روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب الغصب
للاصحاب رحمهم الله، عبارات في معنى الغصب. إحداها: أنه أخذ مال الغير على جهة التعدي، وربما قيل: الاستيلاء على مال الغير. الثانية: وهي أعم من الاولى: أنه الاستيلاء على مال الغير بغير حق. واختار الامام هذه العبارة، وقال: لا حاجة إلى التقييد بالعدوان، بل يثبت الغصب وحكم من غير عدوان، كما لو أودع ثوبا عند رجل، ثم جاء المالك فأخذ ثوبا

(4/92)


للمودع وهو يظنه ثوبه، أو لبسه المودع على ظن أنه ثوبه. الثالثة: وهي أعم من الاوليين: أن كل مضمون على ممسكه فهو مغصوب، كالمقبوض بالبيع الفاسد، والوديعة إذا تعدى فيها المودع، الرهن إذا تعدى فيه المرتهن. وأشبه العبارات وأشهرها هي الاولى. وفي الصورة المذكورة، الثابت حكم الغصب، لا حقيقته. قلت: كل هذه العبارات ناقصة، فإن الكلب وجلد الميتة وغيرهما مما ليس بمال، لا يدخل فيها مع أنه يغصب، وكذلك الاختصاصات بالحقوق، فالاختيار: أنه الاستيلاء على حق الغير بغير حق. والله أعلم. وقد تظاهرت نصوص الكتاب والسنة وإجماع الامة، على تحريم الغصب، وفيه بابان.

(4/93)


الاول : في الضمان، وفيه أربعة أطراف.
الاول : في الموجب للضمان، والغصب وإن كان موجبا للضمان، فلا ينحصر الموجب فيه، بل الاتلاف أيضمضمن، وكذلك الاستعارة والاستيام وغيرهما، والاتلاف يكون بالمباشرة، أو بالتسبب، وماله مدخل في الهلاك، فقد يضاف إليه الهلاك حقيقة، وقد، لا. ومالا، يقصد فقد بتحصيله حصول ما يضاف إليه الهلاك حقيقة، وقد، لا، لان الذي يضاف إليه الهلاك يسمى علة، والاتيان به، مباشرة، وما لا يضاف إليه الهلاك ويقصد بتحصيله ما يضاف إليه، يسمى سببا، والاتيان به، تسببا. وهذا القصد والتوقع، قد يكون لتأثيره بمجرده فيه، وهو علة العلة، وقد يكون بإنضمام أمور إليه وهي غير بعيدة الحصول. فمن المباشرة: القتل، والاكل، والاحراق. ومن التسبب: الاكراه على أتلاف مال الغير. ومنه ما إذا حفر بئرا في محل عدوان، فتردت فيها بهيمة، أو عبد، أو حر، فإن رداه غيره، فالضمان على المباشرة المردي، لان المباشر مقدمة على السبب، وسيأتي تمام هذا وبيان محل العدوان في كتاب الجنايات إن شاء الله تعالى. فرع لو فتح رأس زق فضاع ما فيه، نظر، إن كان (مطروحا) على الارض فاندفق ما فيه بالفتح، ضمن. وإن كان منتصبا لا يضيع ما فيه لو بقي كذلك، لكنه سقط، نظر إن سقط بفعله بأن كان يحرك الوكاء ويجذبه حتى أفضى إلى السقوط، ضمن، وكذا لو سقط بما يقصد تحصيله بفعله، بأن فتح رأسه، فأخذ ما فيه في التقاطر شيئا فشيئا، حتى ابتل أسفله وسقط، ضمن. وإن سقط بعارض، كزلزلة، أو هبوب ريح، أو وقوع طائر، فلا ضمان، ولو فتح رأسه فأخذ ما فيه في الخروج، ثم جاء آخر ونكسه مستعجلا، فضمان الخارج بعد النكس، هل هو عليهما كالجارحين، أم على الثاني فقط كالحاز مع الجارح ؟ فيه

(4/94)


وجهان. أصحهما: الثاني. هذا إذا كان ما في الزق مائعا. فإن كان جامدا فطلعت الشمس فأذابته وضاع، أو ذاب بمرور الزمان وتأثير حرارة الريح فيجب الضمان على الاصح. ويجري الوجهان، فيما لو أزال أوراق العنب وجرد عناقيده للشمس فأفسدتها، وفيما لو ربح شاة رجل فهلكت سخلتها، أو حمامة فهلك فرخها، لفقد ما يصلح لهما. ولو جاء آخر وقرب نارا من الجامد فذاب وضاع، فوجهان. أحدهما: لا ضمان على واحد منهما، وأصحهما: يضمن الثاني. ويجري الوجهان فيما لو قرب الفاتح ايضا النار، وفيما لو كان رأس الزق مفتوحا فجاء رجل وقرب منه النار. فرع لو حل رباط سفينة فغرقت بالحل، ضمن، ولو غرقت بحادث، كهبوب ريح أو غيره، لم يضمن. وإن لم يظهر حادث، فوجهان. وليكن الامر كذلك في مسألة الزق إذا لم يظهر حادث لسقوطه. فرع فتح قفصا عن طائر وهيجه حتى طار، ضمنه. فإن لم يزد على الفتح، فثلاثة أقوال. أظهرها: إن طار في الحال، ضمن، وإلا، فلا. والثاني: يضمن مطلقا. والثالث: لا يضمن مطلقا. وفي ما جمع في فتاوى القفال - تفريعا على وجوب الضمان إذا طار في الحال -: أ نه لو وثبت هرة بمجرد فتح القفص، ودخلته وقتلت الطائر، لزمه الضمان، لانه في معنى إغراء الهرة، وأنه لو كان القفص مغلقا فاضطرب بخروج الطائر وسقط فانكسر، لزم الفاتح ضمانه. وأنه لو كسر الطائر في خروجه قارورة رجل، لزمه ضمانها، لان فعل الطائر منسوب إليه، وأنه لو كان شعير في جراب مشدود الرأس، بجنبه حمار، ففتح رأسه

(4/95)


فأكله الحمار في الحال، لزم الفاتح ضمانه، ولو حل رباط بهيمة، أو فتح باب الاصطبل فخرجت وضاعت، فالحكم على ما ذكرنا في القفص. ولو خرجت في الحال وأتلفت زرع رجل، قال القفال: إن كان نهارا، لم يضمن الفاتح، وإن كان ليلا، ضمن، كدابة نفسه. وقال العراقيون: لا يضمن، إذ ليس عليه حفظ بهيمة الغير عن الزروع. قلت: قطع ابن كج بما قاله القفالو الله أعلم ولو حل قيد العبد المجنون، أو فتح باب السجن، فذهب، فهو كما لو حل رباط البهيمة. وإن كان العبد عاقلا، نظر، إن لم يكن آبقا، فلا ضمان، لان له إختيارا صحيحا، فذهابه محال عليه، وإن كان آبقا، فلا ضان أيضا على الاصح، وقيل: هو كحل رباط البهيمة، ففيه فرع لو وقع طائر على جداره، فنفره، لم يضمن، لانه كان ممتنعا قبله، التفصيل ولو رماه في الهواء فقتله، ضمنه، سواء هواء داره وغيره، إذ ليس له منع الطائر من هواء ملكه. فرع لو فتح باب الحرز فسرق غيره، أو دل سارقا فسرق، أو أمر غاصبا فغصب، أو بنى دارا فألقت الريح فيها ثوبا وضاع، فلا ضمان عليه: ولو حبس المالك عن ماشيته جتى تلفت، فلا ضمان، لانه لم يتصرف في المال، كذا قالوه، ولعل صورته فيما إذا لم يقصد منعه عن الماشية، وإنما قصد حبسه فأفضى الامر إلى هلاكها، لان المتولي قال: لو كان له زرع ونخيل، وأراد

(4/96)


سوق الماء إليها فمنعه ظالم من السقي حتى فسدت، ففي الضمان الوجهان فيما لو فتح الزق عن جامد فذاب بالشمس وضاع. قلت: الاصح في صورتي الحبس عن الماشية والسقي: أنه لا ضمان، بخلاف فتح الزق لما ذكرنا أنه لم يتصرف في المال. والله أعلم ولو غصب هادي القطيع فتبعه القطيع، أو غصب البقرة فتبعها العجل، لم يضمن القطيع والعجل على الاصح. فرع لو نقل صبيا حرا إلى مضيعة، فاتفق سبع فافترسه، فلا ضمان لاحالة الهلاك على اختيار الحيوان ومباشرته. ولو نقله إلى مسبعة فأفترسه سبع، فلا ضمان أيضا، هذا هو المذهب والمعروف في كتب لاصحاب، وذكر الغزالي فيه وجهين، وليس بمعروف. فصل إثبات اليد العادية سبب للضمان، وينقسم إلى مباشرة، بأن يغصب الشئ فيأخذه من يد مالكه، وإلى التسبب، وهو في الاولاد وسائر الزوائد، لان إثبات اليد على الاصول سبب لاثباتها على الفروع، فيكون ولد المغصوب وزوائد ه مغصوبة. ثم إثبات اليد العادية يكون في المنقول والعقار.

(4/97)


أما المنقول، فالاصل فيه النقل، لكن لو ركب دابة غيره، أو جلس على فراش غيره ولم ينقله، في كونه غاصبا ضامنا، وجهان. أصحهما: نعم، سواء قصد الاستيلاء أم لا. قال المتولي: وهذا إذا كان المالك غائبا، أما إذا كان حاضرا، فإن أزعجه وجلس على الفراش، أو لم يزعجه وكان بحيث يمنعه من رفعه والتصرف فيه، فيضلنه قطعا، وقياس ما يأتي إن شاء الله تعالى في نظيره من العقار: أن لا يكون غاصبا إلا لنصفه. وأما العقار، فإن كان مالكه فيه، فأزعجه ظالم ودخل الدار بأهله على هيئة من يقصد السكن، فهو غاصب، سواء قصد الاستيلاء، أم لا، لا ن وجود الاستيلاء يغني عن قصده، ولو سكن بيتا من الدار، ومنع المالك منه دون باقي الدار، فهو غاصب لذلك البيت دون باقي الدار. وإن أزعج المالك ولم يد خل الدار، فالمذهب والذي يدل عليه كلام جماهير الاصحاب: أنه غاصب، فلم يعتبروا في الغصب إلا الاستيلاء ومنع المالك عنه، وقال الغزالي: لا يكون غصبا، واعتبر دخول الدار في غصبها، أما إذا لم يزعج المالك، ولكن دخل واستولى معه، فهو غاصب لنصف الدار، لاجتماع يدهما واستيلائهما، فإن كان الداخل ضعيفا، والمالك قوي لا يعد مثله مستوليا عليه، لم يكن غاصبا لشئ من الدار، ولا اعتبار بقصد ما لا يتمكن من تحقيقه. أما إذا لم يكن هناك مالك، فدخل على قصد الاستيلاء، فهو غاصب وإن كان ضعيفا وصاحب الدار قويا، لان الاستيلاء حاصل في الحال، وأثر قوة المالك إنما هو سهولة إزالته والانتزاع من يده، فصار كما لو سلب قلنسوة ملك، فإنه غاصب وإن سهل على المالك انتزاعها. وفي وجه: لا يكون غصبا، لان مثله في العرف يعد

(4/98)


هزءا، ولا يعد استيلاء، وهو شاذ ضعيف، وإن دخل لا على قصد الاستيلاء، بل لينظر، هل يصلح له، أو غير ذلك ؟ لم يكن غاصبا. قال المتولي: لكن لو انهدمت في تلك الحال، هل يضمنها ؟ وجهان. أحد هما: نعم، كما لو أخذ منقولا من بين يدي مالكه لينظر هل يصلح له ليشتريه، فتلف في تلك الحال، فأنه يضمنه. وأصحهما: لا، لان اليد على المنقول حقيقة. ولو اقتطع قطعة أرض ملاصقة لارضه، وبنى عليها حائطا وأضافها إلى ملكه، ضمنها، لوجود الاستيلاء. فصل فيما إذا انبنت على يد الغاصب يد أخرى قد سبق معظم مسائله في كتاب الرهن، وحاصله: أن كل يد ترتبت على يد الغاصب، فهي يد ضمنان، فيتخير المالك عند التلف، بين مطالبة الغاصب، ومن ترتبت يده على يده، سواء علم المغصوب أم لا، لانه أثبت يده على مال غيره بغير إذنه، فالجهل ليس مسقطا للضمان. ثم الثاني، أن علم الغصب، فهو غاصب من الغاصب، فيطالب بكل ما يطالب به الغاصب، وإن تلف المغصوب في يده، فقرار الضمان عليه. فإذا غرم، لا يرجع على الاول، وإذا غرم الاول رجع عليه، هذا إذا لم تختلف قيمته في يدهما، أو كانت في يد الثاني أكثر، فلو كانت في يد الاول أكثر، لم يطالب بالزيادة إلا الاول، وتستقر عليه. أما إذا جهل الثاني الغصب، فإن كانت اليد في وضعها يد ضمان كالعارية، استقر الضمان على الثاني. وإن كانت يد أمانة كالوديعة، استقر على الغاصب على المذهب. وفي وجه: تستقر على المودع وفي وجه: لا يطالب المودع أصلا، وقد سبق بيان هذا الفصل في أواخر

(4/99)


الباب الثالث من كتاب الرهن بزيادة على هذا، والقرض معدود من أيدي الضمان. ولو وهب المغصوب، فهل القرار على الغاصب لانها ليس يد ضمان، أم على المتهب لانه أخذه للتملك ؟ قولان. أظهرهما: الثاني. ولو زوج المغصوبة فتلفت عند الزوج، فالمذهب: أنه لا يطالب الزوج بقيمتها قطعا. وقيل: كا لمودع. فرع إذا أتلف القابض من الغاصب، نظر، إن استقل بالاتلاف، فقرار الضمان عليه. وإن حمله الغاصب عليه، بأن غصب طعاما فقدمه إليه ضيافة فأكله، فالقرار على الاكل أن كان على عالما، وكذا إن كان جاهلا على الاظهر المشهور في الجديد. فعلى هذا، إن ضمنه، لم يرجع على الغاصب، وإن ضمن الغاصب، رجع عليه. وعلى القول الاخر بالعكس، هذا إذا قدمه إليه وسكت. فإن قال: هو ملكي، فإن ضمن الاكل، ففي رجوعه على الغاصب القولان. وإن ضمن الغاصب، فالمذهب: أنه لا يرجع قطعا، لانه معترف بأنه مظلوم، فلا يرجع على غير ظالمه. وقال المزني: يرجع عليه، وغلطه الاصحاب. ولو وهب المغصوب فأتلفه المتهب، فالقولان، وأولى بالاستقرار على المتهب. فرع لو قدم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان فأكله، فإن جعلنا القرار على الحر الاكل، فهذه جناية من العبد يباع فيها، وإلا، فلا يباع، وإنما يطالب الغاصب كما لو قدم شعيرا مغصوبا إلى بهيمة بغير إذن مالكها. فرع غصب شاة وأمر قصابا بذبحها جاهلا با لحال، فقرار ضمان النقص على الغاصب، ولا يخرج على القولين في آكل الطعام، لا نه ذبح الغاصب، وهناك انتفع بأكله.

(4/100)


فرع لو أمر الغاصب رجلا باتلاف المغصوب بالقتل والاحراق ونحوهما، ففعله جاهلا بالغصب، فالمذهب: القطع با لاستقرار على المتلف، لانه حرام، بخلاف الاكل، ولا أثر للتغرير مع التحريم، وقيل على القولين. فرع قدم المغصوب إلى مالكه، فأكله جاهلا بالحال، فإن قلنا في التقديم إلى الاجنبي: القرار على الغاصب، لم يبرأ من الضمان. وإلا، فيبرأ، وربما نصر العراقيون الاول. ونقل الامام عن الاصحاب إن البراءة هنا أولى من الاستقرار على الاكل. ولو أودعه للمالك، أو رهنه عنده، أو أجره إياه جاهلا بالحال، فتلف عنده، لم يبرأ من الضمان على المذهب، وقيل بالقولين. ولو باعه للمالك، أو أقرضه، أو أعاره فتلفت عنده، برئ الغاصب. ولو دخل المالك دار الغاصب، فأكل طعاما يظنه للغاصب، فكان هو المغصوب، برئ الغاصب، ولو صال العبد المغصوب على مالكه، فقتله المالك للدفع، لم يبرأ الغاصب، سواء علم أنه عبده، أم لا، لان الاتلاف بهذه الجهة كاتلاف العبد نفسه، ولهذا لو كان العبد لغيره، لم يضمنه. وفي وجه: يبرأ عند العلم، لاتلافه مال نفسه لمصلحته، وهو ضعيف. فرع زوج المغصوبة بمالكها جاهلا، فتلفت عنده، فهو كما لو أودعها عنده فتلفت، فلو استولدها، نفذ الاستيلاد وبرء الغاصب على المذهب. ولو قال الغاصب للمالك: أعتق هذا، فأعتقه جاهلا، نفذ العتق على الاصح، لانه لا يبطل بالجهل، فعلى هذا، يبرأ الغاصب على الاصح، لعود مصلحة العتق إليه. وعلى الثاني: لا يبرأ، فيطالبه بقيمته. ولو قال: أعتقه عني، ففعل جاهلا، ففي نفوذ العتق وجهان، إن نفذ، ففي وقوعه عن الغاصب،

(4/101)


وجهان. الصحيح: المنع. ولو قال المالك للغاصب: أعتقه عني، أو مطلقا، فأعتقه، عتق وبرئ الغاصب.
الطرف الثاني : في المضمون، قال الاصحا ب رحمهم الله: المضمون هو المعصوم، وهو قسمان. أحدهما: ما ليس بمال، وهو الاحرار، فيضمنون بالجناية على النفس والطرف، بالمباشرة تارة، وبالتسبب أخرى، وتفصيله في كتاب الديات. الثاني: ما هو مال، وهو نوعان: أعيان، ومنافع. والاعيان ضربان: حيوان وغيره. والحيوان صنفان: آدمي وغيره. أما الادمي: فيضمن النفس والطرف من الرقيق بالجناية كما يضمن الحر، ويضمن أيضا باليد العادية. وبدل نفسه: قيمته بالغة ما بلغت، سواء قتل أو تلف تحت اليد العادية. وأما الاطراف والجراحات، فما كان منها لا يتقدر واجبه في الحر، فواجبه في الرقيق ما نقص من قيمته، سواء حصل بالجناية، أو فات تحت اليد العادية، وما كان مقدرا في الحر، ينظر، إن حصل بجناية، فقولان. الجديد الاظهر: أنه يتقدر من الرقيق أيضا، والقيمة في حقه كالدية في حق الحر، فيجب في يد العبد نصف قيمته، كما يجب في يد الحر نصف ديته، وعلى هذا، القياس. والقديم: الواجب ما نقص من قيمته كسائر الاموال. وأما ما يتلف تحت اليد العادية، كمن غصب عبدا فسقطت يده بآفة سماوية، فالواجب فيه ما ينقص على الصحيح. وفي وجه: إن كان النقص أقل من المقدر، وجب ما يجب على الجاني، فعلى الجديد: لو قطع الغاصب المغصوب، لزمه اكثر الامرين من نصف القيمة والارش. لو قطع يديه، فعليه كمال القيمة. وكذا لو قطع أنثييه، فزادت قيمته. ولو كان الناقص بقطع الغاصب ثلثي قيمته، وجب ثلثا قيمته على القولين.

(4/102)


أما على القديم، فلانه قدر النقص. وأما على الجديد، فالنصف بالجناية، والسدس باليد العادية. ولو كان النقص بسقوط اليد بآفة ثلث القيمة، فهو الواجب على القديم، وكذا على الجديد تفريعا على الصحيح، وعلى الوجه الاخر: الواجب نصف قيمته. والمكاتب، والمستولدة، والمدبر، حكمهم في الضمان حكم القن. الصنف الثاني: غير الادمي من الحيوان، فيجب فيه باليد والجناية قيمته، وفي ما تلف من أجزائه ما نقص من قيمته، ويستوي فيه الخيل، والابل، والحمير، وغيرها. الضرب الثاني: غير الحيوان، وهو منقسم إلى مثلي ومتقوم، وسيأتي ضبطهما وحكمهما في الطرف الثالث إن شاء الله تعالى. النوع الثاني: المنافع، وهي أصناف. منها: منافع الاموال من العبيد والثياب والارض وغيرها، وهي مضمونة بالتفويت. والفوات تحت اليد العادية، فكل عين لها منفعة تستأجر لها، يضمن منفتها إذا بقيت في يده مدة لها أجرة حتى لو غصب كتابا وأمسكه مدة وطالعه، أو مسكا فشمه، أو لم يشمه، لزمه أجرته. ولو كان العبد المغصوب يعرف صنائع، لزمه أجرة أعلاها أجرة، ولا يلزمه أجر الجميع. ولو استأجر عينا لمنفعة، فاستعملها في غيرها، ضمنها.

(4/103)


قلت: ذكر القاضي أبو الطيب في تعليقه، أنه لو غصب أرضا ولم يزرعها، وهي مما تنقص بترك الزرع كأرض البصرة وشبهها فإنها إذا لم تزرع نبت فيها الدغل والحشيش، كان عليه رد الحشيش وأجرة الارض، ولم يذكر القاضي أرش النقص. والظاهر: أنه يجب. والله أعلم ومنها: منفعة البضع، فلا تضمن بالفوات تحت اليد، لان اليد لا تثبت عليها، ولهذا يزوج السيد المغصوبة، ولا يؤجرها، كما لا يبيعها، وكذا لو تداعى رجلان نكاح امرأة، ادعيا عليها، ولا يدعي كل واحد منهما على الاخر وإن كانت عنده. وإذا أقرت لاحدهما، حكم بأنها زوجه، وذلك يدل على أن اليد لها، ولان منفعة البضع تستحق إستحقاق ارتفاق للحاجة، وسائر المنافع تستحق استحقاق ملك تام. ولهذا، من ملك منفعة بالاستئجار، ملك نقلها إلى غيره بعوض أو بغيره، والزوج لا يملك، نقل منفعة البضع. فأما إذا فوت منفعة البضع بالوطئ، فيضمن مهر المثل، وسيأتي تفريعه في الفصل الثالث من الباب الثاني إن شاء الله تعالى. ومنها: منفعة بدن الحر، وهي مضمونة بالتفويت. فإذا قهر حرا وسخره في عمل، ضمن أجرته. وإن حبسه وعطل منافعه، لم يضمنها على الاصح، لان الحر لا يدخل تحت اليد، فمنافعه تفوت تحت يده، بخلاف المال، وقال ابن أبي هريرة: يضمنها، ويقرب من الوجهين الخلاف في صورتين. إحداهما: لو إستأجر حرا وأراد أن يؤجره، هل له ذلك ؟ والثانية: إذ أسلم الحر المستأجر نفسه، ولم يستعمله المستأجر إلى انقضاء المدة التي استأجره فيها، هل تتقرر أجرته ؟ قال الاكثرون: له أن يؤجره وتتقرر أجرته. وقال القفال: لا يؤجره ولا تتقرر أجرته، لان الحر لا يدخل تحت اليد، ولا تحصل منافعه في يد المستأجر، ويدخل ضمانه إلا عند وجودها، هكذا ذكر الاصحاب (توجيه) الخلاف في المسائل الثلاث، ولم يجعلوا دخول الحر تحت اليد

(4/104)


مختلفا فيه، بل اتفقوا على عدمه، ولكن من جوز إجارة المستأجر، وقرر الاجرة، بنى الامر على الحاجة والمصلحة، وجعل الغزالي الخلاف في المسائل مبنيا على التردد في دخوله تحت اليد ولم نر ذلك لغيره. فرع في دخول ثياب الحر في ضمان من استولى عليه، تفصيل مذكور في كتاب السرقة. فرع قال المتولي: لو نقل حرا صغيرا أو كبيرا بالقهر إلى موضع، فأن لم يكن له غرض في الرجوع إلى الموضوع الاول، فلا شئ عليه. وإن كان واحتاج إلى مؤنة، فهي على الناقل، لتعديه. ومنها: منفعة الكلب، فمن غصب كلب صيد أو حراسة، لزمه رده مع مؤنة الرد إن كان له مؤنة، وهل تلزمه أجرة منفعته ؟ وجهان، بناء على جواز إجارته. وفيما اصطاده الغاصب بالكلب المغصوب، وجهان. أحدهما: للمالك، كصيد العبد وكسبه. وأصحهما: للغاصب، كما لو غصب شبكة أو قوسا واصطاد بهما، فإنه للغاصب. ويجري الوجهان، فيما لو اصطاد بالبازي والفهد المغصوبين، وحيث كان الصيد للغاصب، لزمه أجرة مثل المغصوب، وحيث كان للمالك كصيد العبد، ففي وجوب الاجرة لزمن الاصطياد وجهان. أصحهما: الوجوب، لانه ربما كان يستعمله في شغل آخر. قلت: والوجهان فيما إذا لم تنقص قيمة الصيد عن الاجرة، فإن نقصت، وجب الناقص قطعا. وألله أعلم فرع المغصوب، إذا دخله نقص، هل يجب أرشه مع الاجرة ؟ نظر، إن كان النقص بسبب غير الاستعمال، بأن غصب ثوبا أو عبدا، فنقصت قيمته بآفة سماوية كسقوط عضو العبد بمرض، وجب الارش مع الاجرة، ثم الاجر الواجبة لما قبل حدوث النقص، أجرة مثله سليما، ولما بعده، أجرة مثله معيبا. وإن كان

(4/105)


النقص بسبب الاستعمال، بأن لبس الثوب فأبلاه، فوجهان. أصحهما: يجبان، والثاني: لا يجب إلا أكثر الامرين من أجرة المثل وأرش النقص. فرع سيأتي إن شاء الله تعالى، أن العبد المغصوب إذا تعذر رده بآفة، غرم الغاصب قيمته للحيلولة، وتلزمه مع ذلك أجرة المثل للمدة الماضية قبل بذل القيمة، وفيما بعدها، وجهان. أصحهما: الوجوب، لبقاء حكم الغصب. ويجري الوجهان في أن الزوائد الحاصلة بعد خفع القيمة، هل تكون مضمونة على الغاصب ؟ وفي أنه هل يلزمه مؤنة ردها ؟ وفي أن جناية الابق في إباقه، هل يتعلق ضمانها بالغاصب ؟ ولو غيب الغاصب المغصوب إلى مكان بعيد، وعسر رده، وغرم القيمة، قال الامام: وطرد شيخي في هذه الصورة، الخلاف في الاحكام المذكورة، ومنهم من قطع بوجوب الاجرة وثبوت سائر الاحكام. والفرق، أنه إذا غيبه بإختياره، فهو باق في يده وتصرفه، فلا ينقطع عنه الضمان. فرع الخمر والخنزير، لا يضمنان (لا) لمسلم ولا لذمي، سواء أراق حيث تجوز الاراقة، أم حيث لا تجوز، ثم خمور أهل الذمة لا تراق إلا إذا تظاهروا بشر بها أو بيعها، ولو غصب منهم والعين باقية، وجب ردها، وإن غصبت من مسلم، وجب ردها إن كانت محترمة، وإن لم تكن محترمة، لم يجب، بل تراق. فرع آلات الملاهي كالبربط والطنبور وغيرهما، وكذا الصنم والصليب، لا يجب في إبطالها شئ، لانها محرمة الاستعمال، ولا حرمة لتلك الصنعة. وفي الحد المشروع في إبطالها، وجهان. أحدهما: تكسر وترضى حتى تنتهي إلى حد لا يمكن اتخاذ آلة محرمة منها،

(4/106)


لا الاولى ولا غيرها. وأصحهما: لا تكسر الكسر الفاحش لكن تفصل. وفي حد التفصيل وجهان. أحدهما: قدر لا يصلح معه للاستعمال المحرم، حتى إذا رفع وجه البربط وبقي على صورة قصعة، كفى، والثاني: أن يفصل إلى حد حتى لو فرض اتخاذ آلة محرمة من مفصلها لنال الصانع التعب الذي يناله في ابتداء الاتخاذ، وهذا بأن يبطل تأليف الاجزاء كلها حتى تعود كما كانت قبل التأليف، وهذا أقرب إلى كلام الشافعي رضي الله عنه وجماهير الاصحاب. ثم ما ذكرناه من الاقتصار على تفصيل الاجزاء، هو فيما إذا تمكن المحتسب منه، أما إذا منعه من في يده ودافعه عن المنكر، فله إبطاله بالكسر قطعا. وحكى الامام اتفاق الاصحاب على أن قطع الاوتار لا يكفي لانها مجاورة لها منفصلة. ومن اقتصر في إبطالها على الحد المشروع، فلا شئ عليه. ومن جاوزه، فعليه التفاوت بين قيمتها مكسورة بالحد المشروع، وبين قيمتها منتهية إلى الحد الذي أنى به. وإن أحرقها فعليه قيمتها مكسورة الحد المشروع. قلت: قال الغزالي في البسيط: أجمعوا على أنه لا يجوز إحراقها، لان رضاضها متمول. ومما يتعلق بهذا الفصل، أن الرجل، والمرأة، والعبد، والفاسق، والصبي المميز، يشتركون في جواز الاقدام على إزالة هذا المنكر وسائر المنكرات، ويثاب الصبي عليها كما يثاب البالغ، ولكن إنما تجب إزالته على المكلف القادر. قال الغزالي في الاحياء: وليس لاحد منع الصبي من كسر الملاهي وإراقة الخمور وغيرهما من المنكرات، كما ليس له منع البالغ، فإن الصبي وإن لم يكن مكلفا، فهو من أهل القرب، وليس هذا من الولايات، ولهذا يجوز للعبد والمرأة وآحاد الرعية، وسيأتي ذلك مبسوطا مع ما يتعلق به في كتاب السير إن شاء الله تعالى. والله أعلم.
الطرف الثالث : وفي قدر الواجب، فما كان مثليا، ضمن بمثله. وما كان متقوما، فبالقيمة.

(4/107)


وفي ضبط المثلي أوجه، أحدها: كل مقدر بكيل أو وزن فهو مثلي، وينسب هذا إلى نص الشافعي رضي الله عنه، لقوله في المختصر: وما له كيل أو وزن، فعليه مثل كيله أو وزنه. والثاني: يزاد مع هذا جواز السلم فيه. والثالث: زاد القفال وآخرون اشتراك جواز بيع بعضه ببعض. والرابع: ما يقسم بين الشريكين من غير تقويم. والخامس، قاله العراقيون: المثلي ما لا تختلف أجزاء النوع منه في القيمة، وربما قيل في الجرم والقيمة. ويقرب منه قول: من قال: المثلي: المتشاكل في القيمة ومعظم المنافع. وما اختاره الامام، هو تساوي الاجزاء في المنفعة والقيمة، فزاد المنفعة، واختاره الغزالي، وزاد من حيث الذات لا من حيث الصنعة. والوجه الاول منقوض با لمعجونات. والثالث: بعيد عن اختيار أكثر الاصحاب لانهم اعرضوا عن هذا الشرط، وقالوا: امتناع بيع بعضه (ببعض) لرعاية الكمال في حال التماثل بمعزل عما نحن فيه. والرابع: لا حاصل له، فأنه منقض بالارض المتساوية، فأنها تنقسم كذلك، وليست مثلية: والخامس: ضعيف أيضا منتقض بأشياء، فالاصح الوجه الثاني، لكن الاحسن أن يقال: المثلي: ما يحصره كيل أو وزن، ويجوز السلم فيه، ولا يقال:

(4/108)


مكيل أو موزون، لان المفهوم منه ما يعتاد كيله ووزنه، فيخرج منه الماء وهو مثلي، وكذا التراب وهو مثلي على الاصح. ويحصل من الخلاف اختلاف من الصفر، والنحاس، والحديد، لان أجزاءها مختلفة الجواهر، وكذا في التبر، والسبيكة، والمسك، والعنبر، والكافور، والثلج، والجمد، والقطن، لمثل ذلك. وفي العنب والرطب وسائر الفواكه الرطبة لامتناع بيع بعضها ببعض، وكذا الدقيق. والاصح: أنها كلها مثلية. وفي السكر والفانيذ والعسل المصفى بالنار واللحم الطري، للخلاف في جواز بيع كل منها بجنسه، وفي الخبز، لامتناع بيع بعضه ببعض، وأيضا الخلاف في جواز السلم فيه. وأما الحبوب، والادهان، والالبان والسمن، والمخيض، والخل الذي ليس فيه ماء، والزبيب، والتمر، ونحوها، فمثلية بالاتفاق. والدراهم، والدنانير الخالصة، مثلية. ومقتضى العبارة الثانية، جريان خلاف فيها، لان في السلم فيها خلافا سبق. قلت: الصواب المعروف الذي قطع به الاصحاب: أنها مثلية. والله أعلم وفي المكسرة، الخلاف في تبر والسبيكة، وأما الدراهم والدنانير المغشوشة، فقال المتولي: إن جوزنا المعاملة بها، فمثلية، وإلا، فمتقومة.

(4/109)


فصل إذا غصب مثليا وتلف في يده، والمثل موجود، فلم يسلمه حتى فقد، أخذت منه القيمة. والمراد بالفقدان: أن لا يوجد في ذلك البلد وحواليه على ما سبق في انقطاع المسلم فيه، وفي القيمة المعتبرة أحد عشر وجها. أصحها: يجب أقصى القيم من يوم الغصب إلى الاعواز. والثاني: أقصاها من الغصب إلى التلف. والثالث: أقصاها من التلف إلى الاعواز، وربما بني هذان الوجهان على أن الواجب عند إعوا المثل، هل هو قيمة المغصوب لانه الذي أتلف على المالك، أم قيمة المثل لانه الواجب عند التلف، وفيه وجهان لابي الطيب ابن سلمة. والرابع: أقصاها من الغصب إلى تغريم القيمة والمطالبة بها. والخامس: أقصاها من الاعواز إلى المطالبة. والسادس: أقصاها من تلف المغصوب إلى المطالبة. والسابع: قيمته يوم التلف. والثامن: يوم الاعواز، اختاره أبو علي الزجاجي، بضم الزاي، والحناطي، بالحاء المهملة، والماوردي، وأبو خلف السلمي. والتاسع: يوم المطالبة. والعاشر: إن كان منقطعا في جميع البلاد، فقيمة يوم الاعواز. وإن فقد هناك فقط، فقيمة يوم الحكم بالقيمة.

(4/110)


والحادي عشر: حكي عن الشيخ أبي حامد إن ثبت عنه: قيمة يوم أخذ القيمة، لا يوم المطالبة، ولو غصب مثليا فتلف والمثل مفقود، فالقياس: أنه يجب على الوجه الاول. والثاني: أقصى القيم من الغصب إلى التلف. وعلى الثالث والسابع والثامن: (قيمة) يوم التلف، وأن يعود. والرابع والسادس والتاسع بحالها. وعلى الخامس أقصى القيم من التلف إلى يوم التقويم. والعاشر بحاله. قلت: والحادي عشر بحاله. والله أعلم ولو أتلف لرجل مثليا بلا غصب، وكان المثل موجودا فلم يسلمه حتى فقد، فعلى الوجه الثاني: قيمة يوم الاتلاف. وعلى الاول والثالث: أقصى القيم من الاتلاف إلى الاعواز. وعلى الرابع: من الاتلاف إلى التقويم. والقياس: عود الاجه الباقية. ولو أتلفه والمثل مفقود، فالقياس أن يقال: على الاوجه الثلاثة الاوائل، والسابع والثامن: تجب قيمة يوم الاتلاف. وعلى الرابع والخامس والسادس: أقصى القيم من الاتلاف إلى التقويم. وعلى التاسع: قيمة يوم التقويم. وعلى العاشر: إن كان مفقودا في جميع البلاد، فيوم الاتلاف، وإلا، فيوم التغريم. فرع متى غرم الغاصب أو المتلف القيمة لاعواز المثل، ثم وجد المثل، هل للمالك رد القيمة وطلب المثل ؟ وجهان. أصحهما: لا. قلت: ويجريان، في أن الغاصب والمتلف، هل لهما رد المثل و طلب القيمة. والله أعلم فرع في أن المثلي، هل يؤخذ مثله مع اختلاف الزمان والمكان أما المكان، فإذا غصب مثليا ونقله إلى بلد آخر، كان للمالك أن يكلفه رده، وله أن يطالبه بالقيمة في الحال للحيلولة. ثم إذا رده الغاصب رد القيمة

(4/111)


واسترده. فلو تلف في البلد المنقول إليه، طالبه بمثله حيث ظفر به من البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين. فإن فقد المثل، غرمه (قيمة) أكثر البلدين قيمة. ولو اتلف مثليا أو غصبه وتلف عنده في بلد، ثم ظفر به في آخر، هل له مطالبته بالمثل ؟ فيه ثلاثة أوجه. الصحيح الذي قطع به الاكثرون: إن كان مما لا مؤنة لنقله كالدراهم والدنانير، فله المطالبة بالمثل، وإلا، لم يكن له طلب المثل، وللغارم تكليفه قبوله لما فيه من الضرر، وللمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف، فإن تراضيا على المثل، لم يكن له تكليفه مؤنة النقل. والوجه الثاني: بطالبه بالمثل. وإن لزمت مؤنة وزادت القيمة كما لو أتلف مثليا في وقت الرخص، له طلب المثل في الغلاء. والثالث: إن كانت قيمة ذلك البلد لا تزيد على قيمة بلد التلف، طالبه بالمثل، وإلا، فلا. وإذا قلنا بالمنع، فأخذ القيمة، ثم اجتمعا في

(4/112)


بلد التلف، هل للمالك رد القيمة وطلب المثل ؟ وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل ؟ فيه الوجهان فيما لو غرم القيمة لاعواز المثل. ولو نقل المغصوب المثلي إلى بلد، وتلف هناك، أو أتلفه ثم ظفر به المالك في بلد ثالث وقلنا: إنه لا يطالب بالمثل في غير موضع التلف، فله أخذ قيمة أكثر البلدين قيمة. وأما إذا اختلف الزمان، فله المطالبة بالمثل وإن زادت القيمة، وليس له إلا ذلك وإن نقصت القيمة. هذا كله إذا لم يخرج المثل باختلاف الزمان والمكان عن أن يكون له قيمة ومالية. فأما إن خرج بأن أتلف ماءه في مفازة، ثم أجتمعا علي شط نهر أو في بلد، أو أتلف عليه الجمد في الصيف واجتمعنا في الشتاء، فليس للمتلف بذل المثل، بل عليه قيمة المثل في مثل تلك المفازة، (وفي الصيف، وإذا غرم القيمة ثم اجتمعا في مثل تلك المفازة) أو في الصيف، فهل يثبت التراد ؟ فيه وجهان. وأما المسلم إليه والمقترض، إذا ظفرا به المالك في بلد آخر، ففي مطالبته كلام سبق في كتاب السلم. قلت: ولو قال المستحق: لا آخذ القيمة بل أنتظر وجود المثل، فله ذلك، نقله في البيان، ويحتمل أن يجئ فيه الخلاف في أن صاحب الحق إذا امتنع من قبضه، هل يجبر، ويمكن الفرق. ولو لم يأخذ القيمة حتى وجد المثل تعين قطعا. والله أعلم

(4/113)


فصل الذهب والفضة، إن كانا مضروبين، فقد سبق أنهما مثليان، وإلا، فإن كان فيهما صنعة بأن أتلف حليا وزنه عشرة وقيمته عشرون، فأربعة أوجه. أحدها: يضمن العين بوزنها من جنسها، والصنعة بقيمتها من غير جنسها، سواء كان ذلك نقد البلد، أم لا، لانا لو ضمناه الجميع بالجنس لقابلنا عشرة بعشرين وذلك ربا. والثاني: يضمن العين بوزنها من جنسها، والصنعة بنقد البلد، كما لو أتلف الصنعة وحدها بكسر، يضمن بنقد البلد، سواء كان من جنس المكسور، أم لا. والثالث: يضمن الكل بغير جنسه تحرزا عن الفاضل، وعن اختلاف الجنس في أحد الطرفين. والرابع، وهو أصحها: يضمن الجميع بنقد البلد وإن كان من جنسه، ولا يلزم من ذلك الربا، فإنه إنما يجري في العقود لا في هذه الغرامات، هكذا نقل الجمهور، وأحسن منه ترتيب البغوي، وهو أن صنعة الحلي متقومة، وفي ذاته الوجهان السابقان في التبر. فإن قلنا: متقوم، ضمن الكل بنقد البلد كيف كان، وإن قلنا: مثلي، فوجهان. أحدهما: يضمن الجميع بغير جنسه. وأصحهما: يضمن الوزن بالمثل، والصنعة بنقد البلد، سواء كان من جنسه، أم من غيره. ولو أتلف إناء من ذهب أو فضة، فإن جوزنا اتخاذه، فهو كما لو أتلف حليا، وإن منعناه، فهو كاتلاف ما لا صنعة له. ولو أتلف ما لا صنعة فيه كالتبر والسبيكة. فإن قلنا: هو مثلي، ضمن مثله، وإلا، فوجهان. أحدهما: يضمن قيمته ينقد البلد، سواء كان من جنسه، أم لا كسائر المتقومات. والثاني: أن الجواب كذلك، إلا إذا كان نقد البلد من جنسه، وكانت القيمة تزيد على الوزن، فحينئذ يقوم بغير الجنس ويضمن به، وهذا اختيار العراقيين.
فصل إذا تغير المغصوب، فقد يكون متقوما ثم يصير مثليا، وعكسه، ومثليا فيهما، ومتقوما فيهما. الحال الاول: كمن غصب رطبا وقلنا: إنه متقوم فصار تمرا، ثم تلف عنده، فوجهان. أحدهما، وبه قطع العراقيون: يضمن مثل التمر، لانه أقرب إلى الحق، وأشبههما، وبه قطع البغوي: إن كان الرطب أكثر قيمة، لزمه قيمته لئلا تضيع الزيادة، وإن كان التمر أكثر أو استويا، لزمه المثل، واختار الغزالي أنه يتخير بين مثل التمر وقيمة الرطب.

(4/114)


الحال الثاني: كمن غصب حنطة فطحنها، وتلف الدقيق عنده أو جعله خبزا وأتلفه، وقلنا: لا مثل للدقيق والخبز، أو تمرا واتخذ منه خلا بالماء، فعلى قول العراقيين: يضمن المثل وهو الحنطة والتمر، وعلى ما قطع به البغوي: إن كان المتقوم أكثر قيمة، غرمها، وإلا فالمثل، وعن القاضي حسين: يغرم أكثر القيم، وليس للمالك مطالبته بالمثل. فعلى هذا، إذا قيل: من غصب حنطة في الغلاء فتلف المغصوب عنده، ثم طالبه المالك في الرخص، فهل يغرمه المثل أو القيمة، لم يصح إطلاق الجواب بواحد منهما، بل الصواب أن يقال: إن تلفت وهي حنطة، غرم المثل. وإن صار إلى حالة التقويم ثم تلف، فالقيمة. الحال الثالث: كمن غصب سمسما فاتخذ منه شيرجا ثم تلف عنده، قال العراقيون والغزالي: يغرمه المالك ما شاء منهما. وقال البغوي: إن كان قيمة أحدهما أكثر، غرم مثله، وإلا، فيتخير المالك ما شاء منهما. الحال الرابع: يجب فيه أقصى القيم. فرع إذا لزمه المثل، لزمه تحصيله إن وجده بثمن المثل. فإن لم يجده إلا بزيادة، فوجهان. أصحهما عند البغوي، والروياني: يلزمه المثل، لان المثل كالعين، ويجب رد العين وإن لزم في مؤنته أضعاف قيمته. وأصحهما عند آخرين، منهم الغزالي: لا يلزمه تحصيله، لان الموجود بأكثر من ثمنه كالمعدوم، كالرقبة، وماء الطهارة، ويخالف العين، فانه تعدى فيها دون المثل. قلت: هذا الثاني أصح، وقد صححه أيضا الشاشي. والله أعلم.
فصل غصب متقوما فتلف عنده، لزمه أقصى قيمته من يوم غصبه إلى تلفه، وتجب قيمته من نقد البلد الذي تلف فيه، فلو كانت مائة فصارت مائتين،

(4/115)


ثم عادت بالرخص إلى خمسين، ثم تلف، لزمه مائتان. ولو تكرر ارتفاع السعر وانخفاضه، لم يضمن كل زيادة، وإنما يضمن الاكثر، ولا أثر لارتفاع السعر بعد التلف قطعا. ولو أتلف متقوما بلا غصب، لزمه قيمته يوم الاتلاف. فإن حصل التلف بتدرج وسراية، واختلفت قيمته في تلك المدة بأن جنى على بهيمة قيمتها مائة يومئذ، ثم هلكت وقيمة مثلها خمسون، فقال القفال: يلزمه المائة، لانا إذا أعتبرنا الاقصى في اليد العادية، ففي نفس الاتلاف أولى. فرع لو لم يهلك المغصوب، لكن أبق، أو غيبه الغاصب، أو ضلت الدابة، أو ضاع الثوب، فللمالك أن يضمنه القيمة في الحال للحيلولة. والاعتبار بأقصى القيم من الغصب إلى المطالبة، وليس للغاصب أن يلزمه قبول القيمة، لان قيمة الحيلولة ليست حقا ثابتا في الذمة حتى يجبر على قبوله، أو الابراء منه، بل لو أبرأه المالك عنها، لم ينفذ. وفي وجه: هي كالحقوق المستقرة، وهو شاذ. ثم القيمة المأخوذة، يملكها المالك كما يملك عند التلف، وينفذ تصرفه فيها، ولا يملك الغاصب المغصوب، فإذا ظفر بالمغصوب، فللمالك استرداده ورد القيمة، وللغاصب رده واسترداد القيمة. وهل له حبس المغصوب إلى أن يستردها ؟ حكى القاضي حسين عن نص الشافعي رضي الله عنه: أن له ذلك، كما حكى ثبوت الحبس للمشتري في الشراء الفاسد لاسترداد الثمن، لكن سبق في البيع ذكر الخلاف في ثبوت الحبس للمشتري، وذكرنا أن الاصح: المنع، ويشبه أن يكون حبس الغاصب في معناه، والمنع هو اختيار الامام في الموضعين. وإذا كانت الدراهم المبذولة بعينها باقيه في

(4/116)


يد المالك، فللشيخ أبي محمد تردد في أنه هل يجوز للمالك إمسأكها وغرامة مثلها، أم لا. قلت: الاقوى: أنه لا يجوز. والله أعلم ولو اتفقا على ترك التراد، فلا بد من بيع ليصير المغصوب للغاصب، ثم التضمين للحيلولة، لا يختص بالمتقومات، بل يثبت في كل مغصوب خرج من اليد وتعذر رده. قلت: قد حكى صاحب البيان عن القفال: أن المالك لا يملك القيمة المأخوذة للحيلولة، بل ينتفع به على ملك الغاصب، لئلا يجتمع في ملكه البدل والمبدل، وهذا شاذ ضعيف نبهت عليه لئلا يغتر به قال في البيان: ولو ظهر على المالك دين مستغرق، فالغاصب أحق بالقيمة التي دفعها، لانها عين ماله. وإن تلفت في يد المالك، رجع الغاصب بمثلها. وإن كانت باقية زائدة، رجع في زيادتها المتصلة دون المنفصلة. قال القاضي أبو الطيب، والجرجاني: هذا إذا تصور كون القيمة مما يزيد. والله أعلم فرع سبق أن منافع المغصوب مضمونة. فلو كانت الاجرة في مدة الغصب متفاوتة، فثلاثة أوجه حكاها القاضي أبو سعد بن أبي يوسف. أصحها: يضمن في كل بعض من أبعاض المدة بأجرة مثلها فيه. والثاني: كذلك إن كانت الاجرة في أول المدة أقل فإن كانت في الاولى أكثر، ضمنها بالاكثر في جميع المدة، لانه لو

(4/117)


كانت العين في يده، فربما يكريها بها في جميع المدة. والثالث: بالاكثر في جميع المدة مطلقا، وهو ضعيف.
فصل زوائد المغصوب، منفصلة كانت، كالولد والثمرة والبيض، أو متصلة، كالسمن وتعلم الصنعة، مضمونة على الغاصب كاأصل، سواء طلبه المالك بالرد، أم لا.
الطرف الرابع : في الاختلاف، وفيه مسائل. الاولى: ادعى الغاصب تلف المغصوب، وأنكر المالك. فالصحيح أن القول قول الغاصب مع يمينه، وقيل: قول المالك بيمينه، فعلى الصحيح، إذا حلف الغاصب، هل للمالك تغريمه المثل أو القيمة ؟ وجهان. أشحهما: نعم. الثانية: اتفقا على الهلاك واختلفا في قيمته، صدق الغاصب لان الاصل براءته، وعلى المالك البينة، وينبغي أن يشهد الشهود أن قيمته كذا، أما إذا أراد إقامة البينة على صفات العبد ليقومه المقومون بتلك الصفات ففي قول: يقبل ويقوم بالاوصاف، وينزل على أقل الدرجات كالسلم، والمشهور: المنع، للتفاوت. قال الامام: لكن يستفيد المالك بالبينة على الاوصاف إبطال دعوى الغاصب مقدارا حقيرا لا يليق بتلك الصفات، ويصير كما لو أقر الغاصب بصفات في العبد تقتضي النفاسة، ثم قومه بحقير لا يليق بها، لا يلتفت إليه، بل يؤمر بالزيادة إلى أن يبلغ حدا يجوز أن يكون قيمة لمثل ذلك الموصوف. ولو قال المالك: قيمته ألف، وقال الغاصب: بل خمسمائة، وجاء المالك

(4/118)


ببينة أنها أكثر من خمسمائة من غير تقدير، فقيل: لا تسمع هكذا، والاكثرون سمعوها، قالوا: وفائدة السماع أن يكلف الغاصب زيادة على خمسمائة إلى حد لا يقطع البينة بزيادة عليه، ولو قال المالك: لا أدري كم قيمته، لم تسمع دعواه حتى يبين. وكذا لو قال الغاصب: أعلم انه دون ما ذكره، ولا أعرف قدره، لم تسمع حتى يبين، فإذا بين حلف عليه. الثالثة: قال المالك: كان العبد كاتبا أو محترفا، فأنكر الغاصب، فالصحيح أن القول قول الغاصب، وقيل: قول المالك، لانه أعرف بملكه. ولو ادعى الغاصب به عيبا وأنكر المالك، نظر، إن ادعى عيبا حادثا فقال: كان أقطع أو سارقا، ففي المصدق قولان، أظهرهما: المالك. وإن ادعى عيبا خلقيا، فقال: كان أكمه أو ولد أعرج أو عديم اليد، فالمصدق الغاصب على الصحيح، لان الاصل العدم، ويمكن المالك البينة. والثاني: يصدق المالك نظرا إلى غلبة السلامة. والثالث: يفرق بين ما يندر من العيوب وغيره. الرابعة: رد المغصوب وبه عيب، وقال: غصبته هكذا، وقال المالك: حدث العيب عندك، صدق الغاصب، قاله المتولي. قلت: وقاله ابن الصباغ أيضا، ونقله في البيان. والله أعلم الخامسة: تنازعا في الثياب التي على العبد، صدق الغاصب، لثبوت يده. السادسة: قال: غصبت داري بالكوفة، فقال: غصبتها بالمدينة، فالقول قول المدعى عليه أنه لم يغصب بالكوفة. وأما دار المدينة، فإن وافقه المدعي عليها، ثبتت، وإلا، فيبطل إقراره بها، لتكذيبه. قلت: ومثله لو قال: غصبت مني عبدا فقال: بل جارية، ونحو ذلك. والله أعلم

(4/119)


السابعة: غصب خمرا محترمة فهلكت عنده، فقال المغصوب منه: هلكت بعد التخلل، فقال الغاصب: قبله، صدق الغاصب. الثامنة: قال: طعامي الذي غصبته كان جديدا، فقال الغاصب: بل عتيقا، صدق الغاصب بيمينه. فإن نكل، حلف المالك، ثم له أخذ العتيق لانه دون حقه. التاسعة: باع عبدا فجاء زيد وأدعى أنه ملكه وأن البائع كان غصبه منه، فلا شك أن له دعوى عين العبد على المشتري. وفي دعواه القيمة على البائع ما ذكرناه في الاقرار. فإن ادعى العين على المشتري فصدقه، أخذ العبد منه، ولا رجوع له بالثمن على البائع. وإن كذبه المشتري، فأقام زيد بينة، أخذه ورجع المشتري بالثمن على البائع. وإن لم يقم بينة ونكل المشتري، حلف زيد وأخذه، ولا رجوع للمشتري بالثمن، لتقصيره بالنكول. وإن صدقه البائع دون المشتري، لم يقبل إقرار البائع على المشتري ويبقى البيع بحاله، إلا أن يكون إقراره بالغصب في زمن الخيار، فيجعل ذلك فسخا للبيع. ثم لو عاد العبد إلى البائع بارث أو رد بعيب، لزمه تسليمه إلى زيد. وإن صدقه البائع والمشتري جميعا، سلم العبد إلى زيد، وعلى البائع رد الثمن أو بدله إن كان تالفا. ولو جاء المدعي بعدما أعتق المشتري العبد وصدقه البائع والمشتري، لم يبطل العتق، سواء وافقهما العبد أو خالفهما، لان في عتقه حقا لله تعالى، بخلاف ما لو كاتبه المشتري، ثم توافقوا على تصديق المدعي، لان الكتابة قابلة للفسخ. وللمدعي في مسألة الاعتاق قيمة العبد على البائع جن اختص بتصديقه، وإذا أوجبنا الغرم للحيلولة فيما إذا أقر به لزيد ثم لعمرو، وعلى المشتري إن اختص بتصديقه،

(4/120)


وعلى من شاء منهما إن صدقاه جميعا. وقرار الضمان على المشتري، إلا أن تكون القيمة في يد البائع أكثر، فلا يطالب المشتري بالزيادة. ولو مات المعتق وقد كسب مالا، فهو للمدعي، لان المال خالص حق آدمي، وقد توافقوا أنه مستحقه، بخلاف العتق، كذا أطلقوه. قال الامام: وهو محمول على كب يستقل به العبد، فأما كسب يحتاج إلى إذن السيد، فلا يستحقه المدعي، لاعترافه بخلوه عن الاذن. قلت: ولو ادعى الغاصب رد المغصوب حيا وأقام به بينة، فقال المالك: بل مات عندك وأقام به بينة، تعارضت البينتان وسقطتا، وضمن الغاصت، لان الاصل بقاء الغصب. ولو قال: غصبنا من زيد ألفا، ثم قال: كنا عشرة أنفس، وخالفه زيد، قال في البيان: قال بعض أصحابنا: القول قول الغاصب بيمينه، لان الاصل براءته مما زاد. والله أعلم.
الباب الثاني : في الطوارئ على المغصوب فيه ثلاثة أطراف.
الأول : في النقص، وهو ثلاثة أقسام. الاول: نقص القيمة فقط، كمن غصب ما يساوي عشرة، فرده بحاله وهو يساوي درهما، فلا شئ عليه، وقال أبو ثور: يلزمه نقص القيمة، ووافقه بعض أصحابنا، وهذا شاذ. القسم الثاني: نقص القيمة والاجزاء، فالجزء الفائت، مضمون بقسطه من قصى القيم من الغصب إلى التلف، والنقص الحاصل بتفاوت السعر في الباقي المردود غير مضمون.

(4/121)


مثاله: غصب ثوبا قيمته عشرة، فعادت بالرخص إلى درهم، ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى نصف درهم، يرده مع خمسة دراهم، لان بالاستعمال انسحقت أجزاء من الثوب، وتلك الاجزاء في هذه الصورة، نصف الثوب، فيغرم النصف بمثل نسبته من أقصى القيم كما يغرم الكل عند تلفه بالاقصى. ولو كانت القيمة عشرين وعادت بانخفاض السعر إلى عشرة، ثم لبسه وأبلاه فعادت إلى خمسة، لزمه مع رده عشرة. ولو كانت عشرة فعادت بالانخفاض إلى خمسة، ثم لبسه فأبلاه حتى عادت إلى درهم، لزمه مع رده ستة، لانه تلف بالاستعمال ثلاثة أخماس الثوب، فيغرمها بثلاثة أخماس أقصى القيم. قال الشيخ أبو علي: وأخطأ بعضهم فقال: يلزمه ثلاثة لانها الناقصة بالاستعمال، وقياس قول هذا: أن يلزم في الصورة الاولى نصف درهم، وفي الثانية خمسة. ولو غصبه وقيمته عشرة فعاد بالاستعمال إلى خمسة، ثم انخفض السعر فعادت إلى درهمين فرده، لزمه مع الرد الخمسة الناقصة بالاستعمال، ولا يضمن النقصان الحاصل في البالي المردود. ولو غصب ثوبا قيمته عشرة، فلبسه وأبلاه حتى عادت إلى خمسة، ثم ارتفع السعر فصارت قيمته وهو بال عشرة قال ابن الحداد، وبعض الاصحاب: يغرم مع رد الثوب عشرة، لان الباقي من الثوب نصفه وهو يساوي عشرة. وقال الجمهور: لا يغرم مع رده إلا الخمسة الناقصة بالاستعمال، ولا عبرة بالزيادة الحاصلة بعد التلف. قال الامام: والصفات كالاجزاء في هذا كله، حتى لو غصب عبدا صانعا قيمته مائة، فنسي الصنعة وعادت قيمته إلى خمسين، ثم ارتفع السعر فبلغت قيمته ناسيا مائة، وقيمة مثله يحسن الصنعة مائتين، لا يغرم مع رده إلا خمسين. ثم الجواب في صور إبلاء الثوب (كلها) مبني على أن أجرة مثل المغصوب لازمة مع أرش النقص الحاصل بالاستعمال، وهو الاصح. وسبق وجه: أنه لا يجمع بينهما. فعلى ذلك

(4/122)


الوجه: الواجب أكثر الامرين من المقادير المذكورة وأجرة المثل. ولو اختلف المالك والغاصب في قيمة الثوب الذي أبلاه، فقال المالك: زاد تقبل الابلاء فأغرم التالف بقسطه (منها)، وقال الغاصب: (بل) زادت بعده، قال ابن سريج: المصدق الغاصب. القسم الثالث: نقص الاجزاء والصفات وحدها، وسنذكر حكمه في الصور الاتية إن شاء الله تعالى.
فصل النقص الحادث في المغصوب، ضربان. أحدهما: ما لا سراية له، فعلى الغاصب أرشه ورد الباقي، ولا فرق بين أن يكون الارش قدر القيمة كقطع يدي العبد أو دونها، ولا بين أن تفوت معظم منافعه، أو لا تفوت، ولا بين أن يبطل بالجناية عليه الاسم الاول كذبح الشاة وطحن الحنطة، وتمزيق الثوب، أو لا يبطل. فلو أراد المالك ترك الناقص عند الغاصب وتغريمه بدله، لم يكن له ذلك، لانه عين ملكه. وفي وجه: إذا طحن الطعام، فله تركه وطلب المثل، لانه أقرب إلى حقه من الدقيق. الضرب الثاني: ما له سراية، لا يزال يسري إلى الهلاك الكلي، كما لو بل الحنطة وتمكن فيها العفن الساري، أو اتخذ منها هريسة، أو غصب سمنا وتمرا ودقيقا وعمله عصيدة، وفيه نصوص وطرق مختلفة تجمعها أربعة أقوال منصوصة. أظهرها عند العراقيين: يجعل كالهالك ويغرم بدل كل مغصوب من مثل أو قيمة. والثاني: يرده مع أرش النقص، وليس للمالك إلا ذلك، واختاره الامام،

(4/123)


والبغوي. والثالث: يتخير المالك بين موجب القولين، واختاره الشيخ أبو محمد، والمسعودي. والرابع: يتخير الغاصب بين أن يمسكه ويغرمه، وبين أن يرده مع أرش النقص. قلت: رجح الرافعي في المحرر الاول أيضا. والله أعلم فعلى الاول: لمن تكون الحنطة المبلولة ؟ وجهان نقلهما المتولي. أحدهما: تبقى للمالك كما لو نجس زيته وقلنا: لا يطهر بالغسل، فإن المالك أولى به. والثاني: يصير للغاصب. وإذا حكمنا بالارش مع الرد، غرم أرش عيب سار. قال المتولي: فإن رأى الحاكم أن يسلم الجميع إليه، فعل، وإن رأى يسلم أرش النقص المتحقق إليه في الحال ووقف الزيادة إلى أن تتيقن نهايته. وفي هذا نظر، لان المفهوم من أرش العيب السراي أرش عيب شأنه السراية، وهو حاصل في الحال. أما المتولد منه، فيجب قطع النظر عنه، إذ الكلام في نقص لا تقف سرايته إلى الهلاك. فلو نظرنا إلى المتولد منه، لانجر إلى تمام القيمة، وهو عود إلى القول الاول، وقد بين ما قلناه أبو خلف السلمي في شرح المفتاح فقال في قول التخيير: إن شاء المالك غرمه ما نقص إلى الان، ثم لا شئ له في زيادة فساد حصل بعد ذلك، وإن شاء تركه له وطالبه بجميع البدل. فرع من صور هذا الضرب ما إذا صب الماء في الزيت وتعذر تخليصه منه، فأشرف على الفساد. وعن الشيخ أبي محمد تردد في مرض العبد المغصوب إذا كان ساريا عسر العلاج، كالسل والاستسقاء، ولم يرضه الامام، لان المريض المأيوس منه، قد يبرأ، والعفن المفروض في الحنطة يفضي إلى الفساد قطعا. قلت: ولو عفن الطعام في يده لطول المكث، فطريقان. قال الشيخ أبو حامد: هو كبل الحنطة. وقال القاضي أبو الطيب: يتعين أخذه مع الارش قطعا،

(4/124)


واختاره ابن الصباغ، وهو الاصح. والله أعلم.
فصل في جناية العبد المغصوب، والجناية عليه أما جنايته، فينظر إن جنى جناية توجب القصاص، واقتص منه في يد الغاصب، غرم الغاصب أقصى قيمه من الغصب إلى القصاص. وإن جنى بما يوجب قصاصا في الطرف، واقتص منه في يده، غرم بدله، كما لو سقط بآفة سماوية. ولو اقتص منه بعد الوفاء إلى السيد، يلزم الغاصب أيضا، وكذا الحكم لو ارتد أو سرق في يد الغاصب، ثم قتل أو قطع بعد الرد إلى المالك. ولو غصب مرتدا أو سارقا فقتل، أو قطع في يد الغاصب، فهل يضمنه الغاصب ؟ وجهان، كمن اشترى مرتدا أو سارقا فقتل، أو قطع في يده، فمن ضمان من يكون القتل أو القطع ؟ أما إذا جنى المغصوب على نفس أو مال جناية توجب المال متعلقا برقبته، فعلى الغاصب تخليصه بالفداء. وبماذا يفديه ؟ فيه طريقان. المذهب: أنه يفديه بأقل الامرين من الارش وقيمة العبد. وقال الامام: فيه قولان. أحدهما: هذا. والثاني: بالارش وإن زاد كالقولين فيما إذا أراد السيد فداء الجاني. وإذا ثبت أن الجاني والجناية مضمونان على الغاصب، لم يخل، إما أن يتلف الجاني في يد الغاصب، وإما أن ير ده. فإن تلف في يده، فللمالك تغريمه أقصى القيم. فإذا أخذها، فللمجني عليه أن يغرم الغاصب إن لم يكن غرمه، وله أن يتعلق بالقيمة التي أخذها المالك، لان حقه كان متعلقا بالرقبة فيتعلق ببدلها كما إذا تلف المرهون كانت قيمته رهنا. وفي وجه: لا مطالبة للمجني عليه بما أخذه المالك. والصحيح: الاول. فإذا أخذ المجني عليه حقه في تلك القيمة، رجع المالك بما أخذه على الغاصب. ولو كان العبد يساوي ألفا، فرجع بانخفاض السعر إلى خمسمائة، ثم جنى ومات عند الغاصب، فغرمه المالك الالف، لم يكن للمجني عليه إلا خمسمائة وإن كان أرش الجناية ألفا فأكثر، لانه ليس له إلا قدر قيمته يوم الجناية وإن رد العبد إلى

(4/125)


المالك، نظر، إن رده بعدما غرم للمجني عليه، فذاك، وإن رد قبله فبيع في الجناية، رجع المالك على الغاصب بما أخذ منه، لان الجناية حصلت حين كان مضمونا عليه، بخلاف ما إذا جنى في يد المالك ثم غصبه رجل ورده ثم بيع في تلك الجناية، فإنه لا يرجع المالك بشئ، لان الجناية حصلت وهو غير مضمون عليه. وفرعابن الحداد وغيره على ذلك فقالوا: إذا جنى في يد المالك جناية تستغرق قيمته، ثم غصب وجنى في يد الغاصب جناية مستغرقة. ثم رده المالك، ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين، يرجع المالك على الغاصب بنص قيمة العبد. ولو كان الفرع بحاله، وتلف العبد بعد الجنايتين في يد الغاصب، فله طلب القيمة من الغاصب، وللمجني عليهما أخذها، فإذا أخذاها، فللمالك الرجوع بنصفها على الغاصب، لانه أخذ منه نصفها بجناية في يد الغاصب، فإذا رجع به، فللمجني عليه الاول أخذه، لانه بدل ما تعلق به حقه قبل الجناية الثانية. وإذا أخذه لم يكن له الرجوع على الغاصب مرة أخرى، لانه مأخوذ بجناية غير مضمونة على الغاصب. هذا هو الصحيح في الصورتين. وقيل: إذا رد العبد وبيع في الجناية، فالنصف الاول يرجع به المالك ويسلم له ولا يؤخذ منه، وإنما يطالب المجني عليه الاول الغاصب بنصف القيمة. وإذا تلف في يد الغاصب بعد الجنايتين، لا يأخذ المالك شيئا، ولكن المجني عليه الاول يطالب الغاصب بتمام القيمة، والمجني عليه الثاني، يطالبه بنصف القيمة. ولو جنى المغصوب في يد الغاصب أولا، ثم رده إلى المالك فجنى في يده أخرى، وكل واحد منهما تستغرق القيمة، فبيع فيهما وقسم الثمن بينهما، فلل مالك الرجوع على الغاصب بنصف القيمة للجناية التي هي مضمونة عليه. قال الشى أبو علي: سمعت القفال مرة يقول: ليس لواحد من المجني عليهما أخذ هذا النصف من المال. أما الثاني، فلان الجناية عليه مسبوقة بجناية مستغرقة، وحقه لم يثبت إلا في نصف القيمة وقد أخذه. وأما الاول، فلان حق السيد يثبت في القيمة بنفس الغصب، وهو متقدم على

(4/126)


حق المجني عليه، فما لم يصر حقه إليه، لا يرجع إلى غيره شئ. قال أبو علي: ليس هذا بشئ، بل للمجني عليه الاول أخذه كما في الجناية السابقة، ولا عبرة بثبوت حق السيد في القيمة، فإن حقه وإن تقدم، فحق المجني عليه مقدم كما في الرقبة. قال: وناظرت القفال فيه، فرجع إلى قولي. وعلى هذا إذا أخذه المجني عليه الاول، رجع به المالك على الغاصب مرة أخرى، ويسلم له المأخوذ ثانيا، لان الاول أخذ تمام القيمة، والثاني لم يتعلق حقه إلا بالنصف وقد أخذه. ولو جنى في يد الغاصب ثم في يد المالك كما صورناه، ثم قتله الغاصب أو غصبه ثانيا فمات عنده، أخذت القيمة منه وقسمت بين المجني عليهما، ثم للمالك أن يأخذ منه نصف القيمة، لانه أخذ منه بسبب جناية مضمونة عليه. فإذا أخذه كان للمجني عليه الاول أن يأخذه منه، ثم له أن يرجع به على الغاصب مرة أخرى ويسلم له المأخوذ في هذه المرة، وقد غرم الغاصب والحالة هذه القيمة مرتين، مرة بجناية العبد في يده، ومرة بالقتل. أما الجناية عليه، فإن قتل، نظر، إن وجب القصاص بأن كان القاتل عبدا والقتل عمدا، فللمالك القصاص. فإذا اقتص، برئ الغاصب، لانه أخذ بدل حقه، ولا نظر مع القصاص إلى تفاوت القيمة، كما لا نظر في الاحرار إلى تفاوت الدية. وإن لم يجب القصاص. فإن كان الجاني حرا، لزمه للجناية قيمته يوم القتل، سواء قتله الغاصب أو أجنبي، والمالك بالخيار، بين أن يطالب بها الغاصب، أو الجاني، لكن القرار على الجاني. ثم إن كانت قيمته قبل يوم القتل أكثر، ونقصت في يد الغاصب، لزمه ما نقص بحكم اليد. وإن كان الجاني عبدا، فإن سلمه سيده مبيع في الجناية، نظر، إن كان الثمن مثل قيمة المغصوب، أخذه ولا شئ له على الغاصب إلا إذا كانت قيمته قد نقصت عنده قبل القتل. وإن كان الثمن أقل، أخذ الباقي من الغاصب. وإن اختار سيده فداه، فإن قلنا: يفديه بالارش، أخذه ولا شئ له على الغاصب إلا على التقدير المذكور. وإن قلنا: يفدي بالاقل من الارش والقيمة، فإن كانت قيمة المغصوب أكثر من قيمة الجاني، فالباقي على الغاصب، وإن كانت أقل أو مثلها، أخذها المالك ولا شئ له على الغاصب إلا على التقدير المذكور. ولو اختار المالك تغريم الغاصب ابتداء، فله ذلك، ويأخذ منه جميع قيمة الغصوب، ثم يرجع الغاصب على سيد الجاني بما

(4/127)


غرم إلا ما لا يطالب به إلا الغاصب. هذا إذا كانت الجناية قتلا، فأما الجراحات، فاما أن يكون لها أرش مقدر في الحر، وإما لا، والواجب في الحالين، ما ذكرناه من قبل. وإذا كان الواجب ما نقص من قيمته بالجناية، كان المعتبر حال الاندمال، فإن لم يكن حينئذ نقص، لم يطالب بشئ. وإذا كان الواجب مقدرا من القيمة كالمقدر من الدية، فهل يؤخذ في الحال، أم يؤخذ في الا ندمال ؟ قولان، كما لو كانت الجناية على حر، وسيأتي (ذلك) في موضعه إن شاء الله تعالى. وإذا كان الجاني غير الغاصب وغرمناه المقدر من القيمة، وكان الناقص أكثر من ذلك القدر، فعى الغاصب ما زاد. وإن كان المقدر أكثر مما نقص من القيمة، فهل يطالب الغاصب بالزيادة على ما نقص ؟ ذكرنا فيما إذا سقطت يده بآفة: أن الاصح: أنه لا يطالب. وهنا الاصح: أنه يطالب، والقرار على الجاني. واختلفوا فيما لو قطعت يده قصاصا أو حدا، لانه يشبه السقوط بآفة من حيث أنه تلف لا بدل له، ويشبه الجناية من حيث حصوله بالاختيار. فرع لو اجتمعت جناية المغصوب والجناية عليه، بأن قتل إنسانا، ثم قتله في يد الغاصب عبد رجل، فللمغصوب منه أن يقتص ويسقط به الضمان عن الغاصب، ويسقط حق ورثة من قتله المغصوب، لان العبد الجاني إذا هلك (و) لم يحصل له عوض، يضيع حق المجني عليه، لكن لو كان المغصوب قد نقص عند الغاصب بحدوث عيب بعدما جنى، لم يبرأ الغاصب من أرش ذلك النقص، ولولي من قتله التمسك به، وإن حدث العيب قبل جنايته، فاز المغصوب منه بالارش. فلو لم يقتص المغصوب منه، بل عفا على مال، أو كانت الجانية موجبة للمال، فحكم تغريمه وأخذه المال على ما سبق في الجناية عليه من غير جناية منه. ثم إذا أخذ المال كان لورثة من جنى عليه هذا العبد التعلق به، لانه بدل الجاني على مورثهم. فإذا أخذوه، رجع به المغصوب منه على الغاصب مرة أخرى، لانه أخذ (منه) بسبب

(4/128)


جناية مضمونة عليه، ويسلم المأخوذ ثانيا كما سبق نظيره. قلت: ومما يتعلق بالفصل، لو وثب العبد المغصوب فقتل الغاصب، وهرب إلى سيده، فإن كانت الجناية عمدا، قال الصيمري: إن عفا ورثة الغاصب عن القصاص والدية، سقط الضمان عن الغاصب في المال. وإن قتلوه، لزمهم قيمة العبد في التركة، وكأنهم لم يسلموه، وكذا لو طلبوا الدية من رقبته. وإن قتل المغصوب سيده وهو في يد الغاصب، فالصحيح الذي قطع به الشيخ أبو حامد: أن لورثة المالك أن يقتصوا منه، وإذا قتلوه، استحقوا قيمته من الغاصب. وحكى في البيان وجها: أن جنايته تكون هدرا. ولو صال العبد المغصوب أو الجمل المغصو ب على رجل، فقتله المصول عليه للدفع، فلا ضمان عليه، ويجب ضمانه على الغاصب، ولا يرجع على المصول عليه. والله أعلم.
فصل نقل التراب من الارض المغصوبة، تارة يكون من غير إحداث حفر، ككشط وجهها، وتارة باحداثها كحفر بئر أو نهر. ففي الحالة الاولى، للمالك إجباره على رده إن كان باقيا. فإن تلف وانمحق بهبوب الريح أو السيول، أجبره على رد مثله إليه، وعليه إعادة وضعه وهيئته كما كان من انبساط أو ارتفاع. وإن لم يطالبه المالك بالرد، نظر، إن كان له غرض، بأن دخل الارض نقص يرتفع بالرد ويندفع عنه الارش، أو نقله إلى ملكه وأراد تفريغه، أو إلى ملك غيره، أو شارع يخاف من التعثر به الضمان، فله الاستقلال بالرح. وإن لم يكن شئ من ذلك، بأن نقله إلى موات، أو من أحد طرفي الارض المغصوبة إلى الطرف الاخر، فإن منعه المالك من الرد، لم يرد، وإن لم يمنعه، فهل يفتقر الرد إلى إذنه ؟ وجهان بناء على الوجهين في أنه لو منعه فخالف ورد، هل للمالك تكليفه النقل ثانيا ؟ إن قلنا: لا، فله الرد بغير إذنه، وإلا، فلا، وهو الاصح. وإذا كان له غرض في الرد

(4/129)


فرده، فمنعه المالك من بسطه، لم يبسطه وإن كان في الاصل مبسوطا. الحالة الثانية: إذا حفر بئرا فأمره المالك بطمها، لزمه، وإلا، فله أن يستقل به ليدفع عن نفسه خطر الضمان بالسقوط فيها. وقال المزني: لا يطم إلا بإذن المالك. فإن منعه وقال: رضيت باستدامة البئر، فإن كان للغاصب غرض (في الطم) سوى دفع ضمان السقوط، فله الطم، وإلا، فلا، في الاصح، ويندفع عنه الضمان لخروجه عن أن يكون جناية وتعديا. فلو لم يقل: رضيت باستدامتها، واقتصر على المنع من الطم، قال المتولي: هو كما لو صرح بالرضي، لتضمنه إياه. وقال الامام: لا يتضمنه. ولو طوى الغاصب البئر بآلة نفسه، فله نقلها، وللمالك إجباره عليه. فإن تركها ووهبها له، لم يلزمه القبول على الاصح. وحيث قلنا في الحالتين: يرد التراب إلى موضعه لوقوعه في ملكه، أو شارع، فذلك إذا لم يتيسر نقله إلى موات ونحوه في طريق الرد. فإن تيسر، لم يرد إلا باذن قاله الامام وذكر أنه إنما يستقل بالطم إذا بقي التراب الاول بعينه. أما إذا تلف، ففي الطم بغيره بغير إذن المالك وجهان. وينبغي أن يجئ هذا الخلاف في الحالة الاولى، وفيما إذا طلب المالك الرد والطم عند تلف ذلك (التراب)، والاصح فيهما جميعا، لانه لا فرق بين ذلك التراب وغيره، ثم إذا أعاد هيئة الارض في الحالين كما كانت، إما بطلب المالك، وإما دونه، نظر، إن لم يبق في الارض نقص، فلا شئ عليه، ولكن عليه اجرة المثل لمدة الحفر والرد، وإن بقي، لزمه أرشه مع الاجرة. هذا الذي ذكرناه من أول الفصل إلى هنا هو المذهب والذي يفتى به، ووراءه تصرف للاصحاب قالوا: نص هنا: أنه يجب أرش النقص الحاصل بالحفر، ولم يوجب التسوية لانه نص على ذلك فيما إذا غرس الارض المغصوبة ثم قلع بطلب المالك. ونص فيما إذا باع أرضا فيها أحجار مدفونة فنقلها: أنه يلزمه التسوى. فقيل قولان فيهما، وقيل بتقرير النصين، والفرق ضعيف. وكلام الغزالي يوهم ظاهره خلاف ما ذكرناه، فليتأول على ما بيناه.
فصل إذا خصي العبد المغصوب، فهو على قولين السابقين في جراح

(4/130)


العبد. وهل يتقدر ؟ إن قلنا بالجديد: أنه يتقدر، لزمه كمال القيمة، وإلا، فالواجب ما نقص من القيمة، فان لم ينقص شئ عليه. ولو سقط ذلك العضو بآفة سماوية، ولم تنقص قيمته، ورده، فلا شئ عليه على القولين، لكن قياس الذي قدمناه في أنه يضمن بالتلف تحت اليد العادية كما يضمن الجناية: أنههلزمه كمال القيمة. فرع لو كان في الجارية المغصوبة سمن مفرط، فزال ورجعت إلى الاعتدال ولم تنقص قيمتها، لم يلزمه شئ، لان السمن ليس له مقدر، بخلاف الاثنيين.
فصل إذا غصب زيتا أو دهنا فأغلاه، فان نقصت عينه فقط، كمن غصب صاعين قيمتهما درهمان فصار بالاغلاء صاعا قيوته درهمان، فوجهان. أصحهما: يرده ويغرم مثل الصاع الذاهب. والثاني: يرده ولا شئ عليه. وإن نقصت قيمته فقط، رده مع الارش. وإن نقصا معا، وجب رد الباقي ومثل ما ذهب، إلا إذا كان ما نقص من القيمة أكثر مما نقص من العين، فيجب مع مثل الذاهب أرش نقص الباقي. وإن لم ينقص واحد منهما، رده ولا شئ عليه. ولو غصب عصيرا فأغلاه، فطريقتان. أحدهما: أنه كالزيت فيضمن مثل مثل الذاهب وإن لم تنقص قيمته على الاصح. وأصحها: لا، فلا يضمن مثل العصير الذاهب إذا لم تنقص قيمته، لان الذاهب مائيته، والذاهب من الزيت زيت. ويجري الخلاف في العصير إذا صار خلا ونقصت عينه دون قيمته، وفي الرطب إذا صار تمرا.

(4/131)


فصل نقص الغصوب هل ينجبر بالكمال بعده ؟ ينظر، إن كان الكمال من الوجه الذي نقص به، كما لو هزلت الجارية ثم سمنت وعادت القيمة كما كانت، لم ينجبر على الاصح وقيل: لا ينجبر قطعا، ولو كان المغصوب يحسن صنعه فنسيها، ثم ذكرها أو تعلمها، انجبر على الاصح. وقيل: ينجبر قطعا، لان تذكر الصنعة لا يعد شيأ متجددا، بخلاف السمن. والثاني: ويجري الخلاف فما لوز كسر والاناء، ثم أعاد تلك الصنعة. قلت: الاصح هنا، إلحاق بالسمن، لا بتذكر الصنعة، لان هذه صنعة أخرى وهو تبرع بعلمه. والله أعلم وحيث قلنا بالانجبار، فلو لم يبلغ بالعائد القيمة الاولى، ضمن ما بقي من النقص وانجبر الباقي. أما إذا كان الكمال بوجه آخر، بأن نسي صنعة وتعلم أخرى، أو أبطل صنعة الحلي وأحدث أخرى، فلا انجبار بحال. وعلى هذا لو تكرر النقص وكان الناقص في كل مرة مغايرا للناقص في المرة الاخرى، ضمن الجميع. حتى لو غضب جارية قيمتها مائة، فسمنت وبلغت ألفا، وتعلمت صنعة وبلغت ألفين، ثم هزلت ونسيت الصنعة وعادت قيمتها مائة، يردها ويغرم ألفا وتسع مائة، وكذا لو علمه الغاصب سورة من القرآن، أو حرفة فنسيها،

(4/132)


ثم علمه أخرى فنسيها أيضا، ضمنها. وإن لم يكن مغايرا، بأن علمه سورة واحدة، أو حرفة مرارا، وينسى قي كل مرة، فان قلنا: لا يحصل الانجبار بالعادة، ضمن نقصان جميع المرات، وإلا، ضمن أكثر المرات نقصا. فرع لو زادت فيه الجارية بتعلم الغناء، ثم نسيته، نقل الروياني عن النص: أنه لا يضمن النقص، لانه محرم، وإنما يضمن المباح. وعن بعض الاصحاب: أنه يضمنه. ولهذا لو قتل عبدا مغنيا، يغرم تمام قيمته. قال: وهو الاختيار. قلت: الاصح المختار: هو النص. وقد تقدم في فصل كسر الملاهي: أنه لا ضمان في صنعتها، لانها محرمة، وهذا لا خلاف فيه. وقد نص القاضي حسين وغيره، على أنه لو أتلف كبشا نطاحا، أو ديكا هراشا، لزمه قيمته بلا نطاح ولا هراش، لانها محرمة. والله أعلم. فرع مرض العبد المغصوب، ثم برأ وزال أثر المرض ورده، فلا شئ عليه على الصحيح. وقيل: يضمن نقص المرض ولا يسقط بالبرء، وكذا الحكم لو رده مريضا فبرأ وزال الاثر. فرع غصب شجرة فتحات ورقها، ثم أورقت، أو شاة فجز صوفها، ثم نبت، يغرم الاول قطعا، ولا ينجبر بالثاني، بخلاف ما لو سقط من الجارية المغصوبة ثم نبت، أو تمعط شعرها ثم نبت، فإنه ينجبر. قال البغوي: لان الورق والصوف متقومان، فغرمهما، وسن الجارية وشعرها غير متقومين، وإنما يغرم أرش النقص بفقدهما وقد زال.
فصل غصب عصيرا فتخمر عنده، كان للمغصوب منه تضمينه مثل العصير، لفوات المالية. قالوا: وعلى الغاصب إراقة الخمر. ولو جعلت محترمة، كما لو تخمرت في يد المالك بلا قصد الخمرية، لكان جائزا. فلو تخللت في يد

(4/133)


الغاصب، فوجهان. أصحهما: أن الخل للمغصوب منه، وعلى الغاصب أرش النقص إن نقصت قيمة الخل عن العصير. والثاني: يغرم مثل العصير. وعلى هذا، في الخل وجهان. أحدهما: للغاصب، وأصحهما: للمغصوب منه، لانه فرع ملكه. ويجري هذا الخلاف، فيما لو غصب بيضة ففرخت عنده، أو بذرا فزرعه ونبت، أو بزر قز فصار قزا، فعلى الاصح: الحاصل للمالك، ولا غرم على الغاصب، إلا أن يكون الحاصل أنقص قيمة مما غصبه، لان المغصوب عاد زائدا إليه. وعلى الثاني: يغرم المغصوب لهلاكه، ويكون الحاصل للمالك على الاصح، وللغاصب على الآخر. فرع غصب خمرا فتخللت في يده، أو جلد ميتة فدبغه، فأربعة أوجه. أصحها: أن الخل والجلد للمغصوب منه. فعلى هذا إن تلف في يد الغاصب، ضمنه. والثاني: للغاصب. والثالث: الخل للمغصوب منه، والجلد للغاصب، لانه صار مالا بفعله. والرابع: عكسه، لان الجلد كان يجوز للمغصوب منه إمساكه، والخمر المحترمة كالجلد. وإذا قلنا: هما للمغصوب منه، فذلك إذا لم يكن المالك معرضا عن الخمر والجلد، فإن أراق الخمر، أو ألقى الشاة الميتة فأخذها رجل، فهل للمعرض استرداد الحاصل ؟ وجهان. قلت: الاصح: ليس له، وبه قطع الشيخ أبو حامد وغيره في الجلد. والله أعلم.
الطرف الثاني : في الزيادة، وهي آثار محضة وأعيان.

(4/134)


أما الاثر، فالقول الجملي فيه: أن الغاصب لا يستحق بتلك الزيادة شيئا، لتعديه، ثم ينظر، إن لم يمكن رده إلى الحالة الاولى رده بحاله وأرش النقص إن نقصت قيمته، وإلا فإن رضي به المالك، لم يكن للغاصب رده إلى ما كان وعليه أرش النقص، إلا أن يكون له عرض في الرد إلى الحالة الاولى، فله الرد، وإن ألزمه المالك الرد إلى الحالة الاولى، لزمه ذلك وأرش النقص إن نقص عما كان قبل تلك الزيادة. فإذا تقرر ذلك، فمن صوره، طحن الحنطة، وقصارة الثوب وخياطته، وضرب الطين لبيا، وذبح الشاة وشيها. ولا يملك الغاصب المغصوب بشئ من هذه التصرفات، بل يردها مع أرش النقص إن نقصت القيمة. وإنما تكون الخياطة من هذا القسم، إذا خاط بخيط المالك. فإن خاط بخيط الغاصب، فستأتي نظائره إن شاء الله تعالى. ثم في الطحن والقصارة، والذبح، والشي، لا يمكن الرد إلى ما كان. وكذا في شق الثوب وكسر الاناء، ولا يجبر على رف ء الثوب وإصلاح الاناء، لانه لا يعود إلى ما كان، ولو غزل القطن، رد الغزل وأرش النقص إن نقص. ولو نسج الغزل، فالكرباس للمالك مع الارش إن نقص، وليس للمالك إجباره على نقضه إن لم ى مكن رده إلى الحالة الاولى ونسجه ثانيا، فإن أمكن، كالخز، فله إجباره. فإن نقضه ونقصت قيمته عن قيمة الغزل في الاصل، غرمه، ولا يغرم ما زاد بالنسج، لان المالك أمره بنقضه. فإذا نقضه بغير إذن المالك، ضمنه أيضا. ولو غصب نقرة وضربها دراهم، أو صاغها حليا، أو غصب نحاسا أو زجاجا فجعله إناء، فإن رضي المالك به، رده كذلك، ولم يكن له رده إلى الحالة الاولى، إلا أن يضرب الدراهم بغير إذن السلطان، أو على غير عياره، لانه حينئذ

(4/135)


يخاف التغيير، وحيث منع من الرد إلى ما كان فخالف، فهو كاتلاف الزوائد الحاصلة عند الغصب. ولو أجبره المالك على رده إلى ما كان، لزمه. فإذا امتثل، لم يغرم النقصان الحاصل بزوال الصنعة، لكن لو نقص عما كان بما طرأ وزال، ضمنه. وأما الاعيان، فمن صورها صبغ الثوب. وتقدم عليه صورتين. إحداهما: إذا غصب أرضا وبنى فيها، أو غرس، أو زرع، كان لصاحب الارض أن يكلفه القلع مجانا. ولو أراد الغاصب القلع لم يكن للمالك منعه، فإنه عين ماله. وإذا قلع، لزمه الاجرة. وفي وجوب التسوية والارش، ما سبق في نقل التراب. وإن نقصت الارض لطول مدة الغراس، فهل يجمع بين أجرة المثل وأرش النقص، أو لا يجب إلا أكثرهما ؟ فيه الخلاف السابق فيما إذا أبلى الثوب بالاستعمال. ولو أراد المالك أن يتملك البناء والغراس بالقيمة، أو يبقيهما أو الزرع بالاجرة، فهل على الغاصب إجابته ؟ وجهان. أحدهما: نعم، كالمستعير، وأولى، لتعديه. وأصحهما: لا، لتمكنه من القلع بلا غرامة. ولو غصب من رجل أرضا وبذرا فزرعها به، فللمالك أن يكلفه إخراج البذر من الارض ويغرمه أرش النقص، وليس للغاصب إخراجه إذا رضي به المالك. الصورة الثانية: إذا زوق الارض المغصوبة، نظر إن كان بحيث لو نزع، لحصل منه شئ، فللمالك إجباره على النزع. فإن تركه الغاصب ليدفع عنه كلفة النزع، فهل يجبر المالك على قبوله ؟ وجهان ولو أراد الغاصب نزعه، فله

(4/136)


ذلك، وسواء كان للمنزوع قيمة أم لا، فإن نزع فنقصت عما كانت قبل التزويق، لزمه الارش. أما إذا كان التزويق تمويها لا يحصل منه عين بالنزع، فليس للغاصب النزع إن رضي المالك. وهل للمالك إجباره عليه ؟ وجهان. أحدهما: نعم، لانه قد يريد تغريمه أرش النقص الحاصل بإزالته. وأصحهما: لا، كالثوب إذا قصره. إذا ثبت هذا، عدنا إلى الصبغ فنقول: للصبغ الذي يصبغ به المغصوب، ثلاثة أحوال. الاول: أن يكون للغاصب، فينظر، إن كان الحاصل تمويها محضا، فحكمه ما ذكرناه في التزويق. وإن حصل فيه عين مال بالانصباغ، فهو ضربان. الاول: إذا لم يمكن فصله، فقولان. القديم: أنه يفوز به صاحب الثوب تشبيها له بالسمن. والمشهور: أنهما شريكان، فينظر، إن كانت قيمة الثوب مصبوغا مثل قيمته، وقيمة الصبغ قبل الصبغ جميعا، بأن كانت قيمة الثوب عشرة، وقيمة الصبغ عشرة، وصار يساوي مصبوغا عشرين، فهو بينهما بالسوية. فلو رغب فيه راغب بثلاثين، كانت بينهما نصفين. وإن نقصت قيمته مصبوغا عنهما، بأن صارت قيمته في الصورة المذكورة خمسة عشر، فقد أطلق الاكثرون: أن النقص محسوب من الصبغ، لان الثوب هو الاصل، والصبغ وإن كان عينا، فهو تابع، فيكون الثوب المصبوغ بينهما أثلاثا، الثلثان للمغصوب منه. وفي الشامل والتتمة: أنه إن كان النقص لانخفاض سعر الثياب، فالنقص محسوب من الثوب. وإن كان لانخفاض سعر الاصباغ، فمن الصبغ وكذا لو كان النقص بسبب العمل. ويمن أن يكون هذا التفصيل مراد من أطلق. وإن كانت قيمته بعد الصبغ عشرة، انمحق الصبغ، ولا حق فيه للغاصب. وإن نقصت قيمته مصبوغا عن قيمة الثوب، فصار يساوي ثمانية، فقد ضاع الصبغ ونقص من الثوب درهمان، فير ده مع درهمين. وإن زادت قيمته مصبوغا عليهما، بأن صار ثلاثين، فمن أطلق الجواب في طرف النقص، أطلق هنا أن الزيادة بينهما على نسبة ماليهما. ومن فصل قال: إن كان ذلك لارتفاع سعر الثياب، فالزيادة لصاحب الثوب، وإن كان لارتفاع سعر الاصباغ، فهي للغاصب، وإن كان للعمل والصنعة، فهي بينهما، لان الزيادة بفعل الغاصب تحسب للمغصوب منه.

(4/137)


الضرب الثاني: إذا أمكن فصله عن الثوب، فقد حكي قول عن القديم: أنه إن كان المفصول لا قيمة له، فهو كالسمن، والمشهور أنه ليس كالسمن، فلا يفوز به المغصوب منه. وهل يملك إجبار الغاصب على فصله ؟ وجهان. أصحهما عند العراقيين: لا. وأصحهما: عند البغوي وطائفة: نعم، واختاره الامام، ونقل القطع به عن المراوزة. وإنما الخلاف، فيما إذا كان الغاصب يخسر بالفصل خسرانا بينا، وذلك، قد يكون لضياع المنفصل بالكلية، وقد يكون لحقارته بالاضافة إلى قيمة الصبغ. ومن جملة الضياع، أن يحدث في الثوب نقص بسبب الفصل لا تفي بأرشه قيمة المفصول. ولو رضي المغصوب (منه) بابقاء الصبغ وأراد الغاصب فصله، فله ذلك إن لم ينقص الثوب، وكذا إن نقص على الاصح. وإن تراضيا على ترك الصبغ بحاله، فهما شريكان. وكيفية الشركة، كما سبق في الضرب الاول. فرع لو ترك الغاصب الصبغ للمالك، فهل يجبر كالنعل في الدابة المردودة بالعيب لانه تابع، أم لا، كالبناء والغراس إذا تركه الغاصب ؟ وجهان. قال الروياني: أصحهما: الاول. قال الرافعي: بل الثاني أقيس وأشبه. قلت: الثاني أصح. وممن صححه، صاحب التنبيه قال الجرجاني: ويجري الوجهان فيما لو غصب بابا وسمره بمساميز للغاصب وتركها للمالك. والله أعلم. ثم قيل، الوجهان فيما إذا أمكن فصل الصبغ، وفيما إذا لم يمكن. والاصح: تخصيصهما بما إذا أمكن وقلنا: إن الغاصب يجبر على الفصل، وإلا فهما شريكان لا يجبر واحد منهما على قبول هبة الآخر. وعلى هذا، فطريقان. أحدهما: أن الوجهين فيما إذا كان يتضرر بالفصل، إما لما يناله من التعب، وإما

(4/138)


لان المفصول يضيع كله أو أكثره، فإن لم يكن كذلك، لم يجب القبول بحال. والثاني: أن الوجهين فيما إذا كان الثوب ينقص بالفصل نقصا لا تفي بأرشه قيمة الصبغ المفصول، فإن وقت، لم يجب القبول بحال وإن تعب أو ضاع معظم المفصول. قال الامام: وإذا قلنا: يجب القبول على المغصوب منه، لم يشترط تلفظه بالقبول. وأما الغاصب، فلا بد من لفظ من جهته يشعر بقطع الحق، كقوله: أعرضت عنه، أو تركته، أو أبرأته عن حقي، أو أسقطته، قال: ويجوز أن يعتبر اللفظ المشعر بالتمليك. فرع لو بذل المغصوب منه قيمة الصبغ، وأراد أن يتملكه على الغاصب، فهل يجاب إليه ؟ فيه أوجه - سواء كان الصبغ يمكن فصله، أم لا - أحدهما: نعم كالغراس في العارية. وأصحهما: لا، لان المعير لا يتمكن من القلع مجانا فكان محتاجا إلى التملك بالقيمة، وهنا بخلافه. والثالث: إن كان الصبغ بحيث لو فصل لم يحصل منه شئ ينتفع به، فنعم، وإلا، فلا. فرع متى اشتركا في الثوب المصبوغ، فهل لاحدهما الانفراد ببيع ملكه (منه) ؟ وجهان، كبيع دار لا ممر لها. والاصح: المنع. ولو أراد مالك الثوب البيع، ففي المهذب والتهذيب: أنه يجبر الغاصب على موافقته ويباع، وإن أراد الغاصب البيع، لم يجبر صاحب الثوب على الاصح، لئلا يستحق بتعديه إزالة ملك غيره. وفي النهاية: القطع بأن واحدا منهما لا يجبر كسائر الشركاء. الحال الثاني: أن يكون الصبغ مغصوبا من غير مالك الثوب، فإن لم يحدث بفعله نقص، فلا غرم عليه، وهما شريكان في الثوب المصبوغ كما سبق في المالك والغاصب. وإن حدث، نظر، إن كانت قيمته مصبوغا عشرة، والتصوير كما سبق، فهو لصاحب الثوب، ويغرم الغاصب الصبغ للآخر. وإن كانت خمسة عشر، فوجهان. أحدهما: (يكون) الثوب بينهما نصفين، ويرجعان على الغاصب بخمسة. وأصحهما: أثلاثا على ما سبق في الحال الاول. فإن كان مما يمكن فصله، فلهما تكليف الغاصب الفصل. فإن حصل بالفصل نقص فيهما أو في أحدهما عما كان قبل

(4/139)


أن يصبغ، غرمه الغاصب، ولصاحب الثوب وحده طلب الفصل أيضا إذا قلنا: المالك يجبر الغاصب عليه في الحال الاول. هذا إذا حصل بالانصباغ عين مال في الثوب. فإن لم يحصل إلا تمويه، فالحكم كما سبق في التزويق. فرع يقاس بما ذكرناه في الحالتين ثبوت الشركة فيما إذا طير الريح ثوب إنسان في أجانة صباغ، فانصبغ، لكن ليس لاحدهما أن يكلف الاخر الفصل ولا التغريم إن حصل نقص في أحدهما، إذ لا تعدي. ولو أراد صاحب الثوب تملك الصبغ بالقيمة، فعلى ما سبق. الحال الثالث: أن يكون الصبغ مغصوبا من مالك الثوب أيضا. فإن لم يحدث بفعله نقص، فهو للمالك، ولا غرم على الغاصب، ولا شئ له إن زادت القيمة، لان الموجود منه أثر محض. وإن حدث بفعله نقص، ضمن الارش، وإذا أمكن الفصل، فللمالك إجباره عليه. وليس للغاصب الفصل إذا رضي المالك. فرع إذا كان الصبغ للغاصب وقيمته عشرة، وقيمة الثوب عشرة، فبلغت قيمة الثوب مصبوغا ثلاثين، ففصل الغاصب الصبغ، ونقصت قيمة الثوب عن عشرة، لزمه ما نقص، وكذا ما نقص عن خمسة عشر إن فصل بغير إذن المالك وطلبه، وإن فصل بإذنه، لم يلزمه إلا نقص العشرة. ولو عادت قيمته مصبوغا إلى عشرة لانخفاض السعر وكان النقص في الثياب والاصباغ على نسبة واحدة، فالثوب بينهما بالسوية كما كان، والنقص داخل عليهما جميعا، وليس على الغاصب غرامة ما نقص مع رد العين، لكن لو فصل الصبغ بعد رجوع القيمة إلى عشرة، فصار الثوب يساوي أربعة، غرم ما نقص، وهو خمس الثوب بأقصى القيم. والمعتبر في الاقصى خمسة عشر إن فصل بنفسه، وعشرة إن فصل بطلب المالك.
فصل إذا خلط المغصوب بغيره، فقد يتعذر التمييز بينهما، وقد، لا. وإذا تعذر، فقد يكون ذلك الغير من جنسه، وقد، لا. فإن كان كالزيت بالزيت. والحنطة بالحنطة، نظر، فإن خلطه بأجود من المغصوب أو مثله، أو أردأ منه، فالمذهب النص أنه كالهالك حتى يتمكن الغاصب من أن يعطيه قدر حقه من غير المخلوط. وقيل: قولان. أحدهما: هذا. والثاني: يشتركان في

(4/140)


المخلوط، ويرجع في قدر حقه من نفس المخلوط. وقيل: إن خلط بالمثل، اشتركا، وإلا، فكالهالك. فإن قلنا: كالهالك، فللغاصب دفع المثل من غير المخلوط، وله دفعه منه إذا خلطه بالاجود أو بالمثل، وليس له دفع قدر حقه من المخلوط بالاردإ، إلا أن يرضى المالك. وإذا رضي، فلا أرش له كما إذا أخذ الردئ من موضع آخر. وإن قلنا بالشركة، فإن خلط بالمثل، فقدر زيته من المخلوط له. وإن خلط بالاجود، بأن خلط صاعا قيمته درهم، بصاع قيمته درهمان، نظر، إن أعطاه صاعا من المخلوط، أجبر المالك على قبوله، وإلا فيباع المخلوط ويقسم الثمن بينهما أثلاثا، فإن أراد قسمة عين الزيت على نسبة القيمة، فالمشهور: أنه لا يجوز، وفي قول رواه البويطي: يجوز، وفي وجه: يكلف الغاصب تسليم صاع من المخلوط، لان اكتساب المغصوب صفة الجودة بالخلط، كزيادة متصلة. وإن خلط بالاردإ، بأن خلط صاعا قيمته درهمان بصاع قيمته درهم، أخذ المغصوب منه صاعا من المخلوط مع أرش النقص، لان الغاصب متعد بالخلط، بخلاف المفلس إذا خلط بالاردإ، فإن البائع إذا رجع بصاع من المخلوط لا أرش له، لعدم التعدي، فإن اتفقا على بيع المخلوط وقسمة الثمن أثلاثا، جاز، وإن أراد قسمة الزيت على نسبة القيمتين، فقيل: هو على الخلاف في طرق الاجود، وقيل: بالمنع قطعا. فرع خلط الخل بالخل، واللبن باللبن، كخلط الزيت بالزيت. وإن خلط الدقيق بالدقيق، فإن قلنا: هو مثلي، فكالزيت بالزيت. وإن قلنا: متقوم، فإن قلنا: المختلط هالك، فالواجب على الغاصب القيمة. وإن قلنا: بالشركة، بيع وقسم الثمن بينهما على قدر القيمتين. فإن أراد قسمة عين الدقيق على نسبة القيمتين، وكان الخلط بالاجود أو الاردإ، فعلى ما ذكرنا في خلط الزيت بالزيت.

(4/141)


وإن كان الخلط بالمثل، جازت القسمة إن جعلناها إفرازا. وإن جعلناها بيعا، لم يجز، لان بيع الدقيق بالدقيق لا يجوز. فرع خلط المغصوب بغير الجنس، كزيت بشيرج أو دهن جوز، أو دقيق حنطة بدقيق شعير، فالمغصوب هالك لبطلان فائدة خاصيته، بخلاف الجيد بالردئ. وقيل: هو على الخلاف السابق، واختار المتولي الشركة هناك وهنا، وقال: إن تراضيا على بيع المخلوط وقسمة الثمن، جاز، وإن أراد قسمته، جاز، وكأن المغصوب منه باع ما يصير في يد الغاصب من الزيت بما يصير في يده من الشيرج. قال الامام: وألحق الاصحاب بخلط الزيت بالشيرج لت السويق بالزيت، وهو بعيد، وانما هو كصبغ الثوب. فرع إذا لم يتعذر التمييز، لزم الغاصب التمييز وفصله بالالتقاط وإن شق، سواء خلط الجنس كالحنطة البيضاء بالحمراء، أو بغيره كالحنطة بالشعير. فرع إذا خلط الزيت بالماء، وأمكن التمييز، لزمه التمييز وأرش النقص ان نقص، وإلا، فهو كخلطه بالشيرج، الا أن لا تبقى له قيمة، فيكون هالكا قطعا. فإن حصل فيه مميزا كان أو غيره. نقص سار، فقد سبق حكمه.
فصل إذا غصب خشبة وأدخلها في بناء، أو بنى عليها، أو على آجر مغصوب، لم يملكها، بل عليه إخراجها وردها إلى المالك ما لم تعفن. فإن عفنت بحيث لو أخرجت لم يكن لها قيمة، فهي هالكة. فإذا أخرجها قبل العفن وردها، لزمه أرش النقص وإن نقصت. وفي الاجرة ما ذكرناه في إبلاء الثوب بالاستعمال. ولو أدخل لوحا مغصوبا في سفينة، نظر، إن لم يخف من النزع هلاك نفس ولا مال، بأن كانت على الارض، أو مرساة على الشط، أو أدخله في أعلاها ولم

(4/142)


يخف من نزعه غرقا، أو لم يكن فيها نفس ولا مال، ولا خيف هلاك السفينة نفسها، لزمه نزعه ورده، فإن كان في لجة (البحر) وخيف من النزع هلاك حيوان محترم، سواء كان آدميا الغاصب أو غيره، أو غير آدمي، لم ينزع حتى تصل الشط. وإن خيف من النزع هلاك مال، إما في السفينة، وإما في غيرها، فهو، إما للغاصب، أو لمن وضع ماله فيها وهو يعلم أن فيها لوحا مغصوبا، فإن كان لهما، ففي نزعه وجهان. أصحهما عند الامام: النزع، كما يهدم البناء لرد الخشبة. وأصحهما عند ابن الصباغ وغيره: لا ينزع، لان السفينة لا تدوم في البحر، فيسهل الصبر إلى الشط. وإن كان لغيرهما، لم ينزع قطعا. قلت: الاصح عند الاكثرين ما صححه ابن الصباغ. والله أعلم. وحيث لا ينزع إلى الشط، فتؤخذ القيمة للحيلولة إلى أن يتيسر النزع، فحينئذ يرد اللوح مع أر ش النقص ويسترد القيمة. وإن قلنا: لا يبالي في النزع بهلاك مال الغاصب فاختلطت التي فيها اللوح بسفن للغاصب، ولا قلت: كذا أطلقوا يوقف على اللوح إلا بنزع الجميع، فهل ينزع الجميع ؟ وجهان الوجهين بلا ترجيح، وينبغي أن يكون أرجحهما عدم النزع. والله أعلم فرع الخيط المغصوب، إن خيط به ثوب ونحوه، فالحكم كما في البناء على الخشبة. وإن خيط به جرح حيوان، فهو قسمان. محترم، وغيره. والمحترم نوعان. آدمي وغيره. أما الآدمي: فإن خيف من نزعه هلاكه، لم ينزع، وعلى الغاصب قيمته. ثم إن خيط جرح فسه، فالضمان مستقر عليه. وإن خاط جرح غيره باذنه وهو عالم

(4/143)


بالغصب، فقرار الضمان على المجروح. وإن كان جاهلا، فعلى الخلاف فيما إذا أطعم المغصوب رجلا. وفي معنى خوف الهلاك، خوف كل محذور يجوز العدول إلى التيمم من الوضوء وفاقا وخلافا. وأما غير الادمي، فضربان. مأكول، وغيره فغيره، له حكم الادمي، إلا أنه لا اعتبار ببقاء الشين (فيه). وأما المأكول، فإن كان لغير الغاصب، لم ينزع، وإن كان للغاصب، فقولان. وقيل: وجهان. أظهرهما: لا يذبح كغير المأكول. وإذا مات الحيوان وفيه الخيط. فإن كان غير آدمي نزع، وكذا إن كان آدميا على الاصح. وأما غير المحترم، فلا يبالي بهلاكه، فينزع منه الخيط. ومن هذا القسم: الخنزير، والكلب العقور، وكذا الكلب الذي لا منفعة فيه، قاله الامام. وكذا المرتد على المذهب، وبه قطع الاكثرون. وذكر الامام فيه وجهين، وادعى أن الاوجه: منع النزع، لان المثلة بالمرتد محرمة، بخلاف المثلة بالميت، لانا نتوقع عود المرتد إلى الاسلام. ومن هذا القسم الحربي. وأما الزاني المحصن، والمحارب، فقال المتولي: هما على الوجهين فيما إذا مات وفيه الخيط، لان تفويت روحه مستحق، وحيث قلنا: لا ينزع، يجوز غصب الخيط ابتداء ليخاط به الجرح إذا لم يوجد خيط حلال. وحيد قلنا: ينزع، لا يجوز. قلتوحيث بلي الخيط، فلا نزع مطلقا، بل تجب القيمة. والله أعلم فرع حصل فصيل رجل في بيت رجل، ولم يمكن إخراجه إلا بنقض البناء، فإن كان بتفريط صاحب البيت، بأن غصبه وأدخله، نقض ولم يغرم صاحب الفصيل شيئا. وإن كان بتفريط صاحب الفصيل، نقض البناء، ولزمه أرش

(4/144)


النقص. وإن دخل بنفسه، نقض أيضا، ولزم صاحب الفصيل أرش النقص على المذهب، وبه قطع العراقيون. وقيل: وجهان. ثانيهما: لا أرش عليه. فرع وقع دينار في محبرة، ولا يخرج إلا بكسرها، فإن وقع بفعل صاحب المحبرة عمدا أو سهوا، كسرت، ولا غرم على صاحب الدينار، وإن وقع بفعل صاحبه، أو بلا تفريط من أحد، كسرت، وعلى صاحبه الارش. وقال ابن الصباغ: إذا لم يفرط أحد، والتزم صاحب المحبرة ضمان الدينار، ينبغي أن لا تكسر، لزوال الضرر بذلك، وهذا الاحتمال عائد في صورة البيت والفصيل. فرع أدخلت بهيمة رأسها في قدر، ولم يخرج إلا بكسرها، فإن كان معها صاحبها، فهو مفرط بترك الحفظ. فإن كانت غير مأكولة، كسرت القدر، وعليه أرش النقص. وإن كانت مأكولة، ففي ذبحها وجهان، كمسألة الخيط. وإن لم يكن معها أحد، فإن فرط صاحب القدر، بأن وضع القدر في موضع لا حق له فيه، كسرت، ولا أرش له. وإن لم يفرط، كسرت، وغرم صاحب البهيمة الارش، ولم يذكروا هذا التفصيل بين المأكول وغيره في مسألة الفصيل، والوجه: التسوية. فرع سيأتي إن شاء الله تعالى القول في أن ما تتلفه البهيمة، متى يضمنه مالكها في بابه. فإذا ابتلعت شيئا واقتضى الحال الضمان، نظر، إن كان مما يفسد بالابتلاع، ضمنه. وإن كان مما لا يفسد، كاللؤلؤ، فإن كانت غير مأكولة، لم تذبح، وغرم قيمة المبتلع، للحيلولة. وإن كانت مأكولة، ففي ذبحها الوجهان. فرع لو باع بهيمة بثمن معين، فابتلعته، فإن لم يكن الثمن مقبوضا، انفسخ البيع، وهذه بهيمة لبائعها ابتلعت مال المشتري، إلا أن يقتضي الحال وجوب الضمان على صاحب البهيمة، فيستقر العقد، ويكون ما جرى قبضا للثمن بناء على أن إتلاف المشتري قبض منه. وإن كان الثمن مقبوضا، لم ينفسخ البيع،

(4/145)


وهذه بهيمة للمشتري ابتلعت مال البائع. فصل غصب زوجي خف قيمتهما عشرة، فرد أحدهما وقيمته ثلاثة، وتلف الاخر، لزمه سبعة قطعا، لان بعض المغصوب تلف، وبعضه نقص. ولو أتلف أحدهما، أو غصبه وحده وتلف، وعادت قيمة الباقي إلى ثلاثة، ففيه أوجه. أصحها عند الشيخ أبي حامد ومن تابعه: يلزمه سبعة. وأصحها عند الامام، والبغوي: خمسة، كما لو أتلف رجل أحدهما، وآخر الاخر، فإن كلا منهما يضمن خمسة. والثالث: يلزمه ثلاثة، لانها قيمة ما أتلفه. ولو أخذ أحدهما بالسرقة، وقيمته مع نقص الباقي نصاب، لم يقطع بلا خلاف. قلت الاقوى، ما صححه الامام، وإن كان الاكثرون على ترجيح الاول وعليه العمل. ويخالف المقيس عليه، فإنه لا ضرر على المالك هناك. وصورته: أنهما أتلفاهما دفعة واحدة. فإن تعاقبا، لزم الثاني ثلاثة. وفي الاول، الخلاف. وفي الصورة الاولى إذا غصبهما معا وجه في التنبيه والتتمة: أنه يلزمه ثلاثة، وهو غريب. والله أعلم.
الطرف الثالث : فيما يترتب على تصرفات الغاصب.
وفيه مسائل. إحداها: إذا أتجر الغاصب في المال المغصوب، فقولان. الجديد: أنه إن باعه أو اشترى بعينه، فالتصرف باطل. وإن جاع سلما أو اشترى في الذمة وسلم المغصوب فيه، فالعقصحيح، والتسليم فاسد، فلا تبرأ ذمته مما التزم، ويملك الغاصب ما أخذ، وأرباحه له. والقديم: أن بيعه والشراء بعينه ينعقد موقوفا على إجازة المالك. فإن أجاز، فالربح له. وكذا إذا التزم في الذمة وسلم المغصوب، تكون الارباح للمالك، وهذه المسألة سبق ذكرها في البيع، ويتم شرحها في القراض إن شاء الله تعالى. والغرض هنا، أن ما ذكرناه بعدها مفرع على الجديد، وهو الاظهر. الثانية: وطئ الغاصب المغصوبة، فإن كانا جاهلين بتحريم الوطئ، فلا حد عليهما، وعليه المهر للسيد، وكذا أرش البكارة إن كانت بكرا. ثم هل يفرد الارش فنقول: عليه مهر ثيب، والارش ؟ أم لا يفرد، فنقول: مهر بكر ؟ وجهان.

(4/146)


أصحهما: الاول. والوجه، أن يقال: إن اختلف المقدار بالاعتبارين، وجب الزائد، وقد أشار الامام إليه، وإلا، ففيه الوجهان. وإن كانا عالمين بالتحريم، نظر، إن كانت الجارية مكرهة، فعلى الغاصب الحد والمهر، ويجب أرش البكارة إن كانت بكرا. وإن كانت طائعة، فعليهما الحد، ولا يجب المهر على الصحيح المنصوص. وقيل: على المشهور. ويجب أرش البكارة إن كانت بكرا إذا قلنا: يفرد عن المهر، وإلا، ففي وجوب الزائد على مهر، وإلا، ففي وجوب الزائد على وهي ثيب، وجهان. أحدهما: لا يجب كما لو زنت الحرة وهي طائعة وهي بكر. والثاني: يجب، كما لو أذنت في قطع طرف منها. وإن كان الغاصب عالما دونها، فعليه الحد وأرش البكارة إن كانت بكرا، والمهر. وإن كانت عالمة دونه، فعليها الحد دونه إن طاوعته، ويجب المهر إن كانت مكرهة، وإلا، فعلى الخلاف. ثم الجهل بتحريم الوطئ، قد يكون للجهل بتحريم الزنا مطلقا، وقد يكون لتوهم حلها خاصة لدخولها بالغصب في ضمانه، ولا تقبل دعواهما إلا من قريب العهد بالاسلام، أو ممن نشأ في موضع بعيد عن المسلمين، وقد يكون لاشتباههما عليه وظنه أنها جاريته فلا يشترط لقبول دعواه ما ذكرناه. الثالثة: إذا وطئ المشتري من الغاصب، فالقول في وطئه في حالتي العلم والجهل ما ذكرنا في الغاصب، إلا أن جهل المشتري قد ينشأ من الجهل بكونها مغصوبة أيضا، فلا يشترط في دعواه الشرط السابق، وإذا غرم المشتري المهر، فسيأتي القول في رجوعه (به) على الغاصب.

(4/147)


وهل للمالك مطالبة الغاصب به ابتداء ؟ وجهان. أصحهما: نعم، وهو مقتضى كلام الجمهور. وأشار الامام إلى جريان الوجهين، سواء قلنا: يرجع المشتري بالمهر على الغاصب، أم لا. وقال: إذا قلنا: لا رجوع، فظاهر القياس: أنه لا يطالب. وإذا قلنا بالرجوع، فالظاهر المطالبة، لاستقرار الضمان عليه، وطرد الخلاف في مطالبة الغاصب بالمهر إذا وطئت بالشبهة. فرع إذا تكرر وطئ الغاصب أو المشترى منه، فإن كان في حال الجهل، لم يجب إلا مهر، لان الجهل شبهة واحدة مطردة، فأشبه الوطئ في نكاح فاسد مرارا. وإن كان عالما، وجب المهر، لكونها مكرهة. أو قلنا بالوجوب مع طاعتها، فوجهان، أحدهما: الاكتفاء بمهر. وأصحهما: يجب لكل مرة مهر. وإن وطئها، مرة عالما، ومرة جاهلا، وجب مهران. فرع هذا الذي ذكرنا، فيما إذا لم يكن الوطئ محبلا. أما إذا أحبل الغاصب أو المشترى منه، نظر، إن كان عالما بالتحريم، فالولد رقيق للمالك غير نسيب، لكونه زانيا. فإن انفصل حيا، فهو مضمون على الغاصب، أو ميتا بجناية، فبدله لسيده، أو بلا جناية، ففي وجوب ضمانه على الغاصب، وجهان. أحدهما وهو ظاهر النص: الوجوب، لثبوت اليد عليه تبعا للام، وبه قال الانماطي، وابن سلمة، واختاره القفال. وبالمنع قال أبو إسحاق، واختاره أبو محمد، والامام، والبغوي، لان جنايته غير متيقنة، وسبب الضمان هلاك رقيق تحت يده. ويجري الوجهان في حمل البهيمة المغصوبة إذا انفصل ميتا، فإن أوجبنا الضمان، فهو قيمته يوم الانفصال لو كان حيا في ولد الجارية والبهيمة جميعا،

(4/148)


وخرج الامام وجها في ولد الجارية أنه يضمن بعشر قيمة الام، تنزيلا للغاصب منزلة الجاني. أما إذا كان الواطئ جاهلا بالتحريم، فالولد نسيب حر للشبهة، وعليه قيمته لمالك الجارية يوم الانفصال إن انفصل حيا. فإن انفصل ميتا بنفسه، فالصحيح: أنه لا قيمة عليه، وإن كان بجناية، فعلى الجاني ضمانه، وللمالك تضمين الغاصب، لان له بدله، فقوم عليه، ثم الواجب على الجاني الغرة، وللمالك عشر قيمة الام. فإن استويا، ضمن الغاصب للمالك عشر قيمة الام. وإن كانت قيمة الغرة أكثر، فكذلك، والزيادة تستقر له بحق الارث. وإن نقصت الغرة عن العشر، فوجهان. أصحهما: أنه يضمن للمالك تمام العشر. والثاني: لا يضمن إلا قدر الغرة. ولو انفصل ميتا بجناية الغاصب، لزمه الضمان. ولو أحبل الغاصب ومات وترك أباه، ثم انفصل الجنين ميتا بجناية، فالغرة لجد الطفل. ثم عن القاضي حسين: أنه يضمن للمالك ما كان يضمنه الغاصب. وعنه: أنه لو كان مع الغاصب أم أم الجنين، فورثت سدس الغرة، قطع النظر عنه، ونظر إلى عشر قيمة الام وخمسة أسداس الغرة، وكأنها كل الغرة، والجوابان مختلفان، فرأى الامام إثبات احتمالين في الصورتين، ينظر في أحدهما، إلى أن من يملك الغرة، ينبغي أن يضمن للمالك، ويستبعد في الاخر تضمين من لم يغصب. قال المتولي: الغرة تجب مؤجلة، وإنما يغرم الغاصب عشر قيمة الام إذا أخذ الغرة. وتوقف الامام فيه. هذا هو الصحيح المعروف في الولد المحكوم بحريته. وفي وجه: لا ينظر إلى عشر قيمة الام، بل تعتبر قيمته لو انفصل حيا. وفي وجه: يغرم الغاصب للمالك أكثر

(4/149)


الامرين من قيمة الولد والغرة. ودعوى الجهل في هذا، كدعواه إذا لم تحبل على ما سبق. وحكى المسعودي خلافا في قبولها لحرية الولد، وإن قبلت لدفع الحد. ويجب في حالتي العلم والجهل أرش نقص الجارية إن نقصت بالولادة، فإن تلفت عنده، وجب أقصى القيم، ودخل فيه نقص الولادة وأرش البكارة. ولو ردها وهي حبلى، فماتت في يد المالك بالولادة، قال أبو عبد الله القطان في المطارحات: لا شئ عليه في صورة العلم، لان الولد ليس منه حتى يقال: ماتت بولادة ولده. ونقل في صورة الجهل قولين، وأطلق المتولي القولين بوجوب الضمان. قلت: الاصح: قول المتولي: والله أعلم فرع لو وطئ الغاصب بإذن المالك، فحيث قلنا: لا مهر إذا لم يأذن، فهنا أولى، وإلا، فقولان محافظة على حرمة البضع. وفي قيمة الولد، طريقان. قيل: كالمهر، وقيل: تجب قطعا، لانه لم يصرح بالاذن في الاحبال.
فصل فيما يرجع به المشتري على الغاصب إذا غرمه المالك وفيه فروع. الاول: إذا تلفت العين المغصوبة عند المشتري، ضمن قيمتها أكثر ما كانت من يوم قبضها إلى التلف، ولا يضمن زيادة كانت في يد الغاصب، ولا يرجع بما ضمنه عالما كان أو جاهلا. وعن صاحب التقريب: أنه يرجع من المغروم بما

(4/150)


زاد على قدر الثمن، سواء اشتراه رخيصا، أم زادت قيمته، وهو شاذ. الثاني: إذا تعيب المغصوب عند المشتري بمعى أو شلل أو نحوهما، فإن كان بفعل المشتري، استقر ضمانه عليه، وكذا لو أتلف الجميع. وإن كان بآفة سماوية، فقولان. أظهرهما: لا يرجع على الغاصب، وبه قطع العراقيون والاكثرون. الثالث: منافع المغصوب، يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها، سواء استوفاها بالسكون والركوب واللبس ونحوها، أم فاتت تحت يده، ولا يرجع بما استوفاه، ولا بالمهر وأرش البكارة على الجديد الاظهر، ويرجع بما تلف تحت يده على الاصح. الرابع: لا يرجع بقيمة الولد المنعقد حرا على المذهب. وقيل: قو لان. ويرجع بأرش نقص الولادة على المذهب، وبه قطع العراقيون. وقيل: وجهان. ولو وهب الجارية المغصوبة، فاستولدها المتهب جاهلا بالحال، وغرم قيمة الولد، ففي رجوعه بها وجهان. الخامس: إذا بنى المشتري أو غرس في المغصوبة، فجاء المالك ونقض، رجع بأرش النقصان على الغاصب على الاصح، وبه قطع العراقيون. قال البغوي: والقياس: أن لا يرجع على الغاصب بما انفق على العبد وما أدى من خراج الارض، لانه شرع في الشراء على أنه يضمنهما. السادس: لو زوج الغاصب المغصوبة، فوطئها الزوج جاهلا، غرم مهر المثل للمالك، ولا يرجع به على الغاصب، لانه شرع فيه على أن يضمن المهر. فلو استخدمها الزوج، وغرم الاجرة، لم يرجع لانه لم يسلطه بالتزويج على الاستخدام، بخلاف الوطئ، ويرجع بغرم المنافع التالفة تحت يده، لانه لم يستوفها، ولم يشرع على أن يضمن. والقول في قيمتها لو تلفت في يده، سبق،

(4/151)


فإن غرمها، رجع بها. قال الاصحاب: وضابط هذه المسائل، أن ينظر فيما غرمه من أثبت يده على (يد) الغاصب جاهلا. فإن دخل على أن يضمنه، لم يرجع، وأن شرع على أن لا يضمنه، فإن لم يستوف ما يقابله، رجع به. وإن استوفاه، فقولان. فلو غصب شاة فولدت في يد المشتري، أو شجرة فأثمرت، فأكل فائدتهما وغرمهما للمالك، ففي رجوعه بما غرم على الغاصب قولان، كالمهر. وإن هلكت تحت يده، فهي كالمنافع التي لم يستوفها، وكذا القول في الاكساب. ولو انفصل الولد ميتا، فالمذهب: أنه لا ضمان، وكذا إذا انفصل ميتا في يد الغاصب. ولو استرضع المشتري الجارية في ولده أو ولد غيره، وغرم أجرة مثلها، ففي رجوعه بها قولان، كالمهر، ويغرم المشتري اللبن وإن انصرف إلى سخلتها وعاد نفعه إلى المالك، كما لو غصب علفا وعلف به بهيمة مالكه، قال البغوي: وينبغي أن يرجع لانه لم يدخل فيه على أن يضمنه، ولا عاد نفعه إليه. ولو أجر العين المغصوبة، غرم المستأجر أجرة المثل للمالك، ولم يرجع بها على الغاصب، ويسترد المسمى. ولو أعارها، رجع المستعير بما غرم للمنافع الفائتة تحت يده. وفي الرجوع بما غرمه للمنافع المستوفاة، القولان. وكذا ما غرم للاجزاء التالفة بالاستعمال. فرع كل ما لو غرمه المشتري رجع به على الغاصب. فإذا طولب به الغاصب وغرمه، لم يرجع به على المشتري، وكل ما (لو) غرمه المشتري، لم يرجع به على الغاصب، فإذا غرمه الغاصب، رجع به على المشتري، وكذا الحكم في غير المشتري ممن أثبتت يده على يد الغاصب. فرع لو نقصت الجارية بالولادة، والولد رقيق تفي قيمته بنقصها، لم ينجبر به النقص، بل يأخذ الولد والارش.

(4/152)


فصل في مسائل منثورة تتعلق بالكتاب إحداها: حمال تعب بخشبة، فأسندها إلى جدار رجل، فإن لم يأذن مالكه، ضمن الجدار إن وقع با سناده، وضمن ما تلف بوقوعه عليه. وإن وقعت الخشبة وأتلفت شيئا، ضمن إن وقعت في الحال. وإن وقعت بعد ساعة، لم يضمن. وإن كان الجدار له أو لغيره، وقد أذن في إسنادها إليه، فكذلك يفرق بين أن تقع الخشبة في الحال أو بعد ساعة، كفتح رأس الزق. الثانية: غصب دارا فنقضها وأتلف النقض، ضمن النقض وما نقص من قيمة العرصة. وهل يغرم أجرة مثلها دارا إلى وقت النقض، أم إلى وقت الرد ؟ وجهان. الثالثة: غصب شاة وأنزى عليها فحلا، فالولد للمغصوب منه. ولو غصب فحلا وأنزاه على شاته، فالولد للغاصب، ولا شئ عليه للا نزاء. فإن نقصت قيمته، غرم الارش، وينبغي أن يخرج وجوب شئ للانزاء، على الخلاف في صحة الاستئجار له. قلت: هذا التفريع، لا بد منه، وإنما فرعوه على الاصح. والله أعلم الرابعة: غصب جارية ناهدا، فتدلى ثديها، أو عبدا شابا، فشاخ، أو أمرد، فالتحى، ضمن النقصان. الخامس: غصب خشبة فاتخذ منها أبوابا وسمرها بمساميره، نزع المسامير. فإن نقصت الابواب به، ضمن الارش. ولو بدلها، ففي إجبار المغصوب منه على قبولها وجهان سبق نظائرهما. السادسة: غصب ثوبا ونجسه، أو تنجس عنده، لا يجوز له تطهيره، ولا للمالك أن يكلفه تطهيره. فإن غسله فنقص، ضمن النقص. ولو رده نجسا، فمؤنة التطهير عل الغاصب. وكذا أرش النقص اللازم منه، وتنجيس المائع الذي لا يمكن تطهيره، إهلاك. وتنجيس الدهن، مبني على إمكان تطهيره. إن جوزناه، فهو كالثوب.

(4/153)


السابعة: غصب من الغاصب، فأبرأ المالك الاول عن ضمان الغصب، صح الابراء، لانه مطالب بقيمته فهو كدين عليه. وإن ملكه العين المغصوبة، برئ، وانقلب الضمان على الثاني حقا له. وإن باعه لغاصب الغاصب، أو وهبه له، وأذن في القبض، برئ الاول. وإن أودعه عند الثاني وقلنا: يصير أمانة في يده، برئ الاول أيضا. وإن رهنه عند الثاني، لم يبرأ واحد منهما. الثامنة: إذا رد المغصوب إلى المالك أو وكيله، أو وليه، برئ. ولو رد الدابة إلى اصطبله، قال المتولي: برئ أيضا إذا علم المالك به أو أخبره من يعتمد خبره، ولا يبرأ قبل العلم والاخبار. ولو امتنع المالك من الاسترداد، رفع الامر إلى الحاكم. التاسعة: لو أبرأ المالك غاصب الغاصب عن الضمان، برئ الاول، لان القرار على الثاني، والاول كالضامن، كذا قاله القفال وغيره، وهذا إن كان بعد تلف المال فبين، وإن كان قبله، فيخرج على صحة إبراء الغاصب مع بقاء المال في يده، وفيه خلاف سبق في كتاب الرهن، وبالله التوفيق. قلت: لو غصب مسكا أو عنبرا أو غيرهما مما يقصد شمه، ومكث عنده، لزمه أجرته كالثوب والعبد ونحوهما. ولو طرح في المسجد غلة أو غيرها وأغلقه، لزمه أجرة جميعه. وإن لم يغلقه، لكن شغل زاوية منه، لزمه أجرة ما شغله وممن صرح بالمسألة الغزالي في الفتاوى، قال: وكما يضمن أجزاء المسجد بالاتلاف، يضمن منفعته باتلافها. والله أعلم

(4/154)