روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الاقرار
هو إخبار عن حق سابق، وفيه أربعة أبواب.
الأول: في أركانه، وهي أربعة. الاول: المقر، وهو مطلق، ومحجور عليه. فالمطلق، يصح إقراره. قال الغزالي: يصح إقراره بكل ما يقدر على إنشائه، وهذا الضبط تستثنى منه صور. منها: لو قال الوكيل: تصرفت كما

(4/3)


أذنت، فقال الموك ل: لم تتصرف، لم يقبل إقرار الوكيل على أحد القولين مع قدرته على الانشاء. وكذا لو قال: استوفيت ما أمرتني باستيفائه، ونازعه كما سبق. ومنها: إنشاء نكاح الثيب إلى وليها، فاقراره غير مقبول، ويمكن أن يزاد في الضبط فيقال: ينفذ إقراره في التصرفات المتعلقة به التي يستقل بانشائها. أو يقال: ما يقدر على إنشائه، يؤاخذ المقر بموجب إقراره، ولا يلزمه نفوذه في حق الغير، فتخرج عنه المسائل. وأما المحجور، فقد ذكرنا أقسامه في كتاب الحجر. فمنه الصبي، وإقراره باطل، لكن يصح إقراره بالوصية والتدبير إذا صححناهما منه. ولو ادعى أنه بلغ بالاحتلام، أو ادعت أنها بلغت بالحيض في وقت إمكانهما، صدقا. فإن فرض ذلك في خصومة، لم يحلفا، لانه لا يعرف إلا من جهتهما، فأشبه إذا علق العتق بمشيئة غيره فقال: شئت، صدق بلا يمين، هكذا قاله الشيخ أبو زيد، والامام،

(4/4)


والغزالي. قال الامام: فلو بلغ مبلغا يتيقن بلوغه، فالظاهر أنه لا يحلف أيضا على أنه كان بالغا، لانا إذا حكمنا بمقتضى قوله، فقد أنهينا الخصومة منتهاها، فلا عود إلى التحليف. وفي التهذيب وغيره: أنه إذا جاء واحد من الغزاة يطلب سهم المقاتلة، وذكر أنه احتلم، حلف وأخذ السهم. فإن لم يحلف، ففي إعطائه، وجهان. ولو ادعى البلوغ بالسن، طولب بالبينة، لامكانها. فلو كان غريبا خامل الذكر، فهل يطال‍ ب بالبينة لامكانها من جنس المدعي ؟ أم يلحق بالاحتلام ؟ أم ينظر إلى الانبات لتعذر معرفة التاريخ كما في صبيان الكفار ؟ فيه ثلاثة احتمالات للامام. أصحها: أولها. قلت: ولو أقر بعد بلوغه ورشده أنه أتلف في صباه مالا، لزمه الآن قطعا، كما لو قامت به بينة، ذكره ابن كج. والله أعلم. ومنه المجنون، وهو مسلوب العبارة إنشاءا وإقرارا في كل شئ بلا استثناء. وفي السكران، خلاف وتفصيل مشهور، نذكره في كتاب الطلاق إن شاء الله تعالى. قلت: والمغمى عليه، ومن زال عقله بسبب يعذر فيه، كشرب الدواء ونحوه، أو أكره على شرب الخمر، لا يصح إقرارهم. والله أعلم. ومنه: حجر المبذر والمفلس، وقد سبق حكمهما في بابيهما. ويقبل إقرار المحجور عليه للفلس بالنكاح، دون المحجور عليه لسفه، اعتبارا للاقرا بالانشاء. قال الامام: وإقرار السفيهة بأنها منكوحة فلان، كاقرار الرشيدة، إذ لا أثر للسفه في النكاح من جانبها، وفيه احتمال بسبب ضعف قولها وعقلها.
فصل ومن المحجور عليه : الرقيق. والذي يقر به، ضربان.

(4/5)


أحدهما: يوجب العقوبة كالزنا، وشرب الخمر، والسرقة، والقذف، وما يوجب القصاص في النفس، أو الطرف، فيقبل إقراره به، وتقام عليه عقوبته، خلافا للمزني. وإذا أقر بسرقة توجب القطع، قبل في القطع. وأما المال، فإن كان تالفا، فقولان. أحدهما: يقبل ويتعلق الضمان برقبته. وأظهرهما: لا يقبل ويتعلق الضمان بذمته، إلا أن يصدقه السيد فيقبل. وإن كان باقيا، نظر، إن كان في يد السيد، لم ينتزع منه إلا بتصديقه. وإن كان في يد العبد، فطريقان. أحدهما: أن في انتزاعه القولين في التالف. فإن قلنا: لا ينتزع، ثبت بدله في ذمته. والطريق الثاني: لا ينتزع قطعا، لان يده كيد سيده. وقيل: إن كان المال في يد العبد، قبل إقراره، وإلا، فلا. وإذا اختصرت قلت: في قوله أربعة أقوال. أظهرها: لا يقبل. والثاني: يقبل. والثالث: يقبل إن كان المال باقيا. والرابع: عكسه. وإذا أقر بسرقة توجب القطع، ثم رجع، كان كاقراره بسرقة لا توجب القطع، وسنذكر في الضرب الثاني إن شاء الله تعالى. ولو أقر بالقصاص على نفسه، فعفا المستحق على مال، أو عفا مطلقا، وقلنا: إنه يوجب المال، فوجهان. أصحهما عند البغوي: أنه يتعلق برقبته. وإن كذبه السيد، لانه إنما أقر بالعقوبة، وإنما وجب المال بالعفو. والثاني: أن الحكم كذلك إن قلنا: موجب العمد القصاص، قلنا: موجبه أحد الامرين، ففي ثبوت المال، قولان، كالاقرار بالسرقة الموجبة للقطع. الضرب الثاني: ما لا يوجب عقوبة، فإذا أقر بدين جناية، كغصب، أو سرقة لا توجب قطعا، أو إتلاف، وصدقه السيد، تعلق برقبته، فيباع فيه إلا أن يفديه السيد، وإذا بيع فبقي شئ من الدين، فهل يتبع به إذا عتق ؟ فيه قولان مذكوران في كتاب الجنايات.

(4/6)


قلت: أظهرهما وهو الجديد: لا يتبع. والله أعلم. وإن كذبه السيد، لم يتعلق برقبته، لكن يتعلق بذمته، يتبع به إذا عتق، و يخرج عن القولين فيما إذا بيع في الدين وبقي شئ، لانه إذا ثبت التعلق بالرقبة فكأن الحق انحصر فيها. وقيل بطردهما، لان الزائد على القيمة لا يتعلق بالرقبة، كما أن أصل الحق هنا، غير متعلق بها. ولو أقر بدين معاملة، فإن لم يكن مأذونا له في التجارة، لم يقبل إقراره على السيد، بل يتعلق المقر به بذمته، يطالب به إذا عتق، سواء صدقه السيد، أم لا. وإن كان مأذونا فيها، قبل وأدى من كسبه وما في يده، إلا إذا كان مما لا يتعلق بالتجارة كالقرض. ولو أطلق المأذون الاقرار بالدين، ولم يعين جهته، لم ينزل على دين المعاملة على الاصح، لاحتمال أنه باتلاف، ولا فرق في دين الاتلاف بين المأذون وغيره. ولو حجر عليه، فأقر بعد الحجر بدين معاملة، إضافة إلى حال الاذن، لم تقبل إضافته على الاصح. فرع من نصفه حر، لو أقر بدين جناية، لم يقبل فيما يتعلق بسيده، إلا أن يصدقه، ويقبل في نصفه. وعليه قضاؤه مما في يده. ولو أقر بدين معاملة، فمتى صححنا تصرفه، قبلنا اقراره عليه، وقضيناه مما في يده. ومتى لم نصححه، فإقراره كإقرار العبد. فرع إقرار السيد على عبده بما يوجب عقوبة، مردود، وبدين الجناية، مقبول، إلا أنه إذا بيع فيه وبقي شئ، لم يطالب به بعد العتق إلا أن يصدقه. وكذا إقراره بدين المعاملة، لا يقبل على العبد. قلت: قال ابن كج: لو عتق، ثم أقر بأنه أتلف مالا لرجل قبل العتق، لم يلزم السيد، ويطالب به العبد. ولو قامت بينة بأنه كان جنى، لزم السيد أقل الامرين من أرش جنايته وقيمته. قال البغوي: كل ما قبل إقرار العبد فيه كالعقوبات، فالدعوى فيه تكون على العبد. وما لا يقبل المال المتعلق برقبته، إذا صدقه السيد، فالدعوى على السيد. فإن ادعى في هذا على العبد، إن كان له بينة، سمعت، وإلا، فإن قلنا: اليمين المردودة كالبينة، سمعت رجاء نكوله. وإن قلنا: كالاقرار، فلا. ولو ادعى على العبد دين معاملة متعلق بالذمة، وله بينة، ففي

(4/7)


سماعها وجهان، كالدين المؤجل. والله أعلم.
فصل ومن المحجور عليهم، المريض مرض الموت، وفيه مسائل. إحداها: يصح إقرار بالنكاح بموجبات العقوبات، وبالدين والعين للاجنبي، وفي إقراره للوارث بالمال، طريقان. أحدهما: يقبل قطعا. وأصحهما عند الجمهور: على قولين. أظهرهما: القبول. واختار الروياني مذهب مالك رضي الله عنه، وهو أنه إن كان متهما، لم يقبل إقراره، وإلا، فيقبل، ويجتهد الحاكم في ذلك. فإن قلنا: لا يقبل، فهل الاعتبار في كونه وارثا بحال الموت، أم بحال الاقرار ؟ فيه وجهان. وقيل: قولان. أظهرهما وأشهرهما وهو الجديد: بحال الموت، كالوصية. ولو أقر في مرضه أنه كان وهب وارثه، وأقبضه في الصحة، أشار الامام إلى طريقين. أحدهما: القطع بالمنع، لانه عاجز عن انشائه. والثاني: أنه على القولين في الاقرا للوارث، ورجح الغزالي: المنع، واختار القاضي حسين: القبول. قلت: القبول أرجح. والله أعلم. ولو أقر لوارثه وأجنبي معا، وقلنا: لا يقبل للوارث، قبل في نصفه للاجنبي على الاظهر. الثانية: لو أقر في صحته بدين لرجل، وفي مرضه بدين لآخر، فهما سواء، كما لو ثبتا بالبينة، وكما لو أقر بهما في الصحة أو المرض. قلت: وحكى في البيان قولا شاذا: أن دين الصحة يقدم. والله أعلم. ولو أقرفي صحته أو مرضه بدين، ثم مات فأقر ورثته عليه بدين لآخر، فوجهان. أصحهما يتساويان فيتضاربان في التركة، لان الوارث يقوم مقامه، فصار كمن أقر بدينين. والثاني: يقدم ما أقر به المورث، لانه بالموت تعلق بالتركة ويجري الوجهان فيما لو ثبت الاول ببينة ثم أقر وارثه، وفيما لو أقر الوارث

(4/8)


بدين على الميت، ثم أقر لآخر بدين آخر، وسواء كان الدين الاول مستغرقا للتركة، أم لا. ولو ثب‍ ت عليه دين في حياته أو موته، ثم تردت بهيمة في بئر كان حفرها بمحل عدوان، ففي مزاحمة صاحب البهيمة رب الدين القديم، الخلاف السابق فيما إذا جنى المفلس بعد الحجر عليه، قاله في التتمة. الثالثة: مات وخلف ألف درهم، فادعى رجل أنه أوصى له بثلث ماله، فصدقه الوارث، ثم جاء آخر فادعى عليه ألف درهم دينا، فصدقه الوارث، قيل: يصرف الثلث إلى الوصية، لتقدمها. وقيل: يقدم الدين على الوصية كما هو المعروف فيهما. ولو صدق مدعي دين، أولا، قدم قطعا. ولصدق المدعيين معا، قال الاكثرون: يقسم الالف بينهما أرباعا، لانا نحتاج إلى الالف للدين، وإلى ثلث المال للوصية، فيخص الوصية ثلث عائل، وهو الربع. وقال الصيدلاني: تسقط الوصية، ويقدم الدين كما لو ثبتا بالبينة، وهذا هو الصواب، سواء قدمنا عند ترتب الاقرارين، الاول منهما، أو سوينا. الرابعة: أقر المريض بعين مال لانسان، ثم أقر لآخر بدين مستغرق أو غير مستغرق، سلمت العين للاول، ولا شئ للثاني، لان المقر مات ولا يعرف له مال. ولو أقر بالدين أولا، ثم أقر بالعين، فوجهان. أصحهما: أنه كما لو أقر بالعين أولا، لان الاقرار في الدين، لا يتضمن حجرا في العين، ألا ترى أنه ينفذ تصرفه فيها. والثاني يتزاحمان، لتعارض القوة فيهما. قلت: لو أقر المريض أنه أعتق عبدا في صحته، وعليه دين يستغرق تركته، نفذ عتقه، لان الاقرار ليس تبرعا، بل إخبار عن حق سابق. ولو ملك أخاه، فأقر في مرضه أنه أعتقه في صحته، وهو أقرب عصبته، نفذ عتقه. وهل يرث ؟ يبنى على الاقرار للوارث. إن صححناه، ورث، وإلا، فلا، لاتوريثه يقتضي إبطال حريته، فيذهب الارث. والله أعلم. فرع يشترط في صحة الاقرار الاختيار، فإقرار المكره، باطل كسائر تصرفه.

(4/9)


قلت: ولو ضرب ليقر، فأقر في حال الضرب، لم يصح. وإن ضرب ليصدق في القضية، قال الماوردي في الاحكام السلطانية: إن أقر في حال الضرب، ترك ضربه واستعيد إقراره، فإن أقر بعد الضرب، عمل به، ولو لم يستعده وعمل بالاقرار حال الضرب، جاز مع الكراهة، هذا كلام الماوردي. وقبول إقراره حال الضرب مشكل، لانه قريب من المكره ولكنه ليس مكرها، فإن المكره هو من أكره على شئ واحد، وهنا إنما ضرب ليصدق، ولا ينحصر الصدق في الاقرار. وقبول إقراره بعد الضرب، فيه نظر إن غلب على ظنه إعادة الضرب إن لم يقر. والله أعلم.

(4/10)


الركن الثاني : المقر له، وله ثلاثة شروط. أحدها: أهلية استحقاق الحق المقر به. فلو قال: لهذا الحمار أو لدابة فلان علي ألف، فهو لغو، ولو قال: لفلان علي ألف بسببها، صح على الصحيح، ولزمه حملا على أنه جنى عليها أو اكتراها. وقيل: لا يلزمه، لان الغالب لزوم المال بالمعاملة، ولا يتصور ذلك. ولو قال: لعبد فلان علي أو عندي ألف، صح وكان إقرارا لسيده، والاضافة فيه كالاضافة في الهبة وسائر الانشاءات. فرع قال: لحمل فلانة علي أو عندي ألف، فله ثلاثة أحوال. أحدها: أن يسند إلى جهة صحيحة، كقوله: ورثه من أبيه، أو وصى به له فلان، فيعتبر إقراره. ثم إن انفصل ميتا، فلا حق له، ويكون لورثة من قال: أنه ورثه منه، أو للموصي، أو ورثته في صورة الوصية. وإن انفصل حيا، فإن كان لدون ستة أشهر من حين الاقرار، استحقه. وإن انفصل لاكثر من أربع سنين، فلا، لتيقن عدمه، وإن انفصل لستة أشهر فأكثر، ولدون أربع سنين، فإن كانت مستفرشة، لم يستحق، وإلا فقولان. قلت: أظهرهما: الاستحقاق. والله أعلم. وإذا ثبت الاستحقاق، فإن ولدت ذكرا، فهو له. أو ذكرين فأكثر، فلهم بالسوية، وإن ولدت انثى، فهو لها إن أسنده إلى وصية. وإن أسنده إلى إرث من أبيها، فلها نصفه. وإن ولدت ذكرا وأنثى، فهو بينهما بالسوية إن أسنده إلى وصية، وأثلاثا إن أسنده إلى الارث. هذا إذا اقتضت جهة الوراثة ما ذكرنا، فإن اقتضت

(4/11)


التسوية، كولدي أم، سوي بينهما في الثلث. قال الامام: ولو أطلق الارث، سألناه عن الجهة وحكمنا بمقتضاها. قلت: وهذا المحكي عن الامام قاله أيضا ابن الصباغ. وقال الشيخ أبو حامد: يكون بينهما بالسوية. وإن تعذرت مراجعة المقر، فينبغي القطع بالتسوية بينهما. والله أعلم. الحال الثاني: أن يطلق الاقرار، فيصح على الاظهر، ويحمل على الجهة الممكنة في حقه. الثالث: أن يسند إلى جهة باطلة، كقوله: أقرضنيه أو باعني به شيئا، فإن أبطلنا المطلق، فذا أولى، وإلا، فطريقان. أصحهما: القطع بالصحة. والثاني: على القولين في تعقيب الاقرار بما يرفعه. قلت: الاصح في هذا الحال: البطلان، وبه قطع الرافعي في المحرر. والله أعلم. وإذا صححنا الاقرار في الحالين الآخرين، فانفصل ميتا، فلا شئ له، ويسأل المقر عن جهة إقراره من الارث والوصية، ويعمل بمقتضاها. قال الامام: وليس لهذا السؤال والبحث طالب معين، وكان القاضي يسأل حسبة ليصل الحق (إلى) مستحقه. فإن مات قبل البيان، فكمن أقر لانسافرده. وفي تعليق

(4/12)


الشيخ أبي حامد: أنه يطالب ورثته كنفسه. وإن انفصل حيا للمدة المعتبرة، فالكل له، ذكرا كان أو أنثى. وإن انفصل ذكر وأنثى، فهو لهما بالسوية. ومتى انفصل حي وميت، فالميت كالمعدوم، وينظر في الحي كما ذكرنا. فرع أقر لانسان بحمل جارية، أو بهيمة، ففيه التفصيل المذكور في الاقرار للحمل. فإن قال: إنه أوصى له (به)، صح، وينظر، كم بين انفصاله وبين يوم الاقرار من المدة، على ما سبق. وفي حمل البهيمة، يرجع إلى أهل الخبرة. وإن أطلق، أو اسند إلى جهة باطلة، ففيه الخلاف المذكور. ولو أقر بالحمل لرجل، وبالام لآخر، فإن جوزنا الاقرار بالحمل، صح الاقراران، وإلا، فقال البغوي: هما جميعا للآخر، وهذا بناء على أن الاقرار بالحامل، إقرار بالحمل، وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. فرع أقر لمسجد أو مقبرة أو نحوهما بمال، واسنده إلى جهة صحيحة،

(4/13)


كغلوقف عليه، صح. وإن أطلق، فوجهان، تخريجا من القولين في الحمل، وعلى قياسهما إذا اسند إلى جهة باطلة. الشرط الثاني: عدم تكذيبه، فيشترط لصحة الاقرار، عدم تكذيب المقر له، وإن كنا لا نشترط قبوله لفظا. فإن كذبه، نظر، إن كان المقر به مالا، ففيما يفعل به، أوجه. أصحها: يترك في يد المقر. والثاني: ينتزعه الحاكم ويتولى حفظه إلى أن يظهر مالكه. فإن رأى استحفاظ صاحب اليد، فهو كما لو استحفظ عدلا آخر. والثالث: يجبر المقر له على القبول والقبض، وهو بعيد. قال الشيخ أبو محمد: موضع الخلاف، ما إذا قال المقر: هذا المال لفلان فكذبه. فأما إذا قال للقاضي: إن في يدي مالا لا أعرف مالكه، فالوجه: القطبأن القاضي يتولى حفظه. وأبعد بعضهم، فلم يجوز انتزاعه هنا أيضا. ولو رجع المقر له عن الانكار، وصدق المقر، فقد حكى الامام، والغزالي: القطع بقبوله وتسليم المال إليه. والاصح، ما ذكره المتولي وغيره: أنه مفرع على الخلاف. فإن قلنا: يترك في يد المقر، فقد حكمنا ببطلان الاقرار، فلا يصرف إلى المقر له إبإقرار جديد.

(4/14)


وإن قلنا: ينتزعه الحاكم ويحفظه، لم يسلم إليه أيضا. بل لو أقام بينة بأنه ملكه، لم تسمع، وإنما يسلم إليه إذا قلنا بالوجه الثالث البعيد، فحصل أن المذهب عدم تسليمه إليه. ولو رجع المقر في حال إنكار المقر له، وقال: غلطت، أو تعمدت الكذب، فإن قلنا: ينتزعه الحاكم، لم يقبل. وإن قلنا: يترك في يده، فوجهان. أصحهما عند الجمهور: يقبل. وأصحهما عند الامام، والغزالي: لا يقبل. وجميع ما ذكرناه في الاقرار، بثوب ونحوه. فلو أقر له بعبده، فأنكره، فوجهان. أحدهما: يحكم يعتقه، لانهما لا يدعيانه، كاللقيت إذا قال بعد بلوغه: أنا عبد لزيد، فأنكر زيد، يحكم بحريته. وأصحهما: لا يعتق، لانه محكوم برقه، فلا يرفع إلا بيقين، بخلاف اللقيط، فإنه محكوم بحريته بالدار، فعلى هذا، حكمه كالثوب ونحوه على ما مضى. أما إذا كان المقر به قصاصا، أو حد قذف، فكذبه المقر له، فيسقط، وكذا لو أقر بسرقة توجب القطع، وأنكر رب المال السرقة، فلا قطع. وفي المال، ما سبق. ولو أقرت بالنكاح، وأنكر، سقط حكم الاقرار في حقه. فرع في يده عبدان، فقال: أحدهما لزيد، ثم عين أحدهما، فقال زيد: إنما عبدي الآخر، فهو مكذب للمقر في المعين، ومدع في الآخر. فرع ادعى على رجل ألفا من ثمن مبيع، فقال: قد أقبضتك الالف، وأقام بينة على إقراره بالقبض يوم كذا، فأقام المدعي بينة على إقرار المشتري بعد بينته بأنه ما أقبضه الثمن، سمعت، وألزم المشتري الثمن، لانه وإن قامت البينة على إقرار البائع بالقبض، فقد قامت أيضا على أن صاحبه كذبه، فيبطل حكم الاقرار، وبقي الثمن على المشتري. الشرط الثالث: أن يكون معينا نوع تعيين، بحيث يتوقع منه الدعوى والطلب. فلو قال لانسان أو واحد من بني آدم أو من أهل البلد: علي ألف، ففي صحته وجهان بناء على ما لو أقر بمعين فكذبه، هل ينتزع من يده ؟ إن قلنا: نعم، لانه مال ضائع، فكذا هنا، فيصح الاقرار، وإن قلنا: لا، لم يصح، وهو الصحيح. قال المتولي: فلو جاء واحد فقال: أنا الذي أردتني ولي عليك ألف، فالقول قول المقر

(4/15)


بيمينه في نفي الارادة ونفي الالف.
الركن الثالث : المقر به. ويجوز الاقرار بالمجهول، فإن كان ما يقر به عينا، فشرطه أن لا يكون مملوكا للمقر حين يقر، لان الاقرار ليس إزالة ملك، وإنما هو إخبار عن كونه مملوكا للمقر له. فلو قال: داري هذه، أو ثوبي الذي أملكه، لزيد، فهو متناقض، وهو محمول على الوعد بالهبة، ولو قال: مسكني هذا لزيد، كان إقرارا، لانه قد يسكن ملك غيره. ولو شهدت بينة أن الدار الفلانية أقر زيد بأنها ملك عمرو، وكانت ملك زيد إلى أن أقر، كانت الشهادة باطلة، نص عليه. ولو قال: هي لزيد وكانت ملكي (إلى) وقت الاقرار، فاقراره نافذ. والذي ذكره بعده مناقض لاوله، فيلغو كما لو قال: هي له، وليست له، وهذا في الاعيان، وكذا في الديون إذا كان له على غيره في الظاهر دين، من قرض، أو أجرة، أو ثمن، فقال: ديني الذي على زيد لعمرو، فهو باطل. ولو قال: الدين الذي على زيد هو لعمرو، واسمي في الكتاب عارية، فهو إقرار صحيح، فلعله

(4/16)


كان وكيلا عنه في الاقراض والاجارة والبيع. ثم عمرو يدعي المال على زيد لنفسه، فإن أنكر، فهو بالخيار بين أن يقيم البينة على دين المقر على زيد، ثم على إقراره له بما على زيد، وبين أن يقيم البينة أولا على الاقرار، ثم على الدين، كذا ذكره القفال. فرع استثنى صاح‍ ب التلخيص ثلاثة ديون، ومنع الاقرار بها، أحدها: الصداق في ذمة الزوج، لا تقر بالمرأة. والثاني: بدل الخلع في ذمة الزوجة، لا يقر به الزوج. والثالث: أر ش الجناية، لا يقر به المجني عليه. فإن كانت الجناية على عبد أو مال آخر، جاز له أن يقر به للغير، لاحتمال كونه له يوم الجناية. قال الائمة: هذه الديون، وإن لم يتصور فيها الثبوت للغير ابتداءا وتقديرا للوكالة، فيجوز انتقالها بالحوالة، وكذلك بالبيع على قول، فيصح الاقرار بها عند احتمال جريان ناقل. وحملوا ما ذكره صاحب التلخيص على ما إذا أقر

(4/17)


بها عقيب ثبوتها، بحيث لا يحتمل جريان ناقل، لكن سائر الديون أيضا كذلك، فلا يصح الاستثناء، بل الاعيان أيضبهذه المثابة. حتى لو أعتق عبده، ثم أقر له السيد أو غيره عقيب الاعتاق بدين أو غيره، لم يصح، لان أهلية الملك لم تثبت له إلا في الحال، ولم يجر بينهمما يوجب المال. وقال أبو العباس الجرجاني في الديون الثلاثة: إن اسند الاقرار بها إلى جهة حوالة أو بيع، إن جوزناه، صح، وإلا، فعلى قولين، كما لو أقر للحمل وأطلق.
فصل يشترط في الحكم بثبوت ملك المقر له، أن يكون المقر به تحت يد المقر وتصرفه. فإن لم يكن، لم يحكم به في الحال، بل يكون ذلك دعوى أو شهادة، ولا تلغية من كل وجه بل لو حصل المقر به يوما في يد المقر، لزمه تسليمه إليه. ولو قال: العبد الذي في يد زيد مرهون عند عمرو بكذا، ثم حصل العبد في يده، يؤمر ببيعه في دين عمرو. ولو أقر بحرية عبد في يد رجل، أو شهد بحريته، فلم تقبل شهادته، ثم اشتراه، صح، تنزيلا للعقد على قول من صدقه الشرع، وهو البائع، ويحكم بحريته، وترفع يده عنه. ثم لاقراره صيغتان. إحداهما: أن يقول: إنك أعتقته وتسترقه ظلما، قال الاصحاب: فيكون هذا العقد من جانب البائع بيعا قطعا، وفي جانب المشتري، وجهان: أحدهما: شراء. وأصحهما: افتداء، لاعترافه بحريته. وحكى الامام، والغزالي، فيه ثلاثة أوجه. أصحها: بيع من البائع، وافتداء من المقر. والثاني: بيع منهما. والثالث: فداء منهما. وهذا الثالث فاسد في جهة البائع. وكيف يصح أخذه المال ليفدي من يسترقه ؟ ! ولو قيل: فيه المعنيان، وأيهما أغلب ؟ فيه الخلاف، لكان قريبا، والمعتمد ما ذكرنا عن الاصحاب. ويثبت للبائع فيهذا العقد خيار المجلس والشرط، بناء على ظاهر المذهب، أنه بيع من جانبه. ولو كان البيع بثمن معين، فخرج معيبا ورده، كان له استرداد العبد، بخلاف ما لو باع عبدا فأعتقه المشتري، ثم خرج الثمن المعين معيبا ورده، حيث لا يسترد العبد، بل يعدل إلى القيمة لاتفاقهما على العتق هناك. وأما المقر المشتري، فإن جعلناه شراء في حقه، فله الخيار. وإن قلنا: فداء، فلا. وعلى الوجهين: لا رد له لو خرج العبد معيبا،

(4/18)


لكن له أخذ الارش على قولنا: شراء، وليس له على الافتداء، وذكر الامام: أنه إذا لم يثبت الخيار للمشتري، ففي ثبوته للبائع وجهان، لان هذا الخيار، لا يكاد يتبعض. والمذهب على الجملة: ثبوثه للبائع دون المشتري. وأما ولاؤه، فموقوف. فإن مات وخلف مالا، ولا وارث له بغير الولاء، نظر، إن صدق البائع المشتري، اخذه ورد الثمن. وإن كذبه وأصر على كلامه الاول، فظاهر النص: أن الميراث يوقف كما وقف الولاء. واعترض عليه المزني فقال: للمشتري أخذ قدر الثمن مما تركه. فإفضل شئ، كان الفاضل موقوفا، لان المشتري، إما كاذب، فالميت رقيق له وجميع أكسابه له، وإما صادق، فالاكساب للبائع إرثا بالولاء، وقد ظلمه بأخذ الثمن، وتعذر استرداده، فإذا ظفر بماله، كان له أخذ قدر الثمن. واختلف الاصحاب، فذهبت طائفة إلى ظاهر النص، وتخطئه المزني، قالوا: لانه لو أخذه لانه كسب مملوكه، فقد نفاه بإقراره، أو بجهة الظفر بمال ظالمه، فقد بذله تقربا إلى الله تعالى باستنقاذ حر، فلا يرجع فيه كالصدقة، ولانه لا يدري بأي جهة يأخذه، فيوقف إلى ظهور جهته. وذهب ابن سريج وأبو إسحاق والجمهور: إلى أن المذهب ما قاله المزني. وقال ابن سريج وغيره: وقد نص عليه الشافعي رضي الله عنه في غير هذا الموضع. وحملوا ما ذكره هنا، على أن ما يأخذه بجهة الولاء يكون موقوفا وقف الولاء، وهو ما زاد على قدر الثمن. فأما المستحق بكل حال، فلا معنى للوقف فيه. قالوا: ويجوز الرجوع في المبذول فدية وقربة، كمن فدى اسيرا ثم استولى المسلمون على الكفار ووجد الفادي عين ماله، أخذه. وأما اختلاف الجهة، فلا يمنع الاخذ بعد الاتفاق على أصل الاستحقاق. الصيغة الثانية: يقول هو حر الاصل، أو أعتق قبل أن تشتريه، فإذا اشتراه، فهو افتداء من جهته بلا خلاف. وأما إذا مات وخلف مالا، ولا وارث له بغير الولاء، فماله لبيت المال، وليس للمشتري أخذ شئ منه، لان المال بزعمه ليس للبائع حتى يأخذه عوضا عن الثمن. ولو مات العبد قبل ان يقبضه المشتري، لم يكن للبائع أن يطالبه بالثمن، لانه لا حرية في زعمه، وقد تلف المبيع قبل القبض.

(4/19)


فرع لو أقر بحرية عبد، ثم استأجره، لم يحل له استخدامه، وللمكري مطالبته بالاجرة. ولو أقر بحرية جارية لزيد، ثم قبل نكاحها (منه)، لم يحل (له) وطؤها، ولزيد مطالبته بمهرها. قلت: ينبغي أن يقال: إن أقر أن زيدا أعتقها، ولم يكن لها عصبة، صح تزويجه، لانه إما مالك، وإما مولى حرة. والله أعلم. فرع قال: هذا العبد الذي في يدك غصبته من زيد، ثم اشتراه منه، ففي صحة العقد، وجهان حكاهما الامام. أصحهما: الصحة، كما لو أقر بحريته ثم اشتراه. والثاني: المنع، لان التصحيح هناك للافتداء والانقاذ من الرق، ولا يتجه مثله في تخليص عبد الغير. فرع أقر بعبد في يده لزيد، فقال العبد: بل أنا ملك عمرو، يسلم إلى زيد، لانه في يد من يسترقه، لا في نفسه. فلو أعتقه زيد، لم يكن لعمرو تسلم رقبته، ولا التصرف فيها، لما فيه من إبطال ولاء زيد. وهل له أخذ أكسابه ؟ وجهان. وجه المنع: أن الاكساب، فرع الرق، ولم يثبت.
الركن الرابع : الصيغة، وفيه مسائل. إحداها: قول القائل: لفلان كذا، صبغة إقرار. وقوله: لفلان علي، أو في ذمتي، إقرار بالدين ظاهرا. وقوله: عندي أو معي، إقرار بالعين. وقوله: له قبلي كذا، قال في التهذيب: هو دين، ويشبه أن يكون صالحا للدين والعين

(4/20)


جميعا. قلت: قوله: إقرار بالعين، معناه: أنه يحمل عند الاطلاق على أن ذلك عين مودعة له عنده، قاله البغوي. قال: حتى لو ادعى بعد الاقرار أنها كانت وديعة تلفت، أو رددتها، قبل قوله بيمينه، بخلاف ما إذا قلنا: إنه دين، فإنه لو فسره بالوديعة، لم يقبل. وإذا ادعى التلف، لم ينفعه، بل يلزمه الضمان. والله أعلم. الثانية: إذا قال رجل: لك علي ألف، فقال في جوابه: زن، أو خذ، أو استوف، أو اتزن، لم يكن إقرارا، لانه ليس بالتزام، ولانه قد يذكر للاستهزاء. وفي وجه: اتزن، إقرار، وهو شاذ. ولو قال: خذه، أو زنه، أو اختم عليه، أو شده في هميانك، أو اجعله في كيسك، أو اختم عليه، فليس بإقرار على الصحيح، وقال الزبيري: إقرار. قلت: ولو قال: وهي صحاح، فهو كقوله: زنه. والله أعلم. ولو قال في الجواب: بلى، أو نعم، أو أجل، أو صدقت، فهو إقرار. قالوا: ولو قال: لعمري، فإقرار. ولعل العرف يختلف فيه. ولو قال: أنا مقر به، أو بما تدعيه، أو لست منكرا له فهو إقرار له. ولو قال: أنا مقر، ولم يقل: به، أو لست منكرا، أو أنا أقر، فليس بإقرار. ولو قال: أنا أقر لك به، فوجهان. نسب الامام كونه إقرارا إلى الاكثرين. وفيه نظر، لان العراقيين، والقاضي حسين، والروياني، قطعوا بأنه ليس باقرار، ولا يحكى الوجه الآخر إلا نادرا. ويتأيد كونه إقرارا، بأنهم اتفقوا على أنه لو قال: لا أنكر ما تدعيه، كان إقرارا، ولم يحملوه على الوعد بالاقرار. ولو قال: لا أنكر أن يكون محقا، فليس باقرار، لجواز أن يريد في شئ آخر. فلو قال: فيما يدعيه، فهو إقرار. ولو قال: لا أقر به ولا أنكره، فهو كسكوته، فيجعل منكرا، وتعرض عليه اليمين. ولو قال: أبرأتني منه، أو قضيته، فإقرار، وعليه بينة القضاء والابراء. وفي وجه: أبرأتني منه، ليس بإقرار، وليس بشئ. ولو قال: أقررت بأنك أبرأتني واستوفيت مني فليس باقرار.

(4/21)


ولو قال في الجواب: لعل، أو عسى، أو أظن، أو أحسب، أو أقدر، فليس بإقرار. فرع اللفظ وإن كان صريحا في التصديق، فقد تنضم إليه قرائن تصرفه عن موضوعه إلى الاستهزاء والتكذيب. ومن جملتها: الاداء، والابراء، وتحريك الرأس الدال علشدة التعجب والانكار، فيشبه أن يحمل قول الاصحاب: إن صدقت، وما في معناها، إقرار على غير هذه الحالة. فأما إذا اجتمعت القرائن، فلا تجعل إقرارا. ويقال: فيه خلاف، لتعارض اللفظ والقرينة، كما لو قال: لي عليك ألف، فقال فالجواب على سبيل الاستهزاء: لك علي ألف، فإن المتولي حكى فيه وجهين. المسألة الثالثة: إذا قال: أليس لي عليك ألف ؟ فقال: بلى، كان إقرارا. وإن قال: نعم، فوجهان. وقطع البغوي وغيره، بأنه ليس بإقرار كما هو مقتضاه في اللغة. وقطع الشيخ أبو محمد والمتولي، بأنه إقرار، وصححه الامام، والغزالي، لان الاقرار يحمل على مفهوم أهل العرف، لا على دقائق العربية. قلت: هذا الثاني: هو الاصح، وصححه الرافعي في المحرر. والله أعلم. ولو قال: هل لي عليك ألف ؟ فقال: نعم، فاقرار. الرابعة: إذا قال: اشتر مني عبدي هذا، فقال: نعم، فهو إقرار منه للقائل، كما لو قال: أعتق عبدي هذا، فقال: نعم. ويمكن أن يجئ فيه خلاف مما سبق في الصلح، كقوله: بعنيه. ولو قال: اشتر مني هذا العبد، ولم يقل: عبدي، فالتصديق بنعم يقتضي الاعتراف بأنه يملك بيعه، لاأنه يملك العبد. ولو ادعى عليه عبدا، فقال: اشتريته من وكيلك فلان، فهو إقرار له، ويحلف المدعي أنه ما وكل فلانا في بيع. الخامسة: لو قال: له علي ألف في علمي، أو فيما أعلم، أو أشهد، فهي إقرار. السادسة: قال: كان علي ألف، أو كانت هذه الدار في السنة الماضية

(4/22)


له، فهل هو إقرار في الحال عملا بالاستصحاب، أم لا، لانه غير معترف في الحال ؟ وجهان. قلت: ينبغي أن يكون أصحهما: الثاني، وقد أشار إلى تصحيحه الجرجاني. والله أعلم. ويقرب منه الخلاف، فيما لو قال: هذه داري أسكنت فيها فلانا، ثم أخرجته منها، فهو إقرار باليد على الاصح، لانه اعترف بثبوتها وادعى زوالها. وقال أبو علي الزجاجي: ليس باقرار، لانه لم يعترف بيد فلان إلا من جهته. ولو قال: ملكتها من زيد، فهو إقرار، بملكها لزيد، ودعوى انتقالها منه، فإن لم يصدقه زيد، لزمه ردها إليه. قلت: ولو قال: ملكتها على يد زيد، لم يكن إقرارا له بها، لان معناه: كان زيد وكيلا، قاله البغوي. والله أعلم. السابعة: قال: اقض الالف الذي لي عليك، فقال: نعم، فإقرار على المذهب، وتردد فيه بعضهم. وإن قال: أعط غدا، أو ابعث من يأخذه، أو أمهلني يوما، أو أمهلني حتى أصرف الدراهم أو أفتح الصندوق، أو اقعد حتى تأخذ، أو لا أجد اليوم، أو لا تدم المطالبة، أو ما أكثر ما تتقاضى، أو والله لاقضينك، فجميع هذه الصور إقرار عند أبي حنيفة رضي الله عنه. وأما أصحابنا، فمختلفون في ذلك، والميل إلى موافقته في أكثر الصور أكثر. ومثله: أسرج دابة فلان هذه، فقال: نعم. أو أخبرني زيد أن لي عليك ألفا فقال: نعم، أو متى تقضي حقي ؟ فقال: غدا. الثامنة: قال له رجل: غصت ثوبي. فقال: ما غصبت من أحد قبلك ولا بعدك، فليس بإقرار. ولو قال: ما لزيد علي أكثر من مائة درهم، فليس بإقرار على الاصح. وقيل: تلزم المائة. ولو قال معسر لزيد: علي ألف إن رزقني الله تعالى

(4/23)


مالا، فقيل: ليس بإقرار للتعليق، وقيل: إقرار، وذلك بيان لوقت الاداء. والاصح: أنه يستفسر، فإن فسر بالتأجيل، صح، وإن فسر بالتعليق، لنا. قلت: وإن تعذر استفساره، قال في العدة: الاصح: أنه إقرار. والله أعلم. التاسعة: شهد عليه شاهد، فقال: هو صادق، أو عدل، فليس بإقرار. وإن قال: صادق فيما شهد به، أو عدل فيه، كان إقرارا، قاله في التهذيب. قلت: في لزومه بقوله: عدل، نظر. والله أعلم. وإن قال: إن شهد علي فلان وفلان، أو شاهدان بكذا، فهما صادقان، فهو إقرار على الاظهر وإن لم يشهدا. وإن قال: إن شهدا صدقتهما، فليس بإقرار قطعا. قلت: في البيان: أنه لو قال: لي عليك ألف درهم، فقال: لزيد علي أكثر مما لك، لا شئ عليه لواحد منهما. ولو قال: لي مخرج من دعواك، فليس بإقرار. قال: ولو قال: لي عليك ألف أقرضتكه، فقال: والله لا اقترضت منك غيره، أو كم تمن به، قال الصميري: هو إقرار. وإن قال: ما أعجب هذا، أو نتحاسب، فليس بإقرار. وإن كتب: لزيد علي ألف درهم، ثم قال للشهود: اشهدوا علي بما فيه، فليس بإقرار، كما لو كتب عليه غيره، فقال: اشهدوا بما كتب. وقد وافقنا أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الاولى. ووافق أيضا على ما لو كتب ذلك على الارض. ولو قال: له علي ألف إن مت، فليس بإقرار، كما لو قال: إن قدم زيد. ووافق أبو حنيفة رضي الله عنه على الثانية دون الاولى. ولو قال: له علي ألف إلا أن يبدو لي، فوجهان حكاهما في العدة والبيان، ولعل الاصح: أنه إقرار. والله أعلم. العاشرة: إقرار أهل كل لغة بلغتهم وغير لغتهم، إذا عرفوها، صحيح. ولو أقر عجمي بالعربية وقال: لم أفهم معناه، بل لقنت فتلقنت، صدق بيمينه إن كان مميجوز أن لا يعرفه، وكذا الحكم في جميع العقود والحلول.

(4/24)


الحادية عشرة: لو أقرثم قال: كنت يوم الاقرار صغيرا، وهو محتمل، صدق بيمينه، لان الاصل الصغر. وكذا لو قال: كنت مجنونا وقد عهد له جنون. ولو قال: كنت مكرها، وهناك أمارة الاكراه، من حبس، أو موكل عليه، فكذلك. فإن لم تكن أمارة، لم يقبل قوله. والامارة، إنما تثبت باعتراف المقر له، أو بالبينة، وإنما يؤثر إذا كان الاقرار لمن ظهر منه الحبس والتوكيل. أما إذا كان في حبس زيد، فلا يقدح ذلك في الاقرار لعمرو. الثانية عشرة: إذا شهد الشهود، وتعرضوا لبلوغه، وصحة عقله، واختياره، فادعى المقر خلافه، لم يقبل، لما فيه من تكذيب الشهود، ولا يشترط في الشهادة التعرض للبلوغ والعقل، والطواعية، والحرية، والرشد. ويكتفى بأن الظاهر وقوع الشهادة على الاقرار الصحيح. وفي قول: يشترط التعرض لحرية مجهول الحرية. وخرج منه اشتراط التعرض لسائر الشروط، والمذهب الصحيح: الاول. قال الاصحاب: وما يكتب في الوثائق أنه أقر طائعا في صحة عقله وبلوغه، احتياط. ولو تقيدت شهادة الاقرار بكونه طائعا، وأقام (الشهود) عليه بينة بكونه كان مكرها، قدمت بينة الاكراه، ولا تقبل الشهادة على الاكراه مطلقا، بل لابد من التفصيل.
الباب الثاني : في الاقرار بالمجمل
يصح الاقرار بالمجمل، وهو المجهول للحاجة. وسواء أقر به ابتداء، أو جوابا عن دعوى معلومة، بأن قال: لي عليك ألف، فقال: لك علي شئ. والالفاظ التي تقع فيها الجهالة، لا تنحصر. وبين الشافعي والاصحاب رضي الله عنهم ما كثر استعماله، ليعرف ويقاس عليه غيره، وألفاظ الباب سبعة أضرب. الضرب الاول: شئ. فإذا قال: له علي شئ، طلبنا تفسيره. فإن فسره بما يتمول، قبل، كثر أم قل، كرغيف، وفلس، وتمرة حيث يكون لها قيمة. وإن فسره بما لا يتمول، لكنه من جنس ما يتمول، كحبة حنظة، أو شعير، أو قمع باذنجانة، فوجهان. أحدهما: لا يقبل تفسيره، لانه لا يصح التزامه، كما لا تصح الدعوى به. وأصحهما: القبول، لانه شئ يحرم أخذه، ويجب على آخذه رده،

(4/25)


وقولهم: لا تصح الدعوى به، ممنوع. والتمرة أو الزبيبة حيث لا قيمة لها، على الوجهين. وقيل: يقبل قطعا. وإن لم يكن من جنس ما يتمول، فإما أن يجوز اقتناؤه لمنفعته، وإما، لا. فالاول: كالكلب المعلم، والسرجين، وجلد الميتة القابل للدباغ، والكلب القابل للتعليم، والخمر المحترمة، فيقبل التفسير به على الاصح. وأما الثاني: فكالخنزير، وجلد الكلب، والكلب الذي لا نفع فيه، والخمر غير المحترمة، فلا يقبل تفسيرة به على الاصح. ولو فسره بوديعة، قبل على الصحيح، لان عليه ردها عند الطلب، وقد يتعدى فتصير مضمونة، وقيل: لا، لانها في يده، لا عليه. ولو فسر بحق الشفعة، قبل. ولو فسره برد السلام والعيادة، لم يقبل. قال البغوي: ولو قال: له حق، قبل تفسيره بهما، وفيه نظر. قلت: ولفسر الشئ بحد قذق، قبل على الاصح. والله أعلم. فرع لو قال: غصبت منه شيئا، قبل تفسيره ما يقبل في الصور السابقة إذا احتمله اللفظ، احترازا من الوديعة وحق الشفعة، ويقبل بالخمر والخنزير، نص عليه في الام، لان الغصب لا يشعر بالتزام وثبوت مال، وإنما يقتضي الاخذ، بخلاف قوله: علي. ولو قال: له عندي شئ، وفسر بخمر أو خنزير، قبل على الصحيح.

(4/26)


قلت: قال أصحابنا: لو قال: غصبتك، أو غصبتك ما تعلم، لم يلزمه شئ، لانه قد يغصبه نفسه، فيحبسه. ولو قال: غصبتك شيئا، ثم قال: أردت نفسك، لم يقبل. والله أعلم.
فصل إذا أقر بمجمل، إما شئ، وإما غيره، مما سنذكره إن شاء الله تعالى، وطالبناه بالتفسير، فامتنع، فأربعة أوجه. أصحها: نحبسه كحبسنا من امتنع من أداء الحق، لان التفسير واجب عليه. والثاني: لا يحبس، بل ينظر، إن وقع الاقرار المبهم في جواب دعوى، وامتنع من التفسير، جعل منكرا، وتعرض اليمين عليه. فإن أصر، جعل ناكلا، وحلف المدعي. وإن أقر ابتداءا، قلنا للمقر له: ادع عليه حقك، فإذا ادعى، وأقر بما ادعاه، أو أنكر، أجرينا عليه حكمه. وإن قال: لا أدري، جعلناه منكرا، فإن أصر، جعلناه ناكلا، لانه إذا أمكن حصول الغرض بلا حبس، لا يحبس. والثالث: إن أقر بغصب، وامتنع من بيان المغصوب، حبس. وإن أقر بدين مبهم، فالحكم كما ذكرنا في الوجه الثاني. والرابع: إن قال: علي شئ، وامتنع من التفسير، لم يحبس. وإن قال: علي ثوب، أو فضة، ولم يبين، حبس، قاله أبو عاصم العبادي، وأشار في شرح كلامه، إلى أن الفرق مبني على قبول تفسير الشئ بالخمر ونحوه، فإنه لا يتوجه بذلك مطالبة وحبس. فرع إذا فسر المبهم بتفسير صحيح، وصدقه المقر له، فذاك، وإلا فليبين جنس الحق وقدره، وليدعه، والقول قول المقر في نفيه. ثم إن كان من جنسه، بأن فسر بمائة درهم، وقال المقر له: لي عليك مائتان، فإن صدقه على إرادة المائة، فهي ثابتة باتفاقهما، ويحلف المقر على نفي الزيادة. وإن قال: أراد به المائتين، حلف المقر أنه ما أراد المائتين، وأنه ليس عليه إلا مائة، ويجمع بينهما بيمين واحدة على الصحيح. وقال ابن المرزبان: لا بد من يمينين. فلو نكل، حلف المقر له على استحقاق المائتين، ولا يحلف على الارادة، لانه لا اطلاع له عليها، بخلاف ما إذا مات المقر، وفسر الوارث، فادعى المقر له زيادة، فيحلف الوارث على نفي إرادة المورث، لانه قد يطلع من حال مورثه على ما لا يطلع عليه غيره. قال البغوي: ومثله: لو أوصى بمجمل ومات، ففسره الوارث، وزعم

(4/27)


الموصى له أنه أكثر يحلف الوارث على نفي العلم باستحقاق الزيادة، ولا يتعرض للارادة. والفرق، أن الاقرار إخبار عن حق سابق، وقد يطلع عليه، والوصية إنشاء أمر على الجهالة، وبيانه: إذا مات (الموصي) إلى الوارث. وأما إذا كان ما ادعاه من غير جنس ما فسر به المقر، فينظر، إن صدقه في الارادة، فقال: هو ثابت لي عليه، ولي عليه مع ذلك كذا، ثبت المتفق عليه، والقول قول المقر في نفي غيره. وإن صدقه في الارادة، وقال: ليس لي عليه ما فسر (به)، إنما لي عليه كذا، بطل حكم الاقرار برده، وكان مدعيا عليه في غيره. وإن كذبه في دعوى الارادة، وقال: إنما أراد ما ادعيته، حلف المقر على نفي الارادة، وبقي ما يدعيه. ثم إن كذبه في استحقاق المقر به، بطل الاقرار فيه، وإلا، فيثبت. ولو اقتصر المقر له على دعوى الارادة، وقال: ما أردت بكلامك ما فسرته به، وإنما أردت كذا، إما من جنس المقر به، وإما من غيره، لم يسمع منه، لان الاقرار والارادة لا يثبتان حقا له، بل الاقرار إخبار عن سابق، فعليه أن يدعي الحق نفسه. قال الامام: وفيه وجه ضعيف: أنه تقبل دعوى الارادة المجردة، وهو كالخلاف في أن من ادعى على خصمه أنه أقر له بألف درهم، هل تسمع ؟ أم عليه أن يدعي نفس الالف ؟ أما إذا ضم إلى الارادة دعوى الاستحقاق، فيحلف المقر على نفيهما على التفصيل المذكور. واتفقت الطرق عليه. فرع مات المبهم قبل التفسير، طولب به الوارث. فإن امتنع، فقولان. أحدهما: يوقف مما ترك أقل ما يتمول. وأظهرهما: يوقف الجميع، لانه مرتهن بالدين. الضرب الثاني: مال. فإذا قال: له علي مال، قبل تفسيره بأقل ما يتمول، ولا يقبل بما ليس بمال، كالكلب وجلد الميتة، قال الامام: والوجه: القبول بالتمرة الواحدة حيث يكثر، لانه مال، وإن لم يتمول في ذلك الموضع، هكذا ذكره العراقيون، وقالوا: كل متمول مال، ولا ينعكس. وتلتحق حبة الحنطة بالتمرة. وفي قبول التفسير بالمستولدة، وجهان. أصحهما: القبول. وإن فسره بوقف عليه، فيشبه أن يخرج على الخلاف في الملك في رقبة الوقف، هل هو للموقوف عليه ؟

(4/28)


فرع إذا قال: له علي مال عظيم، أو كثير، أو كبير، أو جليل، أو نفيس، أو خطير، أو غير تافه، أو مال، وأي مال، قبل في تفسيره بأقل ما يتمول، لانه يحتمل أن يريد عظيم خطره بكفر مستحله، وإثم غاصبه وقد قال الشافعي رضي الله عنه: أصل ما أبني عليه الاقرار، أن لا ألزم إلا اليقين، وأطرح الشك، ولا أستعمل الغلبة. وحكي وجه غريب: أنه يجب أن يزيد تفسير مال عظيم على تفسير سمطلق المال، ليكون لوصفه بالعظم فائدة. ولو قال: مال حقير، أو قليل، أو خسيس، أو طفيف، أو تافه، أو نزر، أو يسير، فهو كقوله: مال. وتحمل هذه الصفات على احتقار الناس إياه، أو على أنه فان. فرع قال: لزيد علي مال أكثر من مال فلان، يقبل تفسيره بأقل متمول وإن كثر مال فلان، لانه يحتمل أنه أكثر لكونه حلالا، وذلك حرام أو نحوه. قلت: وسواء علم مال فلان، أم لم يعلم. والله أعلم. وكما أن القدر مبهم، فكذلك الجنس والنوع. ولو قال: له علي من الذهب أكثر من مال

(4/29)


فلان عددا والابهام في الجنس والنوع. ولو قال: له علي من الذهب أكثر من مال فلان، فالابهام في القدر والنوع. ولو قال: من صحاح الذهب، فالابهام في القدر وحده. ولو قال: لزيد علي (مال) أكثر مما شهد به الشهود على فلان، قبل في تفسيره بأقل متمول، لاحتمال أن يعتقدهم شهود زور، ويقصد أن القليل الحلال أكثر بركة من كثير يؤخذ بالباطل. ولو قال: أكثر مما قضى به القاضي على فلان، فوجهان. أحدهما: يلزم القدر المقضي به، لان قضاء القاضي محمول على الحق. وأصحهما: أنه كالشهادة، فيقبل أقل متمول، لانه قد يقضي بشهادة كاذبين. ولو قال: لزيد علي أكثر مما في يد فلان، قبل أقل متمول. ولو قال: له علي أكثر مما في يد فلان من الدراهم، لم يلزمه التفسير بجنس الدراهم، لكن يلزم بذلك العد من أي جنس فسر، وزيادة أقل متمول، كذا قاله في التهذيب، وهو مخالف ما سبق من وجهين. أحدهما: إلزام ذلك العدد. والثاني: إلزام زيادة، لان التأويل الذي ذكرناه للاكثرية، بنفيهما جميعا. ولو قال: له علي من الدراهم أكثر مما في يد فلان من الدراهم، وكان في يد فلان ثلاثة دراهم، قال البغوي: يلزمه ثلاثة دراهم، وزيادة أقل ما يتمول. والاصح: ما نقله الامام أنه لا يلزمه زيادة، حملا للاكثر على ما سبق. وحكى عن شيخه: أنه لو فسره بما دون الثلاثة، قبل أيضا. ولو كافي يده عشرة دراهم، وقال المقر: لم أعلم، وظننتها ثلاثة، قبل قوله بيمينه. الضرب الثالث: كذا. فإذا قال: لزيد علي كذا، فهو كقوله: له شئ. ولو قال: كذا كذا، فهو كقوله: كذا، والتكرار للتأكيد. ولو قال: كذا وكذا، لزمه التفسير بشيئين متفقين أو مختلفين، بحيث يقبل كل واحد منهما في تفسير كذا. وهكذا الحكم فيما لو قال: علي شئ شئ، أو شئ وشئ. ولو قال: كذا درهم، يلزمه درهم فقط، وكان الدرهم تفسير ما أبهمه. وفي وجه لابي اسحق: يلزمه عشرون درهما إن كان يعرف العربية، لانه أول اسم مفرد ينتصب الدرهم المفسر بعده. والصحيح المعروف: هو الاول. وأجاب الاصحاب، بأن في تفسير المبهم لا ينظر إلى الاعراب. ولهذا لو قال: علي كذا درهم صحيح، لا يلزمه مائة

(4/30)


درهم بالاتفاق، وإن كان ذلك مقتضاه بالعربية. ولو قال: كذا درهم من غير صفة الصحة، لزمه أيضا درهم على الصحيح. وقيل: بعض درهم. ولو قال: كذا درهم، بالرفع، لزمه درهم بلا خلاف. ولو قال: كذا درهم، ووقف عليه ساكنا، فكالمخفوض. ولو قال: كذا كذا درهما، لزمه درهم فقط على الصحيح. وقال أبو إسحق: يلزمه أحد عشر درهما إن عرف العربية. ولو قال: كذا كذا درهم، أو درهم لزمه درهم فقط. ويجئ في المخفوض الوجه السابق ببعض درهم. ولو قال: كذا وكذا درهما، لزمه درهمان على المذهب. وفي قول: درهم. وفي قول: درهم وشئ. وفي وجه لابي إسحق: أحد وعشرون درهما إن عرف العربية. ولو قال: كذا وكذا درهم، بالرفع، لزمه درهم فقط على المذهب. وقيل: قولان. ثانيهما: درهمان. ولو قال: كذا وكذا درهم، بالخفض، لزمه درهم فقط. ويمكن أن يخرج مما سبق أنه يلزمه شئ وبعض درهم، أو لا يلزمه إلا بعض درهم. ولو قال: كذا وكذا وكذا درهما، فإن قلنا: إذا كرر مرتين يلزمه درهمان، لزمه هنا ثلاثة. وإن قلنا: درهم، فكذا هنا.

(4/31)


فصل قال: له علي ألف ودرهم، أو ودراهم، أو ألف وثوب، أو ألف وعبد، فله تفسيره بغير جنس ما عطف عليه. ولو قال: له خمسة عشر درهما، فكلها دراهم. ولو قال: خمسة وعشر ودرهما، فكلها دراهم على الصحيح وقال ابن خيران، والاصطخري: العشرون دراهم والخمسة مجملة تفسرها. وعلى هذا الخلاف قوله: مائة وخمسة وعشرون درهما، وقوله: ألف ومائة وخمسة وعشرون درهما، وكذا قوله: ألف وثلاثة أثواب، وقوله: مائة وأربعة دنانير، وقوله: مائة ونصف درهم. ولو قال: درهم ونصف، أو عشرة دراهم ونصف، فالكل دراهم على الصحيح الذي قاله الاكثرون، لانه المعروف في الاستعمال. وقال الاصطخري وجماعة: النصف مجملة. ولو قال: نصف ودرهم، فالنصف مجمل. ولو قال: مائة وقفيز حنطة، فالمائة مجملة، يخلاف قوله: مائة وثلاثة دراهم، لان الدراهم تصلح تفسيرا للكل، والحنطة لا تصلح تفسيرا للمائة، لانه لا يصح أن يقال: مائة حنطة. ولو قال: علي ألف درهم، برفعهما وتنوينهما، فسر الالف بما لا ينقص قيمته عن درهم، كأنه قال: الالف مما قيمة الالف منه درهم. الضرب الرابع: درهم. قد ذكرنا في الزكاة، أن دراهم الاسلام المعتبر بها نصب الزكاة والديات وغيرها، كل عشرة منها سبعة مثاقيل، وكل درهم ستة دوانير. ونزيد الآن، أن الدانق: ثمان حبات وخمسا حبة، فيكون الدرهم خمسين حبة وخمسي حبة، والمراد: حبة الشعير المتوسطة التي لم تقشر، لكن قطع من طرفيها مادق وطال، والدينار: اثنان وسبعون حبة منها، هكذا نقل عن رواية أبي القاسم بن سلام، وحكاه الخطابي عن ابن سريج. وفي الحلية للروياني، أن الدانق ثمان حبا ت، فيكون الدرهم: ثمانية وأربعين حبة. فإذا قال: له علي درهم، أو ألف درهم ثم قال: هي ناقصة، نظر، إن كان في بلد دراهمه تامة، وذكره متصلا، قبل على المذهب، كما لو استثنى. وقال ابن خيران: في قبوله قولان بناء على تبعيض الاقرار. وإن كان ذكره منفصلا، لم يقبل، ولزمه دراهم

(4/32)


الاسلام، إلا أن يصدقه المقر له، لان لفظ الدرهم صريح فيه وضعا وعرفا. واختار الروياني أنه يقبل، لان اللفظ يحتمله، والاصل براءة ذمته، وحكاه عن جماعة من الاصحاب، وهو شاذ. وإن كان في بلد دراهمه ناقصة، قبل إن ذكره متصلا قطعا، وكذا إن ذكره منفصلا على الاصح المنصوص. ويجري هذا الخلاف، فيمن أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من دراهم الاسلام، مثل غزنة، هل يحمل على دراهم البلد، أو الاسلام ؟ فإن قلنا بالاول، فقال: عنيت دراهم الاسلام، منفصلا، لم يقبل. وإن كان متصلا، فعلى الطريقين. والمذهب: القبول. فرع الدرهم عند الاطلاق، إنما يستعمل في النقرة. فلو أقر بدراهم، وفسرها بفلوس، لم يقبل، وإن فسرها بمغشوشة، فكالتفسير بالناقصة، لان نقرتها تنقص عن التامة، فيعود فيه التفصيل في الناقصة. ولو فسر بجنس ردئ من الفضة، أو قال: أردت من سكة كذا، وهي جارية في ذلك البلد، قبل، كما لو قال: له علي ثوب، ثم فسره بردئ، أو بما لا يعتاد أهل البلد لبسه، بخلاف ما لو فسر بناقصة، لانه يرفع شيئا مما أقر به، ويخالف البيع، فإنه يحمل على سكة البلد، لانه إنشاء معاملة. والغالب، أن المعاملة في كل بلد بما يروج فيه. والاقرار، إخبار عن حق سابق، وربما ثبت في ذمته ببلد آخر، فوجب قبول تفسيره. وقال المزني: لا يقبل تفسيره بغير سكة البلد، ووافقه غيره من أصحابنا. فرع إذا قال: له علي درهم أو دريهمات، أو درهم صغير، أو دراهم صغار، ففيه اختلاف كثير. والاصح: أنه كقوله: درهم أو دراهم، فيعود في تفسيره بالنقص التفصيل السابق، وليس التقييد بالصغير كالتقييد بالنقصان، لان لفظ الدراهم صريح في الوزن، والوصف بالصغير يجوز أن يكون في الشكل، ويجوز بالاضافة إلى غيرها. وقال الشيخ أبو حامد ومن تابعه: يلزمه من الدراهم الطبرية، وهي أربعة دوانيق. ولم يفرقوا بين بلد وبلد، لان ذلك المتيقن. ولو قال: درهم كبير، فالمذهب: أنه كقوله: درهم. وقال البغوي: إن كان في بلد أوزانهم ناقصة أو تامة، لزمه درهم الاسلام. وإن كانت أوزانهم زائدة، لزمه من نقد البلد. وفي

(4/33)


إلزامه نقد البلد إشكال. فرع إذا قال: علي دراهم، لزمه ثلاثة، ولا يقبل تفسيره بأقل منها. ولو قال: دراهم عظيمة، أو كثيرة، فثلاثة، ويجئ فيه الوجه السابق في مال عظيم ولو قال: علي أقل أعداد الدراهم، لزمه درهمان. ولو قال: مائة درهم عدد، لزمه مائة درهم بوزن الاسلام صحاح. قال في التهذيب: ولا يشترط أن يكون كل واحد ستة دوانيق، وكذلك في البيع. ولا يقبل مائة بالعدد ناقصة الوزن، إلا أن يكون نقد البلد عددية ناقصة، فظاهر المذهب: القبول. ولو قال: علي مائة عدد من الدراهم، اعتبر العدد دون الوزن. فصل قال: علي من درهم إلى عشرة، لزمه تسعة على الاصح عند العراقيين، والغزالي. وقيل: عشرة، وصححه البغوي. وقيل: ثمانية، كما لو قال: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار، لا يدخل الجداران في البيع. واحتج الشيخ أبو حامد للاول، بأنه لو قال: لفلان من هذه النخلة إلى هذه النخلة، تدخل الاولى في الاقرار دون الاخيرة. وفيما قاله نظر، وينبغي أن لا تدخل الاولى أيضا، كقوله: بعتك من هذا الجدار إلى هذا الجدار. ولو قال: ما بين درهم إلى عشرة، فالصحيح المشهور: أنه يلزمه ثمانية، وهو نصه. وقيل: تسعة، ونقله في المفتاح عن نصه. وقيل: عشرة، حكاه أبو خلف السلمي عن القفال. ولم يفرقوا بين قوله: ما بين درهم إلى عشرة، وقوله: ما بين درهم وعشرة. وربما سووا بينهما. ويجوز أن يفرق، فيقطع بالثمانية في الصيغة الاخيرة. قلت: القطع بالثمانية، هو الصواب، وقول الامام الرافعي رحمه الله: لم يفرقوا، غير مقبول، فقد فرق القاضي أبو الطيب في تعليقه، فقطع بالثمانية في

(4/34)


قوله: ما بين درهم وعشرة. وذكر الاوجه فيما بين درهم إلى عشرة. والله أعلم. فصل قال: له علي درهم في عشرة، إن أراد الظرف، لزمه درهم فقط. وإن أراد الحساب، فعشرة. وإن أراد بفي: مع، لزمه أحد عشر. وإن أطلق، فدرهم. وحكي قول في مثله في الطلاق: أنه يحمل على الحساب، وهو جار هنا. الضرب الخامس: الظرف. الاصل في هذا، أن الاقرار بالظروف ليس إقرارا بالمظروف. وكذا عكسه، ودليله، البناء على اليقين. أما إذا قال: له عندي زيت في جرة، أو سيف في غمد، أو ثوب في منديل، أو تمر في جراب، أو لبن في كوز، أو طعام في سفينة، أو غصبته زيتا في جرة، فهو مقر بالمظروف فقط. ولو قال: له عندي غمد فيه سيف، وجرة فيها زيت، وجراب فيه تمر، وسفينة فيها طعام، فاقرار بالظرف فقط. ولو قال: فرس فإصطبل، أو حمار على ظهره إكاف، أو دابة عليها سرج أو زمام، وعبد على رأسه عمامة، أو في وسطه منطقة، أو في رجله خف، أو عليه قميص، فاقرار بالدابة والعبد فقط. ولو قال: عمامة على رأس عبد، أو سرج على ظهر دابة، فاقرار بالعمامة والسرج فقط. وقال صاحب التلخيص: إذا قال: عبد على رأسه عمامة، أوفي رجله خف، فاقرار بهما مع العبد. وجمهور الاصحاب، على ما سبق. ولو قال: دابة مسروجة، أو دار مفروشة، لم يكن مقرا بالسرج والفرش، بخلاف ما لو قال: بسرجها وبفرشها، وبخلاف ما لو قال: ثوب مطرز، لان الطراز، جزء من الثوب. وقيل: إن ركب فيه بعد النسج، فعلى وجهين مذكورين في أخوات المسألة. ولو قال: فص في خاتم، فإقرار بالفص فقط، ولو قال: خاتم فيه فص ففي كونه مقرا أيضا بالفص وجهان. قال البغوي. أصحهما: المنع. ولو اقتصر على قوله: عندي له خاتم. ثم قال بعد ذلك: ما أردت الفص، لم يقبل منه على المذهب، بل يلزمه الخاتم بفصه، لان الخاتم تناولهما، فلا يقبل رجوعه عن بعض ما تناوله

(4/35)


الاقرار، وحكى الغزالي فيه وجهين. ولو قال: حمل في ببطن جارية، لم يكن مقرا بالجارية. وكذا بطن نعل في حافر دابة، وعروة على قميقمة. ولو قال: جارية في بطنها حمل، ودابة في حافرها نعل، وقمقمة عليها عروة، فوجهان. كقوله: خاتم في فص. ولو قال: هذه الجارية لفلان، وكانت حاملا، لم يدخل الحمل في الاقرار على الاصح، لانه إخبار، فكان على حسب إرادة المخبر، بخلاف البيع، فإن الحمل يدخل فيه. ولو قال: له هذه الجارية إلا حملها، لم يدخل الحمل قطعا. ولو قال: ثمرة على شجر، لم يكن مقرا بالشجرة. ولو قال: شجرة عليها ثمرة، بني على أن الثمرة هل تدخل في مطلق الاقرار بالشجرة ؟ وهي لا تدخل بعد التأبير على الصحيح، ولا قبله على الاصح، وبه قطع البغوي، لان الاسم لا يتناولها لغة، بخلاف البيع، فإنه ينزل على المعتاد، وذكر القفال وغيره في ضبط الباب: أن ما دخل تحت البيع المطلق، دخل تحت الاقرار، وما لا، فلا، وما ذكرنا في المسائل يقتضي أن يقال في الضبط: ما لايتبع في البيع، ولا يتناوله الاسم، لم يدخل، وما يتبع ويتناوله الاسم، دخل، وما يتبع ولم يتناوله الاسم، فوجهان. فصل إذا قال: له علي ألف في هذا الكي‍ س، لزمه، سواء كان فيه ألف، أم لم يكن فيه شئ أصلا، لان قوله: علي، يقتضي اللزوم، ولا يكون مقرا بالكيس كما سبق. فإن كان فيه دون الالف، فوجهان. قال أبو زيد: لا يلزمه إلا ذلك القدر. وقال القفال: يلزمه الاتمام، وهذا أصح. ولو قال: علي الالف الذي في هذا الكيس، وكان فيه دون الالف، لم يلزمه الاتمام على الصحيح. وإن لم يكن فيه شئ، فوجهان. ويقال: قولان، بناء على ما لو حلف: ليشربن ماء هذا الكوز، ولا ماء فيه، هل تنعقد يمينه ويحنث، أم لا ؟ قلت: ينبغي أن يكون الراجح: أنه لا يلزمه، لانه لم يعترف بشئ في ذمته. والله أعلم. فصل لو قال: لفلان في هذا العبد ألف درهم، فهذا لفظ مجمل،

(4/36)


فيسأل، فإن قال: أردت أنه جني عليه، أو على ماله جناية أرشها ألف، قبل ويعلق الارش برقبته. وإن قال: أردت أنه رهن عنده بألف علي، فوجهان. أحدهما: لا يقبل، لان اللفظيقتضي كون العبد محلا للالف، ومحل الدين الذمة، لا المرهون. فعلى هذا، إذا نازعه المقر له، أخذناه بالالف الذي ذكره في التفسير، وطالبناه للاقرار المجم بتفسير صالح. وأصحهما: القبول، لان الدين وإن كان في الذمة، فله تعلق ظاهر بالمرهون. وإن قال: أردت أنه وزن في ثمنه ألفا، قيل له: هل وزنت في ثمنه شيئا ؟ فإن قال: لا، فالعبد كله للمقر له. وإن قال: نعم، سئل عن كيفية الشراء، أكان دفعة واحدة، أم لا ؟ فإن قال: دفعة، سئل ما قدر ما وزن ؟ فإن قال: وزنت ألفا أيضا، فالعبد بينهما نصفان. وإن قال: ألفين، فله ثلثا العبد، وللمقر له ثلاثة. وعلى هذا، القياس، ولا نظر إلى قيمة العبد. وإن قال: اشتريناه دفعتين ووزن هو في ثمن عشره مثلا ألفا، واشتريت أنا تسعة أعشاره بألف، قبل قوله، لانه محتمل. وإن قال: أردت أنه أوصي له من ثمنه بألف، قبل وبيع ودفع إليه من ثمنه ألف، وليس له دفع الالف من ماله. ولو قال: دفع إلي الالف لاشتري له العبد، ففعلت، فإن صدقه المقر له، فالعبد له. وإن كذبه، فقد رد إقراره بالعبد، وعليه رد الالف الذي أخذ. وإن قال: أردت أنه أقرضني ألفا، فصرفته إلى ثمنه، قبل ولزمه الالف. وتوجيه الخلاف إذا أقر برهنه يقتضي عوده هنا. ولو قال: له من هذا العبد ألف درهم، فهو كقوله: في هذا العبد. ولو قال: من ثمن هذا العبد، فكذلك، قاله في التهذيب. وجميع ما ذكرناه في هذا الفصل، هو فيما إذا اقتصر على قوله: (له) في هذا العبد، ولم يقل: علي، فإن قال: علي، كان التزاما بكل حال، كما سنذكره إن شاء الله تعالى في آخر الفصل الذي بعد هذا. فرع قال: له علي درهم في دينار، فهو كقوله: له ألف في هذا العبد. فإن نوى نفي مع، لزماه. قلت: وإن لم ينو شيئا، لزمه درهم فقط. والله أعلم. فصل قال الشافعي رضي الله عنه في المختصر: لو قال: له في ميرا ث أبي ألف درهم، كان مقرا على أبيه بدين. ولو قال: له في ميراثي من أبي ألف درهم، كان هبة، إلا أن يريد إقرارا. قال الاصحاب: النصان على ظاهرهما.

(4/37)


وعن صاحب التقريب إشارة إلى التسوية، كأنه نقل وخرج. والمذهب: الفرق. ومثله، لو قال: له في هذه الدار نصفها، فهو إقرار. ولو قال: في داري نصفها، فهو وعد هبة، نص عليهما. ولو قال: له في مالي ألف درهم، كان إقرارا. ولو قال: له من مالي ألف درهم، كان وعد هبة، نص عليهما. واختلف الاصحاب في قوله: له في مالي ألف، فقيل: قولان. أحدهما: هو وعد هبة. والثاني: إقرار. وقيل: هبة قطعا. وحملوا النص على خطأ الناسخ، وربما أولوه على ما لو أتى بصيغة التزام فقال: علي في مالي، فإنه إقرار، كما سنذكره إن شاء الله تعالى. وإذا أثبتنا الخلاف، فعن الشيخ أبي علي، طرده فيما إذا قال: في داري نصفها. وامتنع من طرده فيما إذا قال: في ميراثي من أبي. وعن صاحب التقريب وغيره، طرده فيه بطريق الاولى، لان قوله: في ميراثي من أبي، أولى بأن يجعل إقرارا من قوله: في مالي أو في داري، لان التركة مملوكة للورثة مع تعلق الدين بها، فيحسن إضافة الميراث إلى نفسه مع الاقرار بالدين، بخلاف المال والدار. وأما فرقه في النص الاخير، بين في ومن، فمن الاصحاب من قال: لا فرق، ولم يثبت هذا النص، أو أولوه، ومنهم من فرق، بأن في يقتضي كون مال المقر ظرفا لمال المقر له، وقوله: من ما لي، يقتضي التبعيض، وهو ظاهر في الوعد بأنه يقطع له شيئا من ماله. وإذا فرقنا بينهما، لزمه مثله في الميراث قطعا. والمذهب: أنه لا فرق بينهما، وأن الحكم في قوله: في مالي كما ذكرنا أولا في ميراثي. واستبعد الامام تخريج الخلاف في قوله: له في داري نصفها، لانه إذا أضاف الكل إلى نفسه، لم ينتظم منه الاقرار ببعضه، كما لا ينتظم الاقرار بكله في قوله: داري لفلان، وخصص طريقة الخلاف بما إذا لم يكن المقر به جزءا من مسمى ما أضافه إلى نفسه، كقوله: في مالي ألف، أو في داري ألف. وحيث قلنا في هذه الصور: إنه وعد هبة، لا إقرار، فذلك إذا لم يذكر كلمة الالتزام فأما إذا ذكرها بأن قال: علي ألف درهم في هذا المال، أو في مالي، أو في ميراثي من أبي، أو في ميراث أبي، أو في داري، أو في عبدي، أو هذا العبد، فهو إقرار بكل حال. ولو قال: له في ميراث من أبي، أو في مالي بحق لزمني. أو بحق ثابت، وما أشبهه، فهو إقرار بكل حال، كما لو قال: علي، ذكره ابن القاص، والشيخ أبو حامد، وغيرهما. واعلم أن مقتضى قولنا في قوله: علي

(4/38)


في هذا المال، أو في هذا العبد ألف درهم، هو إقرار: أنه يلزمه الالف وإن لم يبلغ ذلك المال ألفا، بخلاف ما إذا قال: له علي ألف في هذا الكيس، وكان فيه دون الالف، فإن فيه خلافا سبق، فإن ظرفية العبد للدراهم، ليست كظرفية الكيس لها، لكن لو قال: له في هذا العبد ألف، من غير كلمة علي، وفسره بأنه أوصى له بألف من ثمنه، فلم يبلغ ثمنه ألفا، لم يجب عليه تتميم الالف بحال. قلت: الضرب السادس: التأكيد والعطف ونحوهما. وفيه مسائل. إحداها: قال: علي درهم درهم درهم، لزمه درهم فقط، وكذا لو كرره هكذا ألف مرة فأكثر. ولو قال: درهم ودرهم، أو درهم ثم درهم، لزمه درهمان للمغايرة. ولو قال: درهم ودرهم ودرهم، لزمه بالاول والثاني درهمان. وأما الثالث، فإن أراد به درهما آخر، لزمه، وإن قال: أردت به تأكيد الثاني، قبل، ولزمه درهمان فقط. وإن قال: أردت به تأكيد الاول، لم يقبل على الاصح، فيلزمه ثلاثة. وإن أطلق، لزمه ثلاثة على المذهب، وبه قطع الاكثرون. وقال ابن خيران: فيه قولان كالطلاق، ثانيهما درهمان. فعلى المذهب، لو كرره عشر مرات فأكثر، لزمه بعدد ما كرر. ولو قال: علي درهم، ثم درهم، ثم درهم، فهو كقوله: درهم ودرهم ودرهم. ولو قال: درهم ودرهم، ثم درهم، لزمه ثلاثة بكل حال. الثانية: قال: علي درهم مع درهم، أو معه درهم، أو فوق درهم، أو فوقه درهم، (أو تحت درهم)، أو تحته درهم، أو علي درهم، أو عليه درهم، فالمذهب والمنصوص والذي قطع به الاكثرون: أنه يلزمه درهم. وقيل: قولان. ثانيهما: درهم. وقال الداركي: مع الهاء، درهمان، وبحذفها، درهم. ولو قال: له علي درهم قبل درهم، أو قبله درهم، أو بعده درهم، لزمه درهمان على المذهب والمنصوص، وبه قطع الاكثرون. وقيل: قولان. ثانيهما: درهم. وقال ابن خيران وغيره: مع الهاء درهمان. وبحذفها، درهم. الثالثة: قال: له علي أو عندي درهم فدرهم، إن أراد العطف، لزمه

(4/39)


درهمان، وإلا، فالنص لزوم درهم (فقط). ونص في: أنت طالق، فطالق، أنه طلقتان. وقال ابن خيران: فيهما قولان. أحدهما: درهمان وطلقتان. والثاني: درهم وطلقة. والمذهب الذي قطع به الاكثرون: تقرير النصين. ولو قال: درهم فقفيز حنطة، فهل يلزمه درهم فقط، أم يلزمانه جميعا ؟ فيه هذا الخلاف. وذكر أبو العباس الروياني، أن قياس ما ذكرنا في الطلاق: أنه إذا قال: بعتك بدرهم فدرهم، يكون بائعا بدرهمين، لانه إنشاء، لا إخبار. الرابعة: إذا قال: علي درهم، بل درهم، لزمه درهم فقط. ولو قال: درهم، لا بل درهم، ولكن درهم، فكذلك. ولو قال: درهم، لا بل درهمان، أو قفيز حنطة، لا بل قفيزان، لزمه درهمان، أو قفيزان فقط. هذا إذا لم يعين. فأما إن قال: له عندي هذا القفيز، بل هذان القفيزان، فيلزمه الثلاثة، لان المعين لا يدخل في المعين. وكذا لو اختلف جنس الاول والثاني مع عدم التعيين، بأن قال: درهم بل ديناران، أو قفيز حنطة، بل قفيزا شعير، لزمه الدرهم والديناران، وقفيز الحنطة وقفيزا الشعير. ولو قال: درهمان بل درهم، أو عشرة، بل تسعة، لزمه الدرهمان والعشرة، لان الرجوع عن الاكثر لا يقبل، ويدخل فيه الاقل. ولو قال: دينار، بل ديناران، بل ثلاثة، لزمه ثلاثة. ولو قال: دينار، بل ديناران، بل قفيز، بل قفيزان، لزمه ديناران وقفيزان. ولو قال: دينار وديناران، بل قفيز وقفيزان، لزمه ثلاثة دنانير وثلاثة أقفزة، وقس عليه ما شئت. الضرب السابع: التكرار. القول الجملي فيه أن تكرر الاقرار لا يقتضي تكرر المقر به، لان الاقرار إخبار، وتعدد الخبر لا يقتضي تعدد المخبر عنه، فينزل على واحد، إلا إذا عرض ما يمنع من ذلك، فيحكم بالمغايرة. فإذا أقر لزيد يوم السبت بألف، ويوم الاحد بألف، لزمه ألف فقط، سواء وقع الاقراران في مجلس أو مجلسين، وسواء كتب به صحا وأشهد عليه شهودا على التعاقب، أو كتب صحا بألف وأشهد عليه، ثم كتب صكا (بألف) وأشهد عليه. ولو أقر في يوم بألف، وفي آخر بخمسمائة، دخل الاقل في الاكثر. ولو أقر يوم السبت بألف من ثمن عبد، ويوم الاحد بألف من ثمن جارية، أو قال مرة: صحاح، ومرة: مكسرة، لزمه

(4/40)


ألفان. وكذا لو قال: قبضت منه يوم السبت عشرة، ثم قال: قبضت منه يوم الاحد عشرة، أو طلقها يوم السبت طلقة، ثم قال: طلقتها يوم الاحد طلقتين، تعدد. ولو قال يوم السبت: طلقتها طلقة، ثم أقر يوم الاحد بطلقتين، لم يلزم إلا طلقتا ن. ولو أضاف أحد الاقرارين إلى سبب، أو وصف الدراهم بصفة، وأطلق الاقرار الآخر، نزل المطلق على المضاف، لامكانه. فرع لو شهد عدل أنه أقر يوم السبت بألف، أو بغصب دار، وشهد آخر أنه أقر يوم الاحد بألف، أو بغصب تلك الدار، لفقنا الشهادتين واعتبرنا الالف والغصب، لان الاقرار لا يوجب حقا بنفسه، وإنما هو إخبار عن ثابت، فينظر إلى المخبر عنه وإلى اتفاقهما على الاخبار عنه. وكذا لو شهد أحدهما على إقراره بألف بالعربية، والآخر على إقراره بألف بالعجمية. ولو شهد عدل أنه طلقها يوم السبت، وآخر أنه طلقها يوم الاحد، لم يثبت بشهادتهما شئ لانهما لا يتفقان على شئ، وليس هو إخبارا حتى ينظر إلى المقصود المخبر عنه. وقيل: في الاقرارين والطلاقين، قولان بالنقل والتخريج. قال الامام: أما التخريج من الطلاق إلى الاقرار، فقريب في المعنى وإن بعد في النقل، لان الشاهدين ليشهدا على شئ واحد، بل شهد هذا على إقرار، وذاك على إقرار آخر. والمقصود من اشتراط العدد في الشهادة، زيادة التوثق، وأما التخريج من الاقرار إلى الطلاق، فبعيد نقلا ومعنى، لان من طلق اليوم، ثم طلق غدا، والمرأة رجعية، وزعم أنه أراد طلقة واحدة، لم يقبل منه، فكيف يجمع بين شهادة شاهد على طلاق اليوم، وشاهد على طلاق الغد ؟ ! ويجري التخريج على ضعفه في سائر الانشاءات وفي الافعال، كالقتل، والقبض، وغيرهما. والمذهب: الاول، حتى لو شهد أحدهما أنه قذف يوم السبت بالعربية، والآخر أنه قذف يوم الاحد بالعجمية، لم يثبت بشهادتهما شئ. ولو شهد أحدهما على إقراره أنه يوم السبت قذفه، أو قذفه بالعربية، والآخر على إقراره أنه يوم الاحد قذفه بالعجمية، لم يلفق أيضا، لان المقر به شيئان مختلفان. ولو شهد عدل بألف من ثمن مبيع، وآخر بألف من قرض، أو شهد أحدهما بألف اقترضه يوم السبت، وآخر بألف اقترضه يوم الاحد، لم يثبت بشهادتهما شئ، لكن للمشهود له أن يعين أحدهما ويستأنف الدعوى به،

(4/41)


ويحلف مع الذي يشهد به، وله أن يدعيهما، ويحلف مع كل واحد من الشاهدين. ولو كانت الشهادة على الاقرار، فشهد أحدهما أنه أقر بألف من ثمن مبيع، وشهد الآخر أنه أقر بألف من قرض، لم يثبت الالف أيضا على الصحيح. ولو أدعى ألفا، فشهد أحدهما أنه ضمن الالف، والآخر أنه ضمن خمسمائة، ففي ثبوت خمسمائة قولان، وهذا قريب من التخريج في الانشاءات، أو هو هو. ولو شهد أحد شاهدي المدعى عليه أن المدعي استوفى الدين، والآخر أنه أبرأه، لم يلفق على المذهب. ولو شهد الثاني أنه برئ إليه منه، قال أبو عاصم العبادي: يلفق. وقيل: بخلافه. فرع ادعى ألفين، وشهد له عدل بألفين، وآخر بألف، ثبت الالف، وله أن يحلف مع الشاهد بألفين، ويأخذ ألفين. وكذا الحكم، لو كانت الشهادتان على الاقرار. ولو شهد أحدهما بثلاثين، والآخر بعشرين، ثبتت العشرون كالالف مع الالفين. وفي وجه ضعيف: لا تثبت، لان لفظ الثلاثين لا يشمل العشرين، ولفظ الالفين، يشمل الالف، فربما سمع أحدهما الالف، وغفل عن آخره. ولو ادعى ألفا، فشهد له عدل بألف، وآخر بألفين، فالثاني شهد بالزيادة قبل أن يستشهد. وفي مصيره بذلك مجروحا، وجهان. إن لم يصر مجروحا، فشهادته بالزيادة مردودة. وفي الباقي، قولا تبعيض الشهادة وقطع بعضهم بثبوت الالف، وخص الخلاف في التبعيض بما إذا اشتملت الشهادة على ما يقتضي الرد، كما إذا شهد لنفسه ولغيره. فأما إذا زاد على المدعى به، فقوله في الزيادة ليس شهادة، بل هو كما لو أتى بالشهادة في غير مجلس الحكم. وإن قلنا: يصير مجروحا، قال البغوي: يحلف مع شاهد الالف ويأخذه. وقال الامام: إنه على هذا الوجه: إنما يصير مجروحا في الزيادة، فأما الالف المدعى به، فلا حرج في الشهادة عليه، لكن إذا ردت الشهادة في الزائد، كانت الشهادة في المدعى به على قولي التبعيض. فإن لم نبعضها، فأعاد الشهادة بالالف، قبلت، لموافقتها الدعوى، ولا يحتاج إلى إعادة الدعوى على الاصح.
فصل في مسائل منثورة
إحداها: أقر بجميع ما في يده وينسب إليه،

(4/42)


صح. فلو تنازعا في شئ، هل كان في يده حينئذ ؟ فالقول قول المقر، وعلى الآخر البينة. ولو قال: ليس لي مما في يدي إلا ألف، صح وعمل بمقتضاه. ولو قال: لا حق لي في شئ مما في يد فلان، ثم ادعى شيئا وقا: لم أعلم كونه في يده يوم الاقرار، صدق بيمينه. الثانية: قال: لفلان علي درهم أو دينار، لزمه أحدهما، وطولب بتعيينه. وقيل: لا يلزمه شئ، وهو ضعيف جدا. الثالثة: قال: له علي ألف، أو على زيد أو على عمرو، لم يلزمه شئ. وكذا لو قال على سبيل الاقرار: أنت طالق، أو، لا، وإن ذكره في معرض الانشاء، طلقت، كما لو قال: أنت طالق طلاقا لا يقع عليك. الرابعة: قال: لزيد علي ألف درهم، وإلا فلعمرو علي ألف دينار، لزمه ألف درهم لزيد، وكلامه الآخر للتأكيد. الخامسة: الاقرار المطلق، ملزم، ويؤاخذ به المقر على الصحيح المعروف. وخرج وجه: أنه لا يلزم حتى يسأل المقر عن سبب اللزوم، لان الاصل براءة الذمة، والاقرار ليس موجبا في نفسه، وأسباب الوجوب مختلف فيها. وربما ظن ما ليس بموجب موجبا، وهذا كما أن الجرح المطلق لا يقبل، وكما لو أقر بأن فلانا، وارثه، لا يقبل حتى يبين جهة الارث. السادسة: قال: وهبت لك كذا وخرجت منه إليك، فالاصح، أن لا يكون مقرا بالاقباض، لجواز أن يريد الخروج منه بالهبة. وقال القفال والشاش: هو إقرار بالاقباض، لانه نسب إلى نفسه ما يشعر بالاقباض بعد العقد المفروغ منه. السابعة: أقر الاب بعين مال لابنه، فيمكن أن يكون مستند إقراره ما يمنع الرجوع، ويمكن أن يكون مستنده ما لا يمنع وهو الهبة، فهل له الرجوع ؟ وجهان. أحدهما: نعم، وبه أفتى القاضيان: أبو الطيب، والماوردي، تنزيلا (للاقرار) على أضعف الملكين، وأدنى السببين، كما ينزل على أقل المقدارين. والثاني: لا، قاله أبو عاصم العبادي، لان الاصل بقاء الملك للمقر له. ويمكن أن يتوسط فيقال:

(4/43)


إن أقر بانتقال الملك منه إلى الابن، فالامر على ما قال القاضيان، وإن أقر بالملك المطلق، فالامر كما قال العبادي. الثامنة: أقرفي صك بأنه لا دعوى له على زيد، ولا طلبة بوجه من الوجوه، ولا بسبب من الاسباب، ثم قال: إنما أردت به: في عمامته وقميصه، لا في داره وبستانه. قال القاضي أبو سعد بن أبي يوسف: هذا موضع تردد، والقياس قبوله، لان غايته تخصيص عموم، وهو محتمل. قلت: هذا ضعيف وفاسد. والصواب: أنه لا يقبل في ظاهر الحكم، لكن المختار أن له تحليف المقر له، أنه لا يعلم أنه قصد ذلك، ولعل هذا مراد القاضي. والله أعلم.
فصل المقر به المجهول، قد يعرف بغير تفسير المقر، بأن يحيله على معرف، وهو ضربان. أحدهما: أن يقول: له علي من الدراهم بوزن هذه الصنجة، أو بعدد المكتوب في كتاب كذا، أو بقدر ما باع به زيد عبده، وما أشبه ذلك، فيرجع إلى ما أحال عليه. الضرب الثاني: أن يذكر ما يمكن استخراجه بالحساب، فمن أمثلته: لزيد علي ألف إلا نصف ما لابنيه علي، ولابنيه علي ألف إلا ثلث ما لزيد علي. ولمعرفته طرق. أحدها: أن تجعل لزيد شيئا، وتقول: للابنين ألف إلا ثلث شئ، فيأخذ نصفه وهو خمسمائة إلا سدس شئ، وتسقطه من الالف، يبقى خمسمائة، وسدس شئ، وذلك يعدل الشئ المفروض لزيد، لانه جعل له ألفا إلا نصف ما لابنيه، فيسقط سدس شئ بسدس شئ، تبقى خمسة أسداس شئ في مقابلة خمسمائة، فيكون الشئ التام ستمائة، وهي ما لزيد. فإذا أخذت ثلثها وهو مائتان، وأسقطته من الالف، بقي ثمانمائة، وهي ما أقر به للابنين. الثاني: أن تجعل لزيد ثلاثة أشياء لاستثناء الثلث منه، وتسقط ثلثها من الالف المضاف إلى الابنين، فيكون لهما ألف ينقص شيئا، ثم يأخذ نصفه وهو خمسمائة

(4/44)


تنقص نصف شئ، وتزيده على ما فرضناه لزيد، وهو ثلاثة أشياء، يكون خمسمائة وشيئين ونصف شئ، وذلك يعدل ألف درهم، يسقط خمسمائة بخمسمائة، تبقى خمسمائة في مقابلة شيئين ونصف شئ، فيكون الشئ مائتين، وقد كان لزيد ثلاثة أشياء، فهو إذا ستمائة. الثالث: أن تقول: استثني من أحد الاقرارين النصف، ومن الآخر الثلث، فتضرب مخرج أحدهما في مخرج الآخر فيكون ستة، ثم تضرب في الجزء المستثنى من الاقرارين، وكلاهما واحد، فتضرب واحدا في واحد، يكون واحدا، ينقصه من الستة، تبقى خمسة تحفظها وتسميها: المقسوم عليه، ثم تضرب ما تبقى من مخرج كل واحد من الجزئين بعد إسقاطه في مخرج الثاني، وذلك بأن تضرب ما بقي من مخرج النصف بعد النصف، وهو واحد، في مخرج الثلث، وهو ثلاثة، تحصل ثلاثة، تضربها في الالف المذكور في الاقرار، يكون ثلاثة آلاف تقسمها على العدد المقسوم عليه، وهو خمسة يخرج نصيب الواحد ستمائة، فهي ما لزيد، وتضرب ما تبقى من مخرج الثلث بعد الثلث وهو اثنان، في مخرج النصف، وهو اثنان، يكون أربعة، تضربها في الالف، يكون أربعة آلاف تقسمها على الخمسة، تخرج ثمانمائة فهي ما للابنين. ولو قال لزيد علي عشرة إلا ثلثي ما لعمرو، ولعمرو عشرة إلا ثلاثة أرباع ما لزيد، تضر ب المخرج في المخرج، تكون اثني عشر، ثم تضرب أحد الجزئين في الآخر، وهو اثنان، في ثلاثة، تكون ستة، تسقطها من اثني عشر، تبقى ستة، ثم تضرب الباقي من مخرج الثلث بعد إخراج الثلثين، وهو واحد، في أربعة، ثم تضربها في العشرة المذكورة في الاقرار، تكون أربعين تقسمها على الستة، فتكون ستة وثلثين، وذلك ما أقر به لزيد، ثم تضرب واحدا وهو الباقي من مخرج الربع بعد إخراج الارباع الثلاثة في ثلاثة، تكون ثلاثة تضربها في العشرة يكون ثلثين تقسمها على الستة، تكون خمسة، وهو ما أقر به لعمرو. ولعلم أن الطريقين الاولين، ضربان مجربان في أمثال هذه الصور بأسرها. وأما الطريق الثالث، فإنه لا يطرد فيما إذا اختلف المبلغ المذكور في الاقرارين. ولو قال: لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو، ولعمرو ستة إلا ربع ما لزيد، كان مقرا لزيد بثمانية، ولعمرو بأربعة. ولو قال: لزيد عشرة إلا نصف ما لعمرو،

(4/45)


ولعمرو عشرة إلا ربع ما لزيد، كان مقرا لزيد بخمسة وخمسة أسباع، ولعمرو بثمانية وأربعة أسباع. ويتصور صدور كل إقرار من شخص، بأن يدعي على زيد وعمرو مالا، فيقول زيد: لك علي عشرة إلا نصف مالك على عمرو، ويقول عمرو: لك علي عشرة إلا ثلث مالك على زيد، وطريق الحساب لا يختلف.
الباب الثالث : في تعقيب الاقرار بما يغيره هو استثناء وغيره. فالثاني ينقسم إلى ما يرفعه بالكلية، وإلى غيره، والاول ينقسم إلى ما لا ينتظم لفظا، فيلغو، وإلى ما ينتظم، فإن كان مفصولا، لم يقبل، وإن كان موصولا، ففيه خلاف. والثاني: إن كان مفصولا، لا يقبل أيضا، وإن كان موصولا، ففيه خلاف بالترتيب، هذا حاصل الباب. وإذا مرت بك مسائله عرفت من أي قبيل هي. وأما الاستثناء، فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى، وفيه مسائل. إحداها: قال: لفلان علي ألف من ثمن خمرأو كلب أو خنزير، فإن وقع قوله: من ثمن خمر، مفصولا عن قوله: له ألف، لم يقبل، ولزمه الالف. وإن كان موصولا، فقولان. أحدهما: يقبل ولا يلزمه شئ، لان الكل كلام واحد، فيعتبر جملة ولا يبعض، فعلى هذا للمقر له تحليفه إن كان من ثم خمر. وأظهرهما عند العراقيين وغيرهم: لا يقبل، ويلزمه الالف، ويبعض إقراره فيعتبر أوله ويلغى آخره، لانه وصل به ما يرفعه، فأشبه قوله: ألف لا يلزمني. فعلى هذا لو قال المقر: كان من ثمن خمر، وظننته يلزمني، فله تحليف المقر له على نفيه. ويجري القولان فيما إذا وصل بإقراره ما ينتظم لفظه في العادة، ولكنه يبطل حكمه شرعا، بأن أضاف المقر به إلى بيع فاسد، كالبيع بثمن مجهول، وخيار مجهول. أو قال: تكفلت ببدن فلان بشرط الخيار، أو ضمنت لفلان كذا بشرط الخيار، وما أشبه ذلك، قال الامام: وكنت أود لو فصل فاصل بين أن يكون المقر جاهلا بأن ثمن الخمر لا يلزم، وبين أن يكون عالما، فيعذر الجاهل دون العالم، لكن لم يصر إليه

(4/46)


أحد من الاصحاب. أما إذا قدم الخمر فقال: له من ثمن خمر علي الالف، لا يلزمه شئ قطعا بكل حال. الثانية: قال: علي ألف من ثمن عبد لم أقبضه، إذا سلمه سلمت الالف، فطريقان. أحدهما: طرد القولين. ففي قول: يقبل ولا يطالب بالالف إلا بعد تسليم العبد. وفي قول: يؤاخذ بأول الاقرار. والطريق الثاني وهو الاصح: القطع بالقبول، لان المذكور آخرا هنا لا يرفع الاول، بخلاف ثمن الخمر. وعلى هذا، لو قال: علي ألف من ثمن عبد فقط، ثم قال: مفصولا عنه لم أقبض ذلك العبد، قبل أيضا، لانه علق الاقرار بالعبد، والاصل عدم قبضه. ولو اقتصر على قوله: لفلان علي ألف، ثم قال مفصولا: هو ثمن عبد لم أقبضه، لم يقبل. ولا فرق عندنا، بين أن يقول: علي ألف من ثمن هذا العبد، أو من ثمن عبد. الثالثة: قال: علي ألف قضيته، ففي قبوله القولان. وقيل: لا يقبل قطعا. ولو قال: كان لفلان علي ألف قضيته، قبل عند الجمهور. وقيل: على الطريقين. الرابعة: قال: علي ألف لا يلزمني، أو علي ألف أو، لا، لزمه الالف، لانه غير منتظم. قلت: هكذا رأيته في نسخ (من) كتاب الامام الرافعي علي الالف، أو، لا، وهو غلط. وقد صرح به صرح به صاحبا التهذيب والبيان: بأنه لا يلزمه في

(4/47)


هذه الصورة شئ، كما لو قال: أنت طالق، أو، لا، فإنه لم يجزم بالالتزام، وما يبعد أن يكون الذي في كتاب الرافعي تصحيفا من النساخ، أو تغييرا مما في التهذيب، فقد قال في التهذيب: لو قال: علي ألف، لا، فهو إقرار، وهذا صحيح، وقرنه في التهذيب بقوله: بألف لا يلزمني، وهو نظيره. ومعظم نقل الرافعي من التهذيب والنهاية، وكيف كان، فالصواب الذي يقطع به: أنه إذا قال: ألف أو، لا، فشئ عليه. والله أعلم. الخامسة: قال: له علي (ألف) إن شاء الله، لم يلزمه شئ على المذهب، وبه قطع الجمهور. وقيل: على القولين. ولو قال: علي ألف إن شئت، أو إن شاء فلان، فلا شئ عليه على المذهب. قال الامام: والوجه: طرد القولين. ولو قال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر، أو إذا قدم زيد، أطلق جماعة أنه لا شئ عليه، لان الشرط لا أثر له في إيجاب المال، والواقع لا يعلق بشرط. وذكر الامام وغيره: أنه على القولين. وكيف كان، فالمذهب أنه لا شئ عليه وهذا إذا أطلق، أو قال: قصدت التعليق. فإن قصد التأجيل، فسنذكره إن شاء الله تعالى. ولو قدم التعليق فقال: إن جاء رأس الشهر فعلي ألف، لم يلزمه قطعا، لانه لم توجد صيغة التزام جازمة. فإن قال: أردت التأجيل برأس الشهر، قبل. وفي التتمة وجه: أن مطلقه محمول على التأجيل برأس الشهر، وهو غريب، وبه قطع فيما إذا قال: علي ألف إذا جاء رأس الشهر. السادسة: قال: علي ألف مؤجل إلى وقت كذا، فإن ذكر الاجل مفصولا، لم يقبل. وإن وصله، قبل على المذهب. وقيل: قولان. وإذا لم يقبل، فالقول قول المقر له بيمينه في نفي الاجل. ثم موضع الخلاف، أن يقر مطلقا، أو مسندا إلى سبب يقبل التعجيل والتأجيل. أما إذا أسند إلى ما لا يقبل الاجل، فقال: أقرضنيه مؤجلا، فيلغو ذكر الاجل قطعا. وإن أسند إلى ما يلازمه الاجل، كالدية على العاقلة، فإن ذكره في صدر إقراره بأن قا: قتل أخي زيدا خطأ، ولزمني من ديته كذا مؤجلا إلى سنة انتهاؤها كذا، قبل قطعا. ولو قال: علي كذا من جهة تحمل العقل مؤجلا إلى كذا، فقولان. وقيل: يقبل قطعا. فرع قال: بعتك أمس كذا، فلم تقبل، فقال: بل قبلت، فعلى قولي

(4/48)


تبعيض الا قرار، إن بعضناه، صدق بيمينه في قوله: قبلت. وكذا لو قال لعبده: أعتقتك على ألف، فلم تقبل، أو لامرأته: خالعتك على ألف، فلم تقبلي، فقالا: قبلنا. فرع إذا قال له: أريد أن أقر الآن بما ليس علي لفلان علي ألف. أو قال: ما طلقت امرأتي وأريد أن أقر بطلاقها: قد طلقت امرأتي ثلاثا، قال الشيخ أبو عاصم: لا يصح إقراره، ولا شئ عليه. وقال صاحب التتمة: الصحيح، أنه يلزمه، كقوله: علي ألف لا يلزمني. السابعة: قال: لزيد علي ألف وزعم أنه وديعة، فله حالان. الاول: أن يذكره منفصلا، بأن أتى بألف بعد إقراره، وقال: أردت هذا وهو وديعة عندي، وقال المقر له، هو وديعة ولي عليك ألف آخر دينا، وهو الذي أردته بإقرارك، فهل القول قول المقر له، أو المقر ؟ فيه قولان. أظهرهما: الثاني وقيل به قطعا، لان قوله: علي، يحتمل أن يريد به: عندي، ويحتمل: إني تعديت فيها فصارت مضمونة علي، أو علي حفظها. ولو قال: علي ألف في ذمتي، أو دينا، ثم جاء بألف وفسر كما ذكرنا، لم يقبل على المذهب، والقول قول المقر له بيمينه، لان العين لا تثبت في الذمة. وقيل: في قبوله وجهان. ثم قال الامام: إذا قبلنا التفسير بالوديعة، قال الاصحاب: الالف مضمونة، وليس بأمانة، لان قوله: علي، تتضمن الالتزام. فإن ادعى تلف الالف الذي يزعم أنه وديعة، لم يسقط عنه الضمان، وإن ادعى رده، لم يقبل، لانه ضامن، وإنما يصدق الامين. وهذا الذي قاله الامام، مشكل دليلا ونقلا. أما الدليل، فلان لفظه علي، كما يجوز أن يراد بها مصيرها مضمونة لتعديه، فيجوز أن يريد: وجوب حفظها، ويجوز أن يريد عندي، كما سبق، وهذان لا ينافيان الامانة. وأما النقل، فمقتضى كلام غيره، أنه إذا ادعى تلفه بعد الاقرار، صدق، وقد صرح به صاحب الشامل في موضعين من الباب.

(4/49)


الحال الثاني: أن يذكره متصلا، فيقول: لفلان علي ألف وديعة، فيقبل على المذهب. وقال أبو إسحق: على قولين، كقوله: ألف قضيته. وإذا قبلنا فأتى بألف، وقال: هو هذا، قنع به، فإن لم يأت بشئ، وادعى التلف أو الرد، قبل على الاصح. وأما إذا قال: له معي أو عندي ألف، فهو مشعر بالامانة، فيصدق في قوله: إنه كان وديعة، وفي دعوى التلف والرد. ولو قال: له عندي ألف درهم مضاربة دينا أو وديعة دينا، فهو مضمون عليه، ولا يقبل قوله في دعوى الرد والتلف، نص عليه. ووجهوه بأن كونه دينا عبارة عن كونه مضمونا. فإن قال: أردت أنه دفعة إلي مضاربة أو وديعة بشرط الضمان، لم يقبل قوله، لان شرط الامانة لا يوجب الضمان، هذا إذا فسر منفصلا. فإن فسره متصلا، ففيه قولا تبعيض الاقرار. ولو قال: له عندي ألف عارية، فهو مضمون عليه، صححنا إعارة الدراهم أو أفسدناها، لان الفاسد كالصحيح في الضمان. ولو قال: دفع إلي ألفا، ثم فسره بوديعة، وادعى تلفها في يده، صدق بيمينه. وكذا لو قال: أخذت منه ألفا. وقال القفال في أخذت: لو ادعى المأخوذ منه أنه غصبه، صدق بيمينه في الغصب. والصحيح: أنه كقوله: دفع إلي. الثامنة: قال: هذه الدار لك عارية، فهو إقرار بالاعارة، وله الرجوع. وقال صاحب التقريب: قوله: لك إقرار بالملك، فذكر العارية بعده ينافيه، فيكون على قولي تبعيض الاقرار. والمذهب الاول. ولو قال: هذه الدار لك هبة عارية باضافة الهبة إلى العارية، أو هبة سكنى، فهو كما لو قال: لك عارية، بلا فرق. التاسعة: الاقرار بالهبة لا يتضمن الاقرار بقبضها على المذهب، وبه قطع الجمهور. وفي الشامل: فيه خلاف إذا كانت العين في يد الموهوب له، وقال: أقبضتني. ولو قال: وهبته وخرجت إليه منه، فقد سبق أن الاصح أنه ليس بإقرار بالقبض، وكذا لو قال: وهبت له وملكها، قاله البغوي. ولو أقر بالقبض، ثم ذكر لاقراره تأويلا أو لم يذكر، فهو كما ذكرنا في الرهن إذا قال: رهنت وأقبضت ثم عاد فأنكر. العاشرة: لو أقر ببيع أو هبة وقبض، ثم قال: كان ذلك فاسدا، أو أقررت لظني الصحة، لم يصدق، لكن له تحليف المقر له، فإن نكل، حلف المقر وحكم

(4/50)


ببطلان البيع والهبة. ولو أقر باتلاف مال (على إنسان) وأشهد عليه، ثم قال: كنت عازما على الاتلاف فقدمت الاشهاد على الاتلاف، لم يلتفت إليه، بخلاف ما لو أشهد عليه بدين ثم قال: كنت عازما على أن استقرض منه، فقدمت الشهادة على الاستقراض، قبل للتحليف، لان هذا معتاد، بخلاف ذاك. الحادية عشرة: أقر عجمي بالعربية وقال: لم أفهم معناه، لكن لقنت، صدق بيمينه إن كان ممن يجوز أن لا يعرفه. وكذا الحكم في جميع العقود والحلول. ولو ادعى أنه أقر وهو صبي أو مجنون، أو مكره، فقد سبق بيانه مع ما يتعلق به في آخر الباب الاول. الثانية عشرة: قال: غصبت هذه الدار من زيد، بل من عمرو، أو قال: غصبتها من زيد، وغصبها زيد من عمرو، أو قال: هذه الدار لزيد، بل لعمرو، سلمت الدار إلى زيد. وفي غرمه لعمرو، قولان. أظهرهما عند الاكثرين: يغرم. وفي الصورة الثالثة طريقة جازمة بأن لا غرم، لانه لم يقر بجناية في ملك الغير، بخلاف الاوليين. ثم قيل: القولان فيما إذا انتزعها الحاكم من يده وسلمها إلى زيد. فأما إذا سلمها بنفسه، فيغرم قطعا. وقيل: القولان في الحالين. قلت: الاصح طردهما في الحالين، قاله أصحابنا. ويجري الخلاف سواء وإلى بين الاقرار لهما، أم فصل بفصل قصير أو طويل. والله أعلم. فرع باع عينا وأقبضها واستوفى الثمن، ثم قال: كنت بعتها لفلان، أو غصبتها منه، لم يقبل قوله على المشتري. وفي غرمه للمقر إليه طريقان. أحدهما: طرد القولين. وأصحهما: القطع بالغرم، لانه فوت بتصرفه وتسليمه. ويبنى على هذا الخلاف، أن مدعي العين المبيعة، هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري ؟ إن قلنا: لو أقر، غرم القيمة، فله دعواها، وإلا،

(4/51)


فلا. ولو كان في يد إنسان عين، فانتزعها مدع بيمينه بعد نكول صاحب اليد، ثم جاء آخر يدعيها، هل له طلب القيمة من الاول ؟ إن قلنا: النكول ورد اليمين كالبينة، فلا، كما لو انتزع بالبينة. وإن قلنا: كالاقرار، ففي سماع دعوى الثاني عليه بالقيمة، الخلاف. فرع قال: غصبت هذه الدار من زيد، وملكها لعمرو، سلمت إلى زيد، لانه اعترف له باليد. والظاهر: أنه محق فيها، ثم تكون الخصومة في الدار بين زيد وعمرو، ولا تقبل شهادة المقر لعمرو، لانه غاصب. وفي غرامة المقر لعمرو، طريقان. أحدهما: طرد القولين. وأصحهما: القطع بأن لا غرم، لانه لا منافاة هنا بين الاقرارين، لجواز أن يكون الملك لعمرو، ويكون في يد زيد باجارة، أو رهن، أو وصية بالمنافع، فيكون الآخذ غاصبا منه. وفي المسألة الاولى الاقراران متنافيان. ولو أخر ذكر الغصب فقال: هذه الدار ملكها عمرو، وغصبتها من زيد، فوجهان. أصحهما: كالصورة الاولى، لعدم التنافي، فتسلم إلى زيد، ولا يغرم لعمرو. والثاني: لا يقبل إقراره باليد بعد الملك، فتسلم إلى عمرو. وفي غرمه لزيد القولان، هكذا أطلقوه وفيه مباحثة، لانا إذا غرمنا المقر في الصورة السابقة للثاني، فانما نغرمه القيمة، لانه أقر له بالملك، وهنا جعلناه مقرا باليد دون الملك، فلا وجه لتغريمه، بل القياس أن يسأل عن يده: أكانت باجارة أو رهن أو غيرهما ؟ فإن كانت باجارة، غرم قيمة المنفعة، وإن كانت رهنا، غرم قيمة المرهون ليتوثق به زيد، وكأنه أتلف المرهون. ثم إن استوفى الدين من موضع آخر، ردت القيمة عليه. فرع قال: غصبت هذه العين من أحدكما، طولب بالتعيين، فإذا عين أحدهما، سلمت إليه. وهل للثاني تحليفه ؟ يبنى على أنه لو أقر للثاني هل يغرم (له) ؟ إن قلنا: لا، فلا، وإلا، فنعم، لانه ربما يقر له إذا عرضت اليمين فيغرمه، فعلى هذا، إذا نكل ردت اليمين على الثاني، فإذا حلف، فليس له إلا القيمة. وقيل: إن قلنا: النكول ورد اليمين كالاقرار، فالجواب كذلك. وإن قلنا: كالبينة، نزعت الدار من الاول وسلمت إلى الثاني، ولا غرم عليه للاول. وعلى هذا، فله التحليف وإن قلنا: لا يغرم القيمة لو أقر للثاني طمعا في أن ينكل، فيحلف المدعي ويأخذ العين. أما إذا قال المقر: لا أدري من أيكما غصبت،

(4/52)


وأصر عليه، فإن صدقاه، فالعين موقوفة بينهما حتى تبين المالك أو يصطلحا. وكذا إن كذباه وحلف لهما على نفي العلم، هذا هو المذهب. قلت: ولو أقر أن الدار التي في تركة مورثه لزيد، بل لعمرو، سلمت إلى زيد، وفى غرمه لعمرو طريقان في الشامل والبيان وغيرهما. أحدهما: القولان. والثاني: القطع بأن لا غرم. والفرق، أنه هنا معذور لعدم كمال اطلاعه. والله أعلم.
فصل في الاستثناء
وهو جائز في الاقرار والطلاق وغيرهما، بشرط أن يكون متصلا، وأن لا يكون مستغرقا. فإن سكت بعد الاقرار، أو تكلم بكلام أجنبي عما هو فيه، ثم استثنى، لم ينفعه. قلت: هكذا قال أصحابنا، إن تخلل الكلام الاجنبي، يبطل الاستثناء. وقال صاحبا العدة والبيان: إذا قال: علي ألف - أستغفر الله - الامانة، صح الاستثناء عندنا، خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه. ودليلنا، أنه فصل يسير، فصار كقوله: علي ألف - يا فلان - الامانة، وهذا الذي نقلاه، فيه نظر. والله أعلم. ولو استغرق فقال: علي عشرة إلا عشرة، لم يصح، وعليه عشرة، ويجوز استثناء الاكثر، فإذا قال: علي عشرة إلا تسعة، أو سوى تسعة، لزمه درهم. فرع الاستثناء من الاثبات نفي، ومن النفي إثبات. فلو قال: علي عشرة إلا تسعة، إثمانية، لزمه تسعة. ولو قال: علي عشرة، إلا ثمانية، إلا سبعة، إلا ستة، إلا خمسة، إلا أربعة، إلا ثلاثة، إلا درهمين، إلا درهم، لزمه خمسة. وطريق هذا وما أشبهه، أن يجمع الاثبات ويجمع النفي، ويسقط النفي من الاثبات، فما بقي فهو الواجب. فالاعداد المثبتة هنا ثلاثون، والمنفية خمسة وعشرون. ثم معرفة المثبت، أن العدد المذكور أولا، إن كان شفعا،

(4/53)


فالاشفاع مثبتة، والاوتار منفية. وإن كان وترا، فبالعكس، وشرطه أن تكون الاعداد المذكورة على التوالي المعتاد، إذ يتلو كل شفع وترا، وبالعكس. فرع قال: ليس لفلان علي شئ إلا خمسة، لزمه خمسة. ولو قال: ليس علي عشرة إلا خمسة، لم يلزمه شئ على الصحيح الذي قاله الاكثرون، لان العشرة إلا خمسة، خمسة، فكأنه قال: ليس علي خمسة. وفي وجه: يلزمه خمسة، حكاه في النهاية بناء على أن الاستثناء من النفي إثبات. فرع إذا أتى باستثناء بعد استثناء، والثاني مستغرق، صح الاول، وبطل الثاني. مثاله: علي عشرة، إلا خمسة، إلا عشرة، أو (عشرة) إلا خمسة، إلا خمسة، لزمه خمسة. وإن كان الاول مستغرقا دون الثاني، كقوله: عشرة، إلا عشرة، إلا أربعة، فأوجه. أحدها: يلزمه عشرة ويبطل الاستثناء الاول، لاستغراقه، ويبطل الثاني، لانه من باطل، والثاني: يلزمه أربعة ويصح الاستثناءان، لان الكلام إنما يتم بآخره. قال في الشامل: وهذا أقيس. والثالث: يلزمه ستة، لان الاستثناء الاول باطل، والثاني يرجع إلى الكلام. ولو قال: عشرة، إلا عشرة، إلا خمسة، لزمه على الوجه الاول عشرة، وعلى الآخرين خمسة. هذا إذا لم يكن في الاستثناءين عطف، فإن كان، بأن قال: عشرة إلا خمسة، وإلا ثلاثة، أو عشرة إلا خمسة وثلاثة، فهما جميعا مستثنيان من العشرة، فلا يلزمه إلا درهمان قطعا، فإن كان العددان لو جمعا استغرقا، بأن قال: عشرة إلا سبعة وثلاثة، فهل يلزمه عشرة لكون الواو تجمعهما فيقتضي الاستغراق ؟ أم يختص الثاني بالبطلان فيلزمه ثلاثة لان الاول صح استثناؤه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. وفي وجه ثالث: يفرق بين قوله: عشرة إلا سبعة وثلاثة، وبين قوله: عشرة إلا سبعة وإلا ثلاثة، ويقطع في الصورة الثانية بالبطلان. ومهما (كان) في المستثنى أو المستثنى منه عددان معطوف أحدهما على الآخر، ففي الجمع بينهما وجهان، كما في الصورة السابقة. أصحهما، وهو المنصوص في الطلاق، وبه قطع الاكثرون: لا يجمع.

(4/54)


مثاله: علي درهمان ودرهم إلا درهما، إن لم نجمع، لزمه ثلاثة، وإلا درهمان. ولو قال: ثلاثة إلا درهمين ودرهما، فإن لم نجمع، لزمه درهم، وصح استثناء الدرهمين. وإن جمعنا، فثلاثة ويصير مستغرقا. ولو قال: ثلاثة إلا درهما ودرهمين، فإن لم نجمع، لزمه درهمان وصح استثناء الدرهمين. وإن جمعنا، فثلاثة. ولو قال: درهم ودرهم ودرهم إلا درهما ودرهما ودرهما، لزمه ثلاثة على الوجهين. وحكم هذه الصورة في الطلاق، حكمها في الاقرار. فرع قال: علي عشرة إلا خمسة، أو ستة، قال المتولي: يلزمه أربعة، لان الدرهم الزائد مشكوك فيه، فصار كقوله: علي خمسة أو ستة، فإنه يلزمه خمسة. ويمكن أن يقال: يلزمه خمسة، لانه أثبت عشرة، واستثنى خمسة، وشككنا في استثناء الدرهم السادس. قلت: الصواب، قول المتولي، لان المختار أن الاستثناء بيان ما لم يرد بأول الكلام، لانه إبطال ما أثبت. والله أعلم. فرع قال: علي درهم غير دانق، فمقتضى النحو وبه قال أصحابنا: أنه إن نصب غير، فعليه خمسة دوانق، لانه استثناء، وإلا، فعليه درهم تام، إذ المعنى: درهم، لا دانق. وقال الاكثرون: السابق إلى فهم أهل العرف منه الاستثناء، فيحمل عليه وإن أخطأ في الاعراب. فرع الاستثناء من غير الجنس، صحيح، كقوله: ألف درهم إلا ثوبا أو عبدا، ثم عليه أن يبين ثوبا لا يستغرق قيمته الالف. فإن استغرق، فالتفسير لغو. وفي الاستثناء وجهان. أصحهما: يبطل ويلزمه الالف لانه بين ما أراد بالاستثناء، فكأنه يلفظ به وهو مستغرق. والثاني: لا يبطل، لانه صحيح من حيث اللفظ. وإنما الخلل في تفسيره، فيقال: فسره بتفسير صحيح.

(4/55)


فرع يصح استثناء المجمل من المجمل، والمجمل من المفصل، وبالعكس. فالاول، كقوله: ألف إلا شيئا، فيبين الاف جنس أولا، ثم يفسر الشئ بما لا يستغرق الالف الذي بينه. والثاني: كقوله: عشرة دراهم إلا شيئا، يفسر الشئ بما لا يستغرق العشرة. والثالث: كقوله: شئ إلا درهما، يفسر الشئ بما يزيد على درهم وإن قل. وكذا لو قال: ألف إلا درهما، ولا يلزمه أن يكون الالف دراهم. ومهما بطل التفسير في هذه الصور، ففي بطلان الاستثناء الوجهان. وإن اتفق لفظ المستثنى والمستثنى منه. كقوله: شئ إلا شيئا، أو: قال: مال إلا مالا، حكى الامام عن القاضي فيه وجهين. أحدهما: يبطل الاستثناء، كقوله: عشرة إلا عشرة. والثاني: لا، لوقوعه (على) القليل والكثير، فلا يمتنع حمل الثاني على أقل متمول، ويحمل الاول على الزائد على أقل متمول. قال الامام: وفي هذا التردد غفلة، لانا إن ألغينا الاستثناء، اكتفينا بأقل متمول. وإن صححناه، ألزمناه أيضا أقل متمول، فيتفق الوجهان. ويمكن أن يقال: حاصل الجواب، لا يختلف، لكن فيه فائدة، لانا إن أبطلنا، طالبناه بتفسير الاول فقط. وإن صححنا، طالبناه بتفسيرهما، وله آثار الامتناع من التفسير، وكون التفسير الثاني غير صالح للاستثناء من الاول، وما أشبه ذلك. فرع الاستثناء من المعين، صحيح، كقوله: هذه الدار لزيد إلا هذا البيت، أو هذا القميص إلا كمه، أو هذه الدراهم إهذه الدراهم، أو هذا القطيع إلا هذه الشاة، أو هذا الخاتم إلا هذا الفص، ونظائره. وفي وجه شاذ: لا يصح، لان الاستثناء المعتاد إنما يكون من المطلق لا من المعين، والاول هو الصحيح المنصوص، وعليه التفريع. ولو قال: هؤلاء العبيد لفلان إلا واحدا، صح ورجع إليه في التعيين. فإن ماتوا إلا واحدا فقال: هو الذي أردت بالاستثناء، قبل قوله بيمينه على الصحيح، لانه محتمل. وقيل: لا يقبل، للتهمة، وهو شاذ متفق على ضعفه. ولو قال: غصبتهم إلا واحدا، فماتوا إلا واحدا. فقال: هو المستثنى، قبل بلا خلاف. وكذا لو قتلوا في الصورة الاولى إلا واحدا، لان حقه

(4/56)


ثبت في القيمة. ولو قال: هذه الدار لفلان، وهذا البيت منها لي، وهذا الخاتم له، وفصه لي، قبل، لانه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ، فكان كالاستثناء.
فصل في مسائل تتعلق بالاقرار وإن كان بعضها أجنبيا إحداها: في يده جارية، فقال رجل: بعتكها بكذا وسلمتها، فأد الثمن. فقال: بل زوجتنيها بصداق كذا وهو علي، فله حالان. أحدهما: أن يجري التنازع قبل أن يولدها صاحب اليد، فيحلف كل واحد منهما على نفي ما يدعى عليه، فإن حلفا، سقطت دعوى الثمن والنكاح، ومهر سواء دخل بها صاحب اليد، أم لا، لانه وإن أقر بالمهر لمن كان مالكا، فهو منكر له، وتعود الجارية إلى المالك. ثم أحد الوجهين، أنها تعود إليه كعود المبيع إلى البائع، لافلاس المشتري بالثمن. والثاني: تعود بجهة أنها لصاحب اليد بزعمه، وهو يستحق عليه الثمن، وقد ظفر بغير جنس حقه. فعلى هذا، يبيعه ويستوفي حقه من ثمنها. فإن فضل شئ، فهو لصاحب اليد، ولا يحل له وطؤها. وعلى الاول: يحل وطؤها والتصرف، ولا بد من التلفظ بالفسخ. وإن حلف أحدهما فقط، نظر، إن حلف مدعي الثمن على نفي التزويج، ونكل صاحب اليد عن اليمين على نفي الشراء، حلف المدعي اليمين المردودة على الشراء، ووجب الثمن. وإن حلف صاحب اليد على نفي الشراء ونكل الآخر عن اليمين على نفي التزويج، حلف صاحب اليد اليمين المردودة على النكاح، وحكم له بالنكاح، وبأن رقبتها للآخر. ثم لو ارتفع النكاح بطلاق أو غيره، حلت للسيد في الظاهر. وكذا في الباطن إن كان كاذبا. وعن القاضي حسين: أنه إذا نكل أحدهما عن اليمين المعروضة عليه، اكتفى من الثاني بيمين واحدة يجمع فيها بين النفي والاثبات. والصحيح الاول. الحال الثاني: أن يولدها صاحب اليد، فالولد حر، والجارية أم ولد له باعتراف المالك القديم، وهو يدعي الثمن، فيحلف صاحب اليد على نفيه. فإن حلف على نفي الشراء، سقط عنه الثمن المدعى. وهل يرجع المالك عليه بشئ ؟ وجهان. أحدهما: يرجع بأقل الامرين من الثمن والمهر، لانه يدعي الثمن، وصاحب اليد مقر له بالمهر، فالاقل منهما متفق عليه، والثاني: لا يرجع بشئ،

(4/57)


لان صاحب اليد أسقط الثمن عن نفسه بيمينه، والمهر الذي يقر به لا يدعيه الآخر، فلا يمكن من المطالبة. وهل لصاحب اليد تحليف المالك على نفي الزوجية بعدما حلف على نفي الشراء ؟ وجهان. أحدهما: لا، لانه لو ادعى ملكها وتزويجها بعد اعترافه بأنها أم ولد للآخر، لم يقبل، فكيف يحلف على ما لو أقر به لم يقبل ؟ ! والثاني: نعم، طمعا في أن ينكل فيحلف ويثبت له النكاح. ولو نكل صاحب اليد (عن اليمين) على نفي الشراء، حلف المالك القديم اليمين المردودة. وعلى كل حال، فالجارية مقررة في يد صاحب اليد، فإنها أم ولده أو زوجته، وله وطؤها في الباطن. وفي الحل ظاهرا، وجهان. أصحهما: تحل. ووجه المنع: أنه لا يدري، أيطأ زوجته أم مملوكته ؟ وإذا اختلفت الجهة، وجب الاحتياط للبضع، ونفقتها على صاحب اليد إن جوزنا له الوطئ، وإلا، فقولان. أحدهما: على المالك القديم، لانها كانت عليه. وأظهرهما: أنها في كسب الجارية. فإن لم يكن كسب، ففي بيت المال. ولو ماتت الجارية قبل موت المستولد، ماتت قنة، وللمالك القديم أخذ القيمة ممتركته من أكسابها، وما فضل، فموقوف لا يدعيه أحد. وإن ماتت بعد موت المستولد، ماتت حرة، ومالها لوارثها بالنسب. فإن لم يكن، فهو موقوف، لان الولاء لا يدعيه واحد منهما، وليس للمالك القديم أخذ الثمن من تركتها، لان الثمن بزعمه على المستولد وهي قد عتقت بموته، فلا يؤدي دينه مما جمعته بعد الحرية. هذا كله فيما إذا أصر على كلاميهما. أما إذا رجع المالك القديم، وصدق صاحب اليد، فلا يقبل في رد حرية الولد وثبوت الاستيلاد، وتكون أكسابها له مادام المستولد حيا. فإذا مات، عتقت وكانت أكسابها لها. ولو رجع المستولد، وصدق المالك القديم، لزمه الثمن وكان ولاؤها له. المسألة الثانية: إقرار الورثة على الميت بالدين والعين مقبول. فلو أقر بعضهم بدين، وأنكر بعضهم، فقولان. القديم: أن على المقر قضاء جميع الدين من حصته من التركة إن وفى به، وإلا، فيصرف جميع حصته إليه، لانه إنما يستحق بعد قضاء الدين. والجديد: أنه لا يلزمه إلا بقسط حصته من التركة. فعلى الجديد: لو مات المنكر وورثه المقر، فهل يلزمه الآن جميع الدين المقر به ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لحصول جميع التركة فيده. ويتفرع على القولين فرعان.

(4/58)


أحدهما: لو شهد بعض الورثة بدين على المور ث. إن قلنا: لا يلزمه بالاقرار إلا حصته، قبلت شهادته، وإلا، فلا، لانه متهم. وسواء كانت الشهادة بعد الاقرار أو قبله. الثاني: كيس في يد رجلين فيه ألف. قال أحدهما لثالث: لك نصف ما في هذا الكيس، فهل يحمل إقراره على النصف المضاف إليه، أم على نصف ما في يده، وهو الربع ؟ وجهان بناء على القولين. قلت: أفقههما: الاول. والله أعلم. المسألة الثالثة: مات عن ابنين، فأقر أحدهما بأن أباه أوصى لزيد بعشرة، فهو كما (لو) أقر عليه بدين، فعلى القديم: تتعلق كل العشرة بثلث نصيبه. وعلى الجديد: يتعلق نصف العشرة بثلث نصيبه. ولو أقر أحدهما أنه أوصى بربع ماله، وأنكر الآخر، فعلى المقر أن يدفع إلى الموصى له ربع ما في يده. ولو أقر أنه أوصى بعين من أعيان أمواله، نظر، إن لم يقسما التركة، فنصيب المقر من تلك العين يصرف إلى الموصى له، والباقي، للمنكر. وإن اقتسماهما، نظر، إن كانت تلك العين في يد المقر، لزمه دفعها إلى الموصى له، وإن كانت في يد المنكر، فللموصى له أخذ نصف القيمة من المقر، لانه فوته عليه بالقسمة. ولو شهد المقر للموصى له، قبلت شهادته، ويغرم للمشهود عليه نصف قيمة العين، كما لو خرج بعض أعيان التركة مستحقا. الرابعة: قال لعبده: أعتقتك على ألف، فطالبه بالالف، فأنكر العبد وحلف، سقطت دعوى المال، وحكم بعتق العبد، لاقراره، وكذا لو قال: بعتك نفسك إذا صححنا هذا التصرف، وهو الصحيح. ولو قال لولد عبده: بعتك والدك بكذا، فأنكر، فكذلك، لاعترافه بمصيره حرا بالملك. الخامسة: قال: لفلان عندي خاتم، ثم جاء بخاتم، فقال: هو هذا الذي أقررت به، فنص في موضع أنه يقبل منه ذلك وعليه تسليمه إلى المقر له. وقال في موضع آخر: لا يلزم التسليم. قال الاصحاب: الاول محمول على ما إذا صدقه المقر له. والثاني: على ما إذا قال: الذي أقررت به غيره وليس هذا لي، فلا يسلم ما جاء به إليه. والقول قول المقر في نفي غيره. السادسة: قال: لي عليك ألف ضمنته، فقال: ما ضمنت شيئا، ولكن لك

(4/59)


علي ألف من قيمة متلف، لزم الالف الاصح. قلت: ومما يتعلق بالباب، ما ذكره القاضي أبو الطيب في آخر كتاب الغصب: ولو أقر بدار مبهمة ولم يعينها حتى ما ت، قام وارثه مقامه في التعيين. فإن عينها فذاك، وإن لم يعين، طولب بالتعيين، فإن امتنع، كان للمقر له أن يعين. فإن عين وصدقه الوارث، فذاك، وإلا، فله أن يحلف أنها ليست المقر بها، فإن حلف، طولب بالتعيين، فإن امتنع، حبس حتى يعين. قال القاضي أيضا في اخر الغصب: لو باع دارا ثم ادعى أنها كانت لغيره باعها بغير إذنه، وهي ملكه إلى الآن، وكذبه المشتري، وأراد أن يقيم بينة بذلك، فإن قال: بعتك ملكي أو داري أو نحو ذلك، مما يقتضي أنها ملكه، لم تسمع دعواه، وإلا، سمعت. قال الشاشي: لو قال: غصبت داره، ثم قال: أردت دارة الشمس والقمر، لم يقبل على الصحيح. ولو باع شيئا بشرط الخيار، ثم ادعاه رجل، فأقر البائع في مدة الخيار أنه ملك المدعي، صح إقراره وانفسخ البيع، لان له الفسخ، بخلاف ما لو أقر بعد لزوم البيع، فإنه لا يقبل، لعجزه عن الفسخ. ولو أقر بثياب بدنه لزيد، قال القاضي حسين في الفتاوى: يدخل فيه الطيلسان والدواج وكل ما يلبسه. ولا يدخل فيه الخف، والمراد بالدواج: اللحاف. ومقتضى كلام القاضي هذا، أنه يدخل فيه الفروة فإنها مما يلبسه، ولا شك في دخولها. وإنما نبهت عليه، لئلا يتشكك فيها. وكذلك الحكم لو أوصى بثياب بدنه. ولو كتب على قرطاس: لفلان علي كذا، لم يكن إقرارا، وكذا الاشهاد عليه لا يكون إلا بالتلفظ، قاله القاضي حسين. والله أعلم.

(4/60)


الباب الرابع : في الاقرار بالنسب يشترط في المقر بالنسب، أن يكون بالصفات المعتبرة في سائر المقرين كما سبق. ثم لا يخلو، إما أن يلحق النسب بنفسه، وإما بغيره.
القسم الاول : أن يلحقه بنفسه، فيشترط فيه أمور. الاول: أن لا يكذبه الحس، فيكون ما يدعيه ممكنا. فلو كان في سن لا يمكن أن يكون ولدا للمستلحق، فلا اعتبار بإقراره. فلو قدمت امرأة من بلاد الكفر ومعها صبي، وادعاه مسلم، لحقه إن احتمل أنه خرج إليها، أو أنها قدمت إليه قبل ذلك، وإلا، لم يلحقه. الثاني أن لا يكون المقر به مشهور النسب من غيره، سواء صدقه المقر به أم كذبه. الثالث: أن يصدقه المقر به إن كان معتبر التصديق. فإن استلحق بالغا فلم يصدقه، لم يثبت النسب إلا ببينة، فإن لم تكن بينة، حلف المدعي، فإن حلف سقطت دعواه، وإن نكل، حلف المدعي وثبت نسبه. وكذا لو قال رجل لرجل: أنت أبي، فالقول قول المنكر بيمينه. أما إذا استلحق صغيرا، فيثبت نسبه حتى يرث منه الصغير لو مات، ويرث هو الصغير إن مات. وإن استلحق صغيرا، فلما بلغ كذبه، فوجهان. أحدهما: يندفع النسب. وأصحهما: لا يندفع، لان النسب يحتاط له فلا يندفع بعد ثبوته كالثابت بالبينة. فعلى هذا لو أراد المقر له تحليفه، قال ابن الصباغ: ينبغي أن لا يمكن، لانه لو رجع، لم يقبل، فلا معنى لتحليفه. ولو استلحق مجنونا، فأفاق وأنكر، فعلى الوجهين. ولو استلحق صبيا بعد موته،

(4/61)


لحقه، سواء كان له مال، أم لا، ولا ينظر إلى التهمة بطلب المال، بل يرثه، لان أمر النسب مبني على التغليب، ولهذا يثبت بمجرد الامكان، حتى لو قتله ثم استلحقه بعد موته، قبل منه وحكم بسقوط القصاص. وإن كان الميت بالغا، فوجهان، لان شرط لحوق البالغ تصديقه، ولا تصديق بعد الموت، ولان تأخيره ربما كان خوفا من إنكاره. والاكثرون على أنه يلحقه كالصغير. ومنعوا كون التصديق شرطا على الاطلاق، بل هو شرط إذا كان المقر به أهلا للتصديق، ولا اعتبار بالتهمة كما سبق. ويجري الوجهان فيما إذا استلحق مجنونا طرأ جنونه بعد ما بلغ عاقلا. فرع إذا ازدحم جماعة على الاستلحاق، نظر، إن كان المقر به بالغا، ثبت نسبه ممن صدقه، فإن كان صبيا، لم يلحق بواحد منهما، بل حكمه ما نذكره في باب اللقيط إن شاء الله تعالى. فإذا عدم زحمة الغير، شرط رابع في الصغير. هذا كله إذا كان المقر به ذكرا حرا. فأما استلحاق المرأة والعبد، فسيأتيان في باب اللقيط إن شاء الله تعالى. فرع إذا استلحق عبد الغير، أو معتقه، لم يلحق إن كان صغيرا، محافظة على حق الولاء للسيد، بل يحتاج إلى البينة. وإن كان بالغا وصدقه، فوجهان. ولو استلحق عبدا في يده، فإن لم يوجد الامكان، بأن كان أكبر سنا منه، لغا قوله. وإن وجد، فإن كان مجهول النسب، لحقه إن كان صغيرا، وحكم بعتقه. وكذا إن كان بالغا وصدقه. وإن كذبه، لم يثبت (النسب). وفي العتق، وجهان. وكذا إن كان المقر به معروف النسب من غيره. فرع استلحق بالغا عاقلا، فوافقه، ثم رجعا، قال ابن أبي هريرة: يسقط النسب، كما لو أقر بمال ورجع وصدقه المقر له. وقال الشيخ أبو حامد: لا يسقط، لان النسب المحكوم بثبوته لا يرتفع بالاتفاق، كالثابت بالفراش.

(4/62)


فصل له جارية ذات ولد، فقال: هذا ولدي من هذه الجارية، ثبت نسبه عند الامكان. وفي كون الجارية أم ولد، قولان. ويقال: وجهان. أظهرهما عند الشيخ أبي حامد وجماعة: نعم. وأشبههما بالقاعدة، وأقربهما إلى القياس: لا، لاحتمال أنه أولدها بنكاح ثم ملكها. ولو قال: ولدي استولدتها به في ملكي، أو علقت به في ملكي، انقطع الاحتمال، وكانت أم ولد قطعا. وكذا لو قال: هذا ولدي منها، وهي في ملكي من عشر سنين، وكان الولد ابن سنة. وهذا كله إذا لم تكن الامة مزوجة، ولا فراشا له، أما إذا كانت مزوجة، فلا ينسب الولد إلى السيد، ولا أثر لاستلحاقه، للحوقه بالزوج. وإن كانت فراشا له، فإن أقر بوطئها، لحقه الولد بالفراش، لا بالاقرار، فلا يعتبر فيه إلا الامكان. ولا فرق في الاستلحاق بالاستيلاد، بين أن يكون في الصحة، أو في المرض، لان إنشاءه نافذ في الحالين. فرع له أمتان، لكل واحدة ولد، فقال: أحدهما ولدي، فللامتين أحوال. أحدها: أن لا تكون واحدة منهما مزوجة ولا فراشا للسيد، فيؤمر بالتعيين كما لو أقر بطلاق إحدى المرأتين، فإذا عين أحدهما، ثبت نسبه وكان حرا وورثه. وهل تصير أمه أم ولد ؟ ينظر، إن لم يزد على استلحاقه، فقولان كما قدمناه، وإن صرح بأنه استولدها به في ملك اليمين، صارت أم ولد له، وإن صرح بأنه استولدها في النكاح، لم تصر، وإن أضافه إلى وطئ شبهة، فقولان. وإن قال: استولدتها بالزنا مفصولا على الاستلحاق، لم يقبل، وكانت أمية الولد على القولين فيما إذا أطلق الاستلحاق، وإن وصله باللفظ، قال البغوي: لا يثبت النسب ولا أمية الولد، وينبغي أن يخرج على قولي تبعيض الاقرار. ولو ادعت الامة الاخرى أن ولدها هو الذي استلحقه، وأنها المستولدة، فالقول قول السيد مع يمينه. وكذا لو بلغ الولد وادعى، فإن نكل السيد، حلف المدعي وقضي بمقتضى يمينه. ولو مات السيد قب التعيين، قام وارثه مقامه في التعيين، وحكم تعيينهم حكم تعيينه في النسب والحرية، والارث، وتكون أم المعين مستولدة إن ذكر السيد ما يقتضي ثبوت الاستيلاد، وإلا سئلوا، وحكم بيانهم حكم بيان المورث. فإن قالوا: لا نعلم كيف

(4/63)


استولد، فعلى الخلاف فيما إذا أطلق الاستلحاق. وإذا لم يكن وارث، فهو كما لو أطلق الاستلحاق. ويجوز ظهور الحال للقائف مع موت المستلحق، بأن كان رآه، أو يرى قبل الدفن، أو يرى عصبته فيجد الشبه. فإن عجز عن الاستفادة بالقائف لعدمه، أو لالحاقه الولدين به، أو نفيهما، أو أشكل الامر عليه، أقرعنا بينهما ليعرف الحر منهما، ولا ينتظر بلوغهما لينتسبا، بخلاف ما لو تنازع اثنان في ولد، ولاقائف، لان الاشتباه هنا في أن الولد أيهما ؟ فلو اعتبرنا الانتساب، ربما انتسب جميعا إليه، فدام الاشكال، ولا يحكم لمن خرجت قرعته بالنسب والميراث، لان القرعة لا تعمل فيهما. وهل يوقف نصيب ابن، بين من خرجت قرعته، وبين الآخر ؟ وجهان يأتي قريبا بيانهما. وأما الاستيلاد، فهو على التفصيل السابق، فإن لم يوجد من السيد ما يقتضيه، لم يثبت، وإن وجد، فهل تحصل أمية الولد في أم ذلك الولد بخروج القرعة ؟ وجهان. أصحهما عند الامام: لا تحصل. والثاني: تحصل، وب‍ قطع الاكثرون. فرع حيث ثبت الاستيلاد، فالولد حر الاصل. لا ولاء عليه، وحيث لا يثبت، فعليه الولاء إلا إذا وطئ نسبه إلى شبهة وقلنا: لا تصير أم ولو إذا ملكها. وإذا لم يثبت الاستيلاد ومات السيد، ورث الولد أمه وعتقت عليه. هذا إذا تعين، لا بالقرعة. وإن كان معه وارث آخر، عتق نصيبه ولم يشتر. الحال الثاني: إذا كانت الامتان مزوجتين، لم يقبل قول السيد، وولد كل أمة ملحق بزوجها. وإن كانتا فراشا للسيد، بأن كان أقر بوطئها، لحقه الولدان بالفراش. الحال الثالث: كانت إحداهما مزوجة، لم يتعين إقراره في الاخرى، بل يطالب بالتعيين. فإن عين في ولد الاخرى، قبل وثبت نسبه، وإن كانت إحداهما فراشا له، لم يتعين اقراره في ولدها، بل يؤمر بالتعيين، فإن عين في ولد الاخرى، لحقه بالاقرار، والولد الآخر يلحق به بالفراش. فرع له أمة لها ثلاثة أولاد. قال: أحد هؤلاء ولدي، ولم تكن مزوجة ولا فراشا للسيد قبل ولادتهم، طولب بالتعيين، فمن عينه منهم، فهو نسيب حر وارث، والقول في الاستيلاد على التفصيل الذي مر. ثم إن كان المعين الاوسط، فالاكبر

(4/64)


رقيق، وأمر الاصغر مبني على استيلاد الامة، فإن لم نجعلها مستولدة، فهو رقيق. وإن جعلناها، نظر، إن لم يدع الاستبراء بعد الاوسط، فقد صارت فراشا له بالاوسط، فيلحقه الاصغر ويرثه على الصحيح. وقيل: لا يلحقه، بل له حكم الام، يعتق بموت السيد. وإن ادعى الاستبراء، بني على أ ن نسب ملك اليمين، هل ينتفي به ؟ إن قلنا: ينتفي، لم يلحقه الاصغر، وفي حكمه وجهان. أصحهما: أنه كالام يعتق بموت السيد، لانه ولد أم ولد. والثاني: يكون قنا، لان ولد أم الولد قد تكون كذلك، كما لو أحبل الراهن المرهونة وقلنا: لا تصير أم ولد، فبيعت في الحق وولدت أولادا ثم ملكها وأولادها، فإنها تحكم بأنها أم ولد له على الصحيح، والاولاد أرقاء لا يأخذون حكمها على الصحيح. وقيل: يأخذون. ولو مات السيد قبل التعيين، عين وارثه، فإن لم يكن وارث، أو قال: لاأعرف، عرضوا على القافة ليعين، والحكم على التقديرين، كما لو عين السيد. فإن تعذرت معرفة القائف، فالنص أنه يقرع بينهم ليعرف الحرية. وثبوت الاستيلاد، على التفصيل السابق. واعترض المزني بأن الاصغر حر بكل حال عند موت السيد، لانه المقر به، أو ولد أم ولد. وولد أم الولد، يعتق بموت السيد، إذا كان حرا بكل حال، لم يدخل في القرعة، لانها ربما خرجت على غيره فيلزم ارقا قه. واختلف الاصحاب في الجواب، فسلم بعضهم حريته وقالوا: دخوله في القرعة إنما هو لرق غيره، ويعتق هو إن خرجت قرعته، ومنعها آخرون، بناء على أن ولد أم الولد يجوز أن يكون رقيقا، والاول: أصح. وحكي وجه: أن الصغير يخرج عن القرعة، وهو شاذ ضعيف. فإذا أقرعنا فخرجت القرعة لواحد، فهو حر، والمذهب: أن النسب والميراث لا يثبتان كما ذكرنا في المسألة الاولى. وقال المزني: الا صغر نسيب بكل حال، وأبطل الاصحاب قوله، لكن الحق المطابق لما سبق، أن يفرق بين ما إذا كان السيد قد ادعى الاستبراء قبل ولادة الاصغر، وبين ما إذا لم يدع. ويوافق المزني في الحالة الثانية. وإذا ثبت النسب، ثبتت الحرية قطعا. وحيث لا يثبت النسب، فهل يوقف الميراث ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور: لا، لانه إشكال وقع اليأس من زواله، فأشبه غرق المتوارثين. والثاني: بلى كما لو طلق إحدى امرأتيه ومات قبل البيان.
القسم الثاني : أن يلحق النسب بغيره، كقوله: هذا أخي ابن أبي وابن أمي،

(4/65)


أو يقر بعمومة غيره، فيكون ملحقا للنسب بالجد، ويثبت النسب بهذا الالحاق بالشروط المتقدمة فيما إذا ألحق بنفسه، وبشروط أخر. إحداها: أن يكون الملحق به ميتا، فما دام حيا، ليس لغيره الالحاق به وإن كان مجنونا. الثانية: أن لا يكون الملحق به قد نفى المقر به، فإن كان نفاه ثم استلحقه وارثه بعد موته، فوجهان. أصحهما، وبه قطع معظم العراقيين: يلحقه كما لو استلحقه المورث بعدما نفاه بلعان وغيره. والثاني: المنع. والثالث: صدور الاقرار من الورثة الحائزين للتركة. فرع إقرار الاجنبي لا يثبت به النسب كما ذكرنا، فلو مات مسلم عن ابن كافر، أو قاتل، أو رقيق، لم يقبل إقراره عليه بالنسب، كما لا يقبل إقراره عليه بمال. ولو كان له ابنان. كافر ومسلم، لم تعتبر موافقة الكافر، ولو كان الميت كافرا كفى استلحاق الكافر. ولا فرق في ثبوت النسب، بين أن يكون المقر به مسلما، أو كافرا. فرع مات وخلف ابنا فأقر بابن آخر، ثبت نسبه. ولو مات وخلف بنين، أو بنين وبنات، فلا بد من اتفاقهم جميعا. وتعتبر موافقة الزوج والزوجة على الصحيح. وفي وجه: لا تعتبر، لانقطاع الزوجية بالموت، ويجري الوجهان في المعتق. ولو خلف بنتا واحدة، فإن كانت حائزة بأن كانت معتقة، ثبت النسب

(4/66)


إقرارها، وإن لم تكن حائزة ووافقها الامام، فوجهان يجريان فيما إذا مات من لا وارث له، فألحق الامام به مجهولا، أصحهما وبه قطع العراقيون: الثبوت بموافقة الامام. هذا إذا ذكره الامام لا على وجه الحكم، أما إذا ذكره على وجه الحكم، فإن قلنا: يقضي بعلم نفسه، ثبت النسب، وإلا، فلا. ولا فرق بين أن تكون حيازة الملحق تركة الملحق به بغير واسطة، أم بواسطة، كمن أقر بعمومة مجهول وهو حائز لتركة أبيه الحائز تركة جده الملحق به، فإن كان قد مات أبوه قبل جده، والوارث ابن الاب، فلا واسطة. فرع وارثان، بالغ وصغير، فالصحيح أن البالغ لا ينفرد بالاقرار وفي وجه: ينفرد ويحكم بثبوت النسب في الحال. وعلى الصحيح: ينتظر بلوغ الصغير. فإن بلغ ووافق البالغ، ثبت النسب حينئذ. فإن مات قبل البلوغ، نظر، إن لم يخلف سوى المقر، ثبت النسب حينئذ. فإن لم يجدد إقرارا - وإن خلف ورثة سواهم - اعتبر موافقتهم، ولو كان أحدهما مجنونا، فكالصبي. ولو خلف بالغين عاقلين فأقر أحدهما، وأنكر الآخر ثم مات ولم يخلف إلا أخاه المقر، فوجهان. أصحهما: يثبت النسب، لان جميع الميراث صار له. والثاني: المنع، لان إقرار الفرع مسبوق بإنكار الاصل. ويجري الخلاف فيما إذا خلف المنكر وارثا فأقر ذلك الوارث. ولو أقر أحدهما وسكت الآخر ثم مات الساكت وابنه مقر، ثبت النسب قطعا، لانه غير مسبوق بتكذيب الاصل. فرع أقر الابن المستغرق بأخ مجهول، فأنكر المجهول نسب المعروف، لم يتأثر بإنكاره نسب المشهور على الصحيح، وفي وجه: يحتاج المقر إلى بينة على نسبه، وهو ضعيف، ويثبت نسب المجهول على الاصح. ولو أقر بأخ مجهول ثم أقرا بثالث، فأنكر الثالث نسب الثاني، ففي سقوط نسب الثاني وجهان، أصحهما: السقوط، لانه يثبت نسب الثالث فاعتبرت موافقته في ثبوت نسب الثاني. ولو أقر بأخوين مجهولين، فصدق كل واحد منهما الآخر، ثبت نسبهما، وإن كذب كل واحد منهما الآخر، ثبت النسبان على الاصح، لوجود الاقرار من حائز التركة. وإن صدق أحدهما الآخر، وكذبه الآخر، ثبت نسب المصدق فقط، هذا

(4/67)


إذا لم يكن المجهولان توأمين، فإن كانا، فلا أثر لتكذيب أحدهما الآخر، فإذا أقر الوارث بنسب احدهما، ثبت نسبهما. فرع أقر بنسب من يحجب المقر، بأن مات عن أخ فأقر بابن للميت، ثبت نسبه على الاصح. فرع في الميراث المقر به حالان. الاولى: أن لا يحجب المقرين، فيشتركون على قدر حصصهم. ولو أقر أحد الابنين المعترفين بأخ، فأنكره الاخ الآخر، فالصحيح المنصوص: أنه لا يرث، لان الارث فرع النسب، ولم يثبت كما سبق. وفي وجه: يرث، ويشارك المقر فيما في يده، كما لو قال أحدهما: فلانة بنت أبينا، فأنكر الآخر، حرم على المقر نكاحها، وكما لو قال لعبد في التركة: إنه ابن أبينا، هل يحكم بعتقه ؟ وجهان. وكما لو قال أحد الشريكين في العقار لثالث: بعتك نصيبي، فأنكر، لا يثبت الشراء. وفي ثبوت الشفعة للشريك خلاف. وكمالو قال: لزيد على عمرو كذا وأنا ضامنه، فأنكر عمرو، ففي مطالبة المقر بالضمان وجهان. أصحهما: المطالبة، كما لو اعترف الزوج بالخلع، وأنكرت المرأة، ثبتت البينونة، وإن لم يثبت المال الذي هو الاصل، وإذا قلنا بالصحيح، قبل في ظاهر الحكم، وأما في الباطن، فهل على المقر إذا كان صادقا أن يشركه فيما يرثه ؟ وجهان. أصحهما: نعم، لعلمه باستحقاقه. وعلى هذا، هل يشركه بنصف ما في يده، أم بثلثه ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. الحال الثاني: أن يحجبهم أو بعضهم، بأن كان الوارث صغيرا في الظاهر أخا أو معتقا، فأقر بابن للميت، فإن ليثبت نسبه، فذاك. وإن أثبتناه، لم يرث على الاصح، للدور، والثاني: يرث ويحجب المقر، قاله ابن سريج، واختاره صاحب التقريب وابن الصباغ وجماعة، وقالوا: المعتبر كونه وارثا، لولا إقراره. ولو خلف بنتا معتقة، فأقرت بأخ لها، فهل يرث ويكون الميراث بينهما أثلاثا لكون توريثه لا يحجبها، أم لا لانه يمنعها عصوبة الولاء ؟ وجهان. فرع ادعى مجهول على أخي الميت أنه ابن الميت، فأنكر الاخ ونكل عن اليمين، فحلف المدعي اليمين المردودة، ثبت نسبهم، ثم إن قلنا: النكول مع

(4/68)


يمين الرد كالبينة، ورث وحجب الاخ. وإن قلنا: كالاقرار، ففيه الخلاف السابق في إقرار الاخ. ولو مات عن ابن وأخت، فأقرا بابن للميت، فعلى الاصح: تسلم الاخت نصيبها، لانه لو ورثها الابن يحجبها، وعلى الثاني: يأخذ جميع ما في يدها. وكذا الحكم فيما لو خلف زوجة وأخا، فأقرا بابن للميت، يكون للزوجة الربع على الاصح، وهذا الابن لا ينقص حقها، كما لا يسقط الاخ. فرع إقرار الورثة بزوج أو زوجة للميت، مقبول على المذهب. وحكي عن القديم قول: أنه لا يقبل. فإن قبلنا فأقر أحد الابنين المستغرقين وأنكر الآخر، فالتوريث على ما ذكرنا فيما إذا أقر أحدهما بأخ وأنكر الآخر. فرع قال: زيد أخي، ثم فسر بأخوة الرضاع، حكى الروياني عن أبيه: أن الاشبه بالمذهب، أنه لا يقبل، لانه خلاف الظاهر، ولهذا لو فسر بأخوة الاسلام، لم يقبل. فرع في فتاوى القفال، أنه لو أقر على أبيه بالولاء، فقال: هو معتق فلان، ثبت الولاء عليه إن كان المقر مستغرقا، كما في النسب. قلت: لو خلف ثلاثة بنين فأقر ابنان برابع، وأنكره الثالث، لم يثبت نسبه بإقرارهما، لكن إذا شهدا به عند الحاكم بشروط الشهادة، ثبت نسبه. لان شهادتهما أولى بالقبول من شهادة الاجنبيين، لان عليهما فيه ضررا، قاله القاضي أبو الطيب. والله أعلم.

(4/69)