلافات، أن الوكيل الثاني، هل هو وكيل الوكيل الاول كما لو صرح به، أم وكيل الموكل، ويكون تقديره: أقم غيرك مقام نفسك ؟ والاصح: أنه وكيل الوكيل الاول. الحال الثاني: أن يقول: وكل عني، فالثاني وكيل الموكل، وله عزل أيهما شاء، وليس لاحدهما عزل الآخر، ولا ينعزل أحدهما بانعزال الآخر. الحال الثالث: إذا قال: وكلتك في كذا، وأذنت لك أن توكل فيه، ولم يقل: عنك، ولا عني، فهذا كالصورة الاولى، أم كالثانية ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وإذا جوزنا له أن يوكل في صورة سكوت الموكل، فينبغي أن يوكل عن موكله. فلو وكل عن نفسه، فوجهان. قلت: أصحهما: لا يجوز. والله أعلم. فرع حيث ملك الوكيل أن يوكل، فشرطه أن يوكل أمينا، إلا أن يعين له غيره. ولو وكل أمينا، ثم فسق، هل له عزله ؟ وجهان. قلت: أقيسهما: المنع. والله أعلم. فرع لو وكله في تصرف، وقال: افعل فيه ما شئت، لم يكن ذلك إذنا في التوكيل على الاصح.

(3/545)


قلت: لو قال: كل ما تصنعه، فهو جائز، فهو كقوله: افعل ما شئت. والله أعلم. الصورة الخامسة: في امتثال تقييد الموكل. والصور المذكورة من أول الباب إلى هنا، مفروضة في التوكيل المطلق، ومن هنا إلى آخره في التوكيل المقرون بتقييد. وحاصله: أنه يجب مراعاة تقييد الموكل، ورعاية المفهوم منه بحسب العرف، وفيه مسائل. إحداها: إذا عين الموكل شخصا، بأن قال: بع لزيد. أو (عين) وقتا، بأن قال: بع يوم الجمعة، لم يجز أن يبيع لغير زيد، ولا قبل الجمعة، ولا بعده. قلت: هكذا قال الاصحاب في البيع قبل الجمعة وبعده: إنه لا يصح. قالوا: وكذا حكم العتق، لا يجوز قبل الجمعة بعده. وأما الطلاق، فنقل صاحبا الشامل والبيان عن الداركي، أنه قال: إن طلقها قبل الجمعة، لم يقع، وإن طلقها بعده يقع، لانها إذا كانت مطلقة يوم الجمعة، كانت مطلقة يوم السبت، بخلاف الخميس. ولم أر هذا لغيره، وفيه نظر. والله أعلم. لو عين مكانا من سوق ونحوها، نظر، إن كان له في ذلك المكان غرض ظاهر، بأن كان الراغبون فيه أكثر، أو النقد فيه أجود، لم يجز البيع في غيره. وإلا، فوجهان. أحدهما: يجوز، وبه قال القاضي أبو حامد، وقطع به الغزالي. وأصحهما عند ابن القطان والبغوي: المنع. قلت: قطع بالجواز أيضا صاحبا التنبيه والتتمة وغيرهما، لكن الاصح على الجملة: المنع، وهو الذي صححه الماوردي والرافعي في المحرر. قلت: هذا إذا لم يقدر الثمن. فإن قال: بع في سوق كذا بمائة، فباع بمائة في غيرها، جاز، صرح به صاحبا الشامل والتتمة وغيرهما. والله أعلم. ولو نهاه صريحا عن البيع في غيره، امتنع قطعا. ولو قال: بع في بلد كذا، قال ابن كج: هو كقوله: بع في سوق كذا، حتى لو باع في بلد آخر، جاء فيه

(3/546)


التفصيل المذكور، وهذا صحيح، لكنه يصير ضامنا بالنقل من ذلك البلد، ويكون الثمن مضمونا في يده. بل لو أطلق التوكيل في البيع في بلد، فليبع فيه فإن نقل، ضمن. المسألة الثانية: قال: بع بمائة درهم، لم يبع بدونها، وله البيع بأكثر. والمقصود بالتقدير: أن لا ينقص فيهما من العرف. وفي وجه شاذ حكاه العبادي: لا يجوز البيع بأكثر من مائة. والصحيح المعروف: الاول. ولو نهاه عن الزيادة صريحا، لم يزد قطعا. قلت: حكي في النهاية والبسيط عن صاحب التقريب أنه لو قال: بع بمائة ولا تزد، فزاد، أو اشتر هذا العبد بمائة ولا تنقص، فنقص، ففي صحته وجهان. قالا: والوجه أن يقال: إن أتى بما هو نص في المنع، لم ينفذ، لمخالفته، وإن احتمل أنه يريد: لا تتعب نفسك في طلب الزيادة والنقص، اتجه التنفيذ. والله أعلم. وهل له البيع بمائة وهناك راغب بزيادة على المائة ؟ فيه وجهان. قلت: أصحهما: المنع، لانه مأمور بالاحتياط والغبطة. والله أعلم. قال الاصحاب: ولو كان المشتري معينا، فإن قال: بعه لزيد بمائة، لم يجز أن يبيع بأكثر منها قطعا، لانه ربما قصد إرفافه. فرع لو قال: بع ثوبي، ولا تبعه بأكثر من مائة، لم يبعه بأكثر من مائة، ويبيع بها وبما دونها ما لم ينقص عن ثمن المثل. ولو قال: بعه بمائة، ولا تبعه بمائة وخمسين، فليس له بيعه بمائة وخمسين، ويجوز بما دون ذلك ما لم ينقص عن مائة، ولا يجوز بما زاد على مائة وخمسين على الاصح. فرع الشراء كالبيع فيما سبق. فإذا قال: اشتر بمائة، فله الشراء بأقل، إلا أن ينهاه، ولا يشتري بما فوقها. ولو قال: اشتر بمائة، ولا تشتر بخمسين، فله الشراء بالمائة وبما بينها وبين خمسين، ولا يجوز بخمسين. وفيما دونها، الوجهان.

(3/547)


قلت: قال أصحابنا: لو قال: اشتر عبد فلان بمائة، فاشتراه بأقل منها، صح، وهذا يخالف ما سبق في قوله: بعه لزيد بمائة. قال صاحب الحاوي: والفرق أنه في البيع ممنوع من قبض ما زاد على المائة، فلا يجوز قبض ما نهي عنه. وفي الشراء، مأمور بدفع مائة، ودفع الوكيل بعض المأمور به جائز. والله أعلم. المسألة الثالثة: لو قال: بعه إلى أجل، وبين قدره، أو قلنا: لا حاجة إلى بيانه، وحملناه على المعتاد، فخالف وباع حالا، نظر، إن باعه بقيمته حالا، لم يصح، لانه أقل مما أمره به. وإن باعه حالا بقيمته إلى ذلك الاجل، نظر، إن كان في وقت لا يؤمن النهب والسرقة، أو كان لحفظه مؤنة في الحال، لم يصح أيضا. وإن لم يكن شئ من ذلك، صح على الاصح. ولا فرق فيما ذكرنا بين ثمن المثل عند الاطلاق، وبين ما قدره من الثمن، بأن قال: بع بمائة نسيئة، فباع بمائة نقدا. ولو قال: بع بكذا إلى شهرين، فباع به إلى شهر، ففيه الوجهان. ولو قال: اشتر حالا، فاشتراه مؤجلا بقيمته مؤجلا، لم يصح للموكل، لانه أكثر، وإن اشتراه بقيمته حالا، فوجهان كما في طرف البيع. قال صاحب التتمة: هذا إذا قلنا: إن مستحق الدين المؤجل إذا عجل حقه، يلزمه القبول. وأما إذا قلنا: لا يلزمه، فلا يصح الشراء هنا للموكل بحال. وذكر هو وغيره تخريجا على المسألة التي نحن فيها: أن الوكيل بالشراء مطلقا، لو اشترى نسيئة بثمن مثله نقدا، جاز، لانه زاد خيرا، وللموكل تفريغ ذمته بالتعجيل. قلت: هذا المنقول أولا عن التتمة قد عكسه صاحب الشامل فقال: هذا الخلاف حيث لا يجبر صاحب الدين على قبول تعجيله، وحيث يجبر، يصح الشراء قطعا. وهذا الذي قاله، أصح وأفقه وأقرب إلى تعليل الاصحاب. والله أعلم. فرع لو دفع (إليه) دينارا، وقال: اشتر به شاة، ووصفها، فاشترى به شاتين بتلك الصفة، نظر، إن لم تساو واحدة منهما دينارا، لم يصح الشراء للموكل وإن

(3/548)


زادت قيمتهما جميعا على الدينار، لفوات ما وكل فيه. وإن ساوت كل واحدة دينارا، فقولان. أظهرهما: صحة الشراء، وحصول الملك فيهما للموكل، لانه حصل غرضه وزاد خيرا. والثاني: لا تقع الشاتان للموكل، لانه لم يأذن فيهما، بل ينظر، إن اشتراهما في الذمة، فللموكل واحدة بنصف دينار، والاخرى للوكيل، ويرد على الموكل نصف دينار. وللموكل أن ينتزع الثانية منه، ويقرر العقد فيهما، لانه عقد العقد له. وفي قول شاذ: لا يصح الشراء للموكل في واحدة منهما، بل يقعان للوكيل. وإن اشتراهما بعين الدينار، فقد اشترى شاة باذنه، وشاة بلا إذنه، فيبنى على وقف العقود. فإن قلنا: لا توقف على الاجازة، بطل العقد في شاة. وفي الاخرى قولا (تفريق) الصفقة. وإن قلنا: توقف، فإن شاء الموكل أخذهما بالدينار، وإن شاء اقتصر على واحدة ورد الاخرى على البائع. وهذا القول مشكل، لان تعين الشاة للموكل أو لابطال العقد فيها، ليس بأولى من تعين الاخرى، والتخيير يشبه بيع شاة من شاتين، وهو باطل. فإذا صححنا الشراء فيهما للموكل، فباع الوكيل إحداهما بغير إذن الموكل، ففي صحة بيعه، قولان. وعلى هذا يخرج ما إذا اشترى شاة بدينار، وباعها بدينارين. وقيل: هذا الخلاف، هو القولان في بيع الفضولي، فعلى الجديد: يلغو، وعلى القديم: ينعقد موقوفا على إجازة الموكل. قلت: الاظهر: أنه لا يصح بيعه. قال أصحابنا: ولو اشترى به شاتين، تساوي إحداهما دينارا، والاخرى بعض دينار، فطريقان. الاصح منهما عند القاضي أبي الطيب والاصحاب: صحة البيع فيهما جميعا، ويكون كما لو ساوت كل واحدة دينارا على ما سبق. فعلى الاظهر: يلزم البيع فيهما جميعا للموكل، وبه قطع المحاملي وغيره. والطريق الثاني: لا يصح في حق الموكل واحدة منهما.

(3/549)


فعلى الاظهر: لو باع الوكيل التي تساوي دينارا، لم يصح قطعا، وإن باع الاخرى، فعلى الخلاف. وإن قلنا: للوكيل إحداهما، كان له التي لا تساوي دينارا بحصتها، وللموكل انتزاعها كما سبق. والله أعلم. فرع قال: بع عبدي بمائة درهم، فباعه بمائة وعبد أو وثوب يساوي مائة، فعن ابن سريج: أنه على قولين بالترتيب على مسألة الشاتين، وأولى بالمنع، لانه عدل عن الجنس. فإن أبطلنا، فهل يبطل في القدر المقابل لغير الجنس وهو النصف، أم في الجميع ؟ قولان. فإن قلنا: في ذلك القدر، قال في التتمة: لا خيار له، لانه إذا رضي ببيع الجميع بمائة، فالبعض أولى. وأما المشتري، فإن لم يعلم أنه وكيل بالبيع بدراهم، فله الخيار، وإن علم، فوجهان، لشروعه في العقد مع العلم بأن بعض المعقود عليه لا يسلم له. قلت: ولو باعه بمائة درهم ودينار، ففي التتمة والتهذيب: أنه على الخلاف في مائة وثوب. وقطع صاحب الشامل بالصحة، لانه من جنس الاثمان، وينبغي أن يكون الاصح في الجميع: الصحة. والله أعلم. فرع لو قال: بع بألف درهم، فباع بألف دينار، لم يصح، لانه غير المأمور به، وفيه احتمال ذكره ابن كج، والغزالي في الوجيز. وعلى هذا الاحتمال: البيع بعرض يساوي ألف دينار، يشبه أن يكون كالبيع بألف دينار. الصورة السادسة: في الوكالة في الخصومة، وفيها مسائل. إحداها: الوكيل بالخصومة من جهة المدعي، يدعي ويقيم البينة ويسعى في تعديلها، ويحلف ويطلب الحكم والقضاء، ويفعل ما هو وسيلة إلى الاثبات. والوكيل من جهة المدعى عليه، ينكر ويطعن في الشهود، ويسعى في الدفع بما أمكنه. الثانية: هل يشترط في التوكيل في الخصومة بيان ما فيه الخصومة، من دم، أو مال، أو عين، أو دين، أو أرش جناية، أو بدل مال حكى العبادي فيه وجهين كالوجهين في بيان من يخاصمه. الثالثة: لو أقر وكيل المدعي بالقبض، أو الابراء، أو قبول الحوالة، أو

(3/550)


المصالحة على مال، أو بأن الحق مؤجل، أو أقر وكيل المدعى عليه بالحق للمدعي، لم يقبل، سواء أقر في مجلس الحكم، أم في غيره، كما لا يصح إبراؤه ومصالحته، لان اسم الخصومة لا يتناولهما، فكذا الاقرار. ثم وكيل المدعي، إذا أقر بالقبض، أو الابراء، انعزل، وكذا وكيل المدعى عليه، إذا أقر بالحق، انعزل، لانه بعد الاقرار ظالم في الخصومة. وأطلق ابن كج وجهين في بطلان وكالته بالاقرار. قلت: ولو أبرأ وكيل المدعي خصمه، لم ينعزل، لان إبراءه باطل، ولا يتضمن اعترافا بأن المدعي ظالم، الاقرار، وكذا فرق صاحب الحاوي وغيره. والله أعلم. فرع نقل في النهاية أن الوكيل بالخصومة من جهة المدعى عليه، لا يقبل تعديله بينة المدعي، لانه كالاقرار في كونه قاطعا للخصومة، وليس للوكيل قطع الخصومة بالاختيار. الرابعة: تقبل شهادة الوكيل على موكله، وتقبل لموكله في غير ما توكل فيه. وإن شهد بما توكل فيه، نظر، إن شهد قبل العزل، أو بعده وقد خاصم فيه، لم يقبل، للتهمة. وإن كان بعده ولم يخاصم، قبلت على الاصح. هذه هي الطريقة الصحيحة المشهورة. وقال الامام: قياس المراوزة، أن يعكس فيقال: إن لم يخاصم، قبلت، وإلا، فوجهان. قال: وهذا التفصيل، إذا جرى الامر على تواصل. فإن طال الفصل، فالوجه: القطع بقبول الشهادة مع احتمال فيه. الخامسة: لو وكل رجلين بالخصومة، ولم يصرح باستقلال كل واحد منهما، فوجهان. الاصح: لا يستقل واحد منهما، بل يتشاوران ويتباصران. كما لو وكلهما في بيع أو طلاق أو غيرهما، أو وصى إليهما. ولو وكل رجلين في حفظ متاع، فالاصح: أنه لا ينفرد واحد منهما بحفظه، بل يحفظانه في حرز بينهما. والثاني: ينفرد. فإن قبل القسمة، قسم ليحفظ كل واحد بعضه. السادسة: ادعى عند القاضي أنه وكيل زيد، فإن كان المقصود بالخصومة حاضرا، وصدقه، ثبتت الوكالة، وله مخاصمته، وإن كذبه، أقام البينة على الوكالة. ولا يشترط في إقامة البينة تقدم دعوى حق الموكل على الخصم. وإن كان

(3/551)


غائبا، وأقام الوكيل بينة بالوكالة، سمعها القاضي وأثبتها. ولا يعتبر حضور الخصم في إثبات الوكالة، خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه حيث (قال): لا تسمع البينة إلا في وجه الخصم. قال الامام: وهو بناء على مذهبه، في امتناع القضاء على الغائب. ثم حكى الامام عن القاضي حسين: أنه لا بد (و) أن ينصب القاضي مسخرا ينوب عن الغائب، ليقيم المدعي البينة في وجهه. قال الامام: وهذا بعيد لا أعرف له أصلا، مع ما فيه من مخالفة الاصحاب. وحكى عنه أيضا أن القضاة اصطلحوا على أن من وكل في مجلس القضاء وكيلا بالخصومة، اختص التوكيل بالمخاصمة في ذلك المجلس. قال الامام: والذي نعرفه للاصحاب أنه يخاصم في ذلك المجلس وبعده، ولا نعرف للقضاة العرف الذي ادعاه. السابعة: وكل رجلا عند القاضي بالخصومة عنه، وطلب حقوقه، فللوكيل أن يخاصم عنه ما دام حاضرا في المجلس، اعتمادا على العيان. فإن غا ب وأراد الوكيل الخصومة عنه اعتمادا على اسم ونسب يذكره، فلا بد من إقامة بينة على أن فلان ابن فلان وكله، أو على أن الذي وكله هو فلان بن فلان، ذكره أصحابنا العراقيون، والشيخ أبو عاصم العبادي. وعبارة العبادي: إنه لا بد وأن يعرف الموكل شاهدان يعرفهما القاضي ويثق بهما. ثم إن الامام حكى عن القاضي حسين - رحمهما الله - أن عادة الحكام التساهل في هذه البينة، والاكتفاء بالعدالة الظاهرة، وترك البحث والاستزكاء تسهيلا على الغرباء. وقال القاضي أبو سعد ابن أبي يوسف في شرح مختصر العبادي: يمكن أن يكتفى بمعرف واحد إذا كان موثوقا به، كما قال الشيخ أبو محمد: إن تعريف المرأة في تحمل الشهادة عليها، يحصل يمعرف واحد، لانه إخبار لا شهادة. قلت: وإذا ادعى على وكيل مالا، وأقام بينة وقضى بها الحاكم، ثم حضر الغائب وأنكر الوكالة، أو ادعى عزله، لم يكن له أثر، لان الحكم على الغائب جائز. قال في التتمة: وإذا اعترف الخصم عند القاضي بأنه وكيل، جاز له المحاكمة قطعا. وفي وجوبها عليه، الخلاف فيما إذا اعترف بأنه وكيل في قبض الدين، هل يلزمه دفعه إليه، أم لا يجب حتى يقيم بينة ؟ والله أعلم.

(3/552)


الصورة السابعة: وكله في الصلح عن الدم على خمر، ففعل، حصل العفو ووجبت الدية كما لو فعله الموكل بنفسه. فلو صالح على خنزير، فهو لغو على الاصح، فيبقى القصاص، لانه غير مأذون فيه. والثاني: أنه كالعفو على خمر. وعلى هذا، لو صالح على الدية، أو على ما يصلح عوضا، جاز. ولو جرت هذه المخالفة بين الموجب والقابل في الصلح، لغا قطعا، لعدم انتظام الخطاب. ولو وكله في خلع زوجته على خمر، فخالعها على خمر أو خنزير، فعلى ما سبق في الصلح عن الدم. فرع وكله في بيع أو شراء فاسد، لم يملك فاسدا ولا صحيحا، لعدم الاذن. الصورة الثامنة: في مخالفته، فإذا سلم إليه ألفا، وقال: اشتر بعينه ثوبا، فاشترى في الذمة لينقذ الالف، لم يصح للموكل. ولو قال: اشتر في الذمة وسلم الالف في ثمنه، فاشترى بعينه، لم يصح على الاصح. ولو سلمه إليه، وقال: اشتر ثوبا، ولم يقل: بعينه، ولا في الذمة، فوجهان. أحدهما: أنه كقوله: اشتر بعينه، لان قرينة التسليم تشعر به. وأصحهما: أن الوكيل يتخير بين الشراء بعينه أو في الذمة، لان الاسم يتناولهما. قلت: وإذا قال: اشتر في الذمة وسلمه فيه، فاشترى للموكل في الذمة، ونقد الوكيل الثمن من ماله، برئ الموكل من الثمن، ولا يرجع عليه الوكيل بشئ، لانه متبرع بقضاء دينه، ويلزمه رد الالف المعينة إلى الموكل، صرح به الماوردي وغيره، وهو ظاهر. والله أعلم.
فصل في حكم البيع والشراء المخالفين أمر الموكل أما البيع، فإذا قال: بع هذا العبد، فباع آخر، فباطل. وأما الشراء، فإن وقع بعين مال الموكل، فباطل. وإن وقع في الذمة، نظر، إن لم يسم الموكل، وقع عن الوكيل، وكذا

(3/553)


إن سماه على الاصح. وتلغو التسمية، لان تسمية الموكل غير معتبرة في الشراء، فإذا سماه، ولم يكن صرفه إليه، صار كأنه لم يسمه. والثاني: العقد باطل. فإذا قلنا بالاصح، فذلك إذا قال: بعتك، فقال: اشتريت لموكلي فلان. فأما إذا قال البائع: بعت فلانا، فقال الوكيل: اشتريته له، فالمذهب بطلان العقد، لانه لم تجر بينهما مخاطبة. ويخالف النكاح حيث يصح من الولي ووكيل الزوج على هذه الصيغة، بل لا يصح إلا كذلك، لان للبيع أحكاما تتعلق بالمجلس كالخيار وغيره، وتلك الاحكام، إنما يمكن اعتبارها بالمتعاقدين، فاعتبر جريان المخاطبة بينهما، والنكاح سفارة محضة. ثم ما ذكرناه في هذا الفصل، تفريع على الجديد، وهو منع وقف العقود، وإلغاء تصرف الفضولي. وأما على القديم، فالوكيل كأجنبي، فيقف الشراء في الذمة على إجازته. فإن أجاز، وقع عنه، وإلا، فعن الوكيل، وكذا الشراء بعين ماله، وبيع العبد الآخر، ينعقدان موقوفين على هذا القول كما ذكرنا في بابه. فرع وكيل المتهب في القبول، يجب أن يسمي موكله، وإلا فيقع عنه، لجريان الخطاب معه، ولا ينصرف بالنية إلى الموكل، لان الواهب قد يقصد بتبرعه المخاطب، وليس كل أحد يسمح بالتبرع عليه، بخلاف الشراء، فإن المقصود منه حصول العوض. قلت: قال في البيان: لو وكله أن يزوج بنته زيدا، فزوجها وكيل زيد لزيد، صح. ولو وكله في بيع عبده لزيد، فباعه لوكيل زيد، لم يصح. والفرق أن النكاح لا يقبل نقل الملك، والبيع يقبله. ولهذا يقول وكيل النكاح: زوج موكلي، ولا يقول: زوجني لموكلي. وفي البيع يقول: بعني لموكلي (ولا يقول: بع موكلي). والله أعلم.
الحكم الثاني : للوكالة حكم الامانة. فيد الوكيل يد أمانة، فلا يضمن ما تلف في يده بلا تفريط، سواء كان بجعل، أو متبرعا، فإن تعدى، بأن ركب الدابة، أو لبس الثوب، ضمن قطعا، ولا ينعزل عن المذهب، بل يصح تصرفه، وإذا باع وسلم المبيع، زال عنه الضمان، لانه أخرجه من يده بإذن المالك. وفي زوال

(3/554)


الضمان بمجرد البيع، وجهان. أحدهما: نعم، لزوال ملك الموكل. وأصحهما: لا، لانه يرتفع العقد بتلفه قبل القبض. وأما الثمن الذي يقبضه، فلا يكون مضمونا عليه، لانه لم يتعد فيه. ولو رد عليه المبيع بعيب، عاد الضمان. فرع لو دفع إلى وكيله دراهم ليشتري بها شيئا، فتصرف فيها على أن يكون قرضا عليه، صار ضامنا. وليس له أن يشتري للموكل بدراهم نفسه، ولا في الذمة، فلو حصل، كان ما اشتراه لنفسه دون موكله. ولو عادت الدراهم التي تصرف فيها إليه، فاشترى بها للموكل، فهو على الخلاف في انعزاله بالتعدي. فعلى المذهب: لا ينعزل، فيصح شراؤه، ولا يكون ما اشتراه مضمونا عليه، لانه لم يتعد فيه. فلو رد ما اشتراه بعيب، واسترد الثمن، عاد مضمونا عليه. فرع متى طالب الموكل الوكيل برد ماله، لزمه أن يخلي بينه وبينه، فإن امتنع، صار ضامنا كالمودع. الحكم الثالث: في العهدة، فيه مسائل. إحداها: الوكيل بالشراء إذا اشترى لموكله ما وكله في شرائه فلمن يقع الملك ؟ وجهان. أحدهما: للوكيل ثم ينتقل إلى الموكل، لان الخطاب جرى معه. وأحكام العقد تتعلق به. والصحيح: أنه يقع أولا للموكل، كما لو اشترى الاب للطفل، فإنه يقع للطفل ابتداء، ولانه لو وقع للوكيل، لعتق عليه أبوه إذا اشتراه لموكله، فلا يعتق قطعا. الثانية: أحكام العقد في البيع والشراء، تتعلق بالوكيل دون الموكل، حتى تعتبر رؤية الوكيل للمبيع دون الموكل، وتلزم بمفارقة الوكيل المجلس دون الموكل، وكذا تسليم رأس المال في السلم والتقابض حيث يشترط، يعتبران قبل مفارقة الوكيل. والفسخ بخيار المجلس وخيار الرؤية، إن أثبتناه يثبت للوكيل دون الموكل، حتى لو أراد الموكل الاجازة، كان للوكيل الفسخ، ذكره في التتمة.

(3/555)


الثالثة: إذا اشترى الوكيل بثمن معين، طالبه به البائع، إن كان في يده، وإلا، فلا. وإن اشترى في الذمة، فإن كان الموكل قد سلم إليه ما يصرفه في الثمن، طالبه البائع، وإلا، فإن أنكر البائع كونه وكيلا، أو قال: لا أدري، هل هو وكيل، أم لا ؟ طالبه به. وإن اعترف بوكالته، فهل يطالب به الموكل فقط ؟ أم الوكيل فقط ؟ أم يطالب أيهما شاء ؟ فيه أوجه. أصحها: الثالث. فإن قلنا بالثاني، فهل للوكيل مطالبة الموكل قبل أن يغرم ؟ فيه وجهان. أصحهما: المنع. وإذا غرم الوكيل للبائع، رجع على الموكل، ولا يشترط لثبوت الرجوع اشتراط الرجوع على المذهب. وإذا قلنا بالثالث، فالوكيل كالضامن، والموكل كالمضمون عنه، فيرجع الوكيل إذا غرم. والقول في اعتبار شرط الرجوع، وفي أنه هل يطالبه بتخليصه قبل الغرم، كما سبق في الضمان. وفرع ابن سريج على الاوجه فقال: لو سلم دراهم إلى الوكيل ليصرفها إلى الثمن الملتزم في الذمة، ففعل، ثم ردها البائع بعيب، فإن قلنا بالوجه الاول أو الثالث، لزم الوكيل تلك الدراهم بأعيانها إلى الموكل، وليس له إمساكها ودفع بدلها. وإن قلنا بالثاني، فله ذلك، لان ما دفعه الموكل إليه على هذا الوجه، أقرضه إياه ليبرئ ذمته. فإن عاد، فهو ملكه. وللمستقرض إمساك ما استقرضه ورد مثله. ولك أن تقول: لا خلاف أن للوكيل أن يرجع على الموكل في الجملة، وإنما الكلام في أنه متى يرجع ؟ وبأي شئ يرجع ؟ فإذا كان كذلك، اتجه أن يكون تسليم الدراهم دفعا لمؤنة التراجع، لا إقراضا. الرابعة: الوكيل بالبيع إذا قبض الثمن، إما بإذن صريح، وإما بمقتضى البيع. إذا قلنا به، فتلف المقبوض في يده، ثم خرج المبيع مستحقا، والمشتري معترف بالوكالة، فهل يرجع بالثمن على الوكيل لحصول التلف عنده ؟ أم على الموكل لانه سفيره ويده يده ؟ أم على من شاء منهما ؟ فيه الاوجه السابقة. فإن قلنا:

(3/556)


على الموكل أو الوكيل، فغرم، لا يرجع أحدهما على صاحبه. وإن قلنا: يغرم أيهما شاء، فثلاثة أوجه. أصحها وأشهرها: أنه إن غرم الموكل، لم يرجع على الوكيل، وإن غرم الوكيل، رجع على الموكل. والثاني: يرجع الموكل دون الوكيل، لحصول التلف في يده. والثالث: لا يرجع واحد منهما. والذي يفتى به من هذه الاختلافات: أن المشتري يغرم من شاء منهما، والقرار على الموكل. ولذلك اقتصرنا على هذا الجواب في بدل الرهن وإن كان يطرد فيه الخلاف. الخامسة: الوكيل بالشراء إذا قبض المبيع وتلف في يده، ثم بان مستحقا، فللمستحق مطالبة البائع بقيمة المبيع أو مثله، لانه غاصب. وفي مطالبته الوكيل أو الموكل، الاوجه الثلاثة. قال الامام: والاقيس في المسألتين: أنه لا رجوع إلا على الوكيل، لحصول التلف في يده، وبظهور الاستحقاق بان أن لا عقد، وصار الوكيل قابضا ملك غيره بلا حق. ويجري الخلاف في القرار في هذه الصورة. السادسة: الوكيل بالبيع، إذا باع بثمن في الذمة، واستوفاه ودفعه إلى الموكل، وخرج مستحقا أو معيبا، فرده، فللموكل أن يطالب المشتري بالثمن، وله أن يغرم الوكيل، لانه صار مسلما للمبيع قبل أخذ عوضه. وفيما يغرمه وجهان. أحدهما: قيمة العين، لانه فوتها. والثاني: الثمن، لان حقه انتقل إليه. فإن قلنا بالاول، فأخذ منه القيمة، طالب الوكيل المشتري بالثمن. فإذا أخذه، دفعه إلى الموكل واسترد القيمة. السابعة: دفع إليه دراهم ليشتري عبدا بعينها، ففعل، فتلفت في يده قبل التسليم، انفسخ البيع، ولا شئ على الوكيل. وإن تلفت قبل الشراء، ارتفعت الوكالة. ولو قال: اشتر في الذمة، واصرفها إلى الثمن، فتلفت في يد الوكيل بعد الشراء، لم ينفسخ العقد. ولكن هل ينقلب إلى الوكيل ويلزمه الثمن ؟ أم يبقى للموكل. وعليه مثل الدراهم ؟ أم يقال للموكل: إن أردته فادفع مثل تلك الدراهم، وإلا فيقع عن الوكيل وعليه الثمن ؟ فيه ثلاثة أوجه. ولو تلفت قبل الشراء، لم ينعزل. فإن اشترى للموكل، فهل يقع له، أم للوكيل ؟ فيه الوجهان الاولان من هذه الثلاثة. قلت: هكذا ذكره صاحب التهذيب: وقطع في الحاوي بأنه إذا قال:

(3/557)


اشتر في الذمة أو بعينها، فتلفت، انفسخت الوكالة، وانعزل، فإذا اشترى بعده، وقع للوكيل قطعا. والله أعلم. فرع إذا اشترى الوكيل شراء فاسدا، وقبض، وتلف المبيع في يده، أو بعد تسليمه إلى الموكل، فللمالك مطالبته بالضمان، ثم هو يرجع على الموكل. فرع لو أرسل رسولا ليستقرض له، فاقترض، فهو كوكيل المشتري. وفي مطالبته ما في مطالبة وكيل المشتري بالثمن. والمذهب: أنه يطالب، وأنه إذا غرم، رجع على الموكل. الحكم الرابع: الجواز من الجانبين، فلكل واحد منهما العزل. ولاتفاعها أسباب. الاول: أن يعزله الموكل بقوله: عزلته، أو رفعت الوكالة، أو فسختها، أو أبطلتها، أو أخرجته عنها، فينعزل سواء ابتدأ توكيله، أو وكله بسؤال الخصم، بأن سألت زوجها أن يوكل في الطلاق، أو الخلع، أو المرتهن الراهن أن يوكل ببيع الرهن، أو سأله خصمه أن يوكل في الخصومة. وهل ينعزل قبل بلوغ العزل إليه ؟ قولان. أظهرهما: ينعزل. فإن قلنا: لا ينعزل حتى يبلغه الخبر، فالمعتبر خبر من تقبل روايته، دون الصبي والفاسق. وإذا قلنا: ينعزل، فينبغي للموكل أن يشهد على العزل، لان قوله بعد تصرف الوكيل: كنت عزلته، لا يقبل. الثاني: إذا قال الوكيل: عزلت نفسي، أو أخرجتها عن الوكالة، أو رددتها، انعزل قطعا، كذا قاله الاصحاب. وقال بعض المتأخرين: إن كانت صيغة الموكل: بع واعتق ونحوهما من صيغ الامر، لم ينعزل برد الوكالة، وعزله نفسه، لان ذلك إذن وإباحه، فأشبه ما لو أباحه الطعام لا يرتد برد المباح له، ولا يشترط في انعزاله بعزل نفسه حصول علم الموكل. الثالث: ينعزل الوكيل بخروجه، أو خروج الموكل عن أهلية تلك التصرفات بالموت أو الجنون. وفي وجه: لا ينعزل بجنون لا يمتد، بحيث تتعطل

(3/558)


المهمات. ويخرج إلى نصب قوام. والاغماء، كالجنون على الاصح. والثاني: لا ينعزل به، واختاره الامام، والغزالي في الوسيط، لان المغمى عليه، لا يلتحق بمن تولى عليه. والمعتبر في الانعزال، التحاق الوكيل والموكل بمن تولى عليه. وفي معنى الجنون، الحجر عليه بسفه، أو فلس في كل تصرف لا ينفذ منهما. وكذا لو طرأ الرق، بأن وكل حربيا، ثم استرق. وإذا جن الموكل، انعزل الوكيل في الحال وإن لم يبلغه الخبر قطعا، بخلاف العزل. الرابع: خروج محل التصرف عن ملك الموكل، بأن باع (الموكل) ما وكله في بيعه أو أعتقه. فلو وكله ببيعه. ثم آجره، قال في التتمة: ينعزل، لان الاجارة إن منعت البيع، لم يبق مالكا للتصرف، وإلا، فهي علامة الندم، لان من يريد البيع لا يؤاجر لقلة الرغبات. وتزويج الجارية، عزل. وفي طحن الحنطة وجهان. وجه الانعزال، بطلان اسم الحنطة. وأما العرض على البيع وتوكيل وكيل آخر، فليس بعزل قطعا. الخامس: لو وكل عبده في بيع أو تصرف آخر، ثم أعتقه أو باعه، ففي انعزاله أوجه. ثالثها: أنه إن كانت الصيغة: وكلتك، بقي الاذن. وإن كانت: بع، أو نحوه، ارتفع. والكتابة، كالبيع. وعبد غيره كعبده. وإذا حكمنا ببقاء الاذن في صورة البيع، لزمه استئذان المشتري، لان منافعه صارت له. فلو لم يستأذن، نفذ تصرفه لبقاء الاذن وإن عصى، قال الامام: وفيه احتمال. قلت: لم يصحح الرافعي شيئا من الخلاف في انعزاله، ولم يصححه الجمهور. وقد صحح صاحب الحاوي والجرجاني في المعاياة انعزاله. وقطع به الجرجاني في كتابه التحرير. وأما عبد غيره، فطرد الرافعي فيه الوجهين متابعة لصاحب التهذيب. ولكن المذهب، والذي جزم به الاكثرون: القطع ببقائه. قال صاحب البيان: والخلاف في عبد غيره، هو فيما إذا أمره السيد ليتوكل لغيره. فأما إن قال: إن شئت فتوكل لفلان، وإلا، فلا تتوكل، ثم أعتقه أو باعه، فلا ينعزل قطعا كالاجنبي. والله أعلم.

(3/559)


السادس: لو جحد الوكيل الوكالة، هل يكون ذلك عزلا ؟ فيه أوجه، أصحها: ثالثها: إن كان لنسيان أو غرض في الاخفاء، لم يكن عزلا، وإن تعمد ولاعرض في الاخفاء، انعزل. ولو أنكر الموكل التوكيل، ففي انعزاله الاوجه. قلت ومن فروع هذه، لو وكل رجلين، فعزل أحدهما لا بعينه، فوجهان في الحاوي والمستظهري، أصحهما: لا ينفذ تصرف واحد منهما حتى يميز، للشك في أهليته. والثاني: لكل التصرف، لان الاصل بقاء تصرفه. والله أعلم. فرع متى قلنا: الوكالة جائزة، أردنا الخالية عن الجعل. فأما إذا شرط (فيها) جعل معلوم، واجتمعت شرائط الاجارة، وعقد بلفظ الاجارة، فهي لازمة. وإن عقد بلفظ الوكالة، أمكن تخريجه على أن الاعتبار بصيغ العقود، أم بمعانيها ؟
فصل في مسائل منثورة إحداها : وكله ببيع، فباع، ورد عليه المبيع بعيب، أو أمره بشرط الخيار، فشرطه، ففسخ البيع، لم يكن له بيعه ثانيا. الثانية: قال: بع نصيبي من كذا، أو قاسم شركائي، أو خذ بالشفعة، فأنكر الخصم ملكه، هل له الاثبات ؟ يخرج على الوجهين في أن الوكيل بالاستيفاء، هل يثبت ؟ الثالثة: قال: بع بشرط الخيار فباع مطلقا، لم يصح. ولو أمره بالبيع وأطلق، لم يكن للوكيل شرط الخيار للمشتري، وكذا ليس للوكيل بالشراء شرط الخيار للبائع. وفي شرطهما الخيالا نفسهما أو للموكل، وجهان. قلت: أصحهما: الجواز، وبه قطع في التتمة. والله أعلم. الرابعة: أمره بشراء عبد، أو بيع عبد، لا يجوز العقد على بعضه، لضرر التبعيض ولو فرضت فيه غبطة. وفيه وجه شاذ ضعيف. ولو قال: اشتره بهذا الثوب، فاشتراه بنصف الثوب، صح.

(3/560)


الخامسة: قال: بع هؤلاء العبيد، أو اشتر لي خمسة أعبد، ووصفهم، فله الجمع والتفريق، إذ لا ضرر. ولو قال: اشترهم صفقة، ففرق، لم يصح للموكل. فلو اشترى خمسة من مالكين، لاحدهما ثلاثة، وللآخر اثنان دفعة، وصححنا مثل هذا العقد، ففي وقوع شرائهم عن الموكل وجهان. أحدهما: الصحة، لانه ملكهم دفعة. وأصحهما: المنع، لانه إذا تعدد البائع، لم تكن الصفقة واحدة. السادسة: قال: بع هؤلاء الاعبد الثلاثة بألف، لم يبع واحدا منهم بدون ألف. ولو باعه بألف، صح. ثم هل يبيع الآخرين ؟ فيه وجهان. أصحهما نعم. ولو قال: بع من عبيدي من شئت، أبقى بعضهم ولو واحدا. السابعة: وكله باستيفاء دينه على زيد، فمات زيد، نظر، إن قال: وكلتك بطلب حقي من زبد، لم يطالب الورثة. وإن قال: بطلب حقي الذي على زيد، طالبهم. قلت: ولو لم يمت، جاز له القبض من وكيله قطعا كيف كان، قاله في الشامل وغيره. والله أعلم. الثامنة: أمره بالبيع مؤجلا، لا يلزمه المطالبة بعد الاجل، ولكن عليه بيان الغريم. وكذلك لو قال: ادفع هذا الذهب إلى صائغ، فقال: دفعته، فطالبه الموكل ببيانه، فقال القفال: يلزمه البيان. فلو امتنع، صار متعديا، حتى لو بينه بعد ذلك، وكان تلف في يد الصائغ، يلزمه الضمان. قال القفال: والاصحاب يقولون: لا يلزمه البيان. قلت: هذا المنقول عن الاصحاب، ضعيف أو خطأ. والله أعلم. التاسعة: قال لرجل: بع عبدك لفلان بألف، وأنا أدفعه إليك، فباعه له،

(3/561)


قال ابن سريج: يستحق البائع الالف على الآمر دون المشتري. فإذا غرم الآمر، رجع على المشتري. قلت: هذا كله مشكل مخالف للقواعد من وجهين، وهما لزوم الالف للآمر، ورجوعه بها بغير إذن المشتري. ومن قضى دين غيره بلا إذن، لا يرجع قطعا كما سبق في الضمان. وقد قال أصحابنا: لو قال: بع عبدك لفلان بألف علي، لم يصح التزامه. فالصواب: أنه لا يلزم الآمر شئ، لانه ضمان ما لم يجب، ولا جرى سبب وجوبه. ثم رأيت صاحب الحاوي رحمه الله، أوضح المسألة فقال: لو قال لرجل: بع عبدك هذا على زيد بألف درهم، وهي علي دونه، فله حالان. أحدهما: أن يكون هذا الآمر هو المتولي للعقد، فيصح ويكون مشتريا لغيره بثمن في ذمته، فيعتبر حال زيد المشتري له. فإن كان موليا عليه، أو أذن فيه، كان الشراء له، والثمن على العاقد الضامن. وإن كان غير مولى عليه، ولا أذن، كان المشترى للعاقد، يعني على الاصح فيما لو قال: اشتره لزيد، وليس وكيلا له وعلى وجه: بيعه باطل. الحال الثاني: أن يكون زيد هو العاقد، فوجهان. أحدهما: يصح ويكون العبد لزيد بلا ثمن، والثمن على الضامن الآمر، قاله ابن سريج. والثاني - قال: وهو الصحيح -: أن البيع باطل، لان عقد البيع ما أوجب تمليك المبيع عوضا على المالك، وهذا مفقود هنا، فيبطل. فعلى هذا، لو قال: بع عبدك على زيد بألف درهم، وخمسمائة علي، ففعل، فعند ابن سريج: العقد صحيح، وعلى المشتري ألف، وعلى الآمر خمسمائة، وعلى الصحيح: العقد باطل، هذا كلام صاحب الحاوي وهو واضح حسن. وعجب من ] الامام الرافعي، اقتصاره على ما حكاه عن ابن سريج، وإهماله بيان المذهب الصحيح. ثم حكايته عن ابن سريج، مخالفة في الرجوع ما ذكرنا. والله أعلم. العاشرة: قال: اشتر لي عبد فلان بثوبك هذا، أو بدراهمك، ففعل، حصل الملك للآمر ورجع عليه المأمور بالقيمة أو المثل. وفي وجه ضعيف: لا يرجع إلا أن يشرطا الرجوع.

(3/562)


الحادية عشرة: متى قبض وكيل المشتري المبيع، وغرم الثمن من ماله، لم يكن له حبس المبيع ليغرم الموكل له. وفي وجه ضعيف: له ذلك. الثانية عشرة: وكله عمرو باستيفاء دينه من زيد، فقال زيد: خذ هذه العشرة، واقض بها دين عمرو، فأخذها، صار وكيلا لزيد في قضاء دينه، حتى يجوز لزيد استردادها ما دامت في يد الوكيل. ولو تلفت عند الوكيل، بقي الدين على زيد. ولو قال زيد: خذها عن الدين الذي تطالبني به لعمرو، فأخذها، كان قبضا لعمرو، وبرئ زيد، وليس له الاسترداد. ولو قال: خذها قضاء لدين فلان، فهذا محتمل للحالين. فلو تنازع عمرو وزيد، فالقول قول زيد بيمينه. قلت: المختار في هذه الصورة، أنه عند الاطلاق إقباض بوكالة عمرو. والله أعلم. الثالثة عشرة: دفع إليه دراهم ليتصدق بها، فتصدق ونوى نفسه، لغت نيته ووقعت الصدقة للآمر. الرابعة عشرة: وكل عبدا ليشتري له نفسه، أو مولى اخر من مولاه، صح على الاصح. فعلى هذا، قال صاحب التقريب: يجب أن يصرح بذكر الموكل فيقول: اشتريت نفسي منك لموكلي فلان، وإلا فقوله: اشتريت نفسي، صريح في اقتضاء العتق، فلا يندفع بمجرد النية. ولو قال العبد لرجل: اشتر لي نفسي من سيدي، ففعل، صح. قال صاحب التقريب: ويشترط التصريح بالاضافة إلى العبد، فلو أطلق، وقع الشراء للوكيل، لان البائع لا يرضى بعقد يتضمن الاعتاق قبل توفية الثمن. الخامسة عشرة: قال لرجل: أسلم لي في كذا، وأد رأس المال من مالك، ثم ارجع علي، قال ابن سريج: يصح ويكون رأس المال قرضا على الآمر. وقيل: لا يصح، لان الاقراض لا يتم إلا بالاقباض، ولم يوجد من المستقرض قبض. قلت: الاصح عند الشيخ أبي حامد وصاحب العدة: أنه لا يصح. قال الشيخ أبو حامد: هذا الذي قاله أبو العباس، سهو منه. قال: وقد نص الشافعي

(3/563)


رضي الله عنه في كتاب الصرف، أن ذلك لا يجوز. والله أعلم. السادسة عشرة: لو أبرأ وكيل المسلم المسلم إليه، لم يلزم إبراؤه الموكل. لكن المسلم إليه لو قال: لا أعلمك وكيلا، وإنما التزمت لك شيئا وأبرأتني منه، نفذ في الظاهر، ويتعطل بفعله حق المسلم. وفي وجوب الضمان عليه قولا الغرم بالحيلولة. والاظهر: وجوبه، لكن لا يغرم مثل المسلم (فيه) ولا قيمته، كي لا يكون اعتياضا عن السلم، وإنما يغرم رأس المال، كذا حكاه الامام عن العراقيين، واستحسنه. ورأيت في تعليق الشيخ أبي حامد: أنه يغرم للموكل مثل المسلم فيه. السابعة عشرة: قال: اشتلي طعاما، نص الشافعي رضي الله عنه، على أنه يحمل على الحنطة اعتبارا بعرفه. قال الروياني: وعلى هذا لو كان بطبرستان، لم يصح التوكيل، لانه لاعرف فيلهذا اللفظ عندهم. الثامنة عشرة: قال: وكلتك بابراء غرمائي، لم يملك الوكيل إبراء نفسه. فإن قال: وإن شئت فأبرئ نفسك، فعلى الخلاف في توكيل المديون بإبراء نفسه. ولو قال: فرق ثلثي على الفقراء، وإن شئت أن تضعه في نفسك فافعل، فعلى الخلاف فيمن أذن له في البيع لنفسه. التاسعة عشرة: قال: بع هذا ثم هذا، لزمه رعاية الترتيب، قاله القفال. العشرون: جعل للوكيل جلا، فباع، استحقه وإن تلف الثمن في يده، لان استحقاقه بالعمل وقد عمل قلت: وممسائل الباب فروع. أحدها: قال في الحاوي: لو شهد لزيد شاهدان عند الحاكم أن عمرا وكله، فإن وقع في نفس زيد صدقهما، جاز العمل بالوكالة. ولو رد الحاكم شهادتهما، لم يمنعه ذلك من العمل بها، لان قبولها عند زيد خبر، وعند الحاكم شهادة. وإن لم يصدقهما، لم يجز (له) العمل بها، ولا يغني قبول الحاكم شهادتهما عن تصديقه. الثاني: قال في الحاوي: إذا سأل الوكيل موكله أن يشهد على نفسه بتوكيله، فإن كانت الوكالة فيما لو جحده الموكل ضمنه الوكيل، كالبيع، والشراء،

(3/564)


وقبض المال، وقضاء الدين، لزمه. وإن كانت فيما لا يضمنه الوكيل، كاثبات الحق بطلب الشفعة ومقاسمة الشريك، لم يلزمه. الثالث: قال في البيان: لو قال: اشتر لي جارية أطؤها، ووصفها، وبين ثمنها، فاشترى من تحرم عليه، أو أخت من يطؤها، لم يلزم الموكل، لانه غير المأذون فيه. الرابع: وكله أن يتزوج امرأة، ففي اشتراط تعيينها وجهان في البيان وغيره، الاصح أو الصحيح: الاشتراط. والله أعلم.
الباب الثالث في الاختلاف وهو ثلاثة أضرب. الاول: في أصل العقد. فإذا اختلفا في أصل الوكالة، أو كيفيتها، أو قدر ما يشترى به، فقال: وكلتني في بيع كله، أو بيع نسيئة، أو بعشرة، فقال: بل في بيع بعضه، أو بحال، أو بخمسة، فالقول قول الموكل. فرع أذن في شراء جارية، فاشتراها الوكيل بعشرين، وقال: أذنت لي في العشرين، وقال الموكل: بل في عشرة، وحلفناه، فحلف، فينظر في الشراء، أكان بعين مال الموكل، أم في الذمة ؟ فإن كان بعينه، فإن ذكر في العقد أن المال لفلان، وأن الشراء له، فهو باطل. وإن لم يذكر في العقد، وقال بعد الشراء: إنما اشتريت له، فإن صدقه البائع، فالعقد باطل، فإذا بطل، فالجارية للبائع وعليه رد ما أخذ. وإن كذبه البائع، وقال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك، حلف على نفي العلم بالوكالة، وحكم بصحة الشراء للوكيل في الظاهر، وسلم الثمن المعين إلى البائع، وغرم الوكيل مثله للموكل. وإن كان الشراء في الذمة، نظر، إن لم يسم الموكل بل نواه، كانت الجارية للوكيل بالشراء له ظاهرا، وإن سماه، فإن صدقه البائع بطل الشراء، لاتفاقهما على أنه للغير. وإن كذبه، وقال: أنت مبطل في تسميته، لزم الشراء للوكيل. وهل يكون كما لو اقتصر على النية، أم يبطل الشراء ؟ وجهان سبق نظائرهما. أصحهما: صحته ووقوعه للوكيل. وحيث صححنا الشراء، وجعلنا الجارية للوكيل ظاهرا، وهو يزعم أنها للموكل، قال المزني: والشافعي رضي الله عنه: يستحب في مثل هذا أن يرفق الحاكم بالآمر للمأمور،

(3/565)


فيقول: إن كنت أمرته أن يشتريها بعشرين، فقد بعته إياها بعشرين. فيقول الآخر: قبلت ليحل له الفرج. قال أصحابنا: إن أطلق الموكل وقال: بعتكها بعشرين. فقال المشتري: اشتريت، صارت الجارية له ظاهرا وباطنا. وإن علق كما ذكره المزني، فوجهان. أحدهما: لا يصح، للتعليق. قالوا: والتعليق فيما حكاه المزمي، من كلام الحاكم، لا من كلام الموكل. وأصحهما: الصحة، لانه لا يتمكن من البيع إلا بهذا الشرط، فلا يضر التعرض له. وسواء أطلق البيع، أو علقه، لا نجعل ذلك إقرارا بما قاله الوكيل. وإن امتنع الموكل من الاجابة، أو لم يرفق به الحاكم، نظر، إن كان الوكيل كاذبا، لم يحل له وطؤها، ولا التصرف فيها ببيع ولا غيره إن كان الشراء بعين مال الموكل، لان الجارية للبائع. وإن كان في الذمة، ثبت الحل، لوقوع الشراء للوكيل، لكونه مخالفا للموكل. وذكر في التتمة: أنه إذا كان كاذبا والشراء بعين مال الموكل، فللوكيل بيعها بنفسه أو بالحاكم، لان البائع يكون أخذ مال الموكل بغير استحقاق، وقد غرم الوكيل للموكل، وكان له أن يقول للبائع: رد مال الموكل، لكن تعذر ذلك باليمين، فله أخذ حقه من الجارية التي هي ملكه. وإن كان الوكيل صادقا، ففيه أوجه. أحدها: يحل للوكيل ظاهرا وباطنا، فيحل له الوطئ وكل تصرف، حكي عن الاصطخري، وهو بناء على أن الملك يقع للوكيل، ثم ينتقل إلى الموكل. فإذا تعذر نقله، بقي له. ومنهم من خص هذا الوجه بما إذا اشترى في الذمة، وإليه مال الامام. والوجه الثاني: إن ترك الوكيل مخاصمة الموكل، فالجارية له ظاهرا وباطنا، وكأنه كذب نفسه، وإلا، فلا. والثالث: وهو الاصح: أنه لا يملكها باطنا، بل هي للموكل، وللوكيل عليه الثمن، فهو كمن له على رجل دين لا يؤديه، فظفر بغير جنس حقه، ففي جواز بيعه وأخذ الحق من ثمنه، خلاف. الاصح: الجواز. ثم هل يباشر البيع بنفسه، أم يرفع الامر إلى القاضي ليبيع ؟ فيه خلاف. والاصح هنا: (له) البيع بنفسه، لان القاضي لا يجيبه إلى البيع. وإذا قلنا: ليس له أخذ حقه من ثمنها، فهل يوقف في يده حتى

(3/566)


يظهر مالكها، ويأخذها الحاكم ويحفظها ؟ وجهان. يأتي نظائرهما إن شاء الله تعالى. فرع لو اشترى جارية، فقال الموكل: إنما وكلتك بشراء غيرها، وحلف عليه، بقيت الجارية في يد الوكيل، والحكم على ما ذكرناه في الصورة السابقة، فيتلطف الحاكم ويرفق. فرع باع الوكيل مؤجلا، ثم ادعى أنه مأذون له فيه، فقال الموكل ما أذنت لك إلا في حال، فالقول قول الموكل. ثم لا يخلو، إما أن ينكر المشتري الوكالة، أو يعترف بها. الحال الاول: أن ينكر، فالموكل يحتاج إلى البينة. فإن لم تكن فالقول قول المشتري مع يمينه على نفي العلم بالوكالة، فإن حلف، قرر المبيع في يده، وإلا، فترد العين على الموكل. فإن حلف، حكم ببطلان البيع، وإلا، فهو كما لو حلف المشتري. ونكول الموكل عن يمين الرد في خصومة المشتري، لا يمنعه من الحلف على الوكيل. وإذا حلف عليه، فله أن يغرم الوكيل قيمة المبيع، أو مثله إن كان مثليا، ولا يطالب الوكيل المشتري حتى يحل الاجل، مؤاخذة له بمقتضى تصرفه، فإذا حل، نظر، إن رجع عن قوله الاول وصدق الموكل، لم يأخذ من المشتري إلا أقل الامرين من الثمن والقيمة. وإن لم يرجع، بل أصر على قوله، طالبه بالثمن بتمامه. فإن كان مثل القيمة أو أقل، فذاك. وإن كان أكثر، فالزيادة في يده للموكل بزعمه، والموكل ينكرها، فهل يحفظها أم يلزمه دفعها إلى القاضي ؟ فيه خلاف مذكور في مواضع ثم إن كان ما أخذه من جنس حقه، فذاك، وإلا فعلى الخلاف السابق، كذا قاله الجمهور وهو المذهب. وقال الامام، والغزالي: يقطع هنا بأخذه، لان المالك في غير الجنس يدعيه لنفسه، والموكل هنا لا يدعي الثمن، فأولى مصارفه التسليم إلى الوكيل الغارم. الحال الثاني: أن يعترف المشتري بالوكالة، فينظر، إن صدق الموكل، فالبيع باطل، وعليه رد المبيع. فإن تلف، فالموكل بالخيار، إن شاء غرم الوكيل، لتعديه، وإن شاء غرم المشتري. وقرار الضمان على المشتري، لحصول الهلاك في يده، ويرجع بالثمن الذي دفعه على الوكيل. وإن صدق الوكيل، فالقول قول

(3/567)


الموكل مع يمينه، فإن حلف، أخذ العين. وإن نكل، حلف المشتري وبقيت له. الموضع الثاني: في المأذون فيه، إذا وكله في بيع، أو هبة، أو صلح، أو طلاق، أو إعتاق، أو إبراء، فقال: تصرفت كما أذنت، وقال الموكل: لم تتصرف بعد، نظر، إن جرى هذا الاختلاف بعد انعزال الوكيل، لم يقبل قوله إلا ببينة، لانه غير مالك للتصرف حينئذ. وإن جرى قبل الانعزال، فهل القول قول الموكل، أم الوكيل ؟ قولان. أظهرهما عند الاكثرين: الاول، وهو نصه في مواضع. وقيل: ما يستقل به الوكيل، كالطلاق، والاعتاق، والابراء، يقبل قوله فيه بيمينه، وما لا، كالبيع، فلا. ولو صدق الموكل الوكيل في البيع ونحوه، لكن قال: عزلتك قبل التصرف، وقال الوكيل: بل بعد التصرف، فهو كما لو قال الزوج: راجعتك قبل انقضاء العدة، فقالت: انقضت عدتي قبل الرجعة. ولو قال الموكل: باع الوكيل، فقال: لم أبع. فإن صدق المشتري الموكل، حكم بإنتقال الملك إليه، وإلا، فالقول قوله. فرع دعوى الوكيل تلف المال، مقبولة بيمينه قطعا، وكذا دعواه الرد إن كان بلا جعل، وكذا إن كان بجعل على الاصح، وقد ذكرناه في كتاب الرهن. وكل ما ذكرناه هنا وهناك، إذا ادعى الرد على من ائتمنه. فإن ادعى الرد على غيره، لم يقبل، وسيأتي إيضاحه في كتاب الوديعة إن شاء الله تعالى. ومن ذلك، أن يدعي الوكيل الرد على رسول المالك، لاسترداد ما عنده، وينكر الرسول، فالقول قول الرسول بلا خلاف، ولا يلزم الموكل تصديق الوكيل على الصحيح، لانه يدعي الرد على من لم يأتمنه. وقيل: يلزمه، لانه معترف بالرسالة، ويد رسوله يده، فكأنه ادعى الرد عليه. الموضع الثالث: في القبض، فإذا وكله بقبض دين، فقال: قبضته، وأنكر الموكل، نظر، إن قال: قبضته وهو باق في يدي، فخذه، لزمه أخذه، ولا معنى لهذا الاختلاف. وإن قال: قبضته وتلف في يدي، فالقول قول الموكل مع يمينه على نفي العلم بقبض الوكيل، لان الاصل بقاء حقه، هذا هو المذهب. وقيل بطرد الخلاف في اختلافهما في البيع ونحوه. فعلى المذهب،

(3/568)


إذا حلف الموكل، أخذ حقه ممن كان عليه، ولا رجوع له على الوكيل، لاعترافه بأنه مظلوم. ولو وكله في البيع وقبض الثمن، أو في البيع مطلقا، وجوزنا له قبض الثمن، فاتفقا على البيع، واختلفا في قبض الثمن، فقال الوكيل: قبضته وتلف في يدي، أو دفعته إليك وأنكر الموكل، ففي المصدق منهما طريقان. أحدهما: على الخلاف السابق في البيع ونحوه. وأصحهما: أنهما إن اختلفا قبل تسليم المبيع، فالقول قول الموكل، وإن كان بعد تسليمه، فوجهان. أحدهما: قول الموكل. وأصحهما: قول الوكيل، وبه قال ابن الحداد، لان الموكل يدعي تقصيره وخيانته بالتسليم بلا قبض، والاصل عدمه. وهذا التفصيل فيما إذا أذن في البيع مطلقا. فإذا أذن في التسليم قبل قبض الثمن، أو في البيع بمؤجل وفي القبض بعد الاجل، لم يكن خائنا بالتسليم بلا قبض، كالاختلاف قبل التسليم، فإذا صدقنا الوكيل فحلف، ففي براءة المشتري، وجهان. أصحهما عند الامام: يبرأ. وأصحهما عند البغوي: لا. فعلى الاول، إذا حلف وبرئ المشتري، ثم وجد المشتري بالمبيع عيبا، فإن رده على الموكل وغرمه الثمن، لم يكن له الرجوع على الوكيل، لاعترافه بأن الوكيل لم يأخذ شيئا. وإن رده على الوكيل وغرمه، لم يرجع على الموكل، والقول قوله بيمينه أنه لم يأخذ منه شيئا، ولا يلزم من تصديقنا للوكيل في الدفع عن نفسه بيمينه أن نثبت بها حقا على غيره. ولو خرج المبيع مستحقا، رجع المشتري بالثمن على الوكيل، لانه دفعه إليه، ولا رجوع له على الموكل لما سبق. ولو اتفقا على قبض الوكيل الثمن، وقال الوكيل: دفعته إليك، وقال الموكل: بل هو باق عندك، فهو كما لو اختلفا في رد المال المسلم إليه. والمذهب: أن القول قول الموكل. ولو قال الموكل: قبضت الثمن فادفعه إلي، فقال الوكيل: لم أقبضه بعد، فالقول قول الوكيل مع يمينه، وليس للموكل طلبه من المشتري، لاعترافه بقبض وكيله، لكن لو سلم الوكيل المبيع حيث لا يجوز التسليم قبل قبض الثمن، فهو متعد، فللموكل أن يغرمه قيمة المبيع.
فصل دفع إليه مالا، ووكله بقضاء دينه به، ثم قال الوكيل: قضيت به، وأنكر رب الدين، صدق رب الدين بيمينه، فإذا حلف، طالب الموكل بحقه، وليس له مطالبة الوكيل. وهل يقبل قول الوكيل على الموكل ؟ قولان. أظهرهما: لا. والثاني: نعم بيمينه. فعلى الاظهر: ينظر، إن ترك الاشهاد على الدفع، فإن

(3/569)


دفع بحضرة الموكل، فلا رجوع للموكل عليه على الاصح. وإن دفع في غيبته، رجع، وسواء صدقه الموكل في الدفع، أم لا، على الصحيح. وفي وجه: لا يرجع إذا صدقه. فلو قال: دفعت بحضرتك، صدق الموكل بيمينه. وإن كان قد أشهد، لكن مات الشهود، أو جنوا، أو غابوا، فلا رجوع. وإن أشهد واحدا أو مستورين، فبانا فاسقين، فوجهان. وكل ذلك، على ما ذكرناه في رجوع الضامن على الاصيل. ولو أمره بالايداع، ففي لزوم الاشهاد وجهان مذكوران في الوديعة.
فصل إذا ادعى قيم اليتيم أو الوصي دفع المال إليه بعد البلوغ، لم يقبل إلا ببينة على الصحيح. فصل إذا طالب المالك من في يده المال بالرد، فقال: لا أرد حتى تشهد عليك، نظر، إن كان ممن يقبل قوله في الرد كالمودع والوكيل، فأوجه. أصحها: ليس له ذلك. والثاني: بلى. والثالث: إن كان التوقف إلى الاشهاد يؤخر التسليم، فليس له، وإلا، فله. وإن كان ممن لا يقبل قوله كالغاصب، فإن كان عليه بينة بالاخذ، فله الامتناع، وإلا، فوجهان. صحح البغوي الامتناع، وقطع العراقيون بعدمه، لانه يمكنه أن يقول: ليس له عندي شئ، ويحلف، والمديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الاعيان.
فصل إذا كان عليه دين لزيد، أو عين في يده، فقال رجل: أنا وكيله بالقبض منك فأقبضنيه، فله حالان. أحدهما: أن يصدقه في دعوى الوكالة، فله دفعه إليه. فإن دفع فحضر زيد، وأنكر الوكالة، فالقول قوله بيمينه. فإذا حلف، فإن كان الحق عينا، أخذها، فإن تلفت، فله تغريم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، لانه مظلوم بزعمه، فلا يؤاخذ غير ظالمه. قال في التتمة: هذا إذا تلفت بلا تفريط وإن تلفت بتفريط القابض، نظر، إن غرم القابض، فلا رجوع. وإن غرم الدافع، رجع، لان القابض وكيل عنده، والوكيل يضمن بالتفريط، وزيد ظالمه بأخذالقيمة منه، وماله في ذمة القابض، فيستوفيه بحقه. وإن كان الحق دينا، فلمطالبة الدافع بحقه. وإذا غرمه، قال المتولي: إن كان المدفوع باقيا، فله استرداده وإن كان ذلك لزيد في زعمه، لانه ظالمه بتغريمه،

(3/570)


وقد ظفر بماله. وإن كان تالفا، فإن فرط فيه، غرمه، وإلا، فلا. وهل لزيد مطالبة القابض ؟ نظر، إن تلف المدفوع عنده، فلا، وكذا إن كان باقيا على الاصح، وبه قال الاكثرون، لان الآخذ فضولي بزعمه، والمأخوذ ليس حقه، وإنما هو مال المديون. وقال أبو إسحاق، والشيخ أبو حامد: له مطالبته، لانه في معنى وكيله بالدفع إليه. فعلى هذا، إذا أخذه، برئ الدافع، هذا كله في جواز الدفع إذا صدقه في الوكالة، وهل يلزم الدفع، أم له الامتناع إلى قيام البينة ؟ نص هنا، أن له الامتناع. ونص فيما لو أقر بدين أو عين لزيد، وأنه مات وهذا وارثه: أنه يلزمه الدفع بلا بينة ؟ فقيل قولان فيهما. والمذهب: تقرير النصين. الحال الثاني: أن لا يصدقه، فلا يكلف الرفع إليه. فإن دفع ثم حضر زيد وحلف على نفي الوكالة، غرم الدافع، وكان له أن يرجع على القابض دينا كان أو عينا، لانه لم يصرح بصدقه. ولو أنكر الوكالة أو الحق، وكان الوكيل مأذونا له في إقامة البينة، أو قلنا: الوكيل بالقبض مطلقا له إقامة البينة، أقامها وأخذ الحق. فإن لم تكن بينة، فهل له التحليف ؟ يبنى على أنه لو صدقه، هل يلزمه الدفع ؟ إن قلنا: نعم، حلفه، وإلا، فيبنى على أن النكول مع يمين الرد كالبينة، أم كالاقرار ؟ وإن قلنا بالاول، حلفه، وإلا، فلا. فرع جاء رجل وقال لمن عليه الدين: أحالني به مالكه، فصدقه. وقلنا: إذا صدق مدعي الوكالة، لا يلزمه الدفع، فهنا وجهان. أصحهما: يلزمه كالوارث. ولو كذبه ولم تكن بينة، هل له تحليفه ؟ إن ألزمناه الدفع، فنعم، وإلا، فكما سبق. ولو قال: مات فلان وله عندي كذا، وهذا وصيه، فهو كقوله: وارثه. فلو قال: مات، وقد أوصى به لهذا الرجل، فكاقراره بالحوالة. فرع إذا أوجبنا الدفع إلى الوارث والوصي، أو لم نوجب، فدفع، ثم بان حياة المستحق وغرم الدافع، فله الرجوع على المدفوع إليه. ولو جحد الحوالة، فكجحد الوكالة. فصل إذا ادعى على رجل أنه دفع إليه متاعا ليبيعه ويقبض ثمنه، وطالبه برده، أوقال: بعته وقبضت ثمنه فسلمه إلي، فأنكر المدعي عليه، فأقام المدعي بينة بادعى، فادعى المدعى عليه أنه كان تلف، أو رد، نظر في صيغة جحوده، فإن قال: ما لك عندي شئ، أو لا يلزمني تسليم شئ إليك، قبل قوله في الرد

(3/571)


والتلف. وإن أقام بينة، سمعت، إذ لا تناقض بين كلاميه. وإذا كانت صيغته: ما وكلتني، أوما دفعت إلي شيئا، أو ما قبضت، فإن ادعى التلف أو الرد قبل الجحود، لم يقبل، لمناقضته، ولزمه الضمان. وإن أقام بينة بما ادعاه، فوجهان. أصحهما: تسمع دعواه وبينته. وأصحهما عند الامام، والغزالي: لا تسمع. ولو ادعى أنه رد بعد الجحود، لم يصدق، لمصيره خائنا. فلو أقام بينة، سمعت على المذهب، وهو المعروف، لان غايته أن يكون كالغاصب، ومعلوم أنه تسمع بينته بالرد. وقال الامام: فيه الوجهان، للتناقض، وهو حسن. ولو ادعى التلف بعد الجحود، صدق بيمينه لتنقطع عنه المطالبة برد العين، ولكن يلزمه الضمان، لخيانته، كما إذا ادعى الغاصب التلف. فصل إذا ادعى عليه خيانة، لم تسمع حتى يبين ما خان به، بأن يقول: بعت بعشرة، وما دفعت إلي إلا خمسة. فصل وكل بقبض دين أو استرداد وديعة، فقال المديون والمودع: دفعت، وصدقه الموكل، وأنكر الوكيل، هل يغرم الدافع بترك الاشهاد ؟ وجهان كما لو ترك الوكيل بقضاء الدين الاشهاد. قلت: الاصح: أنه لا يغرم. والله أعلم.
فصل من قال : أنا وكيل في النكاح أو البيع، وصدقه من يعامله، صح العقد. فلو قال الوكيل بعد العقد: لم أكن مأذونا فيه، لم يلتفت إليه، ولم يحكم ببطلان العقد، وكذا لو صدقه المشتري، لان فيه حقا للموكل، إلا أن يقيم المشتري بينة على إقراره بأنه لم يكن مأذونا في ذلك التصرف.
انتهى الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع وأوله : " كتاب الإقرار "

(3/572)