روضة الطالبين وعمدة المفتين ط العلمية

روضة الطالبين - كتاب المساقاة
هي أن يعامل إنسان إنسانا على شجرة ليتعهدها بالسقي والتربية، على أن ما رزق الله تعالى من الثمرة يكون بينهما، وفيه بابان.

(4/226)


الأول : في أركانها، وهي خمسة.
الركن الأول : العاقدان، وسبق بيانهما في القراض. و
الركن الثاني : متعلق العمل، وهو الشجر، وله ثلاثة شروط. (الشرط) الاول: أن يكون نخلا أو عنبا، فأما غيرهما من النبات، فقسمان. (القسم الاول): ماله ساق، ومالا. والاول ضربان. (الضرب) الاول: ماله ثمرة كالتين، والجوز، والمشمش، والتفاح ونحوها، وفيها قولان. القديم: جواز المساقاة عليها. والجديد: المنع. وعلى الجديد، في شجر المقل وجهان، جوزها ابن سريج، ومنها غيره. قلت: الاصح: المنع. والله أعلم الضرب الثاني: ما لا ثمرة له، كالدلب والخلاف ويره، فلا تجوز المساقاة عليه. وقيل: في الخلاف وجهان لاغصانه.

(4/227)


القسم الثاني: ما لا ساق له، كالبطيخ، والقثاء، وقصب السكر، والباذنجان، والبقول التي لا تثبت في الارض ولا تجز إلا مرة واحدة، فلا تجوز المساقاة عليها، كما لا تجوز على الزرع. فإن كانت تثبت في الارض وتجز مرة بعد مرة، فالمذهب المنع. وقيل: وجهان. أصحهما: المنع. الشرط الثاني: أن تكون الاشجار مرئية، وإلا، فباطل على المذهب. وقيل: قولان، كبيع الغائب. الشرط الثالث: أن تكون معينة. فلو ساقاة على أحد الحائطين، لم يصح.
الركن الثالث : الثمار. فيشترط اختصاصه بالعاقدين مشتركة بينهما معلومة، وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير. فلو شرطا بعض الثمار لثالث، أو كلها لاحدهما، فسدت المساقاة. وفي استحقاق الاجرة عند شرط الكل للمالك وجهان كالقراض. أصحهما: المنع، لانه عمل مجانا. ولو قال: ساقيتك على أن لك جزءا من الثمرة، فسدت. ولو قال: على أنها بيننا، أو على أن نصفها لي، أو نصفها لك، وسكت عن الباقي، أو على أن ثمرة هذه النخلة أو النخلات لي، أو لك، والباقي بيننا، أو على أن صاعا من الثمرة لي، أو لك، والباقي بيننا، فحكمه كله كما سبق في القراض. وفي التتمة وجه شاذ: أنه تصح المساقاة إذا شرط كل الثمرة للعامل، لغرض القيام بمصلحة الشجر. فصل إذا ساقاه على ودي ليغرسه ويكون الشجر بينهما، أو ليغرسه ويتعهده مدة كذا، والثمرة بينهما، فهو فاسد على الصحيح. وقيل: يصح فيهما، للحاجة. وقيل: يصح في الثاني. فعلى الصحيح: إذا عمل في هذا الفاسد، استحق أجرة المثل إن كانت الثمرة متوقعة في هذه المدة، وإلا فعلى

(4/228)


الوجهين في شرط الكل للمالك. ولو ساقاه على ودي مغروس، فإن قدرا العقد بمدة لا يثمر فيها، لم تصح المساقاة، لخلوها عن الغرض. وفي استحقاقه أجرة المثل، الخلاف السابق. قال الامام: هذا إذا كان عالما بأنها لا تثمر فيها، فإن جهل ذلك، استحق الاجرة قطعا. وإن قدر بمدة يثمر فيها غالبا، صح، ولا يضر كون أكثر المدة لا ثمر فيها، فإن اتفق أنها لم تثمر، لم يستحق العامل شيئا، كما لو قارضه فلم يربح، أو ساقاه على النخيل المثمرة فلم تثمر، وإن قدر بمدة تحتمل الاثمار وعدمه، لم يصح على الاصح، كما لو أسلم في معدوم إلى وقت يحتمل وجوده وعدمه. والثاني: يصح. فإن أثمرت، استحق، وإلا، فلا شئ له. وعلى الاول: يستحق الاجرة إن لم تثمر، لانه عمل طامعا. هذه طريقة جمهور الاصحاب، وجعلوا توقع الثمرة ثلاثة أقسام كما ذكرنا. وقيل: إن غلب وجودها في تلك المدة، صح، وإلا، فوجهان. وقيل: إن غلب عدمها، لم يصح، وإلا، فوجهان. فرع دفع إليه وديا ليغرسه في أرض نفسه، على أن يكون الغراس للدافع، والثمر بينهما، فهو فاسد، وللعامل عليه أجرة مثل عمله وأرضه. ولو دفع إليه أرضه ليغرمها بودي نفسه، على أن تكون الثمرة بينهما، ففاسد أيضا، ولصاحب الارض أجرتها على العامل. فصل في جواز المساقاة بعد خروج الثمار، قولان. أظهرهما: الجواز. وفي موضع القولين طرق. أصحها: أنهما فيما بدو الصلا ح، فأما بعده، فلا يجوز قطعا. والثاني: القولان فيما لم ينتاه نضجه. فإن تناهى، لم يجز قطعا. والثالث: طردهما في كل الاحوال. ولو كان بين النخيل بياض، بحيث تجوز المزارعة عليه تبعا للمساقاة، فكان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة تبعا، وجهان بناء على هذين القولين. فصل إذا كان في الحديقة نوعان من التمر فصاعدا، كالصيحاني، والعجوة، والدقل، فساقاه على أن له النصف من الصيحاني، أو من العجوة الثلث، فإن علما قدر كل نوع، جاز، وإن جهله أحدهما، لم يجز. ومعرفة كل نوع إنما تكون بالنظر والتخمين دون التحقيق. وإن ساقاه على النصف من الكل،

(4/229)


جاز وإن جهلا قدر النوعين. ولو ساقاه على أنه إن سقى بماء السماء، فله الثلث، أو بالدالية، فالنصف، لم يصح، للجهل. ولو ساقاه على حديقته بالنصف على أن يساقيه على أخرى بالثلث، أو على أن يساقيه العامل على حديقته، ففاسد. وهل تصح المساقاة الثانية ؟ ينظر، إن عقدها وفاء بالشرط الاول، لم يصح، وإلا، فيصح، وسبق نظيره في الرهن. فرع حديقة بين اثنين مناصفة، ساقى أحدهما صاحبه وشرط له ثلثي الثمار، صح وقد شرط له ثلث ثمرته. وإن شرط له ثلث الثمار، أو نصفها، لم يصح، لانه لم يثبت له عوضا بالمساقاة، فإنه يستحق النصف بالملك. وإذا عمل، ففي استحقاقه الاجرة الوجهان. ولو شرط له جميع الثمار، فسد، وفي الاجرة وجهان، لانه لم يعمل له إلا أنه انصرف إليه. قلت: أصحهما: له الاجرة. والله أعلم. ولو شرط في المساقاة مع الشريك أن يتعاونا على العمل، فسدت وإن أثبت له زيادة على النصف، كما لو ساقى أجنبيا على هذا الشرط. ثم إن تعاونا واستويا في العمل، فلا أجرة لواحد منهما. وإن تفاوتا، فإن كان عمل من شرط له الزيادة أكثر، استحق على الاجرة بالحصة من عمله. وإن كان عمل الآخر أكثر، ففي استحقاقه الاجرة الوجهان. أما لو أعانه من غير شرط، فلا يضر. ولو ساقى الشريكان أجنبيا، وشرطا له جزءا من ثمرة كل الحديقة، ولم يعلم نصيب كل واحد منهما، جاز. فإن قالا: على أن لك من نصيب أحدنا النصف، ومن نصيب الآخر الثلث، من غير تعيين، لم يصح، وإن عينا، فإن علم نصيب كل واحد، صح، وإلا، فلا. فرع كانت الحديقة لواحد، فساقي اثنين على أن لاحدهما نصف الثمرة، وللآخر ثلثها، في صفقة، أو صفقتين، جاز إن عين من له النصف ومن له الثلث. فرع حديقة بين ستة أسداسا، فساقوا رجلا على أن له من نصيب واحد عينوه النصف، ومن نصيب الثاني الربع، ومن الثالث الثمن، ومن الرابع الثلثين،

(4/230)


ومن الخامس الثلث، ومن السادس السدس، فحسابه أن مخرج النصف والربع يدخلان في مخرج الثمن، ومخرج الثلثين والثلث يدخل في السدس، تبقى ستة وثمانية، يضرب وفق أحدهما في الآخر، تبلغ أربعة وعشرين، تضربه في عدد الشركاء وهو ستة، تبلغ مائة وأربعة وأربعين، لكل واحد منهم أربعة وعشرون، فيأخذ العامل ممن شرط له النصف اثني عشر، ومن الثاني ستة، ومن الثالث ثلاثة، ومن الرابع ستة عشر، ومن الخامس ثمانية، ومن السادس أربعة، فيجتمع له تسعة وأربعون.
الركن الرابع : العمل، (وشروطه) قريبة من عمل القراض وإن اختلفا في الجنس. فمنها: أن لا يشرط عليه عمل ليس من أعمال المساقاة. ومنها: أن يستبد العامل باليد في الحديقة ليتمكن من العمل متى شاء. فلو شرطا كونه في يد المالك، أو مشاركته في اليد، لم يصح. ولو سلم المفتاح إليه، وشرط المالك الدخول عليه، جاز على الصحيح. ووجه الثاني: أنه إذا دخل، كانت الحديقة في يده، ويتعوق بحضوره العمل. ومنها: أن ينفرد العامل بالعمل. فلو شرطا مشاركة المالك في العمل فسد العقد، وإن شرطا أن يعمل معه غلام المالك، جاز على المذهب والمنصوص. وقيل: وجهان كالقراض. هذا إذا شرطا معاونة الغلام، ويكون تحت تدبير العامل. فلو شرطا اشتراكهما في التدبير، ويعملان ما اتفقا عليه، لم يجز بلا خلاف. وإذا جوزناه في الاول، فلا بد من معرفة الغلام بالرؤية أو الوصف. وأما نفقته، فإن شرطاها على المالك، جاز، وإن شرطاها على العامل، جاز أيضا على الاصح. وعلى هذا، هل يجب تقديرها ليعرف ما يدفع إليه كل يوم من الخبز والادم، أم لا بل يحمل على الوسط المعتاد لانه يتسامح به ؟ وجهان، وبالثاني قطع الشيخ أبو حامد. وإن شرطاها في الثمار،

(4/231)


فقطع البغوي بالمنع، لان ما يبقى مجهول. وقال صاحب الافصاح: يجوز، لانه قد يكون من صلاح المال، ويشبه أن يتوسط فيقال: إن شرطاها من جزء معلوم، بأن شرطا للمالك ثلث الثمار، وللعامل ثلثها، ويصرف الثلث الثالث إلى نفقة الغلام. جاز، وكأن المشروط للمالك ثلثاها. وإن شرطاها في الثمار بغير تقدير جزء لم يصح. ولو لم يتعرضا للنفقة أصلا، فالمذهب والذي قطع به الجمهور: أنها على المالك. وفي وجه: على العامل، حكاه في المهذب. ولصاحب الافصاح احتمالان آخران. أحدهما: أنها من الثمرة، والآخر، يفسد العقد، ولا يجوز للعامل استعمال الغلام في عمل نفسه. ولو شرط أن يعمل له، بطل العقد. ولو كان برسم الحديقة غلمان يعملون فيها، لم يدخلوا في مطلق المساقاة. ولو شرط استئجار العامل من يعمل معه من الثمرة، بطل العقد. ولو شرط كون أجرة من يعمل معه على المالك، بطل على المذهب، وبه قطع الاصحاب، وشذ الغزالي، فذكر في جوازه وجهين. فصل يشترط لصحة المساقاة، أن تكون مؤقتة. فإن وقت بالشهور أو السنين العربية، فذاك، ولو وقت بالرومية وغيرها، جاز إذا علماها، فإن أطلقا لفظ السنة، انصرف إلى العربية. وإن وقت بادراك الثمرة، فهل يبطل كالاجارة، أم يصح لانه المقصود ؟ وجهان. أصحهما عند الجمهور: أولهما، وبه قطع البغوي، وصحح الغزالي الثاني. فعلى الثاني لو قال: ساقيتك سنة، وأطلق، فهل يحمل على السنة العربية، أم سنة الادراك ؟ وجهان، زعم أبو الفرج السرخسي (أن) أصحهما: الثاني. فإن قلنا بالاول، أو وقت بالزمان، فأدركت الثمار والمدة باقية، لزم العامل أن يعمل في تلك البقية، ولا أجرة له. وإن انقضت المدة وعلى

(4/232)


الشجر طلع أو بلح، فللعامل نصيبه منها، وعلى المالك التعهد إلى الادراك. وإن حدث الطلع بعد المدة، فلا حق للعامل فيه. ولو ساقاه أكثر من سنة، ففي صحته الاقوال التي سنذكرها إن شاء الله تعالى في الاجارة أكثر من سنة، فإن جوزناه، فهل يجب بيان حصة كل سنة، أم يكفي قوله: ساقيتك على النصف لاستحقاق النصف كل سنة ؟ قولان، أو وجهان كالاجارة. وقيل: يجب هنا قطعا، لكثرة الاختلاف في الثمر، بخلاف المنافع، فلو فاوت بين الجزء المشروط في السنين، لم يصح على المذهب. وقيل: قولان كالسلم إلى آجال. ولو ساقاه سنين، وشرط له ثمرة سنة بعينها، والاشجار بحيث تثمر كل سنة، لم يصح. قلت: ولو ساقاه تسع سنين، وشرط له ثمرة العاشرة، لم يصح قطعا، وكذا إن شرط له ثمرة التاسعة على الصحيح. والله أعلم.
الركن الخامس : الصيغة، ولا تصح المساقاة بدونها على الصحيح. وفيها الوجه المكتفى في العقود بالتراضي، والمعاطاة، وكذا في القراض وغيره. ثم أشهر الصيغ: ساقيتك على هذه النخيل بكذا، أو عقدت معك عقد المساقاة. قال الاصحاب: وينعقد بكل لفظ يؤدي معناها، كقوله: سلمت إليك نخيلي لتتعهدها على كذا، أو اعمل على هذا النخيل، أو تعهد نخيلي بكذا، وهذا الذي قالوه، يجوز أن يكون تفريعا على أن مثله من العقود ينعقد بالكناية، ويجوز أن يكون ذهابا إلى أن هذه الالفاظ صريحة، ويعتبر في المساقاة، لقبول قطعا، ولا يجئ فيها الوجه المذكور في القراض والوكالة، للزومهما. فرع لو عقدا بلفظ الاجارة، فقال: استأجرتك لتتعهد نخيلي بكذا من

(4/233)


ثمارها، أو عقدا الاجارة بلفظ المساقاة، فوجهان في المسألتين. أحدهما: الصحة، لما بين البابين من المشابهة، واحتمال كل لفظ معنى الآخر. وحهما: المنع، لان لفظ الاجارة صريح في غير المساقاة، فإن أمكن تنفيذه في موضوعه، نفذ فيه، وإلا، فلا، وهو إجارة فاسدة، والخلاف راجع إلى أن الاعتبار باللفظ أو المعنى ؟ ولو قال: ساقيتك على هذه النخيل بكذا ليكون أجرة لك، فلا بأس، لسبق لفظ المساقاة. هذا إذا قصد بلفظ الاجارة المساقاة، أما إذا قصدا الاجارة نفسها، فينظر، إن لم تكن خرجت الثمرة، لم يجز، لان شرط االاجرة أن تكون في الذمة، أو موجودة معلومة. وإن كانت خرجت، وبدا فيها الصلاح، جاز، سواء شرط ثمرة نخلة معينة، أو جزءا شائعا، كذا أطلقوه، ولكن يجئ فيه ما سنذكره إن شاء الله تعالى في مسألة قفيز الطحان وأخواتها. وإن لم يبد فيها الصلاح، فإن شرط له ثمرة نخيله بعينها، جاز بشرط القطع، وكذا لو شرط كل الثمار للعامل. وإن شرط جزءا شائعا، لم يجز وإن شرط القطع، لما سبق في البيع. وإذا عقدا بلفظ المساقاة، فالصحيح: أنه لا يحتاج إلى تفصيل الاعمال، بل يحمل في كل ناحية على عرفها الغالب. وقيل: يجب تفصيلها. وهذا الخلاف إذا علم المتعاقدان العرف المحمول عليه. فإن جهله أحدهما، وجب التفصيل قطعا.
الباب الثاني : في أحكام المساقاة ويجمعها حكمان. أحدهما: ما يلزم العامل والمالك. والثاني: في لزومها. أما الاول: فكل عمل تحتاج إليه الثمار لزيادتها، أو صلاح، ويتكرر كل سنة، فهو على العامل. وإنما اعتبرنا التكرار، لان ما يتكرر يبقى أثره بعد فراغ المساقاة، وتكليف العامل مثل هذا، إجحاف به. فما يجب عليه السقي، وما يتبعه

(4/234)


من إصلاح طريق المال والاجاجين التي يقف فيها الماء، وتنقية الآبار والانهار من الحمأة ونحوها. وإدارة الدولاب وفتح رأس الساقية، وسدها عند السقي، على ما يقتضيه الحال. وفي تنقية النهر وجه ضعيف: أنها على المالك. ووجه: أنها على من شرطت عليه منهما. فإن لم يذكراها، فسد العقد. ومنه: تقليب الارض بالمساحي وكرابها في المزارعة. قال المتولي: وكذا تقويتها بالزبل، وذلك بحسب العادة. ومنه: التلقيح، ثم الطلع الذي يلقح به على المالك، لانه عين مال، وإنما يكلف العامل العمل. ومنها: تنحية الحذيش المضر، والقضبان المضرة بالشجر. ومنه: تصريف الجريد. - والجريد: سعف النخل -. وحاصل ما قالوه في تفسيره شيئان. أحدهما: قطع ما يضر تركه يابسا وغير يابس. والثاني: ردها عن وجوه العناقيد بينها لتصيبها الشمس، وليتيسر قطعها عند الادراك. ومنه: تعريش شجر العنب حيث جرت العادة به. قال المتولي: ووضع الحشيش فوق العناقيد صونا عن الشمس عند الحاجة. وفي حفظ الثمار، وجهان. أحدهما: على العامل كحفظ مال القراض. فإن لم يحفظ بنفسه، فعليه مؤنة من يحفظه. والثاني: على العامل والمالك جميعا بحسب اشتراكهما في الثمار، لان الذي يجب على العامل ما يتعلق بزيادة الثمر وتنميته، ويجري الوجهان في حفظ الثمر عن الطيور والزنانير، بأن يجعل كل عنقود في قوصرة، فيلزم ذلك على العامل على الاصح عند جريان العادة (به) وهذه القوصرة على المالك، ويلزم العامل جداد الثمرة على الصحيح، وبه قطع الاكثرون، لانه من الصلاح. وقيل:

(4/235)


لا، لانه بعد الفراغ. ويلزمه تجفيف الثمار على الصحيح إذا طردت العادة، أو شرطاه. وإذا وجب التجفيف، وجب تهيئة موضعه وتسويته، ويسمى: البيدر والجرين، ونقل الثمار إليه، وتقليبها في الشمس. وأما ما لا يتكرر كل سنة ويقصد به حفظ الاصول، فهو من وظيفة المالك، وذلك كحفر الآبار والانهار الجديدة، والتي انهارت، وبناء الحيطان، ونصب الابواب والدولاب ونحوها. وفي ردم الثلم اليسيرة التي تتفق في الجدران، ووضع الشوك على رأس الجدار، وجهان كتنقية الانهار. والاصح: اتباع العرف. وأما الآلات التي يتوفر بها العمل، كالفأس، والمعول، والمسحاة، والثيران، والفدان في المزرعة، والثور الذي يدير الدولاب، فالصحيح: أنها على المالك. وقيل: هي على من شرطت عليه، ولا يجوز السكوت عنها، وبه قال أبو إسحاق، وأبو الفرج السرخسي. وخراج الارض الخراجية على المالك قطعا، وكذا كل عين تتلف في العمل، فعلى المالك قطعا. ثم كل ما وجب على العامل، فله استئجار المالك عليه، ويجئ فيه وجه. ولو شرط على المالك في العقد، بطل العقد، وكذا ما على المالك لو شرط على العامل، بطل العقد، ولو فعله العامل بلا إذن لم يستحق شيئا، وإن فعله بإذن المالك، استحق الاجرة. وجميع ما ذكرناه تفريع على الصحيح، في أن تفصيل الاعمال لا يجب في العقد. فإن أوجبناه، فالمتبع الشرط إلا أنه لا يجوز أن يكون الشرط مغيرا مقتضي العقد.
الحكم الثاني : المساقاة عقد لازم كالاجارة، ويملك العامل حصته من الثمرة

(4/236)


بالظهور على المذهب. وقيل: قولان كالقراض. والفرق على المذهب: أن الربح في القراض وقاية لرأس المال، بخلاف الثمر. فرع إذا هرب العامل قبل تمام العمل، نظر، إن تبرع المالك بالعمل، أو بمؤنة من يعمل، بقي استحقاق العامل بحاله، وإلا، رفع الامر إلى الحاكم، وأثبت عنده المساقاة ليطلبه الحاكم، فإن وجده، أجبره على العمل، وإلا، استأجر عليه من يعمل. ومن أين يستأجر ؟ ينظر، إن كان للعامل مال، فمنه، وإلا، فإن كان بعد بدو الصلاح، باع نصيب العامل كله أو بعضه بحسب الحاجة للمالك أو غيره، واستأجر بثمنه. وإن كان قبل بدو الصلاح، إما قبل خروج الثمرة، استقرض عليه من المالك أو غيره، أو من بيت المال، واستأجر به، ثم يقضيه العامل إذا رجع، أو يقضى من نصيبه من الثمرة بعد بدو الصلاح، أو الادراك. ولو وجد يستأجره بأجرة مؤجلة، استغنى عن الاقتراض. وإن فعل المالك بنفسه، أو أنفق عليه يفعل، لم يرجع. وإن لم يمكنه الاشهاد، ففي رجوعه وجهان. أصحهما عند الجمهور: لا يرجع، لانه عذر نادر. وحكي وجه: أنه يرجع وإن تمكن من الاشهاد، وهو شاذ. وإن أشهد، رجع على الاصح، للضرورة. وقيل: لا، لئلا يصير حاكما لنفيه. ثم الاشهاد المعتبر، أن يشهد على العمل أو الاستئجار، وأنه بذل ذلك بشرط الرجوع. فأما الاشهاد على العمل أو الاستئجار من غير تعرض للرجوع، فهو كترك الاشهاد، قال في الشامل. وإذا أنفق المالك بإذن الحاكم ليرجع، فوجهان. وجه المنع: أنه منهم في حق نفسه. فطريقه: أن يسلم المال إلى الحاكم ليأمر غيره بالانفاق. ولو استأجره لباقي العمل، فوجهان

(4/237)


بناء على ما لو أجر داره، ثم استأجرها من المستأجر. ومتى تعذر إتمام العمل بالاستقراض وغيره، فإن لم تكن الثمرة خرجت، فللمالك فسخ العقد على الصحيح، للتعذر والضرورة. وقال ابن أبي هريرة: لا يفسخ، لكن يطلب الحاكم من يساقي عن العامل، فربما فضل له شئ. وإن كانت الثمرة قد خركت، فهي مشتركة بينهما. فان بدا صلاحها، بيع نصيب العامل كله أو بعضه بقدر ما يستأجر به عامل. وإن لم يبد، تعذر بيع نصيبه وحده، لان شرط القطع في المشاع لا يكفي. فإما أن يبيع المالك نصيبه معه ليشرط القطع في الجميع، وإما أن يشتري المالك نصيبه، فيصح على الاصح في أن بيع الثمار قبل بدو الصلاح لصاحب الشجرة يكفي عن اشتراط القطع. فإن لم يرغب في بيع ولا شراء، وقف الامر حتى يصطلحا. وهذا كله تفريع على أنه لا يثبت الفسخ بعد خروج الثمرة، وهو الصحيح. وقال في المهذب: يفسخ، وتكون الثمرة بينهما، ولا يكاد يفرض للفسخ بعد خروج الثمرة فائدة. ويتفرع على ثبوت الفسخ قبل خروج الثمرة فرعان. أحدهما: إذا فسخ، غرم المالك للعامل أجرة مثل ما عمل، ولا يقال يتوزيع الثمار على أجرة مثل جميع العمل، إذ الثمار ليست موجودة عند العقد حتى يقتضي العقد التوزيع فيها. الثاني: جاء أجنبي وقال: لا تفسخ لاعمل نيابة عن العامل، لم يلزم الاجابة، لانه قد لا يأتمنه ولا يرضى بدخوله ملكه. لكن لو عمل نيابة بغير علم المالك، وحصلت الثمار، سلم للعامل نصيبه منها، وكان الاجنبي متبرعا (عليه)، هكذا قالوه. ولو قيل: وجود المتبرع كوجود مقرض حتى لا يجوز الفسخ، لكان قريبا. والعجز عن العمل بمرض ونحوه كالهرب.
فصل ولو مات مالك الشجر في أثناء المدة، لم تنفسخ المساقاة، بل

(4/238)


يستمر العامل ويأخذ نصيبه. وإن مات العامل، فان كانت المساقاة على عينه، انفسخت بموته كالاجير (المعين). وإن كانت على الذمة، فوجهان. أحدهما تنفسخ لانه لا يرضي بيده غيره. والثاني وهو الصحيح وعليه التفريع: لا تنفسخ كالاجارة، بل ينظر إن خلف تركة، تمم وارثه العمل، بأن يستأجر من يعمل، وإلا، فان أتم العمل بنفسه، أو استأجر من ماله من يتم، فعلى المالك تمكينه إن كان أمينا مهتديا إلى أعمال المساقاة، ويسلم له المشروط. وإن أبى، لم يجبر عليه على الصحيح. وقيل: يجبر، لانه خليفته، وهو شاذ، لان منافعه لنفسه، وإنما يجبر على أداء ما على المورث من تركته. لكن لو خلف تركة، وامتنع الوارث من الاستئجار منها، استأجر الحاكم. وإن لم يخلف تركه، لم يستقرض على الميت، بخلاف الحي إذا هرب. ومهما لم يتم العمل، فالقول في ثبوت الفسخ وفي الشركة وفصل الامر إذا خرجت الثمار، كما ذكرناه في الهرب. وهذا الذي ذكرناه من أن المساقاة تكون على العين وفي الذمة، هو تفريع على جوازها على العين، وهو المذهب المقطوع به، وتردد فيها بعضهم، لما فيها من التضييق. فرع نقل المتولي: أنه إذا لم تثمر الاشجار أصلا، أو تلفت الثمار كلها بجائحة، أو غصب، فعلى العامل إتمام العمل وإن تضرر به. كما أن عامل القراض يكلف التنضيض وإن ظهر خسران ولم ينل إلا التعب. وهذا أصح مما ذكره البغوي: أنه إذا تلفت الثمار كلها بالجائحة، ينفسخ العقد، إلا أن يريد: بعد تمام العمل وتكامل الثمار. قال: وإن هلك بعضها، فللعامل الخيار، بين أن يفسخ العقد ولا شئ له، وبين أن يجيز ويتم العمل ويأخذ نصيبه.
فصل دعوى المالك على العامل السرقة والخيانة في الثمر أو السعف، لا تقبل حتى يبين قدر ما خان فيه ويحرر الدعوى. فإذا حررها، وأنكر العامل، فالقول قول العامل مع يمينه. فان ثبتت خيانته ببينة، أو باقراره، أو بيمين المالك بعد نكوله، فقيل: قولان. أحدهما: يستأجر عليه من يعمل عنه. والثاني: يضم إليه أمين يشر ف عليه. وقال الجمهور: هي على حالين: إن أمكن حفظه بضم مشرف، قنع به، وإلا، أزيلت يده بالكلية، واستؤجر عليه من يعمل. ثم إذا استؤجر عليه، فالاجرة في ماله. وأما أجرة المشرف، فعليه أيضا على المذهب، وبه قطع

(4/239)


الجمهور. وقال المتولي: تبنى على مؤنة الحفظ، إن جعلناها على العامل، فكذا أجرة المشرف، وإن جعلناها عليهما، فكذا هنا. وقال في الوسيط: أجرة المشرف على العامل إن ثبتت خيانته بالبينة، أو بإقراره، وإلا، فعلى المالك. وهذا الذي ذكره مشكل، وينبغي إذا لم تثبت خيانته أن لا يتمكن المالك من ضم مشرف إليه، لما فيه من إبطال استقلاله باليد.
فصل إذا خرجت الاشجار المساقى عليها مستحقة، أخذها المالك مع الثمار إن كانت باقية. وإن جففاها ونقصت قيمتها بالتجفيف، استحق الارش أيضا، ويرجع العامل على الغاصب الذي ساقاه بأجرة المثل، كما لو استأجر الغاصب من عمل في المغصوب عملا، وقيل: لا أجرة، تخريجا على قولي الغرور، وكما لو تلفت بجانحة. والصحيح: الاول. وإن أتلفها، فللمالك الخيار في نصيب العامل، بين أن يطالب بضمانه العامل أو الغاصب. والقرار على العامل على الصحيح. وقيل: على الغاصب، كما لو أطعمه الطعام المغصوب على قول. وأما نصيب الغاصب، فللمالك مطالبته به. وفي مطالبته العامل به، وجهان. أصحهما عند الجمهور: يطالبه، لثبوت يده لم، كما يطالب عامل القراض والمودع إذا خرج مستحقا. والثاني: لا، لان يده تثبت عليه مقصودة. وعلى الوجهين يخرج ما إذا تلف جميع الثمار قبل القسمة بجائحة أو غصب، فان ثبتنا يد العامل عليها، فهو مطالب، وإلا، فلا. ولو تلف شئ من الاشجار، ففيه الوجهان. وإذا قلنا: يطالب العامل بنصيب الغاصب، ففي رجوعه على الغاصب الخلاف المذكور في رجوع المودع. والمذهب: القطع بالرجوع.
فصل إذا اختلفا في قدر المشروط للعامل، ولا بينة، تحالفا كما في القراض. وإذا تحالفا وتفاسخا قبل العمل، فلا شئ للعامل. وإن كان بعده، فله أجرة مثل عمله. وإن كان لاحدهما بينة، قضي بها. وإن كان لكل منهما بينة، فإن قلنا: يتساقطان وهو الاظهر، فهو كما لو لم يكن لهما بينة، فيتحالفان. وإن قلنا: تستعملان، فيقرع بينهما. ولا يجئ قولا الوقف والقسمة، لان الاختلاف في العقد، وهو لا يقسم ولا يوقف. وقيل: تجئ القسمة في القدر المختلف فيه، فيقسم بينهما نصفين. ولو ساقاه شريكان في الحديقة، فقال العامل: شرطتما لي

(4/240)


نصف الثمر، وصدقه أحدهما، قال الآخر: بل شرطنا الثلث، فنصيب المصدق مقسوم بينه وبين العامل. وأما نصيب المكذب، فيتحالفان فيه. ولو شهد المصدق للعامل أو المكذب، قبلت شهادته، لعدم التهمة. ولو اختلفا في قدر الاشجار المعقود عليها، أو في رد شئ من المال أو هلاكه، فالحكم كما ذكرناه في القراض.
فصل إذا بدا صلاح الثمار، فإن وثق المالك بالعامل، تركها في يده إلى الادراك، فيقتسمان حينئذ إن جوزناها، أو يبيع أحدهما نصيبه للثاني، أو يبيعان لثالث. وإن لم يثق به وأراد تضيمنه التمر أو الزبيب، بني على أن الخرص عبرة أو تضمين ؟ فان قلنا: عبرة، لم يجز. وإن قلنا: تضمين، جاز على الاصح كما في الزكاة. ويجري الخلاف، فيما لو أراد العامل تضمين المالك بالخرص.
فصل إذا انقطع ماء البستان، وأمكن رده، ففي تكليف المالك السعي فيه وجهان. أحدهما: لا، كما لا يكلف الشريك العمارة ولا المكري. والثاني: يكلف، لانه لا يتمكن من العمل إلا به، فأشبه ما لو استأجره لقصاة ثوب بعينه يكلف تسليمه. فعلى هذا لو لم يسع في رده، لزمه للعامل أجرة عمله. ولو لم يمكن رد الماء، فهو كما لو تلفت الثمار بجائحة. قلت: أصحهما: لا يكلف. والله أعلم.
فصل السواقط، وهي السعف التي تسقط من النخل، يختص بها المالك، وما يتبع الثمن، فهو بينهما. قال الشيخ أبو حامد: ومنه الشماريخ.
فصل دفع بهمة إليه ليعمل عليها، وما رزق الله تعالى فهو بينهما، فالعقد فاسد. ولو قال: تعهد هذه الغنم بشرط أن درها ونسلها بيننا، فباطل أيضا، لان النماء لا يحصل بعمله. ولو قال: اعلف هذه من عندك ولك نصف درها، ففعل، وجب بدل النصف على صاحب الشاة، والقدر المشروط من الدر لصاحب العلف مضمون في يده، لحصوله بحكم بيع فاسد، والشاة غير مضمونة، لانها غير مقابلة بالعوض. ولو قال: خذ هذه واعلفها لتسمن ولك نصفها، ففعل، فالقدر المشروط منها لصاحب العلف مضمون عليه، دون الباقي.

(4/241)


فصل قال المتولي: إذا كانت المساقاة في الذمة، فللعامل أن يعامل غيره لينوب عنه. ثم إن شرط له من الثمار مثل ما شرط المالك له أو دونه، فذاك، وإن شرط له أكثر، فعلى الخلاف في تفريق الصفقة. فان جوزناه، وجب للزيادة أجرة المثل، وإن منعناه، فالاجرة للجميع. وإن كانت المساقاة على عينه، لم يكن له أن يستنيب ويعامل غيره، فلو فعل، انفسخت المساقاة بتركه العمل، وكانت الثمار كلها للمالك، ولا شئ للعامل الاول. وأما الثاني، فان علم فساد العقد، فلا شئ له، وإلا، ففي استحقاقه أجرة المثل الخلاف في خروج الثمار مستحقة. فصل بيع الحديقة التي ساقى عليها في المدة، يشبه بيع العين المستأجرة، ولم أر له ذكرا، لكن في فتاوى البغوي: أن المالك إن باعها قبل خروج الثمرة، لم يصح، لان للعامل حقا في ثمارها، فكأنه استثنى بعض الثمرة. وإن كان بعد خروج الثمرة، صح البيع في الاشجار ونصيب المالك من الثمار، ولا حاجة إلى شرط القطع، لانها مبيعة مع الاصول، ويكون العامل مع المشتري كما كان مع البائع. وإن باع نصيبه من الثمرة وحدها، لم يصح، للحاجة إلى شرط القطع وتعذره في الشائع. قلت ؟: هذا الذي قاله البغوي، حسن، وهذه المسألة، لم يذكرها الرافعي هنا، بل في آخر كتاب الاجارة. والله أعلم.
باب المزارعة والمخابرة
قال بعض الاصحاب: هما بمعنى، والصحيح وظاهر نص الشافعي رضي الله عنه: أنهما عقدان مختلفان. فالمخابرة: هي المعاملة على الارض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل. والمزارعه مثلها، إلا أن البذر من المالك. وقد يقال: المخابرة: اكتراء

(4/242)


الارض ببعض ما يخرج منها. والمزارعة: اكتراء العامل لزرع الارض ببعض ما يخرج منها. والمعنى لا يختلف. قلت: هذا الذي صححه الامام الرافعي، هو الصواب. وأما قول صاحب البيان: قال أكثر أصحابنا: هما بمعنى، فلا يوافق عليه، فنبهت عليه لئلا يغتر به. والله أعلم والمخابرة والمزارعة باطلتان، وقال ابن سريج: تجوز المزارعة. قلت: قد قال بجواز المزارعة والمخابرة من كبار أصحابنا أيضا، ابن خزيمة، وابن المنذر، والخطابي وصنف فيها ابن خزيمة جزءا، وبين فيه علل الاحاديث الواردة بالنهي عنها، وجمع بين أحاديث الباب، ثم تابعه الخطابي وقال: ضعف أحمد ابن حنبل حديث النهي، وقال: هو مضطرب كثير الالوان. قال الخطابي: وأبطلها مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، رضي الله عنهم، لانهم لم يقفوا على علته، قال: فالمزارعة جائزة، وهي عمل المسلمين في جميع الامصار، لا يبطل العمل بها أحد. هذا كلام الخطابي. والمختار جواز المزارعة والمخابرة، وتأويل الاحاديث على ما إذا شرط

(4/243)


أحدهما زرع قطعة معينة، والآخر أخرى، والمعروف في المذهب، إبطا لهما، وعليه تفريع مسائل الباب. والله أعلم فمتى أفردت الارض لمخابرة أو مزارعة، بطل العقد. فان كان البذر للمالك، فالغلة له، وللعامل أجرة مثل عمله، وأجرة البقر والآلات إن كانت له. وإن كان البذر للعامل، فالغلة له، ولمالك الارض عليه أجرة مثلها. وإن كان لهما، فالغلة لهما، ولكل واحد على الآخر أجرة مثل ما انصرف من منافعه إلى حصة صاحبه. وإذا أرادا أن يكون الزرع بينهما على وجه مشروع، بحيث لا يرجع أحدهما على الآخر بشئ، نظر، إن كان البذر بينهما، والارض لاحدهما، والعمل والآلات للآخر، فلهما ثلاث طرق. أحدها: قاله الشافعي رضي الله عنه: يعير صاحب الارض للعامل نصفها، ويتبرع العامل بمنفعة بدنوآلاته لانه مما يختص صاحب الارض. الثاني: قاله المزني: يكري صاحب الارض للعامل نصفها بدينار مثلا، ويكتري العامل ليعمل على نصيبه بنفسه وآلاته بدينار، ويتقاصان. الثالث: قاله الاصحاب: يكريه نصف أرضه بنصف منافع العامل وآلاته، وهذا أحوطها. وإن كان البذر لاحدهما، فان كان لصاحب الارض، أقرض نصفه للعامل وأكراه نصف الارض بنصف عمله ونصف منافع آلاته، ولا شئ لاحدهما على الآخر إلا رد العوض. وإن شاء استأجر العامل بنصف البذر، ليزرع له النصف الآخر وأعاره نصف الارض، وإن شاء استأجره بنصف البذر ونصف منفعة تلك الارض ليزرع باقي البذر في باقي الارض. وإن كان الندر للعامل، فان شاء أقرض نصفه لصاحب الارض واكترى منه نصفها بنصف عمله وعمل الآته، وإن شاء اكترى نصف الارض بنصف البذر وتبرع بعمله ومنافع آلاته، وإن شاء اكترى منه نصف الارض

(4/244)


بنصف البذر ونصف عمله ومنافع آلاته. ولا بد في هذه الاجارات من رعاية الشرائط، كرؤية الارض والآلات، وتقدير المدة وغيرها. هذا كله إذا أفرد ت الارض بالعقد. أما إذا كان النخيل بياض، فتجوز المزارعة عليه مع المساقاة على النخيل، ويشترط فيه اتحاد العامل، فلا يجوز أن يساقي واحدا، ويزارع آخر، ويشترط أيضا تعذر إفراد النخيل بالسقي، والارض بالعمارة، لانتفاع النخل بسقي الارض وتقليبها، فان أمكن الافراد، لم تجز المزارعة. واختلفوا في اعتبار أمور. أحدها: اتحاد الصفقة، فلفظ المعاملة، يشمل المزارعة والمساقاة. فلو قال: عاملتك على هذا النخيل والبياض بالنصف، كفى. وأما لفظ المساقاة والمزارعة، فلا يغني أحدهما عن الآخر، بليساقي على النخيل، ويزارع على البياض، وحينئذ إن قدم المساقاة، نظر، إن أتى بهما على الاتصال، فقد اتحدت الصفقة ووجد الشرط، وإن فصل بينهما، فقيل: تصح المزارعة، لحصولهما لشخص. والاصح: المنع، لانها تبع، فلا تفرد كالاجنبي. وإن قدم المزارعة، فسدت على الصحيح، لانها تابعة. وقيل: تنعقد موقوفة. فان ساقاه بعدها، بانت صحتها، وإلا، فلا. الثاني: لو شرط للعامل نصف الثمر، وربع الزرع، جاز على الاصح. وقيل: يشترط التساوي، لان التفضيل يزيل التبعية. الثالث: لو كثر البياض المتخلل مع عسر الافراد، فقيل: يبطل، لان الاكثر متبوع لا تابع. والاصح: الجواز، للحاجة. ثم النظر في الكثرة إلى زيادة النماء، أم إلى مساحة البياض ومغارس الشجر ؟ وجهان. قلت: أصحهما: الثاني. والله أعلم الرابع: لو شرطا كون البذر من العامل فهي مخابرة، فقيل: تجوز تبعا للمساقاة كالمزارعة. والاصح: المنع، لان الحديث ورد في المزارعة تبعا في قصة خيبر، دون المخابرة، ولان المزارعة أشبه بالمساقاة، لانه لا يتوظف على العامل

(4/245)


فيهما إلا العمل. فلو شرط أن يكون البذر من المالك والبقر من العامل، أو عكسه، قال أبو عاصم العبادي: فيه وجهان. أصحهما: الجواز إذا شرط البذر على المالك، لانه الاصل، فكأنه اكترى العامل وبقره، قال: فان جوزنا فيما إذا شرط البقر على المالك والبذر على العامل، نظر، فان شرط التبن والحب بينهما، جاز، وكذا لو شرط الحب بينهما والتبن لاحدهما لاشتراكهما في المقصود. فان شرط التبن لصاحب الثور وهو مالك الارض، وشرط الحب للآخر، لم يجز، لان المالك هو الاصل، فلا يمنع المقصود. وإن شرطا التبن لصاحب البذر وهو العامل، فوجهان. وقيل: لا يجوز شرط الحب لاحدهما والتبن للآخر أصلا. واعلم أنهم أطلقوا القول في المخابرة بوجوب أجرة مثل الارض، لكن في فتاوى القفال والتهذيب وغيرهما: أنه لو دفع أرضا إلى رجل ليغر س أو يبني أو يزرع فيها من عنده على أن يكون بينهما مناصفة، فالحاصل للعامل وفيما يلزمه من أجيرة الارض، وجهان. أحدهما: نصفها، لانه غرس نصف الغرس لصاحب الارض بإذنه، فقد رضي ببطلان منفعة النصف. وأصحهما: جميعها، لانه إنما رضي ليحصل له نصف الغراس، فإذا إطلاقهم في المخابرة تفريع على الاصح. ثم العامل يكلف نقل البناء والغراس إن لم تنقص قيمتهما. وإن نقصت، لم يقلع مجانا، للاذن، بل يتخير مالك الارض فيهما تخير المعير، والزرع يبقى إلى الحصاد. ولو زرع العامل البياض بين النخيل من غير إذن، قلع زرعه مجانا. وإذا لم نجوز المساقاة على ما سوى النخيل والعنب من الشجر المثمر منفردا، ففي جوازها تبعا للمساقاة كالمزارعة وجهان. قلت: أصحهما: الجواز. والله أعلم

(4/246)