روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الشفعة
فيه ثلاثة أبواب.
الأول : فيما تثبت به الشفعة.
وله ثلاثة أركان.
الأول : المأخوذ، وله ثلاثة شروط.
الأول : أن يكون عقارا قال الاصحاب: الاعيان ثلاثة أضرب. أحدها: المنقولات، فلا شفعة فيها سواء بيعت وحدها أو مع الارض. الثاني: الارض، ثبتت الشفعة فيها سواء بيع الشقص منها وحده، أم مع شئ من المنقولات.

(4/155)


الثالث: ما كان منقولا ثم أثبت في الارض للدوام كالابنية والاشجار، فإن بيعت منفردة، فلا شفعة فيها على الصحيح، وإن بيعت الارض وحدها، ثبتت الشفعة فيها وصار الشفيع معه كالمشتري. وإن بيعت الابنية والاشجار مع الارض، إما صريحا، وإما على قولنا: تستتبعها. ثبتت الشفعة فيها تبعا للارض. فلو كان على الشجرة ثمرة مؤبرة، وأدخلت في البيع بالشرط، لم تثبت فيها الشفعة، لانها لا تدوم في الارض، فيأخذ الشفيع الارض والنخيل بحصتها. وإن كانت غير مؤبرة، دخلت في البيع شرعا، وهل للشفيع أخذها ؟ وجهان أو قولان. أصحهما: نعم. فعلى هذا، لو لم يتفق الاخذ حتى تأبرت، أخذها أيضا على الاصح. والثاني: لا يأخذها. فعلى هذا، فيما يأخذ به الارض والنخل ؟ وجهان. أصحهما: بحصتها من الثمن كالمؤبرة. والثاني: بجميع الثمن، تنزيلا له منزلة عيب يحدث. وإن كانت النخل حائلة عند البيع، ثم حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع، فإن كانت مؤبرة، لم يأخذها، وإلا، أخذها على الاظهر، وإذا بقيت الثمار للمشتري، لزم الشفيع إبقاؤها إلى الادراك. وهذا إذا بيعت الاشجار مع البياض المتخلل لها، أو بيع البستان كله. أما إذا بيعت الاشجار ومغارسها فقط، أو بيع الجدار مع الاس، فلا شفعة على الاصح، لان الارض تابعة هنا، والمتبوع منقول. فرع إذا باع شقصا فيه زرع لا يجز مرارا وأدخله في البيع بالشرط، أخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن ولا يأخذ الزرع. وإن كان مما يجز مرارا، فالجزة الظاهرة لا تدخل في البيع المطلق كالثمرة المؤبرة، والاصول كالاشجار. فرع ما دخل في مطلق بيع الدار من الابواب، والرفوف، والمسامير،

(4/156)


تؤخذ بالشفعة تبعا، كالابنية، وكذا الدولاب الثابت في الارض، سواء أداره الماء، أم غيره، بخلاف الدلو والقولات. ولو باع شقصا من طاحونة، وقلنا: يدخل الحجر الاسفل والاعلى في البيع، أخذ الاسفل بالشفعة، وفي الاعلى وجهان كالثمار التي لم تؤبر. الشرط الثاني: كون العقار ثابتا. فلو باع شقصا من غرفة مبنية على سقف لاحدهما أو لغيرهما، فلا شفعة، إذ لا قرار لها. فلو كان السقف المبني عليه مشتركا أيضا، فلا شفعة على الاصح لما ذكرناه. ولو كان السفل مشتركا، والعلو لاحدهما، فباع صاحب العلو نصيبه من السفل، فوجهان. أحدهما: أن الشريك يأخذ السفل ونصف العلو بالشفعة، لان الارض مشتركة، وعلوها تابعها. وأصحهما: لا يأخذ إلا السفل. ولو كان بينهما أرض مشتركة فيها شجر لاحدهما، فباع صاحب الشجر الشجر ونصيبه من الارض، فعلى الوجهين. الشرط الثالث: كونه منقسما، فالعقار الذي لا يقبل القسمة، لا شفعة فيه على المذهب، وهو قوله الجديد. وقيل: تثبت. و منهم من حكاه، قولا قديما. والمراد بالمنقسم: ما يجبر الشريك على قسمته إذا طلب شريكه القسمة. وفي ضبطه أوجه. أحدها: أنه الذي لا تنقص القسمة قيمته نقصا فاحشا، حتى لو كانت قيمة الدار مائة، ولو قسمت عادت قيمة كل نصف ثلاثين، لم تقسم. والثاني: أنه الذي ينتفع بعد القسمة بوجه ما. أما ما لا يبقى فيه نفع

(4/157)


بحال، فلا يقسم. وأصحهما الثالث: أنه الذي إذا قسم، أمكن أن ينتفع به الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة، ولا عبرة بامكان نفع آخر. إذا عرف هذا، فلو كان بينهما طاحونة أو حمام، أو بئر أو نهر، فباع أحدهما نصيبه، نظر، إن كان المبيع كبيرا بحيث يمكن جعل الطاحونة ثنتين لكل واحدة حجران، والحمام حمامين، أو كل بيت منه بيتين، والبئر وارعة يمكن أن يبنى فيها فيجعل بئرين لكل واحدة بياض بقف فيه المستقي، ويلقى فيه ما يخرج منها، ثبتت الشفعة فيها. وإن لم يمكن ذلك وهو الغالب من هذه الانواع، فلا شفعة على الاصح. وعلى الوجهين الآخرين، لا يخفى الحكم. ولو اشترك اثنان في دار صغيرة، لاحدهما عشرها، وللآخر باقيها، فإن أثبتنا الشفعة فيما لا ينقسم، فأيهما باع فلصاحبه الشفعة، وإن منعناها، فباع صاحب العشر، فلا شفعة لصاحبه. وإن باع صاحب الكبير، فلصاحبه الشفعة على الاصح تفريعا على الاصح: أن صاحب الاكثر يجاب إلى القسمة. ولو كان حول البئر بياض وأمكنت القسمة بجعل البئر لواحد، والبياض لآخر ليزرعه أو يسكن فيه، أو كان موضع الحجر في الرحى واحدا، ولكن فيها بيت يصلح لغرض، وأمكنت القسمة بجعل موضع الرحى لواحد، وذلك البيت لآخر، فقال جماعة: تثبت الشفعة وأن هذه البئر من المنقسمات، وهذا تفريع على الاجبار في هذا النوع من القسمة. وعلى أنه لا يشترط فيما يصير لكل واحد، إمكان الانتفاع به من الوجه الذي كان. فرع شريكان في مزارع وبئر يستقى منها، باع أحدهما نصيبه منهما، ثبت للآخر الشفعة فيهما إن انقسمت البئر أو أثبتنا الشفعة فيما لا ينقسم، وإلا، فتثبت في المزرعة قطعا، ولا تثبت في البئر على الاصح.
الركن الثاني : الآخذ، وهو كل شريك في رقبة العقار، سواء فيه المسلم والذمي، والحر، والمكاتب. حتى لو كان السيد والمكاتب شريكين في دار، فلكل

(4/158)


منهما الشفعة على الآخر، ولا شفعة للجار، ملاصقا كان أو مقابلا. وفي وجه: للملاصق الشفعة، وكذا للمقابل إذا لم ينفذ بينهما طريق، وهو شاذ، والصحيح المعروف: الاول. وإذا قضى الحنفي لشافعي بشفعة الجوار، لم يعترض عليه في الظاهر، وفي الحل باطنا خلاف موضعه كتاب الاقضية. قلت: ولا يقتضي قضاء الحنفي بشفعة الجوار على الاصح. والله أعلم فرع الدار إن كان بابها مفتوحا إلى درب نافذ، ولا شركة لاحد فيها، فلا شفعة فيها ولا في ممرها، لان هذا الدرب غير مملوك. وإن كان بابها إلى درب غير نافذ، فالدرب مشترك بين سكانه. فان باع نصيبه من الممر فقط، فللشركاء الشفعة فيه إن كان منقسما كما سبق، وإلا، ففيه الخلاف السابق. وإن باع الدار بممرها، فلا شفعة لشركاء الممر في الدار على الصحيح. فان أرادوا أخذ الممر با لشفعة، نظر، إن كان للمشتري طريق آخر إلى الدار، أو أمكنه فتح باب آخر إلى شارع، فلهم ذلك على الصحيح إن كان منقسما، وإلا. فعلى الخلاف في غير المنقسم. وقال الشيخ أبو محمد: إن كان في اتخاذ الممر الآخر عسر، أو مؤنة لها وقع، وكانت الشفعة على الخلاف، والمذهب: الاول. وإن لم يكن طريق آخر، ولا أمكن اتخاذه، ففيه أوجه. أصحها: لا شفعة لهم، لما فيه من الاضرار بالمشتري. والثاني: لهم الاخذ والمشتري هو المضر بنفسه بشرائه هذه الدار. والثالث: إن مكنوا المشتري من المرور، فلهم الشفعة، وإلا، فلا، جمعا بين الحقين. وشركة مالكي سور الخان في صحنه، كشركة مالكي الدور في الدرب الذي لا ينفذ، وكذا الشركة في مسيل الماء إلى الارض دون الارض، وفي بئر المزرعة دون المزرعة، كالشركة في الممر. فرع تثبت الشفعة للذمي على المسلم، وعلى الذمي كثبوتها للمسلم، فلو باع ذمي شقصا لذمي بخمر أو خنزير، وترافعوا إلينا بعد الاخذ بالشفعة، لم

(4/159)


نرده. ولو ترافعوا قبله، لم نحكم بالشفعة. ولو بيع الشقص، فارتد الشريك، فهو على شفعته إن قلنا: الردة لا تزيل المالك. وإن قلنا: تزيله، فلا شفعة. فإن عاد إلى الاسلام، وعاد ملكه، لم تعد الشفعة على الاصح. وإن قلنا بالوقف، فمات أو قتل على الردة، أخذه لبيت المال. كما لو اشترى معيبا، أو بشرط الخيار، وأرتد ومات، فللامام رده. ولو ارتد المشتري، فالشفيع على شفعته. فرع دار نصفها لرجل، ونصفها لمسجد، اشتراه قيم المسجد له، أو وهب له ليصرف في عمارته، فباع الرجل نصيبه، كان للقيم أخذه بالشفعة إن رأى فيه مصلحة، كما لو كان لبيت المال شركة في دار، فباع الشريك نصيبه، فللامام الاخذ بالشفعة. وإن كان نصف الدار وقفا، ونصفها طلقا، فباع المالك نصيبه، فلا شفعة لمستحق الوقف على المذهب، ولا شفعة لمالك المنفعة فقط بوصية أو غيرها. فرع المأذون له بالتجارة، إذا اشترى شقصا، ثم باع الشريك نصيبه، فله الاخذ بالشفعة، إلا أن يمنعه السيد أو يسقط الشفعة. وله الاسقاط وإن أحاطت به الديون وكان في الاخذ غبطة، كما له منعه من الاعتياض في المستقبل. ولو أراد السيد أخذه بنفسه، فله ذلك. فرع لا يخفى أن الشركة لا تعتبر في مباشرة الاخذ، وإنما هي معتبرة فيمن يقع الاخذ له، بدليل الوكيل، والولي، والعبد المأذون، فإن لهم الاخذ.
الركن الثالث : المأخوذ منه، وهو المشتري ومن في معناه. وفي ضبطه قيود. الاول: كون ملكه طارئا على ملك الآخذ. فإذا اشترى رجلان دارا معا، أو شقصا من دار، فلا شفعة لواحد منهما على الآخر، لاستوائهما في وقت حصول الملك. الثاني: كونه لازما. فان باع بشرط الخيار لهما، أو للبائع، فلا شفعة ما دام الخيار باقيا. وإن شرط الخيار للمشتري فقط، فإن قلنا: الملك له، أخذه الشفيع

(4/160)


في الحال على اأظهر عند الجمهور. وإن قلنا: الملك للبائع، أو موقوف، لم يأخذ في الحال على الاصح. فإن قلنا يأخذ، تبينا أن المشتري ملكه قبل أخذه، وانقطع الخيار. فرع باع أحد الشريكين نصيبه بشرط الخيار، ثم باع الثئني نصيبه في زمن الخيار بيع بتات، فلا شفعة في المبيع أو لا للبائع الثاني إذ زال ملكه، ولآ للمشترى منه، وإن تقدم ملكه على ملك المشتري الاول إذا قلنا: لا يملك في زمن الخيار، لان سبب الشفعة البيع، وهو سابق على ملكه. وأما الشفعة في المبيع ثانيا، فموقوفة إن توقفنا في الملك، وللبائع الاول إن أبقينا الملك له، وللمشترى منه إن أثبتنا الملك له. وعلى هذا، قال المتولي: إن فسخ البيع قبل العلم بالشفعة، بطلت شفعته إن قلنا: الفسخ بخيار الشرط يرفع العقد من أصله. وإن قلنا: يرفعه من حينه، فهو كما لو باع ملكه قبل العلم بالشفعة. وإن أخذه بالشفعة، ثم فسخ البيع، فالحكم في الشفعة كالحكم في الزوائد الحادثة في زمن الخيار. فصل إذا وجد المشتري بالشقص عيبا قديما، وأراد رده، وجاء الشفيع يريد أخذه، ويرضى بكونه معيبا، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما عند الجمهور، وقطع به بعضهم: أن الشفيع أولى بالاجابة، لان حقه سابق، فإنه ثبت بالبيع، ولان غرض المشتري استدراك الظلامة وتحصيل الثمن، وذلك حاصل بأخذ الشفيع. ولانا لو قدمنا المشتري، بطل حق الشفيع بالكلية. وإذا قدمنا الشفيع، حصل للمشتري مثل الثمن أو قيمته. والثاني: المشتري أولى، لان الشفيع إنما يأخذ إذا استقر العقد. ولو رده با لعيب قبل مطالبة الشفيع، ثم طلب الشفيع، فإن قلنا: المشتري أولى عند اجتما عهما، فلا يجاب، وإلا، فيجاب على الاصح،

(4/161)


ويفسخ الرد. أو نقول: تبينا أن الرد كان باطلا، والخلاف - في أن المشتري أولى أو الشفيع - جار فيما لو اشترى شقصا بعبد، ثم وجد البائع بالعبد عيبا فأراد رده واسترداد الشقص، وأراد الشفيع أخذه بالشفعة. وحكى البغوي جريانه فيما لو اشترى شقصا بعبد وقبض الشقص قبل تسليم العبد، فتلف العبد في يده، ففي وجه: تبطل شفعة الشفيع. وفي وجه: يتمكن من الاخذ. وقطع ابن الصباغ وغيره، بانه إذا كان الثمن عينا فتلف قبل القبض، بطل البيع والشفعة. فصل أصدقها شقصا، ثم طلقها قبل الدخول، أو ارتد، وجاء الشفيع يريد أخذه بالشفعة، فله أخذ نصفه، وأما النصف الآخر، فهل الزوج أولى به، أم الشفيع ؟ وجهان. وكذا إذا اشترى شقصا وأفلس بالثمن، فأراد البائع الفسخ، والشفيع الاخذ بالشفعة، فيه الوجهان. أصحهما: فيهما الشفيع أولى، لان حقه أسبق، فإنه ثبت بالعقد. وفي وجه ثالث: الشفيع في الاولى أولى، والبائع في الثانية أولى. فإذا قدمنا الشفيع في صورة الافلاس، ففيه أوجه. أصحها: أن الثمن المأخوذ من الشفيع مقسوم بين الغرماء كلهم، لان حق البائع إذا انتقل إلى الذمة، صار كسائر الغرماء، وبهذا قال ابن الحداد، والثاني: يقدم البائع بالثمن رعاية للجانبين. والثالث: إن كان البائع سلم الشقص ثم أفلس المشتري، لم يكن أولى بالثمن، لرضاه بذمته. وإن لم يسلمه، فهو أولى بالثن. والخلاف في نصف الصداق، جار فيما إذا أعاد كله إلى الزوج بردتها، أو فسخ قبل الدخول. هذا إذا اجتمع الشفيع والزوج أو البائع، أما إذا أخذ الشفيع الشقص من يد الزوجة، ثم طلق الزوج، أو من يد المشتري، ثم أفلس، فلا رجوع للزوج والبائع إلى الشقص بحال، لكن ينتقل حق البائع إلى الثمن، وحق الزوج إلى القيمة في مالها، كما لو زال الملك ببيع أو غيره. ولو طلقها قبل علم الشفيع، وأخذ النصف، ثم جاء

(4/162)


الشفيع، ففي استرداده ما أخذه الزوج، وجهان، كما لو جاء بعد الرد بالعيب. وقيل: لا يسترد قطعا، لان المهر يتشطر بالطلاق من غير اختيار، فيبعد نقضه. فإن قلنا: يسترده، أخذه وما بقي في يدها، وإلا، فيأخذ ما في يدها ويدفع إليها نصف مهر المثل. ولو كان للشقص الممهور شفيعان، فطلبا، وأخذ أحدهما نصفه، ثم طلقها قبل أن يأخذ الآخر، فلا يأخذ الزوج النصف الحاصل في يد الشفيع. وأما النصف الآخر، فهل هو أولى، أم الشفيع ؟ فيه الخلاف السابق، ويجري فيما إذا أخذ أحد الشفيعين من يد المشتري، ثم أفلس. فان قلنا: الشفيع أولى، ضارب البائع مع الغرماء بالثمن. وإن قلنا: البائع أولى، فإن شاء أخذ النصف الباقي وضارب مع الغرماء بنصف الثمن، وإلا، فيتركه ويضارب بكل الثمن. القيد الثالث: أن يملكه بمعاوضة. فإن ملك بارث، أو هبة، أو وصية، فلا شفعة. فإن وهب بشرط الثواب، أو مطلقا، وقلنا: تقتضي الثواب، تثبت الشفعة على الاصح للمعاوضة. وقيل: لا، لانها ليست مقصودة. فعلى الاصح، هل يأخذ قبل قبض الموهوب لانه صار بيعا، أم لا، لان الهبة لا تتم إلا بالقبض ؟ وجهان. أصحهما: الاول. فرع اشترى شقصا، ثم تقايلا، فان عفا الشفيع، وقلنا: الاقالة بيع، تجددت الشفعة، وأخذه من البائع. وإن قلنا: فسخ، لم تتجدد كما لا تتجدد بالرد بالعيب. وإن قاله قبل علم الشفيع بالشفعة. فإن قلنا: الاقالة بيع، فالشفيع بالخيار بين أن يأخذ بها، وبين أن ينقضها حتى يعود الشقص إلى المشتري، فيأخذ منه. وإن قلنا: فسخ، فهو كطلب الشفعة بعد الرد بالعيب. فرع إذا جعل الشقص أجرة، أو جعلا، أو رأس مال (في) سلم، صداقا، أو متعة، أو عوض خلع أو صلح عن دم أو مال، أو جعله المكاتب عوضا عن النجوم، ثبتت الشفعة في كل ذلك. ولو أقرضه شقصا، قال المتولي:

(4/163)


القرض صحيح، وللشفيع أخذه إذا ملكه المستقرض. وإنما ثبتت الشفعة في الجعل بعد العمل. وحكي وجه: أنه إذا كان ما يقابل الشقص مما لا يثبت في الذمة بالسلم ولا با لقرض، فلا شفعة، وهو شاذ ضعيف. فرع بذل شقصا عن بعض النجوم، ثم عجز ورق، فهتبقى الشفعة لانه كان عوضا، أم تبطل لخروجه عن العوض ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فرع قال المولى لمستولدته: إن خدمت أولادي شهرا، فلك هذ االشقص، فخدمتهم، استحقته. وهل تثبت فيه الشفعة كالاجرة، أم لا، لاه وصية معتبرة من الثلث ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. فصل إذا باع الوصي أو القيم شقص الصبي وهو شريكه، فلا شفعة له على الاصح. وبه قال ابن الحداد، لانه لو تمكن منه، لم يؤمن أن يسامح في الثمن، ولهذا لا يبيعه مال نفسه. ولو اشترى شقصا للطفل وهو شريك في العقار، فله الشفعة على الصحيح، إذ لا تهمة. وقيل: لا، لان في الشراء والاخذ تعليق عهدة الصبي من غير نفع له، وللاب والجد الاخذ بالشفعة إذا كانا شريكين، سواء باعا أو اشتريا لقوة ولايتهما وشفقتهما، كما له بيع ماله لنفسه. ولو كان في حجر الوصي يتيمان بينهما دار، فباع نصيب أحدهما لرجل، فله أخذه بالشفعة للآخر. فرع وكل أحد الشريكين صاحبه في بيع نصيبه، فباعه، فللوكيل أخذه بالشفعة على الاصح وقول الاكثرين، لان الموكل ناظر لنفسه يعترض على الوكيل إن قصر، بخلاف الصبي. ولو وكل رجل أحد الشريكين في شراء الشقص، فللوكيل

(4/164)


الاخذ بالشفعة بلا خلاف. ولو وكل الشريك الشريك في بيع نصف نصيبه وأذن له في بيع نصيبه، أو بعض نصيبه مع نصيب الموكل إن شاء، فباع نصف نصيب الموكل مع نصيبه صفقة واحدة، فللموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة. وهل للوكيل أخذ نصيب الموكل ؟ فيه الوجهان. فرع إذا كان للمشتري في الدار شركة قديمة، بأن كانت بين ثلاثة أثلاثا، فباع أحدهم نصيبه لاحد صاحبيه، فالاصح أن المشتري والشريك الآخر يشتركان في أخذ الشقص، لاستوائهما في الشركة. وقيل: الشريك الثالث يختص بالشفعة، فعلى هذا إن شاء أخذ جميع الشقص، وإن شاء تركه. وعلى الاصح: إن شاء أخذ نصف الشقص، أو تركه. فإن قال المشتري: خذ الكل، أو اترك الكل، وقد تركت أنا حقي، لم تلزمه الاجابة، ولم يصح إسقاط المشتري حقه من الشفعة، لان ملكه استقر على النصف بالشراء، فصار كما لو كان للشقص شفيعان: حاضر، وغائب، فأخذ الحاضر الجميع، فحضر الغائب، له أن يأخذ نصفه، وليس للحاضر أن يقول: اترك الجميع أو خذ الجميع فقد تركت حقي، ولا نظر إلى تبعيض الصفقة عليه، فإنه لزم من دخوله في هذا العقد. وحكي وجه: أنه إذا ترك المشتري حقه، لزم الآخر أخذ الكل أو تركه، كما لو عفا أحد الشفيعين الاجنبيين. ولو كان بين اثنين دار، فباع أحدهما نصف نصيبه لثالث، ثم باع النصف الثاني لذلك الثالث، فعلى الاصح حكمه كما لو باع النصف الثاني لاجنبي، وسيأتي بيانه في الباب الثاني إن شاء تعالى. وعلى الوجه الآخر: لا شفعة للمشتري، وللشفيع الخيار بين أن يدخذ الكل أو يأخذ أحد النصفين فقط. فصل إذا باع في مرض موته شقصا، وحابى، فقد يكون الشفيع والمشتري أجنبيين، أو وارثين، وقد يكون المشتري وارثا فقط، أو عكسه، فهذه أربعة أضرب.

(4/165)


الاول: إذا كانا أجنبيين، فان احتمل الثلث المحاباة، صح البيع، وأخذ الشقص بالشفعة. وإن لم يحتمله، بأن باع شقصا يساوي ألفين بألف، ولا مال له غيره، نظر، إن رده الوارث، بطل البيع في قدر المحاباة. وفي صحته في الباقي طريقان. أحدهما: فيه قولا تفريق الصفقة. والثاني: القطع بالصحة. وإذا قلنا بالصحة، ففيما يصح فيه البيع ؟ قولان. أحدهما: يصح في قدر الثلث، والقدر الذي يوازي الثمن بجميع الثمن. والثاني: لا يسقط شئ من المبيع إلا ويسقط ما يقابله من الثمن. وقد سبق بيان الاظهر من القولين في باب تفريق الصفقة. فان قلنا بالقول الاول، صح البيع في الصورة المذكورة في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن. وإن قلنا بالثاني، دارت المسألة. وحسابها أن يقال: يصح البيع في شئ من الشقص بنصف شئ، يبقى مع الورثة ألفان إلا نصف شئ، وذلك يعدل مثلي المحاباة، وهي نصف شئ، فمثلاها شئ، فنجبر ونقابل، فيكون ألفان معادلين لشئ ونصف، والشئ من شئ ونصف ثلثاه، فعلمنا أن البيع صح في ثلثي الشقص، وقيمته ألف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث بثلثي الثمن، وهو نصف هذا المبلغ، فتكون المحاباة ستمائة وستة وستين وثلثين، يبقى للورثة ثلث الشقص وثلثا الثمن، وهما ألف وثلاثمائة وثلاثون وثلث، وذلك ضعف وثلاثة المحاباة. وعلى القولين جميعا، للمشتري الخيار، لان جميع المبيع لم يسلم له. فان أجاز، أخذ الشفيع خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن على القول الاول، وثلثيه بثلث الثمن على الثاني. وإن أراد أن يفسخ، وطلب الشفيع، فأيهما يجاب ؟ فيه الخلاف السابق في الرد بالعيب، وكذا لو فسخ قبل طلب الشفيع، هل تبطل الشفعة، أم للشفيع رد الفسخ ؟ فيه ما سبق من الخلاف. وإن أجاز الورثة، صح البيع في الكل. ثم إن قلنا: إن إجازتهم تنفيذ لما فعل الميت، أخذ الشفيع الكل بكل الثمن. وإن قلنا: إنها ابتداء عطية منهم، لم يأخذ القدر المنفذ بإجازتهم، ويأخذ المستغني عن إجازتهم، وفيه القولان المذكوران عند الرد. الضرب الثاني والثالث:: أن يكونا وارثين، أو المشتري وارثا، فيكون هذا البيع محاباة مع الوارث، وهي مردودة. فان لم نفرق الصفقة، بطل البيع في الكل، وإن فرقناها، فإن قلنا في الضرب الاول - والتصوير كما سبق -: إن البيع يصح في خمسة أسداس الشقص بجميع الثمن، فهنا في مثل تلك الصورة يصح

(4/166)


البيع في نصفه بجميع الثمن، وإن قلنا هناك: يصح في ثلثيه بثلثي الثمن، فهنا يبطل البيع في الكل، كذا ذكره القفال وغيره، وفيه نظر. وينبغي أن يفرق بين الاجازة والرد، كالضرب الاول. الضرب الرابع: أن يكون الشفيع وارثا دون المشتري. فان احتمل الثلث المحاباة، أو لم يحتمل، وصححنا البيع في بعض المحاباة في الضرب الاول، ومكنا الشفيع من أخذه، فهنا أوجه. أصحها عند الجمهور: يصح البيع ويأخذه الوارث بالشفعة، لان المحاباة مع المشتري، لا مع الوارث. والثاني: يصح ولا يأخذه الوارث بالشفعة. والثالث: لا يصح البيع أصلا لتناقض الاحكام. والرابع: يصح في الجميع ويأخذ الشفيع ما يقابل الثمن، ويبقى الباقي للمشتري مجانا. والخامس: لا يصح البيع إلا في القدر المقابل للثمن. فصل وقد سبق أن تقدم ملك الآخذ على ملك المأخوذ منه شرط. فلو كان في يد رجلين دار اشترياها بعقدين، وادعى كل أن شراءه سبق، وأنه يستحق على صاحبه الشفعة، نظر، إن ابتدأ أحدهما بالدعوى، أو جاءا معا وتنازعا في البداءة، فقدم أحدهما بالقرعة فادعى، فعلى الآخر الجواب، ولا يكفيه قوله: شرائي قبل، لانه ابتداء دعوى، بل إما أن يبقي سبق شراء المدعي، وإما أن يقول المدعي، وإما أن يقول: شرائي قبل، لانه ابتداء دعوى، بل إما أن ينفي سبق شراء المدعي، وإما أن يقول: لا يلزمني تسليم شئ إليك، وحينئذ يحلف، فان حلف، استقر ملكه ثم تسمع دعواه على الارل، فان حلف، استقر ملكه أيضا. وإن نكل المدعى عليه أولا وردت اليمين على المدعي، فإن حلف، أخذ ما يد المدعي عليه، وليس للمدعى عليه الناكل بعد ذلك أن يدعي عليه، لانه لم يبق له ملك يأخذ به. وإن نكل المدعي عن اليمين المردود، سقطت دعواه، وللمدعى عليه أن يدعي عليه. هذا إذا لم يكن بينة. أما إذا أقام أحدهما بينة بالسبق، فيقضى له. وإن أقام كل منهما بينة على سبق شرائه مطلقا، أو على أنه اشترى يوم السبت وصاحبه يوم الاحد، فمتعارضتان، وفي تعارضهما قولان. أظهرهما: سقوطهما، فكأنه لا بينة. والثاني: تستعملان. وفي كيفيته أقوال. أحدها: بالقرعة. فمن قرع، أخذ نصيب الآخر بالشفعة. والثاني: بالقسمة، ولا فائدة فيها هنا، إلا أن تكون الشركة بينهما على التفاوت، فيكون التصنيف مقيدا. والثالث الوقف. وعلى هذا،

(4/167)


يوقف حق التملك إلى أن يظهر الحال. وقيل: لا معنى للوقف هنا. ولو عينت البينتان وقتا واحدا، فلا منافاة، لاحتمال وقوع العقدين معا، ولا شفعة لواحد منهما، لوقوع العقدين معا. وفي وجه: تسقطان.
الباب الثاني : في كيفية الاخذ بالشفعة فيه أطراف.
الأول : فيما يحصل به الملك، لا يشترط في التملك بالشفعة حكم الحاكم، ولا إحضار الثمن، ولا حضور المشتري، ولا رضاه. وقال الصعلوكي: حضور المأخوذ منه، أو وكيله، شرط، وهو شاذ ضعيف، ولا بد من جهة الشفيع من لفظ، كقوله: تملكت، أو اخترت الاخذ بالشفعة، أو أخذته بالشفعة، وما أشبهه. وإلا، فهو من باب المعاطاة. ولو قال: أنا مطالب بالشفعة، لم يحصل به التملك على الاصح، وبه قطع المتولي. ولذلك قالوا: يعتبر في التملك بها، أن يكون الثمن معلوما للشفيع، ولم يشترطوا ذلك في الطلب. وينبغي أن يكون في صحة التملك مع جهالة الثمن ما ذكرناه في بيع المرابحة. وفي التتمة إشارة إلى نحوه، ثم لا يملك الشفيع بمجرد اللفظ، بل يعتبر معه أحد أمور. الاول: أن يسلم العوض إلى المشتري، فيملك به قبل أن يسلمه، وإلا فيخلي بينه وبينه، أو يرفع الامر إلى القاضي حتى يلزمه التسليم. قلت: أو يقبض عنه القاضي. والله أعلم الثاني: أن يسلم المشتري الشقص ويرضى بكون الثمن في ذمته، إلا أن

(4/168)


يبيع شقصا من دار عليها صفائح ذهب بالفضة، أو عكسه، فيجب التقابض في المجلس. ولو رضي بكون الثمن في ذمته، ولم يسلم الشقص، فوجهان. أحدهما: لا يحصل الملك، لان قول المشتري وعد. وأصحهما: الحصول، لانه معاوضة، والملك في المعاوضات لا يقف على القبض. الثالث: أن يحضر مجلس القاضي ويثبت حقه بالشفعة، ويختار التملك، فيقضي القاضي له بالشفعة، فوجهان. أحدهما: لا يحصل الملك حتى يقبض عوضه، أو يرضى بتأخره. وأصحهما: الحصول. الرابع: أن يشهد عدلين على الطلب واختيار الشفعة. فان لم نثبت الملك بحكم القاضي، فهنا أولى، وإلا، فوجهان لقوة قضاء القاضي. وإذا ملك الشفيع الشقص بغير الطريق الاول، لم يكن له أن يتسلمه حتى يؤدي الثمن، وأن يسلمه المشتري قبل أداء الثمن، ولا يلزمه أن يؤخر حقه بتأخير البائع حقه. وإذا لم يكن الثمن حاضرا وقت التملك، أمهل ثلاثة أيام، فان انقضت ولم يحضره، فسخ الحاكم تملكه، هكذا قاله ابن سريج والجمهور. وقيل: إذا قصر في الاداء، بطل حقه. وإن لم يوجد، رفع الامر إلى الحاكم وفسخ منه. فرع يثبت خيار المجلس للشفيع على الاصح المنصوص، وعلى هذا فيمتد إلى مفارقته المجلس. وهل ينقطع بأن يفارقه المشتري ؟ وجهان. قلت: الذي صححه الاكثرون: أنه لا خيار للشفيع، ممن صححه صاحب التنبيه، والفارقي، والرافعي في المحرر، وقطع به البغوي في كتابيه التهذيب وشرح مختصر المزني، وهو الراجح أيضا في الدليل. والله أعلم

(4/169)


فرع إذا ملك الشفيع، امتنع تصرف المشتري، فلوطلبه ولم يثبت الملك بعد، لم يمتنع، وفيه احتمال للامام، لتأكد حقه بالط. وفي نفوذ تصرف الشفيع قبل القبض إذا كان قد سلم الثمن، وجهان. أصحهما: المنع كالمشتري. والثاني: الجواز، لانه قهري كالارث. ولو ملك بالاشهاد أو بقضاء القاضي، لم ينفذ تصرفه قطعا، وكذا لو ملك برضى المشتري بكون الثمن عنده. فرع في تملك الشفيع الشقص الذي لم يره، طريقان. أصحهما: أنه على قولي بيع الغائب، إن منعناه، لم يتملكه قبل الرؤية، وليس للمشتري منعه من الرؤية، وإن صححناه، فله التملك. ثم قيل: خيار الرؤية على الخلاف في خيار المجلس. وقيل: يثبت قطعا، لان خيار المجلس يبعد ثبوته لاحد الجانبين، بخلاف خيار الرؤية. قلت: هذا الثاني، أصح، وصححه الامام. والله أعلم والطريق الثاني: القطع بالمنع وإن صححنا بيع الغائب، لان البيع جرى بالتراضي، فأثبتنا الخيار فيه، وها هنا الشفيع أخذ من غير رضى المشتري، فلا يمكن إثبات الخيار فيه. فلو رضي المشتري أن يأخذه الشفيع ويكون بالخيار، فعلى قول الغائب. وإذا جوزنا له التملك وأثبتنا الخيار، فللمشتري أن يمتنع من قبض الثمن وإقباض المبيع حتى يراه، ليكون على ثقة منه. فرع للشفيع الرد بالعيب. ولو أفلس وكان المشتري سلم إليه الشقص راضيا بذمته، فله الاسترداد.

(4/170)


الطرف الثاني : فيما يأخذ به الشفيع، المأخوذ أنواع. أحدها: المبيع. فان بيع بمثلي، أخذه يمثله. ثم إن قدر بميعاد الشرع، أخذه به، وإن قدر بغيره، بأن باع بمائة رطل حنطة، فهل يأخذه بمثله وزنا أو كيلا ؟ فيه خلاف سبق في القرض. فلو كان المثل منقطعا وقت الاخذ، عدل إلى القيمة كالغصب. وإن بيع بمتقوم من عبد وثوب ونحوهما، أخذه بقيمة ذلك المتقوم. والاعتبار بقيمة يوم البيع، لانه يوم إثبات العوض. وقال ابن سريج والبغوي وجماعة: يعتبر يوم استقرجر العقد وانقطاع الخيار. النوع الثاني: أن يكون الشقص رأس مال سلم أخذه بمثل المسلم فيه إن كان مثليا، أو بقيمته إن كان متقوما. الثالث: إذا صالح من دين على شقص، أخذه بمثل ذلك الدين إن كان مثليا، أو بقيمته إن كان متقوما. وسواء دين المعاملة ودين الاتلاف. الرابع: الشقص الممهور، يؤخذ بمهر مثل المرأة. وكذا إذا خالعها على شقص. والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم الخلع. هذا هو الصحيح المعروف. وفي التتمة وجه: أنه يأخذه بقيمة الشقص. ولو متع المطلقة بشقص، أخذه الشفيع بمتعة مثلها، لا بالمهر. الخامس: إذا أخذ من المكاتب شقصا عوضا عن النجوم، أخذه الشفيع بمثل النجوم أو بقيمتها. السادس: الشقص الذي جعل أجرة يؤخذ بأجرة مثل الدار. السابع: إذا صالح عليه عن الدم، أخذه الشفيع بقيمة الدية يوم الجناية، ويعود فيه قول ابن سريج والبغوي. الثامن: قال المتولي: إذا اقترض شقصا أخذه الشفيع بقيمته وإن قلنا: المقترض يرد المثلي. فصل إذا كان الثمن حالا، بذله الشفيع في الحال. فان كان بألف إلى سنة مثلا، ففيه أقوال. أظهرها: يتخير، إن شاء عجل الثمن وأخذ الشقص في

(4/171)


الحال، وإن شاء صبر إلى أن يحل الاجل، فحينئذ يبذل الالف، ويأخذ الشقص، وليس له أن يأخذ بألف مؤ جل. والثاني: له الاخذ بألف مؤجل. والثالث: يأخذ بعرض يساوي الالف إلى سنة، فعلى الاول: لا يبطل حقه بالتأخير، لانه بعذر. وهل يجب إعلام المشتري بالطلب ؟ وجهان. أصحهما: نعم. ولو مات المشتري وحل عليه، لم يتعجل الاخذ على الشفيع، بل هو على خيرته، إن شاء عجل، وإن شاء أخر إلى انقضاء السنة. وإن مات الشفيع، فالخيرة لوارثه. ولو باع المشتري الشقص في المدة، صح، والشفيع بالخيار بين أن يأخذه بالثمن الثاني، وبين أن يفسخه في الحال، أو عند حلول الاجل، ويأخذه بالثمن الاول. هذا إذا قلنا بالمذهب: إن الشفيع ينقض تصرف المشتري، وفيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى. وإن قلنا بالقول الثاني، ففي موضعه وجهان. أحدهما: أنه إنما يأخذ بثمن مؤجل إذا كان مليئا موثوقا به وأعطى كفيلا مليئا، وإلا، فلا يأخذ. والثاني: له الاخذ مطلقا. وإذا أخذه ثم مات، حل عليه الاجل. وإن قلنا بالثالث، فتعيين العرض إلى الشفيع، وتعديل القيمة إلى من يعرفها. قال الامام: فلو لم يتفق طلب الشفعة حتى حل الاجل، وجب أن لا يطالب على هذا القول إلا بالعرض المعدل، لان الاعتبار في قيمة عوض المبيع بحال البيع، ثم على القول الثاني والثالث، إذا أخر الشفيع، بطل حقه. فصل إذا اشترى مع الشقص منقولا، كسيف وثوب، صفقة واحدة، وزع الثمن عليهما على اعتبار قيمتهما، وأخذ الشفيع الشقص بحصته من الثمن، وتعتبر قيمتهما يوم البيع، ولا خيار للمشتري وإن تفرقت صفقته لدخوله فيها عالما بالحال. فرع إذا اشترى شقصا من دار نقضت، فلها أحوال. إحداها: أن تتعيب من غير تلف شئ منها، ولا انفصال بعضها عن بعض،

(4/172)


بأن ينشق جدار، أو مالت اسطوانة، أو انكسر جذع، أو اضطرب سقف، فالشفيع بالخيار بين الاخذ بكل الثمن، وبين، الترك، كتعيبها في يد البائع. الثانية: أن يتلف بعضها، فينظر إن تلف شئ من العرصة بأن غشيها سيل فغرقها، أخذ الباقي بحصته من الثمن. وإن بقيت العرصة وتلفت السقوف والجدران باحتراق وغيره، فيبنى على الخلاف السابق في كتاب البيع: أن سقف الدار المبيعة وجدارها كأحد العبدين المبيعين، أم كطرف من أطراف العبد وصفة من صفاته ؟ فإن قلنا بالاصح: إنه كأحد العبدين، أخذ العرصة بحصتها من الثمن. وإن قلنا: كطرف العبد، أخذها بكل الثمن. وقيل: إن تلف بآفة سماوية، أخذ بكل الثمن. وإن تلف با تلاف متلف، أخذ بالحصة، لان المشتري وحصل له بدل التالف، فلا يتضرر. الثالثة: أن لا يتلف شئ منها، لكن ينفصل بعضها عن بعض بالانهدام، فهل يأخذ الشفيع النقض. فيه قولان، ويقال: وجهان. أظهرهما: نعم. فعلى هذا يأخذه مع العرصة بكل الثمن، أو يتدكهما. وإن قلنا: لا يأخذه، بني على أن السقف والجدار كأحد العبدين، أو كطرف العبد. إن قلنا بالاول، أخذ العرصة وما بقي من البناء بحصتها من الثمن، وإلا، فوجهان. أحدهما: يأخذ بالحصة. والثاني وهو قياس الاصل المبني عليه: يأخذ بتمام الثمن كالحالة الاولى. وعلى هذا يشبه النقض بالثمار والزوائد التي يفوز بها المشتري قبل أخذ الشفيع. فصل إذا اشترى الشقص، ثم اتفق المتبايعان على حط من الثمن، أو زيادة فيه، فذلك قد يكون بعد لزوم العقد وقبله، وفي زمن الخيار ومكانه. وسبق بيان ذلك كله في كتاب البيع. وحاصله: أنه لا يلحق الحط ولا الزيادة بالعقد بعد لزومه، لا حط الكل، ولاحط البعض. وفيما قبل لزومه، وجهان. أصحهما: اللحوق. فإن قلنا به، وحط الثمن، فهو كما لو باع بلا ثمن، فلا شفقة للشريك، لانه يصير، حبة على رأي، ويبطل على رأي. فصل إذا اشترى الشقص بعبد مثلا، وتقابضا، ثم وجد البائع بالعبد عيبا، وأراد رده واسترداد الشقص، وطلب الشفيع الشقص، ففي المقدم منهما خلاف سبق قريبا. وحكى الامام طريقا حازما بتقديم البائع. ولو علم عيب العبد بعد

(4/173)


أخذ الشفيع الشقص لم ينقض بملك الشفيع، كما لو باع ثم اطلع على عيب. وفي قول: يسترد المشتري الشقص من الشفيع، ويرد عليه ما أخذه، ويسلم الشقص إلى البائع، لان الشفيع نازل منزلة المشتري، فرد البائع يتضمن نقض ملكه، كما يتضمن نقض ملك المشتري لو كان في ملكه، والمشهور هو الاول. فإذا قلنا به، أخذ البائع قيمة الشقص من المشتري. فان كانت مثل قيمة العبد، فذاك، وإلا، ففي رجوع من بذل الزيادة على صاحبه وجهان. أصحهما: لا رجوع، لان الشفيع ملكه بالمبذول، فلا يتغير حكمه. ولو عاد الشقص إلى ملك المشتري بابتياع أو غيره، لم يتمكن البائع من إجباره على رد الشقص، ولا المشتري من إجبار البائع على القبول ورد القيمة، بخلاف ما إذا غرم قيمة المغصوب لا باقه، فرجع، لان ملك المغصوب منه لم يزل، وملك المشتري قد زال. وحكى المتولي فيه وجهين بناء على أن الزائل العائد، كالذي لم يزل، أم كالذي لم يعد ؟ والمذهب: الاول. ولو وجد البائع العيب بالعبد، وقد حدث عنده عيب، فأخذ الارش لامتناع الرد، نظر، إن أخذ الشفيع الشقص بقيمة العبد سليما، فلا رجوع عليه. وإن أخذه بقيمته معيبا، ففي رجوع المشتري على الشفيع الوجهان السابقان في التراجع. لكن الاصح هنا: الرجوع، ومال ابن الصباغ إلى القطع به، لان الشقص استقر عليه بالعبد والارش، ووجوب الارش من مقتضى العقد، لاقتضائه السلامة. ولو رضي البائع ولم يرده، ففيما يجب على الشفيع وجهان. أحدهما: قيمة العبد سليما. والثاني: قيمته معيبا. حتى لو بذل قيمة السليم، استرد قسط السلامة من المشتري، وبالاول قطع البغوي، وغلط الامام قائله. فرع للمشتري رد الشقص بالعيب على البائع، وللشفيع رده على المشتري بالعيوب السابقة على البيع وعلى الاخذ. ثم لو وجد المشتري العيب بعد أخذ الشفيع، فلا رد في الحال، ولا أرش له على المذهب. ويجئ فيه الخلاف السابق فيما إذا باعه. فلو رد عليه الشفيع بالعيب، رده حينئذ على البائع. ولو وجد

(4/174)


المشتري عيب الشقص قبل أخذ الشفيع، ومنعه عيب حادث من الرد، فأخذ أرش العيب القديم، حط ذلك عن الشفيع. وإن قدر على الرد، لكن توافقا على الارش، ففي صحة هذه المصالحة وجهان سبقا. فإن صححناها، ففي حطه عن الشفيع وجهان. أصحهما: الحط. والثاني: لا، لانه تبرع من البائع. فصل اشترى بكف من الدراهم لا يعلم وزنها، أو صبرة حنطة لا يعلم كيلها، فيوزن ويكال ليأخذ الشفيع بذلك القدر. فإن كان ذلك غائبا، فتبرع البائع باحضاره، أو أخبر عنه، واعتمد قوله، فذاك، وإلا، فليس للشفيع أن يكلفه الاحضار، ولا الاخبار عنه. وإن هلك الثمن وتعذر الوقوف عليه، تعذر الاخذ بالشفعة. فإن أنكر الشفيع كون الشراء بما لا يعلم قدره، نظر، إن عين قدرا وقال: اشتريت بكذا، وقال المشتري: لم يكن قدره معلوما، فالاصح المنصوص الذي عليه جمهور الاصحاب: أنه يقنع منه بذلك، ويحلف عليه. وقال ابن سريج لا يقنع منه ولا يحلف، بل إن أصر على ذلك، جعل ناكلا وردت اليمين على الشفيع. وعلى هذا الخلاف، لو قال: نسيت، فهو كالنكول. وإن لم يعين قدرا، لكن ادعى على المشتري أنه يعلمه، وطالبه بالبيان، فوجهان. أصحهما: لا تسمع دعواه حتى يعين قدرا، فيحلف المشتري حينئذ أنه لا يعرف. والثاني: تسمع، ويحلف المشتري على ما يقوله. فإن نكل، حلف الشفيع على علم المشتري، وحبس المشتري حتى يبين قدره. فعلى الاول: طريق الشفيع أن يعين قدرا، فإن وافقه المشتري، فذاك، وإلا، حلفه على نفيه، فان نكل، استدل الشفيع بنكوله وحلف على ما عينه، وإن حلف المشتري، زاد وادعى ثانيا. وهكذا يفعل إلى أن ينكل المشتري، فيستدل الشفيع بنكوله ويحلف. وهذا أن اليمين قد تستند إلى التخمين، ولهذا له أن يحلف على خط أبيه إذا سكنت نفسه إليه. فصل إذا ظهر الاستحقاق في ثمن الشقص المشفوع، فان ظهر في ثمن المبيع، نظر، إن كان معينا، بأن بطلان البيع وبطلت الشفعة، وعلى الشفيع رد

(4/175)


الشقص إن كان قبضه. وإن خرج بعضه مستحقا، بطل البيع في ذلك القدر، وفي الباقي قولا (تفريق) الصفقة. فان فرقناها واختار المشتري الا جازة، فللشفيع الاخذ. وإن اختار الفسخ وأراد الشفيع أخذه، ففيه الخلاف فيما إذا أصدقها شقصا ثم طلقهج قبل الدخول. وإن كان الثمن في الذمة، وخرج المدفوع مستحقا، لزمه إبداله، والبيع والشفعة بحالهما، وللبائع استرداد الشقص ليحبسه إلى أن يقبض الثمن، وإن ظهر الاستحقاق في ثمن الشفيع، فان كان جاهلا، لم يبطل حقه وعليه الابدال. وإن كان عالما، لم يبطل على الاصح، واختاره كثير من الاصحاب، وقطع البغوي بالبطلان. ثم قال الشيخ أبو حامد وآخرون: الوجهان فيما إذا كان الثمن معينا، بأن قال: تملكت الشقص بهذه الدراهم. أما إذا كان غير معين، كقوله: تملكته بعشرة دنانير، ثم نقد المستحقة، فلا تبطل شفعته قطعا، وقيل: الوجهان في الحالين. قلت: الصحيح: الفرق بين في الحالتين. والله أعلم ثم في حالة الجهل والعلم، إذا قلنا: لا يبطل حقه، هل نتبين أنه لم يملك بأداء المستحق، ويفتقر إلى تملك جديد ؟ أم نقول: قد ملكه والثمن دين عليه ؟ فيه وجهان. قال الغزالي: أصحهما: الثاني، وهو خلاف المفهو من كلام الجمهور، لا سيما في حالة العلم. وخروج الدنانير نحاسا، كخروجها مستحقة. ولو خرج ثمن المبيع رديئا، فللبائع الخيار بين الرضى به والاستبدال. فإن رضي، لم يلزم المشتري الرضى بمثله، بل يأخذ من الشفيع ما اقتضاه العقد، ذكره البغوي. قلت: وفي هذا احتمال ظاهر. والله أعلم ولو خرج ما دفعه الشفيع رديئا، لم تبطل شفعته عالما كان أو جاهلا. وقيل: هو كخروجه مستحقا، والمذهب: الاول. فصل إذا بنى المشتري، أو غرس، أو زرع، في المشفوع، ثم علم الشفيع، فله الاخذ وقلع بنائه وغراسة وزرعه مجانا، لا بحق الشفعة، بل لانه شريك. وأحد الشريكين إذا انفرد بهذه التصرفات في الارض المشتركة، كان للآخر أن يقلع مجانا. وإن بنى أو غرس المشتري في نصيبه بعد القسمة والتمييز، ثم علم

(4/176)


الشفيع، لم يكن له قلعه مجانا، كذا نص عليه الشافعي والاصحاب رضي الله عنهم. وفي المسألة إشكالان. أحدهما: قال المزني: المقاسمة تتضمن الرضى من الشفيع، وإذا رضي بتملك المشتري بطلت شفعته، فكيف يتصور ثبوت الشفعة بعد القسمة ؟ الثاني: أن القسمة تقطع الشركة، فيصيران جا رين، ولا شفعة للجار. وأجاب الاصحاب عن الاول، فصوروا صحة القسمة مع بقاء الشفعة في صور. منها: أن يقال للشفيع: جرى الشراء بألف، فيعفو ويقاسم، أو أن الشقص ملكه بالهبة فيقاسم، ثم بأن الشراء كان بدون ألف، وأن الملك حصل بالبيع، فتصح القسمة وتثبت الشفعة. ومنها: أن يقاسم الشفيع المشتري على ظن أنه وكيل للبائع باخباره، أو بسبب آخر. ومنها: أن يكون للشفيع وكيل بالقسمة مع شركائه ومع المشترين منهم، فيقاسم الوكيل المشتري بغير علم الشفيع. ومنها: أن يكون له وكيل في القسمة وفي أخذ الاشقاص بالشفعة، فرأى في شقص الحظ في تركه، فيتركه، ويقاسم، ثم يقدم الشفيع، ويظهر له أن له الحظ في الاخذ، وكذلك ولي اليتيم. ومنها: أن يكون الشفيع غائبا، فيطالب المشتري الحاكم بالقسمة، فيجيبه وإن علم بثبوت الشفعة، كذا قاله الاصحاب، وتوقف الامام في إجابته إذا علم ثبوت الشفعة. وأمآ الثاني: فأجابوا عنه بأن الجواز إنما لا يكفي في الابتداء. فإذا تقرر ما ذكرناه، فإن اختار المشتري قلع البناء والغراس، فله ذلك، ولا يكلف تسوية الارض، لانه كان متصرفا في ملكه.

(4/177)


فان حدث في الارض نقص، فيأخذه الشفيع على صفته، أو يترك. وإن لم يختر المشتري القلع، فللشفيع الخيار بين إبقاء ملكه في الارض بأجرة، وبين تملكه بقيمته يوم الاخذ، وبين أن ينقضه ويغرم أرش النقص على الصفة المذكورة في المعير إذا رجع وقد بنى المستعير أو غرس بلا فرق. وإن كان قد زرع، بقي زرعه إلى أن يدرك فيحصد. وقياس الباب: أن يجئ الخلاف المذكور هناك في زرع الارض المستعارة. والمذهب في الموضعين، تبقية الزرع. ثم قال صاحب التقريب: في مطالبة الشفيع للمشتري بالاجرة، الخلاف في المعير. وقال الجمهور: لا مطالبة هنا قطعا، وهو المذهب، لانه زرع ملك نفسه، بخلاف المستعير، فأشبه من باع أرضا مزروعة، لا مطالبة للمشتري بأجرة مدة بقاء الزرع على المذهب، وقد سبق بيانه في كتاب البيع. فرع إذا زرع المشتري، فللشفيع تأخير الشفعة إلى الادراك والحصاد. قال الامام: ويحتمل أن لا يجوز التأخير وإن تأخرت المنفعة، كما لو بيعت الارض في غير وقت الانتفاع، لا يؤخر الاخذ إلى وقته. ولو كان في الشقص شجر عليه ثمر لا يستحق بالشفعة، ففي جواز تأخيره إلى القطاف وجهان، لان الثمر لا يمنع الانتفاع بالمأخوذ. فصل تصرفات المشتري في الشقص من البيع والوقف وغيرهما صحيحة، لانها في ملكه. وقيل: باطلة، وهو شاذ. فعلى الصحيح: ينظر إن كان التصرف مما لا تثبت فيه الشفعة كالوقف،

(4/178)


والهبة، والاجارة، فللشفيع نقضه وأخذ الشقص بالشفعة. وإن كان مما تثبت فيه الشفعة كالبيع والاصداق، فهو كالخيار بين أن ينقضه ويأخذ الشقص بالعقد الاول، وبين أن لا ينقض ويأخذ بالعقد الثاني. هذا هو المذهب. وفي وجه: لا ينقض تصرفه. وفي وجه: لا ينقض ما تثبت فيه الشفعة، لكن يتجدد حق الشفعة بذلك. وقيل: لا يتجدد أيضا، لانه تصرف يبطل الشفعة، فلا يثبتها. وفي وجه: لا ينقض الوقف، وينقض ما سواه. فصل في الاختلاف وفيه مسائل. الاولى: قال المشتري: عفوت عن شفعتك، أو قصرت، فسقطت، فالقول قول الشفيع. الثانية: قال: اشتريت بألف، فقال الشفيع: بل بخمسمائة، صدق المشتري، لانه أعلم بعقده. وكذا لو كان الثمن عرضا، وتلف، واختلفا في قيمته، فإن نكل المشتري، حلف الشفيع وأخذ بما حلف عليه. فإن كان لاحدهما بينة، قضي بها.

(4/179)


ولا تقبل شهادة البائع للمشتري على الصحيح، لانه يشهد بحق نفسه. وقيل: تقبل، لانه لا يجر لنفسه نفعا، والثمن ثابت له باقرار المشتري. ولو شهد للشفيع، فهل يقبل قوله ؟ فيه أوجه. أحدها: لا، وبه قطع العراقيون، لانه يشهد على فعله. والثاني: نعم، وصححه البغوي، لانه ينقض حقه. والثالث: إن شهد قبل قبضه الثمن، قبلت، لانه ينقض حقه، إذ لا يأخذ أكثر مما شهد به، وإن شهد بعده، فلا، لانه يجر إلى نفسه نفعا، فإنه إذا قل الثمن، قل ما يغرمه عند ظهور الاستحقاق. وإن أقام كل واحد منهما بينة، فوجهان، أحدهما: تقدم بينة المشتري، كما أن بينة الداخل أولى من بينة الخارج. وأصحهما: أنهما تتعارضان، لان النزاع هنا فيما وقع العقد به، ولا دلالة لليد عليه. فعلى هذا إن قلنا: تسقطان، فهو كما لو لم يكن بينة. وإن قلنا تستعملان، فالاستعمال هنا بالقرعة أو الوقف. الثالثة: اختلف البائع والمشتري في قدر الثمن، فإن ثبت قول المشتري، فذاك، وإن ثبت قول البائع بالبينة أو اليمين المردودة، لزم المشتري (ما ادعاه البائع وأخذ الشفيع بما ادعاه المشتري). وتقبل شهادة الشفيع للبائع، ولا تقبل للمشتري، لانه متهم في تقليل الثمن. وإن لم تكن بينة، وتحالفا، وفسخ عقدهما، أو انفسخ، فإن جرى ذلك بعدما أخذ الشفيع الشقص، أقر في يده، وعلى المشتري قيمة الشقص للبائع. وإن جرى قبل الاخذ، ففي سقوط حقه الخلاف السابق في خروجه معيبا. فإن قلنا: لا يسقط، أخذه بما حلف عليه البائع، لان البائع اعترف باستحقاق الشفيع الاخذ بذلك الثمن، فيأخذه منه وتكون عهدته على البائع. الرابعة: أنكر المشتري كون الطالب شريكا، فالقول قول المشتري بيمينه، فيحلف على نفي العلم بشركته، لا على نفي شركته، فإن نكل، حلف الطالب على البت وأخذ بالشفعة، وكذا الحكم لو أنكر تقدم ملك الطالب على ملكه.

(4/180)


الخامسة: إذا كانا شريكين في عقار، فغاب أحدهما، ورأينا نصيبه في يد ثالث، فادعى الحاضر عليه أنه اشتراه، وأنه يستحقه بالشفعة، فإن كان للمدعي بينة، قضي بها وأخذه بالشفعة. ثم إن اعترف المدعى عليه، سلم الثمن إليه، وإلا، فهل يترك الثمن في يد المدعى إلى أن يقر المدعى عليه، أم يأخذه القاضي وحفظه، أم يجبر على قبوله أو الابراء منه ؟ فيه ثلاثة أوجه مذكورة في باب الاقرار وغيره. ولو أقام المدعي بينة، وجاء المدعى عليه ببينة أنه ورثه أو اتهبه، تعارضتا. وإن جاء ببينة أن الغائب أودعه إياه، أو أعاره، فإن لم يكن للبينتين تاريخ، أو سبق تاريخ الايداع، فلا منافاة فيقضى بالشفعة، لانه ربما أودعه ثم باعه، وإن سبق تاريخ البيع، فلا منافاة أيضا، لاحتمال أن البائع غصبه بعد البيع ثم رده إليه بلفظ الايداع، فاعتمده الشهود. فإن انقطع الاحتمال بأن كان تاريخ الايداع متأخرا، وقال الشهود: أودعه وهي ملكه، فهاهنا يراجع الشريك القديم. فإن قال: وديعة، سقط حكم الشراء. وإن قال: لا حق لي فيه، قضي بالشفعة. أما إذا لم يكن للمدعي بينة، فللمدعى عليه في الجواب أحوال. أحدها: أن يقر بأنه كان لذلك الغائب فاشتراه منه، فهل للمدعي أخذه ؟ وجهان. أحدهما: لا، إذ لا يقبل قوله على الغائب، فيوقف الامر حتى يكاتب، هل هو مقر بالبيع ؟ وأصحهما: نعم، لتصادقهما على البيع، ويكتب القاضي في السجل أنه أثبت الشفعة بتصادقهما، فإذا قدم الغائب، فهو على حقه. الثاني: أن ينكر أصل الشراء، فيصدق بيمينه. ثم إن اقتصر في الجواب إنه لا يستحق اخذه بالشفعة أو أنه لا يلزمه التسلم إليه حلف ذلك ولم يلزمه التعرض لنفي الشراء. وإن قال في الجواب: لم اشتره، بل ورثته، أو اتهبته، فيحلف لذلك، أم يكفي الحلف على أنه لا يستحق الشفعة ؟ وجهان سبقا في دعوى عيب المبيع. وإن نكل المدعى عليل، حلف الطالب واستحق الشقص. وفي الثمن الاوجه السابقة. هذا إذا أنكر الشراء والشريك القديم غير معترف بالبيع، فإن كان معترفا والشقص في يده، نظر، إن لم يعترف بقبض الثمن، ثبتت الشفعة على الاصح. وإلى من يسلم الثمن ؟ وجهان. أصحهما: إلى البائع، وعهدته عليه، لانه يتلقى الملك منه. والثاني: ينصب القاضي أمينا يقبض الثمن منه للمشتري ويدفعه إلى البائع، ويقبض الشقص من يد البائع للمشتري ويدفعه إلى الشفيع. وإذا أخذ البائع

(4/181)


ثمن الشقص، فهل له مخاصمة المشتري ومطالبته بالثمن ؟ وجهان، لانه قد يكون ماله أبعد عن الشبهة، والرجوع عليه بالدرك أسهل. فإن قلنا: نعم، وحلف المشتري، فلا شئ عليه. وإن نكل، حلف البائع، وأخذ الثمن من المشتري، وكانت عهدته عليه. وأما ما أخذه من الشفيع، فهل يؤخذ منه ويوقف، أم يترك في يده ؟ وجهان. كذا قال البغوي، وفي الشامل أن الوجهين في أنه هل يطالب المشتري فيما إذا لم يرض أخذ الثمن من الشفيع ؟ فإن رضي، فليقنع به، وهذا أصح. فإن اعترف مع البيع بقبض الثمن، فإن قلنا: لا شفعة إذا لم يعترف بالقبض، فهنا أولى، وإلا، فوجهان. وأصحهما: ثبوتها. ثم هل يترك الثمن في يد الشفيع، أم يأخذه القاضي ويحفظه، أم يجبر المشتري على قبوله والابراء منه ؟ فيه الاوجه السابقة. الحال الثالث: أن يقول: اشتريته لفلان ولا خصومة لك معي، فينظر في المضاف إليه، أحاضر، أم غائب، أم صبي ؟ وحكمه ما يأتي في سائر الدعاوى إن شاء الله تعالى.
الطرف الثالث : في تزاحم الشفعاء، وهو ثلاثة أضرب. أحدها: أن يتفق الشركاء على الطلب. ونقدم عليه أن تعدد المستحقين قد يكون ابتداء، بأن كانت الدار بين جماعة، فباع أحدهم نصيبه، وثبتت الشفعة للباقين، وقد يكون دواما، بأن يموت المستحق ويترك ورثة، فلهم الشفعة. فإن تساوت حصص المستحقين، تساووا في الشقص. وإن تفاوتت كنصف وثلث وسدس، فباع صاحب النصف، فقولان، أظهرهما: أن الشفعة على قدر الحصص، فيقسم النصف بينهما أثلاثا. والثاني: على عدد الرؤوس، فيقسم نصفين.

(4/182)


فرع مات مالك الدار عن ابنين: (ثم مات أحدهما عن ابنين) ثم باع أحد الابنين نصيبه، فهل يشترك الاخ والعم في الشفعة، أم يختص بها الاخ ؟ قولان. أظهرهما: الاول. فعلى هذا، هل يوزع بينهما بالسوية، أم بالحصص ؟ فيه القولان. وقال الامام: مقتضى المذهب: القطع بالحصص. وإذا قلنا: يختص الاخ فعفا، ففي ثبوتها للعم وجهان. أحدهما: لا، لانه لو كان مستحقا، لما تقدم عليه غيره. والثاني: نعم، لانه شريك، وإنما تقدم الاخ، لزيادة قربه، كما أن المرتهن يقدم في المرهون على الغرماء. فلو سقط حقه، تمسك به الباقون. قلت: ينبغي أن يكون هذا الثاني أصح. والله أعلم ويجري القولان في مسألة الاخ والعم في كل صورة، ملك شريكان بسبب واحد، وغيرهما من الشركاء بسبب آخر، فباع أحد المالكين بالسبب الواحد، ففي قول: الشفعة لصاحبه خاصة، وعلى الاظهر: للجميع. مثاله: بينهماا دار، فباع أحدهما نصيبه لرجلين، أو وهبه، ثم باع أحدهما نصيبه. ولو مات من له دار عن بنتين وأختين، فباعت إحدى البنتين نصيبها، فطريقان. أحدهما: على القولين. ففي قول: تختص بالشفعة البنت الاخرى، وعلى الاظهر: يشتركن كلهن. والطريق الثاني وهو المذهب: القطع بالاشتراك. فرع مات الشفيع عن ابن وزوجة ورثا حق الشفعة، ففي كيفية إرثهما طرق. أصحها: يأخذان على قدر الميراث قطعا. والثاني: القطع بالتسوية بينهما. والثالث: على القولين. فرع دار بين اثنين نصفين، باع أحدهما نصف نصيبه لزيد، ثم باع

(4/183)


النصف الآخر لعمرو، فالشفعة في النصف الاول تختص بالشريك الاول. ثم قد يعفو عنه، وقد يأخذه. وفي النصف الثاني أوجه. أحدها: يختص به الاول. والثاني: يشترك فيه الاول والمشتري الاول. أصحهما: إن عفا الشريك الاول عن النصف الاول، اشتركا، وإلا، فيختص به الشريك الاول. الضرب الثاني: أن يطلب بعض الشركاء ويعفو بعضهم. ونقدم عليه ما إذا كانت الشفعة لواحد فعفا عن بعضها، وفيه أوجه. أصحها: يسقط جميعها كالقصاص. والثاني: لا يسقط شئ كعفوه عن بعض حد القذف. والثالث: يسقط ما عفا عنه ويبقى الباقي، قال الصيدلاني: وموضع هذا الوجه، ما إذا رضي المشتري بتبعيض الصفقة، فإن أبى وقال: خذ الكل أو دعه، فله ذلك. قال الامام: وهذه الاوجه، إذا لم نحكم بأن الشفعة على الفور. فإن حكمنا به، فطريقان. منهم من قطع بأن العفو عن البعض تأخير لطلب الباقي، ومنهم من احتمل ذلك إذا بادر إلى طلب الباقي، وطرد الاوجه. ويؤيد الاول أن صاحب الشامل قال: استحق شقصا، فجاء وقال: آخذ نصفه، سقطت شفعته في الكل، لانه ترك طلب النصف. إذا تقرر هذا، فاستحق اثنان شفعة، فعفا أحدهما عن حقه، فأوجه. أصحها: يسقط حق العافي، ويثبت الجميع للآخر. فان شاء أخذ الجميع، وإن شاء تركه، وليس له الاقتصار على قدر حصته، لئلا تتبعض الصفقة على المشتري. والثاني: يسقط حقهما جميعا، قاله ابن سريج، كالقصاص. والثالث: لا يسقط حق واحد منهما، تغليبا للثبوت كما سبق في الصورة الاولى. والرابع: يسقط حق العافي، وليس لصاحبه أن يأخذ إلا قسطه، وليس للمشتري أن يلزمه أخذ الجميع. هذا إذا ثبتت الشفعة لعدد ابتداء. فلو ثبتت لواحد فمات عن ابنين، فعفا أحدهما، فهل هو كما لو ثبتت لواحد فعفا عن بعضها، أم كثبوتها لابنين عفا أحدهما ؟ وجهان. أصحهما: الثاني. ولو كان للشقص شفيعان، فمات كل عن ابنين، فعفا أحدهما عن حقه، فحاصل المنقول تفريعا على ما تقدم أوجه.

(4/184)


أحدها: يسقط الكل. والثاني: يبقى الكل للاربعة. والثالث: يسقط حق العافي وأخيه، ويأخذ الآخران. والرابع: ينتقل حق العافي إلى الثلاثة، فيأخذون الشقص أثلاثا. والخامس: يستقر حق العافي للمشتري، ويأخذ ثلاثة أرباع الشقص. والسادس: ينتقل حق العافي إلى أخيه فقط. قلت: أصحها: الرابع. والله أعلم فرع مات الشفيع عن ابنين، فادعى المشتري عفوهما، فالقول قولهما مع يمينهما على البت. فلو ادعى عفو أبيهما، حلفا على نفي العلم. فإن حلفا، أخذا. وإن نكلا، حلف المشتري، وبطل حقهما. وإن حلف أحدهما فقط، فإن قلنا بالاصح: إنه إذا عفا أحدهما أخذ الآخر الجميع، فلا يحلف المشتري، إذ لا فائدة فيه، وبه قال ابن الحداد. وإن قلنا: حق العافي يستقر للمشتري، حلف المشتري ليستقر له نصيب الناكل. ثم الوارث الحالف، لا يستحق الجميع بنكول أخيه، ولكن إن صدق أخاه على أنه لم يعف، فالشفعة بينهما. وإن ادعى عليه العفو، وأنكر الناكل، عرضت عليه اليمين لدعوى أخيه، ولا يمنعه من الحلف نكوله في جواب المشتري. فان حلف، فالشفعة بينهما. وإن نكل أيضا، حلف المدعي أنه عفا، وحينئذ يأخذ الجميع. الضرب الثالث: أن يحضر بعض الشركاء دون بعض. فإذا كانت الدار لاربعة بالسوية، فباع أحدهم نصيبه، وثبتت الشفعة للباقين، فلم يحضر إلا واحد، فليس له أخذ حصته فقط، ولا يكلف الصبر إلى حضورهما، بل إن شاء أخذ الجميع أو تركه. وهل له تأخير الاخذ إلى حضورهما ؟ إذا قلنا: الشفعة على الفور، وجهان. أصحهما: نعم، للعذر، وإذا أخذ الجميع، ثم حضر أحد الغائبين، أخذ منه النصف بنصف الثمن، كما لو لم يكن إلا شفيعان. فإذا حضر الثالث، فله أن يأخذ من كل واحد ثلث ما في يده، ثم يترتب على ما ذكرنا فروع. أحدها: خرج الشقص مستحقا بعد الترتيب المذكور، ففي العهدة وجهان. احدهما: عهدة الثلاثة على المشتري لاستحقاقهم الشفعة عليه. والثاني: أن

(4/185)


رجوع الاول على المشتري، فيسترد منه كل الثمن، ورجوع الثاني على الاول، فيسترد منه النصف، ورجوع الثالث على الاول والثاني، يسترد من كل ما دفع إليه، وهذا أصح، ورجح العراقيون، الاول. وقال المتولي: هذا الخلاف في الرجوع بالمغروم من أجرة، ونقص قيمة الشقص. فأما الثمن، فكل فيسترد ما سلمه ممن سلمه إليه بلا خلاف. الثاني: أخذ الحاضر جميع الشقص، فوجده معيبا فرده، فحضر الثاني وهو في يد المشتري، فله أخذ الجميع. الثالث: ما يستوفيه الاول من المنافع، ويحصل له من الاجرة والثمرة، يسلم له، فلا يزا حمه فيه الثاني والثالث على الاصح، وكذا الثالث لا يزاحم الثاني فيما يحصل له بعد المناصفة، كما أن الشفيع لا يزاحم المشتري فيها. الرابع: أخذ الاول كل الشقص وأفرزه، بأن أتى الحاكم فنصب قيما في مال الغائبين، فاقتسما، وبنى فيه، أو غرس ثم رجع الغائبان، هل لهما القلع ؟ وجهان. أصحهما: لا، كما أن الشفيع لا يقلع بناء المشتري وغراسه مجانا. والثاني: نعم، لانهما يستحقان كاستحقاق الاول، فليس له التصرف حتى يظهر حالهما، بخلاف الشفيع مع المشتري. الخامس: إذا حضر اثنان فأخذا الشقص، واقتسما مع القيم في مال الغائب، ثم قدم (الغائب)، فله الاخذ وإبطال القسمة، فان عفا، استمرت القسمة. السادس: أخذ اثنان، فحضر الثالث، وأراد أخذ ثلث ما في يد أحدهما ولا يأخذ من الثاني شيئا، فله ذلك، كما للشفيع أن يأخذ نصيب أحد المشتريين دون الآخر. السابع: أخذ الاول الجميع، فحضر الثاني وأراد أخذ الثلث فقط، فله ذلك على الاصح، لانه لا يفرق الحق على الاول. فان أخذ الثلث على هذا الوجه، أو بالتراضي، ثم حضر الثالث، نظر، إن أخذ من الاول نصف ما في يده، ولم يتعرض للثاني، فلا كلام، وإن أراد أن يأخذ من الثاني ثلث ما في يده، فله ذلك، لان حقه ثابت في كل جزء، ثم له أن يقول للاول: ضم ما معك إلى ما أخذته

(4/186)


لنقسمه نصفين لانا متساويان. وإنما تصح قسمة الشقص في هذه الحالة من ثمانية عشر، لانا نحتاج إلى عدد لثلثه ثلث وهو تسعة، مع الثاني منها ثلاثة، ومع الاول ستة، فينتزع الثالث من الثاني واحدا يضمه إلى الستة التي مع الاول، فلا ينقسم بينهما، فتضرب اثنين في تسعة تبلغ ثمانية عشر، للثاني منها اثنان في اثنين بأربعة، تبقى أربعة عشر للاول والثالث نصفين، وهذا المنقسم من ثمانية عشر، ربع الدار، فتقسم جملتها من اثنين وسبعين. هذا ما ذكره الاكثرون ونقلوه عن ابن سريج. وقال القاضي حسين: لما ترك الثاني سدسا للاول، صار عافيا عن بعض حقه، فيبطل جميع حقه على الاصح كما سبق، فينبغي أن يسقط حق الثاني كله، ويكون الشقص بين الاول والثالث. قلت: الاصح قول الاكثرين، ولا يسلم أنه أسقط بعض حقه. والله أعلم الثامن: قال ابن الصباغ: لو حضر اثنان وأخذ الشقص، ثم حضر الثالث وأحدهما غائب، فان قضى له القاضي على الغائب، أخذ من كل ثلث ما في يده، وإلا، فهل يأخذ ثلث ما في يد الحاضر، أم نصفه ؟ وجهان. ثم إن حضر الغائب وغاب الحاضر، فإن كان الثالث أخذ من الحاضر ثلث ما معه، أخذ من القادم ثلث ما في يده أيضا. وإن كان أخذ نصفه، أخذ من القادم سدس ما في يده ويتم بذلك نصيبه، وينقسم هذا الشقص من اثني عشر، وجملة الدار من ثمانية وأربعين. التاسع: ثبتت الشفعة لحاضر وغائب، فعفا الحاضر، ثم مات الغائب، فورثه الحاضر، فله أخذ الشقص كله بالشفعة تفريعا على الاصح: أنه إذا عفا أحد الشريكين، أخذ الآخر الجميع. وإن قلنا: عفو أحدهما يسقط حق الآخر، لم يأخذ شيئا. وإن قلنا: يستقر نصيب العافي للمشتري، لم يأخذ الحاضر بحق الارث إلا النصف.
فصل ليس للشفيع تفريق الصفقة على المشتري.
ولو اشترى اثنان شقصا من رجل، فللشفيع أن يأخذ نصيب أحدهما فقط، إذ لا تفريق عليه. ولو باع اثنان من ملاك الدار شقصا لواحد، جاز أن يأخذ حصة أحد البائعين على الاصح. ولو باع اثنان نصيبهما لاثنين يعقد واحد، فهو كأربعة عقود، تفريعا على الاظهر أن تعدد البائع كتعدد المشتري، فللشفيع الخيار، فان شاء أخذ الجميع أو ثلاثة أرباعه وهو

(4/187)


نصيب أحد المشتريين ونصف نصيب الآخر، أو يأخذ نصف الجملة بأخذ نصيب أحدهما، أو نصف نصيب كل واحد أو يأخذ ربع الجملة وهو نصف نصيب أحدهما. ولو وكلا وكيلا في بيع شقص أو شرائه، أو وكل وكيلين في بيع شقص أو شرائه، فالاعتبار بالعاقد، أم بمن له العقد ؟ فيه خلاف سبق في تفريق الصفقة. فلو كانت الدار لثلاثة، فوكل أحدهم ببيع نصيبه، وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة، فباع كذلك، فليس للثالث إذا قلنا: الاعتبار بالعاقد، إلا أخذ الجميع، أو ترك الجميع. وإن قلنا: الاعتبار بالمعقود له، فله أن يأخذ حصة أحدهما فقط. ولو كانت الدار لرجلين، فوكل أحدهما الآخر ببيع نصف نصيبه، وجوز له أن يبيعه مع نصيب نفسه إن شاء صفقة واحدة، فباع كذلك، وأراد الموكل أخذ نصيب الوكيل بالشفعة بحق النصف الباقي له، فله ذلك، لان الصفقة اشتملت على ما لا شفعة للموكل فيه وهو ملكه، وعلى ما فيه شفعة وهو ملك الوكيل، فأشبه من باع شقصا وثوبا بمائة. وفي وجه ضعيف: أنها كالصورة السابقة. ولو باع شقصين من دارين صفقة واحدة، فان كان الشفيع في أحدهما غير الشفيع في الاخرى، فلكل أن يأخذ ما هو شريك فيه، وافقه الآخر في الاخذ، أم لا. وإن كان شفيعهما واحدا، جاز أيضا على الاصح.
الباب الثالث : فيما يسقط به حق الشفيع.
الاظهر المنصوص في الكتب الجديدة: أن الشفعة على الفور. والثاني: تمتد ثلاثة أيام. والثالث: تمتد مدة تتسع لتأمل المصلحة في الاخذ. والرابع: تمتد إلى التصريح باسقاطها. والخامس: إلى التصريح أو ما يدل عليه، كقوله: بع لمن شئت، أو هبه، وكذا قوله: بعنيه، أو هبه لي، أو قاسمين. وقيل: لا تبطل بهذا، وللمشتري إذا لم يأخذ الشفيع ولم يعفو أن يرفعه إلى الحاكم ليلزمه الاخذ أو العفو. وفي قول: ليس له ذلك، تنزيلا للشفيع منزلة مستحق القصاص، والتفريع ع لى قول الفور. (وإنما نحكم بالفور) بعد علم الشفيع بالبيع. فلو لم يعلم حتى مضى

(4/188)


سنون، فهو على شفعته، ثم إذا علم، لا يكلف المبادرة، على خلاف العادة بالعدو ونحوه، بل يرجع فيه إلى العرف، فما عد تقصيرا وتوانيا في الطلب، يسقط الشفعة، وما لا يعد تقصيرا لعذر، لا يسقطها. والعذر ضربان. أحدهما: ما لا ينتظر زواله عن قرب كالمرض، فينبغي للمريض أن يوكل إن قدر. فان لم يفعل، بطلت شفعته على الاصح، لتقصيره. والثاني: لا. والثالث إن لم يلحقه في التوكيل منة ولا مؤنة ثقيلة، بطلت، وإلا، فلا. فان لم يمكنه، فليشهد على الطلب. فإن لم يشهد، بطلت على الاظهر أو الاصح. والخوف من العدو، كالمرض، وكذا الحبس إذا كان ظلما أو بدين هو معسر به عاجز عن بينة الاعسار. وإن حبس بحق، بأن كان مليئا، فغير معذور، ومثله الغيبة. فإذا كان الشفيع في بلد آخر، فعليه أن يخرج طالبا عند بلوغ الخبر، أو يبعث وكيلا، إلا أن يكون الطريق مخوفا، فيجوز التأخير إلى أن يجد رفقة معتمدين يصحبهم هو أو وكيله ويزول الحر والبرد المفرطان. وإذا أخر لذلك، أو لم يمكنه السير بنفسه، ولا وجد وكيلا، فليشهد على الطلب. فإن لم يشهد، ففي بطلان حقه الخلاف السابق، وأجري ذلك في وجوب الاشهاد إذا سار طالبا في الحال. والاظهر هنا: أنه لا يجب، ولا تبطل شفعته بتركه، كما لو أرسل وكيلا ولم يشهد، فإنه يكفي. وليطرد فيما إذا كان حاضرا في البلد فخرج إليه أو إلى مجلس الحكم كما سبق في الرد بالعيب. الضرب الثاني: ما ينتظر زواله عن قرب، بأن كان مشغولا بصلاة، أو طعام، أو قضاء الحاجة، أو في حمام، فله الاتمام، ولا يكلف قطعها، على خلاف العادة على الصحيح. وقيل: يكلف قطعها حتى الصلاة إذا كانت نافلة. وعلى الصحيح: لو دخل وقت الاكل أو الصلاة أو قضاء الحاجة، جاز له أن يقدمها، فإذا فرغ طلب الشفعة، ولا يلزمه تخفيف الصلاة والاقتصار على ما يجزئ.

(4/189)


فرع لو رفع الشفيع الامر إلى القاضي، وترك مطالبة المشتري مع حضوره، جاز، وقد ذكرناه في الرد بالعيب. ولو أشهد على الطلب، ولم يراجع المشتري ولا القاضلم يكف. وإن كان المشتري غائبا، فالقياس: أن يرفع الامر إلى القاضي ويأخذ كما ذكرنا هناك. وإذا ألزمناه الاشهاد فلم يقدر عليه، فهل يؤمر أن يقول: تملكت الشقص ؟ وجهان سبق نظيرهما هناك. ولو تلاقيا في غير بلد الشقص، فأخر الشفيع الاخذ إلى العود إليه، بطل حقه، لاستغناء الآخذ عن الحضور عند الشقص.
فصل إذا أخر الطلب ثم قال: أخرت لاني لم أصدق المخبر، فان أخبره عدلان، أو عدل وامرأتان، بطل حقه، وإن أخبره من لا يقبل خبره، ككافر، وفاسق، وصبي، لم يبطل. وإن أخبره ثقة، حر أو عبد، بطل حقه على الاصح. والمرأة كالعبد على المذهب. وقيل: كالفاسق. وعلى هذا، في النسوة وجها ن بناء على أن المدعي هل يقضي له بيمينه مع امرأتين ؟ إن قلنا: لا، فهو كالمرأة، وإلا، فكالعدل الواحد، هذا كله إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدا لا يمكن التواطؤ على الكذب. فان بلغه، بطل حقه (و) إن كانوا فساقا. فرع لو كذبه المخبر فزاد في قدر الثمن، بأن قال: باع الشريك الشقص بألف، فعفا أو توانى، ثم بان بخمسمائة، لم يبطل حقه. ولو كذب بالنقص، فقال: باع بألف فعفا، فبان بألفين، بطل حقه. ولو كذب في تعيين المشتري، فقال باع زيدا، فعفا، فبان عمرا، أو قال المشتري: اشتريت لنفسي، فبان وكيلا، أو كذب في جنس الثمن، فقال: باع بدراهم، فبان دنانير، وفي نوعه، فقال: باع بنيسابورية، فبان ب‍ هروية، أو في قدر المبيع، فقال: باع كل نصيبه، فبان بعضه، أو بالعكس، أو باع حالا، فبان مؤجلا، أو إلى شهر، فبان إلى شهرين، أو باع رجلين، فبان رجلا، أو عكسه، لم يبطل حقه، لاختلاف الغرض بذلك. وشذ الامام عن الاصحاب فقال: إذا أخبر بالدراهم أو الدنانير،

(4/190)


فعفا، فبان عكسه ولم يتفاوت القدر عند التقويم، بطل حقه. ولو قيل: باع بكذا مؤجلا فعفا، فباع حالا، أو باع كله بألف، (فبان بعضه بألف)، بطل حقه قطعا. فرع لقي المشتري فقال: السلام عليكم، أو سلام عليك، أو سلام عليكم، لم تبطل شفعته، لانه سنة. قال الامام: ومن غلا في اشتراط قطع ما هو مشغول به من الطعام وقضاء الحاجة، لا يبعد أن يشترط فيه ترك الابتداء بالسلام. ولو قال عند لقائه: بكم اشتريت ؟ فوجهان، قطع العراقيون بالبطلان، وقالوا: حقه أن يظهر الطلب ثم يبحث. والاصح: المنع، لافتقاره إلى تحقيق ما يأخذه به. ولو قال: بارك الله لك في صفقتك، لم تبطل على الاصح، وبه قطع الجمهور. ولو قال: اشتريت رخيصا وما أشبهه، بطلت شفعته، لانه فضول. فرع أخر الطلب ثم اعتذر بمرض أو حبس أو غيبة، وأنكر المشتري، فالقول قول الشفيع إن علم به العارض الذي ادعاه، وإلا، فالمصدق المشتري. ولو قال: لم أعلم ثبوت حق الشفعة، أو كونها على الفور، فهو كما سبق في الرد بالعيب. فصل إذا باع الشفيع نصيبه، أو وهبه عالما بثبوت شفعته، بطلت، سواء قلنا: الشفعة على الفور أو التراخي لزوال ضرر المشاركة. ولو باع بعضه، بطلت على الاظهر. وإن باع نصيبه جاهلا بالشفعة، بطلت على الاصح، لزوال الضرر. ولو باع بعضه جاهلا، أطلق البغوي: أنها لا تبطل. والوجه: أن يكون على القولين إن قلنا: إن بيع الجميع جاهلا يبطلها. قلت: الاصح هنا على الجملة: أنها لا تبطل لعذره مع بقاء الحاجة

(4/191)


للمشاركة. والله أعلم فصل إذا صالح من حق الشفعة على مال، فهو على ما ذكرناه في الصلح عن الرد بالعيب. واختار أبو إسحاق المروزي صحته. ولو تصالحا على أخذ بعض الشقص، فهل يصح لرضى المشتري بالتبعيض، أم تبطل شفعته، أم يبطل الصلح ويبقى خياره بين أخذ الجميع وتركه ؟ فيه ثلاثة أقوال.
فصل في مسائل منثورة إحداها : للمفلس العفو عن الشفعة، والاخذ، ولا اعتراض عليه للغرماء، وينبغي أن يعود في أخذه الخلاف السابق في شرائه في الذمة. ثم الكلام في أنه من أين يؤدي الثمن ؟ ذكرناه في التفليس. الثانية: وهب شقصا لعبده وقلنا: يملك، فباع شريكه، ثبت للعبد الشفعة، قاله أبو محمد. وفي افتقاره إلى إذن السيد، وجهان. الثالثة: لعامل القراض الاخذ بالشفعة فإن لم يأخذ فللمالك الاخذ ولو اشترى مال القاضي شقصا من شريك رب المال، فلا شفعة له على الاصح. وإن كان العامل شريكا فيه، فله الاخذ إن لم يكن في المال ربح، أو كان وقلنا: لا يملك بالظهور. فإن قلنا: يملك به، فعلى الوجهين في المالك. الرابعة: إذا كان الشقص في يد البائع، فقال الشفيع: لا أقبضه إلا من المشتري، فوجهان. أحدهما: له ذلك، ويكلف الحاكم المشتري أن يتسلمه ويسلم إلى الشفيع. فإن كان غائبا نصب الحاكم من ينوب عنه في الطرفين. والثاني: لا يكلف ذلك، بل يأخذه الشفيع من البائع. وسواء أخذه من المشتري أو البائع، فعهدة الشفيع على المشتري، لان الملك انتقل إليه منه. قلت: الاول أصح، وبه قطع صاحب التنبيه وآخرون، هكذا ذكر الوجهين صاحب الشامل وآخرون، وذكر القاضي أبو الطيب، وصاحب المهذب وآخرون في جواز أخذ الشفيع من البائع وجهين، وقطع صاحب

(4/192)


لتنبيه بالمنع. وصحح المتولي الجواز، ذكره في باب حكم البيع قبل القبض. والله أعلم الخامسة: اشترى شقصا بشرط البراءة من العيوب، فإن أبطلنا البيع، فذاك، وإن صححناه وأبطلنا الشرط، فكالشراء مطلقا. وإن صححنا الشرط، فللشفيع رده بالعيب على المشتري، وليس للمشتري الرد. السادسة: لو علم الشفيع العيب ولم يعلمه المشتري، فلا رد للشفيع، وليس للمشتري طلب الارش، لانه استدرك الظلامة، أو لانه لم ييأس من الرد. فلو رجع إليه ببيع وغيره، لم يرد على العلة الاولى، ويرد على الثانية. السابعة: قال أحد الشريكين للآخر: بع نصيبك فقد عفوت عن الشفعة، فباع، ثبتت الشفعة، ولغا العفو. قلت: وكذا لو قال للمشتري: اشتر فلا أطالبك بشفعة، لغا عفوه. والله أعلم الثامنة: باع شقصا، فضمن الشفيع العهدة للمشتري، لم تسقط شفعته. وكذا إذا شرطنا الخيار للشفيع، وصححنا شرطه للاجنبي. التاسعة: أربعة بينهم دار، فباع أحدهم نصيبه واستحق الشركاء الشفعة، فشهد اثنان منهم على الثالث بالعفو، قبلت شهادتهما إن شهدا بعد عفوهما، وإن شهدا قبله، لم تقبل. فلو عفوا ثم أعادا تلك الشهادة، لم تقبل أيضا للتهمة وإن شهدا بعد عفوهما، قبلت شهادة العافي دون الآخر، فيحلف المشتري مع العافي، ويثبت العفو. ولو شهد البائع على عفو الشفيع قبل قبض الثمن، لم تقبل، لانه قد يقصد الرجوع بتقدير الافلاس. وإن كان بعد القبض، فوجهان، لانه ربما توقع العود بسبب ما. العاشرة: أقام المشتري بينة بعفو الشفيع، وأقام الشفيع بينة بأخذه بالشفعة والشقص في يده، فهل بينة الشفيع أولى لقوتها با ليد، أم بينة المشتري لزيادة علمها بالعفو ؟ وجهان. أصحهما: الثاني.

(4/193)


الحادية عشرة: شهد السيد بشراء شقص فيه شفعة لمكاتبه، قال الشيخ أبو محمد: تقبل شهادته. قال الامام: كأنه أراد أن يشهد للمشتري إذا ادعى الشراء، ثم ثبتت الشفعة تبعا. فأما شهادته للمكاتب، فلا تقبل بحال. الثا نية عشرة: الشفيع صبي، فعلى وليه الاخذ إن كان فيه مصلحة، وإلا، فيحرم الاخذ. وإذا ترك بالمصلحة، ثم بلغ، فهل له الاخذ ؟ فيه خلاف سبق في الحجر. الثالثة عشرة: بينهما دار، فمات أحدهما عن حمل، فباع الآخر نصبيه، فلا شفعة للحمل، لانه لا يتيقن وجوده. فإن كان له وارث غير الحمل، فله الشفعة. وإذا انفصل حيا، فليس لوليه أن يأخذ شيئا من الوارث. ولو ورث الحمل شفعة عن مورثه، فهل لابيه أو لجده الاخذ قبل انفصاله ؟ وجهان، وبالمنع قال ابن سريج، لانه لا يتيقن. الرابعة عشرة: إذا أخذ الشفيع الشقص، وبنى فيه، أو غرس، فخرج مستحقا، وقلع المستحق بناءه وغراسه، فالقول فيما يرجع به الشفيع على المشتري من الثمن وما نقص من قيمة البناء والغراس وغير ذلك، كالقول في رجوع المشتري من الغاصب عليه. الخامسة عشرة: مات وله شقص من دار، وعليه دين مستغرق، فباع الشريك حصته قبل بيع الشقص في الدين، قا ابن الحداد: للورثة أخذه بالشفعة، وهذا تفريع على الصحيح: أن الدين لا يمنع انتقال الملك في التركة إلى الورثة. وإن قلنا: يمنع، فلا شفعة لهم. ولو خلف دارا كاملة وعليه دين لا يستغرقها، فبيع بعضها في الدين، قال ابن الحداد: لا شفعة للورثة فيما بيع بما بقي لهم من

(4/194)


الملك، وهذا مستمر على الصحيح، فإنهم إذا ملكوا الدار، كان المبيع جزءا من ملكهم. ومن يبع من ملكه جزءا بحق، ليكن له استرجاعه بالباقي. وإن قلنا: يمنع، فهل يمنع في قدر الدين، أم في الجميع ؟ فيه خلاف مذكور في موضعه. وإن قلنا بالثاني، فلا شفعة لهم أيضا، وإلا، فلهم. ولو كانت الدار مشتركة بين الميت وورثته، فبيع نصيبه أو بعضه في دينه ووصيته، فقال الجمهور: لا شفعة. وقال ابن الحداد: لهم الشفعة، لان ما بيع في دينه كما لو باعه في حياته، وهو خلاف مقتضى الاصل المذكور، فإنهم إذا ملكوا التركة صار جميع الدار لهم، فيكون المبيع جزءا من ملكهم.
فصل في الحيل الدافعة للشفعة منها : أن يبيع الشقص بأضعاف ثمنه دراهم، ويأخذ عرضا قيمتمثل الثمن الذي تراضيا عليه عوضا عن الدراهم، أو يحط عن المشتري ما يزيد عليبعد انقضاء الخيار. ومنها: ما قاله ابن سريج: يشتري أولا بائع الشقص عرضا يساوي ثمن الشقص بأضعاف ذلك الثمن، ثم يجعل الشقص عوضا عما لزمه. ومنها أن يبيع جزءا من الشقص بثمن كله، ويهب له الباقي، وهذه الطرق فيها غرر، فقد لا يفي صاحبه. ومنها: أن يجعل الثمن حاضرا مجهول القدر، ويقبضه البائع ولا يزنه، بل ينفقه أو يخلطه فتندفع الشفعة على الصحيح. وفيها خلاف ابن سريج السابق. ومنها: إذا وقف الشقص، أو وهبه، بطلت الشفعة على رأي أبي إسحاق. ومنها: لو باع بعض الشقص، ثم باع الباقي، لم يكن للشفيع أن يأخذ جميع المبيع ثانيا على أحد الوجهين، فيندفع أخذ جميع المبيع. ومنها: لو وكل البائع شريكه بالبيع، فباع، لم تكن له الشفعة على أحد الوجهين. وقد سبق ذكر هذه المسائل. قلت: ومنها: أن يهب له الشقص بلا ثواب، ثم يهب له صاحبة قدر قيمته، قال الشيخ أبو حامد: هذا لا غرر فيه، لانه يمكنه أن يحترز من أن لا يفي صاحبه، بأن يهبه ويجعله في يد أمين ليقبضه إياه، ويهبه صاحبه قدر قيمته، ويجعله في يد

(4/195)


أمين ليقبضه إياه، ثم يتقابضا في حالة واحدة. والله أعلم فرع عند أبي يوسف: لا يكره دفع الشفعة بالحيلة، إذ ليس فيها دفع حق على الغير، فإنه إنما يثبت بعد البيع. وعند محمد بن الحسن: يكره دفع الشفعة بالحيلة، لما فيها من إبقاء الضرر، وهذا أشبه بمذهبنا في الحيلة في منع وجوب الزكاة. قلت: عجب من الامام الرافعي رحمه الله كيف قال ما قال، مع أن المسألة مسطورة، وفيها وجهان. أصحهما، وبه قال ابن سريج، والشيخ أبو حامد: تكره هذه الحيلة. والثاني: لا، قاله أبو حاتم القزويني في كتاب الحيل. أما الحيل في دفع شفعة الجار، فلا كراهة فيها قطعا، وفيها من الحيل غير ما سبق (ما) ذكره المتولي أنه يشتري عشر الدار مثلا بتسعة أعشار الثمن، فلا يرغب الشفيع لكثرة الثمن، ثم يشتري تسعة أعشاره بعشر الثمن، فلا يتمكن الجار من الشفعة، لان المشتري حالة الشراء شريك في الدار، والشريك مقدم على الجار، أو يخط البائع على طرف ملكه خطا مما يلي دار جاره، ويبيع ما وراء الخط فتمتنع شفعة الجار، لان بين ملكه وبين المبيع فاصلا، ثم يهبه الفاصل. والله أعلم

(4/196)